إدام القوت في ذكر بلدان حضر الموت

السيّد عبد الرحمن بن عبيد الله السقّاف

إدام القوت في ذكر بلدان حضر الموت

المؤلف:

السيّد عبد الرحمن بن عبيد الله السقّاف


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار المنهاج للنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ١١١٠

وقال : (قال ابن إسحاق : عاد بن عوين (١) بن إرم بن سام بن نوح ، وثمود وجديس ابنا عابر بن إرم بن سام بن نوح ، وطسم وعملاق وأميم بنو لاوذ بن سام بن نوح .. عرب كلّهم) اه (٢)

وأطال فيه صاحب «التاج» ، وذكر : (أنّ عادا وثمودا وأميما وعبيلا ووبارا هم العرب العاربة ، ومنزلهم الأحقاف وماجاورها) اه

وقال الهمداني في أوائل «الإكليل» : أمّا الّذين ذكروا أنّ قحطان من ولد إسماعيل .. فإنّهم تعلّقوا بظاهر حديث ابن أبي حدرد قال : مرّ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم بناس من أسلم خزاعة وهم ينتضلون .. فقال : «ارموا بني إسماعيل» (٣) ، وهم من الأزد ، والأزد من قحطان.

وجوابه : أنّ العرب اختلطت بالصّهوريّة .. فالقحطانيّة أبناء إسماعيل من جهة الأمهّات ، والنزاريّة أبناء لقحطان بهنّ ؛ كما نسب عيسى عليه السّلام في القرآن إلى آباء أمّه ، ومن ذلك قول لوط : (هؤُلاءِ بَناتِي) وإنما أراد نساء القرية ، ومنه قوله عزّ وجلّ : (مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ) فإنّه لا يخرج عنها أحد من العرب ؛ إذ قد أولد الجميع بالرّجال والنّساء.

ثمّ أطال في ذلك بأشعار تركناها ، ثم قال : ومن الحجّة الأكيدة : ما روي من جهات كثيرة : أنّه لمّا نزل قوله تعالى : (لَقَدْ كانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ ...) إلى آخر الآية. قال ناس : ما سبأ؟ أرض أم امراة؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم : «لا ذا ، ولا ذاك ، ولكنّه رجل من العرب أولد عشرة أبطن ، فتيامنت ستّة ، وتشاءمت أربعة» قالوا : فمن هم يا رسول الله؟ قال : أمّا الّذين تيامنوا .. فكندة ، ومذحج ، والأشعرون ، وحمير ، وأنمار ، والأزد. وأمّا الّذين تشاءموا .. فجذام ،

__________________

(١) في «السيرة النبوية» : (عوص).

(٢) السيرة النبوية (١ / ١١٤).

(٣) أخرجه البخاري (٢٨٩٩) ، عن سلمة بن الأكوع لا عن ابن أبي حدرد رضي الله عنهما. ينتضلون : يتسابقون في رمي السهام.

٦١

ولخم ، وعاملة ، وغسّان» قالوا : فما خثعم وبجيلة؟ قال : «بطنان من أنمار».

وأسهب بما لا حاجة بنا إليه ، وحديث سبأ موجود عند التّرمذيّ [٣٢٢٢] بزيادة ، وقال : إنّه حسن غريب.

٦٢

القسم الأوّل

في مرافىء حضرموت وما داناها

من أعلاها إلى أدناها

٦٣

٦٤

القسم الأوّل

في مرافىء حضرموت وما داناها من أعلاها إلى أدناها

عين بامعبد

هي قرية صغيرة ، واقعة في حدّ حضرموت الجنوبيّ الغربيّ ، ويأتي في ميفع أنّ به ناسا من آل بامعبد لا يزالون إلى اليوم. فيفهم منه أنّ العين منسوبة إلى جدّهم (١).

ولا يزال بالعين منهم خلق إلى الآن ، وقد نجع كثير منهم إلى تريم ، ولما مسّهم ظلم يافع .. انتقل بعضهم إلى دمّون ، وبعض إلى السويريّ.

وفي ترجمة الشّيخ الكبير عبد الله بن علويّ ابن الفقيه المقدّم : أنّه مرّ في طريقه من الحجاز إلى حضرموت بعين بامعبد .. فاستقبله شيخها محمّد بن عبد الله بامعبد ، وأجلّه واحترمه.

وكانت وفاة الشّيخ عبد الله بن علويّ المذكور في سنة (٧٣١ ه‍) عن إحدى وتسعين عاما.

وفي صفحة [٣٥٣] من «النّور السّافر» للشّيخ عبد القادر بن شيخ العيدروس : (أنّ الشّيخ بامعبد انتفع بالشّيخ سعيد بن عيسى العموديّ) ، المتوفّى سنة (٦٧١ ه‍) ، فيمكن أن يكون هو صاحب الشّيخ عبد الله بن علويّ ، ويحتمل أن يكون أباه (٢)

__________________

(١) قوله (إلى جدّهم) : قال في «الشّامل» (ص ٤٩): (آل بامعبد : ذرّيّة الشّيخ محمّد بن محمّد بن معبد الدّوعني ، المعروف بأبي معبد ، توفي سنة (٧٢٠ ه‍) ، وأصله من دوعن ، وحلّ بالعماد قريبا من عدن ، ثمّ انتقل إلى نواحي عين بامعبد ، تفقّه من ولده : محمّد الغزالي ، وعبد الله ، وكان لهم رباط ، ولم تزل ذرّيّته هناك وفي ميفعة) اه

(٢) يستفاد بعد التّمحيص والسّبر : أنّ الّذي أخذ عن الشّيخ سعيد العموديّ هو الشّيخ الوليّ محمّد بن

٦٥

أمّا رجوع الشّيخ عبد الله بن علويّ من الحجاز إلى حضرموت .. فقد كان في سنة (٦٨٠ ه‍).

وفي عين بامعبد عيون ماء عليها نخل كثير ، وسكّانها الآن من الرّجال نحو المئتين من آل بامعبد وآل عبد الله وغيرهم ، وهي تبعد عن السّاحل بنحو أربع ساعات للماشي ، ومنهم الشّيخ عبد الحسين بن حميد بن امبارك بن عمر بامعبد ، ولد بالسويريّ حوالي سنة (١٣٠٥ ه‍) ، وبها قرأ القرآن على المعلّم عمر بن عبود باعطب ، ثمّ أقام زمانا على طلب العلم بتريم ، وهو الآن بالمكلّا ، وله تنقّلات.

والتّسمية بعبد الحسين ممنوعة كما في «التّحفة» [٩ / ٣٧٣] وغيرها ؛ لإيهام التّشريك ، ولعلّ الحرمة مقصورة على الواضع الأوّل ، أمّا إذا وضع لإنسان واشتهر به .. فلا يحرم ؛ للحاجة ، ولأنّ النّهي لا يشمله ، كما اعتذروا عن تكنية الرّافعيّ بأبي القاسم ، مع حرمتها مطلقا كما اعتمده الرّمليّ وابن حجر ؛ تبعا لما صحّحه النّوويّ ، وإن كان اختيار تخصيص الحرمة بزمنه صلّى الله عليه وآله وسلّم ، واعتماد الرّافعيّ اختصاص ذلك بمن اسمه (محمّد) ، وبمثل ذلك الاعتذار التّلقيب بمثل الأعشى ، ومن إطلاق : (جار الله) في الدّوام على الزّمخشريّ ، مع حرمة ذلك في البدء ، كما في «التحفة» [٩ / ٣٧٤] وغيرها.

وبنحوه العذر عن تكنية التّرمذيّ بأبي عيسى ، مع القول بكراهتها في الابتداء ، أمّا تسمية ابن الصّبّاغ بعبد السّيّد .. فلا إشكال فيها ؛ لأنّ السّيّد هو الله كما ورد. ولا حرج في إطلاق : (اللّعين) على المنقريّ (١) ، أمّا في الدّوام .. فواضح ، وأمّا في الابتداء .. فلأنّ الواضع مجتهد ، وهو ابن الخطّاب ، وقد سمعه ينشد شعرا والنّاس يصلّون.

__________________

محمّد بن معبد ؛ لأنّ مولده كان بدوعن ثمّ رحل عنها. وترجمته في «طبقات الخواص» (ص ٣١٢ ـ ٣١٣) .. مفيدة. وفيه أنّه اشتهر بكرامات كثيرة ، وفي «الطبقات» : أن الذي توفي سنة (٧٢٠ ه‍) هو عبد الله بن محمد بامعبد ، وليس والده محمدا ، كما ذكر صاحب «الشامل» والله أعلم.

(١) هو منازل بن زمعة التميمي المنقري. قال في «الأعلام» (٧ / ٢٨٩) سمع سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه رجلا ينشد الشعر والناس يصلون .. فقال : من هذا اللعين؟ فعلق به لقبا.

٦٦

بالحاف (١)

هو من وراء عين بامعبد إلى جهة الشّرق ، وهو مرسى لآل أحمد بن هادي آل عزّان (٢).

والسّلطان فيهم : عبد الله بن محسن الواحديّ (٣) ، وهو من جملة الموقّعين على

__________________

(١) بلحاف : ميناء يطل على البحر العربي ، عداده من مديرية رضوم وأعمال محافظة شبوة ، أقيم فيه ميناء حديث لاستقبال وتصدير الغاز الطبيعي المسال القادم عبر أنبوب الغاز من محافظة مأرب ، ومن شبوة. ونظرا لجمال المنطقة الطبيعي فإن السيّاح يرتادونها من حين لآخر.

منها : الشيخ سعيد بن عمر بلحاف (القرن السابع الهجري) أحد كبار الأولياء العارفين بالله ، ومن أعيان صوفية حضرموت في العصور الوسيطة ، تخرج بالإمام الكبير الفقيه المقدم محمد بن علي باعلوي (ت ٦٥٣ ه‍) ، ولعل هذه المنطقة تنسب إليه أو إلى أسرته المعروفة بها. كان هذا الرجل من الأكابر ، ولكن لم تصل إليه أقلام المؤرخين ولم يترجموه في كتبهم ، واكتفوا بإشارات عابرة فقط. كان من أهل الذوق والوجدان والعرفان ، له شعر رمزي عجيب غريب. عثرت في بلدنا شبام على مجموعة صغيرة من شعره ، وقد كان للسادة بني علوي اهتمام بشعره ، واعتنى جماعة منهم بشرح بعض قصائده الغريبة الفريدة ـ سنأتي على ذكرهم ـ ومن الآخذين عنه والمصاحبين له : الشيخ الجليل عبد الله باعلوي حفيد شيخه الفقيه المقدم ، كما ذكر في ترجمتهما من «المشرع».

أما شراح شعره :

السيد الإمام العيدروس الأكبر عبد الله بن أبي بكر ، الملقب بسلطان الملا ، المتوفى بتريم سنة (٨٦٥ ه‍) ، له شرح على قصيدة بلحاف التي مطلعها :

نحن لكم من قبل أن يولد نوح

 ...

ذكره الشلي في «المشرع» (٢ / ٣٤٦ ـ ٣٤٧).

السيد العلامة عقيل بن عمر باعمر باعلوي العماني ، المتوفى سنة (١٠٦٢ ه‍) ، أحد شيوخ صاحب «المشرع». له شرح قصيدة «جلبة المسافر» ، اسمه : «فتح الكريم الغافر» ، منه نسخة بتريم.

(٢) آل أحمد بن هادي هم فخذ من فخائذ آل الواحدي حكام تلك النّواحي ، ولمعرفة المزيد من التّفاصيل حول هذه الأسرة الواحديّة ، ومعرفة أخبارهم .. ينظر : «الشّامل» (٥٥ ـ ٦٣) ، وفيه تفصيل لم يسبق إلى مثله ، و «بضائع التّابوت» (٢ / ٣١٨ ـ ٣٢١) ، و «ما جاد به الزّمان من أخبار مدينة حبّان» (١٠٢ ـ ١١٤) ، و «معالم تاريخ الجزيرة العربيّة» (٢١٦ ـ ٢١٨).

(٣) عبد الله بن محسن بن صالح بن ناصر بن عبد الله بن أحمد بن هادي الواحديّ .. كان سلطان عزّان

٦٧

الوثيقة الّتي أمضى عليها أعيان تلك الجهات وسلاطينها بالسّمع والطّاعة لي على نصر الحقّ في المنشط والمكره (١).

كما أنّ من جملة الموقّعين عليها : الشّيخ محمّد بن جعبل العوذليّ بالنّيابة عن السّلطان صالح بن حسين بن جعبل ؛ لأنّه كان إذ ذاك صغيرا ، وهو القائم بأمور السّلطنة.

ومن الموقّعين عليها : السّلطان حسين بن أحمد الرّصاص ، ومشايخ المصعبين والمياسر وآل حسنة (٢) ، ومناصب السّادة آل المحضار بمرخة وحبّان ، ورؤساء آل بامسدوس والدّيّن ، وغيرهم ، وكان كلّ ذلك برأي المغفور له سيف الإسلام محمد ابن مولانا أمير المؤمنين ، أراد بذلك نصرتي لما نالني من الاهتضام بحضرموت إزاء قيامي بنصر الشّريعة ، والأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر ، وقد استنجدت بوالده أمير المؤمنين يحيى بن محمّد .. فلم يتمكّن من مساعدتي علنا ؛ لتلبّد الجوّ السّياسيّ بالغيوم. ولقد تمّ كلّ ما يرام من أخذ العهود على أولئك ، ولو لا أنّني شاورت مولانا الإمام يحيى في النّهوض بهم فثناني ـ أدام الله مجده ـ عن الاعتماد عليهم .. لكان لذلك نبأ عظيم ، ولكنّه ـ أعلى الله شأنه ـ كان أعرف بأحوالهم ، وما كنت لأقدم على أمر وبيعته في عنقي بدون إشارته ؛ لأنّ طاعته واجبة ، ورأيه الأعلى والأصوب ، فلله الحمد على السّلامة (٣).

__________________

فقط ، أمّا حبّان : فإنّها بعد مقتل سلطانها ناصر بن صالح بن ناصر الواحدي سنة (١٣٣١ ه‍) صارت تحت سلطان العوالق ، فحكمها محسن بن فريد من ذلك التّاريخ إلى سنة (١٣٥١ ه‍) ، حيث نصّب عليها حسين بن عبد الله الواحديّ. وأمّا عبد الله بن محسن .. فقد قتل فجأة بعدن سنة (١٣٥٨ ه‍).

(١) هذه الوثيقة كتبها وسار بها على المذكورين السّيّد المصنّف رحمه الله في أوائل سنة (١٣٤٩ ه‍) كما ذكر في «بضائع التابوت» (١ / ٣٠٨).

(٢) المصعبين : من بلدان ناحية حبّان. المياسر : جماعة مفردهم ميسري. الحسنة : هم قبائل آل الحسني ، بتسكين السّين.

(٣) ذكر المصنّف في «بضائع التابوت» (٢ / ٣٠٨) : أنّه في أوائل سنة (١٣٤٩ ه‍) وفد على أمير المؤمنين الإمام يحيى حميد الدّين يستنجد به في التّدخّل في سياسة حضرموت الدّاخليّة ؛ لكثرة الفتن فيها ، وعدم انضباط أمورها ، لكنّ الإمام اعتذر ، قال ابن عبيد الله : (ولما اعتذر عن المبادرة بتلبّد

٦٨

وأخبرني الشّيخ محمّد بن أحمد الحجريّ بأنّ الأسلحة المطلوبة لذلك من ألمانيا وصلت ، لكن بعد وفاة المرحوم السّيف محمّد ، وانتهاء الحاجة.

ومن آل بالحاف جماعة كثيرة نجعت إلى الشّحر.

وفي الحكاية (١٦٨) من «الجوهر» (١ / ١٩٣) : أنّ آل بالحاف تلقّوا السّيّد عليّ بن علويّ بن أحمد ابن الفقيه المقدّم (١) بالسّماع.

وفي أخبار سنة (٨١٣ ه‍) : أنّ أحمد بن فارس أخذ قرية آل بالحاف وأخرجهم منها ، فخرجوا إلى الشّيخ عليّ بن عمر ، فأرسل بعض الفقراء فلم يجبه ، فسار هو بنفسه في رجب ، فردّها عليهم ورجع هو ـ أعني الشّيخ عليّ بن عمر ـ في شعبان. اه من «تاريخ باشراحيل» (٢).

وما أدري من هو الشّيخ عليّ بن عمر ، أمن آل باشراحيل ، أم الشّاذليّ صاحب المخا ، المتوفى بها سنة (٨٢٨ ه‍) ، والأقرب أنّه عليّ بن محمد بن عمر صاحب الحوطة ، الآتي ذكره فيها عمّا قليل ، وأنّ سقوط اسم أبيه في العبارة السّابقة سهو من النّاسخ.

وقد انعقدت بين سلطان بالحاف وهو محسن بن صالح بن عبد الله الواحديّ والإنكليز معاهدة بتاريخ (١٣) نوفمبر سنة (١٩٠٥ م) على يد مايسون والي عدن ، وشهودها : عبد الله بن حسين الواحديّ ، وأحمد بن صالح بن ناصر الواحديّ ، وهادي بن صالح الواحديّ ، وحسين بن صالح الواحديّ .. على غرار المعاهدات الّتي جرت بين القعيطيّ والإنكليز.

__________________

غيوم السّياسة ، ووعدني هو ووليّ عهده ـ لكن إلى أجل غير معلوم ـ .. اقترح عليّ زينة العصر ، سيف الإسلام ، الشّهيد البدر : أن أذهب إلى هذه الأطراف لإرشادهم ووعظهم ، ثمّ أخذ العهود عليهم بالسّمع والطّاعة ، في المنشط والمكره ، والسّعة والضّيق ، متعهّدا بما يلزم لذلك من النّفقات .. ففعلت ، وقرن الله المسعى بالنّجاح ..) إلخ.

(١) توفي مجاورا بمكّة. «المشرع» (٢ / ٤٩٧ ـ ٤٩٩).

(٢) ومثله في «تاريخ شنبل» (ص ١٥٩) ، و «العدة المفيدة» (١ / ١٣٧).

٦٩

ثمّ انعقدت بأثرها على القرب بينهم معاهدة أخرى بتاريخ (٢٢) نوفمبر (١) من السّنة المذكورة ، جاء في المادة الثّالثة منها : (أنّه متى قذفت مياه البحر ببضاعة أو بمركب ، فإن عرف مالكه في ظرف شهر .. فليس للسّلطان الواحديّ إلّا ثلث الموجود. وإن لم يعرف في ظرف شهر .. فكلّه له) اه

وهذا يدلّ على أنّهم كانوا على نوع من القرصنة (٢) ؛ كآل كثير في ريدة ابن حمدات ، حسبما يأتي فيها.

وفي أواخر الحرب العظمى الأولى وردني بريد مخصوص بكتاب من السّيّد بو بكر بن سالم بن أحمد بن عليّ بن عمر المحضار (٣) ، محرّرا في (١٧) ذي الحجّة سنة (١٣٣٥ ه‍) يقول لي فيه : إنّ آل طالب بن هادي يريدون أن يحالفوا آل كثير ، فإذا كانوا راغبين .. أفيدونا.

ولكنّ آل كثير قد ركنوا إلى الدّعة ، وقصرت همّتهم ، فلم نجد عندهم حركة لشيء ، ولم يكن ذلك موافقا لهوانا ؛ إذ قد غمسنا في صداقة مع الدّولة القعيطيّة لا يمكن معها أن نؤلّب الأعداء عليها ، وإن كانت صداقتها لا تسمن ولا تغني من جوع ، لا معنا فقط ، بل مع سائر حلفائها وأصدقائها ؛ لأنّ السّيّد حسين بن حامد الّذي يمثّلها إذ ذاك إنّما ينفق من

__________________

(١) نوفمبر : اسم الشهر الحادي عشر من شهور السّنة الشمسيّة الميلاديّة بحسب التّقويم الروميّ ، يقابله شهر تشرين الثّاني ، الحادي عشر من شهور السّنة الشمسيّة الميلاديّة حسب التّقويم السّريانيّ. والشهور على الشّكل التّالي :

 روميّ

 سريانيّ

روميّ

 سريانيّ

١ ـ

 يناير

 كانون الثّاني

٧ ـ

 يوليو

 تموز

٢ ـ

 فبراير

 شباط

٨ ـ

 أغسطس

 آب

٣ ـ

 مارس

 آذار

٩ ـ

 سبتمبر

 أيلول

٤ ـ

 أبريل

 نيسان

١٠ ـ

 أكتوبر

 تشرين الأوّل

٥ ـ

 مايو

 أيّار

١١ ـ

 نوفمبر

 تشرين الثّاني

٦ ـ

 يونيو

 حزيران

١٢ ـ

 ديسمبر

 كانون الثّاني

(٢) القرصنة : السّطو على السّفن الّتي في البحر. والقرصان : لصّ البحر.

(٣) توفيّ بحبّان سنة (١٣٥٧ ه‍).

٧٠

بضائع المجاملة والمعانقة الّتي لا تنفد ، بدون أية نتيجة ، ومن بعده من الوزراء شرّ منه ، فهي دولة غنيّة مترامية الأكناف (١) ، ولكن بلا رجال أكفاء مخلصين.

بير علي

هي إحدى موانىء البحر الشّحريّ ، في شرقيّ بالحاف ، وهي لآل طالب بن هادي الواحديّ.

والسّلطان فيهم : ناصر بن طالب ، وقد زار حضرموت قريبا ، وكان يزورني بعد الظّهر في أكثر الأيّام.

وكانت حكومة عدن تحاول اتّحاده مع آل أحمد بن هادي وجعلهم دولة واحدة. فأمّا آل أحمد بن هادي .. فرضوا ، وأمّا هو .. فأبى. ولكنّه توفّي فجأة بعدن في (١٤) أبريل من سنة (١٩٤٠ م) ، ولا أعرف الآن ما يوافقها بالضّبط من التّاريخ الهجريّ (٢)

ومن تلك السّنة و (٢٨) ديسمبر توفّي أيضا بعدن فجأة نقيب الموسطة الشّيخ بو بكر ، بعقب مقابلته لوالي عدن في الحادي عشر من الشّهر المذكور.

وكذلك كلّ من لم يوافق حكومة عدن على هواها يموت فجأة ؛ لأنّ لهم جنودا من العسل!!

حصن الغراب

هو في بير عليّ ، وكان أحد مرائي حضرموت (٣) ، وهو مبنيّ بالحجارة المنحوتة ـ يبلغ بعض أحجاره أربعة أذرع وستّة أذرع ـ على قمّة جبل ، يحيط به البحر من الجهات

__________________

(١) الأكناف : الجوانب.

(٢) الّذي يوافقها من التّاريخ الهجريّ (١٣٥٩ ه‍). والله أعلم.

(٣) مرائي ـ جمع مرأى ـ وهو : المكان العالي ، الّذي ترى منه الأشياء ، وكأنّ المقصود هنا : ما يشبه برج المراقبة.

٧١

الثّلاث على عمق غزير ، يمكن لكبريات البواخر أن ترسو بقربه ، وليس له طريق من البرّ إلّا من جهة شماله فقط.

وهو حصن منيع ، باقية آثاره ، وحواليه كتابات بالمسند (١) ، يظهر أنّها تعريف به وبأهله (٢).

هكذا وصفه لي السّلطان ناصر بن طالب.

وقد ذكره ابن الحائك الهمدانيّ بقوله : (وفي المنتصف من هذا السّاحل شرقا بين عمان وعدن .. ريسوت (٣) وهو موئل كالقلعة ، بل قلعة مبنيّة على جبل ، يحيط بها البحر إلّا من جانب واحد ، وبها سكن الأزد من بني جديد ، حتّى طردتهم بنو خنزريت من القمر ، فتفرّقوا في بلاد المهرة.

ويقال : إنّ ساكن ريسوت القدماء هم البياسرة ، والقمر زنة قمر السّماء ، بخلاف مدغشقر وما حواليها ؛ فإنّها تسمى : جزائر القمر بضمّ القاف والميم.

وفي موضع آخر يقول : ودهلك من معاقل البحر ، وكذلك ريسوت : حصن منيع لبني رئام وسقطرى وجبل الدخان) اه

ولريسوت ذكر عند ياقوت : في موضعه ، وفي التّعريف باليمن [٥ / ٤٤٨] ، وهو ناقل عن ابن الحائك ، وما ذكراه ينطبق في الكيف على حصن الغراب.

__________________

(١) الخط المسند : خط حمير القدماء ، وهو مخالف لكتابتنا اليوم.

(٢) ورد في «تاريخ اليمن القديم» (ص ١٥٧ ـ ١٥٨) .. ما يدلّ على أنّ هذه النّقوش والكتابة وضعت سنة (٦٢١ م) ، وهي تؤرّخ مرحلة من الصّراع الدّامي الّذي لاقاه نصارى نجران على يدي (ذي نواس) الملك اليهوديّ. والّذي نقش ذلك النقش هو (سميفع أشوع) من أبناء شرحبيل يعفر السّبئيّ اليهوديّ ، أحد أبناء حكّام اليمن التبابعة. وممّا يستفاد منه : أنّ حصن الغراب هذا كان يسمّى (عرماويه) .. وكان قد قام السّميفع المذكور بترميم سوره وبابه وصهاريجه وطريق العقبة الصاعدة إليه ، وتحصن هو وجنوده به بعد عودتهم من أرض الحبشة .. وللمزيد من التفاصيل يراجع الكتاب المذكور ، وكتاب «خلاصة السيرة الجامعة لعجائب أخبار الملوك التبابعة» (١٧٥).

(٣) في المخطوط (ريبوت) ـ بالباء الموحّدة ـ وفي «صفة الجزيرة» و «معجم البلدان» : ريسوت بالسّين ؛ وهو الصّواب .. ولذا عدلنا إليه.

٧٢

وأمّا ما ذكره ياقوت من الأين والموقع .. فلا ينطبق إلّا على ريسوت القريبة من ظفار وهي الّتي يفرق بين طريقها وبين الطّريق المسلوك إلى ظفار نحو ميل ، وهي الّتي تلاقت فيها عساكر الملك المظفّر الرّسوليّ ، ثمّ تقدّموا منها إلى موضع من أعمال ظفار ، يقال له : عوقد ، حيث كانت الواقعة الهائلة الّتي دارت فيها الدّائرة على سالم ابن إدريس الحبوظيّ ، واستولى بعدها عسكر المظفّر على ظفار ، وعلى سائر بلاد حضرموت. وكانت تلك الموقعة في يوم السّبت (٢٧) رجب من سنة (٦٧٨ ه‍) (١) ولا يمكن أن يروى كلّ هذا عن ابن الحائك ؛ إذ كانت وفاته بسجن صنعاء في سنة (٣٣٤ ه‍) كما في «بغية الوعاة» للسّيوطيّ (٢) ، وإنّما أنشئت ظفار بعد ذلك بزمان.

أمّا مرباط : فلها ذكر كثير في «صفة جزيرة العرب» ، ومنه في هذا الموضع [ص ٩١] : (أنّ أهل ريسوت تفرّقوا في البلاد بعد ما بيّتهم بنو خنزريت ، فسكنوا موضعا من الغبب يقال له : حاسك ومرباط).

ومن هنا نشأ وهم ياقوت ، فذكر حاسك ومرباط هنا يمهّد العذر له ، لكنّ الغبب بأسرها من المهرة.

وبذلك يقوى الإشكال ، ويشتدّ الاشتباه ، وقد عرفت بعد من سؤال الملّاحين : أنّ ريسوت الظّفاريّة شبه قلعة يحيط بها البحر من الجهات الثّلاث ، وهي في منتصف الطّريق بين عمان وعدن ؛ لأنّ المسافة في السّفن الشّراعيّة بالرّيح المعتدل من مسقط إلى ريسوت أربعة أيّام ، ومن ريسوت إلى المكلّا يومان ، ومن المكلّا إلى بير عليّ نصف يوم ، ومنها إلى عدن يومان .. فالوصف منطبق على ريسوت ظفار أكثر منه على حصن الغراب.

ومنها ـ أعني «صفة جزيرة العرب» ـ : (أنّ شطوط بحر العرب (٣) : مثل سفوان

__________________

(١) وقد قتل فيها الحبوظيّ ، وتفاصيل هذه الواقعة التّاريخيّة مذكورة في «العقود اللّؤلؤيّة في تاريخ الدّولة الرّسوليّة» (١ / ٢٠٧ ـ ٢١٦) ، و «تاريخ حضرموت» للحامد (٢ / ٦٠٢ ـ ٦٠٤) ، وغيرها.

(٢) والتّحقيق في وفاة الهمداني : أنّه توفّي بعد سنة (٣٤٤ ه‍) ، حقّق ذلك العلّامة محمّد بن عليّ الأكوع في مقال نشر في (مجلّة المجمّع العلميّ العربيّ) بدمشق ، المجلّد رقم (٢٥) (ص ٦٢) ، بتاريخ ربيع الأوّل (١٣٦٩ ه‍). وأورد ذلك التّحقيق العلّامة حمد الجاسر في مقدّمة «صفة الجزيرة» المطبوع.

(٣) شطوط ـ جمع شاطىء ـ وهو : جانب النّهر والبحر.

٧٣

وكاظمة وأغباب مهرة وسفلى حضرموت والأحقاف وتيه أبين وفلاة الفرسان وحيق بني مجيد) اه [٢٤٠].

وحيق بني مجيد : هو ثغر عدن ، ولعلّه منهم آل ماجد الآتي ذكرهم في تريم ؛ بأمارة أنّ العرب يقولون عن الملّاح الخبير الآتي ذكره معهم : (أحمد باماجد) ، والإفرنج يقولون : (أحمد بن مجيد) .. فالأمر قريب من بعضه ، ويأتي أنّ في تأليفه ما يصرّح بأنّه من عمان. والله عالم.

وفي «القاموس» : (أنّ غبّ القمر موضع ما بين الشّحر وظفار).

وقال الطّيّب بامخرمة : (وغبّ القمر هو المعروف اليوم بعشّة القمر ، وهو موضع خطر ، إذا سقطت إليه السّفن .. قلّ أن تسلم) اه

وقال الهمدانيّ [٢٤٠] : (ورؤوس هذا البحر ـ يعني بحر العرب ـ المتعالمة بالخطر والصّعوبة : الفرتك ، ورأس الجمجمة ، وباب المندب).

ثمّ ذكر غيرها ممّا لا حاجة بنا إليه ، وسيعاد بعض ما هنا قبيل القسم الثّاني ، فلا مؤاخذة.

ورأس الفرتك قريب من حصويل ، والملّاحون يعرفون غبّ القمر ويسمّونه : (غبّة) ؛ لأنّه في البحر لا في البرّ ، وهي قرية قريبة جدّا من ظفار ، وقد مرّ بك قريبا عن الهمداني ما يفيد أن أغباب المهرة هي شواطىء ، مع أنّ الملّاحين لا يعرفونها ؛ إلّا أغبابا بحريّة ، وأذكرها بينهم : غبّة قمر ، ومن المرافىء الّتي تقرب منها : غيضة غبة القمر ، وهيراك غبة قمر ، وفوري غبة قمر ، وخور خلفوت غبة قمر ، ورأس نشطون آخر غبة قمر ، وكلّها واقع بين غيضة ابن بدر وجبل يقال له : رأس الغنطاس ، وهو شرقيّ رأس الفرتك.

ورأيت في «الشّهاب الرّاصد» : (أنّ ضابطا إنكليزيّا نقل بعض النّقوش الّتي في حصن الغراب ، وعرضها على العلماء العارفين ، فإذا فيها : أنّ سميفع أشوى وأولاده نقشوا هذا التّذكار في حصن مريجت ـ غراب ـ لمّا وصلوا أسوارهم ، ومهّدوا دروبهم ، وتحصّنوا فيه ، بعد أن فتحوا اليمن وغلبوا أهلها ، وفتحوا طريق التّجارة في أرض حمير ، وقتلوا ملكها وأقياله (١) الحميريّين.

__________________

(١) أقياله : الملوك الّذين تحت يد الملك الكبير.

٧٤

وشبيه أن يكون هذا المقتول هو ذا نواس الحميريّ ؛ فإنّه الّذي قتله الأحباش) اه

وفي مذكّراتي عن بعض التّواريخ اليمنيّة أنّ أوّل نائب من جهة الحبشة كان عربيا مسيحيا يقال له : (سيمافع أشوع) ، ثم تبعه أبرهة المشهور. اه وهي فائدة حسنة ؛ لتقارب الاسمين.

وسمعت أنّ هذا الضّابط الّذي نقل النّقوش يقال له : (والستماد) ، وهو صادق في قوله : (أنّ الأحباش قتلوا ذا نواس) ؛ لأنّهم إن لم يقتلوه مباشرة .. فقد ألقى بنفسه في البحر ، لمّا انهزم من أرياط وأبرهة الحبشيّين.

وذو نواس هذا هو الّذي أجبر أهل نجران على التّهوّد ، وخدّ لهم الأخدود ، فكان في غزو الأحباش له انتصار للمسيحيّة ، وأخذ بالثّأر (١).

أمّا مدّة الأحباش باليمن : فقد كانت قصيرة ، حسبما هو مفصّل «بالأصل».

وموجود في «سيرة ابن هشام» [١ / ١٥١] وغيرها : (وأوّل من ملك منهم أرياط ، بعثه صاحب الحبشة على جيوشه لمّا تهوّد ذو نواس ، وأحرق الإنجيل .. ففتح أرياط اليمن واستقرّ في ملك ذي نواس ، ثمّ ملك بعده أبرهة الأشرم ، وهو صاحب الفيل ، ثمّ ملك بعده ابنه أكسوم (٢) ، ثمّ ملك بعده أخوه مسروق ، وهو آخر من ملك اليمن من الحبشة ، وذلك أنّ سيف بن ذي يزن استعاذ بكسرى على مسروق .. فأمدّه بجيش ، ففتح به اليمن ، وبقي نائبا عن كسرى حتّى قتله بعض من استخلصه من

__________________

(١) الملك هذا هو : الملك ذو نواس الأصغر ؛ واسمه : زرعة بن عمرو بن زرعة الأوسط ابن حسّان الأصغر بن عمرو بن زرعة الأكبر ابن عمرو بن تبّع الأصغر بن حسّان بن أسعد تبّع.

وهو صاحب الأخدود ، سمّي يوسف لما تهوّد ، وقيل : سمّي ذا نواس ؛ لذؤابتين كانتا تنوسان على رأسه. وكان على دين اليهود ، فشكا إليه يهود نجران غلبة النّصارى .. فنهض بالجنود إلى نجران فحفر الأخدود ، وأضرم النّار فيه ... وفيهم نزلت الآيات.

ثمّ ذكر أنّ : ذو ثعلبان الأصغر الحميري مضى إلى النّجاشيّ ـ ملك الحبشة ـ وكان نصرانيّا واستغاث به .. فأرسل معه قائدا على رأس جيش عداده ثلاثون ألفا .. فغدر بهم ذو نواس ، وقتل منهم أعدادا كثيرة ، فغضب نجاشيّ الحبشة فأرسل جيشا أعظم من الأوّل على رأسه أرياط وأبرهة .. فلمّا لاقاهم ذو نواس ورأى عجزه عن قتالهم .. اقتحم البحر بنفسه وفرسه ، فغرق فيه. اه بتصرّف يسير واختصار من : «خلاصة السّيرة الجامعة» (١٧٥ ـ ١٧٦).

(٢) في «سيرة ابن هشام» : (يكسوم). والله أعلم.

٧٥

الحبشة ، فولّى كسرى وهرز مكانه ، ولمّا هلك .. أقام كسرى المرزبان ، ولمّا هلك .. أقام خذ خسرو ، ثم عزله ، وولّى باذان ، وفي عهده كانت البعثة .. فأسلم باذان وفشا الإسلام باليمن ، وتتابعت منه الوفود على رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ، وبقي باذان نائبا على اليمن حتّى مات بعد حجّة الوداع ، فولّى النّبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم ابنه شهرا على صنعاء ، وعلى كلّ جهة واحدا من الصّحابة إلى أن خرج الأسود العنسيّ .. فقتل شهر بن باذان ، وأخرج عمّال النّبي صلّى الله عليه وآله وسلّم من اليمن ، ولمّا قتل .. عادوا إلى أعمالهم) اه من «صبح الأعشى» [٥ / ٢٥ ـ ٢٦].

وقد دخلت بير عليّ تحت الحماية الإنكليزيّة على يد والي عدن لذلك العهد ، المسمى : هرغ.

وسلاطينها : محسن بن صالح ، وصالح بن أحمد بن صالح ، وعبد الله بن أحمد بن صالح ، وناصر بن حسين بن محسن ، وبو بكر بن حسين بن محسن ، وصالح بن عبد الله بن صالح بن محسن ، وعليّ بن عبد الله بن صالح بن محسن ، وناصر بن طالب بن هادي بتاريخ (٢٠) أبريل سنة (١٨٨٨ م).

وبالحجاز حصن خراب يقال له : حصن الغراب ، وهو الّذي يقال له أيضا : حصن الهجوم. قال ابن المجاور في (ص ٢٠) من «تاريخه» : كان جبلا مدورا في قاع صفصف ، حوله قلعة بنيت بالحجارة المنحوتة ، طول كلّ حجر سبعة أذرع في عرض ثلاثة ، يحاذي طوله ذروة ذلك الجبل ، وقد فتح النّبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم ذلك الموضع ، وبقي الحصن بحاله حتّى انتهى الملك إلى قتادة بن إدريس .. فهدمه ؛ كي لا يعتصم به الأعراب ، وسمّي الآن : حصن الغراب. والله أعلم بحال هذا الخبر ؛ ففي الكتاب كثير من الأقاصيص الّتي لا تطمئنّ إليها النّفس. قال : وهو من بناء الأنباط اليونانيين ، وليس من بناء العرب ؛ لأنّه لا يتدبّر لهم فيه عمل ، ولا يصلح على أيديهم .. فلا يتصوّر في خواطرهم ، وإنّما هو وما أشبهه من عمل الجبابرة ، وحكمة الأوائل. اه مختصرا بالمعنى ، ويأتي في هذا الكلام ما سيجىء عليك في العرّ.

٧٦

عزّان (١)

هو في شمال بالحاف ، على مسافة ثلاثة أيّام منها للجمال.

وهو حصن آل أحمد بن هادي ، وقد جرت لهم خطوب ، وتقلّبت بهم الأحوال ، حسبما فصّل «بالأصل».

وفي غربيّ عزّان على مسافة ساعتين بالتّقريب .. تكون حوطة الفقيه عليّ.

حوطة الفقيه

هي بلاد تجاريّة معمورة ، في غربيها على بعد تسع ساعات للجمال يكون : موقع حبّان ، ومنها إلى يبعث في شرقيها مرحلتان بسير الأثقال (٢).

والحوطة المذكورة منسوبة للشّيخ الجليل : عليّ بن محمّد بن عمر بن راشد بن خالد بن مالك ، المالكيّ نسبا ، الشّافعيّ مذهبا.

وبها كانت وفاته أوائل سنة (٨٣٢ ه‍) ، وعليه قبّة كبيرة إلى جانب جامعه الّذي كانت عمارته في سنة (٧٧١ ه‍).

وقال الطّيّب بامخرمة في مادة (الرّحبي) : (إنّ باليمن بقرب قرية محفن ـ المعروف بحصن المخارم الكنديّين ـ قرية يقال لها : الرّحبة ، أنشأها الفقيه العالم ، الصّالح الورع : نور الدّين عليّ ابن جمال الدّين محمّد بن عمر المالكيّ.

قدم والده من أبين ، ثمّ أقام بالمصنعة ـ وهي حبّان ـ فأولد الولد الصّالح عليّا

__________________

(١) كانت عزان هذه عاصمة السلطنة الواحدية قبل استقلال الجنوب في (١٩٦٧ م) ، وهي من أعمال محافظة شبوة ، وقد أقيم بجوارها جسر يربط مناطق وأنحاء ميفعة بغيرها من مديريات شبوة. ويوجد في عموم اليمن (٢٢) اثنان وعشرون موضعا كلها تحمل نفس هذا الاسم ، أوردها المقحفي في «معجمه».

(٢) أي : بسير الجمال المحمّلة بالأثقال.

٧٧

المذكور ، والفقيه شرف الدّين إسماعيل ، والفقيه إسرائيل ، والفقيه أبا بكر.

وكانت هذه الرّحبة مواتا ، طلبها من أهل تلك الجهة ، وبنى بها جامعا حسنا ، وفطر (١) فيها آبارا ، وأولد فيها أولاده الفقهاء يطعمون الطّعام.

توفّي الفقيه عليّ بالمحرّم سنة (٨٣٢ ه‍) ، كذا ذكره القاضي مسعود). هذا آخر كلام الطّيّب ، وهو موافق لما تقدّم (٢).

روضة بني إسرائيل

هي واقعة في شمال حوطة الفقيه عليّ ، منسوبة إلى أخيه إسرائيل بن محمّد ، وهم بيت علم وصلاح ، ولهم مؤلّفات وفتاويات كثيرة في فقه الإمام الشّافعيّ ، منهم : الشّيخ الشّهير محمّد بن عبد القادر ، مؤلّف «غرائب القرآن»وغيره ، ذكره صاحب«المشرع» في (ص ١٩٨ / ج ٢) (٣).

وقد صدر لإسماعيل ـ المذكور في كلام بامخرمة ، أخي إسرائيل هذا ـ مرسوم سلطانيّ بولاية القضاء من باب بروم إلى باب أبين وما بينهما من القرى ، مثل : دثينة وأحور وميفعة والعين وغيرها.

__________________

(١) فطر : ابتدأ واخترع. قال ابن عبّاس رضي الله عنهما : كنت لا أدري ما فاطر السماوات والأرض .. حتى أتاني أعرابيان يختصمان في بئر ، فقال أحدهما : أنا فطرتها ؛ أي : أنا ابتدأت حفرها.

(٢) النسبة (١٣٠ خ).

(٣) ذكره في «المشرع» (٢ / ٤٣٥) ، في ترجمة السّيّد عبد الله بن محمّد صاحب الشّبيكة القديم ، المتوفّى بمكّة المكرّمة سنة (٩٧٤ ه‍). والفقيه محمّد بن عبد القادر الإسرائيليّ هذا .. معدود من تلامذة السّيّد صاحب الشّبيكة المذكور ، وقد ترجم له في «تاريخ الشّعراء» (١ / ٢١١ ـ ٢١٣) ، وأورد نسبه مغايرا لما هنا .. فقال : محمّد بن عبد القادر بن أحمد بن أبي بكر بن إسرائيل بن إسماعيل بن محمّد بن عمر .. وما ورد في «عقد اليواقيت الجوهرية» (٢ / ١١٦) يؤيّد هذا.

ولد الفقيه محمّد بن عبد القادر في روضة أجداده سنة (٩٥٧ ه‍) ، ونشأ محبّا للعلم وأهله ، وطلبه أوّلا على أبيه ، ثمّ على علماء عصره ، وكان له ولآبائه وجاهة دينيّة بوادي حبّان ، ولهم بها ثروة وأراض .. توفّي في (١٨) رجب (١٠١٥ ه‍).

٧٨

وكان ذلك المرسوم بتاريخ (١٠) محرّم سنة (٨١٥ ه‍) ، وكانت وفاة إسماعيل هذا بمدينة حبّان في (٧) ربيع الثّاني سنة (٨٣٥ ه‍) (١).

ولإسماعيل بن محمّد بن عمر هذا ذكر كثير في «مجموع الجدّ طه بن عمر» ، وهو ممّن أفتى بصحّة العهدة المعروفة بحضرموت.

ميفعة (٢)

هي أرض واسعة ، فيها قرى وآبار كثيرة ، عاصمتها قرية في أثنائها تسمّى : أصبعون ، على شفا جرف هار من الدّمار.

وهي في شرقيّ عزّان ، بينها وبينه مسافة نحو ساعتين ، ومن أرباض ميفعة في جنوبها : الصّعيد ، وجول آل عبد المانع ، والحوش ، ورضوم ، وفي شمالها : الرّقّة ، والعطوف ، وريدة آل بارشيد.

__________________

(١) هذه التّولية صدرت من حاكم اليمن كما في «الشّامل» (ص ٦٨) ، وكان الحاكم آنذاك ـ أي في عام (٨١٥ ه‍) ـ هو الملك النّاصر أحمد بن إسماعيل بن العبّاس بن عليّ بن داود بن يوسف بن عمر بن عليّ بن رسول الرسولي الغسّاني ، الّذي تولّى حكم اليمن من سنة (٧٧٨ ه‍) إلى سنة وفاته عام (٨٢٩ ه‍) ، كما في «بلوغ المرام في شرح مسك الختام فيمن تولّى ملك اليمن من ملك وإمام» (ص ٤٦).

وقد أورد الحدّاد نصّ التّولية ورسالة الشّيخ العلّامة عبد الرحمن بن حيدر الشّيرازيّ لبعض قضاة اليمن في التّعريف بحال العلّامة الشّيخ إسماعيل الإسرائيلي ، ولا نطيل بإيرادها .. فليطالع «الشّامل» (٦٨ ـ ٦٩)

(٢) ميفعة غير ميفع ، وبينهما (١٠٠) كيلومتر تقريبا ، وميفعة واد في جنوب حبّان من أعمال محافظة شبوة ، وسمّي باسم ميفعة القديمة التي كانت عاصمة مملكة حضرموت القديمة في عصور ما قبل الإسلام ، والتي كانت مركزا تجاريا ذات أسوار عالية ومعابد مما يدل على أنها كانت ذات شأن. وقد تعرضت ميفعة القديمة للخراب من جراء السيول ، فقامت بدلا منها مدينة جول الريدة وهي الآن عاصمة مديرية ميفعة ، وتقع المدينة القديمة بمحاذاة الطريق الإسفلتية التي تربط بين شبوة وحضرموت بالقرب من عزّان.

ويدخل في حدود مديرية ميفعة : عزان ، بلحاف ، بير علي ، الروضة ، الصدارة ، وادي عماقين ، جول بن نشوان ، فرتك ، رأس الكلب ، وعين بامعبد ، وغيرها.

٧٩

وفي عطفها : جماعة من أعقاب السّيّد فدعق بن محمّد بن عبد الله بن امبارك بن عبد الله المشهور بوطب.

ولآل باقطميّ (١) اعتقاد في شريفة مقبورة هناك ، يقال لها : علويّة ، يشاع أنّها من آل البغداديّ ، والأثبت : أنّها من آل جنيد سكّان عزّان.

ومن شرطهم : أن لا يكون القائم بمنصبتها (٢) إلّا بنت بكر من أسرتها ، ولا يمكن لها أن تتزوّج.

وعلى منصبتها اليوم شريفة يقال لها : سيده ، تبرز للرّجال وتحادثهم ، ولها جاه واسع لدى آل باقطمي وغيرهم ، وهي تكرم الضّيفان.

وفي ميفعة كانت وفاة الشّيخ عبد الله الصّالح المغربيّ (٣) ، وكان من خبره : أنّ الشّيخ أبا مدين أرسل بخرقة التّصوّف (٤) للفقيه محمّد بن عليّ بن محمّد ، بمعيّة الشّيخ

__________________

(١) باقطميّ ـ بضمّ القاف ـ : قبيلة من آل بابحر من نعمان. كما في «إدراك الفوت في ذكر قبائل حضرموت». وآل نعمان من عرب حمير .. وفي «الشّامل» (ص ٧٠ ـ ٧٣) .. تفصيل واف شاف لهذه القبائل وأصولها.

(٢) المنصبة : هي القيام في مقام الشّخص الوجيه ، أو المعتقد ، وهو عرف عامّ في حضرموت كلّها ، بل وفي تهامة اليمن .. فعندما يظهر شخص بمظهر دينيّ أو زعامة روحيّة ويأتيه النّاس من كلّ مكان ، ويطير صيته في الآفاق .. يخلفه بعد وفاته أحد أبنائه ، وهكذا دواليك يستمرّ الاستخلاف في الذريّة ، الأصلح فالأصلح ، وقد قام المناصب في حضرموت بأدوار تاريخيّة وسياسيّة كبيرة وكثيرة على مرّ العصور.

(٣) وفي «المشرع» (٢ / ١١) : أنّه من تلامذة الشّيخ عبد الرّحمن الحضرميّ المغربيّ.

(٤) خرقة التّصوف : هي ما يلبسه المريد من يد شيخه الّذي يدخل في إرادته ويتوب على يده ، وقد صنّف وتكلّم جمع من السّلف الأكابر في الإلباس وحكمه وبيان أصله الشّرعيّ ؛ منهم :

١ ـ الحافظ جلال الدّين السّيوطي في رسالته المسمّاة «إتحاف الفرقة برفوّ الخرقة» مطبوع ضمن المجلد الثاني من «الحاوي للفتاوي» : (١٩١ ـ ١٩٧). أثبت فيها سماع وأخذ الحسن البصريّ من الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السّلام.

٢ ـ السّيّد الشّريف الإمام أبو بكر العدنيّ بن عبد الله العيدروس (ت ٩١٤ ه‍) في كتابه «الجزء اللّطيف في التّحكيم الشّريف». مطبوع.

٣ ـ السّيّد الإمام الشّيخ عليّ بن أبي بكر السّكران بن عبد الرّحمن السّقّاف (ت ٨٩٥ ه‍) بكتاب سمّاه : «البرقة المشيقة في ذكر لباس الخرقة الأنيقة» ، طبع بمصر في مجلّد لطيف سنة (١٣٤٧ ه‍).

٨٠