إدام القوت في ذكر بلدان حضر الموت

السيّد عبد الرحمن بن عبيد الله السقّاف

إدام القوت في ذكر بلدان حضر الموت

المؤلف:

السيّد عبد الرحمن بن عبيد الله السقّاف


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار المنهاج للنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ١١١٠

ومنه (١) : أنّ محمّد لعجم من السّابقين ؛ لأنّه سبق سلفه.

ومنه : أنه لمّا توفّي أحمد بكار لعجم .. قال والدي : توفّي وهو خير من بالبلد.

ولمّا توفّي عبد الله بن عمر لعجم .. قال الحبيب أحمد بن عمر بن سميط : إنّه من الأخيار الّذين يدفع الله بهم البلاء ، ومن الّذين يحييهم ويميتهم الله في عافية ، وكانت وفاته بسبب الوباء الّذي وقع بشبام وسيئون وبور في سنة (١٢٥٠ ه‍).

ومنه : أنّ الحبيب محمّد بن زين بن سميط قال : ما تحقّقت أنّ أحدا يحبّ للمسلمين ما يحبّ لنفسه إلّا عبد الله بن زين الحبشيّ صاحب ثبيّ ، وبكّار بن عوض لعجم ؛ فإنّ هذا يقوم إليّ في الدّرس ويقول : تكلّم في كذا ؛ فإنّ النّاس واقعون فيه.

ومنه : أنّ الشّيخ أحمد صلعان ممّن ترجم له الحبيب محمّد بن سميط ، وأن محمّد صلعان كثيرا ما يستشهد بحكم ابن عطاء الله يكاد يحفظها ، وأنّ القرآن معجون بمحمّد بن عقبة سديس.

ومنه : أنّ المرحوم محمّد بن أحمد بايوسف ـ جدّ آل بايوسف ـ من الصّالحين ، وكذلك ولده أحمد.

ومنه : أخبرني عبد الله باسعود عن الحبيب جعفر بن أحمد بن زين قال : أدركنا أهل شبام ثلاث طبقات : أوّل طبقة لباسهم كوافي بيض وأردية شمال ، وثاني طبقة كوافي سوسي وملاحف بيض ، وثالث طبقة كوافي صنعانيات من نصف ريال وملاحف سود.

قال : ومن بعد توسّعوا مصانف وكوافي صنعانيّات من ريالين.

ومنه : أنّه لمّا توفّي عمر بن أحمد معاشر .. قال : إنّه من الّذين يمشون على الأرض هونا ، وقال مثل ذلك لمّا مات أحمد بن محمّد جبر.

ونقل الشّيخ عليّ بن عبد الرّحيم بن قاضي في ترجمته لنفسه : أنّ والده تولّى

__________________

(١) أي : من كلام ابن سميط.

٥٢١

القضاء بشبام أكثر من سنتين ، وأنّه يثني على أهلها بالتّناصف والتّعاون على الحقّ ، وأنّه كان يزورهم ويأتي إليهم من تريم لحسن حالهم. اه

ولو أرسلنا القلم ملء فروجه في مكارم الشّيخ عبد الرّحمن باصهي ، الملقّب بالطّويل (١) .. لاندقّت عنقه قبل أن نبلغ منه ما نريد ، وهي مشهورة ، وآخرها : وصيّته بأن تبقى يده مكشوفة مع تشييعه في الجنازة ؛ لاستخراج الاعتبار بأنّه مع ما كان من ثروته الطّائلة لم يخرج من الدّنيا إلّا صفر اليد وقد نفّذوها على ما فيها من الاختلاف بين الرّمليّ وابن حجر ؛ لما في ذلك من المصلحة والعظة البالغة.

وكان سيّدي حسن بن أحمد بن سميط يتفتّح عن ثبج بحر عندما يفيض فيها ، إلّا أنّ تلك المكارم انطوى نشرها ، ولم يبق إلّا ذكرها.

ونذكر تلك المكرمات وحسنها

وآخر ما يبقى من الذّاهب الذّكر (٢)

ولآل شبام عامّة وآل باصهي خاصّة ، نجوع إلى صنعاء وإلى البيضاء من أرض الظّاهر ، وقد وقفت على وثيقة من الإمام المهديّ لدين الله ، هذا نصّها :

الخطّ الكريم والرّسم العالي الفخيم الإماميّ المهدويّ أعزّه الله ، وأقرّ عين المتمسّكين به وأرضاه ، وأنفذه في جميع الأقطار الإماميّة وأسماه ، إن شاء الله ، بيد الحاجّ الأكرم جمال الدين سالم بن عبد الله باصهي وكافّة إخوته وبني عمّه ، قاض لهم بالإجلال والإكرام ، والرّعاية والاحترام ، والإعزاز والإعظام ، فيجرون على أجمل العوائد وأتمّ القواعد ، ليس عليهم حال يخشونه ، ولا أمر يتوقّونه ، وأنّهم منّا وإلينا ، وممّن تحوطه شفقتنا ، وأنّ واجباتهم الشّرعيّة يسلّمونها بالأمانة ، ليس على أموالهم حيث كانت حرص ولا اعتراض بمحروس البيضاء وحضرموت.

__________________

(١) الشيخ عبد الرحمن الطويل باصهي ، لقّب الطّويل لطول يده في الخير والإحسان ، وله مناقب ومكارم أخلاق كثيرة ، وكانت له تجارة وأراض في عتق ، وصاحبه ورفيقه هو السيد زين بن علوي بن سميط جد السادة آل سميط سكان شبام ، وكانا يمكثان معا في عتق مدة من الزمان ، ثم يعودان بالخير إلى شبام.

(٢) البيت من الطّويل ، وهو للبحتريّ في «ديوانه» (٢ / ٧٤) ، بتغيير بسيط.

٥٢٢

وأنّهم يخرجون ما دخل فيه غيرهم من الفرق والمطالب والسّوائب والنّوائب.

وليس عليهم إلّا الحقّ الواجب وزكاة الأموال وزكاة التّجارة والفطرة ، يسلّمونها إلى العمّال بالأمانة من غير واسطة.

وليس عليهم مجبى أينما توجّهوا في البلاد الإماميّة ، في جميع الأسواق والمراسي والطّرقات والبنادر ، فلا يعترضوا بشيء من ذلك ، وذلك لما هم عليه من المحبّة والنّصيحة لهم ولسلفهم ، فيجرون على ذلك وتقرّ أعينهم بما هنالك ، وعليهم التّوقّف على أمرنا ، والكون عند رأينا ، وموالاة الموالي ، ومعاداة المعادي ، فليثقوا بذلك ، وبالله الثّقة ، وبه الحول والقوّة ، وهو حسبنا وكفى ، ونعم الوكيل ، نعم المولى ونعم النّصير.

حرّر في محرّم الحرام عام سبعة وثمانين وألف (١٠٨٧ ه‍) ، وكان الشّيخ عبد الرّحمن باصهي معاصرا للحبيب أحمد بن زين الحبشيّ ، وعرض عليه أن يحجّ هو ومن معه على نفقته ، فلم يقبل ، كما في «كلام الحبيب أحمد بن عمر بن سميط».

ولم يبق بأيدي آل شبام اليوم من المناقب الشّريفة السّابقة لأهلهم .. إلّا حسن التّأسّي فيما بينهم ، ومساعدة الضّعيف ، وقضاء الحاجة ، وجبر المنكوب ، حتّى لقلّما ترفع من أولي مروءتهم دعوى إلى القاضي ، وإنّما يسوّون أمورهم فيما بينهم بالإصلاح ، وهذا ليس بالقليل مع تراذل الزّمان.

وذكر ابن الحائك : (أنّ مصبّ مياه الأودية الغربيّة كلّها كان في شمال شبام ، بينها وبين القارة) (١).

وهو صادق في ذلك ؛ لأنّه الواقع فيما قبل .. حتّى كان السّيل العظيم الهائل في سنة (٦٩٩ ه‍) فأخرب الأحجاز ، وأخذ كثيرا من البشر ومن المواشي (٢) ، وانتقل

__________________

(١) صفة جزيرة العرب (١٦٩).

(٢) في «تاريخ شنبل» : أن ذلك كان سنة (٦٩٨ ه‍) ، وزيادة على ما ذكر المؤلف .. فإن ذلك السيل أخذ قطعة من جنوبي شبام فيها ثلاثة مساجد ، وما والاها من الدّيار ، وأخذ بني سعد وبني حارثة ، وأخرب حبوظة الراك ، وذلك في رمضان من تلك السنة.

٥٢٣

بقوّته من شمال شبام واتّخذ له أخدودا بجنوبها ؛ إذ قد اجتاح كثيرا من الخبّة (١) الّتي كانت متّصلة بشبام ، ثمّ عمّرت شيئا فشيئا ، وما زالت معمورة حتّى اجتاحها سيل الإكليل الجارف في سنة (١٠٤٩ ه‍) (٢).

ثمّ أحبّ آل شبام التّنزّه .. فعمّروها واحدا واحدا ، حتّى صارت قرية ، وعند ذلك ابتنى السّيّد عقيل بن عليّ السّقّاف مسجدا في حدود سنة (١٠٦٣ ه‍) ، وأحبّ أن يجمّع فيه ، فاختلف عليه العلماء ـ حسبما فصّلناه ب «الأصل» ـ فامتنعت الجمعة (٣)

وما يفهمه قول ياقوت السّابق : (إنّ الحسين بن سلامة (٤) ابتنى جامع شبام) محمول على التّجديد أو التّرميم ، وإلّا .. فقد كان جامعها مبنيّا قبل ذلك بزمان ؛ ففي تاريخ القاضي محمّد بن عبد الرّحمن باشراحيل أنّه (بني في سنة «٢١٥ ه‍» ، وأنّه كالقطب الّذي تدور عليه غالب شعائر الدّين بشبام).

وله أوقاف تنسب إلى هارون الرّشيد ، وهو شاهد بأنّ بناءه كان متقدّما على هذا التّاريخ الّذي ذكره باشراحيل ؛ لأنّ وفاة الرّشيد كانت في سنة (١٩٣ ه‍).

وممّا يدلّ لتقدّمه : ما نقله الشّيخ العلّامة عبد الله بلحاج ، عن العلّامة الشّيخ محمّد بن سعيد باشكيل : (أنّ آل باذيب من الأزد ، وأصلهم من البصرة ، ثمّ استوطنوا شباما.

__________________

(١) الخبّة ـ بتثليث الخاء ـ : هي الطريق الرملية ، كما في «القاموس». ويطلق هذا الاسم على البقعة التي يعلوها جبل الخبّة جنوب مدينة شبام ، وهي القرية المسمّاة : (السّحيل ـ سحيل ابن مهري).

(٢) «عقد الجواهر والدرر» ، و «العدة المفيدة» (١ / ٢٣٦ ـ ٢٣٧) ، وكان سيلانه في صفر. وهناك سيل آخر يسمى : الإكليل ، سال سنة (١٣٣٥ ه‍) ، ويعرف بسيل بن ربيدان.

(٣) المسألة في «مجموع» الحبيب طه بن عمر الصافي (١٠٨ ـ ١١٢) ، وهو جواب صدر من العلامة الكبير الشيخ أحمد صفي الدين القشاشي المدني ، وذيّل على الجواب بكلام نفيس محرر الإمام الفقيه أحمد محمد مؤذن الصبحي باجمال ، وحاصل الفتوى : أن مباني الخبة وهي حدود (٢٠٠) دار والثلاثة المساجد التي بها لا تعد قرية مستقلة ، بل هي من أعمال شبام .. فلا يصح فيها إقامة الجمعة.

(٤) هو الحسين بن سلامة النوبي ، أمير تهامة اليمن ، كان نوبيا من موالي بني زياد ولاة اليمن ، ولما تضعضع حكم آل زياد .. نهض الحسين وتسلم مقاليد الإمارة في حدود سنة (٣٧٥ ه‍) ، وكان رجلا عادلا ، واختط عدة مدن ، وأنشأ الجوامع وحفر الآبار .. أقام في الحكم (٣٠) سنة ومات بزبيد سنة (٤٠٢ ه‍).

٥٢٤

قال : وذكر عمر بن عبد الله باجمّال الشّباميّ : أنّ آل باذيب خرجوا من البصرة إلى حضرموت في أيّام الحجّاج ، وبقيت طائفة منهم بالبصرة ، ولهم حافّة عظيمة بالبصرة ، يقال لها : حافّة الأسد ـ بالسّين ، لغة في الأزد ، بالزّاي ـ ولمّا وصلوا حضرموت .. آواهم أمير شبام وأجلّهم ، وكان فيهم قضاة الدّين وقضاة الدّولة بشبام ، وقد اجتمع منهم في زمن واحد سبعة مفتون ، وقاضيان : شافعيّ وحنفيّ) اه

وهذه فائدة نفيسة ، ونقل عزيز نحتاجه في كثير من المواضع ، ونضرب عليها بنغمات متعدّدة ، وبعيد أن ينتشر فيها الإسلام والمسلمون ثمّ لا يبنى بها جامع إلّا في آخر القرن الثّاني ، هذا ما لا يتمعنى بحال ، لا سيّما وأنّها كانت دار إقامة زياد بن لبيد الصّحابيّ المشهور ، كما في «مفتاح السّعادة والخير» لمؤلّف «القلائد» ، وغيره (١).

وفي سنة (٥٣٢ ه‍) عمّر مقدّم جامع شبام (٢) ، وجدّد منبره بأمر الملك المنصور الرّسوليّ ، وذلك المنبر هو الّذي يخطب عليه إلى اليوم. وكانت هذه العمارة على يد عبد الرّحمن بن راشد في ولاية نصّار بن جميل السعديّ (٣).

وفي موضع من «صفة جزيرة العرب» لابن الحائك [ص ١٦٩] يقول : (وأمّا شبام : فهي مدينة الجميع الكبيرة ، ويسكنها حضرموت ، وبها ثلاثون مسجدا ، ونصفها خراب ، أخربته كندة ، وهي أوّل بلد حمير ثمّ. وساكن شبام : بنو فهد من حمير) اه

وأقول : أمّا فهد .. فهو ابن القيل بن يعفر بن مرّة بن حضرموت بن أحمد بن قحطان بن العوم بن عبد الله بن محمّد بن فهد بن القيل .. إلى آخر النّسب.

وسيأتي بيت نشوان مع ما يتعلّق به عمّا قليل.

أمّا مسجدهم الباقي بين منازلهم الخاصّة في جانب خبّة شبام الغربيّ المسمّى

__________________

(١) وينظر : «أدوار التاريخ الحضرمي» (٨٧) نقلا عن «البرد النعيم» للخطيب.

(٢) هذه العمارة الأولى القديمة والتي بعدها كانت سنة (٥٣٩ ه‍) ، كما في «شنبل» (ص ٣٥).

(٣) كانت عمارة الجامع وتجديد المنبر سنة (٦٤٣ ه‍) ، كما في «شنبل» (ص ٩٢).

٥٢٥

الآن : مسجد الطّيّب .. فقد بقي بأيديهم ، والظّاهر أنّه وقع فيما اجتاحه سيل سنة (٦٩٩ ه‍) الآتي ذكره ، وإلّا .. لما طمع السّيّد عقيل ـ حسبما يأتي ـ في التّجميع بمسجده الّذي بناه بجانب خبّة شبام الشّرقيّ ، إلّا أن يكون اختلاف المذهب داخلا تحت عسر الاجتماع ، المسوّغ للتّعدّد .. فللبحث مجال ، وبين العلماء اختلاف حتّى بين المتأخّرين من الحضارم ؛ كابن يحيى ، وبلفقيه ، والسّيّد عثمان بن يحيى ، وبعض علماء الحجاز ، وهو معمور إلى الآن.

وأمّا كثرة المساجد بها .. فإنّما كانت قبل أن تجتاح أطرافها السّيول (١) ، ويكون مجراها في جنوبها. وكان مسجد الخوقة بشبام هو مسجد الإباضيّة إلى أن غلبهم الأشاعرة عليه في سنة (٥٩١ ه‍).

ومن أشعار إمام الإباضيّة بحضرموت في القرن الخامس إبراهيم بن قيس (٢) قوله [من الطّويل] :

فقلت : وما يبكيك يا خود؟ لا بكت

لك العين ما هبّت رياح زعازع

فقالت : بكيت الدّين إذ رثّ حبله

وللعلما لمّا حوتهم بلاقع

فأين الألى إن خوطبوا عن دقائق

من العلم .. أفتوا سائليهم وسارعوا؟!

فقلت لها : هم في شبام ومنهم

بميفعة قوم حوتهم ميافع

وفي هينن منهم أناس ومنهم

بذي أصبح حيث الرّضا والصّمادع

ومنهم بوادي حضرموت جماعة

وأرض عمان سيلهم ثمّ دافع

__________________

(١) كان بشبام (٣٠) مسجدا ، كما في التواريخ القديمة ، وأما اليوم فالذي بداخلها ستة مساجد فقط :

المسجد الجامع ، ومسجد الخوقة ، ومسجد الشيخ معروف ـ المقدشي سابقا ـ ومسجد باذيب ، ومسجد باجرش ومسجد بن أحمد ، ومسجد مدرسة الحارة القبلية. وخارج السور : مسجد معروف الهابطي. وفي السحيل : مسجد عقيل ، ومسجد بامكا ، ومسجد طيب ، ومسجد باعشرة. ويوجد قرب المقبرة مسجد السبع.

(٢) إبراهيم بن قيس بن سليمان الهمداني الحضرمي ، ولد (بحضرموت) ، ومات نحو سنة (٤٧٥ ه‍) ، استعان بالخليل بن شاذان الإمام الإباضي بعمان ، واستولى على حضرموت باسم الخليل ، وأقامه عليها عاملا .. وكان شجاعا جلدا ، وله غزوات إلى الهند ، له مصنفات. «الأعلام» (١ / ٥٨).

٥٢٦

وفي أوائل القرن التّاسع كان قضاء شبام للشّيخ عبد الرّحمن باصهي (١) ، وله قصّة مع عليّ بن سعيد باصليب ، الملقّب بالرّخيلة ، مذكورة في الحكاية (٤٥٧) (٢) من «الجوهر الشّفّاف».

ومن قضاة شبام في القرن الثّاني عشر : السّيّد عليّ بن علويّ عيديد (٣).

وكان بشبام جماعة من آل بامهرة فيهم العلماء والقضاة ، وجماعة من آل شعيب مشهورون بالعلم ؛ منهم :

الشّيخ عبد الرّحمن بن عبد الله شعيب. والشّيخ أبو بكر بن شعيب ، له شرح على «المنهاج». ولا اتّصال لهؤلاء بآل باشعيب الآتي ذكرهم في الواسط (٤).

وذكر الطّيّب بامخرمة في «تاريخ عدن» : (أنّ العلماء آل الشّمّاخ (٥) أصل جدّهم من حضرموت ، تفقّه بزبيد ، ولمّا أراد الرّجوع .. رغّبه السّلطان عمر بن المظفّر فأقام هناك إلى أن مات ، فآل الشّمّاخ من ذرّيّته) اه

وقريب جدّا أن يكون آل شمّاخ الموجودون بشبام إلى اليوم متفرّعين عن ذلك الأصل الّذي نجع منه جدّ آل الشّمّاخ إلى زبيد.

ولمّا ذكر علّامة اليمن السّيّد عبد الرّحمن بن سليمان الأهدل عادة آل زبيد في قراءة «البخاريّ» بشهر رجب .. قال : إنّها ـ فيما أحسب ـ من أيّام الشّيخين : أحمد بن أبي الخير منصور الشّمّاخيّ ، ووالده الفقيه أبي الخير منصور الشّمّاخيّ

__________________

(١) الشيخ الفقيه الإمام عبد الرحمن بن محمد باصهي ، توفي بشبام سنة (٨٧٠ ه‍) ، وهو والد الشيخ محمد بن عبد الرحمن الآخذ عن الحافظ السخاوي والشيخ علي بن أبي بكر السكران. والمترجم هنا هو غير الشيخ عبد الرحمن باصهي صاحب الصدقة ، وناظر أوقاف جامع شبام ؛ فإن هذا الناظر من أهل القرن العاشر الهجري.

(٢) في نسخة : (٤٩٧).

(٣) السيد علي بن علوي بن عمر بن عبد الرحمن عيديد ، توفي بتريم سنة (١١٠٩ ه‍).

(٤) وكان بعض آل شعيب سكان شبام يقول : إن أصلهم من الجوف. «مجموع الحييد».

(٥) آل الشماخ بطون كثيرة باليمن ، وأما آل الشماخي سكان زبيد .. فمن بطون آل سعد. وفي «تاريخ شنبل» ذكر لكثير منهم.

٥٢٧

السّعديّ نسبا ، الحضرميّ أصلا ، الزّبيديّ مهاجرا ، الآخذ عن جماعة من أصحاب الحافظ السّلفيّ ، توفّي بمدينة زبيد سنة (٦٨٠ ه‍).

ولآل شبام نوادر ، لو لم يكن إلّا ما يروى عن السّيّد زين بن أحمد بن سميط (١) .. لكفى ، فمن ذلك :

أنّ لآل الشّحر اعتقادا فيه ، حتّى إنّهم ببساطتهم يمكّنون نساءهم من مصافحته ، مع أنّه لا يتورّع بعض الأحيان من غمز إحداهنّ ، فدخل عليه الشّيخ أبو بكر بن سعيد الزّبيديّ وعنده فتاة جميلة ، فعلقتها نفسه ، وتبعها هواه ، فتوسّل إليه أن يخطبها له ، فقال له : يمنعك عنها بخلك. فقال له : اطلب لها ما تريد. فخرج ، ثمّ عاد ، وقال : إنّ أهلها يطلبون ثلاث مئة ريال. فنجع بها طيّبة نفسه ، فواعده أن يجيء إلى ذلك المكان من آخر ليلته ، وعقد له بعجوز قد تغضّن (٢) وجهها ، وانتثرت أسنانها ، وانطبق عليها قول البحتريّ [في «ديوانه» : ٢ / ٢٧٢ من المنسرح] :

والسّنّ قد بيّنت فناءك في

شدق على الماضغين منخسف

ودفع لتلك العجوز عشرة ريالات ، وهرب هو بالباقي إلى شبام حضرموت ، وكانت سفرة طيّبة ، ووقع الشّيخ في الشّبكة.

ومنها : أنّ الجمعدار عبد الله (٣) كان يأنس به ، ويتسلّى بأحاديثه عن أنكاد حوادث صداع ، ومعه السّيّد حسين بن حامد المحضار ، وكان لا يصبر لهم إلّا إذا سلّموا له إمامة الصّلاة ، فأذعنوا له بها ، حتّى جاءهم أحد العلماء .. فاستحيوا أن يقدّموا عليه زينا ؛ مع ما عرف به من التّهاون في الطّهارة ونواقض الوضوء ، فصلّى بهم الشّيخ العشاء ، وقرأ في الأولى (الضّحى) فلم يجد إليه زين سبيلا ، ولمّا قرأ في الثّانية

__________________

(١) هو السيد زين بن أحمد بن زين بن محمد بن زين بن سميط ، ولد بشبام ، وتوفي بزنجبار سنة (١٣٠٨ ه‍) وله ذرية بجاوة.

(٢) أي : ظهرت فيه التجاعيد.

(٣) هو الجمعدار عبد الله بن عمر القعيطي ، أخو السلطان عوض بن عمر ، مر ذكر الخلاف بين أبنائه وعمهم السلطان عوض في القطن.

٥٢٨

ب (الزّلزلة) .. سنحت له الفرصة ، فقطع الصّلاة ، وقال له : زلزل الله بوالديك يا شرّ المشايخ! وهل للزّلزلة مكان بعد ما نحن فيه؟ الجمعدار مزلزل ، والمحضار مبهذل ، وأنا مسفّل ، ثمّ تأتي لنا فوق ذلك بالزّلزلة.

وهكذا سمعتها ، ولكنّ وجود السّيّد حسين بن حامد لذلك العهد بصفة النّديم أو نحوه للجمعدار عبد الله .. لا يخلو من البعد .. فلعلّ النّظر انتقل عن أبيه أو غيره إليه.

ومنها : أنّه مرّ بشباميّ ويهوديّ يتلاطمان في عدن ، فلمّا أراد أن يبطش بالّذي هو عدوّ لهما .. انسلّ الشّباميّ ، وترك زينا مع اليهوديّ ، حتّى حجز بينهما الشّرط ، وساقوهما إلى السّجن ، فسأل زين عن المقرّبين لدى الحكومة ، فقيل له : صالح جعفر ، فأرسل إليه .. فوصل ، فاستخفّ روحه ، فضمن عليه وأخذه إلى داره وأكرم مثواه ، فرأى عنده من النّعمة ما لا يعرف شيئا منه في بيوت آل شبام بعدن ، فانقطع عنهم ، وما زالوا يبحثون عنه حتّى ظفروا به ، فسبّهم وقال : لقد خرجت من النّار إلى الجنّة. قالوا : لكنّك لا تدري ما حال صالح جعفر. قال : وما حاله؟ قالوا : يبغض الشّيخين أبا بكر وعمر. فاستعظمها ، وقال : إذا كان يبغض هذين .. فأيّ دين له ، ومن يحبّ؟ قالوا : لا يحبّ إلّا فاطمة وزوجها وأولادها رضي الله عنهم. فازدهر وجهه بعد العبوس ، وقال : أمّا إذا كان يحبّ أهلي .. فليبغض من شاء ، وأنا كبدي محترقة من بو بكر لعجم وعمر بن بو بكر باذيب ، فسألعنهما جبرا لخاطره.

ثمّ نهض من فوره ودخل على صالح جعفر فأوهم أنّه عثر .. فقال : لعنة الله على أبي بكر وعمر (١).

__________________

(١) وفي فعله هذا تورية عن سب الشيخين رضي الله عنهما بسب معاصريه ، ولفعله شواهد كثيرة كقصة الإمام مع المأمون في مسألة خلق القرآن وغيرها ، ولكن رغم ذلك لم يخرج عن الإعذار ؛ فإنه لا يجوز لعن المعيّن ، بل هو حرام ، وكان على المؤلف رحمه الله أن لا يذكر الأشخاص كما فعل السيد صالح الحامد في «رحلته» ؛ فإنه ذكر الحكاية بدون ذكر الأشخاص.

٥٢٩

وللشّيخ أحمد بركات (١) من هذا القبيل ما ليس بالقليل ، إلا أنّه لم يكن كالسّيّد زين في خفّة الظّلّ ؛ لأنّ عنده شيئا من الكلفة ؛ من نوادره :

أنّ شيخنا الشّهير أحمد بن حسن العطّاس مرّ بداره فناداه : أعندك رطوبة نطلع لها؟

قال له : احذف الطّاء واطلع. يعني أنّ عنده روبة (٢).

وبها ذكرت أنّ ابن عمّار قال للدّاني : اجلس يا داني بلا (ألف) ، فقال : نعم يا ابن عمار بلا (ميم).

وكان سنة (١٣١٨ ه‍) بدوعن في منزل استأجره ، فاتّفق أنّ بنتا لأهل المنزل استعارت ثوبا من أمها لتلبسه في وليمة زواج ، ففقد لهم عقد من الفضّة يسمّونه (مريّة) ، فاتّهموا بها الشّيخ أحمد ، فقال لهم : كم ثمنها؟ فقالوا : ستّة ريال. فدفعها لهم ، ولمّا عادت البنت بالثّوب .. ألفوا المريّة معها ؛ لأنها كانت بين طيّات الثّوب ، فردّوا ريالات الشّيخ أحمد واعتذروا له ، ولمّا انتهى الخبر إلى باصرّة .. عاتب الشّيخ أحمد وقال : لو رضيت برفعهم أمرك إليّ .. لما ألزمتك بشيء ، فقال : من يدفع التّهمة بعد الرّفع ؛ إذ لا بدّ من علوقها على أيّ حال ، فاخترت السّتر احتفاظا بالمروءة ، لا سيّما والمبلغ زهيد.

ودخل أحد أهل شبام على صديق له بها وهو يتغدّى ، فقال له : أما عندك ثمانية وسبعون؟ يعني لحم.

قال : لا ، ولكن عندي مئة وخمسون. وأحضر له عكّة السّمن ، وكلّ ذلك على الرّويّة من دون تفكير (٣).

__________________

(١) أحمد عبد الله بركات ، توفي بشبام سنة (١٣٤٦ ه‍) ، وله أشعار ونوادر ، جمع بعضها المستشرق سارجنت في كتابه : «الأدب العامي في حضرموت» ، وله مقامات أدبية نشرت ضمن «مجموع المقامات اليمنية» التي جمعها الأستاذ عبد الله محمد الحبشي ، وجمع بعض نكاته السيد الفاضل حسن بن سالم السقاف (السوم) ، المتوفى بجدة سنة (١٤١٨ ه‍) ، وسماها : «النوادر المضحكات من أخبار أحمد بركات».

(٢) الروبة : اللبن الرائب الحامض.

(٣) يعني بالثمانية والسبعين : مجموع حروف كلمة (لحم) ؛ فاللام ـ ٣٠ ، والحاء ـ ٨ ، والميم ـ ٤٠.

٥٣٠

وكان لهم ـ كما سبق عن الحبيب أحمد بن عمر ـ في نقد الرّجال الفهم الوقّاد ، وعندهم من الإزكان (١) والتّخمين (٢) ما لا يحصره التّعداد. من ذلك :

أنّ امرأة لأحدهم كثيرا ما تأكل اللّحم وتعتذر بالهرّة ، فلم يكن منه إلّا أن وزن الهرّة عند السّاعة الّتي يتّهمها فيها بأكل اللّحم ، وخرج من الدّار ، ثمّ عاد وقال لها : أين اللّحم؟ فقالت : أكلته الهرّة. فوزنها ثانيا ، فلم يزد فيها شيء ، فانكشف الخيم ، وانهتك الحريم.

وآل شبام يغضبون من وزن الهرّة إلى اليوم لذلك السّبب ، بل يكرهون من غيرهم لفظ الوزن وإن لم يذكر معه الهرّ.

حدّثني المرحوم الوالد أحمد بن عمر بن يحيى قال : كتب إليّ بعض أهل التّيمور يطلب كميّة من البقر فأخذتها ، وفي العشيّ كنت أنا والشّيخ الفاضل سالم بن عبد الرّحمن باسويدان بمنزل أمير الإحسان ، السّيّد محمّد بن أحمد السّقّاف بسنغافورة ، فذكرت شراء البقر ، فقالوا : كيف كان شراؤك لها؟

فقلت لهم : بالوزن. فغضب الشّيخ سالم ، وظنّ أنّ فيه تنكيتا عليه ، وأنا لم أتعمّد شيئا من ذلك ، وإنّما أرسلتها بحسب السّجيّة ، وبقي على غضبه مدّة ليست باليسيرة.

ولسماسرة شبام اليد الطّولى في سنّ الفاتر ، وتعيير العائب ، إلّا أنّهم لا يسلمون من التّحريش بين النّاس ؛ بينما أحد شعرائهم بالسّوق ـ واسمه عليّ ـ .. إذ ظهر قرنه الّذي يهاجيه ـ وهو بازياد ـ فأشلوه عليه ، فتفطّن لها بازياد وقال :

يا علي خذ لك نصيحه

من رفيقك بازياد

الشّتم بيني وبينك

والضّحك لاهل البلاد

__________________

وبالمئة والخمسين : مجموع حروف كلمة (سمن) ؛ فالسين ـ ٦٠ ، والميم ـ ٤٠ ، والنون ـ ٥٠.

(١) الإزكان : الفراسة والفطانة.

(٢) التّخمين : ظنّ الشّيء بالحدس.

٥٣١

فارعوى عليّ ، وكان ذلك سبب الصّلح بينهما.

ولشبام ذكر عند الطّيّب بامخرمة ولكنّه قليل ؛ إذ لم يزد على قوله : (شبام مدينة عظيمة بحضرموت ، بينها وبين تريم سبعة فراسخ ، إليها ينسب جمع كثير ، وخرج منها جماعة من الفضلاء والعلماء والصّالحين ، منهم : الفقهاء بنو شراحيل ، والفقيه أبو بكر بامهرة ، والفقيه الإمام محمّد بن أبي بكر عبّاد ، والفقيه الصّالح برهان الدّين إبراهيم بن محمّد الشّباميّون. ومنهم : الفقيه وجيه الدّين عبد الرّحمن بن مزروع (١) ، والفقيه الصّالح محمّد بن عبد الرّحمن باصهي) اه (٢)

__________________

(١) هو العلامة الفقيه مفتي حضرموت ، له «فتاوى» جمعها تلميذه السيد القاضي أحمد شريف بن علي خرد توفي أوائل القرن العاشر ، وينقل عنها العلامة طه بن عمر الصافي في «المجموع الفقهي».

(٢) نسبة البلدان (خ ١٦٠) ، توفي سنة (٩٠٣ ه‍) ، أخذ عن الحافظ السخاوي وطبقته. ذكره في «الضوء اللامع».

تتمة : مدارس شبام : أقدم مدرسة قامت بشبام هي (مدرسة ومسجد الحارة القبلية) ، تبرع بأرضها المقامة عليها أحد السلاطين في مطلع القرن الثالث عشر الهجري ، وكانت هذه الحارة مصدر إشعاع علميّ وثقافي عمّ حضرموت بأسرها ؛ إذ كان إمام الدعوة الحبيب أحمد بن عمر بن سميط (١٢٥٧ ه‍) متوليا للإشراف عليها ، وأوقفت عليها وعلى طلبتها الأوقاف ، واستمرت هذه المدرسة تقوم بدورها حتى منتصف القرن الرابع عشر الهجري إلى حدود سنة (١٣٦٠ ه‍) ، وبعدها أغلقت لاحتياجها للترميم.

المدرسة الشرقية : تقع في الجهة الشرقية من شبام ، أسسها وبناها المشايخ آل التوي ، وكان كبيرهم المتولي لذلك العمل هو الشيخ أبو بكر بن محمد التوي ، وتاريخ وقفيتها يعود إلى سنة (١٣٣٥ ه‍) ، وقام بالتدريس بها محمد وعمر ابنا أبي بكر التوي ، وتولى إدارتها أولا الشيخ القاضي محفوظ المصلي ، ثم تعاقب على الإدارة شخصيات أخرى ؛ كالسيدين علي بن محمد بن سميط وعبد الله بن مصطفى بن سميط. ومرّت على المدرسة مدة توقفت خلالها ، لا سيما بعد وفاة الشيخ أبي بكر التوي وانقطاع الموارد المالية ، فقام الشيخ أحمد جبران بن عوض جبران بترميمها ، وجلب بعض مدرسين من تريم ؛ منهم الشيخ : عبد القوي الدويلة بافضل. ثم توقفت بعد مجيء الحزب الشيوعي ، وأخذت أرضها ظلما وبني عليها منزل لأحد الأهالي ، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

ثم في سنة (١٣٧٢ ه‍) فتحت المدرسة الحكومية في عهد السلطان صالح القعيطي ، وكان مديرها السيد عبد الله بن مصطفى بن سميط ، ثم ضمت بعد الثورة إلى مدارس الحكومة ، وسميت بعد ذلك بمدرسة الشهيد غسان ، وحاليا تسمّى : مدرسة الرشيد.

٥٣٢

أمّا أحوال شبام السّياسيّة : فقد تقلّبت كسائر بلاد حضرموت ؛ إذ كانت أوّلا لحمير ، ثمّ تجاذبت فيها الحبال قبيلتا كندة وحضرموت ، وقد ذكرنا من ملوكهم ما انتهى إليه العلم في «الأصل» ، على ما في تلك الأخبار من الاضطراب والتّناقض.

ونزيد هنا ما جاء في «النّفحة الملوكيّة» (ص ٨٤) (١) : (أنّ مدّة ملوك كندة بالحجاز كانت من سنة (٤٥٠) إلى سنة (٥٣٠) ميلاديّة ، وأوّل من ملك منهم : حجر بن عمرو آكل المرار.

وكانت كندة ـ قبل أن يملّك عليهم ـ فوضى ، يأكل قويّهم ضعيفهم ، فلمّا تملّك حجر عليهم .. سدّد أمورهم ، وانتزع ما كان بأيدي اللّخميّين من أرض بكر بن وائل.

وكان ابتداء ملكه ـ حسبما مرّ ـ من سنة (٤٥٠) ميلاديّة ، ولمّا مات .. تملّك بعده ابنه عمرو بن حجر ، الملقّب بالمقصور ؛ لأنّه اقتصر على ملك أبيه فلم يتجاوزه.

وأقام ما شاء الله في الملك ، إلى أن قتل ، ثمّ خلفه ابنه الحارث بن عمرو ، وكان شديد البأس ، كثير المغازي والغارات ، فملّك ابنه حجرا على بني أسد وغطفان ، وابنه شرحبيل على بكر بن وائل ، وابنه معديكرب على بني تغلب ، والنّمر بن قاسط ، وسعد بن زيد مناة (٢) ، وطوائف أخرى من بني دارم والصّنائع. وابنه سلمة على بني قيس.

ثمّ إنّ الحارث بن عمرو كان قد سار إلى وادي سحلان فقتله بنو كلب ، وكان حجر بن الحارث أساء معاملة بني أسد ، وأهان سراتهم وقهرهم ، فهجموا عليه بغتة واغتالوه) اه

__________________

(١) اسمه بالكامل : «النفحة الملوكية في أحوال الأمة العربية الجاهلية» لمؤلفه الشيخ عمر نور الدين القاضي الأزهري الحنفي ، انظر : «معجم المطبوعات» لسركيس ص (١٥٢٤).

(٢) في «الكامل» لابن الأثير (١ / ٤٠٠) : أنّ معديكرب ملك : قيس عيلان وطوائف غيرهم.

وسلمة ملك : تغلب ، والنّمر بن قاسط ، وبني سعد بن زيد مناة من تميم. والله أعلم.

٥٣٣

وزعم العينيّ في «شرحه لشواهد الألفيّة» : أنّ حجر بن الحارث هذا هو والد امرىء القيس أول ملوك كندة ، وأخطأ في ذلك أو انتقل عنده الفكر من حجر بن عمرو إلى هذا.

على أنّ ما سبق من بدء ملك حجر بن عمرو إنّما هو بالنّسبة إلى الحجاز ، أمّا في حضرموت .. فقد كان لهم ملك قديم قام على أنقاض ملك حمير حسبما أسلفنا.

وسبب تمليك الحارث أولاده على العرب أنّه ـ كما في «الكامل» [١ / ٤٠٠] ـ : (لمّا كان الحارث بالحيرة .. أتاه رؤساء القبائل من نزار ، وقالوا له : قد وقع بيننا من الشّرّ ما تعلم ، فنحن في طاعتك ، فوجّه معنا بنيك ينزلون فينا. ففرّق أولاده في قبائل العرب ملوكا عليهم).

وهذا ، وإن ذكر أكثره ب «الأصل» ، وكان ممّا يتعلّق بالحجاز لا بحضرموت .. فإنّ فيه زيادة ؛ ولكن كندة كانت تسكن البحرين ، ثمّ انتقلت إلى حضرموت وزهت بها دولتها ، وإنّما نجعت إلى أرض معدّ حين كرهت محاربة حضرموت ، ولانت لها بسبب اختلافها على الرّياسة بعض اللّين ، حسبما بيّناه في «الأصل».

وقد أقمت الحجّة فيه على من يريد أن يباعد ما بين امرىء القيس والأشعث بن قيس في المناسب بما لا يحتاج إلى الإعادة.

وفي «سبائك الذّهب» : أنّ معديكرب جدّ الأشعث من ولد حجر القرد ابن الحارث بن عمرو بن معاوية بن الحارث بن معاوية بن ثور بن مرتع ، والحارث بن عمرو بن معاوية هو الجدّ الثّالث فيها لامرىء القيس.

والملك في قبائل العرب لآل الحارث بن عمرو ، إلّا أنّ النّعمان بن المنذر ـ نائب أنو شروان ـ كان يبغض الحارث بن عمرو ، فله يد في قتله ثمّ في قتل ثلاثة من أولاده ، وإضعاف ملكهم حتّى لم تبق لهم إلّا مناطق محدودة بين الحجاز والشّام والبحرين ونجران اليمن وغمر ذي كندة. وأمّا ملك كندة بحضرموت .. فللمتوّجين من بني معاوية الأكرمين ، وآخرهم الأشعث بن قيس.

٥٣٤

وجاء الإسلام وكندة على ملكها في بلاد حضرموت ، وكان ما كان من أخبار الرّدّة.

وفي سنة (١١٩ ه‍) نجمت الخوارج ، وتفرّعت عنها الإباضيّة الّتي بقيت منها ـ كما سبق في الرّشيد ـ بقيّة مذكورة في حضرموت حتى أواخر القرن الثّامن ، كما ذكره ابن خلدون في (ص ١٧٠ ج ٣) من «تاريخه» : (وأمّا مسجدهم الّذي بخبّة شبام فقد بقي بأيديهم إلى ما بعد ذلك بزمان طويل ، وما زالت نقاط محدودة من حضرموت ـ مع الاضطراب الهائل بالخوارج والإباضيّة ـ وكانت تلك النّقاط الّتي بأيدي الخلفاء ـ مع هذا الزّحام ـ تنبسط تارة ، وتنقبض أخرى ، حتّى كانت أيّام المأمون فخرجت عنه تماما ، فاستعان ببني يزيد الأمويّين ، فأخضعوها سنة «٢٠٦ ه‍» ، واستمرّت بها دولتهم إلى سنة «٤١٢ ه‍».

إلّا أنّه جاء في «التّاريخ» : أنّ المعتمد ابن المتوكّل أسند ولاية اليمن لمحمّد بن يعفر (١) ، ففتح حضرموت في حدود سنة «٢٧٠ ه‍» ، وولّى الهزيليّ شباما.

فأشكل ذلك عليّ بما اتّفقوا عليه من دوام ملك اليزيديّين الأمويّين إلى سنة «٤١٢ ه‍» بالنّيابة عن بني العبّاس ، حتّى رأيت في بعض تواريخ اليمن للكبسيّ : أنّ محمّد بن يعفر كان لا يرى مقاومة ابن زياد ، بل يهدي له ، ويوهمه الاعتراف له ، وربّما ذكره في الخطبة ، وكان مستقلا بأمر التّهائم) اه

وكان محمّد بن يعفر بن عبد الرّحيم أخذ البيعة في حياة أبيه من أهل اليمن للمعتمد بالله فولّاه ، فغلب على مخاليف اليمن ، إلّا التّهائم ، فبقيت تحت آل زياد كما تقدّم.

وفي سنة (٢٦٧ ه‍) حجّ محمّد بن يعفر ثمّ عاد وبنى جامع صنعاء. وفي سنة

__________________

(١) آل يعفر من ولد يعفر بن عبد الرحمن بن كريب الحوالي ، ومؤسس دولة آل يعفر هو يعفر بن عبد الرحيم الحوالي ، استمرت دولتهم من عام (٢٢٥ ه‍) إلى عام (٣٩٧ ه‍). كانوا أمراء على بلاد شبام كوكبان ، وامتد نفوذهم إلى صنعاء والجند وحضرموت. وهم غير آل يعفر الكهلانيين ، بنو يعفر بن مالك بن الحارث بن مرة بن أدد الكهلاني. قتل محمد بن يعفر سنة (٢٦٩ ه‍) على يد ابنه إبراهيم ، بإيعاز من أبيه يعفر بن عبد الرحيم. «بلوغ المرام» (١٨).

٥٣٥

(٢٦٩ ه‍) أمر يعفر بن عبد الرّحيم حفيده إبراهيم بن محمّد بن يعفر بقتل أبيه محمّد بن يعفر ، فقتله فانتقضت عليه وعلى جدّه الأمور ، ثمّ وصل العهد من المعتمد ليعفر بن إبراهيم بن محمّد بن يعفر ، فقتل بشبام سنة (٢٧٩ ه‍) وقام بعده يعفر (١) بن عبد القاهر بن أحمد يعفر ، ثمّ عاد الملك لإبراهيم بن محمّد بن يعفر في سنة (٢٩٠ ه‍) ، وقام بعده ابنه أسعد بن إبراهيم ، وفي أيّامه ظهر عليّ بن الفضل القرمطيّ ، فاستعمل أسعد هذا على صنعاء ، ولمّا قتل القرمطيّ .. استولى أسعد على ملكه وعلى بناته ، وقتل ولده ، ثمّ توفّي أسعد سنة (٣٣٢ ه‍) ، وقام بعده ابنه يعفر ، غير أنّه مات بعد سبعة أشهر.

وأمّا الهزيليّ الّذي أسندت إليه ولاية شبام .. فمن بني فهد ، فالكلام متّفق مع ما مرّ عن ابن الحائك الهمدانيّ.

قال نشوان بن سعيد الحميريّ [من الكامل] :

وبنو الهزيل وآل فهد منهم

من كلّ هشّ للنّدى مرتاح (٢)

وآل يعفر بطن من حمير ، ويقال لهم : الأوزاع ، وقد رفع نسبهم صاحب «سبائك الذّهب» إلى زيد الجمهور بن عمرو بن قيس بن معاوية بن جشم بن عبد شمس بن وائل بن الغوث بن قطن بن عريب بن زهير بن أبير بن حمير بن سبأ (٣) ،

__________________

(١) في تلك الأثناء قدم إلى اليمن وال من قبل الخليفة العباسي ، وهو علي بن الحسين الملقب (حفتم) ، وهو آخر ولاة بني العباس باليمن ، ودخل صنعاء الإمام الهمداني ، ثم هرب منها ورجع الأمر للحواليين.

(٢) بنو الهزيل ـ بالزاي ـ وليس بالذال ، وكذا في «شرح قصيدة نشوان». قال في «شرحها» (ص ٢١٦) : من آل الهزيل : السلطان راشد بن أحمد بن الدغار بن أحمد بن أبي العلاء بن أبي الهزيل بن أبي النعمان بن هزيل بن فهد بن محمد بن عبد الله .. إلخ النسب المتصل بحضرموت من سبأ الأصغر.

ولهم بقية إلى اليوم ؛ منهم جماعة في قرية باهزيل الواقعة في وادي بن علي.

(٣) مر أن آل يعفر من الحواليين ، والحواليّون بطن من حمير ، فيه فخائذ عدة ؛ منها : ١ ـ بنو يعفر هؤلاء. ٢ ـ الأوزاع والأصابح بالحجرية. ٣ ـ العواسج في حيدان من خولان صعدة. ٤ ـ آل الأكوع.

٥ ـ آل الزواحي ، مؤسس الدولة الصليحية.

٥٣٦

وكانوا يسكنون بجبل شبام (١) ، ولهم فيه حصون هائلة ، وهو جبل أشمّ ، صعب المرتقى ، ليس له طريق إلّا من جهة واحدة على خمس وعشرين ساعة من صنعاء.

وقال في «الإكليل» [٨ / ٨٥] : (وشبام مملكة آل يعفر الحواليّين ، وهي إحدى جنان اليمن) اه

ثمّ استولى من بعد آل يزيد أو زياد ـ الأمويّين نسبا ، العبّاسيّين دولة ـ بنو معن (٢) على عدن ولحج وأبين وحضرموت ، ثمّ جاءت دولة الصّليحيّ (٣) في سنة (٤٥٥ ه‍) وكانت شيعيّة تدعو وتخطب للأئمّة الفاطميّين بمصر والمغرب ، إلّا أنّ إمام الإباضيّة إبراهيم بن قيس كان يراوغ أئمّة عمان ، ويستدرّ منهم المعونة والمؤونة بزعم أنّه يزاحف الصّليحيّ ، وهو غير بارّ في قوله [من الطّويل] :

وأمّا نواحي حضرموت فإنّها

بحول إلهي طوع أمري وخاتمي

ولم يبق لي إلّا الصّليحيّ قائما

وها هوّ أيضا سعده غير قائم

وقد نزعت عنه القبائل نحونا

لما نظرت من رغمها في المآتم

وإنّما كان الأمر بالعكس ، وما نجّاه من براثن الصّليحيّ إلّا هربه ولياذه بتجيب ، وخضوعه لهم ، وتملّقه إليهم ، بشهادة ما سبق في هينن وغيره من أشعاره المذكورة في «الأصل» ؛ فلقد جاءهم بجريعة الذقن فأجاروه ، وأجاز الصّليحيّ جوارهم إيّاه.

وبإثر مقتل الصّليحيّ .. تقوّضت دعائم ملكه وشيكا عن حضرموت ، وبقيت الدّولة بها لآل قحطان الحميريّين بنفوذ محدود في نقاط لا تتجاوزها ؛ لانطباع حضرموت على الفوضويّة ، ولهم مشاغبات كثيرة مع بعضهم ومع الإباضيّة وقبائل

__________________

(١) المراد شبام كوكبان ، وكان يسمّى شبام اقيان.

(٢) كان ابتداء ملكهم سنة (٤١٢ ه‍) ، ينظر ما كتبه عن بني معن السيد أبو بكر المشهور في «تاريخ أحور».

(٣) وهم الباطنية ، أو الإسماعيلية ، ومنهم فرقة تسمّى : (البهرة) بعدن ، وسلطانهم بالهند ، إلى اليوم ، وفرقهم وجماعاتهم كثيرة.

٥٣٧

البلاد ، حتّى جاء الأيّوبيّون ومواليهم الغزّ (١) في سنة (٥٧٥ ه‍) فعاثوا في البلاد ، وفعلوا الأفاعيل ، وماجت حضرموت بالقبائل النّاقلة إليها كما يموج البحر.

وسبق في آخر مادّة قعوضه أنّ نهدا لم تجىء من اليمن إلّا لأنّ حضرموت استنجدت بها. والله أعلم.

وفي سنة (٥٩٠ ه‍) ورد طغتكين بن أيوب إلى تريم وأخذ شباما (٢) ، وعاد إلى اليمن ومات به ، وطالت مدّة الغزّ بحضرموت ، والدّولة الاسميّة في خلال ذلك لبني قحطان ، تنازعهم شقّ الأبلمة (٣) فيها أمراء الطّوائف ورؤساء القبائل ، من بني حارثة الكنديّين ، وبني سعد ، وبني حرام ، وبني ظنّة ، وغيرهم.

وسياسة الغزّ تتقلّب ، تارة مع هؤلاء ، وتارة مع هؤلاء ، حسبما فصّل ب «الأصل». وجرت بينهم حروب وخطوب.

وآل يماني بن الأعلم وآل سعد يتناوبون على شبام وعلى غيرها من بلاد حضرموت ؛ لأنّ الحرب سجال بينهم ، وجرت مع الحبوظيّ في تلك الأثناء أحوال مفصّلة ب «الأصل».

وفي سنة (٦٧٨ ه‍) تمّ استيلاء الملك المظفّر الرّسوليّ على حضرموت (٤).

وفي سنة (٦٨٧ ه‍) توفّي السّلطان محمّد ابن السّلطان عبد الله بن راشد وكان مشهورا بالفقه (٥).

وبعقب انقضاء ملك آل قحطان ، وتلاشي أمر الرّسوليّين بحضرموت .. آل ملكها إلى آل أحمد بن يمانيّ والصّبرات.

__________________

(١) الغزّ : قبائل بدائيّة ، أصلها من الأتراك غير المسلمين ، اكتسحت إيران قبل انسياح التّتار بمناطق الشّرق الإسلاميّ.

(٢) تقدم سابقا ذكر بعض الغز في الشحر ، وكانت بداية دخولهم اليمن سنة (٥٦٩ ه‍) بقيادة توران شاه.

(٣) الأبلمة : بقلة لها قرون كالباقلّاء ، إذا شققتها طولا .. انشقّت نصفين سواء من أوّلها إلى آخرها.

وشقّ الأبلمة : مثل يضرب في المساواة والمشاركة في الأمر.

(٤) «شنبل» (١٠٣).

(٥) «شنبل» (١٠٧) ، وفيه سنة (٦٨٩ ه‍).

٥٣٨

ثمّ إلى آل كثير (١).

ثمّ إلى الإمام المتوكّل على الله إسماعيل ، ثمّ ليافع ، إلّا أنّ يافعا لم تدّع سلطنة ، بل متى انتصب لهم سلطان .. بخعوا له بالاسم مع الاستبداد عليه بالعمل ، وقد يستغنون عن السّلطان بالكلّيّة ، إمّا برؤسائهم وإمّا بمنصب سيّدنا الشّيخ أبي بكر بن سالم.

وفي أيّام يافع كانت الدّولة الكثيريّة لآل عيسى بن بدر بشبام ، أوّلهم : عمر بن جعفر بن عيسى بن بدر.

ثمّ أخوه عبد الله ، وهو الّذي باع ليافع ناصفة شبام.

ثمّ منصور بن عمر بن جعفر بن عيسى بن بدر ، وكان شهما شجاعا حميّ الأنف ، أبيّ الضّيم ، وله تعلّق بجبل المجد ونجم الشّرف : السّيّد عمر بن محمّد بن سميط ، فكانت له عبادة ؛ منها : أنّ ورده في اليوم واللّيلة مئة ركعة.

ومن أخباره : أنّ السّيّد سالم بن صالح الحبشيّ كان من أثرياء شبام ، فطلب منه منصور إعانة ، فشكا إلى الحبيب عمر بن محمّد ، فعاتبه ، فقال : أنا لا أحبّ الظّلم وأكره أن أسيء أحدا من أهل البيت ، ولكنّ السّيّد سالما عنده من جيف الدّنيا ، لو وضعت جيفة عند المنبر في الجامع .. لأسرعت إليها الكلاب والضّرورة تحوج ، فقال الحبيب عمر للسّيّد سالم : أعطه.

وحجّ السّلطان منصور مع الحبيب عمر بن محمّد وأشيع موتهما كذبا ، ثمّ عادا بالسّلامة ، أخبرني بجميع هذا الأخ الصّالح المنصب عليّ بن عبد الرّحمن الحبشيّ.

ثم إن منصورا بقي كما كان عمّه مع يافع على المناصفة بشبام ، وجرت بين كلّ منهم وبين يافع وبين أصحابهم آل كثير مشاغبات ومحاربات من أشهرها : أنّ منصور بن عمر سمع حمود بن سعيد بن عبد العزيز يتهدّد رجلا من أهل شبام

__________________

(١) لمعرفة أخبار هذه الدويلات ينظر : «أدوار التاريخ الحضرمي» ، و «تاريخ حضرموت» و «تاريخ الدولة الكثيرية» ، و «الصفحات».

٥٣٩

بالجامع ، فأمر عبيده أن يقتلوه بعد انفصاله عن حريم شبام ، ففعلوا ، فشقّ على آل كثير ؛ لأنّ حمودا عظيم المكانة بينهم ، فحصروا شباما وأخربوا موزعها ، حتّى جمعهم سيّد الوادي الإمام حسن بن صالح وأصلح بينهم وبين منصور بن عمر ، إلّا أنّهم بقوا في نفرة عنهم ؛ لأنّه لا يقرّ على ظلم أحد منهم ، ولا على تعدّيه ، حتّى وقعت (حادثة تريس) في حدود سنة (١٢٥١ ه‍).

وحاصلها : أنّ آل كثير وحلفاءهم هجموا على تريس واستولوا على جانبها الشّرقيّ ، فاستغاث صاحبها ابن النّقيب بيافع ، فأسرعوا ، وكانوا :

لا يسألون أخاهم حين يندبهم

إلى القتال على ما قال برهانا

فحصروا آل كثير ، ولمّا خرجوا .. لاقتهم شرقيّ البلد ، وأثخنت فيهم قتلا ، وسلبت قتلاهم ، فعادوا يتودّدون إلى منصور بن عمر ، وهيّجوه على يافع ، وكان يحرق عليهم الأرّم من الغيظ (١).

ولمّا كانت ليلة الفطر من سنة (١٢٦٠ ه‍) فعل منصور بن عمر فعلته الّتي فعل ، وانتهز فرصة خروج أكثر من بشبام من يافع إلى منازلهم خارجها للعيد .. فأعلن ثورته ، وقتل من بقي منهم بشبام وهم غارّون في المساجد ، واستقلّ بملك شبام (٢).

وقد أنكر العلويّون صنيعة ذلك ، إلّا الحبيب عبد الله بن عمر بن يحيى ؛ فإنّه هنّأه به في كتابه المطوّل الّذي سيرّه إليه بتاريخ عشر شوال من نفس السّنة ، وقد نشرت ذلك الكتاب في «الأصل» مع ما تعاظمني من إشكال صنيع الحبيب عبد الله بن عمر.

وفي آخر القعدة سنة (١٢٦٤ ه‍) باع منصور بن عمر ناصفة (٣) شبام على غالب بن محسن الكثيريّ صاحب سيئون وتريم بدراهم معيّنة ، بواسطة عبود بن سالم ، أعطوه قليلا ، ولووه بالباقي ، وعقدوا بينهم حلفا ؛ من شروطه : أن يتولّى الماليّة ، وينفق

__________________

(١) يحرق عليهم الأرّم من الغيظ : مثل يضرب عند شدّة غيظ الإنسان. والأرّم : الأسنان. وحرق : مأخوذ من قول العرب : حرق ناب البعير .. إذا صوّت.

(٢) «العدة المفيدة» (١ / ٣٣٤) ، «تاريخ الدولة الكثيرية».

(٣) ينظر : «العدة المفيدة» نهاية الجزء الأول وبداية الثاني.

٥٤٠