إدام القوت في ذكر بلدان حضر الموت

السيّد عبد الرحمن بن عبيد الله السقّاف

إدام القوت في ذكر بلدان حضر الموت

المؤلف:

السيّد عبد الرحمن بن عبيد الله السقّاف


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار المنهاج للنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ١١١٠

ضحك عليهم قد حشمتوهم

وسرحوا بالبرود

وقد اختلف في هذا الشّاعر ؛ فقيل : إنّه العلّامة ابن شهاب ، وقيل : إنّه الأمير حسين بن عبد الله القعيطيّ ، وقيل : إنّه الشّيخ صلاح أحمد لحمديّ ، وقيل : إنّه عبد القويّ بن سعيد بن عليّ الحاج.

وأمّا آل أحمد بن عليّ (١) : فيرأسهم الشّيخ عليّ بن أحمد ، صاحب الدّار الّتي بجانب سدّة سيئون القبليّة ، وكان موجودا في سنة (١٣٢٨ ه‍) ، ثمّ أصابته رصاصة غرب من آل سالم بن عليّ ، كان فيها حتفه.

واتفّق أن كان عندهم يوم قتله رجل شرّير من آل عليّ جابر يثير لأصحابه الفتن ، فزعم أنّ قتله وهو عندهم يخفر ذمّته ؛ فأشار الشّيخ يحيى بن عبد الحميد بقتله ، وكان له ابن غائب ، فقدم حتّى ختل يوما عبد الله بن عبد الحميد فأطلق عليه الرّصاص مع خروجه لصلاة الصّبح ، ولكنّ آل عليّ جابر قتلوه في الحال ، وما شيّعوهما إلّا معا.

ولعبد الله بن عبد الحميد هذا شذوذ ، حتّى إنّه نزل مرة على الشّيخ محمّد بن عليّ بن عبود في باندوم ، ولمّا شرعوا في راتب الحدّاد .. قال الشيخ عبد الله بن عبد الحميد : هذا بدعة. فقال الشّيخ محمّد بن عليّ : لا إله إلا الله وحده لا شريك له .. إلخ .. بدعة!! وطرده.

والشّيخ عليّ بن أحمد هو والد الشّيخ عبد القادر بن عليّ ، الّذي أقام دهرا طويلا على إمارة شبام بالنّيابة عن السّلطان غالب بن عوض ، وكان حسن الأخلاق موطّأ الأكناف ، محبوبا عند النّاس (٢).

__________________

(١) وهم أصحاب المصنعة المقدم ذكرها.

(٢) آل الشيخ علي هرهرة ، من قبائل يافع العليا ، ينسبون لجدهم الأعلى الشيخ علي هرهرة ، الذي نصب سنة (٩٩٢ ه‍) ليكون مرشدا دينيا على بلاد يافع ، وخلفه ابنه أحمد ، فصالح ابن أحمد الذي تسلم زمام قيادة قبائل يافع ، وأعلن تغيير اللقب من شيخ إلى سلطان ، واستمر إلى سنة (١١١٧ ه‍) ، وخلفه ابنه ناصر الذي امتد حكمه إلى الشحر وخلفه أخوه السلطان عمر بن صالح الذي مر ذكر بعض أخباره ورحلته سابقا. ولما مات السلطان عمر .. انقسمت يافع ، ولم تزل زعامة آل هرهرة قائمة إلى عام (١٩٦٧ م) ، وكان آخر السلاطين هو الشيخ فضل بن محمد هرهرة. «المقحفي».

٥٠١

نخر عمرو (١)

هو مكان في غربيّ شبام على ساعة ، يسكنه الجهاورة من يافع أصحاب الشّيخ يحيى بن قاسم السابق ذكره ، وهم خوّاضو غمرات ، وحتوف أقران. وكان على رئاستهم عليّ بن عبد الكريم الجهوريّ.

وكانت لآل النّقيب (٢) دولة بشبام ، فضرب أحدهم مسكينا من مساكين نخر عمرو فاشتكى إلى عليّ عبد الكريم ، فأكنّها في نفسه ، حتّى سمع بعض التّعيير من الشّعراء والسّماسرة ، فحمل أصحابه على أن يتسوّروا سور شبام باللّيل ، فكمنوا تحت الجامع حتّى أقبل عليهم اثنان من آل النّقيب فقتلوهما ، ثمّ التحم الحرب ، وقتل اثنان من الجهاورة وآخران من آل النّقيب ، ثمّ خفّ الجيران (٣) لإيقاف الحرب ، وأوّل من وصل : صالح بن عبد الحبيب بن عليّ جابر في حشد من أصحابه ، فحجز بين الفريقين ، وعقد بينهم هدنة لمدّة ما يجهّزون قتلاهم ، وفي أثنائها .. وصلتهم الذّبائح من النّقيب للجهاورة إلى الدّار الّذي هم فيه بشبام ، وهكذا كانت بنو مالك.

إذا افترقوا عن وقعة جمعتهم

لأخرى دماء ما يطلّ نجيعها (٤)

تذمّ الفتاة الرّود شيمة بعلها

إذا بات دون الثّأر وهو ضجيعها (٥)

تقتّل من وتر أعزّ نفوسها

عليها بأيد ما تكاد تطيعها

إذا احتربت يوما ففاضت دماؤها

تذكّرت القربى ففاضت دموعها

ولا عيب إلّا أنّ حلم حليمها

يسفّه في شرّ جناه خليعها

__________________

(١) لفظة (النّخر) بضم فسكون ، تكررت في بعض مناطق حضرموت .. فهناك : نخر عيقون. في غيل بن يمين ، ونخر كعدة قرب تريم ، وهذا ، ونخر عينات وغيرها ويطلق على المحلة المقامة جوار الأرض التي نخرتها السيول.

(٢) آل النقيب من بطون يافع ، وكانت سيطرتهم في السابق على تريس ، ثم سكن منهم جماعة شباما ، ثم جلوا عنها ، وتقدم ذكر عقدتهم في القطن.

(٣) خفّ الجيران : أسرعوا.

(٤) الأبيات من الطّويل ، وهي للبحتريّ في «ديوانه» (١ / ٩ ـ ١١). يطلّ : يهدر. نجيعها : دمها.

(٥) الرّود : الفتاة الجميلة الحسنة الشّابة ، وهي مسهّلة من : الرّؤود.

٥٠٢

والبيت الأوّل شبيه بقول عبد الله بن الحرّ [من الطّويل] :

إذا خرجوا من غمرة رجعوا لها

بأسيافهم والّطعن حتّى تفرّجا

وهو من قصيدة قالها وهو في حبس مصعب بن الزّبير.

لقد كانت يافع على أحسن ما كانت العرب عليه من الوفاء بالذّمم ، وصدق الكلم ، وبعد الهمم ، إلّا أنّهم بالآخرة بغوا وتكبّروا ، وكثر من سفهائهم الظّلم ، والجور والفساد ، وما أحسن قول أبي تمّام [في «ديوانه» : ٢ / ٩٨ من البسيط] :

لا تجعلوا البغي ظهرا إنّه جمل

من القطيعة يرعى وادي النّقم (١)

نظرت في السّير اللّاتي خلت فإذا

أيّامه أكلت باكورة الأمم

أفنى جديسا وطسما كلّها وسطا

بالأنجم الزّهر من عاد ومن إرم

أردى كليبا وهمّاما وهاج به

يوم الذّنائب والتّحلاق للّمم (٢)

يا عثرة ما وقيتم شرّ مصرعها

وزلّة الرّأي تنسي زلّة القدم

__________________

(١) الظّهر : ما يركب فوقه ويحمّل عليه الأمتعة من الحيوانات. والمعنى : لا تبغوا وتجعلوا البغي كالجمل الّذي تحمّلون عليه متاعكم ؛ لأنّه كالجمل غير الذّلول ، وربّما أكل صاحبه.

(٢) كليب : هو كليب وائل ، أخو المهلهل (الزّير سالم) ، وهو الّذي كانت تضرب الأمثال بعزّته.

همّام : هو ابن مرّة من بكر ، وهو الّذي طلب التغلبيّون أن يقتلوه بكليب الّذي قتله جسّاس بن مرّة.

يوم الذّنائب : يوم ظفر فيه بنو تغلب على بني بكر. تحلاق اللّمم : هو اليوم الّذي ظفر فيه الحارث بن عباد على بني تغلب ؛ من أجل أنّ الزّير سالم (المهلهل) قتل بجير بن الحارث هذا.

مع العلم أنّ الحارث بن عباد كان من حكماء العرب ، وقد اعتزل حرب البسوس من أوّلها ، وقال : (لا ناقة لي فيها ولا جمل) فغدا كلامه مثلا.

ثمّ لمّا أكثر المهلهل وأسرف في القتل .. جاءت وفود العرب إلى الحارث هذا ، وطلبوا منه أن يكلّم المهلهل في ذلك .. فأرسل ابنه رسولا للمهلهل في كتاب ، وقال في آخر الكتاب : (وإن لم يكن قلبك قد اشتفى بقتلك من قتلت .. فاقتل ابني بجيرا بكليب ، وأنه الحرب ، وتكون قد قتلت ملكا بملك) .. فثار عند ذلك غضب المهلهل ، وطعن بجيرا في بطنه وقال : (بؤ .. بشسع نعل كليب).

ولمّا بلغ الحارث بن عباد هذا الكلام .. طار لبّه ، وفقد رشده ، وثار ونادى بالحرب ، وارتجل قصيدته المشهورة ، الّتي كرّر فيها قوله : (قرّبا مربط النّعامة منّي) أكثر من خمسين مرّة ، والنّعامة : اسم فرسه ، فجاؤوه بها ، فجزّ ناصيتها ، وقطع ذنبها ـ وهو أوّل من فعل ذلك من العرب فاتّخذ سنّة عند إرادة الأخذ بالثّأر ـ وأمر جميع من معه بأن يحلقوا لممهم ـ ومن هنا سمّيت المعركة هذه باسم :

٥٠٣

شبام (١)

قال ياقوت : (وشبام حضرموت (٢) : إحدى مدينتيها ، والأخرى تريم.

قال عمارة اليمنيّ : وكان حسين بن سلامة ـ وهو عبد نوبيّ (٣) وزر لأبي الجيش بن زياد صاحب اليمن ـ أنشأ الجوامع الكبار ، والمنائر الطّوال من حضرموت إلى مكّة ،

__________________

تحلاق اللّمم ـ وثار على قوم المهلهل بني تغلب ، وقتل منهم الكثير ، وانتصر عليهم ، وأسر المهلهل ، فجزّ ناصيته وأطلقه ، وأقسم أن لا يكفّ عن تغلب حتّى تكلّمه الأرض فيهم ، فأدخلوا رجلا في سرب تحت الأرض ، ومرّ به الحارث ، فأنشد الرّجل :

أبا منذر أفنيت فاستبق بعضنا

حنانيك بعض الشّرّ أهون من بعض

فقيل : برّ القسم ، واصطلحت بكر وتغلب. والله أعلم.

(١) شبام : درة وادي حضرموت ، وتاج سريره ، ولم يزل يزهو بها وبرجالها ، وكما قيل كثرة الأسماء تدل على شرف المسمّى فإن لشبام أسماء عديدة تعرف بها في الجهة ، وبعضها قديم ، فمنها : شبام ، العالية ، الصفراء ، أم الجهة ، الزرافة ـ لعلوّها ـ ، بيحم ، الدمنة.

وهي الآن مصنفة ضمن أقدم بلدان العالم ، وتقوم منظمة اليونسكو العالمية برعايتها وترميمها ، وتصرف أموالا ضخمة لحماية مبانيها ، وللمنظمة المذكورة مكتب دائم بالحصن الشرقي بشبام.

وطالما كتب الرحالون العرب ، بل والأجانب عنها ، وسموها ناطحات السحاب ، بل هي أقدم ناطحات سحاب في العالم ؛ لعلو مبانيها ، ويسميها بعض الرحّالة الغربيين : مانهاتن الصحراء ، على اسم مدينة أمريكية معروفة بعلو مبانيها ، ولكن مباني شبام علت برجالها وقومها الصالحين ، أما تلك فعلوّها بأموال الربا ، وشتّان ما بينهما.

(٢) شبام حضرموت : أي الموجودة في حضرموت وليس المقصود أن اسمها كذلك والإضافة هنا للتبيين ؛ أي : لتبيينها عن غيرها ؛ إذ قال ياقوت قبل ذلك : (وحدثني بعض من يوثق بروايته من أهل شبام : أن في اليمن أربعة مواضع اسمها شبام :

شبام كوكبان : غربي صنعاء ، وبينهما يوم ... ومنها كان هذا المخبر.

شبام سخيم : بالخاء المعجمة والتصغير ، قبلي صنعاء بشرق ، بينه وبين صنعاء نحو ثلاثة فراسخ.

شبام حراز : بتقديم الراء على الزاي وحاء مهملة ، وهو غربي صنعاء نحو الجنوب ، وبينهما مسيرة يومين.

شبام حضرموت : ....) وهي التي ذكرها المؤلف رحمه الله ؛ وقد تسمّى شبام سخيم بشبام الغراس ؛ لقربها من مدينة الغراس.

(٣) النّوبة : جيل من السّودان ، الواحد منهم : نوبي.

٥٠٤

وطول المسافة الّتي بنى فيها ستّون يوما ، وحفر الآبار المروية ، والقلب (١) العاديّة ، فأوّلها شبام وتريم مدينتا حضرموت ، واتّصلت عمارة الجوامع منها إلى عدن عشرون مرحلة (٢) ، في كلّ مرحلة جامع ومئذنة وبئر) اه (٣)

وقد سبق في شبوة ما لاحظناه على ابن الحائك في تسميتها (٤) ، وفي «روضة الألباب» للشّريف أبي علامة اليمانيّ : أنّ تريما وشباما وسنا .. هم بنو السّكون بن الأشرس بن كندة. وفيها ـ أيضا ـ : أنّ تريما والأسنى بحضرموت.

وأكثر النّاس على أنّ شباما لقب عبد الله بن أسعد بن جشم بن حاشد بن جشم بن حيران (٥) بن نوف بن همدان ، وبهذه القبيلة سمّيت المدينة اليمانيّة الواقعة في قضاء كوكبان ، وبها أيضا سمّيت القلعة الواقعة بقمّة الجبل الخشام ، المسمّى باسمها أيضا ، وهو واقع في قضاء حراز ما بين الحديدة وصنعاء ، وقد نزل بعض تلك القبيلة بحضرموت ، وسكنوا شباما فسمّيت بهم أيضا (٦) ، وبه يتأكّد أنّ أهل شبام وأهل قارة آل عبد العزيز من نهد همدان ، لا من نهد قضاعة.

أمّا حنظلة بن عبد الله الشّباميّ الّذي قتل مع الحسين عليه السّلام .. فيحتمل أنّه من شبام حضرموت ، ويحتمل أنّه من شبام اليمن (٧).

ومن العجب أنّ صاحب «التّاج» قال في مادّة (كثر) : (وآل باكثير ـ كأمير ـ : قبيلة بحضرموت ، فيهم محدّثون ، منهم : الإمام المحدّث المعمّر عبد المعطي بن

__________________

(١) القلب : الآبار ، جمع قليب. والعادية نسبة إلى قوم عاد ، فلعلها كانت هناك قلب قديمة طمرتها السيول والرمال فأعادها واستخرجها الحسين بن سلامة.

(٢) المرحلة : المسافة الّتي يقطعها السّائر في نحو يوم وليلة.

(٣) معجم البلدان (٣ / ٣١٨).

(٤) من قوله : إن الأصل في شبام : شباه ؛ لأن أهل شبوة هم أول من سكنوها ، ثم أبدلت الهاء ميما!!.

(٥) في نسخة : (خيران) بالخاء المعجمة.

(٦) وهناك قول آخر وهو : إنما سميت باسم بانيها الحميري شبام بن الحارث بن حضرموت الأصغر بن سبأ الأصغر بن كعب بن سهل بن زيد الجمهور المنتهي إلى سبأ الأكبر بن قحطان. ينظر : «معجم البلدان والقبائل» (١ / ٨٤٥) ، «تعريفات تاريخية» (ص ٢٣).

(٧) هو من شبام كوكبان لا شبام حضرموت ، كما يعلم من عبارة ياقوت في «البلدان» (٣ / ٣١٨).

٥٠٥

حسن بن عبد الله باكثير الحضرميّ (١) ، المتوفّى ب (أحمدآباد) ، ولد سنة (٩٠٥ ه‍) وتوفّي سنة (٩٨٩ ه‍) ، أجازه شيخ الإسلام زكريّا ، وعنه أخذ عبد القادر بن شيخ بالإجازة.

ومنهم : عبد الله بن أحمد بن محمّد بن عمر باكثير الشّباميّ (٢) ، ممّن أخذ عن البخاريّ) اه

ووجود اسم عمر في عمود هذا النّسب ممّا يتأكّد به ما قرّرته في قول شيخنا المشهور ، وشيخه أحمد الجنيد ـ : إنّ العلويّين كانوا يجتنبون اسم أبي بكر وعمر ؛ لأنّ أهل حضرموت شيعة ـ من تخصيص التّشيّع بالعلويّين ومن على شاكلتهم.

وإنّي بتمعّني العموم ، وأكثر أهل حضرموت إذ ذاك إباضيّة ، وقد راجعت «تهذيب التّهذيب» للحافظ ابن حجر فلم أر لعبد الله بن أحمد هذا ذكرا ، ولكن .. من حفظ حجّة على من لم يحفظ.

ولكنّي تبيّنت بعد ـ كما يأتي في تريس ـ أنّ البخاريّ في «التّاج» ليس إلّا محرّفا تحريفا مطبعيا عن السّخاوي ، فقد جاء في «الضّوء اللّامع» له ذكر : عبد الله بن أحمد هذا وأنّه أخذ عنه ، ويتأكّد بتأخير «التّاج» له عن عبد المعطي ، ولو كان قديما .. لقدّمه عليه.

أمّا عبد الجبّار بن العبّاس الهمدانيّ الشّباميّ (٣) ، المحتمل النّسبة إلى شبام هذه وإلى غيرها .. فقد أخرج له التّرمذيّ وأبو داود في (القدر) ، والبخاريّ في «الأدب المفرد»

وفي شبام جماعة كثيرة من آل باكثير ، منهم : الشّيخ عبد الله بن صالح بن أحمد بن عبد الله بن محمّد بن أحمد بن محمّد بن سلمة باكثير ، ترجم له السّيّد محمّد بن زين بن سميط في كتابه : «غاية القصد والمراد» ، وكان من خواصّ القطب

__________________

(١) ترجمته في «النور السافر» حوادث سنة (٩٨٩ ه‍) ، و «البنان المشير» (٣٥ ـ ٣٩).

(٢) توفي الشيخ عبد الله هذا سنة (٩٢٥ ه‍) بمكة ، وكان مولده سنة (٨٤٦ ه‍).

(٣) إنما هو من شبام كوكبان ، كما في «التهذيب» في ترجمته : وشبام جبل باليمن اه

٥٠٦

الحدّاد ، وله منه مكاتبات كثيرة ، توجد في «مجموعها» ، توفّي بشبام.

ومن «تاريخ باشراحيل» أنّه : (وقع وباء شديد في سنة «٧٨٤ ه‍» ، مات منه خلق كثير بشبام ، كان منهم : الشّيخ محمّد بن عبد الله باجمّال ، والشّيخ عبد الرّحمن ابن عبد الله باعبّاد ، والشّيخ عبد الله ابن الفقيه محمّد بن أبي بكر عبّاد ، والفقيه عمر بن عبد الله بامهرة (١) ، والفقيه أحمد بن أبي بكر حفص ، والفقيه ابن مزروع ، ودام ذلك الوباء نحوا من أربعة أشهر .. ثمّ زال) اه

ومن هذه السّياقة .. تعرف ما كانت عليه شبام من الثّروة العلميّة.

ومن فقهاء شبام وعلمائها (٢) : الشّيخ محمّد بن أبي بكر عبّاد (٣) ، كان الشّيخ عبد الرّحمن السّقّاف يقصده من تريم إلى شبام للقراءة عليه.

وفي الحكاية (٣٠٨) من «الجوهر» [٢ / ٥٨] : عن محمّد بن أبي سلمة باكثير قال : (صعدت مع بعض آل باوزير إلى شبام ، فبينما نحن عند العارف بالله محمّد بن أبي بكر عبّاد ـ وهو في آخر عمره ـ إذ جاء الشّيخ عبد الرّحمن السّقّاف ، فأجلّه واحترمه ، وأخذا يتذاكران من الضّحى إلى الاصفرار ، لا يرفعان مجلسهما إلّا للضّروريّات ، وكان الفقيه باعبّاد شيخ السّقّاف ، ولكنّه يحترمه) اه بمعناه.

وفي سنة (٧٥٢ ه‍) قدم الشّيخ يحيى بن أبي بكر بن عبد القويّ التّونسيّ إلى شبام في رجب ، وسافر في رمضان من تلك السّنة ، وقد ترجمه الطّيّب بامخرمة ، وذكرت في «الأصل» أنّ قدومه إلى حضرموت كان في سنة (٧٧٢ ه‍) بناء على ما وجد بخطّ سيّدنا الأستاذ الأبرّ ، لكنّ الّذي في «سفينة البضائع» للحبيب عليّ بن حسن العطّاس

__________________

(١) كان من كبار فقهاء عصره ، وله ذكر في «مجموع بن طه الفقهي» وغيره.

(٢) ومن أجل علماء شبام الحافظ المحدث الرحالة المسند الإمام أبو نزار ربيعة بن الحسن الشبامي ثم الصنعاني ، مولده بشبام حضرموت سنة (٥٢٥ ه‍) ، ووفاته بمصر القاهرة سنة (٦٠٩ ه‍) ، أخذ عن كبار حفاظ عصره ، ورحل إلى أصبهان وهمذان والعراق والشام والحرمين ومصر. له ترجمة في : «تذكرة الحفاظ» ، و «سير النبلاء» للذهبي ، و «التكملة لوفيات النقلة» للمنذري.

(٣) الشيخ الإمام الكبير ، وفاته بشبام سنة (٨٠١ ه‍) ، وتمام نسبه محمد بن أبي بكر بن عمر بن محمد باعباد ، وعم أبيه هو الشيخ الكبير عبد الله بن محمد الملقب بالقديم باعباد.

٥٠٧

و «عقود اللآل» لسيّدي الأستاذ الأبر : أنّ قدومه لم يكن إلّا سنة (٧٥٢ ه‍) ، وتكرّر عنه أخذ الشّيخ محمّد بن أبي بكر عبّاد.

ونقل الطّيّب أنّه وقع موت كثير بحضرموت أوائل سنة (٩٣٠ ه‍) ، وفيها توفّي الفقيه شجاع الدّين عمر بن عقيل بلربيعة ، وعبد الله بن عمر باعقبة ، وأخوه أحمد بن عمر باعقبة ، وعمر بن أبي بكر باذيب في نحو أربع مئة جنازة من شبام وحدها.

وكان الشّيخ أبو بكر بن سالم يتردّد إلى شبام للأخذ عن الشّيخ معروف باجمّال ، وكذلك السّيّد أحمد بن حسين بن عبد الله العيدروس المتوفّى سنة (٩٦٨ ه‍) يتردّد على الشّيخ معروف ، والسّيّد أحمد بن حسين هذا من كمّل الرّجال ، قال الشّيخ عمر بن زيد الدّوعنيّ : (خرجت من بلدي أطلب مربّيا ، فلمّا دخلت إلى تريم .. دلّوني على الشّيخ أحمد بن حسين ، فخدمته ولازمته ، وفتح عليّ من الفضل والخير ما لم يبق فيّ اتّساعا للغير).

والشّيخ معروف (١) أوحد صوفيّة شبام في زمانه ، ولقيته محن شديدة .. فزال عن شبام ثلاث مرّات :

ـ الأولى : سنة (٩٤٤ ه‍) إلى السّور ، وكان معه في هذه المرّة عشرة من تلاميذه وفقرائه ؛ منهم : محمّد بن عمر جمّال (٢) ، وعمر بن محمّد جمّال ، ومحمّد بن

__________________

(١) هو الشيخ الكبير معروف بن عبد الله بن محمد بن عبد الله بن أحمد مؤذن بن عبد الله بن محمد بن أحمد بن إبراهيم باجمال الكندي الشبامي الحضرمي ، مولده بشبام ليلة (١١) رمضان سنة (٨٩٣ ه‍) ، ووفاته ببضه بدوعن ليلة السبت (١٥) صفر (٩٦٩ ه‍). تربّى ونشأ في حجر والده ، وتخرج بشيخه الكبير الشيخ عبد الرحمن الأخضر باهرمز ، وكان صاحب دعوة وهمّة عظيمة. ينظر ترجمته في : «مواهب الرب الرؤوف» الذي أفرده لترجمته تلميذه الشيخ محمد بن عبد الرحمن سراج باجمّال ، و «النور السافر» ، و «السناء الباهر» ، و «تاريخ الشعراء» (١ / ١٤٧).

(٢) الشيخ محمد بن عمر باجمّال : من أجل تلامذة الشيخ معروف وأكثرهم ملازمة له ، ولد بشبام سنة (٩٠٥ ه‍) ، كان عالما إماما محققا ، له مجاهدات عظيمة ، مكث (٤٠) سنة يصوم ولا يفطر إلا في العيدين وأيام التشريق. له مؤلفات عظيمة منها : «مقال الناصحين» وهو أشهر كتبه ، وقد طبع بدار الحاوي ببيروت في طبعة فاخرة مجلدة. و «الكفاية الوفية في إيضاح كلمات الصوفية». وغير ذلك ، توفي ببضه سنة (٩٦٤ ه‍). «المجتمع الشبامي» (خ).

٥٠٨

شعيب ، وأحمد معدان ، وأحمد مصفّر ، وحيدرة بن عمر ، ومحمّد باكحيل ، وعمر قعيطيّ ، وامبارك بازياد. وأقام بالسّور نحو سنة ، ثمّ عاد إلى شبام سنة (٩٤٥ ه‍).

ـ ثمّ خرج إلى عندل بالكسر أواخر عمد سنة (٩٤٥ ه‍) ، وعاد بعد سنة.

ـ ولمّا استولى بدر بوطويرق على شبام .. أهانه إهانة بالغة ، حتّى لقد طافوا به في شوارع شبام وفي جيده حبل من مسد (١) ، فخرج إلى بضه في سنة (٩٥٧ ه‍) ، وبقي بها في ضيافة أمير دوعن الشّيخ الجليل عثمان بن أحمد العموديّ إلى أن توفّي بها سنة (٩٦٩ ه‍) عن ستّ وسبعين عاما.

وكان محلّ دعوة الشّيخ معروف بشبام .. هو مسجد الخوقة (٢).

ثمّ في سنة (٩٣٢ ه‍) أمر بعمارة مسجد المقدشيّ (٣) ، وكان بناؤه في سنة (٩٣٦ ه‍) ، ولكنّه اندثر ، ولم يبق له أثر ، حتّى جدّده الشّيخ معروف.

وكان الحبيب أحمد بن زين الحبشيّ يذهب إلى شبام كلّ خميس وكلّ إثنين ماشيا ؛ للقراءة على الشّيخ الأنور : أحمد بن عبد الله باشراحيل ، وكان يثني عليه ، ويسند كثيرا من مرويّاته إليه ، والشّيخ أحمد هذا من الآخذين عن الحبيب عمر بن عبد الرّحمن العطّاس ، ثمّ عن تلميذه القطب الحدّاد ، وله أخذ أيضا عن الحبيب عبد الله بن أحمد بلفقيه.

ومن الصّالحين المشار إليهم بالولاية في شبام : الشّيخ أبو بكر بن عبد الله باصهي. والشّيخ المجذوب أحمد بن جبير شراحيل.

__________________

(١) المسد : هو الليف.

(٢) مسجد الخوقة من مساجد شبام القديمة ، وكان في العهود السالفة مقرا للإباضية ، ورد ذكره في حوادث سنة (٥٩١ ه‍) عند شنبل ، فقال : (وفي سنة «٥٩١ ه‍» أزيلت الإباضية من مسجد شبام المعروف بمسجد الخوقة) اه

(٣) بني مسجد المقدشي سنة (٦٣٦ ه‍). وأعيد تعميره سنة : (٧٩٩ ه‍) كما في «شنبل». وهذا المسجد صار يعرف بمسجد الشيخ معروف الطّالعي ـ (الفوقاني) ، تمييزا عن مسجد الشيخ معروف الواقع خارج سور بلد شبام من الجهة القبلية.

٥٠٩

ومن أكابر علماء شبام : العلّامة الفقيه عمر بن عبد الله الشّباميّ (١) ، مؤلّف كتاب «قوارع القلوب» ، وهو إمام جليل ، من أكابر أعيان القرن العاشر ، معاصر للفقيه عبد الله بلحاج وابن مزروع. قاله أحمد مؤذن ، ونقله عنه جدّنا طه بن عمر في «مجموعه».

ومن علماء شبام :

الشّيخ عمر بن سالم باذيب (٢). والشّيخ سالم بن عليّ عبّاد. والشّيخ عمر باشراحيل ، له ذكر في «مجموع الأجداد» (٣).

ونقل المناويّ في «طبقاته» عن الشّيخ أحمد بن عقبة الشّباميّ (٤) الحضرميّ أنّه قال : (ارتفعت التّربية بالاصطلاح من سنة (٨٢٤ ه‍) ولم يبق إلّا الإفادة).

وآل عقبة الشّباميّون من كندة ، وهم غير آل عقبة الخولانيّين السّابق ذكر شاعرهم بالهجرين (٥).

ومنهم : العلّامة الفقيه عليّ بن عمر عقبة تلميذ الشّيخ محمّد بن أبي بكر عباد.

ومن «رحلة السّيّد يوسف بن عابد الحسني» [ص ١٠٥ ـ ١٠٦] أنّ الشّيخ أحمد بن

__________________

(١) هو من آل باجمّال ، ولعل السابقين لم يذكروا لقبه لشهرته عندهم. ولد بشبام سنة (٨٥٧ ه‍) ، وبها توفي سنة (٩١٦ ه‍) ، وهو أخو الشيخ محمد بن عمر.

(٢) الشيخ عمر بن سالم بن أبي بكر باذيب ، من كبار أصحاب الحبيب عمر بن عبد الرحمن العطاس ، وبعد وفاته سنة (١٠٧٢ ه‍) صحب الإمام الحداد. وكان من المشهود لهم بالصلاح ، ترجم له الحبيب محمد بن زين بن سميط في «بهجة الزمان».

(٣) الشيخ عمر بن عبد الله شراحيل ، من كبار فقهاء عصره ، عاش أواخر القرن العاشر.

(٤) الشيخ أحمد بن عبد القادر بن عقبة الشبامي ، المولود بشبام ، والمتوفى بصحراء مصر غريبا وحيدا سنة (٨٩٥ ه‍) ، ترجم له السخاوي في «الضوء» ، والمناوي في «الكواكب الدرية» (٢ / ٢) ، ضمن الطبقة التاسعة.

(٥) من آل عقبة هؤلاء ـ سكان شبام ـ المشايخ آل سديس ـ مصغر سدس ـ لقب أطلق على جدهم الشيخ عوض بن أحمد عقبة لأنه كان يقسم التركات .. فإذا وجد في القسمة سدسا .. قال : وهذا السديس نصيب فلان ، فأطلق عليه : (سديس). توفي المعلم عوض بشبام سنة (١٢٩٩ ه‍). وله رسالة عن وظيفة جامع شبام سمّاها : «تقريب الشاسع في ترتيب وظيفة الجامع» مفيدة وهامة.

٥١٠

عبد القادر بن عقبة انتفع بالشّيخ عبد الله بن أبي بكر العيدروس ، وهو الّذي أشار عليه بالسّفر من شبام إلى الحجاز ، ثمّ جاء إلى مصر واستوطنها ، وفيها اتّفق بالشّيخ زرّوق ، وكان من أمرهما ما اشتهر في رسائل زرّوق و «مناقب الشّيخ أحمد عقبة» (١).

وممّن سكن شباما : السّادة آل سميط ، وأوّلهم (٢) : العلّامة الجليل محمّد بن زين بن علويّ بن سميط ، وصلها لغرض السّفر منها إلى القبلة ، فأبطأت عليه القوافل ، فأشار عليه الحبيب أحمد بن زين الحبشيّ أن يتديّرها للإرشاد والتّعليم ، وقال له : إنّ آل شبام أهل اعتقاد وانتقاد ، فامتثل وبقي بها إلى أن توفّي بها سنة (١١٧٢ ه‍) ، ترجمه الشّيخ معروف بن محمّد باجمال بكتاب كامل سمّاه : «مجمع البحرين» (٣).

وكان الشّيخ عليّ بن محمّد لعجم يسير إلى حذية عند الشّيخ عمر باهرمز ، فإذا أنشد قول القائل [من الوافر] :

سألت النّاس عن خلّ وفيّ

فقالوا ما إلى هذا سبيل (٤)

تمسّك إن ظفرت بودّ حرّ

فإنّ الحرّ في الدّنيا قليل

__________________

(١) «مناقب الشيخ أحمد عقبة» هو الكتاب الذي ألفه الشيخ زروق في شيخه المذكور ، وضمّنه المكاتبات والرسائل المشار إليها.

(٢) كان قدوم السادة آل سميط إلى شبام في سنة (١١٣٥ ه‍) ؛ إذ قدم السيد الفاضل زين بن علوي بن عبد الرحمن بن سميط ومعه أولاده السادة محمد وعمر وعلي ، وكان السبب في قدومهم هو ابنه الحبيب محمد بن زين الذي كان ملازما للإمام الحداد ، ولما توفي الإمام سنة (١١٣٢ ه‍) .. ضاقت تريم على الحبيب محمد ، وسار إلى الحوطة عند شيخه الثاني الحبيب أحمد بن زين الحبشي ، وبعد مداولات .. استقر عزمه على الجلوس في شبام بإشارة الحبيب أحمد وترغيبه له في ذلك ، ولما تهيأت الأمور ووضحت الرؤية .. قدم بكافة أفراد أسرته ، فقدموا في ذلك العام. وتوفي السيد زين بن علوي وابنه علي في سنة واحدة كليهما في عام (١١٤٠ ه‍). ترجم لهما الحبيب محمد في «بهجة الفؤاد».

(٣) يقع في مجلد ، والشيخ معروف هذا توفي سنة (١٢٦٤ ه‍) ، كان من صالحي شبام وعلمائها ، متواضعا خمولا.

(٤) البيتان لأبي إسحاق الشيرازي ، كما في «معجم السفر» (١١٣).

٥١١

.. يقول باهرمز : تدري من الحرّ اليوم يا عليّ؟ فيقول باهرمز : إنّه محمّد بن زين بن سميط. وخلّف ولدين : أحدهما : عبد الرّحمن ، وقد تزوّج بابنة سيّدنا عليّ بن عبد الله السّقّاف ، وأخذ عنه ، وانتفع به. والثّاني : زين ، وكان من الصّالحين. وأعقبه بها أخوه الفاضل البدل عمر بن زين (١) ، المتوفّى سنة (١٢٠٧ ه‍) عن تسعين عاما قضاها في الخير ونشر الدّعوة إلى الله ، وكانت سكناه بشبام لمّا توفّي أخوه محمّد ، وترك ـ أعني الحبيب عمر ـ ستّة أولاد ذكورا ، وهم : عليّ وعبد الرّحمن وحسين وأبو بكر وأحمد ومحمّد ، ومن كلامه ـ كما يرويه ابنه العلّامة أحمد بن عمر ـ : أن تسعة أعشار أهل حضرموت كانوا لا يصلّون ، والعشر الّذي يصلّي لا أدري ما صلاته.

قال سيّدي الأستاذ الأبرّ عيدروس بن عمر : إنّ الحبيب عمر بن زين مكث سبعة عشر عاما لا يضع جنبه على الأرض ؛ اجتهادا في العلم والعبادة ، وكان ولده أحمد بن عمر أكثر من يقرأ عليه الكتب ، وإذا غلبه النّوم .. أعطاه شيئا من اللّوز والزّبيب ؛ ليطرد به النّعاس وينشط للقراءة.

وممّن أثنى عليه العلّامة السّيّد عبد الله بن حسين بن طاهر من آل سميط : الفاضل الجليل عبد الرّحمن بن محمّد بن سميط ، وابنه العبّاد الإمام عليّ بن عبد الرّحمن.

ومنهم : القطب المجدّد الدّاعي إلى الله ابنه أحمد بن عمر بن زين بن سميط (٢) ، لقد كان علم هدى ، ونبراس دجى ، ونور إسلام ، وفرد أعلام ، أردت أن أتمثّل له

__________________

(١) ولد بتريم سنة (١١٢٠ ه‍) ، حضر عند الإمام الحداد ، ثم انتقل إلى شبام بصحبة أخيه الأكبر الحبيب محمد ، كتب بعض مواعظه ومنثور كلامه الشيخ عبد الله بن عوض باذيب.

(٢) ولد الحبيب أحمد بن عمر بشبام سنة (١١٧٨ ه‍) ، كان صاحب بصيرة عظيمة ، توفي سنة (١٢٥٧ ه‍) ، وقد كان القائم بالدعوة في شبام بعد وفاة الحبيب عمر بن زين : الحبيب عبد الرحمن بن محمد بن زين ، المتوفى سنة (١٢٢٣ ه‍) ، وقد لازمه الحبيب أحمد بن عمر بعد وفاة والده إلى وفاته ، ثم خلفه هو في مقامه.

٥١٢

بما يناسب ، ولكن رأيت مقاما عظيم الشّأن حيّرني ، فلم يحضرني إلّا قول الشّريف الرّضيّ [في «ديوانه» ٢ / ٢٩٨ ـ ٢٩٩ من الرّمل] :

إرث آباء علوا ، فاقتعدوا

عجز المجد ، وأعطوه السّناما

شغلوا قدما عن النّاس العلا

ورموا عن ثغر المجد الأناما

لم يعش من عاش مذموما ولا

مات أقوام إذا ماتوا كراما

يعظم النّاس ، فإن جئنا بكم

كنتم الرّاعين ، والنّاس السّواما

وهو الّذي اهتمّ بإقامة دولة ل (حضرموت) ، واشتدّ لذلك أسفه ، وتوالى لهفه ، ولئن مات بحسرة على ذلك .. فقد كلّل الله أعماله بالنّجاح في نشر الدّعوة إلى الله ، حتّى انقشعت الجهالة ، واندفعت الضّلالة ، وانتبه الجمّاء من النّوم ، وتقيّل آثاره أراكين القوم ؛ كسادتي : حسن بن صالح البحر ، وجدّي المحسن ، والحبيب عبد الله بن حسين بن طاهر وغيرهم ، حتّى لقد مرّ بعضهم وإحدى بنات آل همّام بحصن تريم تقول : جاء جبريل إلى النّبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم ، وتكرّر حديث الدّين (١) ، فقال : (ما كان جبريل ليدخل دار آل همّام لو لا أحمد بن عمر). توفّي بشبام سنة (١٢٥٧ ه‍).

وخلفه على منهاجه العلّامة الجليل ، الصّادع بالحقّ ، النّاطق بالصّدق ، عمر بن محمّد (٢) ابن سميط.

القائل الحقّ فيه ما يضرّ به

والواحد الحالتين السّرّ والعلن (٣)

فكان يغلظ القول للسّلطان عوض بن عمر وهو إلى جانب منبر شبام في جامعها ،

__________________

(١) هو الحديث الّذي أخرجه مسلم (٨) عن سيّدنا عمر بن الخطّاب رضي الله عنه ، الّذي يأتي فيه جبريل إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ويسأله عن الإسلام والإيمان والإحسان والسّاعة.

(٢) الحبيب عمر بن محمد بن عمر بن زين ، ولد بشبام حدود سنة (١٢٠٨ ه‍) ، تخرج بعمه الإمام أحمد بن عمر ، وخلفه في مقام الدعوة إلى الله والقيام بوظيفة الوعظ والإرشاد ، له مصنفات ورسائل وعدد من المختصرات.

(٣) البيت من البسيط ، وهو لأبي الطيّب المتنبي في «العكبري» (٤ / ٢١٦).

٥١٣

ويقول : إنّ العدنيّ يقول من قصيدة [في «ديوانه» ١٨٨] :

نرميه باسهمنا ولا يرانا

 ...

ونحن نرميه بأسهمنا وهو يرانا ، والسّلطان عوض يحتمل ذاك ؛ لأنّه يعظّم أهل الدّين ، والعلماء إذ ذاك يكرّمون أنفسهم ، ويصونون العلم ، ومقامه كبير في العيون ، جليل في الصّدور ، ولم يزل ناشر الدّعوة ، آمرا بالمعروف ، ناهيا عن المنكر ، حتّى توفّي بشبام سنة (١٢٨٥ ه‍) ، ووقع رداؤه على ابنه ـ الخليفة القانت الأوّاب ، الّذي لا يداهن ولا يهاب ـ : عبد الله بن عمر (١) ، المتوفّى بها سنة (١٣١٢ ه‍).

ومنهم : السّمح الكريم ، الرّاوية لأخبار السّلف الطّيّب : حسن بن أحمد بن زين بن سميط (٢) ، المتوفّى بها سنة (١٣٢٣ ه‍) ، وقد رثيته بقصيدة توجد بمحلّها من «الدّيوان».

ومنهم : السّيّد الواعظ الفقيه : طاهر بن عبد الله بن عبد الرّحمن ، المتوفّى بها سنة (١٣٣١ ه‍).

ومنهم : السّيّد الجليل المقدار : أحمد بن حامد بن عمر بن زين ، المتوفّى بها سنة (١٣٣١ ه‍).

ومنهم :

علّامة العلماء واللّجّ الّذي

لا ينتهي ولكلّ لجّ ساحل (٣)

الفاضل الجليل العلّامة المحقّق المتفنّن : أحمد بن أبي بكر بن عبد الله بن

__________________

(١) هو الحبيب عبد الله بن عمر ، كان من كبار عباد الله الصالحين ، زاهدا متواضعا ، لا يخاف في الله لومة لائم ، وكان يقيم أكثر وقته في جوجة وكان يأكل من عمل يده ، وله رسائل وعظية لطيفة. ترجم له باحسن في «تاريخ الشحر».

(٢) الحبيب حسن بن أحمد بن زين بن محمد بن زين : توفي والده الحبيب أحمد سنة (١٢٨٠ ه‍) ، وولد هو بسيئون سنة (١٢٥٠ ه‍) تقريبا ، وكان يتردد على الشحر ونواحيها متاجرا.

(٣) البيت من الكامل.

٥١٤

عبد الرّحمن بن محمّد بن زين ، ولد بأنزيجة من السّواحل الأفريقيّة (١) ، وبها تعلّم ، وأخذ العلوم عن أبيه (٢) وعن غيره ، وقدم حضرموت عدّة مرّات ، منها : سنة (١٢٩٨ ه‍) ، ومنها : سنة (١٣١٦ ه‍) ، وآخر مرّة قدمها سنة (١٣٢٥ ه‍) وشهد زيارة هود عليه السّلام ، وكان له بوالدي اتّصال عظيم ، وارتباط وثيق ، وأخذ تامّ ، وله مؤلّفات كثيرة ، وأشعار جزلة :

من كلّ قافية فيها إذا اجتنيت

من كلّ ما يشتهيه المدنف الوصب

حسيبة في صميم المدح منصبها

إذ أكثر الشّعر ملقى ما له حسب

توفّي في زنجبار سنة (١٣٤٣ ه‍) (٣).

ومن اللّطائف : أنّني عملت احتفالا لتأبينه والتّعزية به في مسجد طه ، وأعددت كلمة في نفسي ، وإذا بمؤبّر نخلي يكرّر ويتغنّى بقوله : (لا حلّ للموت) فقط ، فبقيت على أحرّ من الجمر في انتظار الباقي ، حتّى قال :

لا حلّ للموت ما

خلّى كبد ساليه (٤)

شلّ الوجيه الرضي

يّه واللّحى الغاليه

فذهب ما في نفسي ، وأخذني شأن عظيم درّ به كلام أحسن وأبلغ وأنجع ممّا كنت أعددته ؛ لأنّ ذلك الوصف منطبق عليه.

ولم ينس سعي العلم خلف سريره

بأكسف بال يستقيم ويظلع (٥)

وتكبيره خمسا عليه معالنا

على أنّ تكبير المصلّين أربع

__________________

(١) مولده سنة (١٢٧٧ ه‍).

(٢) والده الحبيب أبو بكر ، ولد بشبام ، وهاجر إلى أفريقيا ، وبها توفي سنة (١٢٩٠ ه‍) ، كان من أكابر تلامذة الإمام أحمد بن عمر بن سميط ، وصار له ولأولاده جاه كبير في شرق أفريقيا ، لا سيما بجزر القمر.

(٣) ترجمته في : مقدمة «منهل الوراد» بقلم الحبيب أحمد مشهور الحداد ، وفي مقدمة «الابتهاج» بقلم ابنه الحبيب عمر ، و «لوامع النور» (١ / ٣٢٥) و «رحلة باكثير» (١٥٦).

(٤) لا حلّ : عامّية بمعنى لا أحلّه ؛ أي لا أسامحه ، يقال عند القبر بعد الدفن : فلان يطلب الحلّ من الكلّ.

(٥) البيتان من الطّويل ، وهما لأبي تمّام في «ديوانه» (٢ / ٣٠٩) ، بتغيير بسيط. أكسف : أسوأ.

يظلع : يعرج في مشيه.

٥١٥

فعظمت بموته الرّزيّة ، ولكن كان ولده عمر بقيّة (١).

فإنّه نحوه في حسن سيرته

منذ الشّبيبة وهو الآن مكتهل (٢)

أضحى لنا بدلا عن فقد والده

والشّبل من ليثه إمّا مضى بدل

فخلاه اللّوم ؛ إذ سدّ مسدّ القوم ، لم ينقطع رشاه ، ولا قالوا : فلان رشاه (٣).

وما رأيت أحدا بعد أستاذي الأبرّ عيدروس بن عمر ، وسيّدي عبد الله بن حسن البحر يستجهر النّاس بفرط الوسام ، وبسطة الأجسام ؛ كالسّادة آل سميط ، لا يراهم النّاظر .. إلّا تذكّر قول جرير [في «ديوانه» : ٤٥٦ من الطّويل] :

تعالوا ففاتونا ففي الحقّ مقنع

إلى الغرّ من أهل البطاح الأكارم

فإنّي أرضي عبد شمس وما قضت

وأرضي الطّوال البيض من آل هاشم

فأولئك البيض الطّوال ، وثمّة الهمم العوال.

آراؤهم ووجوههم وعلومهم

في الحادثات إذا دجون نجوم (٤)

فيها معالم للهدى ومصابح

تجلو الدّجى والأخريات رجوم

فأحوالهم جليلة ، وأخلاقهم جميلة ، وأخبارهم عريضة طويلة (٥) ، ينطبق عليهم

__________________

(١) الحبيب العلامة المعّمر عمر بن أحمد بن أبي بكر بن سميط ، ولد بزنجبار سنة (١٣٠٣ ه‍) ، وبها توفي سنة (١٣٩٦ ه‍) ، ودفن إلى جوار والده ، كان كثير التردد إلى شبام ، ومكث فيها عند أهله وأعمامه سنوات ، ودوّن رحلاته وفترات جلوسه بها بما صار مرجعا عن أهل شبام وحضرموت عموما ، في رحلتيه : «تلبية الصوت» ، و «النفحة الشذية» وكلاهما مطبوعتان ، وتلامذة الحبيب عمر كثير. وقد تقلد وظيفة الإفتاء بجزر القمر ، وكان له جاه عظيم ، وأصدرت الحكومة القمرية طوابع بريد تحمل صورته.

(٢) البيتان من البسيط ، والبيت الثّاني منهما فقط في «ديوان أبي تمّام» (٢ / ٣٢٦).

(٣) رشاه : الأولى مسهّلة من رشاء ، وهو الحبل. والثّانية : فعل ماض من الرّشوة.

(٤) البيتان من الكامل ، وهما لابن الرومي في «ديوانه».

(٥) وممن ينبغي أن يذكر من أعيان السادة آل سميط : الحبيب محسن بن حسن بن أحمد ، المتوفى بشبام سنة (١٣٤٤ ه‍) ، وأخوه الحبيب محمد بن حسن بن أحمد ، المتوفى سنة (١٣٨٧ ه‍) ، وتوفي ابنه الحبيب علي بسيئون سنة (١٤١٠ ه‍). ومنهم : الحبيب مصطفى بن عبد الله بن طاهر ، المتوفى سنة

٥١٦

قول المسيّب بن علس [من المتقارب] :

وكالشّهد بالرّاح أخلاقهم

وأحلامهم منهما أعذب

وكالمسك ترب مقاماتهم

وترب قبورهم أطيب

ومن متأخّري علماء شبام : الشّيخ سالم بن عبد الرّحمن باصهي (١) ، أحد تلاميذ والدي ، وشيخ العلّامة الجليل الأمير محمّد بن عليّ الإدريسيّ (٢) ، وكان هو همزة الوصل بيني وبينه في المعرفة الّتي كان أوّلها تعزية منه لي بواسطته في والدي ، ثمّ استمرّت المواصلات والمراسلات بما آثارها من القصائد موجودة بمواضعها من «الدّيوان» [٣٧١ و ٣٨٤].

ومن علماء شبام ـ فيما رأينا بأبصارنا ـ أربعة إخوان ، كلّهم علماء ؛ وهم : أحمد ، ومحمّد ، وعمر ، وعبد الرّحمن أبناء أبي بكر باذيب (٣).

ومن كبار علمائهم ومصاقع شعرائهم : الشّيخ أحمد بن محمّد باذيب ، المتوفّى بسنغافورة في حدود سنة (١٢٧٩ ه‍) (٤).

__________________

(١٣٧١ ه‍) ، وأخوه الحبيب محمد المتوفى سنة (١٣٧٤ ه‍) ، وآخرهم وخاتمة عقدهم : السيد الفقيه مربّي الأجيال عبد الله بن مصطفى ، المتوفى سنة (١٣٩١ ه‍) وممن لا زال منهم بشبام : الحبيب عبد الله بن عمر بن عبد الله بن سميط رحمه الله.

(١) ولد الشيخ سالم بن عبد الرحمن بن عوض بن أحمد باصهي بشبام سنة (١٢٨٠ ه‍) ، وتوفي بها سنة (١٣٣٦ ه‍) ، كان عالما جليلا ، فقيها نحويا ، داعيا إلى الله ، له سيرة عطرة وأخبار زكية ، جاوزت مصنفاته العشرين ، في الفقه والعقيدة والسلوك.

(٢) مؤسس الدولة الإدريسية بجنوب الجزيرة العربية ، المتوفى بصبيا سنة (١٣٤٥ ه‍) ، ينظر : «ملوك العرب» للريحاني ، و «تاريخ المخلاف السليماني» للعقيلي.

(٣) وهم أبناء الفقيه الصالح الشيخ أبي بكر بن محمد بن عبود بن عمر بن عبد الرحمن باذيب ، المتوفى بشبام سنة (١٣١٢ ه‍) ، أحد علماء شبام وفقهائها واعتنى بتربية أولاده وتعليمهم فكانوا جميعهم فقهاء علماء صالحين. أكبرهم : الشيخ عمر ، توفي بشبام سنة (١٣٣٥ ه‍) ، والثاني : الشيخ محمد ، المولود سنة (١٢٧٠ ه‍) ، والمتوفى سنة (١٣٢٤ ه‍) ، والثالث : الشيخ أحمد ، الرابع : الشيخ عبد الرحمن ، توفي سنة (١٣١٩ ه‍) ، وبقية إخوانه لهم عقب ، وأما هو .. فلم يعقب.

(٤) إنما هو أحمد بن عمر باذيب ، كان عالما جليلا رحالا ، صادعا بالحق ، كان نادرة في الزمان ، وغرة

٥١٧

وعن الشّيخ سالم بن عبد الرّحمن باسويدان وغيره : أنّ سبب سفره من شبام هو أنّ خطيب الجمعة تأخّر مرّة ، فأشار عليه الحبيب أحمد بن عمر بن سميط أن يقوم بأداء الواجب من أركان الخطبة ، فارتجل ما ملأ الأسماع إعجابا ، والنّفوس إطرابا ، فخشي عليه العين ، فأمره بمغادرة البلاد وكان آخر العهد به وكان أهل شبام معروفين بالإصابة بالعين. ومن أواخرهم المتّهمين بذلك : الشّيخ معروف باذيب ، والشّيخ سالم بن هادي التّويّ.

ومن عيون صلحائها وأفاضلها الشّيخ عوض بن محمّد باذيب ، وأولاده عليّ وأحمد ومحمّد ، لهم مروءة حيّة ، واعتبار تامّ ، ودين ثابت ، وكانت الأعيان تزور الشّيخ عوض وتتبّرك برؤيته ودعائه.

ومن متأخّري علمائها : الشّيخ عبد الرّحمن حميد ، وولده عبد الله.

ومن آل شبام : آل جبر ، وآل التّويّ ، وآل باعبيد ، وهم أربعة إخوة : محمّد وعمر وعوض وأحمد بنو سالم باعبيد ، إليهم الآن أزمّة التّجارة بشبام ، ولهم مراكز في عدن وغيرها ، وقد مات عمّا قريب أحبّهم إليّ ، وهو أحمد ، فرحمه الله وأخلفه بخلف صالح.

وممّن تديّر شباما الحبيب علويّ بن أحمد بن زين الحبشيّ ، وبها توفي.

وفي «كلام الحبيب أحمد بن عمر بن سميط» : أنّ والده لمّا مات .. قال : مات من يستحيا منه ، وإنّ آل شبام كانوا يهابونه ، وكان آل أحمد بن زين يزورونه في محرّم من كلّ سنة ، ومتى قاربوا شبام .. تنابز غوغاؤهم مع آل شبام بالألقاب ، وقالوا : (الهر لعل القعيطي يفر) فأوقفهم منصّر بن عبد الله طائفة من النّهار في الشّمس ، فتركوا الزّيارة ، ولمّا زال منصّر وشيكا .. كتب لهم صلاح بن محمّد بالاعتذار ، فأعادوها.

__________________

في جبين الدهر ، ترجمته في «تاريخ الشعراء الحضرميين» (٤ / ٢٢).

٥١٨

ومن أدبائهم وأكابر أولي المروءة منهم : الشّيخ سالم بن عبد الرّحمن باسويدان (١).

وفي مبحث صلاة الجمعة من «مجموع الأجداد» : (أنّ شباما من كراسي حضرموت ، بل لا مدينة في حضرموت إلّا هي وتريم ، هاتان المدينتان المذكورتان في التّواريخ فقط ، ويكاد أن يكون ما يتعلّق بشبام ومن سكنها من المشايخ والعلماء ، ومن له فيها أثر من مسجد وغيره من دائم النّفع ، يكوّن نبذة صالحة) اه

ولأهلها مناقب كثيرة ، ومحاسن شهيرة ، ولا سيّما في الورع وصدق المعاملة مع الله ، وحمل الكلّ ، وفعل المعروف ، والإعانة على نوائب الحقّ ، أخبرني المكرّم الشّيخ كرامة بن أحمد بن عبد الله بركات قال : كنت بمقدشوه في سنة (١٣٣٤ ه‍) فأرسلت بثلاث مئة وخمسين ربّية برعما ـ وهو نوى القطن ـ إلى عدن عند الشّيخ أحمد بن عمر بلفقيه ، فباعه لي وأربحني النّصف ، وأبرق إليّ : أن خذ كلّ ما تقدر عليه منه وحوّل لي بالثّمن ، فاشتريت أوّلا بنحو من ألف ربّية ، وثانيا بمثله ، وقدّمت له حسابا في ثمنه وسائر مصاريفه ، وخدمته ولم يبق لي عنده بحسب ما قرّرته في دفتري إلّا أربعون ربّية فقط ، ولمّا وصلت عدن بعد خمس سنوات .. أعطاني كاتبه ـ وهو الشّيخ محمّد بن سالم باعبيد ـ تحويلا إلى شبام في ألفين ونحو خمس مئة ربّية ، فشككت فيها ، وتوهّمته غالطا ، ولمّا قدمت شباما .. أخبرت الوالد أحمد بن عمر بلفقيه ، فأخذ بأذني وقال : إذا لم نربّك نحن .. فمن يربّيكم؟ وقد ربّانا ناس على مثل هذا ، فنحن مدينون به.

وإذا به قيّد لي أرباح البرعم بأسرها ، فرحمة الله على هذا الإنسان وعلى جميع أهل الإحسان.

وبلغني أنّ الشّيخ عوض بن عبد الله باذيب اشترى خرابة من الأمير عليّ بن صلاح ، قيل : إنّ بعض أهلها معروف في غيبته الطّويلة ، وأنفق على بنائها سبعة آلاف

__________________

(١) ولد الشيخ سالم بن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله باسويدان بشبام سنة (١٢٥٨ ه‍) ، وتوفي بها في (٢٦) رجب (١٣٣٦ ه‍).

٥١٩

ريال ، ولمّا احتاج ورثته لبيعها .. لم تنفق إلّا على واحد من آل باهرمز بألفين من الرّيالات فقط ؛ لأنّ آل شبام ـ بما بقي في قلوبهم من هيبة الدّين والورع ـ تحاموها ، وإلى الآن وهم يتحامون عن شراء التّمر الّذي يجمعه من المكس صاحب السّدّة ؛ مع أنّه أرخص من غيره بثلث القيمة.

وبلغني أنّ لبعضهم رسائل في سير آل شبام وأخبارهم الشّاهدة بالتّقوى والورع ، وهي من أنفع ما يكون لهم لو تدارسوها على عادتهم في درس يوم الثّلاثاء الّذي رتّبه الحبيب أحمد بن عمر بن سميط ، ـ متنقلا في ديارهم ؛ سياسة في حضورهم ـ ؛ إذ هي خير حافز للأحفاد على ترسّم آثار الأجداد ، ومن كلامه المنثور : إنّ شباما كانت بلاد المنقود (١) ، وأنّ أحد أهل شبام أخذ دراهم من أحمد ناصر اليافعيّ ، فهجروه حتّى ردّها.

وأنّ ثمانين حملا من الحوير وردت شباما ، وفيها حمل لأحد آل كثير بن سلامة ، فاشتروها بأسرها إلّا ذلك الحمل لم يأخذه أحد وعاد به صاحبه.

وفي كلامه ثناء كثير على محمّد بن عوض باذيب ، وعلى أخيه عبود ، وأنّه حصل عليهما خلل فشاورا الحبيب عبد الله الحدّاد فقال لهما : بيعا جميع ما معكما ولو لم يخلف لكم إلّا حليّ نسائكم ، فباعاه وقضيا ما عليهما من الدّيون ، وبقيت ثلاث مئة ريال ، فذهبا إلى الحاوي ، ولمّا وصلا .. قال محمد لعبود : إن وافقتني .. أعطينا الحبيب عبد الله مئة واقتنعنا بالمئتين ، فوافقه ، فقبلها الحبيب وأشار على محمّد بالسّفر إلى الشّحر ، وبقي يتردّد إليها ، ويقيم بها شهرين أيّام الموسم ، ويمرّ في ذهابه وإيابه بالحاوي.

ولمّا علم الحبيب عمر البارّ بقصّة المئة .. قال لمن حضره : أيصحّ أنّ أحدا يتصدّق بثلث ماله؟! وكان عنده دلّال من آل باخيضر. فقال : إن كان من آل شبام .. فنعم.

__________________

(١) أي : أن أهلها ينتقدون ما خالف الشرع والأدب.

٥٢٠