إدام القوت في ذكر بلدان حضر الموت

السيّد عبد الرحمن بن عبيد الله السقّاف

إدام القوت في ذكر بلدان حضر الموت

المؤلف:

السيّد عبد الرحمن بن عبيد الله السقّاف


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار المنهاج للنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ١١١٠

فدلّ ذلك على أنّهم يسمّون بني أرض من يوم كانوا ، كما أنّ بعضهم يسمّيهم : بنير ، وربّما كانوا قبيلتين.

ثمّ : ديار بني بكر (١) ، ويسمّونها : بابكر ، ومنهم : المؤرّخ الأديب ، الشّيخ صلاح البكريّ (٢) ، ومع الأسف لم أطّلع إلّا على الجزء الأوّل من «تاريخه» ساعة من نهار ، فلم أعرف ماذا له وماذا عليه (٣) ، وبلغني أنّه الآن بالمكلّا ، وما أظنّه إلّا يحرص على زيارتي ، كما أنّي بالأشواق إلى مثله ، وبي شغف لاستطلاع أخبار النّهضة الحضرميّة الّتي تألّفت آخرا بمصر ؛ فقد وردني من رئيسها الشّيخ الأديب عليّ بن أحمد باكثير كتاب بدرجه منشور عن مقاصدها ، فإذا هي ضخمة جدّا ، شبيهة بمقاصد (الرّابطة العلويّة) ، الّتي عسر بها الولاد ؛ لأنّها ثقيلة ، لا يرجى من المهديّ المنتظر إلّا بعضها!!

وقد جاوبت هذه النّهضة عن كتابها لي بما أكثره التّحذير من عواقب (الرّابطة) ومآل (جمعيّة الدّفاع عن العلويّين) الّتي تألّفت بمصر ، وأمّلت أن يرفرف لواؤها على جميع الشّرفاء بشرق الأرض وغربها ، ولمّا سألنا عنها بعض من وصل حضرموت من أعضائها .. قال : إنّها لا تزيد عن أربعة نفر ، رابعهم رئيسهم (٤) ، ثمّ انقسموا بعد

__________________

(١) بنو بكر هؤلاء .. هم من يافع كما هو المعروف عنهم ، وقد سكنوا مريمه أولا زمن بوطويرق ، ثم انتقلوا إلى سدبه ، ثم توطنوا في الكسر ، ويقال : إن ديار آل بكر الآتي ذكرها بين الغرفة والحوطة تنسب لهم. والله أعلم.

(٢) الأستاذ صلاح عبد القادر البكري اليافعي الحضرمي ، ولد بأندونيسيا سنة (١٣٣١ ه‍) (١٩١٢ م) ، وكانت وفاته بمكة : سنة (١٤١٣ ه‍) (١٩٩٣ م).

له مؤلفات «تتمة الأعلام» (١ / ٢٤٦) ، «إتمام الأعلام» (١٣٤).

(٣) الذي ظهر وبان للكافة بعد أن كتاب «تاريخ البكري» ، وبعد السبر والفحص .. تبين بالدليل أن صلاح البكري لم يكن يعتمد منهج الإنصاف في كتاباته التاريخية ، بل إنه قد يتلاعب بتغيير بعض النصوص ليصل إلى مآرب ونوازع نفسية ، بعيدا عن الأمانة العلمية ، ومن أراد المزيد .. فعليه بكتاب «تاريخ حضرموت» للسيد صالح بن علي الحامد ، صفحة (٣١٨ ـ ٣٢٢) ، فقد أورد مثالا لما ذكرنا بالرجوع إلى المصدر الذي نقل عنه البكري وكيف حرّفه وتلاعب به.

(٤) كان رئيسها السيد : عبد الله بن محمد بن حامد السقاف ، صاحب كتاب «تاريخ الشعراء

٤٨١

ذلك ولم يبق إلّا الرّئيس ومعه واحد فقط ، فذكرت بذلك : (أنّ عبد الملك بن مروان سأل النّميريّ عن ركبه الّذي يقول فيه ، والضّمير فيه عائد إلى زينب بنت يوسف أخت الحجّاج [من الطّويل] :

فلمّا رأت ركب النّميريّ أعرضت

وكنّ من ان يلقينه حذرات

وقال له : ممّ يتألّف ركبك؟ قال : ما هو إلّا أنا ودابّتي) (١).

وربّما لم تكن دابّة كاملة ، وإنّما كانت ثلاثة أرباع أتان ، إذ قيل : إنّها تمشي على ثلاث.

(وأنّ ليلى بنت عروة بن زيد الخيل قالت لأبيها : أرأيت قول أبيك [من الطّويل] :

بني عامر هل تعرفون إذا غدا

أبو مكنف قد شدّ عقد الدّوابر

بجيش تضلّ البلق في حجراته

ترى الأكم منه مسحبا للحوافر (٢)

وجمع كمثل اللّيل مرتجس الوغى

كثير تواليه سريع البوادر (٣)

فهل حضرت هذه الواقعة؟ قال : نعم. قالت : كم كانت خيلكم؟ قال : ثلاثة لا غير ، لي ولعمّك ولجدّك) (٤).

وقال الخثعميّ : قتلت خثعم رجلا من بني سليم بن منصور ، فقالت أخته ترثيه [من الطويل] :

لعمري! وما عمري عليّ بهيّن

لنعم الفتى غادرتم آل خثعما

وكان إذا ما أورد الخيل بيته

إلى جنب أشراج أناخ فألجما

فأرسلها رهوا رعالا كأنّها

جراد زهته ريح نجد فأتهما

__________________

الحضرميين» ، وكان من الأعضاء : السيد علي بن محمد بن يحيى ، والسيد محمد بن أحمد بن سميط ، والسيد علي بن محمد باعبود.

(١) القصّة بنحوها في «الأغاني» (٦ / ٢٠٥ ـ ٢٠٦).

(٢) البلق : الأفراس الّتي في لونها بياض وسواد ، والبلق للدّوابّ ، والبقع للطّيور. حجراته : نواحيه.

الأكم ـ جمع أكمة ـ وهي : التّلّة.

(٣) مرتجس : يحدث صوتا وجلبة.

(٤) القصة بنحوها في «الأغاني» (١٧ / ٢٥٨).

٤٨٢

فقيل لها : كم كانت خيل أخيك؟ فقالت : والله لا أعرف إلا فرسه!!

فعسى أن لا تكون نهضتهم من هذا القبيل ، على أن لا مناسبة بين ما يكبّرونه من مقاصد تلك الجمعيّات عن غير حقيقة ؛ إذ لا غشّ في هذه ، بخلاف تلك ، فالتّنويه بشأنها لا يكون إلّا غشّا في استجلاب المساعدات بظنون ضائعة ، وآمال خائبة ، وهو الوزر العظيم والإفك المبين ، ولقد جاوبت النّهضة بشيء من هذا.

وعندما يزورني الأستاذ صلاح .. سأحفيه السّؤال عنها ، وهل يمكن أن تعلّق عليها الآمال ، أم قد اختنقت مثل أختيها في المشيمة؟

وكان بنو بكر أمراء مريمه إلى أن أجلاهم عنها السّلطان الكثيريّ في سنة (١٢٨٤ ه‍) ، واستولى على أموالهم ، وفيها كثرة ، وقد أسكنهم القعيطيّ في عرض مسرور ، وكأنّها لم ترق لهم ، فابتنوا لهم ديارا في هذا المكان بين الخبّة والفرط.

وسمعت كثيرا من الثّقات يقولون : إنّ بني بكر وبني أرض ليسوا من يافع ، وإنّما هم من آل الرّصّاص.

القطن (١)

هو صقع لا بأس به ، منه ديار بني بكر السّابق ذكرها ، وعاصمته : الرّيّضة (٢).

وهي المسمّاة : حوطة القعيطيّ ، وكان القعيطيّ اشترى أرضا واسعة هناك من السّادة آل عبد الله بن علويّ العيدروس بواسطة أحدهم ـ وأظنّه السّيّد علويّ بن حسين العيدروس ـ فكان الثّمن بخسا ، ولكنّ الدّلالة (٣) كانت وافرة جدّا من القعيطيّ ، فبنى

__________________

(١) القطن : في قلب الوادي ، تقع في ملتقى سيول الأودية الرئيسية كوادي عمد والعين ودوعن ، وتمتد من بروج غربا إلى العنين شرقا ، على شريط ضيق يقع على ضفاف مجرى الوادي ، وسكانها : نهد ويافع ، وبها كان مستقر السلطان الأمير علي بن صلاح القعيطي.

(٢) وهذه غير الريضة التي بجوار السويري بقرب تريم.

(٣) الدّلالة ـ بكسر الدال ـ أي : النقود التي دفعت للدلال (السمسار) لقاء تلك الصفقة.

٤٨٣

حوطته هذه في جانبها الجنوبيّ إلى بقايا قرية كانت هناك قديمة.

وهي طيّبة الهواء ، نقيّة التّربة ، يختلف هواؤها عن شبام بكثير في الصّحّة والصّفاء.

ومررت فيها أيّام الأمير صلاح بن محمّد القعيطيّ (١) ، وكان شهما محنّكا ، وقور الرّكن ، غزير الحلم ، مشاركا في العلم والتّاريخ ، مقصودا ، رحب الجانب ، ينصف المظلوم من الظّالم ، وكان له شغل بالحرث ، يحصل منه على إيراد عظيم ينفقه بأسره في نيل المكارم وقرى الضّيفان.

وهو الّذي فتل في الغوارب والذّرى حتّى حمّل ابن عمّه منصّر بن عبد الله ـ لمّا بدؤوا ينافسونه ويضايقونه ـ ما حمّلهم من الحقد والمنافسة على عمّهم السّلطان عوض بن عمر ، وأوقعهم في الثّورة ، ولكنّه لم يجن ثمرة سياسته إلّا خلوّ حضرموت له من وجه منصّر بن عبد الله الّذي كان يضايقه ويتفضّل عليه ، وإلّا .. فقد مات وشيكا في سنة (١٣١٨ ه‍) ـ كما سبق في قيدون ـ عن ولدين.

أحدهما : الأمير محمّد بن صلاح ، مرّت أيّامه في خدمة الجيش الآصفيّ بحيدر آباد الدّكن ، إلى أن مات ، وهو رجل مشكور ؛ إلّا أنّ للفرزدق شاعر الهند المجهول أهاج لاذعة أقذع له فيها غاية الإقذاع.

والثّاني : عليّ بن صلاح (٢) ، رجل نبيه ، تكرّرت ولايته على شبام وعزله عنها ؛

__________________

(١) هو الأمير صلاح بن محمد بن عمر بن عوض القعيطي ، توفي بالقطن سنة (١٣٣٦ ه‍) كما يقول حفيده عبد العزيز بن علي بن صلاح ، وليس كما ذكر المصنف هنا من أنه توفي سنة (١٣١٨ ه‍) ؛ لأن ابنه السلطان علي ولد سنة (١٣١٤ ه‍) وتوفي أبوه وعمره (١٦) سنة تقريبا ينظر كتاب «علي بن صلاح» (٣٦).

(٢) الأمير ـ أو السلطان مجازا ـ علي بن صلاح بن محمد بن عمر القعيطي ، ولد بقرية خريخر قرب الهجرين ، عند أخواله آل بن محفوظ الكنديين ، وتوفي بالريضة سنة (١٣٦٨ ه‍). كتب عن أخباره السياسية وحوادث عصره ابنه الأصغر الأستاذ عبد العزيز بن علي ، وصدر الكتاب عن دار جامعة عدن في سنة (١٩٩٩ م) ، ثم عن دار الساقي لعام (٢٠٠١ م).

٤٨٤

لأنّ السّيّد حسين بن حامد كان منحرفا عنه في باطن الأمر ، كلّما ولّاه مديدة .. أبعده.

وصلح حاله أوّلا مع الأمير سالم بن محمّد القعيطيّ نائب السّلطان عمر بن عوض ، ثمّ تغيّر ، وفي الأخير ناب مديدة أقصر من ظمء الحمار بالمكلّا عن السّلطان صالح بن غالب ، ثمّ أقيل ، واشترك بعدها مع الأمير عبيد صالح بن عبدات في حركاته ، ووجدوا عنده كتبا له منه تصرّح بالتّمرّد على الدّولة القعيطيّة ، والنّاس يعلمون أنّ ذلك لم يكن عن عقد ضمير وعزيمة صادقة ، وجدّ في الخلاف ولكن ليقضي حاجة في نفسه من الأمير عبيد صالح ، فحوكم ونفي إلى المكلّا ، ولكن شفع له المرض فسمح له بالرّجوع إلى مسقط رأسه ، لكن لا إلى حصنه الّذي استولت عليه حكومته ، بل إلى دار آخر ؛ لأنّهم صادروه.

وكلّ ذلك دون ما فعله بمربّيه الشّيخ عوض بن سعيد بافضل ، وقصّة ذلك : أنّ عليّ بن محمّد التّويّ أرضى عليّ بن صلاح ، على أن يخطب له بنت الشّيخ عوض ، ولمّا قال له : إنّها مخطوبة للسّيّد عليّ بن حسن بلفقيه .. استعر غضبا وصادر أموال الشّيخ عوض ، صامتها وناطقها ، وأمر عبيده بقتله ، فكبر عليهم ، فأنذروه ، فهرب إلى سيئون ، وولده الشّيخ سالم إلى عدن ، ولم يرجعوا إلى القطن أبدا.

ولأمّ عليّ بن صلاح حديث طريف : ذلك أنّ أحد أقاربها من آل محفوظ خطبها .. فردّوه ، ثمّ تزوّجت آخر فما زال الأوّل يترقّب الفرص حتّى هجم عليه ـ مع اثنين من أصحابه ـ وأطلقوا عليه الرّصاص ، وكانت المرأة خارج الدّار .. فأسرعت إليه ، فلاقاها القتلة فقالوا : ابكي محمّد ، فقالت : سالف القبوله ، وكان معها خنجر فبعجت به بطن الأوّل ثمّ الثّاني ثمّ الثّالث ، ثمّ خفّت إلى والدها تخبره بالحال.

وهذا خبر عظيم لو لا أنّ الّذي أخبرني به ثقة ضابط .. لما كتبته ، ألا وهو الشّيخ سالم بن عوض بافضل ، وذكر أنّ هذا هو رغّب الأمير صلاح بن محمّد فيها ، ولم تكن تصلح إلّا له ، ولم يكن يصلح إلّا لها ، غير أن ابنها لم يكن كما هناك.

٤٨٥

واسم هذه المرأة : شيخة ، وقارن بينها وبين فطوم الآتي خبرها في وادي الذّهب ، وسألت بعض شيوخ نهد عن هذا الخبر فكذّبه وقال : إنّما قتل قتلة زوجها إخوانها. والله أعلم.

وبالرّيّضة من القطن جماعة من ذرّيّة السّيّد الصّالح أحمد الهدّار بن هادي بن عليّ بن محسن بن الحسين ابن الشّيخ أبي بكر بن سالم (١) ، وناس من آل باهرمز (٢) ، وناس من آل بافضل ، منهم الرّجل السّياسيّ المحنّك الّذي له الضّلع الأقوى في إقامة الدّولة القعيطيّة : الشّيخ عبد الله بن سعيد بافضل ، وكان السّلطان عوض يعدّه أحد أولاده ، بل يعتمد عليه أكثر منهم ، ولا يسمع فيه لأحد كلاما ، وهو أهل لذلك فحولة وذكاء وحسن رأي ، وصدق فراسة ، إلى حسن تواضع ودماثة أخلاق ، فلم تغيّر فخفخة الدّولة شيئا من أخلاقه ، بل بقي على زيّ أهله وأصحابه وعاداتهم ، وله أخبار جزلة كثيرة.

ومنهم : متولّي أنكحتها وأهلّتها ، الشّيخ عليّ بن أحمد بافضل. وجماعة من آل بامطرف الكنديّين ، خلعوا السّلاح ـ كأصحابهم السّابق ذكرهم في غيل باوزير ـ ولبسوا ثياب الصّلاح ، منهم اليوم : محمّد عبيد وإخوانه ، مذكورون بجميل ومعاملة طيّبة ، حتّى لقد بقوا ينفقون على عملائهم الّذين انقطعت صلاتهم من جاوة مع تفارط الأيّام وطول المدّة بنصف ما كانوا يعتادون في أيّام السّعة ، وهذه حسنة غرّاء محجّلة ، لا سيّما إذا قرنتها لما عليه آل سيئون ، فأنا أعرف أحد السّادة بها ، لا يكون عنده اثنان إلّا كان الثّالث وكيله ، الّتي تصل دراهمه من جاوة وسنغافورة عن طريقه ، ويخصم عليه منها خدمة وافرة ، وينتفع بإبقائها تحت يديه ؛ لأنّه لا يأخذ منها إلّا للحاجة تدريجا ، ولا يحاسبه في شيء قطّ ، بل يدع حبله على غاربه ليفعل ما يريد ، وبمجرّد

__________________

(١) ما ذكره المصنف من نسبتهم إلى أحمد الهدار بن هادي بن علي مخالف لما في الشجرة العلوية.

وهناك جماعة من آل الهدار بعينات ينسبون إلى الحبيب هادي بن علي بن محسن بن حسين.

(٢) تقدم ذكر آل باهرمز في هينن ، ومنهم جماعة سيأتون في شبام ، وهم ينتسبون إلى بني شيبة كما في مشجراتهم.

٤٨٦

ما انقطعت الأسباب .. تنكّر له تنكّرا فاحشا ، حتّى لقد كاد ينقطع السّلام والكلام ، فلعنة الله تترى على اللّئام!

وبعضهم يزعم أنّ قطنا هو هذا المذكور في قول امرىء القيس [في معلّقته من الطّويل] :

أصاح ترى برقا أريك وميضه

كلمع اليدين في حبيّ مكلّل

يضيء سناه أو مصابيح راهب

أهان السّليط في الذّبال المفتّل

قعدت وأصحابي له بين ضارج

وبين العذيب بعد ما متأمّل

على قطن بالشّيم أيمن صوبه

وأيسره فوق السّتار ويذبل

وقول سحيم بن وثيل الرّياحيّ [من الوافر] :

متى أحلل إلى قطن وزيد

وسلمى تكثر الأصوات دوني

وجاء في (ص ٥٧ ج ٥) من «صبح الأعشى» في ترحيل الطّريق من البصرة إلى عمان (١) أنّها : (تنتهي إلى ساحل هجر ، ثمّ إلى العقير ، ثمّ إلى القطن ، ثمّ إلى السبخة ، ثمّ إلى عمان) اه

وقطن هذا ، وفي الشّعر الماضي بالتّحريك ، وأمّا الّذي نحن فيه .. فساكن الوسط.

ومن قرى القطن وحصونه : دار آل رشيد. ودار آل النّقيب. وساحة الحضارمة (٢)

وحصن آل الزّوع ، وهم من نهد ، ولهم مروءة ، وهم مثل آل شبيب ـ أصحاب غصيص بن يزيد المجلّف ـ من نهد عرما ودهر حسبما يقال. إلّا أنّ منهم واحدا لو امتزج لؤمه بماء النّيل والفرات .. لعاد ملحا أجاجا.

__________________

(١) في «صبح الأعشى» : (عبّادان).

(٢) نسبة إلى آل الحضرمي ، من بيوت يافع.

٤٨٧

وساحة آل عليّ الحاجّ (١).

وساحة الجهاورة ، ومنهم الشّيخ يحيى بن قاسم الجهوريّ اليافعيّ ، رجل شهم جزل لا يتقنّع من سوءة ، وله شعر جميل (٢). وكان يكثر الكون في قزة آل البطاطيّ ، أخبرني المنصب أحمد بن حسين العطّاس قال : إنّ جماعة من الصّيعر سرقوا عجلا للعبس من رعيّة العوابثة في وادي العين وذبحوه وحملوا به إلى عند آل باربّاع في سدبة ، وأخبروهم بالحال ، فقالوا لهم : لا ترضون علينا فإنّنا نخاف العوابثة ، فساروا إلى القزة ونزلوا على يحيى بن قاسم هذا ، وأخبروه فآواهم ، ثمّ إنّ العوابثة قدّموا دعوى عند الحاكم النّهديّ على أولئك الصّيعر .. فأنكروا ، فقال لهم النّهديّ : شهودكم؟

فأتوا بآل ربّاع ، فقال لهم : ما عندكم؟ قالوا : ما عندنا إلّا أنّنا سمعنا الكلب ينبح ، ثمّ جاء هؤلاء الصّيعر ومعهم شيء يحملونه لا ندري ما هو ، فقال لهم النّهديّ : ليست هذه بشهادة ، فاستدعوا يحيى بن قاسم وأرسلوا له مطيّة ، فقال : مطيّتي أسرع ، وعندما وصل .. سأله الحاكم عمّا عنده بعد شرح الحال ، فقال له : أشهد بالله أنّ هؤلاء أقرّوا بأنّهم سرقوا جحش العبس الأخضر وذبحوه ، وأروني جلده ورأسه ، وأعطوني ربعه مع الكبد ، ورجلي في القيد وبندقيّتي عدالة إن أنكروا.

فاستجهر الصّيعر هذا الكلام الصّريح ، وهالهم ، فقالوا له : شهادتك مقبولة من الأرض إلى السّماء ، ودفعوا الثّمن.

ولمّا عزم الجهوريّ على النّهوض .. قال له الحاكم : والله لا تخرج إلّا بعد أن تتغدّى ؛ فلقد ذبحت لك كبشا أنت به في شهامتك جدير ، وقال لآل باربّاع : اخرجوا من داري يا مفخطة النّخل ، كتمتوا شهادتكم خوفا من الصّيعر.

وأخبرني بعض ثقات يافع : أنّ يحيى بن قاسم المكنّى بو لحم ـ هذا ـ كان في

__________________

(١) وهم من بيوت يافع العليا.

(٢) تقدم ذكر الشيخ ونموذج من شعره في (قزة آل البطاطي).

٤٨٨

سيئون ، ولمّا زالوا .. سكن بنخر عمرو ، قبلي شبام ، ثمّ سار إلى هينن وطرد آل طاهر بن راجح فلجؤوا إلى مصنعة خربة باكرمان في وادي عمد ، وهي مصنعة ، منيعة لا تزال معهم إلى الآن.

ثم إنّ آل سدبة اشتكوا إليه من ظلم البكريّ ، فحاربه ، واستولى على سدبة وذهب البكريّ إلى عندل ، ولا تزال مصنعتها بأيديهم إلى الآن ، ولكنّهم لا يسكنونها ولا يأتون عندل إلا وقت حصاد زروعهم ، وثمار أموالهم بها ، وإنّما يسكنون بالقطن ، وقد مرّ قبيل القطن أنّ آل البكريّ وبني أرض ليسوا من يافع ، وإنّما هم من قبائل الرصّاص. اه

وقوله : (إنّه طرد آل طاهر بن راجح بعد جلائه من سيئون) .. لا يتّفق مع ما سبق قبيل قعوضه : أنّ آل طاهر بن راجح خلّفوا آل كثير على هينن ، وأنّ يافعا طردتهم سنة (١١٤٣ ه‍) ؛ لأنّ جلاء يافع عن سيئون إنّما كان سنة (١٢٦٤ ه‍) ، والتّعدّد بعيد ، وكلام الحبيب عليّ بن حسن هو الأثبت ؛ لأنّ ما يتلقّى من الأفواه يزيد وينقص.

ومن الجهاورة : جابر بن قاسم بن صالح الجهوريّ ، كان من رماة الحدق ، متفوّقا في الرّماية ، يضرب به المثل فيها ، حتّى إنّه ليضع البيضة على رأس عبده ثمّ يطلق الرّصاص عليها من بعد .. فلا يخطىء المكان الّذي يرسمه منها.

وسمعت سيّدي العلّامة حسين بن محمّد الحبشيّ يخبر والدي بنظير ذلك عن بعض العلويّين بالمدينة ، حتّى لقد عزم أحد الأشراف على تأديبهم لأمر جرى منهم ، فخيّم بعسكره في العريض ، ولمّا تناول فنجان القهوة .. قال العلويّ لأصحابه : سأرميه ، قالوا : لا تصيب الشّريف فتعرّضنا للبلاء ، فقال لهم : لا تخافوا ، ثمّ التقط الفنجان ببندقيّته من بين أصابع الشّريف من غير أن يمسّها بسوء ، فأكبر الشّريف هذه المروءة والمهارة ، فانصرف بالقوم.

أمّا قول يحيى : (مسكني حصن الدّويل) .. فمحتمل لأن يكون المراد حصن سيئون أو حصن شبام ؛ إذ كلّ منهما يقال له : حصن الدّويل.

٤٨٩

ومن قرى القطن : حصن المداشلة.

وحوطة النّور ، للسّيّد الجليل محمّد بن سقّاف ابن الشّيخ أبي بكر (١) ، وهي عبارة عن دار ومسجد ، وبساتين نخل له هناك ، وقد ألّف بشأنها رسالة سمّاها : «جالب السّرور في تاريخ حوطة النّور» ، وخلفه عليها ولده عبد الله ، وهو رجل شهم غيور ، وله أولاد مباركون.

وفي شرقيّ حوطة النّور بوادي الحبظ ديار آل بالحامض ، لا يزال بها منهم اليوم نحو الأربعين رجلا وهم من نهد.

ومن قرى القطن ديار آل أحمد ، ومنهم : صاحبنا الشّيخ صلاح أحمد الأحمديّ ، رجل كريم ، شريف النّفس ، طويل القامة ، جميل الصّورة ، فاضل الأخلاق ، قويّ العارضة ، له شعر جزل بالطّريقة الدّارجة حتّى إنّ بعضهم ليتّهم ـ كما سيأتي في عرض مسرور ـ أنّه هو الفرزدق الشّاعر المجهول الّذي دوّخ الهند بأهاجيه ، وملأ البلاد دويّا وضجيجا ، وهو الآن يخنق المئة ، ممتّعا بالعقل والحواسّ ، لا حرمنا الله لقاءه في خير ؛ فإنّي كثير الحنين إلى مثله من قدامى الأصحاب والمعارف ، كما قال أبو الطّيّب [في العكبريّ ٤ / ٢٨٤ من الطّويل] :

خلقت ألوفا لو رددت إلى الصّبا

لفارقت شيبي موجع القلب باكيا

وهو من أصحاب شيخنا العلّامة ابن شهاب ، المختصّين به (٢).

والعنين (٣) ، وهو من قدامى بلاد القطن.

__________________

(١) هو الحبيب الفاضل الصالح المؤرخ محمد بن سقاف بن أبي بكر بن أحمد بن سالم بن أحمد بن علي بن أحمد بن علي بن سالم بن أحمد بن الحسين ابن الشيخ أبي بكر. مولده بعينات في حدود (١٢٧٧ ه‍) ، ووفاته بالمكلا في حدود (١٣٥٠ ه‍) ، له مؤلفات ممتعة عجيبة مفيدة.

(٢) توفي صلاح الأحمدي بالهند حيدرآباد سنة (١٣٧٤ ه‍) ، عن (١٠٦) سنوات ، وآل الأحمدي من بطون يافع ، ومقرهم جبل لبعوس ، كان الشيخ صلاح شاعرا كبيرا ، وكان له صوت في نقد الأوضاع السياسية والاجتماعية في حضرموت من مقر إقامته بحيدر آباد.

ينظر كتاب السيد حامد المحضار «حياة السيد الزعيم».

(٣) ويسكن العنين جماعة من آل بامطرف ، وآل حسّان الذين نزح جماعة منهم إلى شبام وتوطنوها ،

٤٩٠

ثمّ : عقدة آل المصلّي والشّاووش (١). ثمّ : ديار آل سعد.

ثمّ : عرض آل بلعلا ، وسمعت أنّهم من آل بالحارث أهل بيحان ، وهم من المنتسبين ـ كآل الزّوع ـ بالخدمة والولاء إلى السّادة آل خيله (٢) ، وكانوا يأتون إليهم في كلّ سنة فيكرمونهم ، ولكنّهم جاؤوا إليهم مرّة وفي العيش يبس ، فأرادوا مداعبتهم .. فتلقّوهم ، وبعد أن صافحوهم واتّجهوا بهم إلى منازلهم .. همّوا بالارتجاز ، فقال شاعرهم

حيّا بذي السّاده ومن جا سعفهم

يا داخلين العرض في أيّام الصّيوف

العام قد جيتوا ، وجيتوا ذي السّنه

ماشي على العدّان بقعا الّا حفوف

فغضب آل خيله ، وصرفوا أعنّة الدّوابّ ، فأقبل عليهم آل بلعلا يترضّونهم ويعتذرون إليهم .. حتّى رضوا وساروا معهم إلى عرضهم وزادوا على العادة في إكرامهم. وآل بلعلا من كرام القبائل ، يتّصل طارفهم بتليدهم (٣) ، وكان فيهم علماء وشعراء ، أمّا العلم .. فقد انقرض ، وأمّا الشّعراء .. ففيهم إلى الآن ، وفي عرض آل بلعلا ناس من آل السّقّاف ؛ منهم السّيّد صالح بن عبد الله بن عبد الرّحمن.

ثمّ : نقق ، فيه سادة من آل الحبشيّ ، وناس من آل جابر ، ولقد مررت ذات سنة ـ في طريقي إلى المشهد ـ بتلك المنازل في طريقي إلى دوعن .. فإذا أكثر حصون يافع خالية عن الرّجال ، فتذكّرت قول أبي عليّ البصير [في «ديوانه» من الكامل] :

فكأنّما تلك الشّوارع بعض ما

أخلت إياد من البلاد وجرهم

__________________

واشتهروا بصياغة الذهب. ومن سكان العنين : آل وحدين ، بطن من آل شراحيل ، ينسبون لجدهم الشيخ عبد الواحد شراحيل الملقب وحدين ، وقد نزحوا من العنين وتوطنت جماعة منهم بالمكلا ، وجماعة بشبام. ومنهم بيت بغيل أبي وزير ، صاحبه سالم امبارك وحدين ، كان نجارا ماهرا متواضعا حسن الخلق.

(١) العقد ـ جمع عقدة ـ والمراد : عقدة آل المصلي ، وعقدة آل الشاوش ، وكلاهما من ديار يافع ، وظهر من آل المصلي علماء وفقهاء أفاضل ، منهم الشيخ محفوظ بن سعيد المصلّي ، انظر «الفكر والثقافة» (١٨٤). ومنهم جماعات في المهاجر لا سيما السعودية وبلاد الخليج.

(٢) أخوال المؤلف رحمه الله ، وسيأتي ذكرهم في سيئون.

(٣) طارفهم بتليدهم : حديثهم بقديمهم.

٤٩١

كانت معادا للعيون فأصبحت

عظة ومعتبرا لمن يتوسّم (١)

تبكي بظاهر وحشة وكأنّها

إن لم تكن تبكي بعين تسجم

وكأنّ مسجدها المشيد بناؤه

ربع أحال ومنزل مترسّم

وترى الذّراري والنّساء بضيعة

خلف أقام وغاب عنه القيّم

نسأل الله أن يردّ المياه إلى مجاريها ، ويسكن الدّيار ببانيها.

المسحرة

أرض واسعة خصبة ، يحدّها قبليّا : ذبور الباطنه ، ونجديّا : الجبال ومفتك وادي سرّ ، وجنوبا : القطن وقراه ، وشرقيّا : الموزع.

يندفع فيها ما يزيد من مياه عمد ودوعن ووادي العين ، ومتى شربت .. يخصب النّاس ويرغد العيش.

وفي طرفها الجنوبيّ : دار الرّاك ؛ وهي ديار خربة للحكومة القعيطيّة.

ومن وراء دار الرّاك إلى جهة الجنوب : وادي عقران.

وفي شرقيّه : الموزع (٢) ؛ وهو ضمير في عرض مسيال سر ، يردع المياه إلى شبام ومنه تسقى ، وكثيرا ما تضرّه السّيول ، فيتكبّد آل شبام في إعادته خسائر باهظة ، إلّا أنّ عمارته الأخيرة كانت قويّة محكمة فلم يجرفها تيّار السّيول ، وأعان على ذلك أنّهم لم يعلوها كثيرا ، فخفّ عنها فرط الصّدام.

__________________

(١) المعاد : المرجع.

(٢) الموزع ـ بضم الميم وسكون الواو وكسر الزاي ـ هو : بناء كما ذكر المؤلف في عرض وادي سر ، شبيه بالسّد ، إلا أنه لا يحفظ المياه خلفه وإنما يعمل على تصريفها ودفعها بطريقة هندسية محكمة إلى جروب شبام ومزارعها ، وكانت آخر عمارة محكمة له في سنة (١٣٦٤ ه‍) تقريبا ، وكانت تشكلت في شبام لجان من كبار السن وعقال البلاد وحذّاقها للنظر في شؤون هذا الموزع ، لأن عليه اعتمادهم في حفظ مياه الأمطار والسيول والاستفادة منها ، إذ بدونه يفقدون تلك الكميات الهائلة من المياه ، ويخسرون الموسم الزراعي.

٤٩٢

ومن وراء الموزع : خشامر ، وهي : قرية آل عليّ جابر اليافعيّين ، وهم قبيلة خشنة.

تنميهم من ذي رعين أسرة

بيض الوجوه إلى المكارم تنتمي (١)

من كلّ أغلب ودّه أنّ ابنه

يوم الحفاظ يموت إن لم يكرم

ولو لم يكن لهم إلّا سالم بن يحيى بن عبد الحبيب بن عليّ جابر ، السّابق ذكر أكرومته في غياض الشّحر .. لأبقى لهم مجدا مخلّدا. ولهم مع الدّولة القعيطيّة حروب ومواقف لم تضرع فيها خدودهم (٢) ، ولم تعثر منها جدودهم (٣).

من ذلك : أنّ الحدّاديين أفسدوا بعض نخل آل عليّ جابر بالقاز ، ومن عاداتهم : أنّ من فعل هذا الفساد لا يخفره أحد ، ولكنّ ناصر محمد الدّهريّ ـ وقت ما كان على شبام من جهة القعيطيّ ـ أعطى ثلاثة من الحدّاديين خفارة بعبد ، فتعرّضهم آل عليّ جابر وقتلوا الثّلاثة وهرب العبد ، فحطّ عليهم ناصر بالمدافع ، ولكنّ السّيّد أبا بكر ابن عبد الله المحضار وأخاه محمّدا كانوا ودّا لآل عليّ جابر ، فكلّموا السّلطان غالب بن عوض فيهم ، فأمر برفع المحطّة.

ومنها : أنّ لآل عليّ جابر كوتا في أرض تسمّى الصباح ، شرقيّ خمور وقبل خميّر ، بعضها عامر وأكثرها غامر ، فادّعاها عليّ بن صلاح في أيّامه للقعيطيّ ، ولمّا جاء الخريف .. قال لأكراته : اذهبوا فعرّشوا فيها ، فطردهم آل عليّ جابر ، فأرسل بجماعة من آل الدّهريّ وطائفة من العبيد ليفعلوا ما قدروا عليه في آل عليّ جابر ، ولكنّ آل عليّ جابر أطلقوا عليهم الرّصاص بمجرّد ما وصلوا ، فسقط خمسة من العبيد مع الباروت وهرب الباقون ، فحطّ عليهم عليّ بن صلاح بالمدافع ثلاثة أشهر بدون نتيجة ، فأشار على بعض آل كثير بالتّوسّط ، فتواضعوا على الهدنة وتفويض الأمر للسّلطان عمر بن عوض ، فأرضى آل عليّ جابر عن الأرض بثلاثة آلاف ريال ،

__________________

(١) البيتان من الكامل ، وهما للبحتريّ في «ديوانه» (١ / ١٤٤) بتغيير بسيط.

(٢) ضرع الخدّ : كناية عن الذّلّ ، وعدمه كناية عن عدمه.

(٣) جدودهم : حظوظهم.

٤٩٣

وتحمّل عنهم النّفقات البالغة نحوا من ستّة آلاف ريال ، وأجزل لهم الهدايا ، ورضي عنهم ورضوا عنه ، وخرج هو وإيّاهم خرجته الّتي زار بها داخل حضرموت.

وشيخ آل عليّ جابر الآن : يحيى بن عبد الحميد ، قد خنق من عمره التّسعين ، وهو من بقايا الكرام.

خمور

هي للسّادة آل المحضار (١) ، وآل الحسن من آل الشّيخ أبي بكر بن سالم (٢) ، وكانت لآل هظيل من آل كثير ، فصهر إليهم أحد السّادة آل المحضار. ورزق ولدا ثمّ مات ، وخلفه على امرأته أحد آل الحسن بن الشّيخ ، ورزق ابنا فوهب لهم آل هظيل خمورا ، وقد مرّ للسّيّد أبي بكر بن عبد الله المحضار وولده صالح ذكر في المكلّا.

وفي شمال خمور مكان يقال له : جوجه (٣) ، من ديار بني سعد ، كان يصيّف به

__________________

(١) من ذرية السيد أبي بكر بن الشيخ عمر المحضار بن الشيخ أبي بكر بن سالم ، ومنهم : السيد أبو بكر بن عبد الله المحضار ، وابنه : صالح ، من معاصري المؤلف.

(٢) الذي في شجرة آل باعلوي كما نقل عنها شيخنا الأستاذ الشاطري ، أن السادة آل خمور ، هم من ذرية السيد صالح بن حسن بن الحسين بن الشيخ أبي بكر بن سالم ، وعرفوا بآل خمور ، قال شيخنا العلامة الأستاذ الشاطري رحمه الله : (وإنما لقب كل منهم بخمور ـ بفتح الخاء المعجمة وضم الميم ـ اسم لموضع معروف غربي شبام بجنوبها لأن جدهم ساكن به ، فيقال لكل منهم : خمور كالمعتاد في أمثاله من الاكتفاء بالمضاف إليه ، فلا يقولون ساكن خمور ، بل يقولون خمورا اختصارا) اه «المعجم اللطيف» (٨٦).

(٣) جوجه : منطقة زراعية يسكن في أطرافها جماعة من آل السعدي كما ذكر المؤلف ، وبها أرض واسعة في ملك السادة آل سميط ، أهل شبام ، آل محمد بن زين ، وآل عمر بن زين ، وبها مسجد بناه الإمام الكبير الحبيب محمد بن زين بن سميط ، وإلى جواره بئر عميقة ، وهو داثر الآن ، وإلى جوار المسجد بركة ماء جابية يقال لي : إن الذي بناها هو السيد طاهر بن حسين بن عمر بن محمد بن عمر بن زين بن سميط. أو والده. وفي منتصف الجبل المطل على جوجه يوجد كهف واسع ، قيل : إن السادة آل سميط كانوا يتعبدون فيه ، ولا سيما سيدنا الإمام العابد السجّاد الحبيب عبد الله بن عمر بن سميط.

ويوجد بها الآن خزان ماء يسقي بيوت شبام من بئر ارتوازية حفرت في جوجه. وبها صخور كبار عليها كتابة قديمة ، وبها أشكال غريبة.

٤٩٤

سيّدنا الحبيب أحمد بن عمر بن سميط ، ويخترف في بستان نخل له به. وبها جماعة من آل مرزق (١).

ثمّ : السّعيديّة (٢) ، عبارة عن كوت واحد في طرف سحيل آل مهريّ الغربيّ.

وادي سر وقبر نبيّ الله صالح

في شمال الكسر : وادي سر (٣) ، يفصل بينهما جبل لا عرض له ، والظّاهر أنّه محرّف عن الرّسّ ، ومثل ذلك التّحريف واقع بكثرة عند الحضارم وغيرهم. وهو واد واسع ، تصبّ إليه أودية وجبال كثيرة.

وفي سفح الجبل الّذي بأعلاه مكان يقال له : (عسنب) : قبر نبيّ الله صالح عليه السّلام ، والأدلّة على وجوده بحضرموت كثيرة ، منها : قوله جلّ ذكره : (وَإِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ قَدْ جاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ هذِهِ ناقَةُ اللهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوها تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللهِ وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٧٣) وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ عادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِها قُصُوراً وَتَنْحِتُونَ الْجِبالَ بُيُوتاً فَاذْكُرُوا آلاءَ اللهِ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ) إذ الخلافة صريحة بوجودهم بديار عاد ، وهي حضرموت غير مدافعة.

__________________

(١) السادة آل مرزق ـ بفتح الميم وسكون الراء وفتح الزاي ـ منتماهم إلى جدهم أحمد الملقب مرزق بن عبد الله وطب بن محمد بن عبد الله المنفّر بن محمد بن عبد الله باعلوي .. إلخ.

وقد سكنوا شباما منذ القرن الحادي عشر أو العاشر .. وظهر فيهم أعلام أكابر ، من أشهرهم السيد العلامة الفقيه القاضي عمر بن حسين مرزق المتوفى بشبام سنة (١٢٦٥ ه‍) تقريبا.

(٢) حصن سعيديّة : حصن حربي قديم ، لعل بناءه يعود إلى أيام الدولة الكثيرية الأولى ، وفي حوادث سنة (١٢٦١ ه‍) أخذ السلطان منصور بن عمر بن عيسى بن بدر حصن السعيدية على الشنافر آل عبد العزيز قهرا ، ثم أخذ منهم في (١٢٦٤ ه‍) ، ثم استولت عليه عساكر يافع في سنة (١٢٧٣ ه‍) ، كما يعلم من «العدة المفيدة» لابن حميد. وسيأتي ذكر آل مهري في السحيل لاحقا.

(٣) وادي سر : مسيال ماء شمال القطن ، يسيل من ريدة الصيعر ، وتذهب مياهه لتروي الأراضي والنخيل ، المحيطة بمدينة شبام.

٤٩٥

وقال غير واحد من المؤرّخين ، منهم اليعقوبيّ : (إنّه لمّا هلكت عاد .. صار في ديارهم ثمود) (١).

وفي (ص ٥٩٠ ج ٢) من «شرح النّهج» : (قال المفسّرون : إنّ عادا لمّا هلكت .. عمّرت ثمود بلادها ، وخلفوهم في الأرض).

وفي «التّاج» : (أنّ العرب العاربة ـ وهم : عاد وثمود وأميم وعبيل ... ووبار ـ كلّهم نزلوا الأحقاف وما جاورها).

وقال ياقوت [٣ / ٤٣] : (روي أنّ الرّسّ ديار لطائفة من ثمود).

وقال البغويّ عند تفسير قوله تعالى : (وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ) (روي عن الضّحّاك أنّ هذه البئر كانت بحضرموت) (٢)

ويتأكّد هذا بما سيأتي في بور وحنظلة بن صفوان عليهما السّلام ، ولا يغبّر على شيء ما صحّ أنّ ثمود بالحجر ؛ لأنّ الموجودين بحضرموت إمّا أن يكونوا نجعوا إليها بعد نجاتهم من العذاب كما فصّل ب «الأصل» ، وإمّا أن يكونوا ضاربين من هناك إلى حضرموت ؛ إذ لا يستنكر ذلك من أمّة عظيمة يملأ خبرها سمع الأرض وبصرها وقد سبق في أخبار حجر القول بأنّ فيها الوادي المشار إليه في قوله جلّ ذكره : (وَثَمُودَ الَّذِينَ جابُوا الصَّخْرَ)

وأخبرني غير واحد من أهل تلك النّاحية أنّهم لا يقدرون أن يقبروا أحدا في موضع يرى من مكان قبر نبيّ الله صالح عليه السلام ؛ فإن قبروا أحدا من الجهلة أو تركة الصّلاة بحيث يتراءى من موضع قبره عليه السّلام .. لفظته الأرض.

وإنّما يقبرون من وراء جبل يسترهم من مكان ضريحه صّلى الله عليه وعلى نبيّنا وآله وسلّم.

وأكثر وادي سرّ لآل كثير ؛ فهم بغاية الحاجة إلى التّردّد إليه.

__________________

(١) تاريخ اليعقوبي (١ / ٢٢).

(٢) تفسير البغوي (٣ / ٢٩١).

٤٩٦

وفي حدود سنة (١٣٠٧ ه‍) بدا لعبد الحميد بن عليّ جابر أن يبني كوتا في موضع يقال له : (قلات) على طريقهم ، فاشتدّ عليهم الأمر ، وجاء محمّد بن بدر إلى لحمان بن عبد العزيز فقال له : سر وأخبر عائض بن سالمين ، فسار إلى بابكر وأخبر آل عبدات ، فكاتبوا السّلطان وآل كثير ، فلم يجبهم أحد ، فعاد على غبيراء الظّهر فلاقاه لحمان إلى بعض الطّريق ولمّا خبّره بالجليّة .. سبّه وأخذ جمله وركب عليه وهو أرمد إلى عائض ، فكتب للسّلطان ولآل كثير من اللّيلة الثّانية : أن وافوا إلى القارّة ، فجاؤوا بقضّهم وقضيضهم ، وشعر بهم عبد الحميد ، فجاء إلى منصّر بن عبد الله يطلب النّجدة فلم يساعده ، وقال له : نحن نحبّ إخماد الشّرّ وأنت تثيره ، وهجم عائض بمن معه على الكوت وأحرقوه ، وكان فيه تسعة ؛ اثنان من الطّراشمة (١) رمى بهم البارود إلى مكان بعيد فسلموا ؛ وسبعة من العبيد سقط عليهم الكوت فهلكوا.

هذه رواية امبارك بن جعفر القحوم والّذي في «الأصل» غيرها ، والله أعلم.

وادي يبهوض

هو واد واسع عن يمين الدّاخل من الشّرق إلى وادي سر ، إلّا أنّ الجبال الّتي تدفع إلى وادي سر أكثر منه ، وفيه قرى صغيرة.

وبعد أن تسقى الشّراج الّتي فيه .. يفيض ماؤه على : شراج الجواده ، وهي قرية يسكنها ناس من آل حريز ، وهم قبائل من حملة السّلاح ، ينتسبون بالخدمة إلى القطب الحدّاد ، ولهم فيه اعتقاد جميل ، وظنّ حسن.

ومن اللّطائف : أنّ أحد متأخّريهم كان يتّصل بواحد من السّادة آل سميط ، وآخر من السّادة آل العيدروس ، وكان يحبّهما ويواسيهما ، فتنافساه ، وأراد العيدروسيّ أن يستأثر به ، فقال له : إنّ صاحبك السميطيّ ليس بكامل السّيادة ؛ لأنّه لم يكن من ذرّيّة الفقيه المقدّم.

__________________

(١) الطراشمة : هم الذين وظيفتهم صيانة المدفع وضربه.

٤٩٧

فعظمت على ابن حريز ، ورأى أنّها منقصة عظيمة ، فانقطع عنه ، فعرف دخلة الأمر .. فتصيّده ، ولمّا اجتمع به .. قال له : ما أخّرك عنّي؟

فقال له : ما أحبّك إلّا على ظنّ كمال سيادتك ، ثمّ تبيّن لي أنّك لست من ذرّيّة الفقيه المقدّم.

فقال له : اسمع ، أمّا أنا والقطب الحدّاد .. فعلى رجل واحد ؛ وهو عمّ الفقيه ، وأمّا العيدروسيّ .. فإنّما هو والجفريّ على رجل واحد.

وكان السّادة آل الجفريّ منحطّين في أنظار العامّة ؛ لاحترافهم بجلب الأبقار والحمير ، فانعكست نتيجة التّدبير ، وكانت الفيصولة بين الحريزيّ والعيدروس.

ولآل شبام وغيرهم أموال كثيرة بيبهوض ، وما يزيد من سيله عن الجواده وما إليها .. يجتمع مع مياه سر.

وفي حوادث سنة (٧٩٤ ه‍) : أنّ آل سويد بن عسّال بنوا قرن بالميص بوادي يبهوض.

عرض مسرور

هو أرض واسعة في جنوب الجبل الشّماليّ عن شبام ، في غربيّها مفتك (١) وادي سر ، وكانت لآل سالم بن زيمة الكثيريّين.

ولمّا استولى السّلطان الكثيريّ على أموال بني بكر بمريمه ، بعد إبعادهم عنها في سنة (١٢٨٤ ه‍) حسبما تقدّم في ذكرهم .. حصل من السّلطان القعيطيّ ردّ فعل ، فطرد آل سالم بن زيمة من عرض مسرور (٢).

وفي جانبه الغربيّ : حويلة آل الشّيخ عليّ ، وفيها آل نهيم ، من المشايخ آل باوزير ، لا يزيد رجالهم بها اليوم عن خمسة عشر ، وآل حويل من آل كثير ، ومن بقاياهم بها الآن نحو خمسة رجال بعائلاتهم.

__________________

(١) أي : مسيل وادي سر.

(٢) كان ذلك في سلخ ذي القعدة (١٢٨٤ ه‍) «العدة» : (٢ / ٢٧١) والحاصل : أنه أسكن كلّا منهم في محل الآخر. وجرت حوادث قبل ذلك في سنة (١٢٧٠ ه‍) «العدة» (٢ / ١٢٣).

٤٩٨

وفي شرقيّ حويلة : مصنعة آل سالم بن عليّ وآل عبد الله بن عليّ. وفي جانبه الشّرقيّ : حصون آل الشّيخ أحمد بن عليّ أيضا ، ولا تزال بينهم خماشات ؛ وأمّا آل سالم بن حسين بن يحيى بن هرهرة .. فكانت ديارهم في وسط سيئون ، وكانت لهم رئاسة شهارة بسيئون والسّوق ، وكان سكن رئيسهم ـ بل رئيس آل الظّبي بسيئون : الشّيخ صالح بن سالم الشّرفيّ ـ : حصن الدّويل بسيئون ، ولمّا زالوا عنها .. انتقلوا أوّلا ، ثمّ ابتنوا لهم حصونا (١) بالقطن ، بين آل الفضليّ وآل المصلّي ، وما بها منهم الآن غير الأطفال والنساء ، وأمّا الرّجال ف (بجاوة).

وآل الشّيخ عليّ كلّهم مساعير حرب (٢) ، وأباة ذلّ ، وحماة حقائق ، ينطبق على جدّهم قول أبي تمّام [في «ديوانه» : ١ / ٢٢٩ من الكامل] :

أكفاءهم تلد الرّجال وإنّما

ولد الحتوف أساودا وأسودا

وهذا البيت من البدائع ، وقد تحرّش به الرّضيّ فيما يأتي عنه في حصن العزّ ولهم أخبار كثيرة في «الأصل».

وكان بينهم وبين جدّنا العلّامة الإمام محسن عداء وسوء تفاهم (٣) ، أراد الماس عمر مولى القعيطيّ بدهائه ـ الّذي تتمزّق به سحب المشكلات ـ أن يزيله .. فلم يقدر ، ولو نجح .. لما قامت لآل كثير قائمة قطّ.

وعدد آل الشّيخ عليّ هؤلاء لا يزال قليلا ، لكنّهم كما قال أبو تمّام من القصيدة الأخرى [في «ديوانه» : ١ / ٢٤٤ من البسيط] :

فلّوا ولكنّهم طابوا فأنجدهم

جيش من الصّبر لا يحصى له عدد (٤)

__________________

(١) كان زوالهم من سيئون ونواحيها في ربيع الأول عام (١٢٦٩ ه‍) «العدة» (٢ / ١٠٣).

(٢) مساعير ـ جمع مسعر ـ وهو : الّذي تحرّك به النّار. ومسعار حرب : كناية عن الشّجاع الّذي يؤجّج نار الحرب.

(٣) بدأ الخلاف من سنة (١٢٦٤ ه‍) «العدة» (١ / ٤٣٩ ـ ٤٤٢ ـ ٤٥١).

(٤) فلّوا : هربوا ، وليس المقصود هنا هروبهم حقيقة ، بل المقصود أنّهم انهزموا قليلا بحيث لو كان هذا الانهزام بغيرهم فلّ وهرب ، ولكنهم طابت أنفسهم بالموت ، وصبّروا أنفسهم .. فربحوا.

٤٩٩

إذا رأوا للمنايا عارضا .. لبسوا

من اليقين دروعا ما لها زرد (١)

نأوا عن المصرخ الأدنى فليس لهم

إلّا السّيوف على أعدائهم مدد (٢)

ومن أخبار آل سالم بن عليّ ـ وهم صالح بن سالم وحسين بن سالم ، وعليّ بن سالم ـ أنّ أحد آل جوفان في حدود سنة (١٣٣٠ ه‍) كان يمشي بحمل من الحطب ، ومعه عبد صغير لآل الشّيخ المشار إليهم ، فلقيه بعض الغرباء من يافع ، وكان يطلبه بثأر .. فأرداه ، فسار العبد يقود بعير الجوفانيّ ، وأخبر مولاه الشّيخ حسين بن سالم بن عليّ ، فجمع أولاده وقال لهم : أمّكم طالق بالثّلاث إن لم تبيّضوا وجهي اليوم ولم أقتل أحدا منكم غدا.

فخفّوا إلى شبام ـ وعليها الشّيخ يحيى بن عبد الحميد بن عليّ جابر نائبا من جهة السّلطان غالب بن عوض ـ وحالا طلعوا إلى الحصن ، وأغلقوا الأبواب ، وقالوا للشّيخ : إمّا أن تسلّم لنا القاتل ، وإلّا .. تقاسمنا الموت في هذا المنزل حتّى لا يسلم إلّا من عصمه الأجل.

ولمّا عرف أنّ الأمر جدّ .. تخلّص من فناء النّفوس الكثيرة بتسليمه ، وما كادوا ينفصلون به عن شبام حتّى ذبحوه ، غير أنّ السّلطان غالبا تميّز من الغيظ على يحيى ولم يولّه عملا بعدها ، وقد تمكّن منه ، ولو لا أنّه جبل على العفو وكلّمه النّاس .. لقطّعه إربا إربا ؛ لأنّه كان قدر عليه ؛ لأنّه لو لم يرض .. لم يقدر آل الشّيخ على ما فعلوا ، ففي القضيّة ضمير تقديره : أنّ آل الشّيخ عليّ أرضوا آل عليّ جابر ، وإلّا .. فما كانوا ليؤخذوا ضغطة ، وإنّما أشاعوا ما سبق للتّغطية ، وإلى ذلك يشير شاعر الهند المجهول الملقّب بالفرزدق :

يا بن علي جابر تحيّل

ما الجماعه للنقود

__________________

(١) العارض : السّحاب المعترض في السّماء وكأنّه يبشّر بهطول المطر ، وهو هنا على الاستعارة ؛ أي : إذا رأوا بوادر وعوارض الموت .. فرحوا بذلك وثبتوا بشكل غريب ، وهو أنّهم يثبتون ويقاتلون بدروع ليس لها زرد ؛ أي : حلق. والله أعلم.

(٢) المصرخ : المغيث.

٥٠٠