إدام القوت في ذكر بلدان حضر الموت

السيّد عبد الرحمن بن عبيد الله السقّاف

إدام القوت في ذكر بلدان حضر الموت

المؤلف:

السيّد عبد الرحمن بن عبيد الله السقّاف


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار المنهاج للنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ١١١٠

ـ مولى عرف ـ ابن سالم بن عبد الله بن عمر ابن الشّيخ يعقوب بن يوسف.

وأبو بكر مقبور بحوره ، وأخوه سعيد صاحب الجحش (١) مقبور عند رجليه (٢).

قال البكري : (حوره : موضع في ديار بني مرّة ، وقد شكّ أبو عبيدة في هذا الاسم ، وقال نصيب [من الطّويل] :

عفا منقل من أهله فنقيب

فسرح اللّوى من ساهر فمريب

فذو المرخ أقوى فالبراق كأنّها

بحورة لم يحلل بهنّ عريب

وقال في مادّة «رضوى» من حديث واقد بن عبد الله عن عمّه عن جدّه قال : نزل طلحة بن عبيد الله وسعيد بن زيد عليّ بالتّجبار ـ وهو موضع بين حوره السّفلى وبين منخوس ، على طريق التّجّار إلى الشّام ـ حين بعثهما رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يترقّبان عير قريش).

وذكر حديثا طويلا يؤكّد أنّها ليست بالّتي نحن في سبيلها.

ثمّ رأيت الطّيّب بامخرمة يقول : (قال القاضي مسعود باشكيل : حوره اسم لقريتين باليمن :

إحداهما : قرية كبيرة لها قلعة حصينة من أرض حضرموت ، تسقى من وادي العين ، وسكّان تلك القلعة آل الملكيّ ، وسكّان أسفل القلعة آل باوزير المتصوّفة (٣) ، وبها قبور جماعة منهم ، أشهرهم وأقدمهم : أبو بكر وسعيد ابنا محمّد بن سالم ، والباقون أسباطهم ، نفع الله بهم أجمعين.

والثّانية : قرية كبيرة شرقيّ أحور ، سكّانها قوم من حمير ـ وبها قوم صالحون

__________________

وأخذ باليمن عن شيوخ كثيرين ؛ منهم : الشيخ محمد بن حسين البجلي ، وأوقف أوقافا على طلاب العلم بحوره ، وبنى بها مسجده المعروف بها ، وخلف مكتبة حوت نوادر المخطوطات.

«الصفحات» (ص ١٠١ ـ ١٠٢).

(١) كذا بالأصل ، ويقال له : مولى الجيش ، ومولى الجويب كما في بعض المصادر.

(٢) وهم ثلاثة إخوة ؛ ثالثهم : الشيخ عمر والد الشيخ عبد الرحيم مؤسس غيل باوزير.

(٣) ومقبرتهم معروفة ويقال لهم آل الدّرع ، وهي مطبخ الضيافة ومأوى للفقراء.

٤٤١

يسمّون الشّهداء ـ يطعمون القادم عليهم ، وهي على ساحل بحر يصطادون السّمك ، ويحرثون على البقر) اه ما ذكره القاضي مسعود ، وهو آخر كلام بامخرمة (١).

وقوله : تسقى من وادي العين .. يدلّ على أنّ الشّيخ عمر باوزير لم يبتدي ذلك الضّمير ؛ لأنّ القاضي مسعودا أقدم منه.

وقال الطّيّب في موضع آخر : (وآل الملكيّ ـ بفتحتين وكاف ـ جماعة من مسلمي الرّوم النّصارى) وقد استبهم عليّ أمرهم في «الأصل» (٢) ، ووقعت في إشكالات لم تنحلّ بهذا ، ولكنّها تنكشف بما سيأتي في مريمة ، ومنه يعرف كثرة من نجع إلى حضرموت من العجم ، وقد سمعت بمؤلّف في خصوص ذلك.

وفي حضرموت أسماء عجميّة لكثير من البلدان ، كما سبق أنّ دوعان مؤلّف من (دو) وهو الاثنان ، و (عان) وهو المكان المرتفع ؛ يعني واديين مرتفعين.

وفي «صفة جزيرة العرب» للهمدانيّ [ص ٢٧٨] : (يبرين في شرقيّ اليمامة ، وهي على محجّة عمان إلى مكّة ، وبينها وبين حضرموت العجم بلد واسع).

وبما أنّ اسم دوعن فارسيّ .. فالظّاهر أنّ كثرة أعاجمها منهم ؛ بأمارة : أنّ صعبة أمّ طلحة بن عبيد الله من بنات فارس ، وهي حضرميّة أخت العلاء بن الحضرميّ ، وكانت تحت أبي سفيان بن حرب ، فلم تزل به هند حتّى طلّقها وتبعتها نفسه ، فقال [من المتقارب] :

إنّا وصعبة فيما ترى

بعيدان والودّ ودّ قريب

فإلّا يكن نسب ثاقب

فعند الفتاة جمال وطيب

لها عند سرّي بها نخرة

يزول بها يذبل أو عسيب

ذكره ابن قتيبة في «عيون الأخبار» ، وذكره أيضا غيره ، والبيت الأوّل منها

__________________

(١) نسبة البلدان (خ ٩٧).

(٢) وبهذا يزول الإشكال من كتب التاريخ الحضرمي ؛ إذ ورد في بعضها تسميتهم بالحالكي أو المليكي أو المالكي.

٤٤٢

مخروم ، وفي (ص ٣٨٨ ج ٢) من «الخزانة» عن السّهيليّ : أنّ ابن أبي عمرو مات في صعبة بنت الحضرميّ ، وعن «الأغاني» : أنّه مات في حبّ هند بنت عتبة ، ثمّ بسط القصّة.

وفي «غرر البهاء الضويّ» للعلّامة المحدّث محمّد بن عليّ خرد ما يفيد أنّ حوره هي الحوطة في عرف أهل اليمن ، وقد مرّ في النّقعة أنّها مرادفة للحوطة أيضا عند أهل اليمن.

النّقعة

هي قرية واسعة لآل جنيد (١) من المشايخ آل باوزير. وظنّي أنّ أوّل من سكنها منهم هو : الشّيخ عمر بن عليّ بن أحمد بن سعيد صاحب الجحش ، المقبور بحوره.

وعمر بن عليّ هذا هو جدّ آل جنيد ، وهم مشايخ كرام يغلب عليهم بياض الصّدر وصفاء السّريرة ، ومنصبهم الآن : الشّيخ محمّد بن بو بكر باوزير ، طويل النّجاد ، كثير الرّماد ، قريب البيت من النّاد (٢).

وله أخ يسمّى عليّا توفّي من قريب ، كان باذلا للطّعام ، وصولا للأرحام ، كثير الخيرات ، مبسوط اليدين في المبرّات.

وقد صهر إليهم منصب المشهد السّابق السّيّد حسين بن عمر بن هادون (٣) ، فهم أخوال ولده المنصب الحالي أحمد بن حسين.

وصهر إليهم الشّهم الكريم السّيّد عليّ بن حسن بن محمّد بن إبراهيم بلفقيه (٤) ،

__________________

(١) ومنهم الشيخ علي بن سالم بن جنيد باوزير ، له ذكر في كتاب «المقصد من شواهد المشهد» للحبيب علي بن حسن العطاس ، ويخاطبه في كثير من شعره في ديوانه «قلائد الحسان» وبينهما مساجلات.

(٢) أضيف في هامش المخطوط : (توفي المنصب من سنتنا ، ولكن بعد الفراغ من هذا الكتاب).

(٣) توفي سنة (١٣٢٩ ه‍).

(٤) ولد السيد علي بن حسن بتريم ، وتوفي بها في (٢٥) رمضان سنة (١٣٤٥ ه‍) ، وخلف ثلاثة ولد هم : عطاس وأحمد وعبد الرحمن المذكور هنا.

٤٤٣

المنغّص الشّباب ، المتوفّى سنة (١٣٤٥ ه‍) ، فهم أخوال ولده النّبيل الوفيّ الوجيه عبد الرّحمن بن عليّ بلفقيه.

عرض آل مخاشن (١)

هو من وراء النّقعة في شرقيّها ، وهم من مذحج ، من أعقاب عمرو بن معديكرب الزّبيديّ ، إلّا أنّهم قد ينطبق عليهم قول الشّاعر (٢) [من الوافر] :

ورثنا المجد عن آباء صدق

أسأنا في ديارهم الصّنيعا

إذا الحسب الصّميم تداولته

بناة السّوء أو شك أن يضيعا

ولهم شارات حسنة ، وقامات مديدة ؛ إلّا أنّهم لم يسلموا ممّا وصل إليه قبائل حضرموت عامّة من التّراذل والتّخاذل ؛ لأنّ الشّرّ عمّ ، والبلاء قد طمّ ، وعلى من كان جدّه سعد العشيرة .. أن ينتبه لنفسه ، وأن يعتبر بماضيه.

وفي «الأصل» : أنّ الشّيخ عمر بن عبد الله باوزير كاتب عليهم إذ لم يساعدوه بنقير ولا قطمير (٣) في بناء ضمير حوره ، مع أنّه ينفعهم ؛ إذ لم يحرمهم الشّيخ من السّقيا مع عدم استحقاقهم لشيء منها.

وقد كان أصل الحرب الأخيرة الّتي التهمت الأخضر واليابس لنهد : أنّ خميس بن عبد الله بن عمر ـ أحد آل ثابت ـ قتل اثنين من آل البقريّ في بحران ، في حرمات ثلاث لم يبال بشيء منها ؛ الأولى : أنّه في شهر المشهد ، وهو شهر الميلاد النّبويّ ،

__________________

(١) العرض عند أهل حضرموت هو المنطقة الواسعة والمنبسطة ، وآل بن مخاشن هؤلاء يرى المصنف أنهم من مذحج اعتمادا على ما ورد في أنساب الأشرف الرسولي (ص ١٣٦) ، بينما يرى صلاح البكري أنهم من الحموم ، «تاريخ حضرموت السياسي» (٢ / ١٠٧) ، وفي «معجم المقحفي» (٢ / ١٤٤٨) : نسبتهم إلى نهد.

(٢) البيتان في «الأغاني» (١٢ / ٧٥) ، وهما لمعن بن أوس المزنيّ.

(٣) النّقير : النّقرة الّتي في ظهر النّواة. القطمير : القشرة الرّقيقة الّتي في النّواة. والمعنى : أنّهم لم يساعدوه أبدا.

٤٤٤

والثّانية : أنّهما كانا إلى جانب السّيّد عبد الله بن عمر العيدروس ، والثّالثة : أنّ معهما واحدا من آل عجّاج ، وواحدا من آل مخاشن.

فأمّا آل عجّاج : فحميت أنوفهم ، وأذكوا نار الحرب حتّى غسلوا العار بالدّماء.

وأمّا آل مخاشن : فلم يشتركوا في الحرب ؛ لأنّ السّعيد من كفي بغيره ، ولأنّ أكبر العار في أعرافهم إنّما يتناول الأقرب ـ كما سيأتي في القارة ـ وابن عجّاج هو الأدنى في النّسب إلى آل ثابت.

وقد بقي منهم جماعة على النّخوة العربيّة ، والأنفة المذحجيّة ، منهم اليوم :

عبد الله بن سعيد بن مخاشن ، ومحمّد عمرو بن مخاشن ، وأظنّهما الآن في مقدشوه.

ومن أولي نجدتهم الشّيخ عمر بن عمرو ، وهو شيخ شهم ، نجذته الحروب ، وحنّكته التّجارب ، وعرك أذن الزّمان ، وتعمّر حتّى نيّف على الثّمانين ممتّعا بالقوّة والحواسّ ، ولم يمت إلّا في سنة (١٣٦١ ه‍) ، فكان كدريد بن الصّمّة ؛ إذ تركه قومه وانصرفوا عن رأيه إلى رأي مالك بن عوف النّصريّ ، فكانت الدّبرة عليهم في يوم حنين (١).

وإلّا .. فقد كانت لعمر وأبيه عمرو قبولة حارّة على عادات الجاهليّة الجهلاء ، منها : أنّ أحد آل مخاشن ـ واسمه قعاص ـ جاء بأموال طائلة من الهند ، وما له إلّا ولد صغير ، فخاف على نفسه أن يقتله قومه ليستأثروا بماله .. فطلب من نهد أن يعطوه خفيرا يأمن به عادية أصحابه ، فأعطوه واحدا من آل شريشر ، ونادوا في الأسواق بأنّه في جوارهم ، فلم يكن من عمرو إلّا أن اقتحم داره في جماعة من أصحابه ، فقتلوا قعاصا وولده وخفيره ، فهاجت نهد وحاصرت عمرا ، فثبت وانسلّ عنه أكثر آل مخاشن ، إذ كانت فعلته شنيعة.

وما زالت نهد مجدّة في حصار عمرو .. حتّى قتل أحد أسرته المرابطين معه ، فرأت نهد أنّ العار انمحى عنها وانصرفت ، وفي ذلك يقول أحد نهد :

__________________

(١) انظر «سيرة ابن هشام» (٥ / ١٠٥) ، و «جمهرة خطب العرب» (١ / ١٧٠) ، وغيرها.

٤٤٥

يا العرض عربن لي ومدّ القاديه

والّا دخلنا لك بدحنات الرّجال

تمسي بك الفتنه وتصبح غاديه

مثل المسقّي في المطيره ما يزال

فأجابه عمرو بقوله :

العرض عاصي ما يمدّ القاديه

قل للحكم نعطيك شنطوب الجبال

ما انته من القوم القروم العاديه

إبليس غوّز لك ويفحس لك حبال

وفي عرض آل مخاشن كانت روضتهم الّتي يقول فيها الأخطل [في «ديوانه» بنحوه ٢٨٣ من الطويل] :

لها مربع بالرّوض روض مخلّق

ومنزلة لم يبق إلّا طلولها

وقد حصل ب «الأصل» انتقال فكر ، فذكرنا هذه الرّوضة في منوب ، وإنّما الّتي فيها روضة هطيف .. فهي ممّا يستدرك من رياض العرب على ياقوت.

ومن أيّام العرب : يوم مخاشن ، وفيه يقول جرير [في «ديوانه» ٣٨١ من الكامل]

لو أنّ جمعهم غداة مخاشن

يرمى به جبل لكاد يزول (١)

وكان عمرو بن معديكرب يقيم بالكسر كثيرا ، وذلك لا ينافي قول الهمدانيّ في «الصّفة» : (إنّ له بتثليث حصنا ونخلا) اه ؛ لأنّه كان كثير التّنقّل والغزو على عادة العرب ، وكانت المواصلات كثيرة ـ وسيأتي قبيل هينن قرب تثليث ـ ولا سيّما بمراحل الأقدمين.

وعمرو بن معديكرب فارس اليمن ، وهو القائل : (لو سرت بظعينة وحدي على مياه معدّ كلّها .. ما خفت أن أغلب عليها ، ما لم يلقني حرّاها أو عبداها) ؛ يعني بالحرّين : عامر بن الطفيل وعتيبة بن الحارث بن شهاب ، والعبدين : السّليك وأسود بني عبس. وبه ضرب أبو تمّام المثل في قوله [في «ديوانه» ١ / ٣٦٨ من الكامل] :

إقدام عمرو في سماحة حاتم

في حلم أحنف في ذكاء إياس

__________________

(١) في «الديوان» : (حضن) بدل (جبل). والحضن : اسم جبل بالعالية.

٤٤٦

وأبو عبادة في قوله [في «ديوانه» ٢ / ٣١١ من الكامل] :

يهديهم الأسد المطاع كأنّه

يوم ازدحام الجحفل المتألّف

عمرو القنا في مذحج أو حاتم

في طيّء أو عامر في خندف

ومع ذلك فقد كانت له هنات ؛ منها : ما ذكره الهمدانيّ في الجزء العاشر [ص ١٨٧] من «الإكليل» : أنّ بني الأصيد ـ وهم قبيلة قليلة من سفيان بن أرحب ـ لقوه ، فسلبوه وأخذوا فرسه ، فلم يستح أن كتب لهم يقول [من الرّمل] :

يا بني الأصيد ردّوا فرسي

إنّما يفعل هذا بالذّليل

عوّدوه مثل ما عوّدته

مقحم الصّفّ وإيطاء القتيل

وفي «مروج الذّهب» : أنّ عمر بن الخطّاب آنس عمرا ذات يوم ، وذاكره الحروب في الجاهليّة ، وقال له : هل انصرفت عن فارس قطّ في الجاهليّة؟ فذكر له فرّة فرّها عن ربيعة بن مكدم في حديث طويل ، قال : ثمّ إنّ عمرا أغار بعد ذلك بزمان على كنانة في صناديد قومه وأخذ الغنائم ، ومنها امرأة ربيعة بن مكدم ، فشعر بهم ـ وكان غير بعيد ـ فاستردّها وهزمهم.

وله وفادة على رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ، قيل : مع الأشعث كما في «الأصل» ، وقيل : لنفسه ، ثمّ رجع إلى قومه.

ولمّا مصّرت الكوفة .. أقام بها ، وكان له نبأ مذكور في حرب القادسيّة ، وأخباره مشهورة.

الكسر (١)

هو صقع واسع من أحسن بلاد حضرموت تربة ، بل أحسنها على الإطلاق ، بشهادة ما جاء بالأصل من فضول صدقات تجيب وكثرتها. وسيأتي في قارّة الشّناهز

__________________

(١) عرف هذا الصقع بالكسر لوقوعه بين سلسلتي جبال من جانبيه الغربي والشرقي ، وقيل : لأنه يكسر السيول عن مدينة شبام ، وفي وسطه تسكن نهد. ومن قرى الكسر : العجلانية ، هينن ، الباطنة ، قعوضة ... وغيرها.

٤٤٧

ما يفهم أنّ ناسا من قبيلة حضرموت يسكنونه في سنة (٦٠٥ ه‍).

قال ابن الحائك : (ويسكن الكسر في وسط حضرموت تجيب ، منهم اليوم بها أربع مئة فارس وإحدى عشر مئة راجل ، ويعرف الكسر بكسر قشاقش ، وفيه يقول أبو سليمان بن يزيد بن أبي الحسن الطّائيّ [من الطويل] :

وأوطن منّا في قصور براقش

فمأود وادي الكسر كسر قشاقش) اه (١)

وفي براقش (٢) يقول عمرو بن معديكرب الزّبيديّ ـ وكان ممّن يسكن الكسر ـ [في «شعر عمرو بن معدي كرب» ١٤٠ من الوافر] :

ينادي من براقش أو معين

فأسمع فاتلأبّ بنا مليع (٣)

وقال الطّائيّ أيضا [من المنسرح] :

تستنّ بالضّرو من براقش أو

(هيلان) (٤) أو يانع من العتم (٥)

__________________

(١) وذكر الهمداني من قرى الكسر : هينن ، وحوره ، وقشاقش ، وصوران ، والعجلانية ، وسدبه ، ومنوب ، ورخيه ، ووادييها. انظر «صفة جزيرة العرب» (١٧١).

(٢) ههنا استطرد المصنف رحمه الله إلى ذكر بلاد الجوف وما إليها .. فلنعرّف هنا ببراقش : هي مدينة أثرية هامة في وادي الجوف ، واسمها القديم (ثيل) ، تقع بجانب خرائب معين التي تعرف باسم : البيضاء. وتشكل هذه المدينة العاصمة الدينية لمملكة معين ، حيث كان يحج المعينيون معابدها العديدة ، وقد ظلت عامرة إلى القرن العاشر الميلادي ، ثم اندثرت ولم يبق منها اليوم سوى معالم سورها القديم ، وبقايا معابدها ، وبعض من النقوش. وهي في أصل جبل هيلان ، وفي عام (١٩٨٩ م) بدأت الدولة في إنشاء طريق من صنعاء يمتد إلى وادي الجوف عبر منطقة نهم ، وتمر بالقرب من خرائب هذه المدينة. اه «المقحفي» (١ / ١٥٠).

(٣) ينادي : الفاعل فيه عائد على كلمة (الدّاعي) في البيت قبله ، وهو :

أمن ريحانة الدّاعي السّميع

يؤرّقني وأصحابي هجوع

وريحانة : أخت عمرو. اتلأبّ : استقام. مليع : اسم طريق.

(٤) هيلان : جبل عال منيف يمتد من جنوب نهم إلى غربي مأرب ، عداده من بني جبر خولان العالية ، ويقع شمال صرواح بمسافة (٦٠ كم) ، وهو منطقة أثرية.

(٥) البيت للنّابغة الجعدي في «ديوانه» (١٥٨) تستنّ : تستاك. الضّرو : شجر طيّب الرّائحة يستاك بعيدانه ، ويجعل ورقه في العطور. هيلان : اسم واد أو جبل. يانع : ناضج. العتم : شجر الزّيتون البرّيّ.

٤٤٨

يصف بقرا تستنّ بالضّرو ، وهو : شجر يستاك به.

وقال فروة بن مسيك المراديّ [من الوافر] :

أحلّ يحابر جدّي غطيفا

معين الملك من بين البنينا

وملّكنا براقش دون أعلى

وأنعم إخوتي وبني أبينا

وقال علقمة [من الوافر] :

وهل أسوى براقش حين أسوى

ببلقعة ومنبسط أنيق

وحلّوا من معين يوم حلّوا

لعزّهم لدى الفجّ العميق

ومعين : بلد بالجوف من بلاد حمير ، باقية آثارها ، وعلى كثير من أحجارها المنجورة كتابات بالمسند (١) ، وهو لسان عربيّ يعرفه كثير من أهل صنعاء ، كالشّيخ الفاضل محمّد بن أحمد بن عليّ الحجريّ (٢) ، منها ما وجد على مردم ضخم جدّا ، مستند إلى أسطوانتين عظيمتين ، في معبد قريب من مدينة معين ، وفيه كلمات لم تعرف من لغة حمير ، وأكثره عربيّ مبين ، وحاصله : (خال كرب ، صادق ابن أبيدع (٣) ملك معين ، بنى وأحدث رصيف بيت عثتر ، الّذي قبض ورثته بيوتهم).

__________________

(١) المسند : اسم لخطّ قديم ، كان شائعا عند العرب في جنوب ، بل وحتى شمال الجزيرة قبل الإسلام.

يتكون من (٢٩) رمزا ـ أبجديا ـ تمثل أحداث أصوات الحروف العربية الحديثة بزيادة صوت واحد ينطق قريبا من مخرج السين ، بينه وبين الشين على ما يبدو أمد. ويرجع أقدم النقوش اليمنية إلى أوائل القرن التاسع قبل الميلاد على أبعد تقدير .. ينظر «تاريخ اليمن القديم» (١٩١ ـ ٢٠٧).

(٢) هو الشيخ العالم الفقيه المؤرخ محمد بن أحمد الحجري الصنعاني ، ولد بذي يشرع من نواحي يريم ، وتفقه بذمار والأهنوم ويريم ، ولاه الإمام يحيى رئاسة ديوان المحاسبة العامة ، وكان ينتدبه هو وابنه الإمام أحمد لحضور المؤتمرات خارج اليمن ، توفي في حادث الطائرة الروسية على مقربة من موسكو يوم الأربعاء (٢٦) صفر (١٣٨٠ ه‍) مع بقية أعضاء الوفد الذي كان في طريقه إلى بكين برئاسة القاضي محمد بن عبد الله العمري. كان عالما متواضعا نزيها ، ملمّا بتاريخ اليمن وجغرافيته. وهو صاحب كتاب «معجم بلدان اليمن وقبائلها» ، الذي اتكأ عليه المقحفي وضمّنه معجمه وزاد عليه.

(٣) ورد اسمه عند بافقيه : (صدق إل) ملك حضرموت ، الذي حكم معين أيضا ، وانقسمت المملكة بعد موته بين ولديه : (شهر علن) الذي حكم حضرموت ، و (اليفع يثع) حاكم معين ، ثم جاء حفيده (اليفع ريام بن اليفع يثع) ليوحد المملكتين تحت حكمه.

٤٤٩

وعثتر ـ بعين ، ثمّ ثاء مثلّثة ، ثمّ تاء مثنّاة من فوق ـ : صنم مشهور.

وقد بقي من آثار ذلك المعبد عدّة أسطوانات قائمات إلى ارتفاع خمسة أذرع ، وعلى رأسها مرادم ضخمة ، لا يقدر النّاس على رفعها ، في غاية من الجمال الهندسيّ.

وبلغني أنّ بعض الأجانب استخرج أسماء اثنين وثلاثين ملكا من الآثار الّتي بالجوف ، لكن بدون ترتيب ، والأجانب يخادعون أهل اليمن في مفاد تلك النّقوش ، ولكن .. قد انكشفت خلابتهم بمعرفتهم لقواعده (١).

والإفرنج يزعمون أنّ مملكة معين ظهرت في الألف الثّاني قبل الإسلام ، وأنّها أقوى وأغنى من مملكة سبأ ، وأنّ ملكها بلغ إلى غزّة ، وأنّ سلطانها انتقل إلى سبأ الّتي بدأت قوّتها في الظّهور أواخر أيّام مملكة معين ، وهو كلام متناقض ؛ لأنّ مملكة سبأ أقدم من ذلك بكثير ، وكلاهما من فروع الممالك القحطانيّة (٢).

وقحطان : هو ابن هود على ما يأتي في نسبه عند ذكره ، وهود عليه السّلام نبيّ عاد ، وقد نصّ القرآن على أنّ ملك عاد عقب نوح ، وذلك حيث يقول في سورة الأعراف : (وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَصْطَةً فَاذْكُرُوا آلاءَ اللهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) فزعم أنّ عادا وثمود تفرّعوا عن الحمّورابيّين غلط ؛ لأنّهم أقدم من ذلك ، وفي «التّيجان» لابن هشام : أنّ عمرو بن القيس بن بابليون كان ملكا على مصر في أيّام إبراهيم عليه السلام ، وعمرو هذا من أهل سبأ.

قال الهمدانيّ في «الإكليل» : ما أعلم أحدا استوفى ما ذكره أبو علكم المرّاني ، أحد رجال همدان [من البسيط] :

نحن المقاول والأملاك قد علمت

أهل المواشي بأنّا أهل غمدانا

وأنّنا ربّ بينون وأضرعة

والشّيد من هكر ناهيك بنيانا

__________________

(١) خلابتهم : خداعهم.

(٢) ينظر للمزيد عن معين : «تاريخ اليمن القديم» (٢٥) .. وما بعدها.

٤٥٠

براقش ومعين نحن عامرها

ونحن أرباب صرواح وريشانا

وناعط نحن شيّدنا معاقلها

ومأذنا وقرى نشق ونوفانا (١)

وقصر بينون علّاه وشيّده

ذو الفخر عمرو وسوّى قصر غمدانا

وقصر أحور رأس القيل ذي يزن

وقصر فيّاش في أرياب قد كانا

من قصيدة طويلة ، قال الهمدانيّ في «الإكليل» [٨ / ١٠٨] : (ما أعلم أحدا من شعراء اليمن استوفى ما ذكره من المواضع).

وقد ساق منها جملة فالتقطنا ما ذكرناه.

والشّعر في هذه المواضع أكثر ، ولكن لا حاجة إلى الإطالة ، وما أكثر ما يأتي ذكر بينون وغيره من هذه الحصون في أشعار العرب ، قال النّابغة الجعديّ [في «ديوانه» ١٤٩ من المنسرح] :

يا أيّها النّاس هل ترون إلى

فارس بادت وخدّها رغما

أمسوا عبيدا يرعون شاءكم

كأنّما كان ملكهم حلما

من سبأ الحاضرين مأرب إذ

بينون من دون سيله العرما

وفي الجوف عدّة مدن خاربة ، منها : معين هذه.

ومنها : براقش ، ورغوان ، والدّخناء ، والبيضاء ، وهي غير البيضاء الواقعة بأرض الظّاهر (٢) ، واسم البيضاء القديمة نشق ، وغير هذه المدن.

ثمّ إنّ معينا معدود في محافد اليمن (٣) المشهورة ؛ كغمدان ، وتلقم ، وناعط ،

__________________

(١) تداخل البيت على المؤلّف من بيتين وهما في «الإكليل» (٨ / ١٠٩) :

و (ناعط) نحن شيّدنا معاقلها

و (مأذنا) أو علا (نشقا) و (نوفانا)

و (تلفم البون) و (القصرين) من خمر

و (تنعما) وقرى (شرج) و (دعّانا)

(٢) واسم تلك : بيضاء الحسين ، تنسب للشيخ الحسين بن الشيخ أبي بكر بن سالم تمييزا لها عن غيرها.

(٣) المحافد بلغة اليمن القديمة هي عبارة عن قصور الملوك أو المدن التي تحيط بها الأسوار ، قال نشوان في «الشمس» : (المحفد أو المحافد ، هي قصور الملوك التي فيها الحفدة ، وهم الأعوان والخدم) اه

٤٥١

وصرواح ، وسلحين ، وظفار ، وهكر ، وظهر ، وشبام ، وغيمان ، وبينون ، وريام ، وبراقش ، وروثان ، وأريات ، وعمران ، والنجير (١) بحضرموت ، كما عند الهمدانيّ ، وفي مواضع من «الصفة» : أنّ من المحافد حوره. وتريم بحضرموت ، كما في مواضعها.

وقال ياقوت في «معجمه» [٥ / ٤٤٢] : (كانت منازل العماليق صنعاء ، ثم خرجوا فنزلوا حول مكّة ولحقت طائفة بالشّام ومصر ، وتفرّقت طائفة بجزيرة العرب إلى العراق والبحرين وعمان. وقيل : إن فراعنة مصر كانوا من العماليق ...) إلى آخر ما ذكر.

وقد دلّلت في «الأصل» على وصول سيّدنا عليّ بن أبي طالب ـ كرّم الله وجهه ـ إلى الكسر بقصّة أصلها في «الصّحيح» ، ولها تتمة من «السّيرة الحلبيّة» ، وبسطها في «شرح ابن أبي الحديد» على «النهج».

قال الهمدانيّ : (والكسر قرى كثيرة ، منها : قرية يقال لها : هينن ، فيها بطنان من تجيب ، يقال لهما : بنو سهل وبنو بدّا ، فيهم مئتا فارس ، تخرج من درب واحد ، ورأسهم اليوم : محمّد بن الحصين التّجيبيّ) اه (٢)

وعن أحمد بن محمّد مؤذّن باجمال ، عن عوض بن أحمد الجرو : (أنّ يونس (٣) بن عبد الأعلى الصّدفيّ توفّي سنة (٢٦٤ ه‍) وكان ممّن يسكن الكسر) اه

وقد ترجمه ابن خلّكان [٧ / ٢٤٩] وأطال ، وكذلك الحافظ ابن حجر في «تهذيب التّهذيب» [٤ / ٤٦٩] ، والخزرجيّ في «خلاصته» ، وهو ركن من أركان الإسلام ، أخرج له النّسائيّ ومسلم وابن ماجه.

كانت ولادته في سنة (١٧٠ ه‍) وأقام شاهدا بمصر ستّين سنة ، ومع ذلك فلا يستبعد كونه من حضرموت ؛ لاحتمال خروجه منها وسنّه فوق العشرين أو الثّلاثين ؛ فالأمر جدّ قريب ؛ لأنّه كان من المعمّرين.

__________________

(١) لن نطيل بالتعريف بهذه المحافد كلها ، وليرجع المستزيد إلى معاجم البلدان اليمانية.

(٢) صفة جزيرة العرب (١٧١).

(٣) في المخطوط (يوسف) ، والّذي أثبت من «وفيات الأعيان» ، و «تهذيب التّهذيب».

٤٥٢

إلّا أنّه يشكل عليه ما قيل : إنّ ولادته بمصر ، ولا إشكال حتّى بفرض صحّته ؛ لاحتمال مجيئه إلى حضرموت وهو صغير كما هي العادة عند المهاجرين بإرسال أولادهم إلى مرابع أناسهم صغارا ، وسكناه بها مدّة ؛ لأنّ الجرو من الثّقات.

وفي «مفتاح السّعادة والخير» لصاحب «القلائد» : (ومن حضرموت : أودية دوعن ، ووادي عمد وشبوة وما حواليها ، ومنها الكسر ، وهو ما يفيض إليه ماء هذه الأودية إذا زاد وانكسر ما يمنعه) اه

والواقع الآن أنّ سوم الأودية الواقع شرقيّ قعوضه الممتدّ من الشّمال إلى الجنوب ـ يسمّى بالعشرقة ـ ترجع عنه سيول الأودية إلى هينن وعرض آل حويل ومكان آل جذنان ورملة آل العيدروس ، ثمّ إلى الفوهة والخشعة.

وتخاف نهد من زيادة المياه على قعوضة والظّاهرة وشريوف ، ولكنّ الغالب انهيار ذلك السّدّ ؛ لأنّه لا يبنى إلّا من الطّين ، وإذا انهار إلى جانب هينن وما لفّها .. صارت المياه إلى الباطنة والقطن ثمّ المسحرة وأسفل حضرموت ، وكثيرا ما تتّهم نهد بكسره إذا جاءت السّيول ليلا .. فيقوم النّزاع بين الطائفتين.

وسمعت عن غير واحد من الثّقات عن الحبيب أحمد بن حسن العطّاس أنّه كان يقول : (إنّ المياه في أيّام سدّ سنا كانت تنكسر منه إلى الكسر ـ أي : ترجع منه إليه ـ ولذلك سمّي بهذا الاسم) وكنت أستشكله جدّا ؛ لأنّ تريما وغيرها من البلدان كانت موجودة لذلك العهد ، ولو كان ماء سنا يرجع إلى الكسر .. لأغرق شباما فضلا عمّا وراءها ، وما زال هذا الإشكال أثقل عليّ من الجبل حتّى انكشف بما سيأتي في الحسيّسة وفي سنا ، فليكشف ذلك الجواب من هناك.

ثمّ اعلم أنّ العبر (١) على قريب من محاذاة شبوة في الجهة الغربيّة ، وهو في شمال شبوة. ومن ورائه إلى الشّرق : ركبان.

__________________

(١) العبر : منطقة في الشمال الغربي من شبوه على بعد نحو (٨٠ كم) منها. وهي المنفذ الطبيعي إلى حضرموت للمتوجه من مأرب وهي منطقة جبلية وسط رمال واسعة ، محيط بها من الغرب رملة

٤٥٣

وفي شمال ركبان إلى الغرب : وادي الجابية (١). ومن وراء ركبان إلى شرق : عكبان (٢). ثمّ السّور ، وسكّانه اليمنة من نهد. وعن شماله : واديه.

وعن جنوبه أرض واسعة ، يقال لها : الفوّهة (٣) ، وفيها بيرحمد ، تردها القوافل من القبلة ، وسكّان الفوهة آل بدر من نهد ، وفي شرقيّها الأرض الّتي يصلح فيها زرع البرّ صلاحا طيّبا ، وهي المسمّاة : الخشعة ، وهي أرض واسعة ، طيّبة التّربة ، قريبة المياه ، لا يزيد عمق البير عن سبع قامات ، مع أنّ الآبار في قعوضة وحواليها يبلغ سبع عشرة قامة ، وإليها ينحدر ما يزيد من مياه الأودية عن قعوضة ونواحيها ، ولو زادت مياه رخية .. لوصلتها ؛ لأنّها منخفضة عنها.

ومن ورائها إلى الشرق : رهطان. ومن ورائه متشاملة : بلد هينن. وعن شمالها : واديها ، هكذا أخبرني جماعة من ذلك الطّرف جاؤوا يستفتوني في قضيّة لهم .. فالعهدة عليهم.

والمراحل بسير الأثقال الآن : من قعوضة إلى الخشعة خمس ساعات. ومن الخشعه إلى صحراء واسعة اثنتا عشرة ساعة. ومن تلك الصّحراء إلى السّور أربع ساعات. ومنه إلى مرعى ستّ ساعات. ومن المرعى إلى الصّحراء الّتي وقعت فيها الواقعة بين نهد ودهم اثنتا عشرة ساعة. ومن هذه الصّحراء إلى قرن الذّئاب اثنتا عشرة ساعة. ومنه إلى العبر سبع ساعات.

__________________

السبعتين ، ومن الشمال رمال الربع الخالي. وتشكل منطقة العبر ، في أعمالها مديرية من مديريات محافظة حضرموت ، ومن أعمالها : جبل العبر ، حجر الصيعر ، زمخ ، منوخ ، حصن آل دحيان ، وادي هينن ، حصن الوهد ، حصن الشاهد ، حصن آل كسلان ، حجر آل عياف ، وغيرها ، وهي مساكن الصيعر. وبها آثار قديمة ، وكان وادي العبر مصبا لعدة أودية قديمة ، وتكثر فيه الآبار ، ويقال : إن به (٢٥٠) بئرا طمرتها السيول «المقحفي» (٢ / ١٠٠٨).

(١) هو واد شرقي حصن العبر ، وفي شماله الغربي بلدة الصيعر ؛ ريدة الصيعر.

(٢) واد شرقيّ العبر أيضا ، تنزل منه مسيلات ريدة الصيعر ثم تذهب إلى رملة الخرار.

(٣) بضم فتشديد الواو ، هضبة متسعة في الأطراف الغربية ل (حضرموت) ، كانت تمر بها القوافل الذاهبة إلى مأرب ، يسكنها آل بدر من نهد.

٤٥٤

وفي الأعراف القديمة أنّ مبتدأ العبر من الجهة الغربيّة الشّماليّة هي : رملة وبار إلى الفوّهة والخشعة ، وفيه رمل الحزار الّذي جاء ذكره في قول ابن عقبة في قصيدته المشهورة [من الكامل] :

من شطّ ميناء الرّديف ترحّلت

سحرا وكان الفجر لمّا يسفر

قطعت ضحى رمل الكديف ومنصحا

والقري جازت فيه لم تتحيّر

وبمذنبي أنصاص ثمّ بحروة

نفرت نفور الخشف خوف المنسر

وردت قبيل الظّهر علقم شبوة

والآل يمكر بالصديّ ويغتري

وتروّحت عصرا وأمست ترتعي

وسطا وطار في الفلاة وتجتري

حتّى إذا ما اللّيل أدبر شطره

وسرت على الوجناء أمّ حبوكر (١)

بادرتها بالرّحل ثمّ نسأتها

فجرت كجري الأجدل المتحدّر

وبدهر جازت ثمّ رخية بعدها

وعلى الحزار كمثل برق مغور

ومدودة جازت ولم تلبث بها

إلّا مقام مسلّم ومخبّر

وبدا الصّباح فصبّحت من كندة

بقرار عرصتها سلالة جعفر

وفي «صفة جزيرة العرب» للهمدانيّ [٣٠٤ ـ ٣٠٥] : (أنّ محجّة (٢) حضرموت من العبر إلى الجوف ، ثمّ صعدة ، ويدخل معهم في هذه الطّريق أهل مأرب ، وبيحان ، والسّروين (٣) ، ومرخة ، فهذه محجّة حضرموت العليا.

وأمّا السّفلى : فمن العبر في شيز صهيد إلى نجران شبه من ثمانية أيّام ، وهي الّتي وصفها الأشعث الجنبيّ في شعره الآتي آخر الكتاب.

__________________

(١) أمّ حبوكر : الداهية ، ويقصد بها الشمس.

(٢) يقصد بالمحجّة : الطريق التي يسلكها الحاج قاصدا نحو مكة المكرمة.

(٣) أهل السروين : أي سرو حمير ، وسرو مذحج. والسرو هو ما ارتفع من الأرض عن مجرى السيل.

وسرو حمير : هو بلاد يافع وما جاورها من الأجعود. وسرو مذحج : المنطقة الواقعة جنوب وشرق البيضاء التي تشمل لودر ومودية وثره في أبين .. وكان أولا موطنا لحمير من ذي رعين ثم سكنته مذحج.

٤٥٥

ثمّ من نجران : حبونن (١) ـ وبأعلاه قتل عبد الله بن الصّمّة ، قتله بنو الحارث بن كعب ـ ثمّ الملحات ، ثمّ لوزة ، ثمّ عبالم ، ثمّ مربع ، ثمّ الهجيرة ، ثمّ تثليث ، ثمّ جاش ، ثمّ المصامة ، ثمّ مجمعة ترج من ديار تميم بالدّهناء) اه

والعين : هو في غربيّ علبان ، وسكّانه الكرب وآل عبد الله بن عون من الصّيعر ، وكانت العين مجتمع مياه الأودية.

وفي غربيّ العين الأرض المسمّاة : المنغلقة ، وهي ذات عيون ونخيل غير مغروسة ، وإنّما تنبت ممّا تلقيه الرّكبان من النّوى بحافّات العيون ، وقلّ من ينتفع بها ؛ لأنّها مخوفة ؛ إذ هي مأوى الغزاة الباقين على عوائد الجاهليّة ، إلّا أنّها أمّنت الآن بعد تدخّل الحكومة الإنكليزيّة ، وهي تحت يد المسادسة من الصّيعر ، ولو وفّق الله المهاجرين من الحضارم لعمارتها .. لكان لهم فيها ما يغنيهم عمّا سواها ؛ لأنّها من أخصب بلاد الله.

وإذا صدق ما يتعالم به النّاس من وجود منابع للبترول بشبوة ـ وهي على مقربة منها ـ .. ستكون من جنّات الدّنيا.

أمّا وادي هينن : فيسكنه آل شرمان ، كبيرهم فرج بن عليّ ، وله ولأخيه عمر بن عليّ ، شمم وهمم ، وهما الآن في ممباسة. وفيه : آل سعدون من الصّيعر ، ثمّ دخلوا في نهد. وفيه : آل عزون ، وآل تيربان ، كلّهم من نهد.

وأمّا هينن (٢) : فتنقسم إلى قسمين :

أحدهما : الحثم المتكرّر ذكره في «ديوان الشّيخ عمر بن عبد الله بامخرمة» ، وفيه آل إسحاق ، ومنصبهم الآن : عبد الرّزّاق.

__________________

(١) حبونن ـ بكسر الحاء ـ : واد يغيب من بلد يام من ناحية سمنان ، وبه بئر زياد الحارثي جاهلية ، وهو من مناهل العرب المشهورة ، وكذلك بئر الربيع في عبد الله على مرحلة لمن قصدها من حضرموت ومأرب. «الصفة».

(٢) تقع غربي القطن ، وتعد من أعمالها.

٤٥٦

والثّاني : الحزم ، وفيه آل إسحاق أيضا ، ومنصبهم الآن شيبان بن صالح (١).

وأوّل من اختطّه الشيخ عبد الرّحمن بن محمّد بن مرتع في القرن الحادي عشر ، ومرجع ال مرتع إلى ثور بن مرتع بن عفير الكنديّ ، ولا يزال به ناس منهم ، ويرأسهم يسلم بن سعيد بجاوة ، ومحمّد بن سعيد في مقدشوه ، وهو الّذي روى لي عن سلسلة ذوي الأنساب : أنّ آل مفتاح والعنابرة الموجودين بهينن هم عبيد لعبد يلهم بن مرتع الكنديّ صاحب صومعة دمّون. اه

وقال : إنّ أعقابهم لا يزالون مستخدمين لآل مرتع إلى اليوم.

وكان في هينن كثير من الإباضيّة ، كما يعرف من التجاء الإمام إبراهيم بن قيس إلى بني سهل فيها ، بشهادة قوله [من الطّويل] :

فيال بني سهل أضعتم جماعتي

وآويتموني يوم خرّب موطني

وصرت مليكا فيكم متمكّنا

كنينا حصينا مكرما غير هيّن

سوى أنّني يا قوم لم أقض حاجة

لديكم ولا عاينت أمرا يسرّني

فإن تنصروني فالرّجيّة منكم

وإن تعجزوا قابلت أرضا تعزّني

وسيأتي في شبام ما يصرّح بكثرة علماء الإباضيّة في هينن إذ ذاك.

ومن آل إسحاق (٢) بهينن : العلّامة الشّهير شيبان بن أحمد اليتيم ، تلميذ الشّيخ أبي بكر بن سالم.

والشّيخ أحمد اليتيم ، وهو ابن الشّيخ سهل بن عبد الله بن أحمد بن سهل بن عامر (٣) بن إسحاق.

__________________

(١) الشيخ شيبان بن صالح هذا عمر طويلا ، لأنه كان حيا سنة (١٣٦٦ ه‍) ، وكان في ذلك الوقت يقول الشعر ، وله مساجلات مع الحبيب أحمد المحضار صاحب القويرة ومدائح فيه ، فلعل مولده نحو (١٢٤٥ ه‍) ، والله أعلم.

(٢) آل إسحاق أو ابن إسحاق ، مشايخ لهم شهرة في القديم ، ويسكنون هينن منذ زمن بعيد ، ويقال : إنهم من كندة ، كما سمع من بعض حذّاقهم وكبار السن منهم.

(٣) في نسخة : (سهل بن أحمد بن عامر).

٤٥٧

وقد سبق في عندل عن الحبيب عليّ بن حسن العطّاس ، أنّه يقال : إنّ آل إسحاق من ولد العبّاس بن عبد المطّلب ، ولكنّه لم يوافق عليه ، مع أنّهم أخواله ؛ لأنّ أمّه هي فاطمة بنت الشّيخ شيبان السّابق ذكره.

ومن أهل هينن : العلّامة الكبير ، صاحب الأحوال الغريبة ، الشّيخ عبد الرّحمن الأخضر بن عمر بن محمّد باهرمز (١) ، الصّوفيّ الشّباميّ ، ولد بشبام وأخذ العلم عن مشايخها ، ورحل إلى الشّحر ، وأخذ عمّن فيها ، ثمّ ارتحل إلى هينن ، ولم يزل بها إلى أن مات في سنة (٩١٤ ه‍).

وممّن أخذ عنه : الشّيخ معروف باجمال ، وكان يكثر التّردّد عليه إلى هينن للأخذ ـ ماشيا مع البعد ـ فأحاله على ابن أخيه الشّيخ إبراهيم ؛ لأنّه هو وإيّاه في شبام.

وممّن أخذ عنه : الشّيخ عمر بامخرمة (٢) ، جاء من الهجرين للإنكار عليه .. فعاد أخصّ تلاميذه! وجرى له قريب من ذلك مع الشّيخ باقيس صاحب حلبون.

وذكر المؤرّخون أنّ الشّيخ عمر بامخرمة وصل إلى تريم في جمع من أتباعه والسّماع بين يديه ، فانتهى خبر ذلك إلى الشّيخ الفقيه حسين بن عبد الله بن عبد الرّحمن بلحاج ، المشهور ، فقام من مدرسته في جمع من تلاميذه للإنكار عليه في ضرب السّماع والشّبابات ، فحين لاقاه .. طرب وغاب عن حسّه ، وصار يصفّق بيديه ، فأنشأ الشّيخ عمر ـ على البديهة ـ قصيدة يقول في أوّلها :

حسين هبّت نسيم القرب بعد المدى

سرت من النّجد فانا للنّجد واهله فدا

ونظيره ما يحكى : أنّ معاوية بن أبي سفيان ذهب إلى منزل عبد الله بن جعفر

__________________

(١) ولد الشيخ عبد الرحمن بشبام سنة (٨٤٠ ه‍) ، وتوفي بهينن ليلة الإثنين (١٤) محرم (٩١٤ ه‍).

انظر : «عقد اليواقيت الجوهرية». و «النور السافر» ، و «تاريخ الشحر» ، و «تاريخ الشعراء» (١ / ٩٤ ـ ٩٦).

(٢) كان أخذه وتحكّمه لشيخه الأخضر باهرمز في (٢) رجب سنة (٩١٣ ه‍) ، كما ورد في «تاريخ بافقيه».

٤٥٨

للإنكار عليه ، فلمّا استقرّ بمنزله .. أطلع له جواريه يغنّين ، فطرب حتّى ضرب برجله الأرض ولم يثرّب ، فلمّا خرج ومعه عمرو بن العاصي .. قال له : إنّك لشرّ ممّن جئت للإنكار عليه ، فقال له : إنّ الكريم طروب (١). وتحقيق هذه المسألة في كتابي «بلابل التّغريد».

وممّن أخذ عن الشّيخ عبد الرّحمن باهرمز : ابن أخيه ـ السّابق ذكره ـ إبراهيم بن عبد الله بن عمر باهرمز.

وآل باهرمز منتشرون بالكسر وشبام والقبلة والمكلّا ؛ منهم الآن بها : الشّيخ عبد الرّحمن بن عوض باهرمز ، تاجر ، محبّ للخير ، كثير الصّلاح ، وابنه عبد الله مشارك في طلب العلم ، وله نباهة وتقوى وديانة وورع حاجز.

ومن أهل هينن : الشّيخ سعيد بن سالم الشّوّاف (٢) ، صاحب القصيدة المشهورة ب «قصعة العسل» ؛ لحلاوتها وعذوبتها ، وهو ـ كما في «المشرع» [٢ / ١٢٥] ـ (من تلاميذ الحبيب أحمد بن حسين بن عبد الله العيدروس ، المتوفّى سنة (٩٦٨ ه‍) ، نشأ ابن الشّوّاف في بلاده ، ثمّ ارتحل إلى تريم للكسب وطلب العلم ، ثمّ طوّحت به الغربة إلى وردة مصبح ـ قرية في المشقاص ، يضرب بها المثل في البعد ـ وكان من أهل الأحوال ، وكان يقابل كلّ من لقيه من أبناء العلماء والصّالحين بإجلال عظيم ، حتّى نهاه الشّيخ إبراهيم بن عبد الله هرمز ، وقال له : يا سالم ؛ إنّ كتم الحرمة لمثل

__________________

(١) إنّ الكريم طروب : قال في «المستقصى في أمثال العرب» (١ / ٣٤١): (يراد به أن الأريحيّة تهزّه ، وليس كاللّئيم الّذي تمكّنت القساوة والجفاء من طبعه .. فهو من الممادح).

والقصّة كما في «تاريخ الطّبريّ» (٣ / ٢٦٨) ، و «الكامل» لابن الأثير (٣ / ٣٧٤): (لام معاوية عبد الله بن جعفر رضي الله عنهم على الغناء ، فدخل عبد الله على معاوية ، وكان مع عبد الله بريح ، وكان معاوية قد وضع رجلا على الأخرى ، فقال عبد الله لبريح : إيه يا بريح ، فتغنّى .. فحرّك معاوية رجله ، فقال عبد الله : مه يا أمير المؤمنين ، فقال معاوية : إنّ الكريم طروب).

(٢) الشيخ سعيد بن سالم الشوّاف ، ولد بهينن سنة (٩٢٥ ه‍) ، توفي بريدة المشقاص ببلدة يقال لها : (وردة مصبّح ـ أو مسبح) سنة (٩٩٠ ه‍) ، «الشعراء» (١ / ١٧٧ ـ ١٧٩).

٤٥٩

هؤلاء أصلح لهم ، وأسلم من الفتنة والاغترار ، وأسلم لك من الوقوع في النّهي ..) اه

وقوله : يا سالم موافق لما في «مقال النّاصحين» تأليف الشّيخ محمّد بن عمر باجمال ، أنّ اسم الشّوّاف سالم ، لكنّ الّذي في (ص ٥٨ ج ٢) من «المشرع» أنّ اسمه : سعيد بن سالم ، كما قدمنا.

ويحتمل أنّ باهرمز قال له : يا بن سالم ، فسقطت (ابن).

وفي سنة (٩٠٩ ه‍) حدثت معارك بين السّلطان عبد الله بن جعفر والد بدر بوطويرق وبين والي هينن (١) ، وهو من الظّلفان النّهديّين ، فتوسّط الشّيخ عبد الرّحمن الأخضر للإصلاح ، فلم يقبل له السّلطان كلاما ؛ لأنّ ذنب الظّلفان إليه كبير ؛ إذ كانوا هم الّذين قاموا على قتل أبيه في بور سنة (٩٠٥ ه‍) ، ولم تطل بعدها مدّة السّلطان (٢) ، فعدّها هواة الكرامات من جملة ما كان منها للشّيخ الأخضر ، أمّا الشيخ الأخضر .. فقد أظهر المساءة لمّا انتهى إليه موت السّلطان وقال يرثيه :

رحمة الله على من مات في حصن سمعون

رحمة واسعه فالعفو مرجو ومسهون (٣)

وسمعون هي : الشّحر كما سبق فيها. وما أدري ، أرثاه عن صحيح محبّة ، أم أراد أن يبرىء الموقف عن الشّماتة ليحفظ خطّ الرّجعة مع أسرته؟

وفي سنة (٧٩٥ ه‍) بني جامع هينن جميعه (٤) ، ولا شكّ أنّ هذه العمارة كانت تجديدا ، وإلّا .. فهي ذات جمعة من قديم الزّمان (٥).

وفي «سفينة البضائع» للحبيب عليّ بن حسن العطّاس ما يفيد أنّ آل طاهر بن راجح خلفوا آل كثير على هينن ، وأنّ يافعا طردتهم من مصنعتها لتسع خلت من ربيع

__________________

(١) كان ذلك في سنه (٩٠٧ ه‍) ، كما في «شنبل» (ص ٢٢٠) ، و «العدة» (١ / ١٥٧) ،

(٢) مات سنة (٩١٠ ه‍) ، كما في «شنبل» ، و «بافقيه» ، و «العدة» ، وغيرها.

(٣) والحصن المومأ إليه .. هو حصن ابن عيّاش المعروف في الشحر ، وقد دفن السلطان عبد الله هذا في تربة الشيخ سعد الظفاري.

(٤) كذا في بعض نسخ «تاريخ شنبل» ، وفي بعضها : جامع تريم ، كما أشار المحقق لذلك : (ص ١٥١)

(٥) ولها ذكر في حوادث (سنة ٦٢٥ ه‍).

٤٦٠