إدام القوت في ذكر بلدان حضر الموت

السيّد عبد الرحمن بن عبيد الله السقّاف

إدام القوت في ذكر بلدان حضر الموت

المؤلف:

السيّد عبد الرحمن بن عبيد الله السقّاف


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار المنهاج للنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ١١١٠

اسم البلد

عدد السّكان بالتّقريب

القبائل السّاكنة من سادة ومشايخ وغيرهم

بضه

٣٠٠٠

آل العطّاس ، وآل خرد ، وآل الجفريّ ، وآل العموديّ ، والسّوقة

حصن باعبد الصّمد

١٥٠

آل خرد ، وآل العموديّ ، وسوقة

الجبيل وقرن باجندوح

٥٠٠

آل الشّيخ بو بكر ، وآل باقيس ، وقثم ، ونوّح ، وسوقة

مطروح

٦٠٠

آل باجمّال ، وقثم ، ونوّح

عرض باسويد

١٠٠

نوّح

ظاهر

٢٠٠

نوّح

حزم آل خالد

٢٠

آل العموديّ

حويبة

٢٠

أخدام آل المحضار

حلبون

٥٠٠

آل باقيس ، وآل باجبع ، وسوقة ، وعبيد

القويرة

٩٠٠

آل المحضار ، وآل باحسين ، وآل باجبع ، وسوقة

الرّشيد

١٠٠٠

آل الحبشيّ ، وآل باناجة ، وآل بازرعة ، والخامعة

باشعيب

١٥

الخامعة

حصن باعوم

٧

آل باعوم

ذي بحور

١٠٠

مشايخ يقال لهم : آل محسن

الخريبة

٣٨٠٠

آل البار ، وآل العطّاس ، وآل الجفريّ ، وآل باهارون ، وآل العيدروس ، وآل الجيلانيّ ، وآل باسودان ، وآل باراس ، وآل حنشل ، وآل باحويرث ، وآل باجنيد ، وسوقة

٣٨١

اسم البلد

عدد السّكان بالتّقريب

القبائل السّاكنة من سادة ومشايخ وغيرهم

عرض آل منصّر

٦٠

آل العموديّ ، وسوقة

حصن خشامر

١

ليس فيه إلّا امرأة واحدة من آل العموديّ

قرن باحكيم

٨٠٠

آل باحكيم ، وآل باحشوان ، ودار من آل العطّاس ، وسوقة.

الحسوسة

٤٠

آل باشحبل ، وآل بامعلّم ، وسوقة

حصن تنسبه

٠٠٠

فارغ

قرحة آل باحميش

٢٠٠

آل باحميش ، وسوقة

غيل باحكوم

٦٠

آل باحكوم

قرن ماجد

١٧٠

آل العموديّ ، وسوقة

غيل بلخير

٢٠٠

آل بلخير ، وآل باطرفيّ

قارة الخزب

٥٠

آل بافنع

خسوفر

١٧٠

آل بغلف ، وسوقة

حصن الجبوب

٣٠

قثم

هدون

٦٠٠

آل باشيخ ، وآل باخشوين من سيبان ، وسوقة

رحاب

١١٠٠

آل الجفريّ ، وآل الحبشيّ ، وآل باعبد الله ، وآل شماخ ، وسوقة

القرين

١٧٠٠

آل البار ، وآل بلفقيه ، وآل بامشموس ، وسوقة

عورة

٦٠٠

آل باصرّة ، وآل باشنفر ، وسوقة

الشّقّ الشّرقيّ

٧٠

الخامعة من سيبان

باجاس

٥

من سيبان

٣٨٢

اسم البلد

عدد السّكان بالتّقريب

القبائل السّاكنة من سادة ومشايخ وغيرهم

شويطة

٥٠

من سيبان

شرق وحصن باقعر

٣٥٠

آل باسودان وذيابنة ، وآل بامقر ، وآل بن زيد

حصن باحكيم

٠٠٠

فارغ

حصن المكعمة

١

جنديّ واحد فقط

حصن باصمّ

٢٠٠

آل باصم من نوّح

منوه

٤٠

سوقة

رباط باعشن

٢٥٠٠

آل العطّاس ، وآل الحامد ، وآل الصّافي ، وآل باعشن ، وآل باسندوة ، وسوقة

ليسر العرسمة

٧٠٠

آل باشميل ، والحالكة ، وسوقة

جحي الخنابشة

٤٥٠

آل مقيبل سادة ، وآل باجنيد ، والخنابشة من سيبان

عرض باقار

٦٠

آل باقار من قبائل بني حسن

عرض باهيثم

١٠٠

آل باهيثم

الجديدة

٢٢٠

الخنابشة

جريف

 ...

سادة من آل باصرّة ، وآل باهبريّ ، وسوقة

صبيخ

١٠٠٠

آل العطّاس ، وآل العموديّ ، والحالكة ، والخنابشة ، وسوقة

حصن بقشان

٧٠

آل بقشان من الحالكة

المشقعة

١٥٠

آل باوزير

حصن بعسر

٤٠

آل بعسر من سيبان

حصن ابن العمر

٥٠

آل باسعد من الحالكة

٣٨٣

اسم البلد

عدد السّكان بالتّقريب

القبائل السّاكنة من سادة ومشايخ وغيرهم

تولبة

٥٠٠

آل باعقيل ، وآل العموديّ ، وسوقة

حيد الجزيل

١٥٠

آل العموديّ

حصن الخنابشة

٦٠

الخنابشة من سيبان

الدّوفة

٩٠٠

آل مقيبل ، وآل جمل اللّيل ، وآل العموديّ ، والخنابشة ، وحالكة ، وسوقة

خيله

١٥٠

الحالكة من سيبان

ضري

٧٠٠

آل علويّ بن ناصر ، وآل باوزير ، وغيرهم

حوفة وعرض الحمران

١٥٠٠

آل الجفريّ ، وآل السّقّاف ، وآل المحضار ، وآل باصرّة ، وآل العطّاس ، وآل العموديّ ، وحالكة من سيبان ، وسوقة

خليف آل باعبود

٥٠

آل العموديّ

صيف

هي بلدة عجيبة ، يقال : إنّها سمّيت باسم قبيلة من حمير يقال لها : صيف ، كانت تسكنها في سالف الزّمان.

لها جامع لا يوجد مثله بوادي دوعن في حسن العمارة.

وقال العلّامة السّيّد أحمد بن حسن العطّاس : (إنّ السّيّد شيخان جمل اللّيل ـ المقبور بصيف ـ يغلب عليه الجذب ، وإنّه صلّى بالنّاس الجمعة وسلّم من ركعة أطالها ، فقالوا له : إنّما صلّيت بنا ركعة واحدة! قال لهم : إنّما أهل صيف بقر ، والرّكعة عليهم كثير).

٣٨٤

ولا إشكال في شيء من هذا ؛ لأنّ الحرج مرفوع عن السّيّد شيخان بجذبه ، ولأنّه لم يذكر أنّ آل صيف وافقوه على السّلام من الواحدة ، والسّياق ظاهر في تقطّع جنونه ، وإلّا .. لما انعقدت به من البدء.

ولصيف ذكر في كلام الحداد وثناء عليها ، حتّى إنّه همّ بالانتقال إليها.

ولها ـ أعني صيفا ـ قلعة صعبة المرتقى ، يسكنها الشّيخ باعليّ ، وهو شيخ شهم ، رحب الجناب ، واسع الصّدر ، كريم الشّيم ، من ذرّيّة الشّيخ عليّ بن سعيد بن عيسى العموديّ.

وفيها كثير من آل العموديّ ، وناس من آل جمل اللّيل (١) وجماعة من السّادة آل البلخيّ نجع جدّهم ـ وهو السّيد عمر بن حسين ـ من بلخ إلى حضرموت ، وأقام في وادي بن عليّ ، وبه توفّي ، ثمّ تفرّق أولاده ؛ فمنهم من سقط إلى غرفة آل باعبّاد ، ومنهم من ذهب إلى صيف ، ثمّ تفرّقوا في بلاد الله.

ومنهم الآن جماعة بمكّة المشرّفة ، وفيها جماعة من آل باناعمة أصلهم من سيئون ، وأوّل من سقط منهم إلى صيف : الشّيخ سالم باناعمة ، نجع إليها بإشارة عبد الله بن عمر الطّيّار العموديّ.

ومن اللّطائف : أنّ أحكام العادة والأعراف ترجع في سيئون إلى آل باناعمة ، ومن آخرهم بها الشّيخ بو بكر بن أحمد باناعمة ، وقد انتهت في صيف إلى الشّيخ أحمد بن سالم باناعمة .. فأطلق عليه لفظ العادة.

ومن أعقابه اليوم عبد الله وسالم ابنا أحمد بن عبد الله بن أحمد بن سالم ، يسكنون مكّة المشرّفة ، ولهم بها تجارة ومبرّات وصلات ، وحظّ عبد الله من الصّلاح أوفى

__________________

(١) منهم : السيد الفقيه محمد بن علوي باحسن جمل الليل ، طلب العلم بمكة ، ثم صار قاضيا بالليث أو القنفذة.

ومنهم : السيد محمد بن أحمد بن علوي جمل الليل ، ابن أخي السابق ، طلب العلم خارج حضرموت ، ثم عاد إلى صيف ، ودرس على السيد عبد الله بن طاهر الحداد ، وتوفي بالليث سنة (١٣٥٩ ه‍) ، وهما من ذرية السيد عقيل المتوفى بروغة سنة (١٠٥٩ ه‍) وهو ابن محمد بن أحمد بن عبد الله بن الحبيب محمد بن حسن المعلم باحسن جمل الليل.

٣٨٥

وهو مستوي السّرّ والعلانية ، وسالم على جانب من الخير ، إلّا أنّ فيه ما في النّاس.

وآل باناعمة ينتسبون بالخدمة إلى السّادة آل الحدّاد ، وقد جاء في رحلة الحبيب حسن بن عبد الله الحدّاد إلى الحجاز قوله : وقدّمنا قبلنا من الحسيّسة الخادم عوض بن شعيب إلى سيئون يعلم الأخدام المباركين آل باناعمة بأنّا واصلون إليهم.

وسكّان صيف لا يزيدون الآن عن ألف وثمان مئة ، وهي قفل دوعن.

ولها ذكر كثير في التّاريخ ، وقد روي عن الشّيخ عمر بامخرمة أنّه قال لبدر بوطويرق : (حاذر على صيف ، شف ما دوعن الّا بصيف) في حديث طويل مستوفى ب «الأصل» ، عليه أثر الانتحال.

وكانت في القرن العاشر كثير من بلاد دوعن تحت حكم ثابت بن عليّ النّهديّ ، وفي سنة (٩٤٥ ه‍) خرج أهل صيف عن طاعته وبذلوا صيفا للسّلطان بدر بوطويرق ، فأهداها بدر للشّيخ عثمان العموديّ ، ثمّ ما زالت الحرب سجالا بينهم حسبما في «الأصل».

ومن وراء صيف إلى جهة الغرب على نصف ساعة .. بلاد قيدون (١).

وفي شرقيّ صيف مسيل الواديين الأيمن والأيسر.

ثمّ : فيل ، وهي قرية صغيرة يسكنها آل العموديّ ، ومنهم العلّامة الشّيخ عبد الله بن عمر بن عبد الله باجمّاح المتوفّى سنة (١٣٥٤ ه‍) ، له مؤلّفات كثيرة ، وأكثر أخذه في سربايا عن العلّامة السّيّد أحمد بن طه بن علويّ السّقّاف المتوفّى بسيئون سنة (١٣٢٥ ه‍) (٢).

__________________

(١) وفي جانب صيف الغربي يأتي : شعب الصيق ، وبه نخل وغيل يسقيها ، وتزرع به خضروات ، وأكثره لأهل صيف. وتحت صيف مال ونخل ، ثم الوادي ، وفي الجانب الشرقي مال ، ثم تأتي أموال أحجال ، وتوجد ثمة ثلاثة أسواق ، أكثرها لأهل قيدون.

(٢) وفي وادي فيل : قرية فيل ، فيها جملة من الأسر العمودية ، منهم آل فقيه ، والباصمد ، والباجمّاح ، آل باربود ، وجرت بين هؤلاء وبين آل بلحمر وقائع ذكر بعضها صاحب «الشامل».

ومن أعيان (فيل):

٣٨٦

قيدون (١)

هي من قدامى البلاد ، وهي موطن الشّيخ الكبير سعيد بن عيسى العموديّ (٢).

وهو والفقيه المقدّم أوّل من سلك طريق التّصوّف بحضرموت ، وقد ترجمه غير

__________________

الشيخ عبد الله بن عمر باجمّاح ـ بضم الجيم وتشديد الميم ـ المولود بها سنة (١٢٨٣ ه‍) ، تلقى علومه على يد الشيخ حسن بايماني المتقدم ذكره ، ثم هاجر إلى جاوة ولازم بها عددا من العلماء ، وقرأ في الهند على الفقيه عمر بن سعيد بن أحمد الخطيب باراسين القيدوني في حيدرآباد ، ومن شيوخه ب (جاوة) السيد أحمد بن طه السقاف ، وكانت وفاته بعد عودته من جاوة في بلدته سنة (١٣٥٥ ه‍). له ذكر في «الشامل» (١٩٢ ـ ١٩٣) ، و «تاج الأعراس» ، ومن تلامذته الأكابر : السيد الجليل الحبيب أحمد بن محسن الهدار ، الملقب بالمحجوب ، المتوفى ب (المكلا) سنة (١٣٥٧ ه‍) ، ترجمه في «العقد الفريد» وغيره.

الشيخ محمد بن عبد الله بافيل الدوعني ، ثم المكي ، ولد بقرية فيل سنة (١٢٨١ ه‍) ، وقدم الحجاز وعمره (٢٠) سنة ، فأخذ عن السيد أحمد زيني دحلان ، وتفقه على يد الشيخ محمد سعيد بابصيل ، وتلميذه العلامة عمر باجنيد ، وغيرهم وكانت له خلوة في جبل قعيقعان ـ جبل هندي ـ في الطريق المؤدي إلى باب العمرة ، وكان يأتي إلى الحرم في الثلث الأخير من الليل ، ويمكث بعد الصبح حيث يعقد حلقته في حصوة باب العمرة ، ولم يزل هكذا دأبه لمدة ثلاثين عاما ، حتى توفي سنة (١٣٥١ ه‍) ب (مكة) ، ولم يخلف أحدا ، وترك بعض الثياب وكتبا وجبة وسجادة وعمامة فقط ، ولم تكن الدنيا له على بال. «سير وتراجم» عمر عبد الجبار (٢٦٦ ـ ٢٦٧).

وفي العصر الحاضر من أعيانهم الشيخ سعيد بن محمد معنوز بافيل ، نزيل الطائف صاحب أياد بيضاء ومكارم ومروءة وهو من السابقين إلى المكرمات متع الله بحياته.

(١) قيدون : من قدامى بلدان دوعن ، وحكمها عدة حكام في الأزمان المتقادمة ، وإنما اشتهر تاريخها وذكرها بعد ظهور الشيخ سعيد بن عيسى العمودي ، وأول ما يقابل الداخل إلى قيدون : الكريف الجديد ، الذي سعى السادة آل الحداد في بنائه وعمارته في سنة (١٣٤٦ ه‍) ، وجلبوا الماء إلى قيدون من غيل البويردة ، وتفصيل الكلام على ذلك في كتاب «الشامل».

(٢) الشيخ سعيد بن عيسى العمودي ، ولد بقيدون في مطلع الست مئة الهجرية تقريبا ، قال في حقه العلامة الشرجي الزبيدي (ت ٨٩٣) في «طبقات الخواص» : أحد كبار مشايخ حضرموت ، كان مشهورا بالولاية الكاملة ، والكرامات المتعددة ، يده في التصوف للشيخ أبي مدين المغربي بينه وبينه رجلان ، كان نفع الله به شيخا كبيرا ، كاملا مربيا ، تخرج به جماعة من كبار الصالحين ، وله في تلك الناحية ذرية مباركون ، وأتباع كثيرون ، يعرفون بآل أبا عيسى ـ على عرف أهل حضرموت في التزام الكنية الألف بكل حال ، على لغة القصر ـ ولهم هناك زوايا مشهورة) اه (١٤٥ ـ ١٤٦). ينظر : «الصفحات» لباوزير (١٤٩) ، «الشامل» (٢٢٩) وما بعدها.

٣٨٧

واحد من أهل العلم ؛ كالشّرجيّ في «طبقاته» [١٤٥ ـ ١٤٦] ، واليافعيّ في «تاريخه» ، وصاحب «المشرع» (١) ، وعبد الله بازرعة.

وممّن ألّف في مناقبه : الشّيخ عليّ بن عبد الله باعكابة الهيننيّ ، والشّيخ عبد الله باسودان.

وكان صادعا بالحقّ ، لا يخاف فيه لومة لائم ، وكان كثير التّردّد على حضرموت ، حتّى لقد قال السّيّد عليّ بن حسن العطّاس في كتابه «القرطاس» : (لا إله إلّا الله ، عدد خروج الشّيخ سعيد بن عيسى العموديّ إلى حضرموت).

ولم يزل يسلّك الطّالبين ، ويوصل الرّاغبين ، إلى أن توفّي بقيدون سنة (٦٧١ ه‍) ، وقصّته مع الشّيخ أحمد بن الجعد مع وصوله إلى حضرموت ، مشهورة ، وقد ابتلي إثرها بالجذام إلى أن وافاه الحمام.

وخلفه على منصبه ولده الشّيخ محمّد بن سعيد ، وما زال أبناؤه يتوارثون منصبه حتّى انتهى إلى دولة ورئاسة دنيويّة ، فاختلفوا وانقسموا ؛ كما سبق في بضه.

وجرت بينهم وبين آل فارس النّهديّين ، وبينهم وبين السّلطان بدر بوطويرق الكثيريّ .. حروب (٢).

وتقلّبت بقيدون الأحوال ، حتّى لقد خربت حوالي سنة (٩٤٨ ه‍) من كثرة ما أخذ بدر بوطويرق الكثيريّ من أهلها من الضّرائب ، ولم يبق فيها إلّا ستّة ديار ، وهرب الباقون من أهلها إلى صيف. وهنا شاهد على أنّ صيفا لم تكن إذ ذاك في حوزته (٣).

وجرت بين آل العموديّ وأعقاب بدر إلى أيّام السّلطان عمر بن جعفر الكثيريّ ـ المتوفّى بعمان أوائل القرن الثّاني عشر ـ أحوال كثيرة ، ذكرنا ب «الأصل» نتفا منها كافية للتّعريف (٤).

__________________

(١) لم يترجم له في «المشرع» ، وإنما ذكره عرضا في ترجمة الفقيه المقدم.

(٢) أخبار آل العمودي يمكن الرجوع إلها في «تاريخ شنبل» ، و «العدة المفيدة» وغيرهما.

(٣) ينظر هذه الحوادث في «تاريخ بافقيه» : (٢٨٨ ـ ٢٨٩).

(٤) وفي «تاريخ الدولة الكثيرية» و «الصفحات» لباوزير ، أخبار من ذلك القبيل.

٣٨٨

وفي قيدون صهريج واسع يحفظ لأهلها الماء ، تنطق وثائق أوقافه أنّه من عمارة السّلطان عامر بن عبد الوهّاب الطّاهريّ السّابق ذكره في بضه ، والآتي ذكره في ثبي وغيرها (١).

وقد أنجبت قيدون كثيرا من العلماء والفضلاء ، وكان السّيّد يوسف بن عابد الحسنيّ أحد تلاميذ الشّيخ أبي بكر بن سالم يدرّس بها علم التّوحيد أوائل القرن الحادي عشر.

ومن علمائها في القرن العاشر : الشّيخ محمّد بن عمر معلّم له ذكر في «مجموع الأجداد».

والشّيخ عبد الله بن سعيد العموديّ ، في أيّام القطب الحدّاد ، وقد امتحنه بشرح خطبة معقّدة ، فشرحها شرحا جميلا قضى له فيه القطب الحدّاد بالنّجاح.

وفيها من ذرّيّة السّيّد محمّد بن عبد الله بن علويّ الحدّاد (٢) : الفاضل الصّالح ، الحسن الخطّ عمر بن أبي بكر (٣) ، المتوفّى بها.

وخلفه ابنه النّاسك الكريم طاهر بن عمر الحدّاد (٤) ، المتوفّى بها سنة (١٣١٩ ه‍) كان آية في حفظ القرآن ، وكانت في لسانه حبسة شديدة ، حتّى لقد أراد أن يعقد بإحدى بناته فلم ينطلق لسانه إلّا بعد الفراغ من الطّعام ، وكانت العادة والسّنّة تقديم

__________________

(١) يقع الكريف القديم وهو الذي ذكره المصنف هنا في غربي قيدون ، ينظر وصفه في «الشامل» (١٩٦ ـ ١٩٧).

(٢) توفي الحبيب محمد هذا بذمار ، وذريته إنما هم : بتريم ، وهرر بالحبشة ، والهند ، وبجاوة : بانقيل ، وقرسي. وليس له ذرية بقيدون ، والذين سيذكرهم المؤلف لا حقا هم ذرية أخيه الحبيب علوي المتوفى بمكة سنة (١١٥٣ ه‍) ، ثم سيلحقهم بذرية عمه عمر بن علوي أخي الإمام الحداد.

(٣) ههنا وهم من المصنف ؛ فالسادة آل الحداد الذين بقيدون هم من ذرية السيد علوي بن عبد الله الحداد ، أو من ذرية عمّه عمر بن علوي.

والحبيب عمر بن أبي بكر الذي ذكره المصنف هو : عمر بن أبي بكر بن علي بن علوي ابن الإمام عبد الله الحداد ولد بتريم سنة (١١٨٥ ه‍) ، وتوفي بقيدون سنة (١٢٨٧ ه‍) ينظر : «الشامل» (٢٥٠ ـ ٢٥١).

(٤) السّيّد العلامة ، الصالح الفقيه المرشد ، مولده بقيدون سنة (١٢٤٩ ه‍) ، تفقه بوالده وبعلماء بلده.

وتوفي بها يوم السبت (١٥) محرم سنة (١٣١٩ ه‍). انظر «الشجرة العلوية».

٣٨٩

العقد فلم يؤخّروه إلّا اضطرارا ، ولكن متى شرع في القراءة في الصّلاة .. اندفع بسرعة السّهام المرسلة.

ولمّا مات ولده محمّد .. تحاشى النّاس عن إخباره ؛ لأنّه الأمر العظيم ، لكنّه لم يظهر بعد ما أخبروه إلّا بأكمل ما يكون من مظاهر الرّضاء التّامّ ، فلم ينزعج ولم يتغيّر ، ولم يحلّ حبوته ، وما زاد على الاسترجاع والاستغفار للفقيد والتّرحّم عليه ، فذكرت ما رواه أبو نعيم وغيره : أنّه لمّا مات ذرّ بن عمر بن ذرّ جاء أهله يبكون إلى أبيه ، فقال لهم : ما لكم؟! إنّا والله ما ظلمنا ، ولا قهرنا ، ولا ذهب لنا بحقّ ، ولا أخطىء بنا ، ولا أريد غيرنا ، وما لنا على الله معتب ، فلمّا وضعه في قبره .. قال : رحمك الله يا بنيّ ؛ لقد كنت بي بارّا ، وكنت عليك شفيقا ، وما بي إليك من وحشة ، ولا إلى أحد بعد الله فاقة ، ولا ذهبت لنا بعزّ ، ولا أبقيت علينا من ذلّ ، ولقد شغلني الحزن لك عن الحزن عليك .. يا ذر ؛ لو لا هول المطلع .. لتمنّيت ما صرت إليه ، ليت شعري يا ذرّ ماذا قيل لك وماذا قلت (١).

وكذلك الحبيب طاهر لم يزد على التّرحّم على ولده والاستغفار له.

أمّا ولده محمّد بن طاهر الحدّاد (٢) : فقد كان طود المجد الرّاسخ ، وركن الشّرف الشّامخ ، تتحيّر الفصحاء في أخباره ، وتندقّ أعناق الجياد في مضماره.

متنقّل في سؤدد من سؤدد

مثل الهلال جرى إلى استكماله (٣)

لم يزل يتوقّل (٤) إلى العلا ، ويتسوّر إلى الشرف.

__________________

(١) في «حلية الأولياء» (٥ / ١٠٨).

(٢) السيد الشريف ذو القدر المنيف : محمد بن طاهر بن عمر الحداد ، ولد بقيدون سنة (١٢٧٣ ه‍) ، وتوفي بالتّقّل بجاوة سنة (١٣١٦ ه‍) ، صنف في مناقبه تلميذه ورفيقه في أسفاره السيد العلامة عبد الله بن طاهر الحداد كتابا سماه : «قرة الناظر» يقع في (٣) مجلدات ، وكتب عنه ابن أخته السيد عمر بافقيه في كتابه «صلة الأخيار» ، وتلميذه العلامة علوي بن طاهر الحداد في «الشامل» ، وصاحب «تاريخ الشعراء» (٥ / ٤٣ ـ ٥٢).

(٣) البيت من الكامل ، وهو للبحتريّ في «ديوانه» (٢ / ٣٥).

(٤) يتوقّل : يعلو.

٣٩٠

ويبيت يحلم بالمكارم والعلا

حتّى يكون المجد جلّ منامه (١)

لا يصعد قلّة .. إلّا تسنّم ذراها ، ثمّ اندفع إلى ما وراها.

ما زال يسبق حتّى قال حاسده :

له طريق إلى العلياء مختصر (٢)

ينقطع دونه الكلام ، وتتحيّر في وصفه الأقلام.

لم أجر غاية فكري منه في صفة

إلّا وجدت مداها غاية الأبد (٣)

له همم تنفسخ منها الجبال ، فضلا عن قوائم الرّجال.

همّة تنطح النّجوم بروقي

ها وعزّ يقلقل الأجبالا (٤)

وقد بلغ من شهامته وكبر همّته أنّه كان يحاول إغناء العلويّين بحضرموت من أدناها إلى أقصاها مع تحمّله من الدّيون الّتي أثقلت كاهله ولذاك ، أشار عليه أبوه ـ من أجلها ـ أن يتوجّه إلى حيدرآباد ، وكان له بها قدر عظيم ، وشأن فخيم ، وأسلم على يده كثير من النّاس ، إلّا أنّه كان بين جنبيه نفس عظيمة ، غالى بها عن الكرام حتّى لم يكن الطّغرّائيّ إلّا كالسّوقة في جنب الملك حيث يقول :

غالى بنفسي عرفاني بقيمتها

فصنتها عن رخيص القدر مبتذل

فوقع بذلك وبموافقته للعلّامتين أبي بكر بن شهاب ومحمّد بن عقيل في الإعراض عن السّلطان عوض بن عمر أن لاقاه ، واستعدّ لإنزاله في قصره ، وعمل لقدومه ضيافة عظيمة ، فتركها وكان في ذلك تمهيد السّبيل لمن كان يحسده من العلويّين ففتلوا في الذّرى والغوارب لفشله .. فلم يقع له ما يروم من أمله ولم يتيّسر قضاء دينه إلّا بعد انقضاء أجله ، ومنهم حسبما يتعالم النّاس : حسين وحسين وأبو حسين ـ ولا أدري كم عددهم يومئذ ؛ فإنّ المنايا تخطّفتهم ، والبلدان توزّعتهم ؛ فهم أقلّ بكثير ممّا

__________________

(١) البيت من الكامل ، وهو للبحتريّ في «ديوانه» (٢ / ٤١).

(٢) البيت من البسيط ، وهو للبحتريّ أيضا في «ديوانه» (٢ / ٣٠٩).

(٣) البيت من البسيط ، وهو للمتنبّي في «العكبريّ» (١ / ٣٥٢).

(٤) البيت من الخفيف ، وهو للمتنبّي في «العكبريّ» (٣ / ١٣٤) باختلاف بسيط. الرّوق : القرن.

يقلقل : يحرّك. الأجبالا : جمع جبل.

٣٩١

انتهوا إليه سنة (١٢٠٢ ه‍) إذ بلغ عددهم (١) بالتّحقيق يومئذ عشرة آلاف نفس.

في «تاريخ ابن حميد» : (أنّ القطب الحدّاد أشار بإحصاء العلويّين في سنة (١١١٨ ه‍) ؛ لدراهم وصلت من الهند على اسمهم ، فبلغوا نحوا من ألفين بعدّ الصّغار والكبار والذّكور والإناث ، من السّوم شرقا .. إلى هينن غربا) (٢).

والعجب أنّهم لم يدخلوا دوعن في حضرموت في هذا العدّ ، فلعلّ الدّراهم مخصوصة بأهل هذه النّاحية ، وإلّا .. أشكل الأمر (٣).

وأمّا في سنة (١٢٠٢ ه‍) .. فقد بلغ عددهم عشرة آلاف ؛ إذ جاءت صلة صاحب المغرب ودفعوا لمن بدوعن ومن بالشّحر ومن بأسفل حضرموت حسبما فصّلناه بالجزء الأوّل من «الأصل» ولا إشكال ؛ لأنّ الاعتبار إنّما هو بما انحطّ عليه اعتمادهم بإجماعهم آخرا ، وقد أحضرت الأنفس الشّحّ في صلة المغربيّ ، وهي متأخّرة عن تلك ، والعلماء في أيّامها أكثر ، ولا شكّ أنّهم مطّلعون على ما كان أيّام القطب الحدّاد من مثل ذلك فلا مجال للشّكّ ، لا سيّما وأنّ القطب الحدّاد من أهل الاجتهاد لا يتقيّد بمنقول المذهب بخلافهم.

ومن كتاب سيّره السّيّد عليّ بن شيخ بن محمّد بن شهاب للشّريف سرور بن مساعد بن حسن صاحب مكّة بتاريخ (١١٩٩ ه‍) يقول : وصلت الدّراهم وقدرها ثمانون ألف ريال وفرّقت على جميع السادة القاطنين بحضرموت من ثمانية ريالات إلّا ربع ، وتحديد حضرموت من عين بامعبد إلى ظفار.

وقد اتفق العلويون إذ ذاك على تفويض الأمر في قبض الدراهم وتحرير مشجّر للعلويّين ـ على حسابها ـ إلى السّيّد عليّ بن شيخ بن شهاب.

وأمضى في أعلى المسطور السّادة : سالم بن أحمد ابن الشّيخ أبي بكر بن سالم

__________________

(١) أي : عدد آل باعلوي في جميع حضرموت.

(٢) «العدة المفيدة» (١ / ٢٧١). وفيه : أن عددهم (نحو ألف).

(٣) التحقيق أن دوعن بكافة أوديته الرئيسية والفرعية يدخل ضمن حدود حضرموت الكبرى ، لكن جرى العرف حتى عند أهل دوعن أن يقولوا للنازل إلى الوادي الكبير أنه خرج قاصدا حضرموت ، ويعنون بها ماوراء الهجرين من وادي العين إلى الكسر ، فالقطن ، فشبام ، فسيئون ، فتريم.

٣٩٢

وأحمد بن عبد الله بن محمّد بن عليّ العيدروس ، وصادق بن شيخ العيدروس ، وسالم بن صالح العطّاس ، وحسين بن علويّ ، وهاشم ، وحسين وعبد الله ابنا أحمد ، وحسين وزين وأحمد بنو حسين بن أبي بكر ، وأحمد وعليّ ابنا محسن ، وأبو بكر بن عليّ ، وكافّة آل حسين بن عليّ العيدروس.

وفي أسفله : حسين بن أحمد بن سهل جمل اللّيل ، وأحمد بن حسن بن عبد الله الحدّاد ، وعمر بن أحمد بن حسن بن عبد الله الحدّاد ، ومحمّد بن حسن بن محمّد مولى خيله ، ومحمّد بن أبي بكر العيدروس ، وإسماعيل بن عيدروس بن عليّ بن عمر بن حسين ، وعليّ بن شيخ بن شهاب ، وطالب بن حسين بن عمر العطّاس ، وعبد الرّحمن ابن حسين العطّاس ، وعمر بن سقّاف بن محمّد بن عمر بن طه ، وهادون بن عليّ الجنيد ، وأحمد بن جعفر بن أحمد بن زين الحبشيّ ، وعبد القادر بن جعفر بن أحمد بن زين الحبشيّ ، وخادم الشّرع بتريم عمر بن إبراهيم المؤذّن بافضل ، وطالب بن عوض بن يحيى ، والمكتوب إليهم من أمين الدّراهم عبد الله بن حسين بن سهل ، وسالم بن أحمد بن عليّ ابن الشّيخ أبي بكر ، ومحمّد بن أبي بكر بن محمّد بن عبد الرّحمن العيدروس ، ومحمّد بن عبد الرّحمن العيدروس ، وأحمد بن حسن بن عبد الله الحدّاد ، وحامد بن عمر بن حامد ، وعليّ بن شيخ بن شهاب.

وفي حدود سنة (١٣١١ ه‍) أصفق (١) العلويّون ـ ومنهم سيّدنا الأستاذ الأبرّ فمن دونه ـ على تقديم صاحب التّرجمة السّيّد محمّد بن طاهر الحدّاد ، فوضعوا في كفّه لواء نقابتهم ، وعلى رأسه عصابة شرفهم ، وعلى منكبه رداء زعامتهم ، وأسجلوا له بذلك على أنفسهم ، وكتبوا له عهدا وثيقا ، فكان كما قال ذو الرّمّة [في «ديوانه» ١١٩ من الطّويل] :

وما زلت تسمو للمعالي وتجتني

جنى المجد مذ شدّت عليك المآزر (٢)

إلى أن بلغت الأربعين فأسندت

إليك جماهير الأمور الأكابر

فأحكمتها لا أنت في الحكم عاجز

ولا أنت فيها عن هدى الحقّ جائر

__________________

(١) أصفق : أجمع.

(٢) مذ شدّت عليك المآزر : أي من الحين الّذي خرجت فيه من حدّ الطّفولة ، وأصبحت تلبس المآزر.

٣٩٣

وقد جرت بينه وبين العلّامة السّيّد عليّ بن محمّد الحبشيّ مناقضات ، منها : أنّ هذا جزم في كتاب سيّره إليه بدخوله تحت دائرته وإن لم يشعر ، فأنكر الأوّل ذلك ـ وكان يتواضع أشدّ التّواضع بين يدي أستاذنا وأستاذه الأبرّ عيدروس بن عمر ـ وتقدّم إليه بأسئلة جزلة تدلّ على صدق حال وغزارة مادّة ، فأجابه الأستاذ بأفضل جواب.

وجرت بينه وبين علّامة جاوة السّيّد عثمان بن عبد الله بن عقيل بن يحيى (١) محاورات في الأوتار ؛ لأنّ الأوّل يحضرها والسّيّد عثمان يشتدّ في منعها ، وقد بسطت القول عن هذه المسألة في «بلابل التّغريد» بما لا يوجد في سواه.

وقد كان ما اشتهر من محاسن هذا الإمام ، وملأ سمع الأرض وبصرها .. يملأ قلبي حسرة ؛ إذ لم يقدّر لي الاجتماع به ، مع أنّه قدم ذات المرّات إلى سيئون وأنا موجود ، وقلّ من زارها من أهل الفضل إلّا زار والدي في مكانه علم بدر الّذي انجمع فيه بالآخرة عن النّاس (٢). بل لا يوجد من يتخلّف عنه سوى من كان يتودّد إلى طائفة باطويح القاعدين بكلّ مرصد يصدّون البسطاء عن سبيله وعن سبيل سيّدنا الأستاذ الأبرّ ومن على شاكلتهم ، ومعاذ الله أن يتأثّر بكلامهم السّيّد محمّد بن طاهر ، وهو الّذي لا يقعقع له بالشّنان (٣) ، ولكنّني لا أحفظ زيارته لوالدي مع أنّي لم أفارقه إلّا للحجّ في سنة (١٣٢٢ ه‍) ، وما كنت لأنسى زيارته لوالدي لو كانت ، وأنا أحفظ كلّ من زاره من أهل الفضل منذ الرّابعة من عمري ؛ لأنّه يقدّمني إليهم ـ ليبرّكوا عليّ ويلبسوني ولأقرأ عليهم شيئا من القرآن أو حديث معاذ في العلم وعلّ وصوله حضرموت صادف مرضي الشّديد في سنة (١٣١٣ ه‍) ؛ فإن كان كذلك .. فقد انحلّ الإشكال ـ إلّا أنّه يبلّ من غليل تلك الحسرة ما كان يمثّله لنا السّيّد عبد القادر بن محمّد السّقّاف ـ الآتي ذكره ـ من كلامه وقراءته ومشيته.

__________________

(١) توفي السيد عثمان في بتاوي جاكرتا يوم الأحد (٢١) صفر سنة (١٣٣٢ ه‍). وهو صاحب المصنفات الكثيرة الجمة.

(٢) أي : انقبض عنهم واعتزلهم.

(٣) القعقعة : صوت الشّيء الصّلب على مثله. الشّنان : القرب والجلود اليابسة. ومعناه : أنّه ليس ممّن تفزعه القعقعة. وهو مثل عربيّ يضرب للرّجل الشّهم الشّجاع لا يفزع بالوعيد.

٣٩٤

ثمّ انحدر بعد ذلك إلى جاوة ، وأدركته المنيّة بالتّقّل ـ إحدى مدنها ـ في سنة (١٣١٦ ه‍) ، عن اثنين وأربعين ربيعا ، فكان أكبر من قول حبيب [أبي تمّام في «ديوانه» ٢ / ٢١٧ من الطّويل] :

فتى سيط حبّ المكرمات بلحمه

وخامره حقّ السّماح وباطله (١)

فتى جاءه مقداره ، واثنتا العلا

يداه ، وعشر المكرمات أنامله (٢)

فتى ينفح الأيّام من طيب ذكره

ثناء كأنّ العنبر الورد شامله

وقد زرت قبره ، وألفيت عليه من المهابة والجلال ما ذكّرني بقول الأوّل [من الطّويل] :

على قبره بين القبور مهابة

كما قبله كانت على ساكن القبر

وبإثره تقيّض فريقه ، وانتهج طريقه ولده الفاضل علويّ (٣) ؛ فلقد أحيا قدّته ، وأظهر جدّته ، وأطال مدّته ، وأعاد جوده ونجدته ، فما زال طويل العماد ، كثير الرّماد (٤) ، فحماد له حماد.

تنميه في قلل المكارم والعلا

زهر لزهر أبوّة وجدود (٥)

فرع من النّبع الشّريف إذا هم

نسبوا وفلقة ذلك الجلمود

__________________

(١) سيط : خلط. خامره : خالطه.

(٢) المقدار : الأجل.

(٣) ولد الحبيب علوي بن محمد بن طاهر الحداد بقيدون في رجب (١٢٩٩ ه‍) ، وتوفي بجاوة في سنة (١٣٧٣ ه‍) ، كان من أهل العلم وأهل الكرم والجود ، وله أعمال خيرية ، ومآثر تشهد له ، جمع شيئا من كلامه ومواعظه تلميذه السيد محمد بن سقاف الهادي ، وتلامذته كثيرون. ترجمته في : «تاريخ الشعراء» (٥ / ٢٥٩) ، «تعليقات ابن شهاب على شمس الظهيرة» (٢ / ٥٦٣) ، و «قرة الناظر» لتلميذه العلامة عبد الله بن طاهر .. وغيرها.

(٤) كثير الرّماد : كناية عن الكرم ؛ لأنّه يلزم من كثرة الرّماد كثرة الحطب المحروق ، وهو دليل على كثرة الطّبخ ، وكثرة الطّبخ دليل على الكرم.

(٥) البيتان من الكامل ؛ وهما لأبي تمّام في «ديوانه» (١ / ٢٢١) تنميه : تنسبه. قلل : قمم. زهر الأولى : اسم قبيلته. زهر الثّانية : ـ جمع أزهر ـ : وهو مشرق الوجه.

٣٩٥

ويذكر أخوه الحسين (١) بجود غزير ، وفضل كبير ، يأتي فيه بحقّ قول الشّريف الرّضيّ [في «ديوانه» ٢ / ٨ من البسيط] :

لو أنّ عين أبيه اليوم ناظرة

تعجّب الأصل ممّا أثمر الطّرف

ومن الأسف أن تستأثر جاوة بأمثالهم ، لكنّ الأمر كما قال حافظ [في «ديوانه» ١ / ٢٦٩ من البسيط] :

كم غادة في ظلام اللّيل باكية

على أليف لها يهوي به الطّلب

لو لا طلاب العلا لم يبتغوا بدلا

من طيب ريّاك لكنّ العلا تعب

وفي قيدون جماعة من ذرّيّة السّيّد عمر بن علويّ بن محمّد بن أحمد الحدّاد (٢) ، أخي القطب الحدّاد ، منهم :

الصّالح الفاضل السّيّد عبد الله بن طه بن عبد الله (٣) ، له أحوال غريبة ، ودعاء مستجاب ، يأخذه عند ذكر الموت حال عظيم يخرجه عن حسّه ويذهب به هائما على وجهه.

وعلى قريب من حاله كان ولده الدّاعي إلى الله محمّد ، المتوفّى بسيئون في أوائل سنة (١٣٢٤ ه‍).

وكان عيشه على قدم التّوكّل ، ولا تخلو عصمته عن أربع زوجات ، وله نوادر ، منها :

أنّه تعشّى عند أمّه في حوطة آل أحمد بن زين ، فقال : أريد السّمر عند بعض الإخوان.

فقالت : خذ مفتاح الدّار معك ؛ حتّى لا توقظني بقرع الباب.

__________________

(١) ولد السيد الحسين بن محمد بقيدون ، وتوفي في جاوة ، كان شهما أبيا محسنا اشتهر بالكرم وبذل الموجود ، على صفاء طوية وحسن نية.

(٢) توفي بتريم سنة (١١١٢ ه‍) ، وله ذرية كثيرة بسيئون والحوطة ودوعن والهند وجاوة ، وفي بيحان وأرض الرّصّاص وغيرها.

(٣) ولد بحاوي الحوطة ، وتوفي بها سنة (١٢٩٤ ه‍) ، أفرده بالترجمة حفيده العلامة علوي بن طاهر ، وهي ترجمة مفيدة ، تسمى : «نور الأبصار» ، ويلقب الحبيب عبد الله هذا بالهدار ؛ لكثرة هديره بالذكر.

٣٩٦

فعنّ له أن يذهب إلى الفجير على نحو تسعة أميال من الحوطة ودون الميل من سيئون ، وكره أن يزعج أهل الفجير بالقرع ، فعمد لجذع طويل ألفاه هناك ، فتسلّق عليه منزل زوجته ابنة السّيّد شيخ بن أبي بكر مولى خيله ، ولمّا قضى وطره منها .. عنّ له أن يذهب إلى سيئون ، فحمل الجذع وتسوّر به على بيت امرأته الأخرى بسيئون ـ وهي أمّ السّيّدين : إبراهيم وموسى آل الحبشيّ ـ ولمّا أخذ مأربه منها .. ردّ الجذع إلى موضعه بالفجير ، ثمّ سرى ، ولمّا كان بالغرفة .. دخل جامعها وتطهّر وتهجّد ما شاء ، ثمّ سرى إلى الحوطة ، فلمّا وصلها .. عرف أنّه نسي مفتاح الدّار بجامع الغرفة ، فرجع أدراجه وأخذه من الميضأة ، وسار إلى الحوطة ، ولم يصلها إلّا بعد مطلع الفجر.

ومن نوادره : أنّ زوجته الّتي بسيئون هي بنت عمّه ، واسمها : شيخة بنت محمد الحدّاد ، وكان كلّما زارها .. وجد عندها ابنيها إبراهيم وموسى ابني عمر بن شيخ بن هاشم بن محمّد بن أحمد الحبشيّ .. فلم يتمكّن من الخلوة بها ، حتّى جاشت نفسه ذات يوم ، فقال :

خيره في العشق لي

فيه النّكد والنّغص

حلّيت في حصن لكن

فيه جملة لصص

خليّ خلي لي ول

كنّه شرد وافتحص

جفل كما الصيد لا

قد شاف همزة مقص (١)

ولو معي قرش باقنص

مثل من قد قنص

وكان وجد منها فرصة ، ولمّا جلس بين شعبها .. أحسّت بقدومهما ، فنهضت من تحته فقال الأبيات .. فأجابته من حينها بقولها :

قال ابن هاشم من ال

مولى هي الّا حصص

لو حد قسم غير ربّي

قلت قسمي نقص

__________________

(١) جفل : فر هاربا.

٣٩٧

لو كنت عاشق دهنت

السير وارميت خص

لا جبت لي شرك في

قادم ولا جبت قص

من يطعم الخيل وكّب

به إذا شا ورصّ

كانّك بغيته على

ذا الشور والّا خلص

وذكرت عند هذا أنّه صلّى الله عليه وآله وسلّم كلّما دخل على أمّ سلمة بإثر بنائه عليها .. بكت بنتها ، فأخذت تعلّلها بالرّضاعة حتّى أخذها عمّار بن ياسر ـ وكان لها محرما ـ وقال : لقد حرمت هذه المقبوحة المشقوحة (١) رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ممّا يريد (٢).

ومن ذرّيّة السّيّد عبد الله بن طه بقيدون : السّيّدان الجليلان : الواعظ العابد الصّالح عبد الله بن طاهر (٣). والعلّامة الجليل علويّ بن طاهر (٤) ، علم علوم ، ونبراس فهوم.

__________________

(١) المشقوحة : المبعدة.

(٢) أخرجه الحاكم في «المستدرك» (٤ / ١٨).

(٣) العلامة الفقيه المرشد الصالح ، مولده بقيدون سنة (١٢٩٦ ه‍) ، من أعيان قيدون ، وكان يسافر إلى جهة الهند وجاوة ، ولم يزل قائما برباط العلم بقيدون .. حتى توفي سنة (١٣٦٨ ه‍) ، وله عدد من المصنفات ، ينظر : «تاريخ الشعراء» (٥ / ٢٤٧ ـ ٢٥٦) ، «الدليل المشير» (١٩٦ ـ ٢٠٣).

(٤) الإمام المحدث ، المفسر المسند ، الفقيه المؤرخ الجهبذ ، وحدث عن البحر ولا حرج ، وهو القائل فيه الشاعر صالح بن علي الحامد :

هذا الذي إن سما شعب يباهلنا

بعبقري به جئنا نباهله

ولد سنة (١٣٠١ ه‍) بقيدون ، وتوفي بجوهور في ماليزيا سنة (١٣٨٢ ه‍) ، وصنف المصنفات الرائعة النافعة ، التي لم يسبق إليها ؛ وانظر : «الدليل المشير» (٢٣٥ ـ ٢٤٠) ، «تاج الأعراس» ، «شمس الظهيرة».

ومن أعيان آل الحداد بها أيضا : السيد السند الداعي إلى الله ، الإمام العلامة الأديب المهيب : أحمد المشهور بن طه بن علي بن عبد الله الهدار الحداد ، المولود بها حدود سنة (١٣٢٢ ه‍) ، والمتوفى بجدة في ١٦ رجب (١٤١٦ ه‍). كان من كبار أدباء وعلماء عصره ، طلب العلم على عميه السيدين عبد الله وعلوي ابني طاهر الحداد ، واستقر في أفريقيا بكينيا ناشرا للدين الإسلامي ، ودخل على يديه إلى الإسلام ألوف مؤلفة ، له مصنفات ؛ من أجلها : كتاب «مفتاح الجنة» طبع مرّات وترجم إلى عدّة لغات ، وله «السبحة الثمينة في نظم مسائل السفينة» و «ديوان» احتوى على غرر القصائد ، وغير ذلك ، ولابنه السيد حامد ترجمة موسعة له طبعت مؤخرا.

٣٩٨

ويكنى باسمه عن فضل علم

وكلّ اسم كنايته فلان (١)

فهو الخطيب المصقع (٢) ، والفقيه المحقّق ، والمحدّث النّقّاد ، وله في التّفسير الفهم الوقّاد ، ومؤلّفاته شاهدة وآثاره ناطقة (٣) ، ولم أعرف مبلغ معرفته بالفقه ، إلّا أنّه اختلف من نحو ثلاثين عاما هو والقاضي الشّيخ عبد الله سعيد باجنيد في مسألة في الشّفعة ، وكتب في ذلك رسالة أسهب فيها حتّى انتهى إلى الثّناء على السّيّد الفاضل حسن بن عبد الله الكاف ، ولمّا رفع إليّ كلام الاثنين للنّظر أظنّني ـ والعهد بعيد ـ رجّحت كلام القاضي ، فرأيت منه جفوة من حينئذ ما كان له أن يتحمّلها ؛ إذ لم يزل العلماء بين رادّ ومردود عليه ، لكنّ الإنصاف عزيز ، ولهذا لم أعامله بمثلها كما يعرف النّاس ، وإن انضمّ إلى ذلك اختلاف الآراء بشأن الرّابطة حسبما فصّل ب «الأصل».

وكان على الإفتاء في بلاد جهور من ناحية الملايا ، ثمّ انفصل في أيّام الحرب المشؤومة اليابانيّة.

وسبب كونهم بقيدون ما أخبرني به قاضي الحوطة الأسبق الفاضل السّيّد عبد الله بن حسين بن عبد الله الحبشيّ : أنّ جدّه لأمّه شفاء وهو السّيّد عبد الله بن طه بن عبد الله بن طه بن عمر بن علويّ الحدّاد ـ السّابق ذكر تردّده إلى هناك ـ حمل معه ابنه طاهرا ، فتزوّج على الشّريفة شفاء بنت عيسى أخت الحبيب عبد الرّحمن بن عيسى الحبشيّ ، وأولدها عبد الله في سنة (١٢٩٦ ه‍) ، وعلويّا في سنة (١٣٠١ ه‍) ، وفي نفاسها به مرّ عليه في قيدون عمّه جعفر بن طه ـ الآتي ذكره في الحاوي ـ وقال له : لماذا تجلس بقيدون تضع الأولاد؟! فتعال معي إلى جاوة ، ففعل ، ومات بعد

__________________

(١) البيت من الوافر ، وهو لأبي العلاء المعريّ في «سقط الزّند» (٧٠) ، باختلاف بسيط.

(٢) الخطيب المصقع : البليغ الماهر.

(٣) ومن مؤلفاته رحمه الله : «عقود الألماس» و «المدخل إلى تاريخ الإسلام في الشرق الأقصى» ، مطبوع ، و «القول الفصل فيما لبني هاشم وقريش والعرب من الفضل» ، في مجلدين كبيرين ، و «الكلمات الجامعة في تفسير سورة الواقعة» ، و «دروس السيرة النبوية» ، و «إعانة الناهض في علم الفرائض» ، و «الفوائد اللؤلؤية في القواعد النحوية» ، ومؤلفاته تزيد على الستين.

٣٩٩

وصوله بشهر ونصف شهر ، فعاشا في كنف أمّهما وأبيها ، وكانت أمّ أعمامهم محمّد وحسن وعليّ ـ وهي سعديّة بنت الحبيب محمّد بن أحمد بن جعفر بن أحمد بن زين الحبشيّ ـ تبعث لهم بالمواساة ، ولمّا يفع عبد الله .. نجع إليها بحوطة آل أحمد بن زين ، فكفلته ، وكان يتردّد إلى الغرفة ؛ فله أخذ عن الأستاذ الأبرّ الحبيب عيدروس بن عمر ، ولمّا استغلظ علويّ .. قدم عليها أيضا ، فآوته ؛ إلّا أنّها شغلته بالخدمة حتّى أنّها لا تمكّنه من حضور الرّوحة بالحوطة. هذا آخر كلام القاضي عبد الله بن حسين.

وأشهر أولاد عبد الله بن طه حالا ، وأعلاهم كعبا ، وأكثرهم جمالا : هو شيخنا صاحب النّفس الأبيّة ، والهمم العليّة ، والشّهامة والأريحيّة ، كثير العبادة والتّلاوة والأذكار ، ظاهر السّيادة والسّعادة والأنوار ، صالح بن عبد الله ، زرته بداره في نصاب آخر سنة (١٣٤٩ ه‍) فأجلّني وأكرمني وألبسني وأجازني وشابكني ودعا لي بدعوات عظيمة.

وممّن بقيدون من السّادة : آل بافقيه ، وقد مرّ في الخريبة ذكر السّيّد أبي بكر بن محمّد بافقيه (١) ، وأثنى عليه شيخنا المشهور في «شمس الظّهيرة» ، وقال : «إنّه توفّي بقيدون في سنة (١٠٥٣ ه‍)».

ثمّ رأيت الشّليّ ترجم له في «مشرعه» وأطنب في الثناء عليه ، وذكر له علما جمّا وفضلا كثيرا (٢).

وبقيدون جماعة من ذرّيّة السّيّد عمر بن عبد الرّحمن بن عقيل بن عبد الرّحمن السّقّاف (٣) ، وهم : آل باعقيل :

منهم : السّيّد الصّالح عبد الرّحمن ، صاحب المشهد المعروف بصيف ، توفّي ببضه منقرضا.

__________________

(١) انظر ترجمته في «الشامل» (٢٤٠ ـ ٢٤١).

(٢) «المشرع الروي» (٢ / ٤٤ ـ ٤٥).

(٣) توفي السيد عمر بن عبد الرحمن سنة (٩٦٧) أو (٩٩٧ ه‍) ، وأما والده فتوفي بتريم سنة (٩١٠ ه‍). وتقدم أن جده عقيل توفي بتريم سنة (٨٧١ ه‍).

٤٠٠