إدام القوت في ذكر بلدان حضر الموت

السيّد عبد الرحمن بن عبيد الله السقّاف

إدام القوت في ذكر بلدان حضر الموت

المؤلف:

السيّد عبد الرحمن بن عبيد الله السقّاف


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار المنهاج للنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ١١١٠

وهزم العموديّين ، ولكنّهم أعادوا الكرّة عليه فهزموه وأخذوا مدفعه ، وانحدروا به إلى بضه حيث يوجد بها إلى اليوم.

وفي سنة (٩٧٠ ه‍) كانت غارة الجرادف من أصحاب العموديّ ، ونهبوا بيت السّيّد محمّد بن عبد الله عيديد (١). وقد مرّ ذكر الجرادف في غياض الشّحر. وأخبار آل العموديّ كثيرة ، وقد سقنا ما وجدنا ب «الأصل».

وفي بضه كريف (٢) كبير يجتمع فيه ماء السّيل فيكفيهم تسعة أشهر أو أكثر ، أظنّه من عمارة السّلطان عامر بن عبد الوهّاب صاحب اليمن وعدن ، ولكنّي لم أره في مآثره ، لكنّ الشّائع بين آل العموديّ ـ من قديم الزّمان إلى الآن ـ أنّ أوّل عمارة له كانت على يد سيّد من تريم ، فتعيّن أنّه باساكوته (٣) ؛ لأنّه الّذي عمر جامع تريم ، وضمير ثبي ، وكريف قيدون ، على نفقة السّلطان عامر بن عبد الوهّاب صاحب اليمن وعدن ، وإن لم يوجد ذكره بين مآثره في «النّور السّافر» وغيره من المظانّ الّتي بين يديّ.

ثمّ حصل فيه خلل فعمره الشّيخ عبد الله بن صالح العموديّ منصب بضه ، ثمّ عمّره الشّيخ عبد القادر باياسين ساكن بضه ، ثمّ أوصى له السّيّد عليّ بن جعفر بن محمّد العطّاس بما يعمره فعمره إخوانه ، ثمّ عمره أولاد الشّيخين عبد الرّحمن وسعيد ابني عبد الله بن صالح.

وكان سريع التّغيّر ؛ لأنّه قريب من النّخل ، فكانت عروقه تنفذ إليه فتفسده.

وفي شرقيّ بضه مقبرة الشّيخ معروف باجمّال (٤) ، المتوفّى بها في منفاه من بدر

__________________

(١) وكان ذلك ليلة السبت (١٦) ذي الحجّة ، من تلك السّنة.

(٢) الكريف : هو حوض كبير جدّا ، تخزّن فيه كميّات من المياه لسقي أهل البلدة وانتفاعهم به ، وعليه يعتمدون في الشّرب والطّبخ وغير ذلك ، يجمع من مياه الأمطار والسّيول.

(٣) باساكوته : هو السّيّد الشّريف حسن بن أحمد مسرفة ابن محمّد بن عبد الله بن أحمد بن عبد الرّحمن بن علويّ عمّ الفقيه.

والمقصود والمراد هنا : هو حفيده : محمّد بن أحمد بن حسن ، المتوفّى بعدن سنة (٩٥٣ ه‍) ، صاحب الهمّة العليّة ، والشّيم الزّكيّة ، كان سخيّا كريما ، ترجمته في «المشرع» ، و «السّناء».

(٤) وتعرف هذه المقبرة باسم : (ظرفون).

٣٤١

بوطويرق ـ حسبما تكرّر ذكره ـ سنة (٩٦٩ ه‍).

وعند مقبرته حوض دون الأوّل جدّدوا عمارته في الوقت الأخير عمارة أكيدة ، تصبّ فيه عيون ماء ، فيكفي لضرورات آل بضه عند نفاد الأوّل.

ومن علماء بضه في القرن الحادي عشر : عمر بن محمّد خبيزان ، له ذكر في «مجموع الأجداد» يأتي بعضه في سيئون.

وفي بضه كثير من السّادة آل العطّاس ، منهم : الصّالح العظيم المقدار ، جعفر بن محمّد بن عليّ بن حسين العطّاس (١) ، وقد اجتمعت به مرارا ، آخرها بالشّحر سنة (١٣٢٢ ه‍) ، لمّا وردتها في طريقي إلى الحجاز لأداء حجّة الإسلام ، وقد أحضرني عليه والدي بمكاننا علم بدر سنة (١٣٠٦ ه‍) ، فدعا لي وألبسني طاقيّته ، وقال لوالدي : (هذا رأس العلم) فسرّ بذلك كثيرا ، وعلّق كبريات الآمال على هذه الكلمة ، نسأل الله قبول الدّعاء وتحقيق الرّجاء.

ومن فضلاء بضه اليوم : السّيّد حسين بن حامد بن عمر العطّاس (٢) ، كان صحيح التّقوى ، صادق الإخلاص ، كثير العبادة ، نقيّ الجيب ، وقور الرّكن ، جمّ التّواضع ، نكب في حدود سنة (١٣٣٧ ه‍) بقرّتي عين من أولاده ، فاحتسبهم عند الله بجأش ثابت ورضا تامّ ، وبال صابر (٣).

__________________

(١) وقع المصنّف رحمه الله في وهم في سياقه اسم المترجم ؛ لبعد عهده به ، ولأنّه إنّما أدركه صغيرا ، فهو الحبيب : جعفر بن محمّد بن حسين بن جعفر بن محمّد بن عليّ بن حسين بن عمر العطّاس ، اشتبه عليه اسمه واسم جدّ أبيه ، توفّي الحبيب جعفر هذا في بضه في (٢٤) شوّال (١٣٣٣ ه‍) ، وترجم له ابن أخيه في «تاج الأعراس» ، والحبيب محمّد بن حسن عيديد في «إتحاف المستفيد» ..

وأخذا عنه. أمّا جدّه جعفر الّذي هو على اسمه .. فهو المقبور ببلدة صبيخ ، وسيأتي ذكره فيها.

(٢) هو السّيّد الفاضل الحبيب حسين بن حامد بن عمر بن حامد بن محسن بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن عمر العطّاس ، ولد ببضه ، وتوفّي بها في جمادى الأولى سنة (١٣٦٧ ه‍). وكان الحبيب مصطفى المحضار يطلق عليه لقب جبريل ؛ لأنّه كان يرى الرّؤيا فتقع مثل فلق الصّبح ، وسرى عليه هذا اللّقب.

(٣) كان ذلك في عامي (١٣٣٤ ه‍) و (١٣٣٥ ه‍) ؛ إذ أصابت دوعن حمّى خبيثة مات من جرّائها ناس كثيرون ، وقبلها كانت هذه الحمّى في أسفل الوادي ، فمات في شبام في سنة (١٣٣١ ه‍) عدد من

٣٤٢

ثافن الرّجال (١) ، وصحب أهل الكمال ، وكان يتفتّح عن ثبج بحر إذا سئل عن بحر الجود المرحوم السّيّد محمّد بن طاهر الحدّاد ؛ إذ كان معه في سفره إلى الهند وفي كثير من أحواله ، مدّ الله في عمره ونفعنا به (٢).

__________________

النّاس ، فيهم أكابر علمائها ورموز إرشادها.

(١) ثافن : لازم وصحب.

(٢) وقد اختصر المصنّف ههنا جدّا ، فمن سكّان بضه : آل العطّاس ، وقد ذكر المصنّف عددا منهم ، وهم المعروفون بآل بن جعفر ، وآل خرد ، وآل باعشن ، وآل العموديّ ، وهم فخائذ عدّة ، فمنهم : آل باطيران ، وآل مطهر ، وتقدّم ذكرهم ، وآل بلّعسم ـ (الأعسم) ، وآل باياسين ، وآل أحمد بن محمّد ، وآل محمّد بن سعيد جميعهم هؤلاء من آل العموديّ.

ومن السّكّان أيضا : آل باعفيف ، وآل بانقيب ، وآل الحريبي ، (وهم غير الحريبي الذي بشمال اليمن) ، وآل باوهّاب وهم تجّار أيضا ، وآل بوجبير ، وآل باعبدون ، وآل بن زقر ومنهم جماعة في الرّباط ، وآل باسحم ، وآل باعشرة ، وآل باطرفي ، وآل المقدّم ـ من القثم ـ وآل الذّبياني ، وآل باشويّة .. وسنعرض هنا لبعض أعلام هذه الأسر.

أمّا السّادة آل خرد .. فهم من ذرّيّة السّيّد الإمام عبد الله باعلويّ حفيد الفقيه المقدّم ، وأصلهم من تريم ، وسمّوا بآل خرد نسبة إلى واد من أودية عقرون الّذي يصبّ في الوادي الأيسر ، وبه ـ أي وادي خرد ـ موضع معروف به متعبد وخلوة لجدّ آل خرد السّيّد الشّريف علوي خرد بن محمّد حميدان ، المتوفّى سنة (٨٧٠ ه‍) بن عبد الرحمن بن محمد (٧٤٣ ه‍) بن عبد الله باعلوي ، وذرّيّته بتريم ، وأوّل من نزح إلى دوعن من ذرّيّته : السّيّد زين بن أبي بكر بن زين .. إلخ هاجر منها بعد سنة (١١١٧ ه‍) ، ومنهم :

السّيّد علويّ بن سالم بن زين بن أبي بكر ، توفّي سنة (١٢٩٧ ه‍) ، وكان من أهل التّقشّف ، حجّ (٣٠) حجّة ماشيا على قدميه ، ولم ينم اللّيل خمسين سنة ، وأخباره في العبادة مشهورة ، عمّر نحوا من (١٥٠) سنة أو أقل ، وابنه محمّد بن علويّ أيضا من المعمّرين ، جاوز عمره (١٢٥) سنة.

وممّن ولد بها ، وتوفّي ببلاد الماء : السّيّد الشّريف الحبيب عبد الرّحمن بن محمّد بن أحمد بن زين بن أبي بكر ، توفّي سنة (١٣٣٧ ه‍) ، أخذ عنه السّيّدان عبد الله وعلويّ ابنا طاهر الحدّاد ، وهو من الآخذين عن الحسن البحر ، والشّيخ محمّد باسودان ، والسّيّد علويّ بن سالم خرد وغيرهم.

ومنهم : السّيّد العلّامة المعمّر أحمد بن عبد الله خرد ، كان فقيها إماما عالما عاملا مفتيا ، رؤيته تذكر بالرّعيل الأوّل ، توفّي ببضه أواخر سنة (١٤٠٧ ه‍) عن عمر يناهز (١٢٠) عاما.

أدرك الإمام عيدروس بن عمر الحبشيّ وأخذ عنه وعن طبقة عالية من الشّيوخ ، طبع له سنة (١٣٨٦ ه‍) مجموع ضمّ فتاوى بعض معاصريه من علماء حضرموت ، قرّظ عليه السّيّد علويّ المالكيّ وأقرانه من المكيين ، أخذ عنه أعداد غفيرة شفاها ومكاتبة ، رحمه الله.

ومن آل العمودي سكّان بضه :

٣٤٣

بلاد الماء (١)

فيها السّادة آل بروم (٢) ، من ذرّيّة السّيّد محمّد بن علويّ ، المشهور بالشّيبة بن عبد الله بن عليّ بن عبد الله بن علويّ بن الفقيه المقدّم.

ومن آخرهم : السّيّد محمّد بروم ، طويل القامة ، عريض الجسم ، كبير العمامة ، كثيرا ما يستصحبه السّيّد حسين بن حامد المحضار للمداعبة والمباسطة.

ويقال : إنّ له معرفة بالطّلاسم والأوفاق. والله أعلم.

__________________

الشّيخ عبد الله بن عبد الرّحمن بن عبد الله بن عثمان بن أحمد الأخير ، وهو ابن عمّ الشّيخ عبد الرّحمن بن عثمان.

يلقّب الشّيخ عبد الله بأبي ست لوجود أصبع زائدة في كلتا يديه ، وكانت وفاته سنة (١٠٧٢ ه‍) ، وتقدّم ذكره قريبا عند المصنّف ، وينظر أخباره في «الشّامل» (١٦٦ ـ ١٦٧).

ومنهم : الشّيخ عبد الله بن حسن باطيران العموديّ ، كان عالما فقيها معمّرا ، توفّي سنة (١٣٣٠ ه‍) تقريبا ، أخذ عنه السّيّد علويّ بن طاهر لعلوّ سنده ؛ فقد أخذ عن مفتي زبيد السّيّد عبد الرّحمن بن سليمان الأهدل.

ومنهم : الشّيخ أحمد بن حسين ، من آل محمّد بن سعيد ، كان من أهل الصلاح والنّور.

(١) بلاد الماء : قال عنها في «الشّامل» (١٧٠) : ويقال لها : (بلاد الخرشع) ، والخرشع ـ بفتح فسكون ففتح ـ هو الحجر الرّخو الّذي يربو عند مخارج العيون من الجبال ، وهذه كلمة حضرميّة ، ولم يذكر صاحب «القاموس» هذا المعنى ، ولكنّه قال : الخرشعة : قنّة صغيرة من الجبل ، جمعه خرشع وخراشع. اه

ويسيل إليها ـ أي إلى بلاد الماء ـ شعب ذا مله ؛ فهو مصدّر بذي ، كوادي (ذي عبه) بكسر العين والباء ، جنوبيّ قارة المحضار ، به غيل.

وقد ساق السّيّد الشّريف حسين بن حامد المحضار جانبا منه إلى جانب القويرة ، فانتفع به أهلها انتفاعا عظيما ، وكانوا قبل ذلك في تعب ، يستقون الماء من داخل الوادي وهو على مسافة.

ثمّ قال : وقد تديّر هذه القرية شيخنا الحبيب عبد الرّحمن بن محمّد خرد ، وقد سبق ذكره في بلد بضه مع عشيرته.

وبها السّادة الأشراف آل بروم ، وحاكمها من آل محمّد بن سعيد آل القحوم ، وبها من السّكّان : آل بن جحلان ، وبلّشرف ، والباحميد ، وبلّزوف ـ بتشديد اللّام وفتح الباء ـ الثلاث أفخاذ من الحالكة. والباقازي ، والباربيع وغيرهم. اه

(٢) ينسب السّادة آل بروم إلى السّيّد حسن الملقّب (بروم) ؛ لسكناه بها مدّة من الزّمان ، وكانت وفاته بتريم سنة (٩٢٧ ه‍) ، وهو ابن محمّد بن علويّ المذكور إلى آخر النّسب.

٣٤٤

وبها يسكن أولاد الشّيخ عبود بن محمّد القحوم ، ورئيس عائلتهم بها هو الشّيخ سعيد بن عبود بن محمّد.

وفيها ناس من آل كحلان يقال : إنّ مرجعهم إلى العائلة القعيطيّة.

وبلاد الماء وخديش وقرن ماجد .. باقية تحت أولاد القحوم إلى اليوم ، لا يتعرّض لهم القعيطيّ بسوء.

خديش (١)

في أسفل وادي دوعن ، على مسافة ساعة ونصف من قيدون ، وهي بحذاء العرسمة ، إلى الجهة الغربيّة على يمين الدّاخل إلى بلاد دوعن.

وفيها ناس من آل العموديّ ومن آل بروم ، وواحد من آل خرد ، وقبائل من سيبان الحالكة ، وهم أهل حرث ، وفيها مزارع (٢).

كوكه (٣)

هي بمفترق الواديين الأيمن والأيسر في الجبل الغربيّ ، تبعد عن صيف بنحو نصف ساعة ، يسكنها الحالكة من سيبان ، وناس يقال لهم : البلاغيث ، من شرّ قبائل الحالكة ، ولهم أموال في القرح ، يشتجرون بسببها مع أهل العرسمة ، حتّى قال بعضهم : لقد أبغضنا الغيث .. بسبب البلاغيث.

__________________

(١) خديش : بكسر ففتح فسكون.

(٢) ومن سكّانها : آل باعطيّة ، وآل باحطّاب. ومر في قرن باحكيم أنّ جماعة من آل باعطيّة نزحوا إليه من خديش. وأمّا آل باحطّاب .. فمنهم : الشّيخ الفقيه العالم : سالم بن صالح باحطّاب ، كان عالما فقيها ، سكن الهند ، ثمّ انتقل إلى الحجاز.

(٣) وسرد في «الشّامل» أسماء مناطق ومواضع تقع بين خديش وكوكه ، وهي : جدفرة خديش ، فمزارع بلاد الماء ، فساقية القرحة ، فقارة الصّدف عند منتهى الجبل الفاصل بين الواديين في مستقبل الجهة الشّماليّة ، فالمصانع ، فالعرفة ، فشعب السّيّد ، والأوسط ، وشواطه ، فتأتي كوكه. «الشّامل» (١٧٠ ـ ١٧١).

٣٤٥

وبين كوكه وخديش والعرسمة ـ في الجانب الشّرقيّ ـ بلدة يقال لها : الصّدف ، باسم سكّانها الأقدمين منهم ، باقية آثار مبانيها وسواقيها.

وبالجانب الشّماليّ بين العرسمة وفيل قارة يقال لها : دخان ، تدلّ آثارها على قوّة أهلها ومنعتهم ، وكان سكّانها أشرس القبائل فيما يقال ، وحولها محارث كثيرة.

وفي الجانب الشّرقيّ منها قرية صغيرة ، يقال لها : الرّيّضة ، على مسافة ثلث ساعة منها.

قبر تبّع

وعلى يسار الدّاخل إلى الوادي قبر طويل في سفح الجبل الّذي يكون الوادي الأيسر في جنوبه ، يقال : إنّه لأحد التّبابعة (١) ، وهو غير بعيد ؛ لأنّ حضرموت من ممالكهم ، ولا يقال للواحد تبّع إلّا إذا استولى على حضرموت كما هو في «الأصل» بما فيه.

وقد جاء في الجزء الثّامن [ص ١٢٧ ـ ١٣٠] من «الإكليل» للهمدانيّ : أنّ قبر ذي أكم ـ وهو من التّبابعة ـ بحضرموت ، وقد ذكره علقمة في قوله [من السّريع]

وذي نواس قد وهى ملكه

وربّ غمدان وذا أكم

ثمّ ذكر خبرا طويلا عن هشام بن محمّد ، عن أبيه وأبي يحيى السّجستانيّ ، عن يوسف بن سعيد الأيليّ قال : (استثارت حمير مدفنا لملوكها بحضرموت) واستاق خبرا طويلا ، منه : (أنّ أبا مالك عميكرب بن ملكيكرب مدفون بذلك المدفن) ، وفيه من الدّلالة ما يغني ويقني.

__________________

(١) التّبابعة : لقب ملوكي أطلق على ملوك اليمن في الدّور الحميريّ الثّاني (٣٠٠ م) ، وهو كقيصر عند الرّوم ، وكسرى عند الفرس ، والنّجاشيّ عند الأحباش. تلقّبوا بذلك لأنّه يتبع بعضهم بعضا ، كلّما هلك ملك .. قام مقامه آخر تابعا له على مثل سيرته. وملوك هذه الفترة لا يحملون هذا اللّقب ما لم يكن حامله قد ملك حضرموت وسبأ وحمير. وقد ورد هذا اللّقب في القرآن الكريم في أكثر من مناسبة ، قال تعالى : (أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ)

٣٤٦

أمّا جانب وادي الأيمن الشّرقيّ : فأوّله رباط باعشن (١).

وآل باعشن : بيت علم ، ومغرس فضل ، ومنبت صلاح منهم : الشّيخ الكبير أحمد بن عبد القادر باعشن (٢) ، كان من أقران السّيّد عمر بن عبد الرّحمن العطّاس ، أخذ هو وإيّاه عن جملة من المشايخ ، منهم :

الشّيخ عمر بن عيسى باركوة ، السّمرقنديّ ثمّ المغربيّ ، الآتي ذكره في بلد الغرفة ؛ لأنّه مات بها.

وقد أخذ عن الشّيخ أحمد بن عبد القادر هذا جماعة من الأكابر ، منهم :

١ ـ السّيّد عبد الرّحمن بن إبراهيم بن عبد الرّحمن المعلّم باعلويّ ، الشّهير جدّه عبد الله بوطب بن محمد المنفّر ، جاء في ترجمته من «المشرع» (ج ٢ ص ١٢٦) : (رحل إلى الواديين المشهورين : وادي دوعن ووادي عمد ، وأخذ بهما عن علماء أكابر وذوي محابر ومفاخر ، منهم : الشّيخّ العارف أحمد بن عبد القادر الشّهير بباعشن ، وجماعة من العموديّين). توفّي السّيّد عبد الرّحمن بن إبراهيم المذكور سنة (١٠٥٧ ه‍)

٢ ـ وقال في (ج ٢ ص ٢٣٣) في ترجمة السّيّد عليّ بن عمر بن عليّ بن محمّد

__________________

(١) يحسن أن نلخّص هنا بعض ما ورد في «الشّامل» من ذكر بعض المواضع الواقعة بين القرحة والرّباط ممّا لم يذكره المصنّف هنا. فبالقرب من القرحة : قرية الباقحوم ، وآل القحوم أو باقحوم من آل العموديّ ، يسكنون هذه القرية فنسبت إليهم ، وسيأتي ذكرهم في قرن ماجد ؛ لإمارتهم لها.

ثمّ يأتي في الجانب الشّرقيّ قبل الرّباط : حصن الباصمّ ، فيه الباصمّ ـ بفتح الصّاد وتشديد الميم ـ وهم من نوّح.

(٢) الشّيخ أحمد بن عبد القادر باعشن ، ترجم له المحبّي في «خلاصة الأثر» وقال فيه : (الشّيخ أحمد بن عبد القادر بن عمر الدوعنيّ الحضرميّ ، خلاصة الخلّان ، مأمن المخلصين ، وصفوة الصّفوة من الصّوفيّة المحقّقين ، وزبدة الزّبدة من أهل التّمكين ، إمام أهل العرفان في عصره ، وشيخ الأولياء في قطره ، كان له في علم التّحقيق المشرب الصّفيّ ، والمقام الأكمل الوفيّ ، ورزقه الله تعالى حسن العبارة ، فكان يتكلّم بالفتوحات الإلهيّة ، وكانت السّادة آل باعلويّ مع جلالتهم تخضع له ، وتأخذ عنه ، وتتبرّك به ، ولازمه منهم أئمّة عارفون ، وبه تخرّجوا ، وببركة علومه انتفعوا) اه (١ / ٢٣٧ ـ ٢٣٨).

٣٤٧

فقيه بن عبد الرّحمن بن الشّيخ عليّ ، المتوفّى سنة (١٠٣٨ ه‍) : (ورحل إلى وادي دوعن ووادي عمد ، ووجد بهذين الواديين من العلماء والعارفين ما يعجز عنهم وصف الواصفين).

ومن آل باعشن : الشّيخ سعيد بن عبد الله باعشن ، أحد مشايخ السّيّد الجليل عليّ بن حسن العطّاس صاحب المشهد ، وقد أكثر من ذكره في «ديوانه» ومؤلّفاته.

ومن أواخرهم : الشّيخ سعيد بن محمّد باعشن (١) ، وهو من مشايخ سيّدنا الأستاذ الأبرّ عيدروس بن عمر ، قال في «عقده» [٢ / ٤٧] : (وكذا أجازني الشّيخ المحقّق ، المتفنّن المدقّق ، الشّيخ سعيد بن محمّد باعشن في جميع مصنّفاته ومرويّاته).

وقال الشّيخ عليّ باصبرين في مقدّمة كتابه «إثمد العينين» : (كان يختلج في صدري جمع ما تيسّر من الخلاف بين الرّمليّ وابن حجر ، حتّى توجّهت من الحجاز إلى الدّيار المصريّة في سنة (١٢٦٠ ه‍) .. فوجدت مع بعض الإخوان مؤلّف شيخنا العلّامة المحقّق ، الورع الزّاهد ، الشّيخ سعيد بن محمّد باعشن ، المسمّى «بشرى الكريم» ، فطالعته إلّا كرّاسين ، وجرّدت ما فيه من الخلاف) اه باختصار.

ومنهم الشّيخ عبد الله بن عمر بن عبد القادر باطويل ، نجع من الرّباط إلى جدّة ، وتحمّل بعائلته منها إليها ، وله الآن أعمال بجدّة ، تزيّنها الشّهامة ، وتحوطها المروءة ، وتخالطها الدّماثة ، ويكلّلها التّواضع ، نزلت عليه في حجّي سنة (١٣٥٤ ه‍) .. فأحمدت أثره ، واستسنيت خبره ، ولم تقع عيني ولا أذني منه إلّا على أحسن ممّا يرجى ، وأفضل ممّا يرام ، بارك الله له في نفسه وآله وماله ، وعمره وإيّانا. آمين.

__________________

(١) الشّيخ سعيد بن محمّد بن عليّ باعشن (٠٠٠ ـ ١٢٧٠ ه‍) ، فقيه دوعن وعالمها في وقته ، ولد بالرّباط ، وتوفّي بها ، رحل إلى مصر لطلب العلم ، وتفقّه بشيخ الإسلام عبد الله الشّرقاويّ (ت ١٢٢٧ ه‍) ، وأخذ عن الشّيخ الباجوريّ وغيرهما ، والآخذون عنه كثيرون.

له تصانيف قيمة طبع منها مؤخرا : «مواهب الديان شرح فتح الرحمن» ، وسيصدر قريبا ـ إن شاء الله تعالى ـ كتابه : «بشرى الكريم شرح مسائل التعليم» وهما من إصدارات دار المنهاج بجدة.

٣٤٨

وفي ذكر خيوان من «صفة جزيرة العرب» للهمدانيّ أنّه : (كان يسكنها بنو نعيم ، وآل باعشن ، وآل أبي حجر من أشراف حاشد) (١). فلعلّ آل باعشن كانوا منهم فنجعوا إلى دوعن.

وبالرّباط : آل الصّافي الجفريّ ، وهم من أقرب النّاس لوحيد حضرموت ومجدّد مجدها وشرفها في القرن الثّالث عشر سيّدي الحبيب حسن بن صالح البحر ، يرجعون هم وإيّاه إلى السّيّد شيخان بن علويّ بن عبد الله التّريسيّ.

وقد نقل منهم جماعة إلى عدن ، وهم السّيّد طه وأخواه : محسن وحامد ، ولهم ذرّيّة هناك.

وكان السّيّد عبد الله بن حامد عين عدن الباصرة في سنة (١٣٢٩ ه‍) علما ، وجودا ، وشهامة ، وجمال شارة ، وطيب رائحة ، ونفاسة ملبس.

ومنهم : السّيّد محمّد بن محسن ، له ثروة طائلة.

ومنهم : عمر بن طه ، كريم شمائل ، إلّا أنّه أصيب في الأخير بعدّة نوائب ، فجبر الله كسره ، وعوض عليه ما فاته.

وبالرّباط أيضا جماعة من ذرّيّة السّيّد عمر بن عبد الرّحمن الجفريّ التّريسيّ ، مولى العرشة ، المتوفّى بتريس سنة (١٠٣٧ ه‍).

وناس من آل البيتيّ ؛ منهم السّيّد عبد الرحمن صاحب القبّة وناس من آل بابقي وناس من آل باسندوة ؛ منهم الشّيخ عبد الرّحيم ، ومنهم الشّيخ عبد القادر بن عبد الله باسندوة ، من أهل العلم والعبادة ، أحد تلاميذ الشّيخ عبد الله بن أحمد بن فارس باقيس ، له أعقاب بها وبالحديدة وعدن.

وبها جماعة من آل العطّاس (٢) ، منهم : نزيل الحديدة الآن السّيّد أبو بكر بن

__________________

(١) صفة جزيرة العرب (١١٥) ، وخيوان هذه هي الحدّ الفاصل بين حاشد وبكيل ، ولا تزال عامرة.

(٢) منهم : السّيّد الحبيب عليّ بن حسين بن أبي بكر بن أحمد بن عليّ بن حسين بن عمر العطّاس ، من الآخذين عن الحبيب صالح بن عبد الله ، وكان من الذّاكرين الله كثيرا.

٣٤٩

حسن بن محمّد ـ صاحب الغيل ـ ابن محمّد بن جعفر ـ صاحب صبيخ ـ ، تاجر صدق ، وغزير إحسان ، وحليف وفاء ، وأبيض قلب ، ونقيّ جيب ، يكرم الضّيف ، ويحمل الكلّ ، ويكسب المعدوم ، ويعين على نوائب الحقّ ، وله جملة أولاد ، منهم : حسين أقام يطلب العلم عندنا مدّة ليست بالقصيرة ، له طبع كريم ، وخلق دمث ، وتواضع كثير ، و: حسن ، له أدب وظرف ، ونيقة (١) وشهامة.

وبالرّباط أيضا جماعة من آل الحامد ابن الشّيخ أبي بكر بن سالم ، منهم : السّيّد محمّد بن أحمد الحامد ، له ولد نبيه ، يقال له : سالم ، طيّب الأخلاق ، أظنّه بمكّة المشرّفة الآن.

ومن أهل الرّباط : آل بلّاذن ، نجعوا إليها من مرخة ؛ منهم اليوم : محمّد بن عوض بلّاذن ، له أعمال كبيرة بالحجاز ، وتجارة واسعة ، ومساع مشكورة ، ومحاسن مشهورة ؛ فكم كشف عن منكوبي حضرموت من غمم ، وطوّق أعناق الكرام بالنّعم ، وما أحسن قول الإمام الغالب كرّم الله وجهه : يا كميل ؛ مر أهلك بالمكارم ، ويغدوا في حاجة من هو نائم ؛ فو الّذي وسع سمعه الأصوات .. ما من أحد يودع قلبا سرورا .. إلّا خلق الله من ذلك السّرور لطفا ، حتّى إذا نزلت به نازلة ، أو نابته نائبة .. كان ذلك السّرور أسرع إليها من الماء في انحداره حتّى يطردها كما تطرد الغريبة من الإبل عن الحوض. أو ما يقرب منه.

وإنّ هذا المحسن النّبيل ليجري بالخطا الواسعة في هذا السّبيل أدامه الله عليه ؛ ليبقى من ظلّ الإحسان في حرز حريز ، ومن ذرى المجد في مقام عزيز. وله أخ اسمه عبد الله (٢) ، يساعده على إغاثة الملهوف ، واصطناع المعروف ، وكسب المعدوم ، وإعانة المنكوب ، فشكر الله سعيهما ، وأدام رعيهما. آمين (٣).

__________________

(١) النّيقة : المعرفة ، والمبالغة في تجويد الأمور.

(٢) توفي بالمدينة المنورة سنة (١٤٢٢ ه‍).

(٣) وآل بن لادن هؤلاء رحلوا إلى الحجاز ، وصار لهم صيت ذائع ، والشيخ المكرم محمد بن عوض بن لادن توفي رحمه الله في حادث طائرة عام (١٣٨٦ ه‍) ، ولحذقه في فن البناء والعمارة فإن الحكومة السعودية أو عزت إليه القيام بمهام جليلة ، وأعظم منقبة وأجل عمل قام به هو خدمة الحرمين

٣٥٠

عوره (١)

هي مصنعة (٢) دوعن وقلعتها الحربيّة ، ومسكن أمرائها. وقد مرّ في ميفعة أنّ الشّيخ الصّالح المغربيّ اجتاز بها ، وألبس صاحبها الخرقة.

وجاء في «صفة جزيرة العرب» [١٧٠ ـ ١٧١] لابن الحائك الهمدانيّ ، الّذي كتبه أوائل القرن الرّابع للهجرة : (أنّ موضع الإمام الّذي يأمر الإباضيّة وينهى كان في مدينة دوعن).

وبما أنّ عوره حصن دوعن .. فالظّاهر أنّها كانت هي موضع إقامته ، ويتأكّد بما سيأتي في القرين.

ولمّا زرت دوعن في سنة (١٣٤٠ ه‍) .. ألحّ عليّ أميرها المقدّم عمر بن أحمد باصرّة في المجيء إليها ، فاعتذرت ، ولمّا زرتها زيارتي الأخيرة سنة (١٣٦٠ ه‍). كلّف عليّ الفاضل الأخ علويّ بن محمّد المحضار إجابة دعوة أبنائه ، ففعلت ، ولكنّني ندمت ندامة شديدة ؛ إذ لقيت فيها ما لا أقدر على وصفه من المتاعب في طريقها ، إن ركبت .. خفت السّقوط ، وإن ترجّلت .. لقيت الجهد!

وكان بها مسكن المقدّم عمر بن أحمد باصرّة ، وهو رجل شهم ، وهّاب نهّاب ،

__________________

(١) قال في «الشّامل» : (ثمّ تأتي عوره ـ بعد الرّشيد ـ وبأعلاها على صخور أعلى القارة مصنعة عوره) اه

ومن مشاهير سكّان عوره : آل باشنفر ، سيأتي ذكرهم ، أمّا المصنعة ففيها آل المقدّم باصرة ، ومن هذا يعلم أنّ المصنعة غير البلدة ؛ لأنّ المصنعة إنّما شيّدت حديثا ، بخلاف ما يوهمه كلام المصنّف من أنّ عوره هي ذات المصنعة ، فليعلم.

(٢) المصنعة : مفرد ، جمعه مصانع ، قال في «القاموس» : المصانع : المباني من القصور والحصون.

اه وفي اليمن كثرة كاثرة من المصانع منتشرة في حضرموت وفي شمال اليمن أكثر ، وهي قلاع ومراكز حربيّة هامّة ومحصّنة جيّدا ، عدّد منها المقحفي في معجمه أكثر من (٣٠) مصنعة ، ومصنعة عوره واحدة منها.

٣٥١

يجور على الرّعايا ، ويبسط جوده لأهل العلم والفضل ، فيتغلّب إطراؤهم لدى السّلطان غالب بن عوض القعيطيّ فلا يؤثّر عليه ما يصل إليه معه من تظلّم الرّعيّة منه (١) ، فتأطّد مركزه ، ورسخ قدمه ، وتمّ له ما يريد بمساعدة السّيّد حسين بن حامد المحضار ، وقد جرى في أيّامه من الظّلم والجور ولا سيّما على أهل الوادي الأيسر ما لا تبرك عليه الإبل ، حتّى لقد دخل أحد الجنود في أيّامه إلى منزل أحد الأهالي وما فيه غير امرأته ، فجاء أحد أقاربها ـ واسمه صالح بابقي ـ فقال لها : من عندك؟ فقالت : لا أحد ؛ خوفا من شرّه ، وكان مختبئا ، ثمّ إنّه ظهر وأطلق الرّصاص على بابقي ، وأرداه ، ولم تحبق في ذلك شاة.

وأخبرني غير واحد ممّن يوثق بهم : أنّ أحد آل بارضوان ـ واسمه سالم ـ كان بالقويرة ، وكان منحرفا عن شيخنا الشّهير أحمد بن حسن العطّاس ؛ لأنّه كان من أهل حريضة ، فزال عنها إلى القويرة ، وكان يتحرّج أن يذهب إلى عند باصرّة ، وفي إحدى قدمات العلّامة السّيّد أحمد بن حسن إلى القويرة .. دعاهم باصرّة كعادته للضّيافة ، فذهبوا ، وعزم الفاضل الجليل السّيّد مصطفى بن أحمد المحضار على بارضوان أن يجيء معهم ، فامتنع أوّلا ، حتّى ألحّ عليه ، فصحبهم ، ولمّا انتهوا إلى باصرّة .. قال له الحبيب مصطفى : حرّك بارضوان ، ـ وكان جريئا حاضر الجواب ، ذرب اللّسان ـ فقال باصرّة : إنّ برّضوان لم يأتني للتّعزية في عمر عبود باصرّة ، ولكنّه جاء اليوم لمّا سمع بالهريس.

فقال له : أمّا هريسك الّتي جاء لها هؤلاء .. فحرام عليّ كلحم أمّي.

ولمّا قرّبوا الغداء .. وثب إلى مكان مرتفع عن النّاس يوضع فيه فضول الفراش

__________________

(١) قال صاحب «الشّامل» : مصنعة عوره ؛ وهي ملك آل باصرّة ، وكانت قبل بيد المشايخ آل باجعيفر ، ثمّ صارت للقثم ، ثمّ بعد استيلاء القعيطيّ على الوادي بلغنا أنّه وهبها لولد باصرة ، قدّمه إليه وقال : إنّا سمّيناه عوض بن عمر باسمك يا سلطان ، ومرادنا له هديّة منك ، فقيل : إنّه أهدى له هذه المصنعة. شاع هذا الحديث وسمعناه في حينه ، والله أعلم بالواقع.

وقد بنى فيها المقدّم عمر وزاد وقوّى ، وصارت دار الملك ، فالنّاس يختلفون إليها ما بين شاك ومشكوّ منه ، ومسترفد ، وقد اشتهرت بعد الخمول ، وسبحان من يصرف اللّيل والنّهار. اه

٣٥٢

والوسائد ـ ويسمونه الطّاق ـ فقال له السّيّد مصطفى : ترتفع على النّاس! أما تخاف من المقدّم؟

قال له : أيّ مقدّم؟ إنّ المقدّم هو الّذي عمد بتربة تريم (١) ، أمّا هذا .. فما هو إلّا مقدّم الظّلم ، قدّمته أنت وأحمد بن حسن لأجل قروشه وهريسه. أو ما هذا معناه ، أو قريب منه.

وعوره في الأصل ملك آل باجعيفر .. فكان في جملة ما صادره باصرّة من أموالهم ، ولمّا مات المقدّم عمر بن أحمد باصرّة في سنة (١٣٥٠ ه‍) .. خاف أولاده أن تكثر عليهم الدّعاوي إن اندفعوا عن العمالة وذهبت الهيبة ، فبذلوا ـ على ما يقول مبغضوهم ـ الألوف المؤلّفة ؛ حتى أبقاهم السّلطان عمر بن عوض عليها ، وكان فيما بذلوه عشرون ألف ربّيّة للسّلطان عمر نفسه ، وخمسة آلاف ربّيّة للأمير سالم بن أحمد القعيطيّ ، وأبقاهم السّلطان صالح بن غالب عليها مديدة.

وكان وزيره السّيّد حامد بن أبي بكر المحضار يحمل عليهم ضغنا شديدا ، ولو طالت مدّته .. لجرّعهم الأجاج ، وأسعطهم الخردل ؛ إذ كان كأبيه وجدّه لا يرجعون في أحكامهم إلى قانون قطّ ، وإنّما يعملون بما تملي عليهم أغراضهم وأهواؤهم ، إلّا أنّ السّيّد حسينا كان يعتصم بالحياء والذّمم ، وله من المروءة والشّهامة الحظّ الوافر ، فهنّ المانعاته عن كثير من الأمور ، ومن حسن حظّ آل باصرّة أن لم تكن وزارة حامد إلّا أقصر من ظمء الحمار.

ولمّا مات في سنة (١٣٥٠ ه‍) .. أبقى القعيطيّ العمالة في أولاده ، فكثرت منهم الشّكاوى ، فعزلهم السّلطان صالح بن غالب ، ثمّ ردّ العمالة إلى عبود بن عوض بن عمر بن أحمد باصرّة وعمّيه أحمد ومحمّد ، فيقال : إنّهم ارعووا عمّا كانوا عليه واستقام حالهم ، ولم يجد السّلطان من يسدّ مسدّهم سواهم ، وقد بنوا في عوره قصورا فخمة أجروا إليها الماء من عين أنبطوها بأعلى الجبل (٢) ، فأرغد عيشهم ،

__________________

(١) عمد ـ بالتخفيف محركة ـ : حلّ وأقام (عامية) معروفة بلهجة أهل الكسر ودوعن وعمد.

(٢) أنبطوها : استخرجوها.

٣٥٣

ونعم بالهم ؛ إذ كانوا في حلقة الميم من نقل الماء إلى تلك القارة الّتي قلت في وصفها من «رحلة دوعن» [من الطّويل] :

وسرت لداعي (عورة) في وعورة

وعدت كأنّي جئت من ساحة الوغا

وفي عوره جماعة من آل باشنفر (١) ، لهم تجارة بدوعن وعدن ، ومصر ، وأصلهم ـ فيما يقال ـ من الشّنافر ، نجعوا إلى دوعن بإثر حروب تواقعوا فيها مع بعض أصحابهم ، واسمهم ناطق بذلك ، وإنّما دخل عليه التّصحيف الّذي يدخل بالأغلب بين الحضارمة على الأسماء والألقاب ، ويأتي في قرى تاربه اشتقاق الشّنفريّ (٢).

القرين (٣)

بلد دون الخريبة وبضه ، ولكنّها أكبر من غيرها ، وكان بها مثرى الإباضيّة ـ كما يعلم من كلام الإمام أحمد بن محمّد المحضار وغيره ـ وهي الآن مقرّ السّادة الأبرار آل البار ، ومنهم : الفاضل العلّامة الجليل المقدار ، عمر بن عبد الرّحمن بن محمّد بن حسين بن عليّ البارّ بن علويّ شرويّ بن أحمد باحداق بن محمّد بن عبد الله بن علويّ بن أحمد ابن الفقيه المقدّم.

__________________

(١) آل باشنفر : أسرة معروفة ، لها مكانة مرموقة في عدن وجدّة ، وأفرادها يتعاطون التّجارة ، ومن أشهر رجالاتها : عبد القادر باشنفر من تجّار عدن.

(٢) وفي جنوبيّ عورة يقع قبر مولى الدّلق ، وهو الشّيخ باعمر ، أحد كبار أصحاب الفقيه المقدّم محمّد بن عليّ باعلويّ ، وهو من مشاهير رجال التّصوّف المبكّر في حضرموت ، ويقال : إنّه حسنيّ النّسب. والله أعلم.

(٣) القرين ـ تصغير قرن ـ : تقع في الجانب الشّرقيّ بعد عوره على يمين الخارج من وادي دوعن المتّجه شمالا ، وبأعلاها شعب غوالة ، به عين ماء أو غيل يسقي بعض أو كلّ السّكّان ، وقد أقيم خزّان ماء أعلى الشّعب قريبا من دار السّيّد الحبيب عبد الله بن حامد البار ، وركّبت الأنابيب لجلب الماء إليه من تلك العين ، وكان ذلك بمساعي الحبيب المذكور ، كما أخبرني ابنه السّيّد عيدروس رحمهما الله.

وبها من السّكّان من السّادة الأشراف : آل البار ، وآل بافقيه ، وآل بن شيخان ، وآل الحبشي.

ومن غيرهم : آل باقتادة ، وكانوا من ولاتها قديما ، وآل باحمدون ، وآل باخريبة ، وآل باعامر ، وآل باكحيل ، وآل باشنيني ، وآل باهميم ، وآل باحجري ، وآل بامقابل ، وآل بامنيف ، وغيرهم.

٣٥٤

أخذ عن والده وعن الحبيب عبد الله بن علويّ الحدّاد ، وعن الشّيخ العارف محمّد بن أحمد بامشموس ، توفّي سنة (١١٥٧ ه‍) عن ثمانية عشر ابنا وستّ بنات ، انقرض منهم ستّة من غير عقب ، وأعقب خمسة عقبا قليلا قد انقرض ، ومن أولاده : طه وشيخ وعبد الرّحمن ، عقبهم بالقرين (١).

ومنهم : العلّامة عمر بن عبد الرّحمن الثّاني (٢) ، المتوفّى بجلاجل (٣) مرسى بالحجاز ، على مقربة من جدّة ، وكانت وفاته في سنة (١٢١٢ ه‍) إلّا أنّه جاء في موضع من «عقد» سيّدي الأبرّ أنّ وفاته كانت في سنة (١٢١١ ه‍) ، وكان معه يوم توفّي تلميذاه الجليلان : السّيّد عبد الله بن عليّ بن شهاب الدّين الدّين المتوفّى سنة (١٢٦٥ ه‍) والشّيخ عبد الله بن أحمد باسودان.

__________________

(١) ههنا أمور :

أولا : حصل سقط في نسب الحبيب عمر البار ؛ فإنّ جدّه عليا البار هو ابن عليّ بن علويّ .. فاسم عليّ مكرّر مرّتين.

الثّاني : أنّ لقب البار إنما أطلق على السّيّد عليّ الثّاني .. بن علي بن علويّ ، وليس على حسين بن عليّ كما في «الفرائد الجوهريّة» للسيد عمر الكاف.

الثّالث : والد الحبيب عمر البار قدم إلى القرين من الشّحر ، وتوفّي بها سنة (١١١٦ ه‍).

الرّابع : أبناء الحبيب عمر البار هم حسب ترتيب ذكرهم في «شمس الظّهيرة» : صادق ، وطاهر ، وعبد الله ، وطالب ، وحامد ، وطه ، وشيخ .. هؤلاء لهم عقب قليل ، وقد قرضوا جميعا ، كما قال النسابون.

وعبد الرّحمن ، وعليّ ، وعلويّ ، وحسين ، وأبو بكر .. هؤلاء لهم عقب.

وأمّا الّذين لم يعقبوا بتاتا .. فهم ستّة لم تذكر أسماؤهم في «الشّمس».

(٢) أفرده بالتّصنيف وترجم له ولشيوخه بتوسّع تلميذه البار الشّيخ عبد الله بن أحمد باسودان في كتابه العظيم «فيض الأسرار» الّذي حشاه بالفوائد الجليلة ، والمعلومات التّاريخيّة الفريدة ، وله أيضا ترجمة في «تاريخ الشّعراء» وغيره ، ولم يذكر له المؤرّخون عقبا.

(٣) جلاجل : بلدة على ساحل البحر الأحمر ، تعدّ ميناء ومرسى وادي دوقة الواقع على طريق الحاجّ اليمنيّ ، بين القنفذة واللّيث. وبين وادي دوقة ويلملم مسيرة ثلاثة أيّام ، وهو لغامد. كذا في «معجم البلدان» لياقوت ، و «تاريخ الشّعراء» للسّقّاف ، والّذي في عدّة مواضع من «الصّفة» للهمدانيّ : أنّ جلاجل واد ضيّق في ناحية نجران ، وهو لقبيلة وادعة.

٣٥٥

ومن آل البارّ : السّيّد الشّريف العلّامة أحمد بن عبد الله بن عيدروس (١) ، عالم عامل ، لطيف عفيف ، توفّي بالقرين سنة (١٣١١ ه‍).

ومنهم : أحمد بن عبد الله بن محمّد (٢) ، شريف ناسك. ذكرهما في «شمس الظّهيرة» ؛ لأنّهما كانا موجودين في سنة (١٣٠٧ ه‍).

ومنهم : العلّامة السّيّد حسين بن محمّد البارّ (٣) ، المتوفّى بالقرين في سنة (١٣٣١ ه‍).

أخبرني الشّيخ عمر بن أحمد باسودان ـ السّابق ذكره في الخريبة ، وكان ضابطا متيقّظا ـ قال : عملوا ختما وطعاما بإثر وفاة الحبيب حسين بن محمّد البارّ ، وبينا المجلس غاصّ بأعيان العلويّين بدوعن لذلك العهد ـ كالسّيّد مصطفى بن أحمد المحضار وأصحابه ، ومحمّد وعبد الله وحامد آل علويّ البارّ ـ والمقدّم عمر بن أحمد

__________________

(١) ترجم له ابن أخيه الحبيب حسين بن محمّد ـ الآتي ذكره بعده ـ في «نبذة» ، منها : أن الحبيب أحمد رحل إلى زبيد ونواحيها ، وحجّ ولقي بالحرمين عددا من علماء مصر والشّام ، وأخذ عنهم ، وكان يعدّ مسند دوعن في وقته ، ومن شيوخه : الشيخ عبد الله باسودان وابنه محمّد ، والسّيّد محمّد بن عبد الرّحمن الأهدل ، والسّيّد طاهر الأنباريّ ، وإبراهيم المزجاجيّ ، وبمكّة : عثمان الدّمياطيّ ، وأحمد الدّمياطيّ ، وعليّ السّروريّ ، وعبد الله سراج ، والوجيه الكزبري محدّث الشّام ، وأخذ عن الشّهيد محمّد العمرانيّ تلميذ الشّوكانيّ ، وعن الإمام أحمد بن عمر بن سميط ، والحبيب حسن بن صالح ومن في طبقتهم. ينظر : «الشّامل» (١٤٧ ـ ١٤٨) ، و «الخلاصة الشّافية» ، و «مجموع وصايا آل البار».

(٢) هو السّيّد أحمد بن عبد الله بن محمّد الأكبر ابن علويّ ابن الحبيب عمر البار الكبير ، الملقّب بالسّاكت ، كان من أهل الفضل ، لقي الحبيب صالح بن عبد الله العطّاس ، وأخذ عنه. «الشّامل» ، و «تاج الأعراس» ، ولم تؤرّخ وفاته.

(٣) الحبيب حسين بن محمّد البار ، مولده بالقرين ، وبها وفاته ، ونشأ في كنف والده وعمّه أحمد بن عبد الله ، وعلى الأخير كان تخرّجه وفتحه ، وأخذ عن الشّيخ سعيد باعشن ، والشّيخ عبد الله باسودان ، وطبقتهم. ورحل إلى تهامة ، وكانت له ولأخيه عبد الله تجارة في الحديدة ، ثمّ تلاشت وتحوّلوا إلى عدن ، وبعد وفاة عمّه أحمد كانت الصّدارة له في المجالس والمدارس العلميّة في القرين ، ورحل إليه الكثير وأخذ عنه الجمّ الغفير ، وممن أدركه : حفيده الحبيب عبد الله بن حامد.

ترجمته في «منحة الإله» ، و «الشّامل» و «تاج الأعراس» ، وغيرها.

٣٥٦

باصرّة يكثر من شرب الدّخان ، وأنا حاضر .. إذ قيل : أقبل السّيّد عمر بن أحمد بن عبد الله البار العالم التّقيّ ، فتشمّر المقدّم واهتمّ ، وجمع خاطره ، وأبعد مداعته (١) ، ومسح يده وفمه بثوبه ، وتأدّب بين يديه ، لكنّه كان لا يدخل داره ، ولا يقبل هديّته الّتي طالما حاوله على قبولها ، فصحّ قول الجرجانيّ [في «طبقات الشافعية» ٢ / ١٦٠ من الطويل] :

أرى النّاس من داناهم هان عندهم

ومن أكرمته عزّة النّفس أكرما

توفّي السّيّد عمر المذكور بالقرين في رجب سنة (١٣٣٩ ه‍).

أمّا رداء الحبيب حسين بن محمّد البارّ .. فوقع على ولده محمّد بن حسين ، فقام في مقامه أحسن القيام ، حتّى توفي ، وخلفه ولده حامد ، ذكيّ نبيه مشكور الخلائق.

ومنهم : أخونا العلّامة الجليل ، بقيّة أراكين الشّرف ، السّيّد عيدروس بن سالم بن عيدروس بن سالم بن عيدروس البارّ (٢) ، لقد كان عدّ جود خسيف ، وطود علم منيف.

فما دبّ إلّا في أنامله النّدى

ولم يرب إلّا في مجالسه العلم (٣)

إلى خلق كأنّه الرّوض طلّه الغمام ، أو الزّهر بارح الكمام (٤).

لن تلق مثل مساعيه الّتي اتّصلت

بالصّالحين وكانت عن أب فأب (٥)

__________________

(١) مداعته : المداعة (عامية) وهي آلة التنباك المعروفة والمسماة بالجوزة.

(٢) مولده بمكّة سنة (١٢٩٨ ه‍) ، أو (١٢٩٩ ه‍) ، وطلب العلم صغيرا ، وجدّ واجتهد وحصّل ، وأدرك الأكابر وأخذ عنهم ، وكانت له الصّدارة بين علماء مكّة آنذاك ، وأجلّ شيوخه : الحبيب حسين الحبشيّ ، والشّيخ بابصيل ، وباجنيد ، وصالح بافضل ، وعبد الرّحمن وأسعد آل الدّهّان. ومن أراد التّوسّع في ترجمته .. فلينظر «تاج الأعراس» ، و «الدّليل المشير» ، و «سير وتراجم».

(٣) البيت من الطّويل.

(٤) بارح : فارق. الكمام : الغطاء أو البرعم الّذي يكون فيه الزّهر. والمعنى : كأنّه الوردة المتفتّحة الّتي فارقت برعمها وصارت زهرة.

(٥) البيت من البسيط ، وهو للبحتريّ في «ديوانه» (٢ / ٢٢) ، وفيه بعض التّغيير في بعض الكلمات.

٣٥٧

له ورع حاجز (١) وزهد ناجز (٢) ، وخوف من الله يحفيه (٣) ، وجهد في العبادة يخفيه ، إلى نفس سليمة ، وسير قويمة ، وتواضع يدلّ لارتفاع القيمة ، مع جاه عظيم ، يبذله لكلّ كريم ، فكم قضيت به مغارم ، وبنيت منه مكارم.

وإذا امرؤ أسدى إليك صنيعة

من جاهه فكأنّها من ماله (٤)

توفّي بمكّة المشرّفة في المحرّم من سنة (١٣٦٧ ه‍) ، فاشتدّ الرّنين ، وانجدع العرنين (٥) ، وعظم المصاب ، وأظلمت الحصاب (٦).

وله أخوان على قدم الصّلاح والعبادة والتّواضع ، وهما : أبو بكر وعبد القادر ، لم تزل مجالسه معمورة بهم وبأولاده ؛ وهم : حسن وعليّ وفضل وسالم وعمر ومحمّد ، وأولاد عمّهم : حسين وهاشم ابني عبد القادر ، ومحمّد بن أبي بكر ، نسأل الله تحقيق الآمال ، وإصلاح الأعمال ، وأن لا يشغلنا ولا أحدا منهم بحبّ المال.

ومنهم السّيّد أحمد بن عبد الله بن عمر بن أحمد البارّ ، وولداه : عمر وعبد الله ، يسكنون الآن برابغ.

وفي القرين جماعات من آل بامشموس ؛ ومنهم : الشيخ محمّد بن أحمد بامشموس ، كان من رجال العلم والفضل ، والتّقوى والعبادة والنّور ، وكان الشّيخ محمّد بن ياسين باقيس يقول : إنّ الشّيخ محمّد بامشموس نظيف الظّاهر والباطن ، كأنّه ملك دخانيّ.

__________________

(١) الورع : ترك الشّبهات. حاجز : يحجزه عن الوقوع في المحرمات.

(٢) الزهد : ترك الشّيء المقدور عليه لله. ناجز : تامّ حاضر.

(٣) يحفيه : يمنعه ، ولهذا الكلام في علم البلاغة نكتة لطيفة ؛ إذ عندما يحذف القائل المفعول به .. فإنّما يريد العموم ، والمراد هنا : أنّه يمنعه من كلّ ما شأنه أن يمتنع منه. والله أعلم.

(٤) البيت من الكامل ، وهو لأبي تمّام في «ديوانه» (٢ / ٢٩).

(٥) انجدع : قطع. العرنين : الأنف ، وهو كناية عن الذّلّ.

(٦) الحصاب : موضع رمي الجمار ، وإظلام الحصاب كناية على أنّ المصائب تأتي خبط عشواء ؛ كما ترمى جمار العقبة إذا كانت مظلمة.

٣٥٨

وجماعات من آل باعامر ، وآل باجنيد ، وآل العيد ، وآل بامقابل ، وآل باحمدون ، وآل بامنيف ، ولعلّ هؤلاء من نهد.

رحاب (١)

أخبرني الأخ الأديب علويّ بن عبد الله الحبشيّ ـ وهو من سكّانها ـ : أنّ ولاية رحاب كانت لآل عبد الله ، ومنهم الأمير الّذي يخاطبه القطب الحدّاد بقوله [في «ديوانه» ٣٨٣] :

يا جميل انّ ستر الله على الخلق باقي

ولمّا ظهر بدر بن عبد الله بوطويرق .. صالحه آل عبد الله (٢) على استقلال داخليّ لهم في بلادهم ، مع اعترافهم بسلطنته ورئاسته عليهم ، وقد شخص جميل هذا إلى اليمن ، ومثل بين يدي إمام ذلك العصر ، فأقطعه رحاب وجبالها وأصقاعها ، وجعل لهم رسوما على مصانع بضه وعوره ، وبيدهم وثيقتان من الأئمّة : إحداهما من المهديّ ، والأخرى ممّن بعده.

قال السّيّد علويّ : (وقد أمروني بنقلهما لمّا ظهرت عليهما آثار الاندثار ، فنقلتهما بالحرف) ، قال : (وكان يركب منهم أربعون فارسا ، ولمّا استولى القعيطيّ على الوادي الأيمن في سنة «١٣١٧ ه‍» .. ياسرهم وأعفاهم من الرّسوم ، وأبقى لهم بعض الحقّ في إقطاع السّفوح لمن أرادوا ، ومنهم : أبو عامر (٣) المشهور) ، هذا

__________________

(١) رحاب : من قرى الجانب الشّرقيّ للوادي الأيمن ، فيها السّادة آل الحبشيّ ، وآل الجفريّ ، وفيها : آل باعبد الله ، وآل باشمّاخ ، وآل باجنيد ، وآل بامشموس ، وآل باداوود ومنهم جماعة في حوفة ، وآل بابراهم. وفي رحاب : ضريح الشّيخ ناجه ، ويقال له : ناجه بن أمتع ، ولعلّه جدّ الشّيخ يوسف بن أحمد المارّ ذكره في الحسوسة ، والله أعلم بحقيقة الحال.

(٢) آل عبد الله هؤلاء هم آل باعبد الله ، وسيأتي قول المصنّف أنّهم من بني هلال على الأغلب. وليسوا آل عبد الله الكثيريّين ، فليعلم.

(٣) أبو عامر : شاعر شعبيّ له حكم وأمثال ، لا زال النّاس يردّدونها ويستشهدون بها. ويقال إنه

٣٥٩

ما يقوله السّيّد علويّ ، والعهدة عليه ، وقد بسطناه مع جملة من أشعار أبي عامر في «الأصل».

ويزعم آل عبد الله أنّهم من بني هلال ؛ فمرجعهم وآل خليفة وآل مرخة ـ السّابق ذكرهم قبيل جردان ـ إلى قبيلة واحدة ، وقد أنكر بعضهم ما اشتهر على الألسنة من هجرة بني هلال (١) من حضرموت إلى المغرب ، وليس في محلّه ، ولا سبب له إلّا عدم الاطّلاع ، وإلّا .. فقد كانت خيامهم ضاربة من الكسر إلى العبر إلى الدّهناء إلى نجد ، ويتأكّد ذلك بما بين أشعارهم وأشعار الحضرميّين من التّشابه ، وكثيرا ما يوجد في شعر العامّة بحضرموت أنّهم غزوا برقة وقابس ، والشّعر ديوان العرب ، وكذلك يوجد تشابه في أسماء الأشخاص ، ولا سيّما النّساء والبلدان والبقاع.

ومن أبطال بني هلال المعروفين : حسّان بن سرحان.

وسلامة بن رزق ، وهو أبو زيد الهلاليّ بطل القصّة الّتي يزعم بعضهم أنّها خرافة ، وأنّه إنما كان السّبب في تأليفها ريبة حصلت في بيت الخليفة العبيديّ بمصر ، فأرادوا أن يشغلوا عنها النّاس ، والحقّ أنّ لها أصلا صحيحا حقّقه العلّامة ابن خلدون.

وقال لي بعضهم : (إنّه اطّلع على رحلة كتبها مركبول الإيطاليّ (٢) ، ذكر فيها أنّه رأى سفن البرتغال راسية في الخليج الفارسيّ تنتظر سكون هيجان البحر ، فخالط أهلها ـ وهم لفيف من عرب شبه الجزيرة ـ فتفرّس أنّ التّشابه بين أشعار عرب الجزيرة

__________________

شخصيتان : الأول وهو القديم من قرية المخينيق ، والأخير لعله الذي عناه المصنف وهو في القرن الحادي عشر ، وهو الذي مدح الإمام الحداد. وللسيد جعفر السقاف «نبذة» في أخباره.

(١) قبيلة بني هلال : هناك خلاف طويل حول قبيلة بني هلال ، وهل هي من حضرموت أو ليست منها ، والمؤلف يرى الأول وللأخ عمر أبي بكر باذيب مقال بعنوان : «اختلاف الرّواة حول مواطن قبيلة بني هلال لا ينفي هجرتهم من جزيرة العرب» جنح فيه إلى السبر التاريخي ومناقشة أقوال السابقين ، وله مقال آخر بعنوان : «حل الإشكال في أصول وموطن بني هلال» نشر في جريدة المدينة عدد يوم الأربعاء (٤) ذو الحجة (١٤١٥ ه‍).

(٢) هو ماركو پولّلو ، الرحالة الإيطالي الشهير ، ولد بالبندقية بإيطاليا سنة (١٢٥٦ م) ، ومات سنة (١٣٢٣ م). زار الهند والصين وغيرها ، ولم يصدقه معاصروه عند ما نشر مشاهداته.

٣٦٠