إدام القوت في ذكر بلدان حضر الموت

السيّد عبد الرحمن بن عبيد الله السقّاف

إدام القوت في ذكر بلدان حضر الموت

المؤلف:

السيّد عبد الرحمن بن عبيد الله السقّاف


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار المنهاج للنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ١١١٠

ومن خطّ الشّيخ محمّد بن عبد الرّحيم بن قاضي ، عن خطّ الفقيه عبد الله بن عليّ بن عبد العليم (١) بانافع : (أنّ قبائل السّوط من حمير) اه

وقبائل السّوط كما سبق قبيل ذكر وادي عمد هم : آل باتيس ، وآل سميدع ، وآل بلعبيد ، وهم : آل هميم ، وآل باهيصمي ـ وهو الرّأس ـ وباساع ، وباكرش ، وباحيّان ، وآل باغس ، وآل باسمير ، وآل باوهّاج ، وغيرهم. وقد سبق أنّهم يناهزون ألف رام.

ويأتي آخر الكتاب ما يشير إلى أنّ آل بلعبيد من قضاعة ، وهو موافق لما جاء عن بانافع ؛ لأنّ قضاعة من حمير ، وهي تمتدّ من رؤوس وادي جردان إلى رؤوس وادي رخية.

ومن خطّ الشّيخ أحمد بن محمّد مؤذّن باجمال ، عن كتاب «الفرج بعد الشّدّة في أنساب فروع كندة» لعوض بن أحمد الجرو : (أنّ ريدة الحرميّة للأحروم من الصّدف ، ومن آل لحروم : آل مروان وآل أبي سهل وبنو يمامة بنجران ، والصّدف الّذين بريدة الدّيّن من ولده) اه

فيتحصّل أنّ سكّان الرّيدة ـ وهي من السّوط ـ أخلاط من حمير ومن الصّدف وغيرهم.

ومن أخبارهم الأخيرة : أنّ آل باصليب الضّاربين بالحيلة من وادي عمد كان لهم ثأر عند آل بامسدوس ، فلم يقدروا عليه لمناعة أرضهم ، حتّى صاروا ضحكة بين السّماسرة يؤذونهم بالكلام.

والعار مضّاض وليس بخائف

من حتفه من خاف ممّا قيلا (٢)

فلم يكن منهم إلّا أن انتخبوا سبعة من رجالهم ، فركبوا متن اللّيل حتّى وصلوا إلى

__________________

(١) وفي نسخة : (عبد الرحيم).

(٢) البيت من الكامل ، وهو للمتنبّي في «العكبريّ» (٣ / ٢٤٢). مضّاض : مؤلم. الحتف : الهلاك. والمعنى : العار محرق موجع ، ومن خاف العار .. لم يخف من الهلاك ، وفي المثل : (من أنف من الدنيّة .. لم يحجم عن المنيّة).

٣٠١

حصن لهم بالضّليعة ـ بلغهم خلوّه من السّكّان ـ وكانوا استعدّوا بكثير من الماء والزّاد والعتاد ، فتسوّروا الحصن ، ولمّا بدر لهم المطلوب .. أطلقوا عليه الرّصاص ، فخرّ صريعا لليدين وللفم (١) ، ولكنّهم لم يقدروا على الهرب ، وتضرّر كلا الطّرفين : آل باصليب بالانحصار في الحصن ، والدّيّن بانكشاف مواضع تصرّفهم لبنادق آل باصليب ، حتّى توسّط بعض المناصب ، وبعد أن طالت المراجعة في الارتجاز ـ الّذي لم يرض الخروج صلحا بدونه آل باصليب ـ سمحوا لهم به ، فقال شاعرهم :

سبعه سروا من حيلة احمد بن علي

باروتهم عند السّما متحلّق (٢)

والدّيّني غافل ولا ظنّ الوفا

جئته من الجو والفنا متغلّق (٣)

ومن أخبارهم : أنّ السّيّد محمّد بن عمر بن علويّ باعقيل استجار بالدّيّن ، هاربا من السّيّد حسين بن حامد المحضار ، فبذلوا له الأمان ، وهم : آل بامسدوس ، وآل الهميم ، والمشاجرة.

ولمّا جدّ الجدّ .. قال له الأخيرون : لا نجيرك من الدّولة ، وأمّا ممّن دونهم .. فنعم.

وأمّا آل بامسدوس (٤) ورئيسهم سالم بن عليّ باغشمي .. فثبت مع باعقيل ، فلم يكن من السّيّد حسين بن حامد إلّا أن زحف عليهم بعسكر من جند القعيطيّ يتألّف من ألفين وأربع مئة ، على رأسهم أخوه السّيّد عبد الرّحمن بن حامد ومحمّد بن عمر بن أحمد باصرّة ، فتقدّمت العساكر إلى مكان يقال له : الأبيضين ، وإلى مكان آخر يقال له : وليجات ، ودام الحرب نحوا من شهرين ، حملت فيه العساكر القعيطيّة على آل

__________________

(١) لليدين وللفم : كلمة تقال عند الشّماتة في إنسان. والأصل في هذا المثل : أنّ سيّدنا عمر بن الخطّاب رضي الله عنه أتي بسكران في شهر رمضان ، فتعثّر بذيله ، فقال سيّدنا عمر رضي الله عنه : لليدين وللفم ، أولادنا صيام ، وأنت مفطر!! ثم أمر به فحدّ. وأراد : على اليدين والفم ؛ أي : أسقطه الله عليهما.

(٢) باروتهم : بارودهم ؛ أي : علا في الجو دخانه متراكبا.

(٣) الوفا : استيفاء الثأر. والفنا متغلق : الهلاك محقق.

(٤) البامسدوس : مشايخ قبائل الدّيّن ، ويقال لمنطقتهم ريدة بامسدوس ، وهي ضمن الدّيّن. وكانوا يتوارثون الزّعامة على الدّيّن. من فروعه : بلّحمر ، باغشمي ، بامكراب.

٣٠٢

بامسدوس مرّتين ، في كلتيهما يصلونهم نارا حامية ، فيتراجعون بعد أن قتل منهم في الهجمتين أكثر من العشرين بدون أن تراق من آل بامسدوس محجمة من الدّم (١).

فما زالوا بحامية ـ قارة صغيرة هناك (٢) ـ حتّى أرضوهم بما شاؤوا من الدّراهم ، فسلّموها لهم ، فانكشفت بطاح آل بامسدوس حينئذ لمدافع العسكر القعيطيّ ، فطلبوا مساعدة ماليّة من محمّد بن عمر باعقيل ؛ لشراء الذّخيرة حتّى يتمكّنوا من مواصلة الحرب ، وكان مثريا .. إلّا أنّه لئيم ، فلم يعطهم قليلا ولا كثيرا ، فتوسّط السّيّد عمر بن طاهر بن عمر الحدّاد والشّيخ محمّد بن بو بكر باسودان ، وذمّوا إليهم باعقيل ، وزيّنوا لهم تسليمه ، ومحالفة القعيطيّ إزاء ما يرضيهم من النّقود ، ففعلوا ، وعندها وصلوا بباعقيل مصفودا في القيود إلى مصنعة عوره.

قال السيّد حسين بن حامد المحضار :

سلام منّي عالمناصب والدّول

خصّ المقدّم والمسمّى باعقيل

يومه مطرّد من جبل لمّا جبل

ما قايس أنّا با نردّه بالصّميل (٣)

فأجابه أحد الدّيّن بما لا أذكره .. ثمّ قال السّيّد حسين :

حيّا بكم يالّي قضيتوا شغبكم

بالسّيف والقوّه وصرّات الخزين (٤)

ما الدّيّني شلّ الحموله مثقله

كنّه طرحها بعد ذلك يا هوين (٥)

فأجابه أحمد بن عبيد بن مسلّم بن ماضي بقوله :

لو لا قروشك لي معك قدّمتها

جيشك رجع مكسور يا سيّد حسين

__________________

(١) المحجمة : القارورة الّتي يحتجم بها.

(٢) حامية : قرية صغيرة ، هي اليوم من أعمال محافظة شبوة في وادي ميفعة ، وتقع بقربها بلدة رضوم.

(٣) الصّميل : العصا في لغة أهل حضرموت ، ويقال لها عند العرب : هراوة.

(٤) شغبكم : شغلكم (عامية). الخزين : بإمالة الزاي ـ أي : نطقها بين الفتح والكسر ـ والمقصود بصرات الخزين : الصّرر ـ جمع صرّة ـ وهي ما يوكأ من الدراهم ـ فصيحة ـ والخزين بمعنى الخزائن في الفصحى ـ جمع خزانة.

أي : قضيتم شغلكم بالسيف والمال.

(٥) يا هوين : كلمة بمعنى : أهون بك ، تقال في لهجة حضرموت العامية ، وأصلها في الفصحى : يا هويناه ، الأمر المطلوب بسهولة ويسر. ـ

٣٠٣

ولّا الوعول المربعيّه شفتها

عيال يافع في المقابر من ثنين

أمّا الحلف .. فقد تمّ بين الدّيّن والقعيطيّ بواسطة الدّراهم والسّيّد حسين ، وسلّمت لهم الدّيّن رهائن الرّضاء ، وما زالت رهائنهم تحت المراقبة في مصنعة عوره حتّى جاء نحو ستّة نفر من آل بامسدوس ذات يوم في حدود سنة (١٣٥٨ ه‍) فأخذوا رهائنهم ، وهربوا ضحوة النّهار ، ولم تحبق في ذلك ضأنة (١).

وأمّا باعقيل .. فبقي مقيّدا بسجن المكلّا ، وظفروا بولد له بعد ذلك أوان البلوغ ، فزجّوه معه في السّجن ، وآلوا أن لا يطلقوه إلّا بغرامة الحرب المقدّرة بمئتي ألف ربيّة ، حتّى وردت المكلّا في سنة (١٣٤٦ ه‍) فتوسّطت في إطلاقه بخمسين ألف ربيّة فقط ، فتمّ ذلك في قصص طويلة مستوفاة في «الأصل».

وكنت اجتمعت بالسّيّد حسين بن حامد بعد إلقائه القبض على باعقيل ، فأنشدني كثيرا من المساجلات الّتي دارت بينه وبين الدّيّن ، ولمّا أنشدني الزّامل الأوّل (٢) .. انتقدته ، وقلت له : لا يليق زجّ باعقيل في السّجن والقيد ، بعد أن خصصته بالسّلام ، ولو أنّك استثنيته .. لكان لك بعض العذر ، أمّا الآن .. فلا.

فسقط في يده (٣) ، وما أحسّ بها إلّا تلك السّاعة ، وكان يهاب الملام ويعرف مقادير الكلام ، وكانت شهامته تقتضي إطلاقه ، ولكنّ ولده أبا بكر لم يكن ليساعده على ذلك ، لأنّ العداوة إنّما تأصّلت بين باعقيل وبينه.

ومن الضّليعة إلى دوعن يوم واحد ، تنزل الطّرق من أعلى جبل السّوط (٤) الشّاهق إلى أكثر بلاد دوعن ؛ كالخريبة والقويرة وبضه وقيدون. فمنه إلى كلّ واحدة منها

__________________

(١) تحبق : تضرط. الضأنة : الشاة. وهو مثل يضرب للأمر الّذي لا يكون له تغيير ، ولا يدرك به ثأر.

(٢) الزّامل : الشّعر الّذي يقال في مناسبات عند القبائل الحضرميّة ، ويرتجز به.

(٣) سقط في يده : ندم ، وهو من الأفعال الّتي تلازم صيغة المبنيّ للمجهول ما دامت لازمة.

(٤) السّوط هذا يسمّى : سوط لبارقة ـ الأبارقة ، وهم قبيلة من الدّيّن ، ومن قراهم : الثّجر ـ بكسر ففتح ـ فيها : الباقارح ـ بكسر الرّاء ـ الدّييمة ـ بكسر ففتح الياء فسكون الأخرى ـ لباصرّة. وغيرها. وتأتي في طريق هذه العقبة مع النّزول عدّة قرى أخرى ، لا نطيل بذكرها ، ومن سكّانها : الباعبدون ، البانعمة ، الباوقّاش ، الباسلطان ، الباعطا ، آل وتّار ، الباعضيدة. ينظر «الشّامل» (٩٧ ـ ٩٨).

٣٠٤

طريق كلّها عقاب كأداء ، إلّا أنّ أقلّها وعورة ـ بالنّسبة فيما يقال ـ : طريق بضه.

وبالنّجيدين من ريدة الدّيّن كثير من المشايخ آل العموديّ ، منهم : الشّيخ عثمان بن محمّد بن عمر العموديّ ، ذهب ولده هذا العام ـ أعني عام (١٣٦٦ ه‍) ـ تاجرا يحمل ألف ريال إلى الحاضنة ، وكان معه أحد آل باقطمي ، وفي أثناء الطّريق صوّب الرّصاص إلى جوفه وهو يغطّ في نومه ، فأرداه واستلب سلاحه وماله ، إلّا أنّ المشايخ آل العموديّ اجتمعوا من كلّ صوب ، واحتجّوا على آل باقطمي القاطنين بمحيد ، الواقع في شرقيّ حوطة الفقيه ، بينه وبينها كما مرّ في يبعث نصف يوم ، ولا ندري ماذا صار بعد (١).

وفي شمال النّجيدين حوض عاديّ بديع الإصلاح والنّقب ؛ لحفظ الماء طوال سنين الجدب ، لا ينتهي أحد إلى قعره أبدا ، ولا يذكر أحد نفاد مائه بأسره قطّ ، والشّائع بينهم : أنّه من عمارة عاد ، كذا أخبرني الشّيخ محمّد بن سالم باسودان ، خطيب جامع الخريبة ، والمكان الّذي هو به يسمّى : شويحطين.

وعلى مقربة من الضّليعة آثار قرية قديمة ، على أنقاضها كتابات كثيرة بالمسند ، يقال لها : عكرمة (٢).

دوعن

وأمّا دوعن (٣) : فإنّه اسم عجميّ فارسيّ كما يأتي في حوفة ـ ومنه تعرف انتجاع

__________________

(١) الذي صار بعد : أن العمودي اقتصّ من قاتل ابنه ، واستلم تعويضا ماليا من الباقطمي نحو مئة ريال (قرش فرانصه) أو يزيد.

(٢) عكرمة : لعلّها نسبة إلى قبيلة من الصّدف بهذا الاسم ، وهي ضمن ريدة الدّيّن. وتوجد قرى أخرى بهذا الاسم أيضا في : بيحان ، وأخرى في مرخه ، وفي نواحي مأرب ثالثة لآل شبوان.

(٣) وادي دوعن من أودية حضرموت الرّئيسيّة ، ويشكّل مديريّة كبيرة ، ذات مساحة واسعة ، وعدد كبير من السّكّان ، وهو واد عريق وجميل ، وموقعه أعلى وادي حضرموت الرّئيسي شرقيّه. تمتدّ على جانبيه صفوف طويلة من القرى ، تتربّع وسطها وعلى امتداد الوادي غابات من النّخيل وحقول القمح والذّرة وأشجار السّدر.

٣٠٥

الأعجام بكثرة لبلاد حضرموت من عهد استيلاء الفرس على اليمن ، حسبما سبق في حصن الغراب ، ولم يزل بها وباليمن من أعقابهم الكثير ، إلّا أنّهم اندمجوا فيهم مع مرور الأيّام ، ودوعن يطلق على واديين بأعلى حضرموت ، يقال لأحدهما : الأيمن (١) ، وهو مسيل مغروس بالنّخيل المثمنة (٢) ، وعلى حفافيه بلدانه وقراه (٣).

فأمّا شقّه الغربيّ :

فأوّل بلاده من أعلاه : قرحة آل باحميش : وهي على رأس الوادي الأيمن بين واديين ، يقال لأحدهما : وادي النّبيّ (٤) ، وهو الغربيّ ، ويقال للآخر : وادي حموضة (٥) ، في شرقيّه واد آخر يقال له : منوه (٦).

__________________

وينفّذ حاليّا مشروع ضخم ؛ لربط قرى وبلدان وادي دوعن بعضها ببعض عن طريق خطّ إسفلتيّ حديث ، وهو مشروع هامّ يقرّب المسافات المتباعدة الّتي كانت تقطع في اللّيالي والأسابيع عبر الوديان والرّمال والقفار والعقاب العالية. ويشتهر وادي دوعن بعسله العالي الجودة ، والفائق في فائدته الغذائيّة على غيره.

(١) أي : والآخر : الأيسر ـ كما سيأتي ـ والمتعارف عليه عند أهل دوعن إلى هذا اليوم إطلاقهم اسم دوعن على الأيمن ، ولا يلفظون الأيمن ، ولكنّهم إذا أرادوا الأيسر عيّنوه باسمه ، فصار اسم دوعن علما على الأيمن فقط ، هذا في العرف ، لكنّه تاريخيّا وجغرافيّا كما قرّر المصنّف وغيره.

(٢) المسيل : مجرى الماء.

(٣) حفافا الشّيء : جانباه.

(٤) وادي النّبيّ : هو أحد ثلاثة وديان كبار تصبّ في وادي دوعن ، والآخران كما ذكرهما المصنّف.

ويعتبر وادي النّبي أقصر الأودية الثّلاثة ، ويجتمع مع وادي حموضة ما بين قرحة باحميش ورباط باعشن ، ثمّ تجتمع هذه الأودية كلّها تحت الرّباط. ويسكن هذا الوادي فخائذ من قبيلة القثم ، الّذين يجمعهم اسم : آل عليّ بامسلّم ، وهم : باوقّاش ، وبن جريد ، وباجبير ، وآل مبارك. والقثم : فرع من الحالكة من سيبان.

وسمّي الوادي بوادي النّبيّ : لأنّ فيه في موضع يقال له الصّعيد ـ في أعلى الوادي ـ مشهد يزار ، يقال : إنّه قبر نبيّ من أهل القرون الأولى.

(٥) وادي حموضة : بفتح الحاء وضمّ الميم ، واد كبير يصبّ في دوعن ، مخرجه شرقيّ القرحة ، وفروعه توازي رؤوس حجر وصيق السّموح ، وفي شعابه بادية نوّح ، والسّموح ، والمراشده .. كلّهم سيبان ، وفيه غياض وزروع وعيون ماء عديدة.

(٦) منوه : بفتح فسكون ففتح ، واد عظيم في الشّرق الجنوبيّ لدوعن ، ويصبّ شرقيّ الرّباط ، وفروعه توازي وادي عقرون من أودية الأيسر.

٣٠٦

وآل باحميش (١) من حملة السّلاح وأهل النّجدة.

ومن متأخّري علمائهم : الشّيخ عليّ بن أحمد بن سعيد باصبرين (٢) ، كان جبلا من جبال العلم ، قال والدي : (زرت دوعن في شوّال من سنة «١٢٩٠ ه‍» ، فطفنا

__________________

(١) آل باحميش : من نوّح ، سيبان ، ولم يذكر المصنّف هنا أحدا من آل باحميش ، مع أنّ فيهم عددا من أهل العلم والرّأي والبأس ؛ فمنهم :

الشّيخ العلّامة محمّد بن أحمد باحميش كان إماما عالما فقيها حبرا منوّرا ، من علماء القرن التّاسع الهجريّ ومشاهيره ، مولده بغيل باوزير وقيل ببور سنة (٧٩٨ ه‍) ، نشأ بها ، ثمّ هاجر إلى عدن ، ومن شيوخه : العلّامة عليّ بن عمر بن عفيف الحضرميّ ، والعلّامة القاضي عمر بن محمّد اليافعي ، تقيّ الدّين ، وغيرهما. تولّى القضاء من قبل السّلطان عليّ بن طاهر (الدولة الطاهريّة) وتوفّي وهو متقلّده سنة (٨٦١ ه‍). انتفع به جمّ غفير ، كالعلّامة عبد الله بن أحمد بامخرمة ، والعلّامة محمّد بن أحمد بافضل ، وعبد الله بن أحمد بافضل وغيرهم.

والشّيخ عليّ بن محمّد باحميش ولد بعدن ، وهو من أسرة نزحت من الشّحر ، وبها كانت نشأته ، وتلقّى العلم على أيدي علمائها آنذاك ، ثمّ رحل إلى مصر والتحق بالأزهر الشّريف وتخرّج منه ، ثمّ عاد إلى عدن وتولّى القضاء بها. وكان خطيبا مصقعا ، تولّى خطابة مسجد العيدروس ، اغتيل في حادث مروري سنة (١٣٩١) أو (١٣٩٥ ه‍) ، رحمه الله تعالى.

(٢) هو العلّامة الفقيه ، المحقّق الشّيخ عليّ بن أحمد بن سعيد باصبرين ـ مثنّى صبر ـ النّوّحيّ السّيبانيّ الدّوعنيّ الحضرميّ. مولده بقرحة باحميش ، ووفاته بجدّة سنة (١٣٠٥ ه‍). تلقّى العلم على أيدي علماء دوعن ، وكان انتفاعه واستفادته على يد الشّيخ سعيد بن محمّد باعشن ، صاحب «بشرى الكريم» ، وعلى يده كان تخرّجه ، وأخذ عن غيره ، ويقال : إنّه رحل إلى مصر وأخذ عن الباجوريّ وطبقته.

وقد استقرّ الشّيخ عليّ في جدّة ، حتى إنه عرف عند علماء الحجاز ب (عالم جدّة) ، وانتفع به في علم الفلك الّذي كان يجيده عدد من تلامذته ؛ منهم

العلّامة الشّيخ عبد الحميد بخش الهنديّ الحنفيّ ، أحد علماء مكّة في وقته.

وأخذ عنه الفقيه محمّد بن أبي بكر باذيب ، واستفتاه في مسألة معاملة الكافر الحربيّ فأجابه عنها.

أمّا مصنّفاته .. فمنها :

١ ـ «إثمد العينين في اختلاف الشّيخين».

٢ ـ «إعانة المستعين» حاشية على «فتح المعين» للمليباري ، في مجلّدين كبيرين.

٣ ـ «الجمل في المهمّات الدّينيّة».

٤ ـ «سلامة الحجّاج في كلّ عام في رفض مختارات محمود الهمام».

٣٠٧

بلاد دوعن ، ووجدنا أكثر أهلها يقرؤون القرآن لروح والدي (١) ؛ لأنّ ذلك كان حدثان وفاته من رمضان منها (٢) ، ولمّا انتهينا إلى قرحة آل باحميش أوان المغرب .. أدركنا صلاتها في مسجدها خلف إمام حسن الأداء ، شجيّ الصّوت ، محافظ على السّنن والهيئات ، وبعد أن فرغ من الأدعية والرّاتبة .. جلس للتّدريس في «شرح المقدّمة الحضرميّة» ، وكان يكتب عليه حاشية ، فسمعنا أحسن تدريس ، وأتقن تحقيق ، وأبلغ إلقاء ، وأوضح تفهيم ، ثمّ صلّى بنا العشاء بسورتين من أوساط المفصّل بصوت عذب أخذ بقلوبنا ، وبقي طنينه بأسماعنا ، وخيّل لنا أنّنا لم نسمع تلك السّور ولم تنزل إلّا تلك السّاعة ، وما كاد يخرج من المسجد وبندقيّته على كتده (٣) إلّا وأشعل النّار في فتيلتها ، فقلنا له : ما شأنك؟ قال : بيننا وبين قوم قتل ولم نأخذ صلحا ، فتمثّلت لنا رسوم الصّحابة والسّلف الطّيّب ، حيث اجتمعت العبادة والشّجاعة والعلم في ذلك الهيكل الشّريف ، وهو شخص الشّيخ عليّ بن أحمد باصبرين).

جمع الشّجاعة والعلوم فأصبحا

كالحسن شيب لمغرم بدلال (٤)

هذا ما يحدّثني بمعناه والدي ذات المرّات ، فيبني في نفسي العلاليّ والقصور من الشّغف بالمجد والطّموح إلى الشّرف.

وقال السّيّد عمر بن حسن الحدّاد : (قرأت على الشّيخ عليّ باصبرين ، وهو إمام في كلّ العلوم ، حادّ الطّبع مثل الشّيخ عليّ بن قاضي باكثير) اه

وفي «مجموع» كلام العلّامة السّيّد أحمد بن حسن العطّاس : (أنّ بعض العلماء المصريّين قال له : نعرف من الحضارم حدّة الطّبع ، وأنت بعيد عنها ، قال له : من عرفت من الحضارم؟ قال له : عرفت الشّيخ عليّا باصبرين ، وجلست معه في

__________________

(١) يعني به الحبيب محسن بن علوي السقاف جد المؤلّف.

(٢) الحدثان : أوّل الشّيء ، وحدثان وفاته : على أثر وفاته.

(٣) الكتد : مجتمع الكتفين ، وهو الكاهل.

(٤) البيت من الكامل ، وهو لأبي تمّام في «ديوانه» (٢ / ٦٤) ، باختلاف بسيط. شيب : خلط.

المغرم : المولع بالشّيء الّذي لا يقدر على مفارقته.

٣٠٨

الحرمين سنتين ، فرأيت من حدّته ما لا مزيد عليه. فقال السّيّد أحمد : ذاك رجل من أهل البادية ، وتلقّى شيئا من العلم ، وقد حجر سلفنا وأشياخنا على المتعلّقين بهم الأخذ عنه ؛ لأنّه ليس بأهل للإلقاء ولا للتّلقّي ، ولا يخفى عليكم ما في طباع البادية من الغلظة والجفاء) اه

وهذا لا يخلو عن حيف كثير على الشّيخ باصبرين ، ويكفي لردّه ما أخرجه الطّبرانيّ عن ابن عبّاس : «تعتري الحدّة خيار أمّتي» ، وكان موسى عليه السّلام حديدا ، وورد : «المؤمن سريع الغضب سريع الفيء» ، وضمّ إليه ما سبق من أخذ سيّدنا عمر بن حسن الحدّاد عنه ، وبإشارته كان تحويط الجمرتين بمنى ، فسلم النّاس ، ولا سيّما الضّعفاء من كثير من أضرار الزّحام ، فلقد كان رأيه موفّقا ، ولهذا بادر الشّريف بتنفيذه ، وطلب منه أن يكثر التّردّد عليه كما أخبرني وجيه جدّة النّبيل محمّد بن حسين بن عمر نصيف عن جدّه ، فأبى ؛ لأنّه كان شريف النّفس عليّ الهمّة رحمة الله عليه.

وحدّثني الوجيه محمّد نصيف أيضا أنّ أحد الدّلّالين باع له بنّا من يهوديّ ، فدلّس عليه في مئتي رطل ، فأخبر الشّيخ ممتنّا عليه بهذا الصّنيع ، فقال له الشّيخ : لا أرضى ولا أحبّ أن يطلبني اليهوديّ بحقّه في الدّار الآخرة ، وردّ عليه ما اختانه الدّلّال. ومنه تعرف أنّ له تجارة بجدّة ، وكانت دار هجرته ونشر علمه ، وله بها تلاميذ كثيرون.

وقد علمت أنّ السّيّد عمر بن حسن الحدّاد قرأ عليه ، وهو من مراجيح العلويّين.

وحدّثني الشّيخ عبد الله باحشوان ـ أحد قضاة المكلّا السّابقين ـ قال : (كنت مع الشّيخ عليّ باصبرين وأنا صغير ، فسمع مزمارا فسدّ أذنيه بأصبعيه ، وجعل يقول لي : هل تسمع شيئا؟ فأقول : نعم ، حتّى قلت : لا ، فأبعدهما ، يتسمّت بذلك ما فعل عبد الله بن عمر مع مولاه نافع ، ينقل ما صنع رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم عندما سمع مزمار الرّاعي) [د ٤٩٢٤] ، وقد جوّدت القول على هذه المسألة في كتابي «بلابل التّغريد».

٣٠٩

وجرت بينه وبين علماء تريم منازعات في عدّة مسائل :

منها : التّوسّل والاستغاثة. ومنها : ثبوت النّسب بمشجّرات العلويّين المحرّرة ، وكان الشّيخ يبالغ في إنكار ذلك ، وألّفت رسائل من الطّرفين.

ففي سنة (١٢٩٨ ه‍) فرغ الشّيخ عليّ باصبرين من رسالته الّتي سمّاها : «حدائق البواسق المثمرة في بيان صواب أحكام الشّجرة» ، وقد علّق عليها السّيّد سالم بن محمّد الحبشيّ بما يشبه الرّدّ ، وبعد اطّلاع باصبرين عليه كتب : (أمّا التّهاميش : فأمعنّا النّظر في جميعها .. فما وجدنا فيها زيادة فائدة عمّا في الأصل ، فما زاد إلّا إتلاف ورق لم يؤذن له في إتلافه بتسويده بما لا يجدي فائدة جديدة).

وللحبيب أحمد بن محمّد المحضار شبه ردّ على باصبرين في «الحدائق» المذكورة ، قال فيه : (وبعض النّاس قوله وبوله سواء).

ثمّ إنّ الشّيخ باصبرين كتب رسالة أخرى في نقض تعليقات السّيّد سالم الحبشيّ ، سمّاها : «إنسان العين» ، فكتب عليها الإمام المحضار كتابة طويلة ، جاء فيها : (وما أوضحه الشّيخ عليّ في هذه الجملة .. فذاك شفاء الصّدور ، تبرأ به العلّة ، وهو مجرّب في تجربته ، وحريص في أجوبته ، وبالله الّذي فرض الصّلاة والوضوء ما أردته بسوء).

ثمّ إنّ الشّيخ عليّا سيّر كتابا للسّيّد محمّد بن عليّ ، والسّيّد صافي بن شيخ آل السّقّاف ، وسيّدي الأستاذ الأبرّ عيدروس بن عمر ، والسّيّد عليّ بن محمّد ، والسّيّد شيخان بن محمّد آل الحبشيّ.

فأمّا الأوّلان : فصرّحا بمخالفة باصبرين ، وأمّا الآخرون .. فلم أر لهم كلاما بخلاف ولا وفاق. وكان كتابه إليهم في سنة (١٢٩٩ ه‍).

وكثيرا ما ينشب الخلاف بين الشّيخ عليّ باصبرين وبين علماء العلويّين كآل يحيى بالمسيلة وغيرهم ، وتؤلّف الرّسائل في الجانبين وتعرض على سيّدنا الإمام أحمد بن محمّد المحضار ـ صاحب القويرة ـ فيقرّظ عليهما ، إلّا أنّه بأسلوبه العجيب وترسّله

٣١٠

العذب ، وعارضته القويّة ، وسيره بسوق الطّبيعة ، يتخلّص من المآزق بما يذكّرني بما قاله ابن الجوزيّ ، لمّا تواضع أهل السّنّة والشّيعة على ما يقوله ، فسألوه وهو على المنبر عن عليّ وأبي بكر. أيّهما الأفضل؟ فأجاب بما لو روّى فيه عالم دهرا .. لم يوفّق إليه ؛ إذ قال : (أفضلهما وأحبّهما إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم من بنته في بيته) أو ما هذا معناه ، فحملها كلّ على ما يريد.

وقال الإمام المحضار في بعض كتاباته بتلك المناسبة : (والاعتماد على ما قاله الجمهور ، لا ما قاله عبد الرّحمن مشهور) ؛ يعني مفتي حضرموت لذلك العهد ، صاحب «بغية المسترشدين» ، وهو لا يقصد خلافه ولا إدخال المساءة عليه ، ولكنّه قام في طريق الفاصلة (١) وهو لا يبالي بشيء من أجلها ؛ لأنّه يمرّ مع خاطره بلا تكلّف ولا تنطّع.

ولا غرو ؛ فقد طلّق بعضهم امرأته من أجلها ، وتكلّف الصّاحب بن عبّاد السّفر إلى قندهار ليقول :

صدرت من قندهار

في ضحوة النّهار

وعند ما زار المحضار حضرموت وذهب لزيارة هود عليه السلام .. اتّفق حلول الجمعة بفغمة ، فجمّع بها المحضار وتبعه كثير من النّاس ، ولكنّ السّيّد المشهور لم يوافقه ، بل انعزل بآل تريم وكثير من غيرهم ، لا أدري ألشيء من أمثال ذلك أم للتّشدّد بما قال الشّافعيّة من شروط الجمعة.

ومن إهداء السّلام في كتب الشّيخ عليّ باصبرين للإمام المحضار .. يفهم أنّ له أولادا يهدي سلامهم إليه ، ومنهم حسن بن عليّ باصبرين ، قتله أحد آل ضروس غيلة بالقرحة في رمضان ، ولا يزال بها أحفاده وعشائر آل باحميش إلى الآن ، ومن وجهائهم أحمد بن يسلم باحميش وإخوانه.

__________________

(١) الفاصلة : في النّثر كالقافية في الشّعر ، وهي المقطع الصوتيّ الّذي ينتهي عنده الكلام.

٣١١

الحسوسة (١)

هي الّتي إليها الإشارة بقول الشّيخ عمر بن عبد الله بامخرمة ، يمدح الشّيخ يوسف باناجة الآتي ذكره :

حيّ وادي النبي يا أحمد وطاه أو وعوره

حيّ ما بين بادر والحسوسه وعوره (٢)

فيه يوسف كما يوسف في اطلال دوره

ريتنا حلّ وسطه واختلف في ذبوره

ولو لا أنّ المشبّه لا يكون مثل المشبّه به من سائر النّواحي .. لاشتدّت المؤاخذة على الشّيخ عمر بامخرمة في تشبيهه الشّيخ يوسف باناجة بالعبد الصّالح يوسف بن يعقوب عليهما السّلام ؛ فلقد كفّروا المعريّ بقوله [في «سقط الزند» ١٤٢ من الكامل] :

هو مثله في الفضل إلّا أنّه

لم يأته برسالة جبريل

وقالوا : كفر الفرزدق ـ أو كاد ـ إذ يقول في يزيد بن عبد الملك [في «ديوانه» ١ / ٢٣٧ من البسيط] :

لو لم يبشّر به عيسى وبيّنه

كنت النّبيّ الّذي يدعو إلى النّور

وكان الشّيخ عبد الرّحمن بن عبود بن حسن بن عبد القادر (والي الرّباط) من سكّان الحسوسة ، وبعقب استيلاء القعيطيّ على الوادي الأيمن في سنة (١٣١٧ ه‍) .. أسند العمالة إلى المقدّم عمر بن أحمد باصرّة ، وكان يحمل ضغنا على هذا الشّيخ ، فصادر جميع أمواله ، مع أنّه لم يشترك في الحرب ، ولم يسع فيها بخفّ ولا قدم ، ولو لا أنّه أقام سورا حديديّا من الحجّاب يمنعونه الوصول إلى السّلطان غالب بن عوض .. لأدركه عفوه ؛ فقد كان واسعا شاملا ، لا يضيق عمّا هو أكبر من هذا ، فضلا عنه.

__________________

(١) ومن باب المتشابهات أو المتّفق وضعا المفترق صعقا : الحسوسة بفتح فضمّ ، جبل أحمر رمليّ في وادي حبّان بالصعيد من شبوة. وآل الحسوسة : أسرة من أسر العلم والفقه ، ظهر منهم عدد من العلماء في القرن الحادي عشر ، ولهم ذرّيّة تسكن صنعاء.

(٢) وطاه : ما انخفض من الوادي ، وعوره : ما ارتفع منه.

٣١٢

قرن باحكيم

فيه آل باحكيم (١) ، وكانت لهم ثروة طائلة ، وتجارة راقية ، ولهم عقارات بمصر وغيرها ، وكانت إليهم دولة بلادهم حتّى نجمت بينهم وبين القعيطيّ فتنة في حدود سنة (١٣٢٦ ه‍) ، وكان رؤساؤهم إذ ذاك : سالم بن عمر وأحمد بن يسلم بحضرموت ، ورئيسهم الأكبر الّذي يمدّهم بالآراء والأموال من مصر هو : سالم بن أحمد باحكيم ، وانتهى أمر تلك الحرب ـ الّتي أبلى فيها آل باحكيم أحسن البلاء ـ بمعاهدة ، خلاصتها : أنّ الرّئاسة العامّة للقعيطيّ ، ولهم الاستقلال الدّاخليّ في بلادهم ، وعليهم أن يسلّموا غرامة الحرب المقدّرة بثلاثين ألف ريال.

ثمّ حصل التّنازل من السّلطان غالب ؛ لما جبله الله عليه من السّماح ولين العريكة (٢) عن أكثرها ، وكان عرض عليهم صلح أشرف من هذا فأبوه ، ولكنّ عسكر القعيطيّ اقتحموا حصنا لهم بالجبل فلانت أعصابهم ، واضطروا إلى قبوله.

وفي «الأصل» : أنّ باحكيم بنى حصن القزه فجاءة في سنة (٩٣٩ ه‍) فنهض إليه آل عليّ بن فارس النّهديّون من السّور ، وكتبوا لسّلطان بدر بوطويرق ، واتّهموا الشّيخ العموديّ بمساعدة باحكيم ، وجرى بينهم كلام وتهديد.

ولا يزال باحكيم على جانب من الشّرف والمروءة ومكارم الأخلاق ، بالقرن والمكلّا ومصر ، وأشهر من بمصر منهم الآن : الشّيخ عمر بن محمّد بن عمر باحكيم.

__________________

(١) آل باحكيم : من قبائل نوّح السّيبانية. وفي القرن أيضا : آل بركات ، وآل بامعدان ، وسيأتي في شبام التّعريف بآل معدان وآل بركات وهم غير هؤلاء.

(٢) ليّن العريكة : سهل الطّبائع.

٣١٣

الخريبة (١)

من كبريات بلاد دوعن وقداماه ، على اسم مكان بالبصرة كانت عنده واقعة الجمل (٢) ، ولهذا قال بعضهم [السّيّد الحميري في «ديوانه» من البسيط] :

إنّي أدين بما دان الوصيّ به

يوم الخريبة من قتل المحلّينا

ذكره ياقوت في غير موضع من «معجمه» (٣).

وما زالت خريبة دوعن محطّ رحال العلم من قديم الزّمان ، وكان بها ناس من آل باحويرث الّذين يجتمعون في النّسب مع آل سيئون المشهورين بالعبادة وحبّ الصّلاة ، ومنهم عالم الخريبة وقاضيها في القرن الحادي عشر ، وهو : الشّيخ سليمان باحويرث ، له ولولده العلّامة محمّد بن سليمان ذكر كثير في «مجموع الجدّين» طه بن عمر وعليّ بن عمر ؛ فعن العلّامة الجليل أحمد مؤذّن باجمّال قال : (أخبرني السّيّد العارف ، بقيّة المحقّقين ، الورعين المتضلّعين ، أبو بكر بن محمّد بافقيه علويّ بقيدون قال : إنّ الفقيه سليمان باحويرث زوّج امرأة ـ وهو نائب الخريبة ـ وليّها غائب برجل ظنّه كفؤا ، فلمّا قدم وليّها .. رفع الأمر إلى قاضي الشّحر عبد الله باعمر ، وظهر عدم الكفاءة ، ولكنّ قاضي الشّحر قرّر النّكاح عملا بالمرجوح.

قال السّيّد : وحيث وقع عقد قال به إمام ـ ولو مرجوحا ـ فلا نقض في حقّ العوامّ ، وإنّما محلّ المنع قبل العقد) هذا ما ذكره أحمد مؤذّن.

وزاد : (إنّ مذهب مالك : عدم اعتبار الكفاءة إلّا بالدّين ، وقد عمل به بعض مشايخنا لمصلحة اقتضت ذلك) اه

__________________

(١) تقع الخريبة على خطّ طول : (١٨ ـ ٢٠ ـ ٤٨) ، وخطّ عرض : (٣٠ ـ ٦ ـ ١٥) ، وتاريخها قديم ، وكانت من البلدان الّتي سارع أهلها في الدّخول في الإسلام ، وأقامت بها طائفة الإباضيّة مدّة من الزّمان على يد عبد الله بن يحيى الكنديّ.

(٢) وسمّي المكان الّذي بالبصرة بالخريبة ؛ لأنّ المرزبّان كان قد ابتنى به قصرا وخرب بعده.

(٣) أي : المكان الّذي بالبصرة ، لا هذا الّذي في حضرموت.

٣١٤

وهي مسألة نفيسة مبنيّة على أنّ (العاميّ لا مذهب له) ، وهما قولان قريبان من التّكافؤ ، وقد حرّرت ما في ذلك بموضعه من كتابي «صوب الرّكام».

وإنّما سقت المسألة لمناسبة أنّه وردني بالأمس سؤال ، حاصله : أنّ المكرّم الشّيخ عبد الله بن أحمد الزّبيديّ كانت له ابنة عمّ ، لها أخ شقيق في السّادسة عشرة من عمره ، يتصرّف عنه وصيّه ، وهو أخوه وأخو البنت من الأب ، فأشار عليه أن يعقد بها ، فأنكر عليه بعض العلويّين وقالوا له : ما دليلك؟

فقال : لا دليل إلّا قوله تعالى : (وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللهُ لَكُمْ قِياماً وَارْزُقُوهُمْ فِيها وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً) الآية الخامسة من سورة النّساء.

فلم يقتنعوا منه بذلك ، وقالوا : إنّ النّكاح باطل لا وجه له إلّا مقابل الأظهر في قول «المنهاج» [٢ / ٤٢٨] : (ويقدّم أخ لأبوين على أخ لأب في الأظهر) فأعجبني استدلاله وقرّرت النّكاح ؛ لأنّه إذا لم يثبت رشد الشّقيق .. فالنّكاح صحيح على المعتمد في المذهب.

قال في «النّهاية» : (وكذا محجور عليه بسفه ؛ بأن بلغ غير رشيد ، أو بذّر في ماله بعد رشده ثمّ حجر عليه .. لا ولاية له على المذهب ؛ إذ لا يلي أمر نفسه ، فغيره أولى. ويصحّ توكيله في قبول النّكاح لا إيجابه) اه ، و «التّحفة» قريب منها.

وفي (الحجر) من الثّانية : (تصديق الوليّ في دوام الحجر ؛ لأنّه الأصل ، ما لم يظهر الرّشد أو يثبت) اه ، و «النّهاية» على مثاله.

ومتى كان الأصل فيمن يتصرّف عنه وصيه الحجر .. فالنّكاح صحيح على مقرّر المذهب.

وبفرض تسليم رشد الشّقيق .. يأتي ما نقله أحمد مؤذّن عن باحويرث ، فالعقد صحيح على كلّ تقدير ، إلّا أنّ للشّيخ أحمد مؤذّن كلاما آخر في «مجموع الجدّين» ، وحاصله : (أنّه وقع عقد في قيدون بغير كفؤ ، مع غيبة الوليّ ، وفرّق بينهم نائب الهجرين ، وسأل أحمد مؤذّن ، فأجابه بصواب ما فعل).

٣١٥

وقاضي الخريبة الآن (١) هو الشّيخ عمر بن أبي بكر (٢) ، من آل باحويرث المذكورين.

ومن علماء الخريبة : الشّيخ الجليل المقدار ، عليّ بن عبد الله باراس الكنديّ (٣) ، المتوفّى في سنة (١٠٩٤ ه‍) وأولاده : أحمد ، ومحمّد ، وعبد الرّحمن (٤). وهؤلاء الثّلاثة كلّهم من مشايخ السّيّد الشّهير عليّ بن حسن بن حسين العطّاس ، ولهم ذكر كثير في مؤلّفاته و «ديوانه».

وكان الشّيخ عليّ باراس ورد حريضة على الحبيب عمر بن عبد الرّحمن العطّاس ، وهو على أجلف ما يكون من أزياء البادية وهيئتهم ، فتأدّب بالحبيب عمر ، وحصل له الفتوح في أسرع وقت ، مع أنّه كما قال العلّامة السّيّد أحمد بن حسن العطّاس : (لم يقرأ عليه إلّا بعض خطبة «بداية الهداية» للغزاليّ فقط) ، ثمّ إنّه استأذنه للحجّ .. فلم يأذن له ، ثمّ استأذنه أخرى .. فأذن له.

ولمّا كان بمكّة .. ذهب إلى السّوق لحاجة ، فألفاها مع امرأة مصريّة ، فأعجبته ، وأخذ يتأمّل في محاسنها ، فلم يشعر إلّا بضربة عصا على جنبه فعرف أنّ هذا تنبيه له من الله ، فثبّت قدمه على طريق الحقّ. ذكرها غير واحد ؛ منهم : الحبيب عمر بن حسن الحدّاد في «مجموع كلامه».

__________________

(١) أي : سنة (١٣٦٦ ه‍).

(٢) الشّيخ عمر باحويرث من مواليد الخريبة ، وأخواله آل باجنيد ، طلب العلم بمكّة ، ولازم الشّيخ عمر بن أبي بكر باجنيد المكي ، ولم يغادر مكّة إلّا بعد وفاته سنة (١٣٥٤ ه‍) ، وكان مقرئا عنده في درسه ، وأخذ عن غيره من علماء مكّة ودوعن ومن أخص تلامذته : الشيخ الفاضل عمر بن علي بن جويهر ، المتوفى بالخريبة عام (١٤٢١ ه‍) ، وكان بقية من يزار بها من الصالحين.

(٣) ترجمته في «القرطاس» للحبيب عليّ بن حسن ، وفي «خلاصة الأثر» للمحبّي ، و «تاج الأعراس» للعطّاس. وله مصنّفات فائقة منها :

«شرح راتب العطّاس» أدرجه العلّامة الحبيب عليّ بن حسن العطّاس في شرحه الكبير المسمّى «القرطاس». و «الرّوضة الخضراء والدّرّة الزّهراء» ، شرح على قصيدة الشّيخ أبي مدين الّتي مطلعها :

ما لذّة العيش إلّا صحبة الفقرا

هم الملوك هم السّادات والأمرا

و «شرح الحكم العطائيّة» ألّفه بإشارة شيخه العطاس.

(٤) ومن أولاده أيضا : عبد الله بن علي.

٣١٦

ومن علماء الخريبة : الشّيخ العظيم المقدار ، عبد الله بن أحمد باسودان ، وهو الشّيخ الثّامن عشر من مشايخ سيّدي الأبرّ عيدروس بن عمر ـ حسبما في ترجمته في «عقده» ـ ، وقد توفّي بها في سنة (١٢٦٦ ه‍) ، وكان من العلم بالمكانة العالية :

تنميه أعراق صدق حين تنسبه

ذي نجدة وعن المكروب فرّاج (١)

ساجي النّواظر من قوم لهم كرم

تضيء سنّته في الحالك الدّاجي

وقد ذكرت في «الأصل» من مناقبه ومناسبه ما يغني عن الإعادة هنا ، ولقد قال السّيّد عمر بن حسن الحدّاد : (كنت أقرأ على السّيّد محمّد بن حسين الحبشيّ أيّام كان يعلّم بتاربه تحت إشارة سيّدنا عبد الله بن حسين بن طاهر ، فلم يكن من الحبيب عبد الله إلّا أن قال لعمّي محمّد بن حسين ذات يوم : نحبّ أن يقرأ عمر بن حسن على الشّيخ عبد الله باسودان ؛ لأنّه أوسع علما منك ، فانقبض عمّي محمّد من قوله هذا له أمامي وأمام أولاده ؛ إذ كنت أقرأ عليه أنا وإيّاهم ، فلم تمرّ الثّامنة إلّا وجاء الشّيخ محمّد بن عبد الله باسودان لزيارة تريم ، فسرت معه إلى دوعن ، وقرأت على الشّيخ عبد الله ، وعلى ولده الشّيخ محمّد ، وعلى الشّيخ سعيد باعشن ، وعلى الشّيخ أحمد بن سعيد باحنشل وهو في سنّ الشّيخ عبد الله وقد كفّ بصره ، وكان قرأ في زبيد على سليمان الأهدل وولده عبد الرّحمن بن سليمان ، وأدرك الشّيخ الكرديّ (٢) ، وله حافظة قويّة) اه كلام الحدّاد.

وفي قول الحبيب عبد الله بن حسين للحبيب محمّد بن حسين : (إنّ الشّيخ عبد الله باسودان أوسع منك علما) فوائد :

الأولى : علوّ مرتبة الشّيخ باسودان ؛ لأنّ السّيّد محمّدا من أكابر علماء الحجاز ، وهو مفتي مكّة للشّافعيّة ، والشّيخ السّادس عشر للأستاذ الأبرّ ، فانحطاطه مع هذا عن

__________________

(١) البيتان من البسيط.

(٢) هو محمّد بن سليمان الكرديّ المدنيّ ، صاحب «الحواشي المدنيّة» ، المتوفّى سنة (١٢٠٣ ه‍).

٣١٧

درجة الشّيخ باسودان يشهد لهذا بشأن جليل ومقام عظيم.

الثّانية : أنّ الحبيب عبد الله بن حسين يقول الحقّ ، فلا يحابي (١) ولا يوارب (٢).

الثّالثة : أنّ انقباض الحبيب محمّد بن حسين جار على ما يقتضيه الطّبع البشريّ عند مثله ، فهو غير ملوم في ذلك ، مع الاستكانة والاعتراف بالحقّ وعدم المكابرة فيه.

الرّابعة : لو لا تهذيب الحبيب عبد الله بن حسين لتلاميذه بهذا التّهذيب .. لما انتهى العلّامة السّيّد محمّد بن حسين وأمثاله إلى ما انتهى إليه من العلم والفضل.

الخامسة : أنّ الحقّ رائد القوم ، والإنصاف قطب رحاهم ، ونقطة بيكارهم ، رضوان الله عليهم.

وقد سمعت من والدي وغيره عن الأجلّاء الثّقات : أنّ الشّيخ محمّد باسودان كان أوسع من أبيه في الفقه ، وفتاويه شاهد عدل على ذلك.

وأخبرني الشّيخ محمّد بن سالم باسودان أنّ بعض العلويّين وردوا على الشّيخ عبد الله وسألوه عن ابنه محمّد .. فقال لهم : لا بأس به ، فاستثقلها ونذر الاعتكاف سبع سنين لدرس العلم في جامع الخريبة ، ووفّى بذلك ، فبحقّ يجيء فيه ما قاله الشّريف الرّضيّ في تسمّته لأبيه [في «ديوانه» ٢ / ٢١ من الطّويل] :

جرى ما جرى قبلي وها أنا خلفه

أغذّ لإدراك المعالي وأوجف

ولو لا مراعاة الأبوّة .. جزته

ولكن لغير العجز ما أتوقّف

ولكنّ هذا لم يتوقّف عنه بل جازه ، ولم يبق له من علم إلّا حازه ، توفّي (٣) بالخريبة في سنة (١٢٨١ ه‍) وبيتهم بيت علم وشرف ، وقد وزر الشّيخ بو بكر بن

__________________

(١) حابى فلان فلانا : مال إليه.

(٢) يوارب : يخاتل ويخادع.

(٣) أي : الشّيخ محمّد ، وكان مولده سنة (١٢٠٦ ه‍) ، ترجمته في «تاريخ الشّعراء» ، وذكره الحبيب عيدروس في «العقد» ضمن ترجمة والده.

٣١٨

عبد الله باسودان ، وأخوه الشّيخ سالم بن عبد الله للسّلطان عوض بن عمر القعيطيّ (١).

ومن آل باسودان الآن : الفاضل الشّيخ عمر بن أحمد بن عمر بن أحمد بن العلّامة الجليل عبد الله بن أحمد باسودان ، يسكن الآن بالحديدة ، وهو من أعيانها ومن المعتبرين فيها (٢).

ومنهم : الشّيخ محمّد بن سالم بن بو بكر بن عبد الله باسودان ، خطيب جامع الخريبة الآن (٣).

وللشّيخ أحمد باحنشل ـ السّابق ذكره ـ ولد اسمه : محمّد ، من أعيان العلماء ، وله ولد عالم اسمه : محمّد ، وله حفيد اسمه : محمّد أيضا من أهل العلم ، كان محمّد المثلّث هذا موجودا بالمكلّا سنة (١٣٣٣ ه‍).

وبالخريبة جماعة من آل باعبيد ، منهم الشّيخان : أحمد بن عبد الله باعبيد ، وأخوه سعيد بن عبد الله باعبيد ، كانوا أهل علم وصلاح وتجارة ، ولهم بوالدي اتّصال عظيم وتعلّق تامّ ، توفّي الأوّل بالمكلّا حوالي سنة (١٣١٧ ه‍) ، والثّاني بالمدينة في حدود سنة (١٣٢٣ ه‍) ، وللأوّل ولد اسمه عبد الله ، كان على القضاء بميدي في أيّام الأتراك والإدريسيّ ، ثمّ هو اليوم رئيس البلديّة بها من جهة مولانا الإمام.

وفي المكان المسمّى : ذي يجور في شمال الخريبة منازل آل بصعر ، وهم : عمر وأبو بكر وسعيد ومحمد ـ وهو أكبرهم ـ أبناء عبد الله بن سعيد بن عليّ بصعر ، كانت

__________________

(١) وهما الشّيخان الأخوان : سالم وعبد الله ابنا أبي بكر ابن الشّيخ عبد الله باسودان. وقد جرى ذكر لهما في عدّة مواضع من «بضائع التابوت» ، وللشّيخ سالم ذكر في «النّفحة الشذية» للحبيب عمر بن أحمد بن سميط ، ولأخيه عبد الله ترجمة في «منحة الإله» للحبيب سالم بن حفيظ ولكن الذي استوزر للقعيطي هو الشيخ عبد الله وليس الشيخ سالم.

(٢) وكان المصنّف رحمه الله إذا قدم إلى الحديدة ـ في عهد الإمام يحيى رحمه الله ـ ينزل عند المذكور أو في دار الضّيافة التّابع لحكومة الإمام ، وكان ممن يقوم بحاجاته وشؤونه إذا قدم .. الشّيخ الفاضل عبد الرّحمن بن سالم باسودان الّذي توفّي في الخريبة أواخر عام (١٤٢٢ ه‍).

(٣) كانت وفاته سنة (١٤٠٥ ه‍) ، وكان ملازما لمجالس السيد العلامة حامد بن عبد الهادي الجيلاني.

٣١٩

لهم تجارة واسعة بحضرموت والشّحر وظفار والحديدة وغيرها ، وكانت لهم مراكب شراعيّة تضرب بها الأمثال بين العامّة ، تمخر البحار ، وقد تفرّقوا وتلاشت ثروتهم الهائلة ، ولم يبق لهم إلّا بعض أراض بوادي سهام وأعمال المراوعة ؛ فإنّها لا تزال تدرّ عليهم.

ومن أحفادهم ناس بالحديدة ، ومنهم الشّيخ عبد القادر بن سالم بن عليّ بن سعيد بصعر ، رجل صالح بالمكلّا ، قد ذرّف على المئة ، زرته مرارا وطلبت دعاءه.

ومن علماء الخريبة : القاضي عمر بن أبي بكر باجنيد.

أخبرني السّيّد عبد الهادي بن محمّد بن عمر الجيلانيّ ، عن أبيه (١) ، عن جدّه (٢) قال : (أرسلني الحبيب أحمد بن محمّد المحضار بنسخة خطّيّة من «التّحفة» إلى عند قاضي الخريبة الشّيخ عمر بن أبي بكر باجنيد ، مشفوعة بقصيدة ، منها :

إنّ العمارة بالعشيّة والبكر

بالعلم والطّاعات والفعل الأغر

أمسى بها متحقّقا متخلّقا

قاضي الأنام الحبر قيدوم الزّمر (٣)

أعني به الأسد الغضنفر شيخنا

حاوي الملاحة والتّسلسل من مضر

صدر الكتاب إليك يا الشّهم الّذي

يقضي الدّيون إذا مطالبها زجر (٤)

إلى أن قال الجيلانيّ : (فسرت ب «التّحفة» والقصيدة .. فتقبّلهما الشّيخ بأحسن القبول ، ثمّ أرجعني ب «التّحفة» وقال : هو أحرى بها. وأعطاني له مئة ريال ، ولمّا

__________________

(١) هو عبد الهادي بن عبد الله بن عمر وليس عبد الهادي بن محمد بن عمر ، فليعلم.

(٢) هو السيد عمر بن أحمد بن عمر بن حسين من ذرية الشيخ نصر الله بن الحافظ عبد الرزاق بن سيد الطوائف وتاج الأكابر الشيخ الإمام عبد القادر الجيلاني الحسني الشريف السني ، ونسبه معروف محفوظ. ولد السيد عمر ببراوره ـ بلدة في ريدة الدّين ـ ولما كبر وشبّ .. قدم الخريبة ، ولازم دروس الشيخ عبد الله باسودان ، وصار أثيرا ومقربا عنده لنباهته .. فزوجه إحدى بناته ، وأجازه إجازة حافلة مؤرخة في (١٢٦٤ ه‍) ، وتوفي بالخريبة في (٥) جمادى الآخرة سنة (١٣٢٩ ه‍). وأخذ عنه عدد من العلماء وكان مشارا إليه بالصلاح والتقوى.

(٣) قيدوم : شجاع مقدّم. الزّمر : الجماعات.

(٤) الأبيات من الكامل.

٣٢٠