إدام القوت في ذكر بلدان حضر الموت

السيّد عبد الرحمن بن عبيد الله السقّاف

إدام القوت في ذكر بلدان حضر الموت

المؤلف:

السيّد عبد الرحمن بن عبيد الله السقّاف


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار المنهاج للنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ١١١٠

للضّيفان من آثار الحبوظيّ (١) ، وفيها مصرع الحبيب عمر بن حسين بن عبد الرّحمن العطّاس.

ثمّ الرّحم ، فيه آل حميد من الجعدة ، تقدّر رماتهم اليوم بأربعين ، فيه مسجد ، وللضّيف في بيوتهم سعة.

ثمّ زاهر باقيس (٢) ، وفيها جامع ومنزل للضّيفان من آثار الحبوظيّ ، وفيه آل باقيس ، منصبهم : الشّيخ عمر بن أحمد باقيس. وكان بناء زاهر هذه في سنة (٧٣٦ ه‍) (٣).

ثمّ قرن ابن عدوان ، فيه مشايخ من آل باوزير ، منصبهم : الشّيخ عبد الله بن سعيد. وفيه جامع ومنزل للضّيفان من جملة صدقات الحبوظيّ.

__________________

(١) ومن أعيان نفحون من السّادة الأشراف : السيّد الحبيب : عمر بن عبد الله بن حسين بن عمر بن حسين بن عمر العطّاس ، ولد بنفحون ، وتوفّي بمكة في محرم سنة (١٣٣١ ه‍). ينظر : «تاج الأعراس» (١ / ٧٠٧ ـ ٧٠٩).

(٢) لعلّ بلدة الزّاهر هذه هي أصل منبت آل باقيس ، ومنهم جماعة في نفحون ، وجماعة آخرون في حلبون ، والقويرة ، وغيرها من البلدان ، وقد هاجروا مع من هاجر إلى الحجاز ، ولهم في جدّة مجتمع كبير ، وهم يعملون في التّجارة ، ولا سيّما تجارة القماش والبزّ ، وفيهم أفاضل أخيار ، وسيأتي ذكرهم في حلبون.

(٣) كما في «تاريخ شنبل» (١١٩) ، وعبارته : (وفيها ـ أي سنة (٧٣٦ ه‍) ـ بنيت قرية زاهر بوادي عمد) اه ، ولا تعرف إلّا بنسبتها إلى آل باقيس ، فيحتمل أن يكونوا هم الّذين بنوها ، ويحتمل أنّها عرفت بهم لأنّهم كثرة بها.

ومن أعلام آل باقيس سكّان الزّاهر : الشّيخان محمّد وعبد الكبير ابنا الشّيخ عبد الكبير باقيس ، من أهل القرن الحادي عشر. ومنهم : الشّيخ الصّالح ، المشارك في الخيرات والفضائل ، صالح بن أحمد بن عبد الكبير باقيس ، وليد الزّاهر ودفينها ، كان حافظا لكتاب الله تعالى ، فقيها في الدّين ، كريما مضيافا ، محبّا لآل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. ومنهم : الشّيخ الكريم ، العابد المستقيم ، محمّد بن عبد الكبير بن عبد الله بن أحمد بن محمّد بن عبد الكبير باقيس ، ولد بالزّاهر ، وهاجر إلى جاوة ، وتوطّن بلدة عمفنان بجزيرة البالي ، ومارس التّجارة.

وينسب آل باقيس إلى كندة ، ويقال : إنّهم من ذرّيّة الأشعث بن قيس ، وقد ناقش العلّامة علويّ بن طاهر الحدّاد هذه المقولة ، وبيّن أنّ ذرّيّة الأشعث ليس من المحقّق كونها في حضرموت.

ينظر : «الشّامل» (١٥١ ـ ١٥٢).

٢٨١

وفيه آل أحمد بن عليّ من قبائل الجعدة (١) ، ويقال للجعدة : مرّة ، إمّا نسبة إلى مرّة بن زيد بن مالك بن حمير ـ وهو كما سبق جدّ قضاعة ـ وإمّا إلى أحد من ذرّيّة قضاعة ، يقال له : مرّة.

وقيل : إنّهم من مرّة بن أدد بن زيد بن يشجب بن عمرو بن زيد بن كهلان ، ومرّة هذا أخو الأشعر وطيّء ومذحج ، وهو جدّ كندة الثّالث ؛ لأنّ كندة هو كندة بن عفير بن عديّ بن الحارث بن مرّة بن أدد.

وفي الجزء الأوّل من «الإكليل» للهمدانيّ [٢٠٣ ـ ٢٠٤] : (أنّ مرّة بن حمير بطن ؛ منهم : ربيعة ذو مرحب بن معدي كرب بن النّعمان ، القيل بحضرموت ، وهو الّذي أنجد الحارث بن معاوية بن مالك بن معاوية بن عوف بن حريم الجعفيّ ـ الملقّب بالأسعر ـ على قتله أبيه ، وأعطاه فرسا من رباطه يقال له : المعلّى ، وراشه بالجند والسّلاح ، وله خبر طويل.

قال أبو نصر : فأولد ربيعة ذو مرحب بن معدي كرب بن النّضر حليلا وذا المسوح.

وقال غيره من علماء اليمن : أولد مرّة بن حمير عمرا وربيعة ، فأولد ربيعة الأحول وذا المسوح. والكلبيّون وأهل المسجل يقولون : إنّه مسروح.

وأولد عمرو بن مرّة قبائل بحضرموت ، منها دخلت في مهرة بن حيدان ، ومنهم العجلان ، وإليه تنسب العجلانيّة بحضرموت : ذو أصبح ، وذو النّعرين) اه

وهم (٢) قبائل كثيرة ؛ منهم : آل هلابي ، وآل غانم ، والمراضيح (٣) ، وآل شملان ، وآل لجذم ، والرّوامضة ، وآل الشّيبة ، وآل عامر بن عليّ ، وآل سليمان بن عليّ ، وآل أحمد بن عليّ.

__________________

(١) مفردهم : جعيدي ، وهم كثرة في حضرموت والمهاجر.

(٢) أي : الجعدة.

(٣) الواحد منهم يقال له : بن مرضاح.

٢٨٢

والصّقرة (١) ، ومساكنهم : نفحون ، والسّيلة ، والجدفرة ، وسراواه ، وحدّ عنق ، والبطيخ ، والنعير ، وتبرعة ، وعمد ونواحيها.

ومن أعمال وادي عمد : حريضة (٢).

قال الحبيب أحمد بن حسن العطّاس في «سفينته» : (قال الطّيّب بامخرمة في كتابه «نسبة البلدان» : سمّيت حريضة باسم قبيلة من حمير ، ويسكنها السّكون من كندة) اه

ولعلّ هذا النقل عن الطّيّب من غير مادة حريضة ؛ أمّا فيها .. فلم يزد على قوله : (حريضة بالكسر ، كضدّ الجبر ، أسفل من وادي عمد ، مقابلة لعندل) اه (٣)

وقوله : (بالكسر) يعني الصّقع الآتي ذكره ، وفيه تسامح ؛ لأنّ الأكثر عدّ حريضة في عمد لا في الكسر.

وقد فهم بعضهم من قوله : (بالكسر) أنّه يريد كسر الحاء من حريضة ، وليس كذلك.

ومن كتاب باشكيل : (أنّ آل عليّ بن سالم آل حريضة من بني يزيد بن معاوية بن كندة).

وقال بعضهم : إنّ حريضة مصحّفة عن قريضة ، ودلّل على ذلك بأنّها كانت مسكن اليهود قبل البعثة بأربع مئة سنة.

__________________

(١) ويقال لهم : آل باصقر ، ويقال : إنّهم ليسوا من بني مرّة ، وإنما هم من السّموح من سيبان ، والله أعلم.

(٢) حريضة : بضمّ ففتح ، مدينة ومركز إداري جنوب غرب شبام ، أسفل وادي عمد ، وهي عاصمة مديريّة دوعن. ومن قرى وادي حريضة : الهجرين ، عندل ، نفحون ، المنيظرة ، شرج آل علي بن سالم من كندة. وتوجد شمال حريضة خوّة أسطوانيّة الشّكل ، يقال لها : بئر غمدان ، ينزل فيها بدرج طويلة ، كل درجة بقامة إنسان. وممّن ينسب إلى حريضة : الفقيه يعقوب بن صالح الحريضي ، كان من أعيان الشّحر في القرن العاشر ، وهو أحد الشّهداء السّبعة الّذين قتلوا في حادثة غزو البرتغال للشّحر سنة (٩٢٩ ه‍).

(٣) نسبة البلدان (خ ٨٩ ـ ٩٠).

٢٨٣

ومن «دشتة» وجدت بزاهر باقيس : (وحريضة كانت تسمّى قريضة ، ترد إليها القوافل من صنعاء ومأرب ، وكانت بها أسواق ، وهي من بلاد عاد القديمة).

وفي بعض مذكّرات الحبيب أحمد بن حسن العطّاس : (أنّ حريضة كانت ذات جاهليّة صمّاء ، وطاغوتيّة عمياء ، وكانت لليهود قبل النّبوّة ، فأسلموا بكتابه صلّى الله عليه وآله وسلّم ، ثمّ ارتدّوا إلى اليهوديّة ، وبقوا عليها إلى زمان المهاجر أحمد بن عيسى ، فأسلموا على يده وحسن إسلامهم ، وإنّما بقيت لهم نزغات يحييها الجهل ويطفئها العلم) (١). نقله العلّامة السّيّد عليّ بن حسن العطّاس ، والشّيخ محمّد بن أحمد بامشموس ، من «مناقب الحبيب عمر بن عبد الرّحمن العطّاس».

وجاء في كلام الحبيب عمر بن حسن الحدّاد : (أنّ الحبيب عمر العطّاس كان كآبائه في النّسك ، فأشار عليه شيخه الحبيب حسين ابن الشّيخ أبي بكر بن سالم أن يرحل إلى حريضة ليعلّم أهلها (٢) ؛ علّهم يفيقون ممّا هم عليه من الجهل والغلظة ، وقال له : لو أعلم أحدا أجفى منهم .. لبعثتك إليهم ، فسار إلى هناك ، وألفاهم على جاهليّة جهلاء ، يبيتون مختلطين رجالا ونساء على ما يسمّونه الظّاهري (٣) ، فلم يسعه إلّا أن دخل فيهم ، وجعل يلقي عليهم الأراجيز في ألعابهم ، ثمّ أشار عليهم بعزل النّساء عن الرّجال ، وما زال يتدرّج في نصحهم وإرشادهم ـ كمؤمن آل فرعون في ترتيب دعوته لقومه ـ حتّى انكفّوا عن العادات السّيّئة ، وأقبلوا على الدّين والصّلاة بفضل هذه السّياسة والرّفق) اه بمعناه

وقد تكرّر هذا في كلام الحبيب عمر بن حسن الحدّاد ، ولاحظ عليه سيّدي أحمد بن حسن العطّاس : أنّ الحبيب عمر بن عبد الرّحمن لا يقول الشّعر .. فلعلّه الحبيب عليّ بن حسن ؛ لأنّه الشّاعر الّذي لا يدافع ، ولكنّه لا يمكن أن يكون

__________________

(١) نزغات : وسوسات وتحريك للإفساد بين النّاس.

(٢) مولده باللسك سنة (٩٩٢ ه‍) ، سنة توفّي الشّيخ أبو بكر بن سالم ، وهي قريبة من عينات. ولا زال بيته بها معلوما.

(٣) الظّاهريّ : رقصة كان يفعلها البادية ، تضرب فيها الهواجر ـ جمع هاجر ـ وهي الطّبول الكبيرة ، ويرقص على دقّاتها الرّجال والنّساء ، وهي من الألعاب الّتي يولع بها البدو ، ومثلها : الشرح.

٢٨٤

الحبيب عليّ بن حسن ؛ لأنّه لم يوجد بعد (١) ، ولئن لم يكن الحبيب عمر شاعرا .. فلعلّه كان راوية.

ولم يزل ناشرا الدّعوة إلى الله بحريضة ، صابرا على المشقّات الهائلة ، حتّى لقد استقلّ القطب الحدّاد شأن نفسه لمّا رأى ما كان عليه الحبيب عمر بن عبد الرّحمن العطّاس من المجاهدات والكلف والمشقّات (٢).

توفّي الحبيب عمر بن عبد الرّحمن العطّاس بحريضة ، سنة (١٠٧٢ ه‍).

قال في «شمس الظّهيرة» [٢٤٩ ـ ٢٥٣] : (له تسعة بنون : مشيّخ (٣) ، وشيخ ، وشيخ ، ومحسن ، وعليّ .. انقرضوا. وعبد الله ، له عقب بعنق ، والجدفرة ، ولحروم ، وجاوة ، وبهان. وعبد الرّحمن ، عقبه بحريضة ، وجاوة ، والهند ، ولحروم ، وسالم ، عقبه بالصّيق قرب حريضة ، وسدبة ، وكيرعان ، والجبيل ، وموشح ، والهند ، وباكلنقان ، وكاتي دار ، وفلفلان. وحسين بن عمر (٤) ، وله ثمانية بنون : منهم : محسن (٥) ، عقبه بحريضة. ومنهم : السّيّد الفائق على أهل

__________________

(١) ولد الحبيب عليّ بن حسن سنة (١١٢١ ه‍) ، بعد نحو خمسين سنة من وفاة جدّه الحبيب عمر بن عبد الرّحمن.

(٢) الكلف : بمعنى الصبر والمعاناة في العرف الحضرمي ، وليس المقصود هنا المعنى اللغوي.

وممّا يذكر من سعة أخلاق هذا الإمام .. أنّه رزق بمولود ، فجاءه أهل حريضة يهنّئونه بالهادف الجديد ، وغاب منهم شخص لاحظ الحبيب عمر غيابه ، فسأل عنه ، فقيل : إنّه قد ولدت له أتان ..

ولم تبارك له على ولادتها فهو آخذ في خاطره عليكم لهذا السبب ، فقال لأصحابه : هلموا بنا نبارك له في نتاجه الجديد ، وذهب ومعه بعضهم إلى ذلك الرّجل ، فما كان من الرجل إلا أن استحى من نفسه لمّا رأى الحبيب عمر يأتي إليه يبارك له في حماره ، وهو لا يبارك له في مولوده .. وبهذه الأخلاق والنّفسيّات العالية .. ساد أولئك الأقوام ذوو الحسب النّبوي ، والخلق المصطفوي ، عليهم سلام الله.

(٣) في المطبوع من «شمس الظهيرة» (١ / ٢٤٩) : شيخ وشيخ وشيخ ، ثلاثتهم باسم واحد.

(٤) توفي عبد الله سنة (١١٥٠ ه‍) ، وعبد الرحمن سنة (١١١٦ ه‍) ، وسالم سنة (١٠٨٧ ه‍) ، وحسين سنة (١١٢٩ ه‍) ، ولجميعهم ترجمة في «القرطاس» إلا الأول.

(٥) توفّي بحريضة سنة (١١٤٨ ه‍) ، ودفن بمشهد والده ، له ترجمة في «بهجة الفؤاد».

ومن أبناء الحسين أيضا : عمر ، توفّي بنفحون ، وأحمد توفّي (١١١٠ ه‍) بأحور ، وحمزة

٢٨٥

زمانه في العلوم ، الحريص على تقييد الفوائد وسيرة السّلف ، أحمد البصير بن حسن (١).

ومناصبها الآن ـ أي : في سنة (١٣٠٧ ه‍) ـ حسن بن عبد الله (٢) والد أحمد المذكور ، وزين بن محمّد (٣) ، شريفان كريمان قائمان بعادات سلفهم. ومنهم : طالب ، عقبه بحريضة ، ومنهم : الإمام الخليفة أبو بكر بن عبد الله بن طالب (٤) ، المتوفّى بها سنة (١٢٨١ ه‍) اه باختصار.

وقد أخذت أنا عن السّيّد أحمد بن حسن ، وامتدحته ورثيته بقصيدتين توجدان بمحلّهما من «الدّيوان» [٣٨٨ و ٣٩١].

وكثيرا ما حدّثنا الشّيخ الجليل حسن بن زين بن عوض مخدّم ، عن شيخه العلّامة الجليل أبي بكر بن عبد الله بأمور عجيبة عن مشاهدة ، ولكن أخبرني جماعة آخرهم الشّيخ عمر بن عوض شيبان : أنّ السّيّد عليّ بن سالم الآتي ذكره في عينات حضر مجلس سيّدي الأبرّ في السّوم ـ الواقع بين الغرفة وسيئون ، أو الواقع في طريق نبيّ الله

__________________

بالخريبة ، وعبد الله (١١٥٠ ه‍) ، وطالب (١٢١٠ ه‍) ، وحسن (١١٥١ ه‍) ، وعليّ توفّي (١١٥٦ ه‍) بحريضة.

(١) الإمام العلامة : أحمد بن حسن بن عبد الله بن علي العطاس. مولده بحريضة في شهر رمضان من سنة (١٢٥٧ ه‍) ، وكفّ بصره وهو صغير ، فعوّضه الله بنور البصيرة ، طلب العلم صغيرا ، ولازم الحبيب صالح بن عبد الله العطاس ، وكان فتوحه على يديه ، وأخذ عن الحبيب أبي بكر بن عبد الله العطاس. رحل لطلب العلم إلى الحرمين ، وأخذ عن أكابر شيوخ عصره.

ومن أراد المزيد .. فعليه بكتاب «إيناس الناس» للشيخ بافضل ، و «عقود الألماس» للحداد ، و «مناقبه» التي جمعها ابنه الحبيب علي بن أحمد ، و «تاج الأعراس» ، وغيرها. توفي الحبيب أحمد في (٦) رجب سنة (١٣٣٤ ه‍).

(٢) توفّي السيّد حسن بن عبد الله بن عليّ بن عبد الله بن محمّد بن محسن بن حسين بن عمر .. يوم الأحد (١٠) ربيع الثّاني سنة (١٣٣٣ ه‍) ، وتوفّي ابنه الحبيب أحمد بن حسن بعده بسنة وثلاثة أشهر تقريبا.

(٣) توفّي بحريضة الأحد (٢١) جمادى الآخرة سنة (١٣٤٢ ه‍) ، ترجمته في «تاج الأعراس» (١ / ٧٣٠ ـ ٧٣٧).

(٤) الحبيب أبو بكر بن عبد الله ، من مشاهير أولياء عصره ، أخذ عنه السيّد العلّامة مفتي مكّة أحمد زيني دحلان ، وغيره من أكابر عصرهم ، وجمع حفيده السيّد سالم بن عبد الله بن أبي بكر شيئا من مناقب جدّه المذكور وكلامه ، وبعضه جمعه والده عبد الله ، وسمّاه : «حلاوة القرطاس».

٢٨٦

هود عليه السّلام ، لا أدري أيّهما كان ، والأوّل أقرب ـ فأشار إلى تفضيل الحبيب أبي بكر هذا على سيّد الوادي الحسن بن صالح البحر .. فغضب سيّدي الأستاذ الأبرّ ، وخرج على عادته بإظهار ذلك وقال له : إن أبيت .. باهلناك ، وستعلم. فانكسر السّيّد عليّ بن سالم حينئذ وتضاءل حتّى كاد يذوب.

ولم يذكر شيخنا المشهور صاحب الجاه العظيم ، والفضل الجسيم السّيّد عبد الله بن علويّ بن حسن العطّاس ، مع أنّه لا يجهل قدره ؛ لأنّ ظهوره إنّما كان بعد انتهاء «شمس الظّهيرة» ، توفّي بحريضة في سنة (١٣٣٤ ه‍) (١).

ولم يذكر الصّالح المشهور السّيّد عبد الله بن محسن العطّاس ، المتوفّى ببوقور من أرض جاوة في سنة (١٣٥٢ ه‍) عن عمر نيّف على الثّمانين (٢).

ولمّا توفّي العلّامة السّيّد أحمد بن حسن العطّاس .. وقع لواؤه على حفيده (٣)

__________________

(١) عبد الله بن علوي بن حسن بن عليّ بن أحمد ... ابن الإمام عمر العطّاس ، المشهور بصاحب «سبيل المهتدين». ولادته بشربون بجاوة الغربية ، وتلقّى معارفه في حريضة على يد الإمام أحمد بن حسن ، والحبيب حسين بن محمّد آل العطّاس ، وغيرهما ، في حضرموت والهند. كان محسنا كريما باذلا يبذل في أمور الخير ، بنى مسجدا بحريضة يعرف بمسجد باعلوي ، وحفر بئرا لسقي النّاس. توفّي سنة (١٣٣٤ ه‍) ، وله ترجمة في «تاج الأعراس» ، وأعقب ولدا واحدا هو السيّد عبد الرّحمن ، وعقبه منه ، توفّي سنة (١٣٨٦ ه‍).

(٢) عبد الله بن محسن بن محمّد ... ابن الحبيب الإمام عمر العطّاس. مولده ببلدة حوره من قرى الكسر ، سنة (١٢٦٥ ه‍) ، قرأ القرآن في صغره على المعلم عمر بن فرج بن سبّاح ، وقرأ «الرسالة» على الحبيب عبد الله بن علويّ العيدروس صاحب بور ، وأخذ عن الحبيب أحمد المحضار ، وأحمد البار ، وأقام بالخريبة مدّة يطلب العلم عند الشّيخ محمّد باسودان ، وحجّ حجّة الإسلام سنة (١٢٨١ ه‍) ، وأخرى سنة (١٢٨٣ ه‍). وبعد حجّته الثّانية دخل جاوة ، ولازم هناك شيخه الإمام أحمد بن محمّد بن حمزة العطّاس ، ومارس التّجارة في باكلنقان ، وسجن عدّة سنوات امتحانا وابتلاء .. فصبر ، وكان في سجنه داعية ، حتّى إنّ السّجن يغصّ بزوّاره من المسلمين وغيرهم ، وأسلم وتاب على يديه أعداد غفيرة. وكانت وفاته سلخ ذي الحجّة سنة (١٣٥٢ ه‍) ، ودفن ببلدة بوقور. ترجم له الحبيب محمّد بن حسن عيديد في «إتحاف المستفيد» ، وأورد نصّ إجازته له.

(٣) لأنّ ابنه سالما توفّي في حياته سنة (١٣٢٦ ه‍) ، وأعقب من الذّكور : حسنا ، وعليّا ، ومحمّدا ، وأمّا ابنه الآخر الحبيب عليّ بن أحمد .. فقد كان صغيرا ؛ لأنّ مولده سنة (١٣٢٧ ه‍) ، وسيأتي ذكرهم.

٢٨٧

حسن بن سالم بن أحمد العطّاس (١) ، وكان شهما كريما ظريفا ، توفّي بالمكلّا في سنة (١٣٦٠ ه‍) ، وخلفه على المنصبة عمّه عليّ بن أحمد بن حسن العطّاس (٢) ، وهو ولد نبيه ، مفتوح الأبواب ، موطّأ الأكناف.

ولمّا توفّي السّيّد زين بن محمّد .. خلفه على المنصبة ولده عمر بن زين (٣) ؛ لأنّه لا يزال بحريضة منصبان.

ومن أعيان حريضة الآن : السّيّد أبو بكر بن عبد الله بن أحمد العطّاس ، رجل شهم ، يقوم بتسهيل الطّريق لكلّ من يرد جاوة من الحضارم وغيرهم ، وهو كثير التّنقّلات في البلاد.

ومنهم : السّيّد محمد بن سالم بن أبي بكر. ومنهم : السّيّد محمّد الخيّل (٤) ، والسّيّد سالم بن عمر. ومنهم : السّيّد عبد الرّحمن بن عبد الله بن علويّ ، والسّيّد

__________________

(١) حسن بن سالم بن أحمد بن حسن ، ولد بحريضة سنة (١٣١٧ ه‍) ، وأدرك زمانا من حياة جدّه الإمام ، وأجازه عامّة ، وله إجازة من الحبيب عليّ بن عبد الرّحمن المشهور بتريم ، ومن السيّد محمّد بن عليّ الإدريسي صاحب صبيا. رحل إلى الحرمين ، وأقام بمكّة مدّة أيّام الشّريف حسين بن عليّ ، ورحل إلى جاوة وغيرها ، ثمّ سافر إلى المكلّا ، وتوفّي بها في (٥) ذي القعدة سنة (١٣٦٠ ه‍). «الدّليل المشير» (٨٥ ـ ٨٧).

(٢) علي بن أحمد بن حسن العطاس ولد بحريضة سنة (١٣٢٧ ه‍) ، ووالدته من المشايخ آل بايزيد ، طلب العلم في حريضة وتريم وغيرها ، وأكثرهم من تلامذة والده والآخذين عنه ، وربّاه بعد وفاة والده ابن أخيه الحسن بن سالم ، والحبيب زين بن محمّد ، وفي تريم رعاه واعتنى به الشّيخ محمّد بن عوض بافضل ، وألحقه بمدرسة الحقّ. وشيوخه كثر ، ورحل إلى عدّة بلدان ، منها سواحل إفريقيا الشّرقيّة ، والحرمين وأجازه بها الشّيخ عبد القادر شلبي وغيره. وله إصلاحات جليلة ، وأعمال ومآثر في بلاده وخارجها. وافته المنيّة في أبو ظبي ، سنة (١٤٠٧ ه‍) ، بعد توعك صحّته واعتلالها.

(٣) توفّي الحبيب عمر بن زين سنة (١٤٠٥ ه‍) تقريبا.

(٤) هو الحبيب محمّد بن محسن بن عمر ـ الخيّل ـ ابن سالم بن عبد الرّحمن بن سالم بن عبد الرّحمن بن عقيل العطّاس. مولده في قرية قرسا من برور القنفذة ، ووفاته بالمدينة المنوّرة سنة (١٣٥٨ ه‍) ، أخذ العلم الشّريف وطلبه بمكّة عند الشّيخ عمر باجنيد ، وكان ملازما له حضرا وسفرا ، وأخذ عن بابصيل ، والحبيب حسين الحبشي. وأخذ عنه جمّ ؛ منهم : صاحب «تاج الأعراس» ، والحبيب سالم بن حفيظ ، والحبيب أحمد مشهور الحدّاد. ومعنى (الخيّل) : بفتح الخاء وتشديد الياء المكسورة : القيّم أو النّاظر على مجاري مياه السّيول ، وهو لقب لجدّ المترجم.

٢٨٨

عليّ بن سالم بن أحمد ، له شعر وأدب وحرص على الفوائد ، وهو على قضاء حريضة الآن.

وفي غربيّ حريضة كثير من الآثار القديمة ، وقد أسفر الحفر في الوقت الأخير في آثار حريضة عن بيوت مطمورة تحت الأرض ، فيها معابد للقمر ، لا تخلو عن آثار قيّمة ، ربّما كان للحافر عنها غرض في الإخفاء.

وحول معبد إله القمر الّذي ظهر هناك كثير من المباخر (١) ، وعلى بعض الحجارة كتابات قديمة ترجع إلى أكثر من ألفي سنة ، وفي بعضها ما ترجمته : (يا لبان .. يا كوكبان .. بلّغ الإله السّلام) ، والجزء الأوّل من هذه الجملة مشهور بكثرة على ألسنة العامّة بحضرموت (٢) ، ورجوع عهد الكتابة إلى أكثر من ألفي سنة يعرّف أنّ لمثله اتّصالا بأديان الحضارم القديمة ، وكثير من آل حضرموت كانوا يعبدون الشّمس ويسمّونها (الإلاهة) ، وفيها يقول الأعشى [من المتقارب] :

فلم أذكر الرّهب حتّى انفتلت

قبيل الإلاهة منها قريبا

ويريد بالإلاهة : الشمس.

__________________

(١) المباخر ـ جمع مبخرة ـ وهي : الآلة الّتي تستعمل للتّبخير ، وقد تسمّى : مجمرة.

(٢) المتردّد على ألسنة العامّة اليوم في كثير من بلدان حضرموت عندما يضعون اللّبان البدويّ (الكوكباني) في المباخر أن يكرّروا قولة : يا لبان يا كوكبان اطرد إبليس الشيطان. وهي عبارة قد تكون لها دلالتها التاريخية كما ذكر المصنف رحمه الله تعالى.

تنبيه : قد يسرح فكر البعض عند قراءتهم لمثل هذا الكلام ، فيعمدون إلى منع النّاس من هذه العبارة ، ويشنّون حملات وغارات على النّاس ، بسبب أنّ هذه العبارة لها تعلّق بشيء وثنيّ وغير ذلك ، وينسجون حول هذا الكثير والكثير من القصص والتّرّهات.

والأولى أن يقال في معنى قولهم : يا لبان يا كوكبان .. إلخ أنه للتفاؤل والفرح بطرد الرّوائح الكريهة من المنازل ؛ لأنّ الجنّ والشّياطين يأنسون للرّوائح الكريهة .. بينما الملائكة تتأذّى منه بنو آدم».

فليس في هذه الكلمات نداء لغير الله ، ولا شرك به ، والتّأويل في مثل هذه المواضع واجب ، وإذا لم نؤوّل للعامّة .. أوقعناهم في الشّرك والكفر ، ومن كفّر مسلما .. فقد كفر.

٢٨٩

كان بعض القرّاء يقرأ : (لتذر موسى وقومه ليفسدوا في الأرض ويذرك وإلاهتك) (١).

وفي شمال حريضة إلى الشّرق : بئر عميقة ، ينزل إليها بدرج طويلة ، كلّ درجة منها في طول قامة الإنسان ، مشهورة ببير غمدان ، يتعالم الخلف عن السّلف بكثرة كنوزها وذهبانها ، ولهم عنها أخبار كثيرة ، يقصدها السّيّاح ، غير أنّهم متى نصفوها .. انطفأت عليهم النّار الّتي يجرّبون بها .. فينثنون ؛ لأنّ ما تنطفىء به النّار .. تفيض به الرّوح ، ولكنّ بعضهم يفكّر في تغطية وجهه بغطاء سميك يمكن معه التّنفّس في أنابيب تبقى على رأسه.

وتلك البئر في قارة إلى جانب الجبل المسمّى غمدان ، وهو في شرقيّها إلى جهة الشّمال ، وفيه آثار حصن بالية.

ومن أعمال عمد : لحروم ، وقد مرّ في جردان عن «القاموس» : (أنّ الصّدف ولد حريما ويدعى بالأحروم) .. فلا شكّ أنّ هذه البلاد على اسمه.

وفيها جامع ، وسكّانها من آل العطّاس ، ومنهم الآن : صالح بن محمّد العطّاس ، رجل شهم جزل الرّأي ، كبير الهمّة ، كثير الإقدام وهو الآن بجاوة. وفيها ناس من آل باعشر وغيرهم.

وبعدها : عندل (٢) ، قال ابن الحائك في «صفة جزيرة العرب» [١٦٧] : (هي مدينة عظيمة للصّدف ، وكان امرؤ القيس بن حجر زارهم فيها ، وفيها يقول : [من الطّويل] :

كأنّي لم ألهو بدمّون ليلة

ولم أشهد الغارات في بطن عندل) اه

وفيها جامع ومنزل للضّيف على صدقات الحبوظيّ. وسكّانها آل باجابر ، ومنصبهم الآن : الشّيخ أحمد بن عمر باجابر.

__________________

(١) أي : عبادتك ، لأن من معاني الإلاهة العبادة.

(٢) عندل : بلدة تاريخيّة قديمة ، لا تزال عامرة إلى اليوم ، وبها سدّ أثريّ قديم ، أعيد بناؤه أخيرا ، وتنتج أرضها التّمور والأعلاف.

٢٩٠

ومن كتاب «نهاية الأنساب» بخطّ الشّيخ عليّ باصبرين ، عن الشّيخ عمر العموديّ ، عن الحبيب عبد الله العيدروس (١) : (أنّ آل باجابر والشّيخ مزاحم صاحب بروم .. من ذرّيّة عقيل بن أبي طالب). ومثله منقول عن العلّامة القاضي عبد الله بن أبي بكر القدري باشعيب الأنصاريّ ، وعن العلّامة عبد الرّحيم بن قاضي باكثير اللّذين تولّيا القضاء بتريم.

وقال الحبيب عليّ بن حسن العطّاس في «سفينة البضائع» : (يقال : إنّ آل إسحاق من نسل العبّاس بن عبد المطّلب ، وقد أشار إليه أحد شعرائهم في شعره. وما أظنّه يصحّ ، وكذلك يقال : إنّ آل باجابر من نسل عقيل بن أبي طالب ، وقد سئل الحبيب عبد الله بن علويّ الحدّاد .. فلم يوافق عليه) اه

ولكنّ السّيّد عبد الرّحمن بن مصطفى العيدروس نزيل مصر أكّده (٢).

وفي النّصف الثّاني من «المواهب والمنن» للحبيب علويّ بن أحمد الحدّاد في ترجمة جدّه الحسن : أنّ الشّيخ عبد الجبّار بن مزاحم قائم بمنصب أجداده آل بلحفّار بأحور ، وهو من تلاميذ الحسن ابن القطب الحدّاد ، وكذلك ابنه الشّيخ محمّد بن عبد الجبّار ، وأولاد عمّه الشّيخ أبي بكر.

وفيه أيضا : أنّ الشّيخ الجلاليّ الحال بلحفّار .. انتفع بالقطب العيدروس عبد الله بن أبي بكر.

ومن آل باجابر : الشّيخ الصّوفيّ أحمد بن عمر ، صاحب «جوهرة عقد العروس» ، وله أماديح في السّادة آل العيدروس ؛ منها قوله في رثاء سيّدنا عبد القادر بن شيخ [من المديد] :

لم يزل منهم لنا علم

قائم للحقّ ينتصر

فلئن ولّى لنا خلف

كلّهم من بعده اشتهروا

__________________

(١) هو الباهر ، عمّ عبد الرّحمن بن مصطفى صاحب مصر.

(٢) وصدر مؤخّرا كتاب يجمع نسب آل باجابر وتراجمهم ، ومنهم : آل باجبّار في بروم ، وآل زحوم ، وغيرهم.

٢٩١

ومنهم : الشّيخ أحمد بن محمّد بن عبد الرّحيم باجابر (١) ، كان علّامة فقيها ، وله أدب غضّ ، تكرّر ذكره في «النّور السّافر» ، وذكر له في (ص ٣٩٦) منه أبياتا يمدح بها العلّامة ابن حجر الثّاني (٢) ، وهي [من الكامل] :

قد قيل من حجر أصمّ تفجّرت

للخلق بالنّصّ الجلي أنهار

وتفجّرت يا معشر العلماء من

حجر العلوم فبحرها زخّار

أكرم به قطبا محيطا بالعلا

ورحاؤه حقّا عليه تدار

والمعنى قويّ وإن كان اللّفظ ضعيفا متكلّفا.

ومن آل باجابر : الشّيخ المتفنّن ، أحمد بن محمّد باجابر ، ترجمه السّيّد باحسن في «تاريخه للشّحر» ؛ لأنّه سكنها ، ومن شعره لغز في عثمان رفعه للشّيخ عبد الصّمد باكثير فحلّه.

يبعث (٣)

قد سبق في أوّل الكتاب ذكر حوطة الفقيه عليّ ، ومنها شرقا إلى محيد ـ وهي أرض آل باقطمي شرقا أيضا ـ نصف يوم ، ومنه إلى يبعث يومان.

__________________

(١) توفّي الشّيخ أحمد هذا في لاهور بالهند في شوّال (١٠٠١ ه‍) ، تربّى بوالده ، وأخذ عن غيره ، ورحل إلى الهند ، ولازم السيّد عبد القادر بن شيخ العيدروس ، المتوفّى سنة (١٠٣٨ ه‍) ، قال السيّد عبد القادر : وتأسّفت على موته جدّا ، وكنت كلّما ذكرته .. استثار منّي الحزن ، وانبعث الأسى والنّدم ؛ حتّى كأنّ مصابي باعتبار ذلك جديدا في كل آن ، وصنفت في أخباره وماجرياته كتابا سمّيته : «صدق الوفاء بحق الإخاء» اه «خلاصة الأثر» (١ / ٢٧٤).

(٢) هو الهيتميّ صاحب «تحفة المحتاج» ، المتوفّى سنة (٩٧٤ ه‍).

(٣) يبعث : مركز إداريّ من مديريّة حجر بحضرموت ، وهو واد بين جبلين ، تنتشر فيه مجموعة من القرى ؛ منها : مشاط وفيها آل نعمان ، وبلد المشايخ ، وقرية الجنينة ، وقرية الشروج ، وقرن باربيد ، وقرية الحمام ، وحصن باشقير ، وحصن بامظفر ، وغيرها من القرى ، وسكّانها معظمهم من المشاجرة ـ واحدهم مشجري ـ ، وفيهم سادة من آل الشّيخ أبي بكر بن سالم.

وعند منحدر هذا الوادي تنمو الزّروع وأشجار النّخيل والسّدر.

وقد عدد مؤلف «الشامل» القرى والبلدان المجاورة لهذا المركز بتفصيل دقيق .. فليرجع إليه انظر «الشامل» (٧٣ ـ ٧٤).

٢٩٢

وهو واد بين جبلين ، فيه كثير من المشايخ آل العموديّ ، وناس من السّادة آل الشّيخ أبي بكر بن سالم.

وفيه بلد يقال لها : مشاط ، يسكنها ناس من آل نعمان. وبلد يقال لها : الحمام ، فيها نحو مئة من المشاجرة. وبلد يقال لها : قرن المشايخ آل العموديّ. وبين هذه البلدان غيل يخرج منه ماء كثير ، يسقي نخيلا ومزارع كثيرة.

ووادي يبعث أضيق من وادي دوعن ، وقد هبطت عليه في سنة (١٣٤٩ ه‍) فاستغرق نزولنا عليه من العقبة نحو ساعتين ، وبتنا بجانبه الجنوبيّ ، ولمّا أصبحنا .. لم نمش إلّا غلوة سهم (١) ، ثمّ تسنّمنا الجبل الّذي يفضي إلى السّوط في جنوبه (٢).

والنّاس ينطقون (يبعث) بموحّدة بعد الياء ، والّذي عند الهمدانيّ و «القاموس» (٣) و «معجم ياقوت» [٥ / ٤٥٤] و «غريب الحديث» إنّما هما ياءان.

ولأهله كتاب من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم هذه صورته : «بسم الله الرّحمن الرّحيم : من محمّد رسول الله ، إلى المهاجرين من أبناء معشر وأبناء ضمعج بما كان لهم فيها من ملك وعمران ، ومزاهر وعرمان ، وملح ومحجر ، وما كان لهم من مال أثرناه بييعث والأنابير ، وما كان لهم من مال بحضرموت .. إلخ» (٤).

__________________

(١) غلوة سهم : مقدار رمية به.

(٢) تسنّمنا الجبل : صعدنا عليه.

(٣) ليس في «القاموس المحيط» ما أشار إليه الشّيخ المؤلّف رحمه الله ، بل في شرحه : «تاج العروس» ، قال الزّبيديّ صاحب «التّاج» : (وممّا يستدرك عليه ... ييعث : بياءين ، والعين المهملة ...).

(٤) أخرجه الطّبراني في «الكبير» (٢٢ / ٤٧) ، و «الصغير» (٢ / ٢٨٥) بنحوه ، وأما الرّواية الّتي ذكرها المؤلّف .. فقد ذكرها ياقوت في «معجم البلدان» (٥ / ٤٥٤).

وأما ما ذكره المصنّف متابعا فيه ياقوت ، من أن الكتاب للمهاجرين من أبناء معشر .. فلعلّ فيه وهما ؛ لأن الكتاب للمهاجر بن أبي أميّة ، كما في «المعجم الكبير» و «الصغير» و «الغريب» للخطابي (١ / ١٤٨). مزاهر : رياض ، سمّيت بذلك لأنّها تجمع أصناف الزّهر والنّبات. عرمان : مزارع وبساتين. ملح : اسم موضع. محجر : حظيرة حول النّخل. أثرناه : اخترناه. الأنابير : ـ جمع أنبار ـ وهو : بيت التّاجر الّذي يجمع فيه المتاع والغلال ـ (مستودع).

٢٩٣

وأنشد ياقوت [١ / ٣٩٣] في : (برقة حارب) للتّنوخيّ قوله [من الطّويل] :

لعمري لنعم الحيّ من آل ضعجم

ثوى بين أحجار ببرقة حارب

وضعجم قريب من ضمعج ، فإمّا أن يكون هو بتصحيف ، وإمّا أن يكون غيره.

وفي «التّاج» و «أصله» : (وضجعم كقنفذ وجوهر : أبو بطن من العرب ، وهو ضجعم بن سعد الملقّب بسليح بن حلوان بن عمران ، وهم الضّجاعم والضّجاعمة ، كانوا ملوكا بالشّام قبل غسّان).

فشدّد رجل منهم على أحد بني غسّان ـ واسمه جذع ـ فاشتمل على سيفه وقتل الضّجعميّ .. فقيل : (خذ من جذع ما أعطاك) ، ثمّ إنّ غسّان رأست أحدهم ، فانتزع بهم الملك من الضّجاعم ، وكانت لذلك الرّئيس بنت تدعى : حليمة ، من أجمل النّساء ، أعطاها طيبا تضمّخ به كلّ من يمرّ بها من قومه ، فمرّ بها شابّ ، فلمّا طيّبته .. قبّلها ، فصاحت واشتكت إلى أبيها ، فقال لها : اسكتي ، فما اجترأ عليك إلّا من فضل شجاعة ، وإن عاد .. فهو زوجك ، وإن قتل .. فذاك أشدّ عليه ممّا تريدين به ؛ فاستمات الفتى ، وأبلى ، ثمّ عاد ، فزوّجها أبوها منه. وإليها ينسب أشهر أيّام العرب ، كذا ذكره صاحب «خزانة الأدب» [٣ / ٣٣٣ ـ ٣٣٤] ، وقيل : إنّ يوم حليمة المعروف غير هذا.

وقال في «سبائك الذّهب» : (ضجعم هو ابن سعد بن سليح بن حلوان بن عمران ابن الحافي بن قضاعة) اه

ويأتي في تريم عن بامخرمة ما يفهم منه وجود ناس من آل ضمعج بتريم ، وفي أوّل القسم الثّالث من هذا الكتاب كلام يتعلّق بما هنا .. فليكشف منه.

وما يزيد من سيول جبال يبعث عنه .. يفيض إلى وادي حجر.

وفي غربيّ وادي يبعث بالنّجد الّذي يعلوه .. مكان يقال له : حول ، فيه قبيلة من المشاجرة ، يقال لهم : آل باشقير ، ويبلغون مئة رام ، وهم أهل حماس ونجدة ، وبلادهم خصبة ، وفيها عيون ماء نضّاخة.

٢٩٤

وقال الشّيخ عمر بن صالح بن هرهرة ، يصف مخرجه من جبل يافع إلى حضرموت سنة (١١١٧ ه‍) : (وكان مرورنا في وادي المشاجرة ، وهو كثير الأشجار والأنهار ، وحواليه الحصون باليمين واليسار ، وقد اعترضونا وقالوا : لا نمكّن دولة (١) من العبور في وادينا ، فطلبنا عقلاءهم ومشايخهم ، فأرضيناهم وخلعنا عليهم ، فأذنوا لنا بالمرور ، وكان خروجنا إلى الضّليعة) اه

ووادي المشاجرة هو وادي يبعث ، فإيّاه يعني الشّيخ عمر بن صالح ، وإليه يشير ، وقد سلكه سيّدي العلّامة الجليل ، الحسن بن عبد الله الحدّاد ، سنة (١١٤٨ ه‍) ، ونزل به على محبّيه آل بحيث.

الضّليعة (٢)

هي قاعدة ريدة الدّيّن ، بينها وبين يبعث الواقع في غربيّها مسيرة يوم ، وكان يقال لها : ريدة أرضين ، ثمّ قيل : ريدة الدّيّن ، نسبة إلى سكّانها المتأخّرين (٣).

__________________

(١) أي : حاكم ، باللهجة المحليّة.

(٢) والضّليعة اليوم مركز إداريّ من مديرّية دوعن أعلى وادي حضرموت ، يشتمل على قرى وضياع كثيرة ؛ منها : بريّرة ، براورة ، ضراك ، ضرّيكة ، الكريف ، سحك ، الثجر ، الوليجة ، عتود ، حصن باجعيم ، الخليف ، القويرة ، النجيدين.

(٣) ريدة الدّيّن : منطقة في المرتفعات الواقعة ما بين وادي دوعن ووادي عمد ، وهي صحارى جبليّة ، تتخلّلها شروج ومسيلات ماء صغيرة ، تنحدر منها مياه الأمطار إلى الجروب الّتي يزرعونها. ومن قراها : شرج الأبيضين ، الوليجات ، كيدام ، بامسدوس ، والدّيّن هم حلف يتألف من ثلاثة أصول : كندة ، وحمير ، وأجاردة.

وفي ريدة الدّيّن كثير من المشايخ آل العموديّ. قال صاحب «الشامل» عندما بدأ يتكلم عن جغرافيّة وادي دوعن قال : وقد ذكرنا أودية الوادي الأيسر وأودية الأيمن الشّرقيّة ، والشّرقيّة الجنوبيّة ، وبقيت أوديته الغربيّة والغربيّة الجنوبيّة ، وهي الّتي تسيل إلى الواديين العظيمين وادي حموضة ووادي النّبي. وهما يصبّان في الوادي الأكبر ل (دوعن) من الجهة الغربيّة.

فمن النّاحية الجنوبيّة : تبتدىء الوديان من جبل الحسو بكسر فسكون. ومن الغربيّة : من الشراقي ، أي من شرقي ريدة الدّيّن .. فإن ما كان إلى الغرب ناحية حجر يصب إليها ، وما كان شماليّا غربيّا يسيل إلى الشّعبة ، وما كان شرقيّا يسيل إلى دوعن.

٢٩٥

__________________

ثمّ قال : ومن وادي يبعث الّذي مضى وصفه تصعد طريق من عقبة المدلاة ، وهي كأداء متعبة إلى ريدة الدّيّن ـ وهي بفتح الرّاء وسكون الياء ، والدّيّن بفتح الدّال وتشديد الياء ـ صحارى جبليّة تتخلّلها شروج ، وهي ترع أو مسايل ماء صغيرة لا تبلغ أن تكون أودية ولا شعابا ، يسيل فيها ماء المطر إلى الجروب الّتي يزرعونها عليها. ويكون عند كلّ شرج حصن كبير غالبا مبنيّ بحجارة صغار ، يوجد عندهم في غلظ إصبع ونحوها ، يقلع كأنّه الألواح والسّفر العريضة ويمكن تكسيره على هيئة يصلح للبناء ، ولا يجعلون لها ملاطا (الملاط ـ الخلطة من الطين والنورة) بل يرصّونها بعضها فوق بعض ، ويجعلونه لمخزن الحبوب ، ويجعلون لأنفسهم حوله بيوتا صغارا من المدر.

حدود الرّيدة :

يحدّها من الغرب سوط البلعبيد ، وشروج آل بايومين من شمالها ، وهم من آل بلعبيد أيضا ، ومن الغرب حنكة وادي عمد ، ومن الشّرق شعاب حموضة ، ووادي المدلاة.

ثمّ قال بعد أن ذكر القرى والضّياع المنتشرة على خط العرض (٤٥ ـ ١٤) وخطّ الطّول (٣٠ ـ ٢ ـ ٤٨) : فإذا ارتقيت عقبة المدلاة من يبعث .. فبعد مسافة تأتي : نقبة النزوع ، ف (وادي منتير) ، ثمّ نقبة العلب ، ثمّ موثاب وشعب العقيبة ، وشعب الخربة.

ويأتي من اليسار : شرج منتير ، وفيه : البامنيف من الباقازي ، وادعون بجانب الطّريق ، فيه : البلعجم ـ بكسر العين وفتح الجيم (أصله : آل أبي الأعجم ، وعلى هذا فقس ما شابهه).

ويأتي بين هذه الطّريق والطّريق الذّاهبة من الرّيدة إلى حجر الّتي سبق وصفها : حصن باجعيم ـ بكسر ففتح فسكون ـ وعجز ـ بفتحتين ـ والغابة لهم.

ثمّ شرج باضان للباضان.

صبابير ، وشرج بن تبر بفتح فضمّ ، ف (مجرى آل سويدان) وعتور ـ بفتح فضمّ ـ ولقحين ـ (الأقحلين) أحدهما : أقحل بسكون القاف ، وفتح الحاء واللّام وسكون الياء : وهذه منازل آل سويدان من الدّيّن.

والسّلق بفتحتين : فيه آل باغويز ـ مصغر غوز ـ من آل باسويدان. هذا كلّه شرقيّ الطّريق.

ويأتي في قبليها بعد ما مرّ : رأس غاضنان ـ بفتح الضّاد ـ ف (شرج شرين) ، ف (غميس باحوات) ـ بفتح ، فكسر الميم ، ف (الغباضة) ، ـ بضمّ الغين وفتح الضّاد ـ ، ف (الوليجات) بضمّ الواو وفتح اللّام وسكون الياء ـ للباسالم.

ف (الضليعة) ، وبها جامع ، وهي للبامسدوس وصبيانهم. الباعبد بفتح العين والباء ، والمكراب بكسر فسكون الكاف ، والمكيريب ، وكلّها للبامكراب من البامسدوس.

والثّجرة ـ بكسر فسكون ـ للمسادسة ، آل بامسدوس ، ثمّ الحنو ـ بكسر فسكون ـ للمشايخ آل باعشن وآل بامجبور من آل سويدان.

ومن قريب الحنو يبتدىء حفر الوادي الّذي يسيل إلى الشعبة ، وقريب الميراد يبتدىء الشّعب

٢٩٦

__________________

الثّاني ، ثمّ يجتمعان ، ويطلق عليهما : وادي الشعبة.

والنّحي ـ بكسر ففتح ـ للباحنحن ـ بكسر فسكون فكسر ـ وضراك ـ بكسر الضّاد ـ وضريّكة ـ بكسر ففتح فتشديد الياء ـ فيها الباسواري.

وعن يمين الطّريق : النجيدين ، فيها آل الشّيخ عمر بن عبد القادر العموديّ ، وهناك يكون ذو منصبهم ، والباعشيم ـ بكسر ففتح فسكون ـ صبيان.

ثمّ القويرة ـ تصغير قارة ـ فيه الباخريبة صبيان ، ثمّ الخليف ـ بفتح فكسر فسكون ـ وفيه : آل باسوّدة ـ بضمّ السّين وتشديد الواو وكسر الدّال ـ وعندهم أناس من آل بافلح.

ثمّ الغميس ـ بفتح فكسر فسكون ـ والغوير بضمّ ففتح فسكون ، ثمّ الميراد : فيه الباطهيف ـ بكسر ففتح فسكون ، ثمّ لبيضين ـ (الأبيضين) ـ على صيغة المثنى ـ للباعمرو.

بريّرة ـ بكسر ففتح فتشديد الياء المكسورة ـ عتود ـ بفتح فضمّ ـ فيه إلياس والبازجّ ـ إلياس : بكسر فسكون ، والبازج : بكسر الزّاي. والمسيل : فيه إلياس.

وسمع بافقرة ـ بفتح السّين فسكون ـ وفقرة : ـ بكسر فسكون ـ ومن آل بافقرة : عمر بن عبد الله بافقرة ، وهكذا اسمه على ما أتذكّر ، وهو الّذي أزعج حكومة حيدرآباد حوالي (٢٠) سنة ، وكان خرج عليها ، وله قصّة مشهورة.

وهذه من الشّراقي : ومنها روضة باقطيّان ـ بكسر القاف وفتح الطّاء وتشديد الياء ، ومن آل باقطيّان جماعة في نواحي عتق بشبوة يتوزّعون على قراها ، ومن أهل الرّوضة هؤلاء جماعة شعراء لا تحضرني أسماؤهم.

وعن يسار الطّريق إلى الشّمال الشّرقي يأتي : ربض باسودة ـ ربض : بفتحتين ـ ثمّ الوليجات لباسالم ، ثمّ عنق بلشرف ـ عنق : بفتحتين ، وشرف : بكسر ففتح ، وأصله أبي الأشرف ـ باكبيرة فيه : باقحدوم.

ونعود إلى شروج آل بايومين ، ويقال لهم : الباكرشوم ، وهي قسم من الرّيدة ، تمتدّ بناحية الشّمال والغرب حول رأس وادي الخميلة ، ورأس وادي الشعبة ، ويقال إنّهم من كندة ، وصريخهم للدّيّن.

فمنها : باغنيم ـ بكسر ففتح فسكون ـ. الحجيلين ـ بكسر ففتح فسكون ففتح اللّام فسكون الياء ـ وبالجنف ـ بسكون الجيم وفتح النّون ـ الأجنف.

النّخيلات ـ بضمّ ففتح فسكون ـ ف (مدهون) ـ بفتح فسكون ـ ف (دفيقة) ـ بضمّ ففتح فسكون ـ كلّها لباكرشوم.

ثمّ زيد : بفتح فسكون للذبياني ، ف (زيد الهابطي) ، ف (دلثله) ـ بفتحتين فسكون الثاء ـ كلاهما لباكرشوم ، ف (الصّلل) ـ بفتحتين ـ للباقضاعة من الدّيّن.

ف (الغيظه) ـ لابن الشّيخ العموديّ ـ من أهل الشعبة ، ف (بجيّده) ـ بكسر الباء ففتح فتشديد الياء

٢٩٧

وفي «القاموس» : أنّ بحضرموت ريدتين ، يعني هذه وريدة الصّيعر.

والواقع : أنّ بحضرموت ريدا كثيرة للجوهيّين والمعارّة وغيرهم ، وإنّما خصّت الأوليان بالذّكر لشهرتهما وقدمهما. وسيأتي في ريدة الصّيعر عن الهمدانيّ : أنّ إليها الإشارة بقول طرفة بن العبد [من الطّويل] :

__________________

لباقضاعة ، ف (السويدا) ـ بضمّ ففتح فسكون ـ للبابتير ـ بفتح الباء وسكون الياء ـ من الدّيّن.

ذي الحمر ـ بضمّ ففتح ـ للمشايخ آل العموديّ والبادويس ـ بضمّ ففتح فسكون ـ ف (قدّه) ـ بكسر فتشديد الدّال ـ للبامجيمر ـ بكسر الميم ففتح الجيم فسكون الياء فكسر الميم ـ من المشاجر ، وصريخهم للدّيّن.

الشّعبات ـ بفتحات ـ لآل همّيم.

إلمر ـ بكسر الهمزة وسكون اللّام وفتح الميم ـ فيه : الباخربوش ، بفتح فسكون. انقضى هذا الطّرف.

نعود إلى يمين الطّريق :

براورة ـ بفتح الباء وكسر الواو ـ وفيها : آل الجيلانيّ ، ينتسبون إلى سيّدنا عبد القادر الجيلانيّ.

لخشاب ـ (الأخشاب) ، فيها آل العموديّ.

ثمّ يأتي إلى ناحية الشّمال يسارا عن الطّريق الذّاهبة من الرّيدة إلى وادي عمد ، ويمينا عن الطّريق الذّاهبة من الرّيدة إلى قيدون.

سوط لبارقة ـ (الأبارقة).

ثمّ شرع العلّامة الحدّاد في ذكر السيطان وقراها وسكّانها ، وقد انقضى الكلام ههنا على ريدة الدّيّن. وكنّا قدّمنا في موضع سابق أنّ بحضرموت عدّة ريد ـ جمع ريدة ـ وهذه واحدة منها ، وتقدّمت ريدة المشقاص ـ آل عبد الودود ـ ولنعدّد ههنا الأخريات ، فثالثة الرّيد : ريدة الصيعر ، في الشّمال الغربيّ للوادي الرّئيسي ، تقع شرقيّ حصن العبر. والرابعة : ريدة المعارّة ـ بتشديد الرّاء ـ : تقع بين ريدة الجوهيّين والحموم ، شمال شرقيّ المكلّا بمسافة (١٠٠ كم). والخامسة : ريدة الجوهيّين : في شمالي غيل بن يمين ، تبعد عن الشّحر (٨٧ كم).

ومنها تشرع الطّرق إلى عقبة الفقره ، وعبد الله غريب ، وعقبة عثه ، وكلّها تنزل إلى السّاحل ، وقد شقت في هذا الجبل طريق حديثة ، وآل الجوهيّ المنسوبة إليهم هذه الرّيدة هم من سيبان.

والسادسة : ريدة الشعيب : في وادي عرما جنوب شبوة. والسابعة : ريدة الرّشيد : في شمال غرب ميفعة ، فيها ناس من آل الواحديّ.

هذه ريد حضرموت ، وفي شمال اليمن توجد ريدة البون ، أو ريدة شهير ، تقع في السّفح الشّرقيّ الجنوبيّ من حصن تلقم ، على بعد (٢٠ كم) شمال شرق عمران. وبها قبر الإمام الحسين بن قاسم العياني الزّيدي العلويّ الحسينيّ ، وسكن بها لسان اليمن الهمدانيّ صاحب «صفة جزيرة العرب».

٢٩٨

وبالسّفح آيات كأنّ رسومها

يمان وشته ريدة وسحول (١)

وقال أبو طالب ـ عمّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ـ لأبي أميّة بن المغيرة [من الطّويل] :

فيصبح أهل الله بيضا كأنّما

كستهم حبيرا ريدة ومعافر (٢)

والمعافر من أرض اليمن ، وأمّا الرّيدة .. فهذه ، أو ريدة الصّيعر ، وإن كان في اليمن ريد مشهورة.

ولمّا وصلت جيوش المتوكّل على الله إسماعيل بقيادة الإمام أحمد بن الحسن إلى هذه الرّيدة سنة (١٠٦٩ ه‍) (٣) .. لاقاه الشّيخ عبد الله بن عبد الرّحمن العموديّ ، وساعده بكلّ من أطاعه ، وكان الشّيخ إذ ذاك واليا على أكثر بلاد دوعن ، وبهم انهزم بدر بن عبد الله الكثيريّ أشنع انهزام ، حسبما فصّل بمواضعه من «الأصل».

والشّيخ عبد الله بن عبد الرّحمن العموديّ هذا هو غير سميّه العلّامة الشّهير المعمّر ، وإنّما هما من قسم المتّفق المفترق فيما أظنّ (٤) ؛ لأنّ هذا علّامة صوفيّ ، وذاك أمير يقود الجيوش ، ويذكي الحروب ، وإنّما اتّفقا في أسمائهما وأسماء آبائهما.

وقد جاء في «عقد» سيّدي الأستاذ الأبرّ عندما ذكر مشايخ الحبيب عبد الله بن

__________________

(١) صفة جزيرة العرب (١٦٦) ، يمان : منسوبة إلى اليمن. وشته : طرّزته. ريدة وسحول : اسما بلدين. والمقصود : أهل ريدة وأهل سحول.

(٢) الحبير : الثّوب النّاعم الموشّى.

(٣) الّذي في «عقد الجواهر والدّرر» للشّلّيّ أنّ ذلك في سنة (١٠٧٠ ه‍).

(٤) المتّفق والمفترق ـ في علم (مصطلح الحديث) ـ : ما اتّفق لفظه وخطّه وافترق معناه ، بأن تعدّد مسمّاه .. فهو من قبيل المشترك اللّفظيّ. وله أنواع ، منها :

١ ـ أن تتّفق أسماؤهم وأسماء آبائهم ؛ كالخليل بن أحمد ـ ستّة رجال.

٢ ـ أن تتّفق أسماؤهم وأسماء آبائهم وأجدادهم ؛ نحو : أحمد بن جعفر بن حمدان ـ أربعة متعاصرون في طبقة واحدة. وله أنواع أخرى .. فليراجعها من مظانها من أراد التوسّع. وفائدة معرفة هذا النّوع : الأمن من اللّبس ؛ إذ ربّما يكون أحد المتّفقين ثقة والآخر كذّابا ضعيفا. والله أعلم.

٢٩٩

أحمد بلفقيه : أنّ العلّامة الصّوفيّ توفّي يوم السّبت (٢٤) جمادى الأولى سنة (١٠٧٢ ه‍)

وفي «الأصل» : أنّ الشّيخين حسين بن مطهّر ومحمّد بن مطهّر آل العموديّ لاقوا الشّيخ عمر بن صالح بن هرهرة ـ السّابق ذكره ـ في الضّليعة ، وحالفوه على سلطان حضرموت عمر بن جعفر ، ثمّ حالفوا عمر بن جعفر على الزّيديّة ، وكان لهم كلّ حين لون.

وفي «صفة جزيرة العرب» لابن الحائك الهمدانيّ [١٧٠] : (أنّ ريدة العباد وريدة الحرميّة للأحروم من بني الصّدف ، وأنّ مسكن بني معاوية الأكرمين كان بقبضين ، ويستشفي بدمائهم الكلب (١)) اه

وكلّما ذكر ابن الحائك ريدة أرضين أو قبضين .. فالظّاهر أنّه إنّما يعني ريدة الدّيّن هذه.

وقد قال فيها [١٦٨] : (ومن الهجرين إلى ريدة أرضين واد فيه قرى كثيرة ونخيل للعباد من كندة) اه

وهذا الوصف ينطبق على دوعن ووادي عمد ، إلّا أنّه يشكل على إرادة دوعن بأنّ ذكر دوعن موجود بالصّريح في غير موضع من كتاب ابن الحائك ، فلو عناه .. لذكر اسمه بالصّريح.

ويشكل على إرادة عمد قوله : (للعباد من كندة) مع ما تقرّر أنّه لقضاعة من حمير.

وقد يجاب عن هذا : بأنّ كندة اختلطت بحمير وخلفتها على كثير من منازلها ، ويتأكّد هذا بأنّ وادي عمد كان أخصب مرعى في حضرموت ، ولذا كانت الأعيان ترسل مواشيها من أسفل حضرموت لترعى منه ، وقد ذكر غير واحد أنّ للحسين ابن الشّيخ أبي بكر بن سالم عددا كثيرا من الخيل يرسلها إليه للرّعي.

__________________

(١) الكلب : الرّجل الّذي عضّه كلب عقور ، فيصاب بداء يسمّى : الكلب.

٣٠٠