إدام القوت في ذكر بلدان حضر الموت

السيّد عبد الرحمن بن عبيد الله السقّاف

إدام القوت في ذكر بلدان حضر الموت

المؤلف:

السيّد عبد الرحمن بن عبيد الله السقّاف


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار المنهاج للنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ١١١٠

وهم بقشن ، ويتردّدون إلى سيحوت ، وأبناء عمّهم في سقطرى.

ولا يوجد بسقطرى من المهرة إلّا القليل ؛ لأنّهم يستوبئونها ، ولا يعيش من ذهب إليها من مهرة سيحوت وقشن وعتاب أكثر من سنة ، ثمّ يعافسه الحمام (١) ، ومتى أراد أهل سقطرى مددا لنائبة .. أتاهم في أسرع وقت من سيحوت وأعمالها.

وفي «بستان العجائب» : (أنّ للمهرة محافظة على الصّلوات ، ولهم لغة غير العربيّة ، يقال : إنّها لغة عاد ، وأرضهم طيّبة ذات زرع ونخل وغياض ، وأكثرهم بوادي في الجبال) اه.

وفي «الأصل» ما يصدّق هذا عن الجرو (٢) ، ممّا يدلّ على أنّهم كانوا منتشرين بجبال حضرموت ، ولكنّهم أخلوها بالآخرة للمناهيل .. فهم منتشرون فيها اليوم.

__________________

(١) يعافسه الحمام : يعاركه الموت.

(٢) يعني به ما نقله عن المؤرّخ عوض بن أحمد الجرو الشّباميّ ، سبط الشيخ بحرق رحمهما الله. وهو مؤلّف : «الفرج بعد الشدّة في إثبات فروع كندة».

٢٤١
٢٤٢

القسم الثّاني

في أواسط حضرموت من أعلاها إلى أدناها

٢٤٣

٢٤٤

القسم الثّاني

في أواسط حضرموت من أعلاها إلى أدناها

لمّا انتهى الكلام على شقّ حضرموت الجنوبيّ وما يقرب منه .. صرنا إلى هذا :

قد سبق أنّ حدّ حضرموت الغربيّ هو جردان ، وعلى إزائه بشيء من التّفاوت شبوة ، وهي في شماله.

وكثير من المؤرّخين يوسّعون هذا الحدّ إلى جبال مأرب ، بل منهم من يدخلها فيه كما ب «الأصل».

وتنشعب الطّرق من جردان : فمن الجهة الغربيّة إلى عمقين (١). وبتشامل إلى شوحط ، ثمّ إلى شرج باوهّال (٢) ، ومنه تخرج طريق إلى ضباب (٣) وهو أسفل جردان.

وأخرى شرقيّه تخرج على آل بايوسف (٤) ، واسم مكانهم : الشّوف ، وماؤه يدفع إلى جردان.

__________________

(١) وادي عمقين ـ بفتح العين والميم وكسر القاف ـ : واد مشهور ، شرقيّ عتق ، يصبّ فيه وادي ميفعة النّازل إلى خليج عدن ، وتوجد به قرى كثيرة ، منها : بلدة عمقين ، ومطرح بن عبيد ، وجول بن نشوان ، والوجر وغيرها .. وهي تتبع حاليّا مركز الرّوضة من مديريّة ميفعة ، وأعمال محافظة شبوة.

وللعلّامة علويّ بن طاهر تحقيق واف عن هذا الوادي في «الشّامل» (٤٧).

(٢) وهذا الشرج يتبع مديريّة عرما بمحافظة شبوة. وآل باوهّال من قبائل آل بلعبيد.

(٣) ضباب : واد مشهور بجوار الضّالع ، ويقال له : الضّبب ، وتسكنه قبيلة آل ضباب ، وهي تنحدر من قبيلة بني هلال من بطن يقال له : النمارة ، ومن ديارهم : البويردة ، والضّواحي ، والشّق ، والسّفال.

(٤) أي : موضعهم ، وآل بايوسف : من الأسر العريقة من كندة ، ولهم تاريخ علميّ حافل ، لا سيّما من سكن شباما منهم ، وهم مفرّقون في الأودية ، ولعلّ هذا الموضع من وادي جردان هو أصلهم ، ونزح منهم قوم إلى قرن ماجد بوادي دوعن.

٢٤٥

وآل جردان يقال لهم : النّمارة (١) ، وهم وآل خليفة أصحاب الحاضنة (٢).

والنّسيّون (٣) أهل مرخة من بني هلال.

وتذهب طريق أخرى إلى الشّرق الجنوبيّ من جردان إلى السّوط (٤) ، ومنه ريدة الدّيّن (٥).

أمّا جردان : فقد جاء في «التّاج» و «أصله» أنّه : (واد بين عمقين ووادي حبّان). ولكن أخبرني جماعة من أهل تلك النّواحي بأنّ الأمر ليس كذلك ، وإنّما عمقين في غربيّ جردان فهو ـ أعني عمقين ـ بين جردان وحبّان ، فكأنّ الأمر انعكس عليهما.

وجردان مشهور بحسن عسله ، فله شرف قول الطّائيّ [أبي تمّام في «ديوانه» ٢ / ١٢٢ من الطّويل] :

يرى العلقم المأدوم بالعزّ أرية

يمانيّة والأري بالضّيم علقما (٦)

إذ عسل حضرموت خير عسل اليمن ، وعسل جردان خير عسل حضرموت ، إلّا أنّ في بعض بلاد اليمن كعورا. ما لا يقلّ حسنا عن عسل جردان ؛ لأنّه يجرس زهر السّدر (٧) ، وهو السّبب الّذي يمتاز به عسل جردان وحضرموت ؛ فإنّه لا يطيب إلّا

__________________

(١) النّمارة : بطن من قبيلة بني هلال ، تقطن جردان ، وينقسمون إلى خمس قبائل كبيرة : آل بن حسن ، وآل بن عاطف ، وآل الأخضر ، وآل ضبّاب ، وآل سريع ، ويتفرّع منهم بيوت كثيرة.

(٢) الحاضنة : من قرى بلاد الدكام في الضّالع ، وتمرّ بها طريق تؤدّي إلى جبل جحاف عبر نقيل يسلح.

(٣) النّسيّون : فرع من قبائل بني هلال في وادي مرخة ، من أعمال محافظة شبوة ، وهم أسر كثيرة.

وتعرف جبالهم بجبال النّسيّين ، وتمرّ بها طريق جديدة ، تربط بين : قريب ، نقوب ، جبال النّسيّين ، نصاب ، عتق.

(٤) السّوط : عبارة عن منطقة صحراويّة جبليّة ، تمتدّ من أجوال وادي جردان إلى أجوال وادي عمد ورخية شمالا ، ويسكنها : آل هميم ، والجهمة ، وآل عليّ ، والباتيس ، وآل بلعبيد.

(٥) ريدة الدّيّن : بتشديد الدّال مع فتحها والياء مع كسرها : سيأتي ذكرها وتفصيل قراها وبلدانها بعد يبعث ، عند الحديث عن الضليعة.

(٦) المأدوم : المخلوط. أرية : عسلا.

(٧) جرس النّحل الزّهر : أكله ، والسّدر : هو (العلب) المعروف بحضرموت.

٢٤٦

متى جرس نحله ذلك الزّهر ، أمّا الّذي لا يجرسه ـ كالّذي يعسل في أيّام الصّيف ـ فإنّه لا يكون إلّا رديئا للغاية ، ولو من جردان ، ويسمّونه : المريّة ، فتحصّل أنّ العسل لا يتفاوت إلّا من هذه النّاحية.

وبلاد جردان من أقدم بلاد حضرموت ، ومنها كان قيس بن سلمة المرّانيّ الجعفيّ ، له صحبة ووفادة على رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ، وقد ولّاه على بني مرّان بن جعفي بجردان وأعمالها ، وعلى حريم بن جعفي ، وكتب له : «من محمّد رسول الله لقيس بن سلمة بن شراحيل .. إنّي استعملتك على مرّان ومواليها ، وحريم ومواليها ، من أقام الصّلاة وآتى الزّكاة وصدّق ماله وصفّاه» (١).

ومرّان وحريم أخوان ، أبوهما جعفيّ ، ضاربين في جردان ووادي عمد ، قال في «التّاج» : (وهم من الصّدف ، وقد دخل حريم في نسب حضرموت على ما صرّح به الدّار قطنيّ وغيره من أئمّة النّسب ، وذكروا لدخولهم أسبابا ليس هذا محلّ ذكرها).

وفي ذكر الضّليعة عن ابن الحائك أنّ : (ريدة العباد وريدة الحرميّة للأحروم من بني الصّدف) (٢) ، والأحروم هو حريم الصّدفيّ.

قال في «القاموس» : (وولد الصّدف حريما ، ويدعى بالأحروم ، وجذاما ويدعى بالأجذوم) اه ، وهما بالضّمّ.

ومن ولد الأحروم بن جعفيّ هذا محمّد بن حمران الجعفيّ ، أحد السّبعة المحمّدين الّذين تسمّوا في الجاهليّة بمحمّد (٣) ، وكان بينه وبين امرىء القيس مهاجاة ومنافسات معروفة (٤) اقتضتها المزاحمة مع قرب الدّيار ؛ إذ هذا في (عمد) وذاك

__________________

(١) ذكره ابن سعد في «الطّبقات الكبرى» (١ / ٣٢٥).

(٢) صفة جزيرة العرب (١٧٠).

(٣) ذكر الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى أسماء من تسمّوا في الجاهليّة بمحمّد طمعا في النبوّة فقال : (وقد جمعت أسماء من تسمّى بذلك في جزء مفرد ، فبلغوا نحو العشرين ، لكن مع تكرّر في بعضهم ، ووهم في البعض) ، ثم عدّ منهم ستة عشر رجلا. انظر «فتح الباري» (٦ / ٥٥٦ ـ ٥٥٧).

(٤) ومحمّد بن حمران هذا يلقّب بالشويعر ، والّذي لقّبه بذلك امرؤ القيس.

٢٤٧

بالكسر والهجرين ، وكثيرا ما يشهدان مجامع الأفراح والحروب فيتساجلان القريض (١).

ومن أهل جردان : سلمة بن يزيد الجعفيّ ، من بني حريم بن جعفيّ أيضا ، وله صحبة ووفادة.

وكان بجردان جماعة من أهل الفضل والصّلاح ، ذكر الشّليّ في ص (٦٦) ج (٢) من «مشرعه» [٢ / ١٤٥] الشّيخ عبد الحقّ الّذي كان موجودا في أوائل القرن التّاسع ، وقال : (إنّه زار هودا عليه السّلام) (٢).

وجاء في ص (٣٠٢) من «شرح العينيّة» ذكر ولده عبد الصّمد.

وفي «شمس الظّهيرة» : أنّ للسّيّد عمر بن الحسين بن الشّيخ أبي بكر بن سالم عقبا بجردان (٣).

وقال ابن الحائك في «صفة جزيرة العرب» [١٥١] : (وأمّا مياه السّرو (٤) الشّرقيّة فتصبّ في جردان ، ومرخة قريب منها ، وهي موضع الأيزون ، وينتهي جردان إلى قريب من حضرموت) اه

وقوله : (إلى قريب من حضرموت) إن أراد به أواسطها .. فنعم ، وإلّا .. فهو

__________________

(١) القريض : الشّعر.

(٢) والشّيخ عبد الحقّ هذا من بلدة يقال لها : العجيما ، وقبره في بلدة يقال لها : الباردة ، قال في «الشّامل» : (آل عبد الحقّ ، وهم مشايخ لهم جاه ومقام واحترام ، ويقال : إنّ الشّيخ عبد الحقّ كان عبدا لقبيلة المعوظة الشّهيرة بنجران ، ثمّ أنعم الله عليه وجعله من الصالحين) (١٢٥).

(٣) المفهوم من «الشّمس» أنّ بجردان عددا من السّادة آل الشّيخ من عدّة قبائل ؛ ففيه سادة من آل الحامد ، من ذريّة أبي بكر بن الحامد ابن الشّيخ أبي بكر ، ومن آل محسن بن عمر بن الحسين ـ كما ذكر المصنّف ـ وغيرهم ، توفّي والده السّيّد عمر بن الحسين المذكور هنا .. بعينات سنة (١١٢٦ ه‍).

(٤) السّرو : من السّراة ـ وسراة كلّ شيء أعلاه ، والجمع : سروات ، ويقصد بها : ما ارتفع من الأرض عن مجرى المياه.

وللفائدة : ففي اليمن سروان : سرو حمير : وهو بلاد يافع وما جاورها من الأجعود ، وسرو مذحج : يعنون به المنطقة الواقعة في جنوب وشرق البيضاء. ويتّضح أنّ السّروين متجاوران ، كما أنّ سرو مذحج كان موطنا للحميريّين من ذي رعين ، ثمّ توطّنته مذحج.

٢٤٨

غلط ؛ لأنّ جردان من حضرموت كما تقرّر.

وبين جردان ووادي عمد ثلاثة أيّام بسير الأثقال ، ونحو ذلك ما بينها وبين سهوة رخية.

ومن علماء جردان : الشّيخ إسماعيل الجردانيّ ، تخرّج بالفقيه محمّد بن أحمد بافضل صاحب عدن ، المتوفّى سنة (٩٠٣ ه‍) .. فهو من أقران الشّيخ عبد القادر السّابق ذكره في كلام الطّيّب.

وقال الطّيّب بامخرمة : (جردان بين عمقين ووادي حبّان ، يشتمل على قرى ، خرج منه جماعة من العلماء ، منهم : الفقيه عبد القادر الجردانيّ ، قرأ على مشايخنا الفقيه محمّد بافضل والوالد ، وكان فقيها متأهّلا للفتوى ، وكثيرا ما يتولّى قسم الصّدقات السّلطانيّة الّتي كان يتصدّق بها الشّيخ عليّ بن طاهر.

وأرسل السّلطان عبد الوهّاب بن داود معه مرّة بخيل معدّة للمجاهدين بسعد (١) الدّين ، وصحبه الفقيه أحمد بلعس ، توفّي المذكور بعدن) اه (٢)

وقد فهم ممّا مرّ أنّ قوله : (بين عمقين ووادي حبّان) مبنيّ على ما جاء في «التّاج» و «أصله» من الغلط ، وربّما كانت رؤوس جردان ممتدّة في الغرب ، ورؤوس عمقين ممتدّة في الشّرق ، فيتيسّر الجمع إذن بين الكلامين ، ثمّ رجعت إلى «الأصل» فرأيت ما نقلته آخر الجزء الثّاني قبيل شرح بيتي غالب (٣) عن الطّيّب بامخرمة نفسه : أنّ عمقين واد بين جردان وحبّان ، وهو الصّواب.

__________________

(١) ويعرف ببرّ سعد الدّين ، في ناحية ظفار.

(٢) النسبة (٧٢).

(٣) يعني بقوله : (بيتي غالب) .. البيتين : (٥٢) و (٥٣) من «بضائع التابوت» ، وهما قوله :

وانبرى غالب بتدبير جدّي

للأباطيل والفساد بنكس

فاستتبّ الأمان حينا من الدّه

ر وطاب الورود للمتحسّي

ويبتدىء الجزء الثّالث من «بضائع التابوت» بشرح هذين البيتين .. فليعلم.

٢٤٩

شبوة (١)

هي في غربيّ عرما ، في منتهى واديه ، والباقي منها دويرات لآل بريك وعبيدهم في قارة فاردة هي آخر الجبال الجنوبيّة ، تشرف على رملة صيهد الواقعة في شمالها ، وهي في مناعة الهجرين ، أو هي أمنع ، وفي وسط الجانب الغربيّ منها مطرح رماد ، لا يتخلّص من يقع فيه ، ولا يدرى ما أصله ، ولفظ شبوة يطلق على النّاحية بأسرها ، وقد قيل : إنّها من حدود حضرموت الغربيّة ، وبه قال صاحب «مفتاح السّعادة والخير» حسبما يأتي في الكسر ، وقيل : ليست منها قال في «التّاج» و «أصله» : (هو واد بين مأرب وحضرموت).

وقال نصر : (على الجادّة من حضرموت إلى مكّة).

وقال ابن الأثير : (ناحية من حضرموت ، ومنه حديث وائل بن حجر أنّه صلّى الله عليه وآله وسلّم كتب لأقوال (٢) شبوة بما كان لهم فيها من ملك) (٣).

وأخطأ الفيروز أبادي في قوله : (إنّها قريب من لحج).

__________________

(١) شبوة : مدينة تاريخيّة هامّة في شرق رملة السبعتين ، كانت قديما عاصمة دولة حضرموت ، وفي الدّولة السبئيّة كانت من أهمّ المدن التّجاريّة ، ومنها تنطلق القوافل التّجاريّة إلى سائر أنحاء الجزيرة ، ويطلق اسم محافظة شبوة اليوم على خمس مديريات : عرما ، وبيحان ، ونصاب ، والصعيد ، وميفعة.

تبلغ مساحتها (٧٣٩٠٨ كم) حوالي (١٤%) من أرض اليمن. وموقعها الجغرافيّ متميّز ، وطول شريطها السّاحلي يبلغ (١٥٠ كم) ، وبها أهمّ تراث حضاريّ ؛ فهي تجمع في حدودها مواقع ثلاث ممالك يمنيّة قديمة ، هي قتبان وعاصمتها تمنع أوتمنه ، في بيحان كما تقدّم ، وأوسان وعاصمتها مسوره ، وهي في وادي مرخة ، وحضرموت ، وعاصمتها شبوة القديمة.

ولا زالت البعثات الآثاريّة تنقّب في هذه المنطقة ، ولا زالت الأيّام تتحف بظهور الجديد من الآثار. وإن أراد القارىء الكريم شيئا من التفصيل لجغرافيّة شبوة .. عليه ب «الشّامل» (١٢٨ ـ ١٣١).

(٢) الأقوال ـ جمع قيل ـ وهو : الملك الّذي تحت الملك الأعظم من ملوك اليمن ، وله جمع آخر : (أقيال) والحديث تقدّم تخريجه.

(٣) النهاية (٢ / ٤٤٢).

٢٥٠

أمّا الطّريق من حضرموت إلى صنعاء .. فسبع مراحل (١) : الأولى : من هينن وعروض آل عامر إلى دهر. الثّانية : من دهر إلى رملة شبوة ، موضع معروف. الثّالثة : منه إلى صافر ، وهو موضع الملح المشهور. الرّابعة : إلى مأرب. الخامسة : إلى صرواح. السّادسة : إلى الحمرة ، قرية من قرى خولان. السّابعة : إلى صنعاء.

وأهل زماننا ومن قبلهم بردح لا يستطيعون هذا السّير ، وإنّما كان الأوّلون أهل نشاط وعزم ، ولذا كثرت بينهم المواصلات ؛ لأنّ الجزيرة قريبة من بعضها في أنظارهم.

وزعم قوم بأنّ شبوة ليست بحدّ حضرموت الغربيّ ، بل إنّه يتجاوزها فيشمل مأرب كما في «الأصل» ، ويتأكّد ذلك بظهور أثر دعائهم بتباعد الأسفار على أهل حضرموت فتفرّقوا عباديد (٢).

وقال ابن الحائك في «صفة جزيرة العرب» [١٧١] : (وفيما بين بيحان وحضرموت شبوة ، مدينة لحمير ، بها أحد جبلي الملح ، والجبل الثّاني لأهل مأرب ، فلمّا احتربت حمير ومذحج .. خرج أهل شبوة منها وسكنوا حضرموت ،

__________________

(١) وقد امتدّت شبكة المواصلات الحديثة ، ووصلت صنعاء بوادي حضرموت مباشرة ، عن طريق خطّ إسفلتيّ جديد ، مهّد وشقّ بعد قيام الوحدة اليمنيّة ، وافتتح رسميّا نهاية عام (١٩٩٨ م) تقريبا ، ويعرف باسم : (طريق صافر) يبلغ طوله نحو (١٠٠٠ كم) ، فسهلت الحركة والتّنقل بين اليمن وحضرموت ، أمّا من صافر نفسها إلى حضرموت .. فهي (٣٥٠ كم).

وقد كان المصنّف عليه الرّحمات يقطع هذا الطّريق بلا شكّ في سفراته المتعدّدة إلى اليمن على المراكب والدّوابّ ، ومن هنا سهل عليه تحديد المراحل والقرى ، أمّا لو كان السّفر قديما كما هو عليه اليوم .. لما دوّن أحد شيئا من جغرافيّة البلدان. وفي منطقة صافر هذه توجد محطّة توزيع الغاز الطّبيعي الّذي تنتجه آبار النفط اليمنيّة ، ويبعد جبل صافر عن مأرب (٨٥ كم) ، وكان قديما يستخرج منه الملح ، فكان يسمّى جبل الملح ، أمّا اليوم .. فيستخرج منه النّفط ، وكان اكتشاف أوّل بئر بترول سنة (١٩٨٤ م).

(٢) عباديد : فرقا مختلفة ، ويعني بهذا أنّ أهل حضرموت ـ على القول أنّ حضرموت من مأرب ـ قد أصابتهم دعوة : (رَبَّنا باعِدْ بَيْنَ أَسْفارِنا)

٢٥١

وبهم سمّيت شبام ، وكان الأصل في ذلك شباه ، فأبدلت الهاء ميما) اه

وهو مخالف لما اشتهر أنّ تريما وتريسا وشباما كانوا ثلاثة إخوة سمّيت هذه البلاد بأسمائهم.

وقد خلف على شبوة بعد حمير كندة ، وكان الأعشى ينتابها لمدح قيس بن معدي كرب الكنديّ ، وهو القائل [من الطّويل] :

ألم ترني جوّلت ما بين مارب

إلى عدن فالشّام والشّام عاند

وذا فائش قد زرت في متمنّع

من النّيق فيه للوعول موارد (١)

ونادمت فهدا بالمعافر حقبة

وفهد سماح لم تشنه المواعد

وقيسا بأعلى حضرموت انتجعته

فنعم أبو الأضياف واللّيل راكد

وقوله : (بأعلى حضرموت) يريد شبوة ؛ لأنّها من أعاليها ، وهي قاعدتهم لذلك العهد.

ولا تزال بشبوة وما تاخمها وما ارتفع إلى الغرب عنها آثار صروح ضخمة وسدود متقنة ، تدلّ على حضارة واسعة ، وهندسة عجيبة ، وملك واسع وسلطان نافذ.

وكثيرا ما تظهر الآثار القديمة وقطع الذّهب والخواتم بإثر ممرّ السّيول في رمالها ، حتّى لقد وجد بعض الفقراء الصّالحين كوزا فيه سكّة من الذّهب لا أدري على من باعها في مأرب بنحو ثلاثة آلاف ريال.

وقد سبق في ميفعة ذكر الهجر ، ثاني مدينة عمرانيّة كانت بحضرموت ، وفي موضع من «صفة جزيرة العرب» [١٩٣] لابن الحائك : (أنّ مخلاف شبوة يسكنه الأشباء ، والأيزون ، ثمّ صداء ورهاء) اه

وفي موضع آخر منها [١٥١] : (مرخة قريب من جردان ، وهي موضع الأيزون) اه

وعند ما عضّت الرّحا بثفالها في الحرب الهائلة الأخيرة (٢) .. انقضّ الشّيخ عليّ

__________________

(١) ذو فائش : ملك من ملوك حمير.

(٢) الرّحا : ما يطحن فيه الحبّ ، تكتب بالألف الممدودة والمقصورة ؛ إذ فعلها واويّ ويائيّ. الثّفال :

٢٥٢

ناصر القردعيّ فاحتلّها (١). قيل : بإشارة من مولانا الإمام يحيى حفظه الله. وقيل : من قبل نفسه.

والأوّل بعيد ؛ لأنّ بين الإمام والحكومة الإنكليزيّة معاهدة تقتضي بإبقاء ما كان على ما كان إلى أن تنتهي أربعون سنة ، وهو من أوفى الخلق بالذّمم ، وأرعاهم للعهود ، على أنّ الإمام لم يمض تلك المعاهدة مختارا ، ولكن تحت الضّغط في ظروف محرجة وبعقب حوادث اضطرّته إلى ذلك ، وإلّا فما كان يعترف لهم بحقّ في عدن ، فضلا عمّا سواها ، ثمّ لم يكن ـ يحفظه الله ـ ليعتمد على القردعيّ ، وهو من المفسدين في الأرض ، لا يخرج من غمدان إلّا عاد إليه ، وبعد ذلك لم يمهله الإنكليز أن استقالها منه ، إمّا عنوة ، وإمّا بقفّة من الدّراهم ابتاعوا بها ضميره وذمّته ، وقد يتأكّد هذا بأنهم أركبوه على طائرة في تكرمة إلى بيحان.

وكان القردعيّ يتردّد عليّ مع شيخ قيفة (٢) ـ واسمه الذّهب ـ أيّام كنت بصنعاء أوائل سنة (١٣٤٩ ه‍) ، وكان شيخ قيفة من أجمل خلق الله ، والقردعيّ من أقبحهم ، فأتذكّر ما رواه غير واحد من أهل الأدب : أنّ رجلا قام تجاه المرآة ، فلمّا رأى محيّاه

__________________

الجلد الّذي يبسط تحت الرّحى ليقي الطّحين من التّراب. والمعنى : أنّ الحرب تدقّهم دقّ الرّحى للحبّ إذا كانت مثفّلة ، ولا تثفّل إلّا عند الطّحن.

وعليه : فالباء هنا بمعنى مع ؛ أي : طحنتهم الحرب طحن الرحى للحب مع ثفالها.

(١) آل القردعي من زعماء قبيلة مراد المذحجيّة ، ديارهم في وادي مضراه من مديريّة رحبة ، أعمال محافظة مأرب. وأمّا علي ناصر هذا .. فكان ممّن شارك في قتل الإمام يحيى حميد الدّين رحمه الله سنة (١٩٤٨ م) ، وكان ذلك بعد تصنيف هذا الكتاب ، وإلّا .. فالمصنف لن يغفل ذكر ذلك الحادث المرير. ولعليّ ناصر أخ يدعى أحمد ناصر ، أيضا شارك في حادثة مقتل الإمام ، ثمّ أمسك به وسجن في حجّة بعد فشل الحركة ، ثمّ أمر الإمام أحمد بقتله ، ولمّا لم يستطع الجنود إخراجه إلى ساحة الإعدام .. فإنّهم أعدموه رميا بالرّصاص في زنزانته ، وقد صدر مؤخّرا كتاب يجمع أخباره.

(٢) قيفة : وهي الأخرى من بطون مراد ، منازلهم شمال شرقيّ رداع ، وهم عدّة قبائل : آل مصعب بن أحمد ، وآل نهبل بن أحمد ، وآل ربيع بن أحمد ، وآل سليم بن أحمد. وآل الذّهب الّذين ذكرهم المصنّف من آل ربيع بن أحمد ، وكانوا مشايخ قيفة ، وهم أيضا عدّة بيوت ، وأمّا شيخهم حاليّا .. فهو أحمد بن حسين بن علي جرعون ، من آل أسلم بن أحمد ، من أعضاء مجلس النواب (١٩٩٧ م).

٢٥٣

الجميل .. قال : اللهمّ كما حسّنت خلقي فحسّن خلقي ، فقام بإثره رجل كريه المنظر ، فوقع في مأزق حرج ؛ لأنّه إن قال كما قال الأوّل .. ضحكوا عليه ، وإن سكت .. وقع في الذّام (١) ، فتخلّص بأوضح حجّة حيث قال [من الطّويل] :

فإن لم تك المرآة أبدت وسامة

فقد أبدت المرآة جبهة ضيغم

ولا سيّما وأنّ الخموش الّتي شوّهت وجه القردعيّ كانت من غضنفر أو نمر أنشب به براثنه فقدّه نصفين ، حسبما أخبرني كثير من النّاس. وسيأتي في وادي الذّهب من أسافل حضرموت حديث لامرأة من بيت براهم يصغّر خبر القردعيّ مع النّمر.

وكثيرا ما سرّني تصاحب القيفيّ والقردعيّ ، مع أنّ بينهما من الأشلاء (٢) الممزّقة والدّماء المائرة (٣) ما لا يضبطه الحدّ ؛ لأنّه يذكّرني بقول البحتريّ [في «ديوانه» ١ / ١١ من الطّويل] :

إذا احتربت يوما ففاضت دماؤها

تذكّرت القربى ففاضت دموعها

تقتّل من وتر أعزّ نفوسها

عليها بأيد ما تكاد تطيعها

وهو معنى استبقت في مضماره جياد الشّعراء ، وقصبة السّبق للبحتريّ في هذا البيت (٤) ، وأصله لمهلهل في قوله [من الوافر] :

بكره قلوبنا يا آل بكر

نغاديكم بمرهفة النّصال (٥)

ونبكي حين نذكركم عليكم

ونقتلكم كأنّا لا نبالي (٦)

وقد ذكرت منه في «العود الهنديّ» [٢ / ٤٩٣] ما يشنّف الأسماع.

__________________

(١) الذّام : العيب. وفي المثل : (لا تعدم الحسناء ذاما) بتخفيف الميم.

(٢) الأشلاء : البقايا.

(٣) المائرة : السّائلة.

(٤) قصبة السّبق : كناية عن الفوز والتّقدّم ؛ حيث كان المتسابقون يوضع لهم عند نهاية السّباق قصبة ، فمن سبق إليها .. حازها واستحقّ الجائزة.

(٥) نغاديكم : نقاتلكم في الغدوّ ؛ أي : الصّباح الباكر.

(٦) البيتان في «ديوان الحماسة» (١ / ٦٢) ضمن قصيدة منسوبة لرجل من بني عقيل.

٢٥٤

وفي شبوة جماعة من آل بريك ، وهم مشايخ يحملون السّلاح ، ولهم احترام بين قبائل تلك الجهات ، وقد تفرّقوا في وادي جردان ، وفي وادي حول ، وفي دهر ، وعرما ، وشبوة ، وهم : آل عبد الرّحيم ، وآل سالم بن عمر ، وآل عبد القويّ ، وآل باسيف (١).

وقد أعطاني المنصب المرحوم السّيّد حسن بن سالم العطّاس ـ المتوفّى بالمكلّا سنة (١٣٦٠ ه‍) ـ محاضرة ذكر أنّه ألقاها بالسّواحل الإفريقيّة ، جاء فيها : (إنّ آل بريك انهزموا من إخوانهم آل ناعب بجبل يافع ، فنزلوا سواحل حضرموت ، ونزل بعضهم الحسا والقطيف وعمان ، ولمّا كثر عددهم .. نجع منهم نحو خمسة وثلاثين ألفا ، فنزلوا شبوة وأعتقوا بها عبدهم الوليّ الصّالح محمّد بن بريك ، الّذي ينتسب إليه المشايخ آل بريك ، وله قبّة وزاوية ومسجد ومطبخ وخزينة كتب).

وكنت أردت إيراد تلك المحاضرة بنصّها في «الأصل» ؛ لما لها من التّعلّق بدولة آل بريك ، غير أنّ فيها تجازيف كثيرة ثنتني عنها ، فاكتفيت بالإشارة إليها.

وفي «فتح الرّحيم الرّحمن» لصاحب الحمراء : (أنّ سيّدنا الحسين بن العيدروس سار مع أمّه بنت آل بامدرك إلى شبوة وعمره ثلاث سنوات) ؛ أي : سنة (٨٦٤ ه‍) قبل موت والده بسنة. وفيه : (أنّ آل بامدرك قوم صالحون ، زهّاد ، كرماء ، واضحون).

وعلى مقربة من شبوة ومن العبر : مضارب الكرب (٢) ، ومن وجهائهم بشبوة رجل

__________________

(١) ومنهم أيضا : آل غيمسان بشبوة ، وآل أحمد بحنكة بادخن ، وآل سنديان في حصون سنديان بعرما ، وآل سبيان في العبر. ولكن هل آل بريك أهل شبوة من يافع؟! كلام العطّاس الّذي أورده المصنّف يوحي بذلك ، وتقدّم معنا في الشّحر ذكر آل ناجي بن عمر بن بريك ، وأنّ أصولهم جاءت من حريضة. ويوجد بتريم أيضا جماعة من آل بريك ، فيهم صلاح وخير ، وبالمكلا والشّحر أيضا ..

لكنّ الّذين بتريم يقال لهم : آل بريك ، والّذين في السّاحل آل بن بريك. والعلم عند الله.

(٢) الكرب ـ بضمّ الكاف وفتح الرّاء ، مفردهم كربي ـ : هم قبيلة وأرض تقع شرق رملة السبعتين ، وهم الفرع الثاني من قبيلة بلعبيد ، أمّا الفرع الأوّل .. فهم آل سلم بكسر فسكون. والكرب في عداد مديريّة عرما ، من أعمال شبوة ، وهم بطون عدّة.

٢٥٥

رحّالة يقال له : ناصر بن صالح بن حزيق. ومرجعهم في النّسب إلى بلعبيد ، وعددهم نحو المئتين راميا ، ولكنّهم أولو بأس شديد.

وعلى مقربة : منهم : بلاد يام ، وحدّهم من الجنوب : دهم والصّيعر ، ومن الشّرق الرّبع الخالي ووداي الدّواسر ، ومن الشّمال بلاد قحطان وتثليث ، ومن الغرب قحطان ووادعة وبنو جماعة. وسحار ويام أخو مراد كلاهما ابنا عنس بن مذحج ، وهناك يام أخرى من همدان من ولد مالك بن جشم بن حاشد بن جشم.

عرما (١)

واد واسع في شرقيّ شبوة ، قيل لي : إنّ ماءه ينهر إليها.

وفي أعلى عرما : حرّة باعبد الله (٢) ، فيها آل بادخن (٣) من آل بلعبيد (٤) ، وبينهم وبين آل عمرو سكّان الكويرة والمافود (٥) وحبيظ حروب لا يسكن أوارها (٦).

وكلّهم من آل بلعبيد ، وعندهم ثروة ، وأسلحتهم من العتاد الألمانيّ ، يجلبونها من صنعاء.

__________________

(١) عرما ـ بكسر فسكون ـ : واد مشهور في الشّرقيّ الجنوبيّ من شبوة ، ينتهي في مغارب وادي حضرموت. قال في «الشّامل» : وهو سدّ يعترض به الوادي ، ويجمع على عرم ـ بفتح فكسر ـ قال الله تعالى : (فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ) وهذا أوّل ما يسبق إلى الظّنّ ؛ لشهرة شبوة القديمة الشّماليّة ، أو هجر شبوة المشهور تاريخها .. فيكون واديها عرمة قد جعل له الأقدمون سدّا يحفظ ماءه لهم إلى وقت الحاجة ؛ حتّى لا يضيع. وكان وادي معشر المقاسم لوادي محبض ، مشهورا باسم : معشر بن ضمعج ، أحد أجداد قبيلة حضرموت ، وقد ذكره النّبيّ صلى الله عليه وآله وسلم في كتابه لأهل حضرموت. وفي «الشّامل» : تفصيل واسع جدا لما أجمل هنا .. ينظر : (١٢٧).

(٢) ذكرها في «الشّامل» باسم الحرّة فقط.

(٣) آل بادخن من آل سلم من آل بلعبيد.

(٤) آل بلعبيد : فخذ كبيرة ، تنتمي إلى ذييب سعد ـ (تصغير ذيب) ـ الحميريّين. وذييب سعد يحترز بها عن إخوانهم آل ذييب حمير. «الشّامل» (١٢٥) ، وينظر ما يأتي في (القسم الثالث) من هذا الكتاب.

(٥) المافود : جاء في «الشّامل» بالتّاء ، مافوت.

(٦) الأوار : اللهيب.

٢٥٦

وآل بادخن يبلغون مئتين وخمسين راميا ، وآل عمرو لا يبلغون الخمسين ، ومع ذلك .. فالنّصر حليفهم على آل بادخن في سائر المعارك.

وفي عرما جماعة من آل باكثير من ذرّيّة الشّيخ طاهر بن عيسى بن سلمة بن عيسى بن سلمة باكثير ، وناس من ذرّيّة الشّيخ عبد القادر بن إبراهيم باكثير.

ومنهم : آل سنكر ، منهم : الشّيخ عوض بن سنكر (١) ، رجل سليم الصّدر ، طيّب النّفس ، محبّ للخير ، استقرّ بالصولو من أرض جاوة ، وأثرى بعد أن كان فقيرا.

سار معي من الصّولو إلى جقجقا تلبية لدعوة الجمعيّة المحمّديّة لاحتفالها السّنويّ في عام (١٣٤٦ ه‍) ، وحملني معه إلى يمينه في سيّارة له ، وهناك ساوم في أخرى على أن يزيد عشرة آلاف ربيّة ، ثمّ أطال في حمد الله وشكره ، فسألته ، فقال : أوّل ما قدرت عليه في عرما ناقة اشتريتها ، فعال نومي (٢) من الفرح عدّة ليال حتّى لا أجد جزءا من مئة من ذلك السّرور لشراء هذه السّيّارة الضّخمة.

فقلت له : حسبك منها أنّها تبعث لك تلك الذّكريات الجميلة.

وللشّيخ عوض بن سنكر أولاد أذكياء ، منهم الآن : عليّ وسالم ، يحبّون معالي الأمور.

فتى تمّ فيه ما يسرّ صديقه

على أنّ فيه ما يسوء الأعاديا

ولهم ابن عمّ يشركهم في التّجارة ، وهو والي عقود الأنكحة بالصولو ، وعليه زيّ الصّلاح.

وأخوه سالمين هو الّذي قام لثروتهم لمّا كبت بها حوادث اليابان ، فنهض بها وأعادها سيرتها الأولى ، بل أحسن ، وعنده اطّلاع وله رحلات جوّيّة إلى أنحاء

__________________

(١) آل سنكر من أهل عرما ، هاجروا إلى جاوة ـ أي إندونيسيا ـ لا زالوا إلى اليوم ، وفيهم وجهاء وأفاضل ، وكان لبعضهم أدوار اجتماعيّة فعالة في تاريخ العرب الحضارمة بجاوة ، تستحقّ البحث والتّدوين.

(٢) عال : ارتفع ، وعال نومي طار من شدّة الفرح أو الحزن.

٢٥٧

العالم ، فيأتي فيه قول الأعشى لهوذة الحنفيّ [من «ديوانه» ٢٤٢ من الطّويل] :

فتى يحمل الأعباء لو كان غيره

من النّاس لم ينهض بها متماسكا

وفي كلّ عام أنت جاشم رحلة

تشدّ لأقصاها عظيم عزائكا

مورّثة مالا وفي المال رفعة

لما ضاع فيها من قروء نسائكا

وفي عرما ـ أيضا ـ جماعة من آل بريك ، كما سبق في شبوة.

دهر (١)

هو من وراء عرما إلى جهة الشّرق. قال ياقوت [٢ / ٤٩١] : (واد دون حضرموت).

ولم يزد عليه «القاموس» (٢) ، وأنشد شارحه قول لبيد بن ربيعة [في «ديوانه» ١٦٦ من الوافر] :

وأصبح راسيا برضام دهر

وسال به الخمائل في الرّهام (٣)

__________________

(١) دهر ـ بضمّ فسكون ـ : واد مشهور في غربيّ حضرموت ، تشكّل بلدانه أحد المراكز الإداريّة التّابعة لمديريّة عرما ، من أعمال محافظة شبوة ، وهو يسيل إلى الشّمال الشّرقيّ ، وينتهي في الرّملة.

ويسكنه آل عمرو من آل بلعبيد في نوعه والخشاوة ، وآل بريك آل عبد الرّحيم في مطره ، وآل عليّ بن أحمد بن بريك في الخرّ ، وآل محيميد في روضة الجديفرة. وممّن نسب إلى الوادي : محمّد بن ناصر الدّهري أحد ولاة عينات أيّام الدّولة القعيطيّة ، وحاكم وادي دوعن في مطلع القرن الرّابع عشر : سالم بن علي الدّهري. وفي «القاموس» أنّه بفتح فسكون ، وهو على خلاف الجاري على الألسنة.

(٢) في «الشّامل» (٣٢ ـ ٣٣): (أنّ قول صاحب «القاموس» ـ ومثله ياقوت ـ : أنّ وادي دهر دون حضرموت خطأ ، بل هو من حضرموت ، وإنّما قال الهمدانيّ حين ذكر الطّريق : وهو أوّل حضرموت من ذلك الجانب ، ولم يقل دونها. وإذا كانت جردان معدودة في حدود حضرموت .. فدهر أولى) اه

وكلام صاحب «الشّامل» هنا متوافق مع قول المصنّف الآتي.

(٣) أصبح : الضّمير الّذي فيه يعود على البريق في أبيات قبله ، وهو :

أصاح ترى بريقا هبّ وهنا

كمصباح الشّعيلة في الذّبال

راسيا : مستقرّا. الرّضام : الصّخور العظيمة. الخمائل : الأراضي السّهلة الطيّبة الكثيرة الشّجر.

٢٥٨

وقال مزاحم بن الحارث العقيليّ [من الطّويل] :

وننعم ولا ينعم علينا ومن يقس

ندانا بأندى من تكلّم نفضل

وبالخيل من أيّامهنّ وشبوة

ودهر ومن وقع الصّفيح المصقّل

ومعناه : أنّنا نفضّل بالخيل وأيّامها كما قال طفيل [من الطّويل] :

وللخيل أيّام فمن يصطبر لها

ويعرف لها أيّامها الخير تعقب

وكان في دهر وشبوة وقائع لبني عقيل على بني تميم ، وهما بين داريهما ، ذكره البكريّ في «معجم ما استعجم» [٢ / ٥٥٨] وضبطه بالفتح وقال : إنّه على لفظ اسم الزّمان.

وقد سبق عن ابن الأثير أنّ شبوة من حضرموت ، فدهر من باب أولى ؛ لأنّه أسفل عنها بكثير. وله ذكر في «صفة جزيرة العرب» [١٦٥] لابن الحائك يأتي في رخية.

وفي دهر أكثر من ثلاث مئة رام من آل بلعبيد (١).

رخية (٢)

واد واسع ، في شماله : المخارم ، وفي جنوبه : سهوة.

قال الهمدانيّ : (من قصد حضرموت من بيحان والسّرو ودثينة .. فمخرجه من بلد

__________________

الرّهام : المطر الضّعيف الدّائم. وفي الرّهام : أي بسبب هذا المطر الدائم ؛ حيث إنّ (في) في اللّغة العربيّة لها عشرة معان ، منها : التعليل ؛ نحو : دخلت امرأة النّار في هرة حبستها. وهذا البيت أنشده في «اللّسان» و «التّاج» هكذا بقافية ميميّة. ولكن البيت في «الدّيوان» من قصيدة لاميّة مؤلّفة من ستّين بيتا ، مطلعها :

ألم تلمم على الدّمن الخوالي

لسلمى بالمذانب فالقفال

وقافيته في «الدّيوان» : (في الرّمال). والمعنى : إنّ هذا البرق الّذي لمع في آخر اللّيل جاء الصّباح وقد استقرّ على صخور هذا البلد المسمّى : دهرا. ومن شدّة الخير الّذي في هذا البرق ..

سالت الأراضي ذات الأشجار إلى الأراضي ذات الرّمال. والله أعلم.

(١) وهم آل عمرو وغيرهم كما تقدّم ، ومنهم جماعة يقال لهم : آل بادهري. من آل هميم.

(٢) وادي رخية : يقع بين وادي عمد شرقا ، ووادي دهر غربا ، قال بامخرمة في «النّسبة» : (الرّخييّ نسبة إلى رخية ـ بالفتح وسكون الخاء وفتح المثنّاة من تحت ثمّ هاء ـ قال القاضي مسعود : جهة عريضة

٢٥٩

__________________

ذات مزارع على المطر ، جبليّة ، وأشجارها علوب ، وفيها بعض نخيل ، وسكّانها آل بلعبيد ، وآل شحبل وبعض من كندة) اه

وهذا الوادي يسيل من الجنوب إلى الشّمال ، ويفضي إلى رمل الحزار الواقع جنوب ريدة الصّيعر ، وهو واد مستطيل ، يساقي دهر وعرما ووادي عمد. وهذه أسماء أجزاء جبله الشّرقيّ المشرف عليه من أعلاه : ساني ، فعمقان ، فدمّت بن فريد ، فخشم متمّة ، فخشم قويرات ، فخشم الصّدوع بضمّتين ، وهو خشم يمتدّ إلى الغرب. وبالجانب الغربيّ من أسفل الوادي : الحسوة ، وبير عامر ، حيث الارتفاع : (٢٦٥٠) قدم ، وبالجانب الشّرقيّ : بئر حديجان حيث الارتفاع : (٢٦٠٠) قدم ، فبئر عاصم حيث الارتفاع : (٢٥٧٠) قدما. وظهور جباله ـ أي سيطانه ـ فيها : الجهمة ، بفتحات ـ من آل بلعبيد ، وآل سميدع من آل عليّ. «الشّامل» (١٣٢).

بلدان وادي رخية : أوّل بلد فيه من أعلاه : البديعا : فيها آل لحول (الأحول). ٢ ـ الحجيل : فيها آل دهر ، وآل زوبع بفتح الزّاي فسكون. ٣ ـ دار الرّقاب : فيها آل عليّ بن محمّد ، وآل باعفي ـ بكسر ففتح. ٤ ـ لعمق ـ الأعمق : لآل أحمد بن عمرو ، وكلّ هؤلاء من الجهمة ، رئيسهم بامزعب. ٥ ـ سهوة : أكبر قرية في وادي رخية ، سكّانها آل العموديّ ، وآل بفلح ، والمنصب في بيت الشّيخ عبد الله بن أفلح بفلح. ٦ ـ مراوح : فيها آل بفلح. ٧ ـ حصن آل عمر بن عليّ : الجهمة. ٨ ـ حصون آل سعد : من آل سميدع. ٩ ـ سلمون : فيها مقدّم آل سميدع ، وحرث يقال لهم آل باقسيس. ١٠ ـ حصن الشّرقي : لآل سميدع. ١١ ـ حصن الجيزة : بفتح الجيم ، لهم أيضا.

١٢ ـ قرية القرم : سكّانها آل الشّيخ بو بكر ، وفي مصنعتها : القراميش. ١٣ ـ حصن الهجر : فيه القراميش. ١٤ ـ لنف ـ الأنف : في المصنعة. ١٥ ـ بادعام : سكّانه آل باعفي من آل هميم ، وأخلاط من الحرّاثين. ١٦ ـ الجدفرة : لآل بادعام من آل هميم. ١٧ ـ لعمق : فيه الكسران ، من آل بادعام ، وحرّاثون. ١٨ ـ قرن طوع : سكّانه السّادة آل الشّيخ بو بكر. ١٩ ـ نطع : فيه آل الشّيخ بو بكر ، وحرّاثون. ٢٠ ـ حصون آل عمرو : فيها آل عمرو. ٢١ ـ روضاح : فيه آل بريك ، وآل غانم ، من آل حيدرة. ٢٢ ـ علوجة بفتح فضمّ ، فيها آل غانم ، وآل سالم ، وآل قصيّر من آل حيدرة (قصيّر : بضمّ ففتح فتشديد الياء). ٢٣ ـ صنا : فيها آل الشّيخ بو بكر ، وآل باعبّاد ، والمقدّم بن سليم مقدّم آل حيدرة ، وبيت الرّئاسة لهم. ٢٤ ـ القرقر : فيها آل قيران ، من آل حيدرة. ٢٥ ـ حنو : فيها آل طويل من آل حيدرة. ٢٦ ـ الخرالب : أو الحجالب ، فيها آل غانم من آل حيدرة. ٢٧ ـ الجدفرة : لآل حيدرة. ٢٨ ـ عمقان : للسادة آل أحمد بن عيدروس آل الشّيخ أبو بكر ، وآل بلّيث ، وحرّاثين.

٢٩ ـ الخدود ، للبقّارة آل بلّيث. ٣٠ ـ القبلي : لآل بلّيث ، وآل بليث عزوتهم وصريخهم هم وآل حيدرة والشّحابل. ٣١ ـ منازل الشّحابل : آل حسين. ٣٢ ـ نباع : فيها آل مساعد بن حسن ، منهم ، (أي : شحابل) ، وفيها مقدّمهم محمّد بن جميل بن شحبل. ٣٣ ـ شرج آل علي بن أحمد : شحابل. ٣٤ ـ المخارم : فيها آل مظفر ، وآل عجيّان ـ بتشديد الياء ـ من آل شحبل. ٣٥ ـ السّيلة :

٢٦٠