إدام القوت في ذكر بلدان حضر الموت

السيّد عبد الرحمن بن عبيد الله السقّاف

إدام القوت في ذكر بلدان حضر الموت

المؤلف:

السيّد عبد الرحمن بن عبيد الله السقّاف


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار المنهاج للنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ١١١٠

فمثل هذه الأكرومة ينبغي تكريرها في المدارس القعيطيّة ؛ لما فيها من الشّرف المخلّد ، والمجد المتلّد الّذي يسوّغ لآل عليّ جابر أن يتمثّلوا بقول حبيب [في «ديوانه» ١ / ٣٣٢ من البسيط] :

لو لا أحاديث سنّتها أوائلنا

من العلا والوفا لم يعرف السّمر (١)

وإنّما ينحجز النّاس عن الملاوم ، ويتدفّقون على المكارم بإكبار أعمال الأبطال ، وازدراء أفعال الأنذال ، فأوجب ما يكون على الدّول الرّاغبة في الرّقيّ أن تمجّد صنائع اللهاميم (٢) ، وتحقّر معايب المذاميم ، فعلى مثل ذلك يقوم عماد الشّرف ، وتتسنّم مدارج الغرف ، وقد ورد : (أمرنا أن ننزل النّاس منازلهم) (٣) ، وجاء الحثّ على دراسة التّاريخ حتّى في أمّ الكتاب ، كما يؤخذ من قوله : (صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ) وما كان أسمار السّابقين إلّا في مثل هذا وما أحسن قول أبي الطّيّب [في «العكبري» ٤ / ٢٦٠ من الوافر] :

وأكثر في مجالسه استماعا

فلان دقّ رمحا في فلان

ثمّ تراذل الزّمان ، فأنّث الرّجال.

وقال الطّيّب بامخرمة : (ثوبان (٤) : موضع شرقيّ الشّحر على مرحلتين منها ، فيه عينان كبريتيّتان ، ينتفع بهما من عدّة أدواء ، ذكرها القاضي مسعود) اه (٥)

مراسي بحر الشّحر إلى ظفار

أوّل ما يلي الشّحر إلى الجهة الشّرقيّة : العيص ، تبعد عن الشّحر ساعة ونصفا

__________________

(١) السّمر : حديث الليل ؛ أي : إنّ السّاهرين في حلقة القوم يتحدّثون بمآثرنا. وللبيت روايات أخرى.

(٢) اللهاميم : الأبطال.

(٣) روى الإمام أبو داود (٤٨٤٢) : عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال : «أنزلوا النّاس منازلهم».

(٤) ثوبان : من ضواحي الديس الشرقية ، تتبع مديرية الشحر ، وسكانها من الحموم.

(٥) نسبة البلدان (ق ٦٥).

٢٢١

بسير الأثقال ، في بعد قليل عن السّاحل ، عبارة عن أكواخ قليلة محفوفة بزراعات ، أكثرها من التّبغ.

ثمّ جمعوض ، قرية صغيرة لا يزيد سكّانها ـ من العمّال والبادية آل بحسن ـ عن مئتي نفس ، وفيها معيانان وعدّة أبؤر.

ثمّ الحامي ، بينه وبين العيص أربع ساعات ، وفيه شبه من الشّحر من بعض النّواحي ، لو لا ما يتخلّله من أشجار النّارجيل ، ويقال : إنّ أهلها أحسن أخلاقا من أهل الشّحر.

ولمّا سمع هذا بعض أهل الشّحر .. قال : إنّ الأمر بالعكس ، وإنّهم ليضنّون حتّى بالماء ، ويقولون لمن طلب شربة ماء : (إنّه حامي ، لا يصلح للشّرب) ، ويتأكّد هذا بما قيل : إنهم الّذين امتنعوا من ضيافة الخضر وموسى ، وأنّ الجدار الّذي أقامه الخضر كان بالحامي لما تحته من كنز الغلامين اللّذين كان أبوهما صالحا.

وفي سيف الحامي عين ماء عذب كان النّاس يستقون منها للشّرب حال ما يجزر عنها البحر.

وفيها مدرسة سلطانيّة (١) ، وبها عين ماء حارّة ، إلّا أنّها أقلّ حرارة من مياه تبالة ، يزعم الأهالي : أنّ الاغتسال فيه شفاء من أنواع البثور ؛ ولذا يقصده الكثير من الأماكن البعيدة ، وأهل البلاد يغتسلون فيه كلّ صباح.

وفي «شمس الظّهيرة» [٢ / ٥٤٧] : أنّ به ناسا من ذرّيّة الحبيب سالم بن عبد الله بن علويّ الحدّاد (٢) ، وآخرين من ذرّيّة الحبيب عليّ بن محمّد جمل اللّيل باحسن (٣).

__________________

(١) وكان يشرف عليها العلّامة النّاخبيّ ؛ إذ كانت تحت مسؤوليّته كغيرها من المدارس السّلطانيّة.

(٢) الّذي في «شمس الظهيرة» أنّ بالحامي أناسا من ذرّيّة حسين ابن الإمام الحدّاد ، والصّواب ما ذكره المصنّف ، ولعلّ المطبوع من «الشّمس» دخله التحريف ؛ لأنّ معظم ذرّيّة الحسين المذكور إنّما هم بعمان ورأس الخيمة ونواحيها.

(٣) ويعرفون بآل باهارون باحسن ، وجدّهم الجامع لهم هو السّيّد : محمّد بن هارون بن علويّ الفقيه ابن عبد الله بن محمّد ـ صاحب بور ـ ابن عبد الله بن محمّد المجذوب ابن سالم بن أحمد بن عبد الرّحمن بن عليّ بن محمّد جمل اللّيل.

٢٢٢

ثمّ المقد : وهي قرية لا بأس بها ، فيها السّادة آل المقديّ ، وناس من آل الشّيخ أبي بكر ، وآل بن عويضان ، وآل بن سبول ، وآل بامحيمود ، وآل بحسن من الحموم.

ثمّ القرن : وهي مرفأ الدّيس.

ومن وراء الحامي متشاملا : الدّيس ، بينه وبينه نحو خمس ساعات بسير الأثقال ، يبعد عن سيف البحر (١) بنحو ساعة ونصف للماشي.

وقد مرّ في أخبار الشّحر : أنّ عليّ بن حبريش استولى عليه واستباحه في حدود سنة (١٣٤٤ ه‍).

نسب الحموم :

ومرجع الحموم في النّسب ـ على ما نقله الشّريف عبد الله بن مصطفى بن زين العابدين عليّ بن عبد الله بن شيخ من خطّ الفقير الصّالح أحمد بامريم ـ : إلى حمير ، ومثله منقول عن خطّ الشّيخ عليّ باصبرين.

وحاصل ما وجد بخطّه : (أنّ المناهيل والحموم ويافع من حمير بن سبأ). قال باصبرين : (وهو منقول عن الشّيخ عمر العموديّ ، عن الحبيب عبد الله العيدروس).

وهم ينقسمون إلى قسمين :

القسم الأول : بيت القرزات ، ومقدّمهم اليوم : ابن شليان ، لا يزيد عددهم الّذي أسأرته المجاعة والحروب اليوم عن مئتين وخمسين راميا (٢).

والقسم الثّاني : بيت علي وألفافه (٣) ، وهو بيت رئاسة حبريش وبنيه ، ومقدّمهم اليوم : أحمد بن حبريش ، ولا يزيد عدد بيت عليّ الآن عن تسع مئة ، وينضمّ إليهم :

__________________

(١) سيف البحر : ساحله.

(٢) أسأرته : أبقته.

(٣) ألفافه : أحزابه وجماعاته ، وقد تكفل المقحفي بذكرهم في «معجمه» (٥٠٨).

٢٢٣

بيت غراب ، وعددهم نحو الألف. وبيت عجيل ، وعددهم نحو ألفين. وبيت شنيني ، وعددهم نحو الألف. وبيت يمينيّ ، وعددهم نحو مئة وخمسين. وبيت عبيد ، وعددهم مئة. وبيت سعيد ، نحو مئة وخمسين. وبيت بحسني التّامبول ، نحو مئة وخمسين (١).

وينضمّ إليهم من بادية العلويّين : آل قطبان (٢) ، وبيت حمودة (٣) ، وهم نحو مئتين وخمسين. والمعتبر في هذه الأعداد هم الرّميان.

وخيامهم ضاربة بين الشّحر والمشقاص وحضرموت ، ولهم ذكر كثير في «الأصل»

وبالديس جماعة من ذرّيّة السّيّد عمر بن عبد الرّحمن بن محمّد شريم بن عبد الرّحمن بن محمّد بن عبد الله بن علويّ بن أحمد بن الفقيه المقدّم (٤).

قال شيخنا في «شمس الظّهيرة» [١ / ٣٧٦] : (وقد كان مكتوبا على عمر هذا أنّه انقرض ، ولكن ورد إلى تريم في سنة «١٢٧١ ه‍» السّيّد عمر بن عبد الله ، وهو من ذرّيّته ، وأثبت نسبه ونسب بني عمّه بحجّة واضحة إلى عمر المذكور ، فأثبته سيّدي عبد الله بن حسين بن طاهر ، والوالد أحمد بن عليّ الجنيد ، فليعلم ذلك. والسّادة المذكورون بالمقد والدّيس) (٥).

__________________

(١) لمعرفة المزيد من بيوت وقبائل الحموم ينظر : «الشّامل» (١٠٦ ـ ١٠٧) ، «أدوار التّاريخ» (٣٥٦ ـ ٣٥٧) ، «معجم المقحفي» (٥٠٨ ـ ٥٠٩).

(٢) آل قطبان ذرّيّة السّيّد قطبان بن عقيل بن أحمد بن أبي بكر السّكران ابن عبد الرحمن السّقّاف ، ظهر فيهم علماء وصلحاء ، سيأتي ذكر بعضهم في سيئون.

(٣) بيت حمودة أيضا من ذرّيّة السيد أحمد بن أبي بكر السّكران. «المعجم اللّطيف» (٦٢ ـ ٦٥).

(٤) وهم المعروفون بآل المقدي.

(٥) ومن أعيان علماء السّادة آل المقدي : السّيّد عمر بن عبد الله المقدي ، الّذي ذكره الحبيب عبد الرّحمن المشهور في النّصّ السّالف.

ومن أعيان الدّيس وسكّانها : السّادة آل الحدّاد ، وتقدّم في الحامي القول بأنّ بها جماعة من ذرّيّة السّيّد سالم ابن الإمام الحدّاد ، وأنّ بعضا منهم سكنوا الدّيس.

وأشهر من عرف بالعلم من هؤلاء السّادة ، العلّامة الكبير السّيّد عبد الله بن محفوظ بن محمّد بن إبراهيم بن عبد الله بن أبي بكر بن علويّ بن سالم ابن الإمام الكبير عبد الله بن علويّ الحدّاد

٢٢٤

شرمة (١)

قد سبق أوائل التّعريف بالشّحر عن «نخبة الدّهر» : أنّ لحضرموت فرضتين على ساحل البحر ، يقال لإحداهما : شرمة ، وللأخرى : الشّحر.

وشرمة هذه هي في شرقيّ الدّيس إلى جنوبه على مسافة قصيرة جدّا ، وبها رسا أسطول الأتراك في حادثة مرير السّابق ذكرها.

وفي «معجم ياقوت» [٣ / ٣٣٨] أنّ شرمة اسم جبل ، يقول فيه أوس بن حجر [من الطّويل] :

تثوب عليهم من أبان وشرمة

وتركب من أهل القنان وتفزع

ويقول تميم بن أبيّ بن مقبل [من الطّويل] :

أرقت لبرق آخر اللّيل دونه

رضام وهضب دون رمّان أفيح (٢)

__________________

ولد ببلدة الدّيس الشّرقيّة ـ ويقال لها : ديس الحامي ؛ تمييزا لها عن ديس المكلّا ـ سنة (١٣٤٢ ه‍) ، ونشأ بها في كنف والده وجدّه محمّد بن إبراهيم ، ورحل في طلب العلم ، وله مصنّفات منها :

كتاب «السنة والبدعة» ، كتاب فريد بديع في موضوعه ، لم ينسج على مثاله ، انتفع به الناس كثيرا ، وصار مرجعا حتى لبعض كبار علماء عصرنا وللباحثين ، وطبع مرات. وفتاواه الشّرعيّة في النوازل العصريّة. جمعت. ورسالة الصّيام ، نشرت بتحقيق السيد علي محمد العيدروس. و «القول المثبوت في حكم دعاء القنوت» ، ط بتحقيق سبطه حسن الكاف ، و «فتاوى رمضان» ، نشرها بعض تلامذته. وغير ذلك.

وقد فجعت حضرموت بموته في رجب سنة (١٤١٧ ه‍).

ومن جلائل أعماله ترؤسه للجمعيّة الإسلاميّة بالمكلّا ، والّتي انبثقت عنها جامعة الأحقاف ، فكان لها شرف أن يكون المترجم رئيسا لمجلس أمنائها من حين تأسيسها سنة (١٤١٥ ه‍) إلى وفاته ، رحمه الله تعالى.

(١) شرما ، أو شرمة : منطقة بمديرية الشحر ، تقع شرقي الديس إلى الجنوب منه ، كما ذكر المؤلف.

وهي عبارة عن لسان رملي صغير ، كان قديما مركزا بحريا ، واعتبر في أيامنا هذه محمية طبيعية للسلاحف العملاقة التي تتواجد هناك بكثرة. «المقحفي» (٨٦٣).

(٢) الرّضام : الصّخور العظام. الهضب : الجبال الطّويلة الممتنعة المنفردة. رمّان : جبل في بلاد طيّء.

٢٢٥

، بحزن شآم كلّما قلت قد ونى

سنا ، والقواري الخضر في اللّيل جنّح (١)

فأضحى له جلب بأكناف شرمة

أجشّ سماكيّ من الوبل أفضح (٢)

وأبان مذكور في قول امرىء القيس [في «معلّقته» من الطّويل] :

كأنّ أبانا في عرانين وبله

كبير أناس في بجاد مزمّل (٣)

فيظهر أنّ شرمة المذكورة في هذين الشّعرين هي هذه ؛ لأنّ امرأ القيس حضرميّ ، وقد ذكر أبانا وهو إلى جانب شرمة (٤).

وأبانان : جبلان لبني تميم بن دارم بن مرّ (٥).

__________________

الأفيح : الواسع. والمعنى : أرقت لهذا البرق الّذي بيني وبينه تلك العقبات والمسافات الواسعة.

(١) ونى : ضعف. السّنا : ضوء البرق. القواري ـ جمع قارية ـ وهي : طير قصير الرّجل ، طويل المنقار ، أخضر الظّهر ، يحبّه الأعراب كثيرا. جنّح : كاسرة أجنحتها ، مقبلة كاللّاجىء الواقع.

وفي المخطوط : (والضرار) بدل : (والقواري).

(٢) الجلب : السحاب. أكناف : نواصي. أجشّ : في صوته غلظ. سماكيّ : مطر بنوء السّماك ، وهذا على معتقدات أهل الجاهليّة الباطلة ، وهو منهيّ عنه. الوبل : المطر. أفضح : أبيض.

(٣) أبان : اسم جبل. عرانين وبله : أوائل مطره. البجاد : كساء مخطّط من أكسية الأعراب. مزمّل : ملفوف. وللبيت روايات أخرى غير هذه. والله أعلم.

(٤) من الملاحظ أن المؤلف يكثر من التدليل على حضرمية امرىء القيس بذكره لأسماء مواضع متعددة توجد ب (حضرموت) ، والحال أنه يوجد مثل لها في نجد ، حيث نشأ وعاش ، وهذا الأمر يحتاج إلى تحقيق وإعادة نظر ، ولا يمكننا التسرع ورمي المؤلف بالخطأ ؛ إذ لو لا وجود مواضع ب (حضرموت) في شعر امرىء القيس ك (دمّون) ، وصيلع ـ وهي مواضع شهيرة ، ومعروفة إلى اليوم ب (حضرموت) .. لما كان للمؤلف وهو من هو في العلم والتثبت والاطلاع أن يميل إلى هذا الرأي.

(٥) علق العلامة الجاسر ـ رحمه الله ـ على هذا بقوله : (شرمة الوارد في هذه الأشعار : في نجد ، غرب بلاد القصيم بقرب أبانين ، الجبلين اللذين لا يزالان معروفين هناك. ولا صلة لهما بالقارتين اللتين قال عنهما : إنهما لبني تميم بن دارم بن مر. وهنا خطأ ، فتميم هو ابن مر ، ودارم من فروع بني تميم. والقول بأن أبانا الوارد في شعر امرىء القيس هو في حضرموت لأن امرأ القيس حضرمي.

هذا القول غير صحيح. فامرؤ القيس عاش في نجد ، وأكثر المواضع التي يذكرها في هذه البلاد لا في حضرموت) اه

٢٢٦

وفي شرقيّ شرمة ، قارتان متقابلتان ، تقرب منهما عين عذبة ، بينهما خور صغير (١). يقال له : خور يضغط (٢) ، ترسو به السّفن الّتي تهرّب المسافرين ـ من المكلّا والشّحر ـ الّذين لم يسمح لهم بركوب البحر من سواحل القعيطيّ إلى سيحوت والسّواحل الإفريقيّة ، وعمّال القعيطيّ بتلك النّواحي يغضّون الطّرف عنهم مساعدة للإنسانيّة (٣).

ومن وراء ذلك : قصيعر (٤) ، وهي قرية لا بأس بها ، كانت تحت حكم آل عبد الودود ، وآخر أمرائهم بها : جعفر بن عليّ.

ومثلها الرّيدة الّتي تليها.

وفي قصيعر كثير من المشايخ آل باعبّاد ، من أواخرهم : الشّيخ عبد الله ابن خالد ، أحد تلاميذ سيّدنا الأبرّ عيدروس بن عمر ، توفّي بها (٥).

وقد سألت المكرّم الأمير محمّد بن عبد الله بن أحمد بن محمّد بن عبد الودود عن كيفيّة خروج الرّيدة وقصيعر عن حكمهم .. فقال : (في سنة «١٢٩٤ ه‍» جهّز القعيطيّ سبع سفائن ، في كلّ سفينة مئة عسكريّ بعتادهم ، ولم يكن منّا أحد بقصيعر ، فأخذوها صفوا (٦) ، ولمّا سمعنا بعزمهم إلى الرّيدة .. تحمّلنا إلى بلاد

__________________

(١) الخور : المكان المنخفض بين جبلين.

(٢) خور يضغط : خور صغير على شاطىء البحر العربيّ ، بالقرب من رأس شرمة ، تربض عليه قرية تتبع مركز الدّيس الحامي ، من مديريّة الشّحر ، وسكّانه من الثّعين.

(٣) كان هذا إبّان ناءت المجاعة بكلكلها على حضرموت أثناء تصنيف هذا الكتاب.

(٤) تبعد قصيعر عن الشّحر مسافة (٦٧ كم) في شرقيّها.

(٥) بعد سنة (١٣٤٤ ه‍). واسمه ـ أي ابن خالد ـ تامّا : عبد الله بن محمّد بن أحمد بن عبود بن خالد بن عليّ بن أبي بكر بن عليّ بن محمّد ابن الشّيخ الحسين بن عليّ بن عبد الله بن عقيل باعبّاد ، وفي رسالة له من مفتي قعطبة الشيخ عبد الله بن أحمد المسدس باعباد مؤرخة في (١٣٤٤ ه‍) يطلب مفتي قعطبة المذكور الإجازة من ابن خالد ، ويصفه فيها ب (الشّيخ الإمام المكين ، العارف بالله ورسوله ..) إلخ ، ويطلب منه أن يرسل له ما يوجد من المعلومات لديه عن أصل باعبّاد ؛ إذ كان ينوي أن يجمع كتابا عن سيرهم وأخبارهم.

(٦) صفوا : في سهولة ويسر.

٢٢٧

المهرة بكلّ ما نقدر عليه ؛ إذ لا قبل لنا بهم ولا نزيد مع عبيدنا على ثلاثين مقاتلا ، وكنّا عزمنا على الرّحيل إلى السّواحل الإفريقيّة مثل ما فعل النّقيب ، غير أنّ سالمين بن حسن بن قحطان العليّ الحموميّ ردّنا إلى بلادهم ، وأسكننا في عسد الجبل ، فاتّصلنا بأموالنا ، وكانت في ضواحي قصيعر والرّيدة.

ومع قوّة الحموم إذ ذاك لم يقدر القعيطيّ عليها ، وكانوا لا يعقدون صلحا مع القعيطيّ إلّا كان أماننا أوّل شرط فيه.

وعرض علينا السّلطان منصور بن غالب غيل ابن يمين فلم يعجبنا ؛ لبعده عن أموالنا.

وكانت أمّ السّلطان منصور الكثيريّ عمّتي ـ ولها أختان ، إحداهما : كيميا ، تحت عمر بن حفظ الله. والأخرى : سلمى ، تحت أحمد بن محمّد ـ فطلبت أمّ السّلطان وصولنا ، فوصلت أنا وأبي وعمّتاي وزوجاهما ، وأقمنا بسيئون نحوا من عشرين عاما ، ثمّ عدنا إلى عسد الجبل.

ولمّا تمّت المعاهدة بين الكثيريّ والقعيطيّ .. عدنا إلى الرّيدة ، واجتمعنا بالسّلطان غالب بن عوض القعيطيّ ـ وهو رجل لا يعرف الحقد ـ فرأينا من لطفه ما لا يفي به الكلام ، وأعفانا من جميع الرّسوم ، ومن ذلك اليوم ونحن في غاية الرّاحة). هذا كلامه بمعناه.

وكان سلطان آل عبد الودود يوم نازلهم القعيطيّ هو : جعفر بن عليّ السّابق ذكره.

وفي شمال قصيعر على نصف ساعة بسير الأثقال قرية قديمة ، يقال لها : مهينم.

ومن ورائها شمالا على ساعتين غيضة ، يقال لها : معبر (١) ، من قدامى البلدان.

__________________

(١) معبر : منطقة زراعيّة من أعمال الشّحر ، وبها عينان ترويان النّخيل بها ، ويعيش سكّانها على الصّيد ، وتسمّى : غيضة معبر.

٢٢٨

وعلى ثمان ساعات في شمالها : عسد الجبل (١) السّابق ذكره ، به ناس من الحموم : الجامحة ، وبني عجيل (٢) ، وسادة من بيت حمودة ، وغيرهم.

الرّيدة (٣)

هي في شرقيّ قصيعر ، وكانت تسمّى : (ريدة ابن حمدات) ، وتسمّى الغيضة ، وكانت لآل كثير ، وكانوا على نوع من القرصنة.

جاء في الحكاية (٤٥) من «الجوهر الشّفّاف» [١ / ٩٩ ـ ١٠٠] : عن السّيّد محمّد بن الفقيه المقدّم (٤) أنّه قال : (سافرت من ظفار مع بعض الهنود ، فلمّا وصلنا الغيضة بلاد آل كثير .. نشبت سفينتنا بجبل في البحر (٥) ، فأقبل آل كثير بسنابيقهم لينهبونا (٦) ؛ لأنّ من عادتهم أن ينهبوا جميع ما في المراكب الّتي تعطب هناك ، ولكن انبعثت سفينتنا قبل أن يصلونا .. ففتناهم ، وكان هذا أثناء القرن السّابع).

وفي يوم الخميس غرّة جمادى الأولى من سنة (١٢٧٢ ه‍) رسا بها السّلطان غالب بن محسن الكثيريّ مخرجه من الهند إلى حضرموت ، بعدما تمهّدت له إمارتا سيئون وتريم على يد أخيه عبد الله وابن أخته عبود بن سالم.

__________________

(١) عسد ـ بكسرتين ـ ويقال لها : عسد الفايد ، وأرضها عبارة عن تلال من صخور بركانيّة سوداء.

(٢) بنو عجيل هؤلاء من فخائذ الحموم ، ولا علاقة لهم ببني عجيل الساكنين بمدينة بيت الفقيه بتهامة اليمن.

(٣) الريدة المرادة هنا : هي ريدة آل عبد الودود. وهي بلدة على الشّاطىء الشّرقيّ السّاحليّ لمدينة الشّحر ، تبعد عنها مسافة (٤٠ كم) ، سمّيت بحكّامها آل عبد الودود الكثيريّين ، وكانت تسمّى : ريدة بن حمدات كما ذكر المصنّف ، أو ريدة المشقاص ، وهي منطقة كثيرة التعاريج والمنحدرات ؛ لكثرة التّلال والجبال ، والوديان ومجاري المياه ، وتقع منازل أهلها في أعالي الجبال وسفوحها ، وفي بطون الوديان.

(٤) الّذي في «الجوهر» : محمّد بن عليّ ابن الفقيه أحمد بن علويّ عمّ الفقيه ، يرويها عن عمّه محمّد ابن الفقيه أحمد .. وهي الحكاية رقم (٤٦) في النّسخة الّتي لدينا. ومحمّد بن أحمد هذا هو الملقّب : (النّقعي) وقد سبقت ترجمته في النّقعة.

(٥) نشبت : علقت.

(٦) السّنابيق : الزّوارق الصغيرة.

٢٢٩

ولم يكن القعيطيّ بغافل عن استمرار المواصلات بين الرّيدة وحضرموت ، ولكنّه خشي الانفجار من الضّغط .. فانتظر الفرصة المناسبة ، ولمّا انبتّت أقران آل كثير بإثر هزائمهم في الحزم وصداع .. نهض لها ولقصيعر ، فكان ما كان (١).

وفي الرّيدة جماعة من السّادة آل العيدروس ، وآل الجفري ، وآل الشّيخ أبي بكر بن سالم ، وجماعة من المشايخ آل باحميد ، منهم الآن : الشّيخ النّبيه المشارك في الفقه ، طه بن عليّ بن محمّد باحميد.

ومن وراء الرّيدة إلى الشّرق : دمخ حساج (٢) ، ودمخ اسم للجبل ، وحساج اسم للمكان الّذي حواليه.

وبه دلّلت على وجود قبر حنظلة بن صفوان عليه السّلام بحضرموت ، كما يأتي في موضعه عند ذكر بور ، ولعلّ دمخا هذا هو المشار إليه بقول ياقوت [١ / ٣٩٤] : (وبرقة دمخ : اسم جبل ، قال سعيد بن براء الخثعميّ [من المتقارب] :

وفرّت فلمّا انتهى فرّها

ببرقة دمخ فأوطانها

وقال طفيل الغنويّ [من الطّويل] :

فلمّا بدا دمخ وأعرض دونه

غوارب من رمل تلوح شواكله

وقال طهمان بن عمرو الكلابيّ [من الطّويل] :

كفى حزنا أنّي تطاللت كي أرى

ذرى قلّتي دمخ فما تريان

__________________

(١) ينظر : «تاريخ بن حميد» (٢ / ١٥٠).

(٢) الدّمخ ـ بفتح وسكون ـ : موضع في وادي المسيلة من مديريّة سيحوت وأعمال محافظة المهرة ، وقد يقال له : دمخ حساي ؛ نسبة إلى قرية هناك ، وهو الحدّ الفاصل بين منطقة الحموم (حضرموت القديمة) ومنطقة المهرة ، ولعلّ الياء في حساي مقلوبة عن الجيم كما هي عادة الحضارمة.

تنبيه : قال العلامة الجاسر ـ رحمه الله ـ : (دمخ الوارد في شعر الخثعمي : جبل مشهور من جبال نجد ، لا يزال معروفا ، وفيه برقة هي التي ذكرها ياقوت في «معجمه». ولا يدل وجود مكان باسم دمخ في حضرموت بأنه المقصود في الأقوال القديمة التي ذكرها ياقوت وغيره ، ما لم توجد قرينة توضح هذا ، ولا قرينة هنا) اه

٢٣٠

وهناك آثار قديمة تدلّ على ضخامة ملك وتقدّم حضارة. وهذا المكان هو الحدّ الفاصل بين القعيطيّ والمهرة.

ومن ورائه إلى جهة الشّرق : درفات ، وهي قرية فيها مسجدان.

ثمّ حيريج (١) ، ولها ذكر كثير في التّاريخ (٢) ، قال الطّيّب بامخرمة : (وهي أمّ المشقاص ، وفيها محمّد الحشريت ، وشيوخهم الأشعثيّون من ذرّيّة الأشعث بن قيس الكنديّ.

وفيها بندر يقصده أهل الهند ومقدشوه ، ويتوسّمه أهل الشّحر وحضرموت (٣) ، ويحمل منه الكندر (٤) والصّيفة (٥) إلى عدن وبربرة وجدّة وإلى كل محلّ. ذكرها القاضي مسعود) اه

ولكنّها دثرت ولم يبق منها إلّا القليل ، وفيها مسجد للشّيخ عبد الله القديم عبّاد.

ومن ورائها : سيحوت (٦) ، على مسافة ثلاثة أيّام إلى جهة الشّرق بالرّيح المعتدل

__________________

(١) حيريج : موضع في غربي وادي المسيلة ، ما بين الشحر وسيحوت من بلاد المهرة ، «الشامل» (١١٧)

(٢) منها : خروج أهلها سنة (٦١٩ ه‍) على ابن مهدي ، وقتل عبد الله الحبوظي بها سنة (٦٤٦ ه‍).

ووفاة الشيخ شماس بن أحمد الشعبي بها سنة (٧٤٢ ه‍). وحوادث في (٧٨٩ ه‍) ، و (٧٩٠ ه‍) ، و (٧٩١ ه‍). وفي (٨٣٢ ه‍) صال سعد بن فارس (بادجانة) من حيريج على ظفار. وظل آل بادجانة بها إلى سنة (٨٦٣ ه‍). وفي سنة (٨٧١ ه‍) أخذها آل كثير. وفي سنة (٩١٢ ه‍) حفر الشيخ عبد الله بافضل بئرا بها. ينظر : «تاريخ شنبل» (٨٠ ، ٩٣ ، ١٢٠ ، ١٤٧ ، ١٤٨ ، ١٤٩ ، ١٧٠ ، ١٨٩ ، ١٩١ ، ١٩٣ ، ٢٢٥). «العدة المفيدة» (١ / ٨١ ، ١٣٤ ، ١٤٠ ، ١٦٧ ، ١٨٠ ، ١٩٦ ، ٢٠٠ ، ٢١٧ ، ٢١٩).

(٣) يتوسّمه أهل الشّحر : يطلبون كلأ الوسميّ ، وهو الكلأ النّاتج عن مطر الرّبيع.

(٤) الكندر : اللّبان ، نوع من العلك ، ويقال له (المستكى).

(٥) الصّيفة : عند الحضارمة هي زيت كبد الحوت.

(٦) تقع سيحوت في شرقيّ المكلا ، وتبعد عنها نحو (٥٠ كم) ، وهي عاصمة محافظة المهرة. وتقع سيحوت على خط الطول (١٥ ـ ١٨ ـ ٥١) (واحدة وخمسون درجة ، وثماني عشرة دقيقة ، وخمس عشرة ثانية). وخط عرض (١٤ ـ ١٥) (خمس عشرة درجة وأربع عشرة دقيقة).

٢٣١

في السّفن الشّراعيّة من يضغط ، وهي البلاد الحرّة الّتي لمّا يطمثها الأجنبيّ (١) ، ولو لا حرّيّتها .. ما انفتحت للحضارمة طريق الهجرة لمّا اقشعرّت بهم البلاد من المجاعة الّتي ابتدأت في سنة (١٣٦٠ ه‍) ولا تزال ضاربة بجرانها (٢) إلى اليوم بسبب انقطاع المواصلات من جاوة الّتي هي المنيحة الدّارّة (٣) للحضارمة ومصدر السّعادة ، خصوصا لمن نزل عن شبام من أهل حضرموت (٤) ، أمّا ما وراء شبام (٥) .. فإنّهم لم يتأثّروا بالأزمة تأثّر هؤلاء ؛ لاتّصالهم بالحجاز والحبشة والأرتريا وعدن وغيرها ، من البلاد الّتي لم تنسدّ في أيّام الحرب.

ولو لا ما سمح به نوّاب سلطان سيحوت المهرة ـ جزاهم الله خيرا ـ من بذل الجواز لمنكوبي حضرموت إلى السّواحل الإفريقيّة .. لمات منهم بالجوع ضعف ما قد مات ، لكنّهم فعلوا معهم جميلا لا يضيع ، وطوّقوهم بمعروف لا ينساه إلّا أبناء الزّنا ، بينما ضرب عليهم الحصر من كلّ ناحية ، وسدّت في وجوههم الأبواب من كلّ سبيل (٦).

وسلاطين هذه البلاد على حالتهم البدويّة ، وطبيعتهم الفطريّة ، يمشون حفاة ، ولا شرطة ولا حجّاب ، ولا فرق بينهم وبين السّوقة إلّا بما على وجوههم من الشّهامة :

__________________

(١) لم يطمثها : لم يمسّها.

(٢) الجران : مقدّم العنق من مذبح البعير إلى منحره ، فإذا برك البعير ومدّ عنقه على الأرض .. قيل : ألقى جرانه بالأرض ، وهو كناية عن الأمن والاطمئنان. والمقصود هنا : أنّ هذه المجاعة ما زالت مستمرّة كالإنسان الّذي يجلس بين أهله هادىء البال لا يفكّر بالارتحال.

(٣) المنيحة : الشاة المعارة للإنسان كي يستفيد من لبنها. الدّارّة : كثيرة الدّرّ والحليب ، وكذلك كانت بلاد جاوة.

(٤) يعني بهم أهل حدرى في عرف أهل حضرموت ، وهم أهل القرى والبلدان الواقعة شرقيّ شبام.

(٥) وهم (أهل علوى) في عرف الحضارمة ، من يسكن الجهة الغربيّة من شبام ، والعقاد ، فالقطن وما حواليها.

(٦) جزى الله المصنّف خيرا بتدوينه هذه المعلومة التّاريخيّة الهامّة ، فإنّ الأجيال المتأخّرة تجهل أمثال هذا الصّنيع والجميل جهلا تامّا ، ولو لا التّدوين .. لما عرفت الحقائق.

٢٣٢

متصعلكين على ضخامة ملكهم

متواضعين على علوّ الشّان (١)

وعلى قريب منها كانت أحوال أمراء بلادنا إلى ما قبل اليوم بنحو من ثلاثين عاما فقط ؛ إذ لم ينخر في عظامهم سوس المدنيّة الشّومى (٢) إلّا من عهد جديد.

وسلطان المهرة اليوم (٣) في نحو الخمسين من عمره ، واسمه : أحمد بن عبد الله بن محمّد ، ومقرّه سقطرى ، ولكنّ أبناء عمّه بسيحوت استقلّوا ببعض الأمور مع اعترافهم له بالسّيادة العامّة ورجوعهم إليه في المهمّات وقد ذكرت في «الأصل» صاحب سقطرى السّلطان عمر بمناسبة أنّ الضّابط الإنكليزيّ المسمّى : هينز زاره في سقطرى ، وحاول أن يرضيه عنها ؛ لوفائها بما تقصده حكومته لاستيداع الفحم بالبحر الهنديّ ، فقال : (إنّها هبة من الله للمهريّين ، يتلقّاها الأحفاد عن الأجداد ، ومعاذ الله أن أكون أنا السّبب في تضييعها عليهم).

ولكنّهم تمكّنوا في (٢٣) أبريل سنة (١٨٨٦ م) من إدخالها تحت الحماية بمعاهدة ، جاء في المادة الأولى منها : (إنّ الحكومة البريطانية تتعهّد بوضع جزيرة سقطرى وملحقاتها تحت سلطة السّلطان عبد الله بن سالم بن سعد بن عفرير وداخل حدوده ، تحت حماية جلالة الملكة الإمبراطورة).

وفي المادة الثّانية مثل ما في أخواتها ، وهو : (يتعهّد السّلطان عن نفسه وعن أقاربه وورثائه بالامتناع من الدّخول في أيّة مراسلة أو اتّفاقيّة مع أيّ دولة إلّا بعد إطلاع الحكومة البريطانيّة).

وعليها إمضاء السّلطان عبد الله بن سالم المذكور.

وشهودها : محمّد بن صالح جعفر ، وسالم بن أحمد بن سعد بن عفرير ،

__________________

(١) البيت من الكامل ، وهو للمتنبّي في «العكبري» (٤ / ١٧٩) ، والمعنى : أنّهم على كثرة ملكهم ، وعظيم قدرهم .. كالصّعاليك ـ الفقراء الذين لا مال لهم ـ لكثرة غزواتهم ؛ فإنّهم لا يبقى معهم مال ، بل كل ما يغنمونه يخرجونه ، وهم على عظيم قدرهم يتواضعون إلى النّاس.

(٢) الشّومى : أي المشؤومة.

(٣) وكان ذلك سنة (١٣٦٧ ه‍).

٢٣٣

وسعد بن امبارك قاضي قشن ، ومحمّد بن سعد قاضي قلنسية (١) وسقطرى.

والسّلطان عبد الله هذا هو والد السّلطان الحاليّ أحمد بن عبد الله بن سالم بن سعد.

ولسلطان المهرة أبناء عمّ اليوم يجاذبونه الحبال بإغراء الإنكليز ، فلم يجدوا مغمزا في قناته (٢) ، ولا مكسرا في عوده ، وأبى أن يجدّد تلك المعاهدة بأضرّ منها عليه ، وأصرّ على ابتعاده عنهم ، بل بقي مصرّا على التّباعد عنهم ، غير أنّه اضطرّ أن يعطيهم مطارات في سقطرى وقشن بعد أخذ التّعهّدات عليهم بالجلاء بعد انتهاء مدّة الحرب.

ومن سلاطين المهرة : طوعريّ بن عفرار ، ثمّ ولده سالم بن طوعريّ ، ثمّ ولده سعيد بن سالم ، ثمّ أحمد بن سعيد ، ثمّ الحكمان بن أحمد ، ثمّ ابنه الحكم بن الحكمان ، ثمّ ولده محمّد بن الحكم ، ثمّ سالم بن محمّد ، ثمّ ولده ناصر بن سالم ، ولعلّ ناصرا هذا أخ لعبد الله بن سالم الموقّع على المعاهدة السّابق ذكرها ، والله أعلم.

والضّرائب لديهم خفيفة جدّا ، مع أنّهم لا يأخذون رسوما إلّا في سيحوت وقشن فقط ، ولا يأخذون شيئا في بقيّة المرافىء ، ثمّ لا يأخذون إلّا من الغريب ، وأمّا من الأهالي .. فلا ، وغاية ما يأخذونه من الغرباء خمسة في المئة اسما ، وبالحقيقة أقلّ من ذلك ؛ لفرط التّسامح في التّثمين ، وكثيرا ما يعفون من استعفاهم جملة.

وأكثر تجارة آل سيحوت وقشن والغيضة في : العنبر ، والصّيفة ، والصّيد ، والوزيف ، والأنعام ، وما أشبه ذلك.

وقد بلغني أنّ الله أراح السّلطان أحمد بن عبد الله من ابن أخيه الّذي كان يؤذيه ، وهو : حبريش بن سعد ، فمات في سنة (١٣٦٤ ه‍) ودفنوه بتربة سيحوت ، المسمّاة : تربة محمّد بن سعيد باكريت ، وهي تربة جميلة ، يظلّها كثير من شجر الأراك ، وهي في وسط البلاد على مقربة من الجامع.

__________________

(١) قلنسية : واد في جزيرة سقطرى ، وهو مركز إداري يشمل عدة قرى.

(٢) المغمز : المطعن والثّغرة. القناة : الرّمح.

٢٣٤

والشّيخ محمّد بن عبد الله باكريت هذا (١) من أخصّ تلاميذ الشّيخ عبد الله القديم عبّاد ، وله في مناقبه ذكر كثير ، منه : أنّه قدم عليه بستّة آلاف دينار ، وبمثلها من البزّ والطّعام ، فأمره بأن يدفع ذلك للخادم ، فوضع الدّنانير بخزانة تحاذي مجلس الشّيخ ، ولمّا أكثر من الدّخول والخروج للأخذ منها في سبيل الحاجات .. تشوّش فكر الشّيخ ، فقال له : (اقلع هذا المال ـ قلعه الله ـ فقد شوّش عليّ) (٢). أو ما يقرب من هذا المعنى ، وعهدته على الشّيخ عبد الرّحمن بن عبد الله باشميله باعبّاد (٣) ؛ فهو آخر من أخبرني بالقصّة ، مع أنّني كنت أحفظها بدون هذا القدر الكثير.

والّذي يتحدّث به كثير من شيوخ آل باعبّاد : أنّ محمّد بن عبد الله باكريت (٤) هذا

__________________

(١) ههنا نظر .. فأوّلا ذكره باسم : محمّد بن سعيد ، ثمّ يقول : محمّد بن عبد الله ، ولا أدري فلعله سبق قلم منه؟ وأمّا محمّد بن عبد الله باكريت .. فوفاته سنة (٧٣٣ ه‍) ، وسنترجم له قريبا. وآل باكريت يقال إنّهم عقيليّون ، ذكر ذلك الحبيب أحمد بن حسن العطّاس في «رسالته في الأنساب».

(٢) في هذا الكلام إشارة إلى مبحث عظيم من مباحث الشّريعة الإسلاميّة ، ذكره مفصّلا مطوّلا الإمام محمّد بن الحسن الواسطيّ في كتابه «مجمع الأحباب» ، ـ وهو من إصدارات دار المنهاج بجدة ـ وحاصل ما فيه باختصار :

أنّ الإنسان لا يدّخر طعاما ولا مالا إذا علم أنّ هذا المال أو الطّعام سيشوّش عليه توكّله على الله تعالى فيتّكل على الطّعام والمال الّذي عنده وينسى الله تعالى ؛ فمن أجل ذلك نهى النّبيّ صلى الله عليه وآله وسلم عن الادّخار. وهناك حالة ثانية وهي أنّ بعض النّاس يصل في حالة مع الله عز وجل لا يرى غيره في الوجود ، فلا يرى فاعلا حقيقيا ولا متصرّفا ولا رازقا غير الله سبحانه وتعالى ففي هذه الحالة يجوز للإنسان أن يدّخر ولا يضرّه في إيمانه شيئا ؛ فمن أجل ذلك ادّخر النّبيّ صلى الله عليه وآله وسلم بعض المرّات.

(٣) المتوفّى بالغرفة سنة (١٣٨٤ ه‍) تقريبا ، ترجمته في «الشعراء» (٥ / ٢٣٥).

(٤) الشّيخ محمّد بن عبد الله باكريت ، أحد أعيان السّاحل الحضرميّ في القرن الثّامن الهجريّ ، تربّى بأبيه الشّيخ عبد الله بن أحمد ، المتوفّى سنة (٦٦٧ ه‍) ، وبالشّيخ الجليل المرشد الصّالح عبد الله القديم باعبّاد (ت ٦٨٧ ه‍) ، الآخذ عن الفقيه المقدّم محمد بن عليّ باعلويّ.

كان على قدم الصّلاح والعبادة والزّهد ، ذا مال وجاه ، وفي «تاريخ شنبل» في حوادث سنة (٧٧٦ ه‍) ذكر وفاة أحد أبنائه ، إلّا أنّه لسقم النّسخة لم يتبيّن المحقق اسم ذلك الابن.

وله آثار علمية. للشّيخ محمد باكريت هذا .. راتبه المشهور ، وهو مجموعة أذكار وأدعية.

والملاحظ أنّ كثيرا من أدعية وأذكار هذا الرّاتب تكرّر وتتلى في بعض مساجد تريم ، لا سيّما مسجد آل أبي علويّ خصوصا بعد صلاة العشاء.

٢٣٥

هو الّذي اختطّ سيحوت بإشارة شيخه القديم ، وكان خراجها خالصا له ، إلّا أنّه يهدي لمطبخ الشّيخ القديم ما تسمح به نفسه.

وبعضهم يكتب (باكريد) بالدّال ، وآخرون يكتبونه بالتّاء.

وفي حوادث سنة (٦٦٧ ه‍) [ص ٩٩] من «تاريخ شنبل» : (توفّي الأديب ، الصّالح ، الفقيه ، عفيف الدّين ، عبد الله بن أحمد باكريت ، والد الشّيخ المقبور بسيحوت) اه

ولم يذكر أنّه أوّل من اختطّها ، ولكنّ دفنه في غير المكان الّذي دفن فيه أبوه قد يشير إلى ذلك.

ولا يزال آل باعبّاد يتقاضون رسوما وأوقافا من بلاد المهرة حوالي سيحوت ، ومنه تعرف امتداد جاه باعبّاد ، وما أدري! أهو الّذي تأطّدت (١) به الدّولة الكثيريّة البائدة ، أم هو الّذي اتّسع بها؟ والمظنون أنّ كلا استفاد من الآخر.

وفي «بستان العجائب» للسّيّد محمّد بن سقّاف بن الشّيخ أبي بكر بن سالم ما يصرّح بأنّ السّادة آل عمر بن أحمد من آل الحامد بن الشّيخ أبي بكر بن سالم صاروا يشاركون آل باكريت في حاصلات سيحوت. والله أعلم (٢).

ومن وراء سيحوت : عتاب (٣) ، فيها قبيلتان من المهرة : آل ابن عقيد ، وآل ابن محامد.

__________________

ومن هذه الأذكار : (يا الله لنا بالسّعادة ، والخاتمة بالشّهادة. يا الله بدعوة مجابة ، والعرش مفتوح بابه. ربّ اسقنا غيث الإيمان ، غيث المودّة والإحسان. يا الله بنظرة من الله ، نظرة وفيها المسرّة). وغيرها ، وعدّة جمل «راتب باكريت» : (٢٥) جملة.

(١) كذا في الأصل ، ولعلها : توطّدت ؛ أي : ثبتت.

(٢) وبسيحوت معهد ورباط للعلم يسمّى رباط النّور ، أسّسه ودرّس فيه السّيّد الفاضل عليّ بن محمّد بن عليّ الحامد ، المولود بعينات سنة (١٣٢٣ ه‍) ، والمتوفّى سنة (١٣٨٤ ه‍).

(٣) عتاب ـ بفتحتين مخففا ـ : رأس جبلي في ساحل المهرة بالقرب من سيحوت ، وهو مركز إداري يشمل عددا من القرى ، منها : عوبر ، رخوت ، حبقيت ، ضدك ، جزول ، رغبون ، وغيرها.

٢٣٦

ثمّ قشن (١) ، وهي مدينة لا بأس بها ، يسكنها آل عفرار (٢) ، بيت سلطنة المهرة ، وهي قاعدة ملكهم في البلاد العربيّة ، ولا يزيد عددهم عن ثلاثين رجلا.

وفي قشن ناس من آل باعبده منسوبون إلى العلم ، يتوارث القضاء فيهم ، والقاضي فيهم لهذا العهد (٣) هو : الشّيخ امبارك بن سعيد باعبده ، وهو كسلفه لا يحتاج في تنفيذ أحكامه إلى أوامر سلطانيّة ، بل يتلقّاها النّاس بالقبول ، ويخضعون لها بهيبة الدّين وسلطانه على النّفوس ، وأكثر أحكامهم الإصلاح. وبهذا ذكرت ما كان في أيّام الأجداد ، وما كان يمثّله من أحوالهم في القضاء شيخنا الوالد علويّ بن عبد الرّحمن السّقّاف ؛ فإنّه لم يكن يستمدّ نفوذه من السّلطان ، وإنّما يستمدّه من صولة الحقّ ومهابة الدّيانة (٤).

ومن وراء قشن : صقر. ثمّ حصويل ، ثمّ رأس الفرتك ، ثمّ خيصيت ، ثمّ نشطوت ، ثمّ خلفوت ، ثمّ ضبوت ، ثمّ هروت. ثمّ محيفيف ، وهي : مرسى الغيضة الّذي كان بها مدفن المنصب السّيّد سالم بن أحمد (٥) ، وسيأتي في عينات ذكر سبب نجوعه إليها منها وما يتعلّق بذلك ، ولا يزال بها جماعة من أعقابه.

منهم : منصبها الآن : السّيّد عليّ بن أحمد.

ومنهم : المعمّر السّيّد عيدروس بن محسن ، توفّي بشعبان من سنة (١٣٦٦ ه‍) عن نحو من تسعين عاما.

__________________

(١) مدينة ساحلية في بلاد المهرة ، تقع في شمال شرق سيحوت ، يتكون خليجها من رأسين بارزين إلى البحر ، هما : رأس شروين ، ورأس درجة ، بينهما حوالي (١٩ كم). ويقع أحسن مكان لرسوّ السفن عند بندر لسك ، غربيّ قشن ، حيث تحتمي السفن من الرياح الجنوبية الغربية.

(٢) وقد تمال فيقال : عفرير.

(٣) أي : عهد المصنّف ، أواسط القرن الرّابع عشر الهجريّ.

(٤) آل باعبدة : أسرة معروفة بالعلم كما ذكر المصنّف ، ومنهم جماعة وفدوا على رباط تريم للأخذ عن الحبيب عبد الله الشّاطريّ ، ولا زال منهم قضاة ونوّاب عقود في قشن إلى اليوم.

(٥) سالم بن أحمد بن الحسين ابن الشّيخ أبي بكر بن سالم ، كان سيّدا فاضلا ، ذا جاه وحشمة توفّي بالغيضة سنة (١٠٨٧ ه‍) ، ويعرف عند النّسّابة وأصحاب الطّبقات العلويّة بسالم المهاجر.

٢٣٧

ومنهم : ولده عمر ، شابّ نشيط ، يخوض غمرات البحور للملاحة ، وقد جرت له فيه أمور هائلة في هذه الحرب المشؤومة.

وفيها سادة من آل باعبود.

منهم : قاضيها الآن : السّيّد سالم بن عليّ بن زين باعبود.

وفيها ناس من بيت كلشات وبيت كدّه ، كلاهما من المهرة.

ومن وراء محيفيف إلى المشرق : أيروب ، ثمّ الفيدميّ ، ثمّ الحصن ، ثمّ من ورائه متشاملا : مكان الشّيخ محمّد بن عبد الله الجوهريّ ، وهو جبل بساحل البحر.

ثمّ الفتك ، ثمّ دمقوت ، ثمّ جاذب ، ثمّ حوف. وهذه كلّها ابتداء من درفات بلاد المهرة.

ثمّ تبتدىء أعمال ظفار ، وأوّلها : رخيوت. ثمّ ريسوت السّابق ذكرها عند حصن الغراب ، وكلاهما مراس. ثمّ ظفار.

وقد ذكر ابن الحائك بعض هذه المراسي بأسماء تغاير ما هي عليه الآن ، فإمّا أن تكون تبدّلت الأسماء ، وإمّا أن تكون دثرت تلك وتجدّد غيرها.

فقال : (وأمّا إحاطة البحر باليمن من ناحية دما فطنونى ، فالجمجمة ، فرأس الفرتك ، فأطراف جبال اليحمد وما سقط منها وانغار إلى ناحية الشّحر ، فالشّحر ، فغبّ القمر ، فغبّ الحيس ، فغبّ العبب بطن من مهرة ، فالحريج ، فالأشفار) اه (١)

وفي «القاموس» : (غبّ القمر : موضع بين الشّحر وظفار).

قال بامخرمة : (وهو المعروف اليوم بعثة القمر ، وهو موضع خطر ، إذا سقطت إليه السّفن .. قلّ أن تسلم) اه

__________________

(١) ورد بعض هذه الأسماء بغير هذا التّرتيب وبعضها بغير الاسم في «صفة جزيرة العرب» (٩٠ ـ ٩١) ، فقال : وأوّل إحاطة البحر باليمن من ناحية دما فطنوى ، فالجمجة ، فرأس الفرتك ، فأطراف جبال اليحمد وما سقط وانقاد منها إلى ناحية الشّحر ، فالشّحر ، فغبّ الخيس ، فغبّ الغيث ـ بطن من مهرة ـ فغبّ القمر ـ زنة قمر السماء ـ فغبّ العقار ـ بطن من مهرة ـ فالحيرج ، فالأسعاء.

٢٣٨

وقد سبق أكثر هذا في حصن الغراب ، وفي (ص ٢٥٨) مجلد أول من «معجم ياقوت» [١ / ١٩٨] : (الأشفار كأنّه جمع شفر ، وهو الحدّ ، بلد بالنّجد من أرض مهرة ، قريب حضرموت بأقصى اليمن ، له ذكر في أخبار الرّدّة) اه

وكثيرا ما تشتبه الأشفار بالأشحار السّابق ذكرها عن بامخرمة في الشّحر ، فليتنبّه لذلك.

ولظفار ذكر كثير ب «الأصل» [٣ / ٤٣] ، وفيه : إمارة السّيّد محمّد بن عقيل السّقّاف (١). ثمّ إمارة السّيّد فضل بن علويّ مولى خيله (٢) ، ونزيد هنا : أنّ الّذي قام في توثيق الأمر للسّيّد فضل هو : عوض بن عبد الله الشّنفريّ ، الملقّب بعوض الموت ، ثمّ كان أكبر الساعين لإبعاده (٣).

وسلطانها اليوم سعيد بن تيمور بن فيصل بن تركيّ ، وهو داخل تحت الحماية

__________________

(١) هو السيد الشريف : محمد بن عقيل بن عبد الله بن عقيل بن عبد الله بن أبي بكر بن علي بن عقيل بن عبد الله بن أبي بكر بن علوي بن أحمد ابن الشيخ أبي بكر السكران بن عبد الرحمن السقاف. ولد بظفار ، وبها مات مقتولا سنة (١٢٣٨ ه‍) ، قيل عنه في «الشجرة» : (كان ذا ثروة عظيمة ، وهمة علية ، تولّى جهة مرباط وظفار ، وأقام فيها سنتين ، يعزل ويولي ، ثم قتل ظلما ، قتله عبده سنة ١٢٣٨ ه‍) اه

وكان للسيد محمد تجارة كبيرة ، وكانت له مراكب تسير إلى سواحل إفريقيا الشرقية وجاوة والهند ، وقد أسر مرة مركبا هولنديا من مرسى بتاوي في قصة غريبة. وأغرب صلاح البكري فزعم أن السيد محمدا حكم ظفار لمدة عشرين سنة ، ولم يذكر هذا غيره. «التاريخ السياسي» (٢ / ٢٠٧).

(٢) السيد فضل مولى خيله ، هو السيد العلامة الجليل أمير ظفار ، فضل بن علوي بن محمد بن سهل ، ولد بمليبار سنة (١٢٤٠ ه‍) ، وبها نشأ وتعلم ، وهاجر إلى مكة المكرمة ، وزار الآستانة العلية في عهد السلطان عبد العزيز خان. واختاره أهل ظفار أميرا عليهم سنة (١٢٩٢ ه‍) ، ودانت له القبائل ، وظل عليها إلى سنة (١٢٩٧ ه‍) ، فثارت عليه القبائل فعاونه الإنكليز على ردعهم.

وعاد إلى الآستانة ، وكانت له حظوة عند السلطان عبد الحميد ، وخلع عليه بعض النياشين السامية ، وأنعم عليه بلقب باشا .. وتوفي بالأستانة سنة (١٣١٨ ه‍). له ذرية في سورية وتركيا وغيرهما .. وله مصنفات عديدة. ينظر : «الأعلام» (٥ / ١٥٠) ، «الأعلام الشرقية» (١ / ٢٣) ، «معجم المطبوعات» (١٤٢١).

(٣) أما اليوم .. فإن ظفار ضمن الحدود السياسية لسلطنة عمان ، وبظفار قاضيان ، أحدهما للإباضية ، والآخر للشافعية ، وقد كان القاضي بها في زمن المؤلف هو السيد أحمد بن محمد الغزالي البيتي ، المترجم له سابقا في حجر.

٢٣٩

الإنكليزيّة من أيام جدّه ، إلّا أنّه متمسّك بسائر حقوقه ، ولم يظفروا منه بغير مطار في موضع يقال له : صلاله ، على مقربة من ظفار ، وهو لا يمكّن الإفرنج من الاختلاط برعاياه ، ولا بدّ لمن أراد حاجة من سوق ظفار أن يأخذ عسكريّا معه ذهابا وجيئة ، ويأخذ العشور في كلّ ما يصلهم في الطّيّارات وغيرها ، ولا يبيح لهم التّداخل في شيء ما من أحوال بلاده ، ورفض أن يقبل عملتهم بالورق ، ولا تزال عملة بلاده بالرّيال الفرانصة إلى اليوم ، إلّا أنّه لا يبيح لامرأة من رعاياه أن تتزوّج بغيرهم (١) ، وعنده قاضيان : قاض للإباضيّة ؛ ومنهم : السّلطان والعائلة المالكة ، وقاض شافعيّ هو السّيّد أحمد بن محمّد البيتيّ من آل محمدة بحجر.

وقد عوّد الله أهل ظفار هطول الأمطار من نجم الشّول إلى تمام ثلاثة أشهر بلياليها ، لا يتخلّف عنهم هذا الموسم أبدا ، وقد تأتيها الأمطار في غير ذلك الوقت ، وخيراتها دارّة ، وبركاتها كثيرة ، ويتحدّث النّاس أنّ بها عود الإكسير.

وفي ظفار ناس من السّادة آل عمر باعمر ، وآل الحدّاد ، وآل باعبود ، وبيت واحد من آل الشّيخ أبي بكر ، وقبائل ضواحيها من آل كثير ، فمنهم : المراهين ، يبلغون ثلاثين رجلا. وآل فاضل ، يبلغون عشرين. والشّنافر ، يبلغون خمسين. وبيت راس ، خمسون. وآل عليّ بن كثير ، نحو ستّ مئة رجل.

وممّا يجب أن يلفت النّظر إليه : أنّ الشّنافر بيت من بيوت آل كثير لا يعمّهم فضلا أن يطلق على من سواهم.

وقبائل المهرة كثيرة ، يبلغ مجموعها اثني عشر ألف رجل ، منهم : آل اليزيديّ ، لا ينقصون عن ثمان مئة رجل ، وهم بسيحوت. وآل بن كلشات بالغيضة ، وحصويل نحوهم. وآل الجدحيّ (٢) بقشن ، كذلك نحو سبع مئة. وآل ابن عبنان كذلك ببادية الغيضة نحو سبع مئة. وآل عفرار ـ بيت السّلطنة ـ لا يزيدون ـ كما مرّ ـ عن ثلاثين ،

__________________

(١) أي : بغير رعاياه.

(٢) ومن آل الجدحي هؤلاء ، طلاب علم نجباء ، درسوا في رباط العلم بتريم ، ولا زال به إلى اليوم بعض منهم.

٢٤٠