إدام القوت في ذكر بلدان حضر الموت

السيّد عبد الرحمن بن عبيد الله السقّاف

إدام القوت في ذكر بلدان حضر الموت

المؤلف:

السيّد عبد الرحمن بن عبيد الله السقّاف


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار المنهاج للنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ١١١٠

هذين ، وأكثرت من التّعجّب ؛ إذ لم يكن الشّيخ عبد الله بافضل (١) يوم توفّي الشّيخ العيدروس إلّا وهو في أوان البلوغ (٢) ، فكنت أستخرج به الاعتبار من الإخوان (٣) ، ولكن تبيّن لي بعد ذلك أنّ المراد إنّما هو مختصر للعلّامة الفقيه عبد الله بن فضل بن محمّد الحاج (٤) ، المتوفّى حوالي سنة (٨٣٤ ه‍).

وبالشّحر استشهد الشّيخ أحمد بن عبد الله بن عبد الرّحمن بلحاجّ (٥) ، ابن السّابق ، وكان ذلك في سنة (٩٢٩ ه‍) (٦).

وتولّى القضاء بالشّحر جماعات من أهل الفضل ، منهم : الشّيخ عبد الله بن عبد الرّحمن باكثير ، المتوفّى في حدود سنة (٩٢٠ ه‍) (٧).

__________________

(١) ومن مؤلفاته : المختصرات ، الكبير : ويسمى «المقدمة الحضرمية» أو «مسائل التعليم» ، والصغير : ويسمى «المختصر الصغير».

وله أيضا : «منسك الحج» ، و «نزهة الخاطر في أذكار المسافر» ، و «حلية البررة في أذكار الحج والعمرة» ، و «الحجج القواطع في معرفة الواصل والقاطع» في صلة الرحم ، ومؤلف في معرفة القبلة ، ومجموع فتاوى.

(٢) إذ وفاة العيدروس كانت سنة (٨٦٥ ه‍).

(٣) أي : بنباهة الشّيخ بافضل وتأليفه المختصر ، وهو في سنّ صغير.

(٤) ولد العلامة عبد الله بن فضل بتريم ، وتفقه على عمه الشيخ أبي بكر بن محمد الحاج ، وصحب الشيخ عبد الرحمن السقاف ، وأصهر الشيخ السقاف عنده على ابنته وأولدها ابنه إبراهيم بن السقاف ، كما أخذ عن الشيخ سعد بامدحج ، والفقيه محمد بن حكم باقشير.

سمعه بعض تلامذته وهو في مرض موته يقول : إن سلمت من هذا المرض .. درت على الناس في ديارهم لأعلمهم ؛ لما رأى من غفلتهم وإعراضهم عن العلم.

وهو جدّ العلامة محمد بن أحمد بافضل العدني ، المتوفى سنة (٩٠٣ ه‍) ، ترجمته في «صلة الأهل» (١٢٦ ـ ١٢٩). «شنبل» (١٧٣).

(٥) أحمد الشّهيد ابن الفقيه عبد الله بلحاج بافضل (٨٧٧ ـ ٩٢٩ ه‍) ، ولد بتريم ، أخذ عن أبيه والفقيه محمّد بن أحمد بافضل العدني ، ويونس بن يونس المصريّ ، والمزجّد ، له تعليقات على «الإرشاد» و «الروض» ، وله الخطب الّتي تقرأ في رمضان.

(٦) كان استشهاده على أيدي البرتغال لمّا غزوا الشّحر ، يوم الجمعة (١١) ربيع الثّاني سنة (٩٢٩ ه‍).

«النور السافر» سنة (٩٢٩ ه‍) «السناء الباهر» ، «شذرات الذهب» (١٠ / ٢٢٥ ـ ٢٢٦) ، «الأعلام» (١ / ١٦٠) وذكره بافقيه عرضا في حوادث تلك السّنة.

(٧) ترجمته في «البنان المشير» (١٩) ، وفيه : أنّه كان ذا حال كبير ، له مجاهدات عظيمة ، كان أكله

٢٠١

ومنهم : الشّيخ محمّد بن عمر بن امبارك بن عبد الله بن عليّ بحرق ، الحميريّ ، الحضرميّ (١) ، صاحب المؤلّفات الكثيرة ، توفّي سنة (٩٣٠ ه‍) ، وكان أن اختلف هو وابن عبسين في مسألة .. استطار فيها النّزاع ، واشتهرت بين النّاس ، فجاء ابن عبسين ومعه كتاب «الرّوضة» للنّوويّ ، فأوقف بحرقا على النّصّ ، فلم يكن منه إلّا أن صعد المنبر وخطب وقال : إنّ المسألة الّتي اختلفت فيها أنا وابن عبسين كان الحقّ فيها معه ، فسجّل لنفسه بذلك ثناء عاطرا ، واستخرج من النّاس له ترحّما وافرا ، فرحمة الله على أهل الإنصاف (٢).

ومن أجلّاء علماء الشّحر وقضاتها : الشّيخ عبد الله بن عمر بن عبد الله بامخرمة (٣)

__________________

في الأسبوع لا يزيد على قرص من الطّعام ، ولا يأكل السّمك في السّنة إلّا خمس مرّات ، ومن كلامه : المريد يخاف أن يقع في المعاصي ، والعارف يخاف أن يقع في الكفر.

(١) الشّيخ الإمام الفقيه الكبير ، مولده في شعبان سنة (٨٦٩ ه‍) بالشّحر ، ووفاته بالهند ، من أشهر علماء عصره ، كان إماما متفنّنا ، له تصانيف كثيرة طبع بعضها منها : «حدائق الأنوار ومطالع الأسرار في سيرة النبي المختار صلى الله عليه وسلم» وهو من إصدارات دار المنهاج ، و «الحديقة الأنيقة شرح العروة الوثيقة» ، و «الأسرار النبوية مختصر الأذكار النووية» ، و «حلية البنات والبنين وزينة الدنيا والدين» ، و «السيف المسلول» ، و «مواهب القدوس في مناقب العيدروس» أي : شيخه ، و «شرح لامية ابن مالك» ، و «مختصر شرح لامية العجم». مصادر ترجمته : «النّور السّافر» ، «السّناء الباهر» ، «الضّوء اللّامع» (٨ / ٢٥٣) ، «شذرات الذهب» (١٠ / ٢٤٤) ، «الأعلام» (٦ / ٣١٥).

(٢) قال العيدروس : (ولا يخفى ما في هذه الحكاية من المنقبة العظيمة له ، الّتي تشهد بغزارة علمه ، وكثرة اطّلاعه ، وفيها ما يدلّ على تواضع الفقيه بحرق وإنصافه من نفسه ، واعترافه بالحقّ ورجوعه إليه ، وهذا عزيز إلّا على من وفّقه الله تعالى ، وعصمه من الهوى ، ورزقه الإخلاص في العلم ، ولله درّهما ، وهكذا فلتكن العزائم ، وهذه والله هي المناقب ، ولمثلها فليعمل العاملون ، وفيها فليتنافس المتنافسون) اه «النّور السّافر» (٧٩).

(٣) الإمام الجليل المفتي القاضي الحبر البحر ، مولده بالشّحر في (١٠) جمادى الثّانية سنة (٩٠٧ ه‍) ، ووفاته بعدن في (١٠) رجب سنة (٩٧٢ ه‍). كان أفقه فقهاء عصره ، ونادرة دهره ، تفقه بوالده الولي الشيخ عمر ، وبعمه الشيخ المؤرخ الطيب ، والقاضي العلامة عبد الله باسرومي تلميذ الإمام عبد الله بلحاج بافضل ، وجد واجتهد حتى انتهت إليه رئاسة العلم والفتوى في اليمن ، وقصد بالفتاوي ، حتى قال عمه الطيب : (لا أستطيع ما استطاع عليه ابن أخي في حل المشكلات ، وتحرير الجوابات على المسائل العويصات الغامضات). من أجل تلامذته : الفقيه محمد بن عبد القادر

٢٠٢

وقد استوفينا ترجمته وأخباره مع بدر بوطويرق بالشّحر في «الأصل» [١ / ٣٩٩].

ومن أهل الشّحر : الشّيخ عبد الله بن أحمد بافلاح (١) ، نشأ بها ، ثمّ أبحر إلى الهند ، ولبث زمانا في خدمة السّيّد الجليل شيخ بن عبد الله العيدروس (٢) ، ثمّ صحب بعده ولده العلّامة السّيّد عبد القادر بن شيخ العيدروس (٣) ، وذكره في مواضع كثيرة من «النّور السّافر» (٤).

ومن كبار أهل الفضل بالشّحر : تاج العارفين الشّيخ سعد بن عليّ الظفاريّ ، نجع إليها من ظفار واستوطنها ، ونسبه يرجع إلى الجحافل وهم من مذحج ، بنو جحفل بن الحارث بن حرب ، من بني علّه من مذحج كما في «روضة الألباب» للشّريف محمّد أبي علامة ، ولا يزال بالدثينة مثرى علّه إلى اليوم. وتوفّي بها في سنة (٦٠٩ ه‍) (٥).

__________________

الحباني الإسرائيلي المتقدم ذكره في حبّان ، والفقيه الشيخ محمد بن عبد الرحيم باجابر ، المتقدم ذكره في بروم وله مؤلفات نافعة. ترجمته في المصادر التّالية : «النّور السّافر» ، و «السّناء الباهر» حوادث سنة (٩٧٢ ه‍) ، وكذا «تاريخ الشّحر» لبافقيه ، «تاريخ الشّعراء الحضرميّين» (١ / ١٥٧) ، «شذرات الذهب» (١٠ / ٥٣٦) ، «الأعلام» (٤ / ١١٠) ، «معجم المؤلفين» (٦ / ٩٥) ، و «مصادر الفكر الإسلاميّ في اليمن» : (٥٤٠ ، ٢٣٦).

(١) عبد الله بن أحمد بافلاح الشّحريّ (٩٥٥ ـ ١٠٢٠ ه‍) ، فقيه عالم متصوّف ، ولد بالشّحر سنة (٩٥٥ ه‍) ، وتوفّي بأحمدآباد بالهند سنة (١٠٢٠ ه‍). «تاريخ الشّعراء الحضرميين» (١ / ١٨٥ ـ ١٨٨).

(٢) هو السّيّد شيخ الأوسط ابن عبد الله بن شيخ الأكبر ابن الإمام عبد الله العيدروس (٩١٩ ـ ٩٩٠ ه‍) ، ولد بتريم ، وتوفّي بأحمدآباد ، ترجمته في : «المشرع الرّويّ» ، «النّور السّافر» ، «شرح العينيّة» ، «مرآة الشّموس».

(٣) مصنّف «النّور السّافر» (٩٧٨ ـ ١٠٣٨ ه‍) .. ولد بالهند ، وتوفّي بها بأحمدآباد ، ترجم لنفسه في «النّور السّافر» ، وترجم له في «عقد الجواهر والدرر» ، و «خلاصة الأثر».

(٤) منها : في حوادث سنة (٩٧٠ ه‍) ، وحوادث سنة (٩٧٩ ه‍) ، وسنة (٩٩٠ ه‍) ، وسنة (٩٩٨ ه‍) ، وأورد له في «الشعراء» نماذج متعددة من شعره الحسابي ؛ إذ قد برع في التاريخ بحساب الجمّل.

(٥) الشّيخ سعد الدّين الظّفاريّ الشّحريّ (... ـ ٦٠٧ ه‍) ، من كبار الصّالحين والعارفين بالله ، مولده ونشأته في (ظفار) ، وبها أخذ العلم عن السّيّد الجليل الإمام محمّد بن عليّ صاحب مرباط ، المتوفّى بها سنة (٥٥٦ ه‍) ، ومن هنا نعلم أنّ مولد صاحب التّرجمة كان قبل سنة (٥٤٠ ه‍) يقينا. ومن شيوخه : العلّامة العارف عبد الله الأسدي ، الآخذ عن ابن الحدّاد ، الآخذ عن الشّيخ الكبير الإمام

٢٠٣

وله ذرّيّة ومنصب بالشّحر ، يقوم به الآن الشّيخ سعد بن سعيد الظفاريّ (١) ، رجل خفيف الرّوح ، له نوادر أشهى إلى النّفوس من نوادر أبي دلامة ، ولذلك أحبّه السّيّد حسين بن حامد المحضار.

ومن نوادره : أنّه شكا إلى بعض أهل الثّروة موت حماره ، وطلب منه أن يساعده لشراء البدل عنه ، وما كاد يتلّه (٢) في يده إلّا وضجة من رعاع النّاس ، فقالوا : ماذا؟ قيل : حمار الشّيخ سعد هرب إلى خارج المدينة! فتبعوه وردّوه ، وها هم أولاء يزفّون به ، فقال له الثّريّ : ماذا ترى؟ قال : لو أحياه الله وردّه قبل أن أقبض الدّراهم .. لكانت لك السّعة في استرجاعها ، وأمّا الآن .. فلا.

وله ردّ على «نحلة الوطن» للسّيّد حسن بن علويّ بن شهاب ، أعانه عليه ـ فيما يقال ـ شيخه العلّامة الجليل السّيّد علويّ بن عبد الرّحمن المشهور ، ولذلك خبر طويل مستوفى ب «الأصل».

وبالشّحر جماعة من العلويّين ، منهم : آل باحسن (٣) ، أحدهم السّيّد علويّ بن عبد الله بن محمّد باحسن (٤) ، كان من المتفنّنين في العلم ، شغوفا بتحصيل الكتب ومطالعتها ، ولا سيّما كتب الجلال السّيوطيّ.

__________________

عبد القادر الجيلاني ، نفع الله بهم ، توفّي الأسديّ سنة (٦٠٢ ه‍) بقرية الحويّة.

من أشهر تلامذته : الفقيه محمّد بن عليّ باطحن الظّفاريّ كتب ترجمة لشيخه سعد الدّين ، وأورد فيها بعض مكاتبات جرت بينه وبين الإمام الفقيه المقدّم ، وللعلّامة باطحن المذكور شرح على هذه الرّسائل. وتاريخ وفاته كما نقله باحسن عن باطحن (٦٠٧ ه‍) ، وليس (٦٠٩ ه‍) كما ذكر المصنّف ، ينظر : «تاريخ الشّحر» لباحسن (٢ / ١٣٨ ـ ١٤٢) (خ).

(١) الشّيخ سعد بن سعيد ، من أهل الشّحر المشهورين بالظّرافة ، توفّي حدود سنة (١٣٩٠ ه‍) ، وقد عمّر ، ولا زال أهل الشّحر يروون نوادره إلى اليوم.

(٢) يتلّه : يضعه.

(٣) آل باحسن جمل اللّيل أهل الشّحر ينسبون إلى السّيّد : عبد الله بن محمّد المجذوب ابن سالم بن أحمد بن عبد الرّحمن بن عليّ ابن الشّيخ محمّد باحسن جمل اللّيل بن حسن .. إلى آخر النّسب.

ومنهم السّادة آل باهارون ، أهل الحامي ، ونسبهم إلى السّيّد محمّد بن هارون بن الفقيه علويّ بن عبد الله .. إلخ.

(٤) سرد الإمام أحمد بن زين الحبشيّ بعضا من سيرته ومناقبه في «شرح العينية» ، وهو السّيّد الجليل :

٢٠٤

دخل الهند في مقتبل شبابه ، وأقام بها مدّة حصّل فيها علم الحديث (١) ، ثمّ خرج إلى حضرموت وأقام ببور ، وكان يتردّد إلى تريم ، ويجتمع بالشّيخ عبد الرّحيم بن محمّد باكثير (٢) على مطالعة الكتب الفقهيّة ، ثمّ حجّ وزار ، وأخذ عمّن بالحرمين من العلماء ، وعاد إلى حضرموت ، فطلب منه السّلطان عليّ بن بدر أن يتولّى القضاء بالشّحر ، فأقام بها على القضاء والتّدريس بالجامع إلى أن مات. وكانت إليه الإمامة والخطابة أيضا.

__________________

علويّ بن عبد الله بن محمّد ـ صاحب بور ـ ابن عبد الله بن محمّد بن سالم .. إلخ النسب المتقدم ، توفّي جدّه محمّد صاحب بور بالهند ببلدة بيجافور ، سنة (١٠٤٨ ه‍) ، وأمّا هو .. فقد توفّي قبل سنة (١١٢٤ ه‍). «شرح العينية» (٢٧٧).

(١) قال الحبيب أحمد بن زين : (وطلب الحديث ، وطالع كتبه ، ولعلّه أدرك هناك أحدا من الحفّاظ المتقنين في هذا الشأن) اه

وكان بدء انتشار علم الحديث في الهند في القرن العاشر الهجريّ ، ومن أوائل من قدم الهند ونشره بها : الشّيخ الإمام العلّامة عبد المعطي بن حسن باكثير المكيّ ، المتوفيّ بأحمدآباد سنة (٩٨٩ ه‍) ، ودخلها آنذاك عدد من علماء مكّة أيضا ؛ منهم : الشّيخ محمّد بن أحمد بن عليّ الفاكهيّ ، المتوفى سنة (٩٩٢ ه‍) وغيرهما .. وظهر صاحب «مجمع البحار» العلّامة محمد طاهر الفتني ، المتوفّى سنة (٩٨٦ ه‍) ، وكان طلبه العلم في الحرمين الشريفين.

وأمّا النّهضة الحديثيّة الكبرى .. فكانت إفاضتها على بلاد الهند بعد مقدم الشّيخ الإمام عبد الحقّ الدّهلويّ ، المتوفّى بدهلي سنة (١٠٥٢ ه‍) ، وليس هو أوّل من جاء بالحديث إلى الهند كما يزعم البعض ، لكن نفع الله بعلومه كثيرا ، ثمّ قام بعده ولده نور الحقّ ، المتوفّى سنة (١٠٧٣ ه‍). وتصدّى لنشره أيضا الإمام أحمد السّهرندي أو السّرهندي ، وولده محمّد سعيد شارح «المشكاة» وأبناؤه وتلاميذه. وهؤلاء كلهم ظهروا في القرن الحادي عشر الهجريّ إبّان وجود الشّريف علويّ باحسن في الهند ، فلعلّه لقي أحدا منهم.

(٢) الفقيه العلّامة القاضي عبد الرّحيم بن محمّد بن عبد الله المعلّم ابن عمر بن قاضي باكثير ، أخذ العلم عن الشّيخ عامر بن أحمد بن طاهر الخولانيّ ، وعليّ بن حسين بامهير ، وبمكّة عن الشّيخ العلّامة عبد الله القدري باشعيب المكيّ ـ الآتية ترجمته في الواسطة ـ تولّى القضاء بتريم مدّة ، وجرت له حادثة شهيرة سنة (١٠٩٦ ه‍) في رؤية الهلال ، كان الصّواب فيها حليفه ، وانتصر على عصريّه الفقيه محمّد بن عبد الله باعليّ. قال فيه ولده الفقيه عليّ يفتخر به :

وحسبي به إذ يفخر ابن بوالد

وجدّي أبوه حبّ ذلكم الجدّ

«البنان المشير» (٧٦ ـ ٨٠) ، ولم يؤرّخ فيه لمولده ولا لوفاته.

٢٠٥

وهو من تلاميذ القطب الحدّاد ، وخلفه على الخطابة والإمامة ولده عبد الرّحمن (١) ، وما زال أعقابه بالشّحر.

ومنهم : الفاضل السّيّد عبد الله بن محمّد باحسن (٢) ، مؤلّف «تاريخ الشّحر» المعروف ، وصاحب الأشعار الرّقيقة ، الّتي لا يزال يتغنّى بها أهل المكلّا والغيل والشّحر في مجالس أنسهم وأفراحهم ، ولا أدري هل جمعها ديوان أم لا توجد إلّا في صدور الأشخاص؟

وقد أعانه على الإجادة في شعره أنّه قلّما سمع قصيدة أعجبته إلّا عارضها ونسج على منوالها.

ومن فضلاء العلويّين بالشّحر : السّيّد أحمد بن ابن الشّيخ أبي بكر ابن سالم ، وكان أزهد أولاد الشّيخ أبي بكر توطّن الشّحر وتوفّي بها في سنة (١٠٢٠ ه‍) ، وله ابنان :

الأوّل : ناصر (٣) ، والد السّيّد أحمد (٤) شيخ القطب الحدّاد ، وقد عقدا بينهما

__________________

(١) هو عبد الرّحمن بن علويّ ، الملقّب جلال الدّين ، لقّبه به والده لفرط محبّته في الإمام جلال الدّين السّيوطي ، لم يؤرّخ لوفاته ، وذكر السّيّد ضياء شهاب أنّ له عقبا بالحامي.

(٢) السّيّد عبد الله باحسن ، قدّمنا عنه نبذة مختصرة ، وهو ليس من ذرّيّة السّيّد علويّ المترجم له ، ولكنّه يجتمع معه في السّيّد سالم بن أحمد بن عبد الرّحمن بن عليّ .. إلخ النسب المتقدم. واسم السّيّد عبد الله المذكور كاملا : عبد الله بن محمّد بن عبد الله بن أبي بكر بن سالم بن عبد الله بن محمّد بن سالم بن أحمد .. إلخ.

(٣) ناصر الدّين بن أحمد ابن الشّيخ أبي بكر ، ولد بعينات ، وتوفّي بالشّحر سنة (١٠٥١ ه‍) ، كان سيّدا زاهدا ناسكا ، ترجم له في «المشرع».

(٤) أحمد بن ناصر بن أحمد ، كان سيدا فاضلا صالحا ، أميا ، سليم الصدر ، زاهدا في الدنيا ورياستها ، غائبا عن أحوال أهلها وما هم عليه ، لا يعرف الدينار من الدرهم ، وله كرامات كثيرة ، وللناس فيه اعتقاد. توفي في شهر ذي الحجة (١٠٨٣ ه‍) ، أخذ عنه الإمام الحداد ، وقال فيه : (لما اجتمعنا بالسيد أحمد بن ناصر بالشحر ، وجدناه فوق ما توهمناه ، يعني من الكمال ، وكان يغلب عليه الحال والذهول في أكثر أوقاته) ، وعده في شيوخه في «قصيدته العينية» ، وقال في حقّه :

وكصاحب الشحر ابن ناصر أحمد

من بالعناية والرعاية قد رعي

«بهجة الزمان» : (٣٤ ـ ٣٦) ، «شرح العينية» (٢٦٥ ـ ٢٦٦).

٢٠٦

عقد الصّحبة ، وبحثت عن تاريخ وفاته في «شرح العينيّة» و «عقد» سيّدنا الأستاذ الأبرّ فلم أظفر به ، ولكن قال في «شمس الظّهيرة» : (إنّه توفّي سنة ١٠٨٣ ه‍) (١).

والثّاني : شيخ ، ومن أعقابه مناصب آل الشّيخ أبي بكر بالشّحر ، ومنهم الآن : الولد الفاضل ، عبد الله بن عبد الرحمن بن محمّد (٢) ، القائم بمدرسة الشّحر أحسن القيام.

ومن العلويّين بالشّحر : السّيّد عبد الله بن شيخ بن عبد الله بن شيخ بن عبد الله بن شيخ بن عبد الله العيدروس (٣) ، ترجم له في «المشرع» [٢ / ٣٨٥ ـ ٣٨٧] وأطال ، وذكر أنّه ألقى عصى التّرحال آخر أمره بالشّحر ، وبها كانت وفاته سنة (١٠٧٣ ه‍) ، وفي «شمس الظّهيرة» [٢ / ١٠٦] أنّها كانت في سنة (١٠٧٦ ه‍).

وهو جدّ آل محمّد بن جعفر برملة تريم ، وجدّ آل العيدروس بالشّحر (٤) ، ومنهم الآن :

المنصب الفاضل حسين بن عبد الله بن حسين العيدروس.

__________________

(١) «شمس الظّهيرة» (١ / ٢٧٦).

(٢) كان عالما فاضلا ، ولد بالشّحر سنة (١٣٠٩ ه‍) ، وبها توفّي في (٢٣) شوال (١٣٨٤ ه‍). أخذ عن الشّيخ محمّد بن سلم ، بغيل باوزير ، ثمّ توجّه إلى تريم ، ومكث بها سنتين في الرّباط عند الحبيب عبد الله بن عمر الشّاطريّ ، وفي سنة (١٣٤١ ه‍) اختير مديرا لمدرسة مكارم الأخلاق ، ومكث بها (٣٠) عاما ، إلى سنة (١٣٧٠ ه‍) ، ثمّ افتتح رباطا سمّاه : «رباط المصطفى» وظلّ يدرّس فيه إلى سنة (١٣٧٩ ه‍) ، إذ أصيب بفالج ألزمه الفراش حتّى وفاته.

وترجم له العلّامة عبد القادر الجنيد في «العقود الجاهزة».

(٣) المعروف بعبد الله بن شيخ الأصغر ، وهو صاحب الشّحر ، أمّا الأوسط .. فمقبور بتريم ، وأمّا الأكبر .. فبالهند. ولد بتريم سنة (١٠٢٧ ه‍) ، وتوفّي سنة (١٠٧٣ ه‍) على الأرجح ، أخذ عن القشاشي بمكة ، وعن ابن عمّه عبد الرّحمن السّقّاف ابن محمّد العيدروس ، وبمكّة أخذ أيضا عن عبد العزيز الزّمزميّ ، وشيخ الإسلام عبد الله سعيد باقشير ، ورحل إلى الهند ، ولقي بها ابن عمّه السّيّد العلّامة جعفرا الصّادق ابن زين العيدروس ، ولازمه برهة ، وأخذ عنه ، ثمّ عاد إلى الشّحر ، وبها توفّي في (١٥) القعدة (١٠٧٣ ه‍). ترجم له معاصره وقرينه في الطّلب السّيّد محمّد الشلّيّ في كتابيه «المشرع» ، و «الجواهر والدّرر» ، وقبره في الجانب الشّرقيّ من الشّحر.

(٤) آل العيدروس بالشّحر هم ذرّيّة السّيّد عمر ابن الإمام عبد الله بن شيخ الأصغر صاحب الشّحر.

٢٠٧

والفاضل النّبيل السّيّد زين بن شيخ بن عمر العيدروس.

ومن العلويّين بالشّحر : آل بافقيه ، يرجعون إلى عبد الرّحمن بافقيه بن محمّد عيديد (١) منهم : الصّالح الفاضل شيخ بن عبد الله بن شيخ بن عبد الله بن عليّ بافقيه ، المتوفّى بها سنة (١١٨٦ ه‍) (٢).

ومنهم : حفيده أحمد بن عبد الله بن شيخ (٣).

ومنهم : ابنه شيخ بن أحمد ، ولد بالشّحر ، ثمّ رحل في طلب العلم إلى الحجاز ومصر ، ثمّ طوّحت به الأسفار إلى سربايا من أرض جاوة ، وهناك كان له ظهور عظيم وشهرة هائلة ، وجرت على يديه خوارق ، وظهر منه تخريق ، قاله بمعناه شيخنا المشهور في «شمس الظّهيرة» (٤) ، وكانت وفاته بسربايا سنة (١٢٨٩ ه‍) (٥).

__________________

(١) آل بافقيه أهل الشّحر الّذين ينسبون للسيّد عبد الرّحمن بافقيه بن محمّد مولى عيديد ، المتوفّى بتريم سنة (٨٨٤ ه‍) ، وليس منهم من سيذكرهم المصنّف لاحقا. وإنّما ذرّيّة عبد الرّحمن هذا : آل الطيّب بافقيه.

(٢) وقد قدّمنا أنّ من سيأتي من الأعلام ليسوا من ذرّيّة عبد الرّحمن بافقيه ، بل من ذرّيّة أخيه عبد الله الأعين النّسّاخ ، كما سيأتي ، وإنّما لزم التّنبيه خوفا من الالتباس ، لما يقتضيه العطف.

(٣) كان السّيّد أحمد هذا من العلماء العاملين ، والأولياء الصّالحين ، قال صاحب «تاريخ مرداد» : (هو السّيّد أحمد بافقيه بن عبد الله الشّافعي المكّيّ ، الفاضل الأديب. أخذ عن عدّة مشايخ ، من أجلّهم السّيّد أحمد دحلان ، ونجب ومهر في علم الأدب والنّحو ، نظم ونثر. وكان مولده بمكّة المشرّفة ، ونشأ بها ، ثمّ كف بصره ، فسافر إلى الهند فتعالج هناك وأبصر ، ثمّ رجع إلى مكّة ، ومكث بها مدّة ، ثمّ سافر إلى الهند مع أكبر أبنائه ، وهو السّيّد شيخ) اه «المختصر» (٧٥).

(٤) ليس في المطبوع من «الشّمس» (٢ / ٥٤٢) شيء من هذا ، بل أرّخ وفاته فقط ، ولعلّ المصنّف أراد «الشجرة الكبرى» ، ونصّ ما فيها (كان عالما عاملا ، ووليّا مكاشفا ، له خوارق وكرامات كثيرة) اه بالحرف.

(٥) ولد السّيّد شيخ بن أحمد بالشّحر سنة (١٢١٢ ه‍) ، وتوفي بسربايا سنة (١٢٨٩ ه‍) ، أخذ عن أبيه ، وسافر بمعيّته إلى مكّة المكرّمة ، وأخذ بها عن عدد من علمائها ؛ منهم : الشّيخ عمر بن عبد الكريم العطّار ، والعلّامة محمّد صالح الرّيّس ، وغيرهما ، ورحل إلى مصر ومكث مدّة في الجامع الأزهر ، ثمّ رحل إلى الجهة الجاويّة ، ونزل بمدينة سربايا.

ينظر : «تاريخ الشّعراء الحضرميّين» (٤ / ٣٠) ، «تاريخ باحسن» (١ / ٣٥٠) (خ).

٢٠٨

وفيها أناس من آل عيديد (١) ، ذكر منهم شيخنا المشهور السّيّدين الفاضلين : عبد الله ومحمّدا ابني سالم بن عبد الله عيديد (٢).

وفيها جماعة من ذرّيّة السّيّد أحمد البيض (٣) بن عبد الرّحمن (٤) بن حسين بن عليّ بن محمّد بن أحمد بن الفقيه المقدّم ، قال في «شمس الظّهيرة» [٢ / ٤٠٣ ـ ٤٠٤] (منهم : السّيّد الفاضل عليّ بن الحسين المتوفّى سنة (١٢٨٦ ه‍) (٥) ، وحسين بن

__________________

(١) وهم من ذرّيّة السّيّد محمّد بن عبد الله بن عليّ بن محمّد مولى عيديد ، المتوفّى بالشّحر سنة (٩٨٣ ه‍).

(٢) وهما ابنا السّيّد سالم بن عبد الله بن زين بن عوض بن زين بن عليّ بن أحمد بن أحمد بن محمّد بن عبد الله .. إلخ النسب السابق. فأمّا : السيد عبد الله بن سالم (... ـ ١٣٠٦ ه‍) : كان فاضلا عالما صالحا ، طلب العلم بحضرموت على السّيّد العلّامة عبد الله بن عمر بن يحيى ، والسّيّد الحبيب عبد الله بن حسين بن طاهر ، والحبيب أبي بكر بن عبد الله العطّاس. كان عامرا أوقاته بالعبادة ، وله صلوات ونوافل يواظب عليها في عدد من مساجد الشّحر ، وكانت له دروس بها ؛ ممن أخذ عنه : باحسن صاحب «التّاريخ». وكانت بينه وبين الشّيخ ناصر ابن الشّيخ عليّ اليافعيّ مودّة ، فلمّا تولّى القضاء هذا الأخير .. اعتزله صاحب التّرجمة ، توفّي يوم الأحد (١٧) محرّم (١٣٠٦ ه‍).

وأمّا : محمّد بن سالم (... ـ ١٣١١ ه‍) : فقد كان فقيها عالما فاضلا نبيها ، آمرا بالمعروف ، ناهيا عن المنكر ، صدرا في الأمور ، توفّي سنة (١٣١١ ه‍) بالشّحر ، وبها كان مولده.

(٣) توفّي السّيّد أحمد البيض بتريم سنة (٩٤٥ ه‍) ، وسمّي بالبيض ؛ لمواظبته على صيام الأيّام البيض من كلّ شهر ، سمّاه بذلك ـ كما يقال ـ شيخه الشّيخ أبو بكر بن سالم. «المعجم اللطيف» (٦٠). ومن السادة آل البيض جماعة في غيل باوزير ، منهم : السيد العالم الناسك الغيور عبد الرحمن بن سالم بن عبد الرحمن بن سالم البيض باعلوي ، كان مولده بالغيل سنة (١٣٣٠ ه‍) ، طلب العلم في الغيل ، برباط العلامة ابن سلم ، ومن شيوخه : العلامة أحمد بن محمد باغوزة قرأ عليه : «المختصر» و «العمدة» ، والعلامة المعمر الشيخ عمر بادباه قرأ عليه في «حاشية الكردي». ثم رحل إلى تريم ودرس في رباطها على يد الحبيب عبد الله الشاطري ، وأخذ عن طبقته من علماء تريم ، ثم انطلق يعلم ويدعو إلى الله ، وكان له اهتمام بدعوة البادية ، هاجر إلى جدة وأقام بها مدة طويلة ، وبها كانت وفاته سنة (١٤١١ ه‍) ، رحمه الله. «لوامع النور» (٣ / ٤٥٩) (خ).

(٤) وهو الملقّب عبد الرّحمن الجزيرة ، توفّي بتريم سنة (٨٨٤ ه‍).

(٥) وهو السيد عليّ بن الحسين بن عليّ بن الحسين ـ (١١٦٥ ه‍) ـ ابن عوض بن عبد الله بن حسين بن أحمد بن حسين بن محروس بن أحمد البيض .. إلخ. مولده بالشّحر في (٢٥) رمضان (١٢٣٥ ه‍) ، ووفاته بها في شعبان (١٢٨٢ ه‍) ، تعلم عند الشّيخ عبد الله بن عمر بن قبيلة باوزير ، ثمّ قرأ على الشّيخ سالم بن سعد بن سمير ، ثمّ خرج إلى دوعن ، وقرأ على الفقيه محمّد بن عبد الله

٢٠٩

أبي بكر بن سعيد (١) ، ذكيّ نبيه ، توفّي سنة (١٢٨٥ ه‍).

ومن فضلاء العلويّين بالشّحر : السّيّد حسين بن عبد الرّحمن بن سهل (٢) ، وكان شهما كريما ، طويل الباع مشبوح الذّراع ، له مكارم جسيمة وأخبار عظيمة ، منها : عمارته الموجودة إلى اليوم لجامع الشّحر ، وذلك أنّه حدث به شيء من الخراب يحتاج إلى التّرميم ، فاتّفق أعيان الشّحر على الاكتتاب لترميمه ، وعرضوا القائمة على السّيّد حسين بن سهل فقال : حتّى أرى.

ولمّا رأى المسجد .. قال لهم : لا بدّ من تجديد عمارته كلّها ، وتكفّل بجميعها ، وجلب له المهندسين والأكرة من تريم حتّى أتمّه على أجمل صنيع (٣).

وكان هرب من تريم لأذيّة حصلت عليه من أعوان السّلطان الكثيريّ (٤) ، فسافر إلى الشّحر بجوار صديقه الأمير عبد القويّ بن عبد الله عوض غرامة البعسيّ اليافعيّ (٥) ،

__________________

باسودان وأجازه ، وسار لزيارة بقيّة الأعيان ، فلقي الإمام الحسن بن صالح البحر ، والحبيب عبد الله بن حسين بن طاهر ، وكانت بينه وبين الشّيخ عبد الله معروف باجمال الشّبامي مودّة ومكاتبات ، أخذ عنه باحسن المؤرّخ ، وأطنب في ترجمته في «تاريخه» (١ / ٩٢ ـ ١٢٢) (خ).

(١) كان سيّدا فاضلا ، حصّل طرفا في العلم ، توفّي بالشّحر. وهو : حسين بن أبي بكر (توفي سنة ١٢٧٨ ه‍) ابن سعيد بن حسين بن عوض بن عبد الله بن حسين بن أحمد بن حسين بن محروس بن أحمد البيض .. إلخ «تاريخ باحسن» (١ / ٨٨).

(٢) الحسين بن سهل اسمه كاملا : الحسين بن عبد الرّحمن بن محمّد بن عبد الله بن أحمد ابن الفقيه سهل بن أحمد بن سهل بن أحمد بن عبد الله ابن الشّيخ محمّد جمل الليل .. إلخ. السّيّد الثّري السّري الفاضل ، التّاجر الصّالح ، الرّاغب في آخرته ، مولده بتريم في رجب (١٢١٣ ه‍) ، والمتوفّى بالشّحر (٢٨) شعبان (١٢٧٤ ه‍). رحل في مطلع شبابه إلى الشّرق الأقصى جاوة ، وتزوج بنت أحد سلاطينها ، وزاول التّجارة ، وكانت له سفن تمخر عباب البحر ، ولمّا أثرى .. عاد إلى وطنه ، ومن كبريات أعماله : صكّه عملة عرفت باسمه سنة (١٢٥٨ ه‍) ، ولم يزل النّاس يستعملونها ويتداولونها إلى سنة (١٣١٥ ه‍) حيث صكّ السّيّد شيخ الكاف عملة أخرى نسخت ما قبلها. وله أخبار ستأتي كثيرة وفي : «العدة المفيدة» ، «تاريخ باحسن» (٢ / ١٢٤) ، «شمس الظّهيرة» (٢ / ٤٨٦).

(٣) يقع المسجد الجامع بحارة القرية ، وهو يشتمل ـ بعد توسيعه ـ على (١٤٠) أسطوانة ، بين كل أسطوانة والأخرى خمسة أذرع.

(٤) غالب بن محسن.

(٥) البعسي نسبة إلى (الأبعوس ـ لبعوس) بطن من يافع العليا ، وآل غرامة هؤلاء كانوا يحكمون

٢١٠

ولم يزل بها حتّى مات سنة (١٢٧٤ ه‍) ، وأخباره عجيبة لا يتّسع لها المجال ، وفي «الأصل» منها الكثير الطّيّب.

ومن متأخّري فضلاء العلويّين بالشّحر : السّيّد الجليل علويّ بن عليّ بن علويّ الجنيد (١) ، كان من الآخذين عن والدي والمتعلّقين به ، توفّي بها يوم الإثنين (٢٧) شوّال من سنة (١٣٤٩ ه‍).

وكان بالشّحر ناس من آل السّقّاف ؛ منهم السّيّد عيدروس بن حسين بن سالم بن علويّ بن شيخ بن محمّد بن شيخ السّقّاف ، كان جدّه علويّ بن شيخ بسيئون ، فنجع في سنة (١٢١٥ ه‍) إلى موشح ووادي بن عليّ ، وكانت مدّة إقامته وإقامة ولده سالم بها نحوا من سبع وتسعين ربيعا.

ثمّ هاجر السّيّد سالم ـ الملقّب : سالم سبول ـ ابن علويّ بن شيخ إلى المكلّا والشّحر ، وذلك في سنة (١٣١٢ ه‍) وهو من أهل الصّفا ، وله تذكير ومواعظ.

ثمّ ركب إلى زنجبار ، وبها كانت وفاته ، وترك ولدا يقال له : حسين ، توفّي حوالي سنة (١٣٢٩ ه‍) ، وترك ولدا اسمه : عيدروس ، ركب إلى ممباسا في

__________________

جزءا من تريم ، وممّا يذكر في مناقب السّيّد حسين بن سهل أنّه اشترى تريم من آل غرامة.

(١) علويّ بن عليّ الجنيدي السّيّد الفاضل ، التّقيّ الصّالح : علويّ بن عليّ بن علويّ بن عبد الله ...

الجنيديّ باعلويّ. مولده بالشّحر سنة (١٢٦٩ ه‍) ، توفّي أبوه وعمره خمس سنوات ، فكفله أخوه لأبيه محمّد بن عليّ. سار لطلب العلم إلى تريم والغرفة ، ثمّ عاد إلى الشّحر. من شيوخه : السّيّد الجليل حامد بن عمر بافرج ، والسّيّد العلّامة عيدروس بن عمر الحبشيّ ، والحبيب عبيد الله بن محسن السقاف والد المصنف وغيرهم. حجّ نحو (١٨) حجّة ، وآخرها كان سنة (١٣٢٥ ه‍). قيل في وصفه : كان رجلا يتلألأ وجهه نورا ، طويل القامة ، جميل الصّورة ، أبيض اللّون ، يشبه سمته وهيئته هيئة شيخه عيدروس بن عمر. لقيه قاضي مكّة السّيّد أبو بكر بن أحمد الحبشيّ بالشّحر سنة (١٣٤٥ ه‍) ، وأخذ عنه. «الدّليل المشير» (٢٧٠).

ملاحظة : أسرة المترجم تعرف بآل الجنيديّ بياء النّسبة. وهم غير آل الجنيد أهل تريم ؛ فأولئك ينتسبون إلى الشّيخ محمّد باحسن جمل اللّيل .. وأمّا هؤلاء : فنسبتهم إلى الشّيخ عبد الله بن علويّ بن الفقيه ، وجدّهم الأعلى هو : الجنيد الأخضر ابن أحمد بن محمّد بن أحمد قسم ـ (ت بقسم ٨٩١ ه‍) ـ ابن علويّ الشّيبة ... إلخ ، وعلويّ الشّيبة يجتمعون فيه مع آل الشّلّيّ وغيرهم. ولقب الأخضر معناه : المائل إلى السّمرة. «المعجم اللّطيف» (٧٥ ـ ٧٦).

٢١١

سنة (١٣٢٢ ه‍) وهو ابن تسع سنين ، وما برح يقاسي المتاعب والمشاقّ في طلب المعيشة حتّى فتح الله عليه بالأموال والأولاد ، فله بها خمسة من الذّكور ، وتأثّل الأموال والعقار بممباسا والشّحر ، وله بحارة (عقل باعوين) عدّة ديار بجوار مسجد الشّيخ عبد الله بلحاج بافضل ، وكان يصدر جريدة تسمّى : «الإصلاح» في ممباسا ، جلب لها مطبعة على نفقته الخاصّة ، ولمّا كان الأكثر من المشتركين حضارمة ـ لا بال عندهم لأمثال الجرائد ـ وتأخّروا عند دفع الاشتراك .. لزم تأخّرها.

وأوّل مدرسة علمتها بالشّحر هي : المدرسة الّتي بناها بدر بوطويرق سنة (٩٥٩ ه‍) (١) ، وجلب لها ولده عبد الله بن بدر أستاذا من بروم في سنة (٩٨٣ ه‍) ، هو العلّامة الشّيخ محمّد بن عبد الرّحيم باجابر ، فدرّس بها وانتفع به الأنام ، وأسفرت به اللّيالي والأيّام.

وفي يوم افتتاحها أنشأ السّيّد عبد الرحمن بن أحمد البيض قصيدة أوردها صاحب «النّور السّافر» [ص ٤٦٨] ، وفيها مدح للأستاذ والسّلطان ، ولكنّها ليست بجيّدة (٢).

أمّا المدرّس بها في حياة بدر فهو : الشّيخ عليّ بن عليّ بايزيد ، الدّوعنيّ ثمّ الشّحريّ ، توفّي بها سنة (٩٧٥ ه‍) (٣) ، وقد انتفع به كثير من أهل الشّحر وغيرهم ، منهم : العلّامة المؤرّخ عبد الله بن محمّد باسخلة ، المتوفّى بالشّحر (٤).

__________________

(١) وتعرف بالمدرسة السّلطانيّة ، وإلى جوارها مسجد يعرف بمسجد المدرسة ، «النّور السّافر» : حوادث سنة (٩٥٩ ه‍).

(٢) الصّواب أنّه في سنة قدوم باجابر في (٩٨٣ ه‍) ، كما هو في «النّور السّافر» ؛ لأنّ افتتاحها كان سنة (٩٥٩ ه‍) كما تقدّم.

(٣) الشّيخ عليّ بايزيد ، العلّامة الفقيه ، الإمام المتبحّر في الفقه ، ولد بدوعن ، ونشأ مستقيما ، واشتغل بالتّحصيل من صباه ، وحفظ «الإرشاد» وغيره من المتون ، تفقّه بالعلّامة عثمان بن محمّد العموديّ ، وصحب الشّيخ العارف بالله معروف بن عبد الله باجمال ، ولبس منه ، وصحب غيره من العارفين. وكان في وقته عمدة المفتين ، ولمّا فتح السّلطان بدر مدرسته .. ولّاه تدريسها منذ افتتاحها سنة (٩٥٩ ه‍) ، وله مصنفات نافعة.

(٤) الشّيخ عبد الله بن محمّد باسخلة ، عالم فقيه ، ولد ونشأ بالشّحر ، وطلب العلم ، وكان أديبا فقيها مؤرّخا ، تلقّى العلم على يد الشّيخ عليّ بايزيد ، وحفظ عليه «الإرشاد». واختلف في لقبه فقيل

٢١٢

وممّن هاجر لطلب العلم بها : الشّيخ محمّد بن عبد الله بن سراج (١) ، صاحب المؤلّفات المشهورة الّتي منها : نظمه ل «الإرشاد» و «شرحه» وقد استحقّ من تخرّجه بتلك المدرسة أن تولّى قضاء حضرموت ، من وادي عمد غربا إلى يبحر شرقا ، ترجم له في «خلاصة الأثر» ، وذكر أنّه اعتراه ذهول في آخر عمره إلى أن توفّي بالغرفة سنة (١٠١٩ ه‍).

وممّن تخرّج منها : الشّيخ عبد الله بن عبد الرّحمن العموديّ.

وفي ترجمة الشّيخ الشّهيد أحمد بن عبد الرّحمن بلحاج : (أنّ الإفرنج ـ خذلهم الله ـ لمّا هاجموا الشّحر واقتربوا من مدرسة الشّيخ أحمد للهجوم عليها .. نهض كأنّه الأسد ، واستنهض همم الطلبة بخطبة مؤثّرة ، فاقتلعوا أبواب المدرسة واقتسموها عودا عودا وحاربوهم ، وكان الشّيخ أحمد ممّن رزق الشّهادة سنة «٩٥٩ ه‍» ، ولمّا انتهى البريد إلى حضرموت .. جمعوا عسكرا يبلغ نحو خمسة آلاف ، فوصلوا الشّحر على خمسة أيّام) اه

وما أدري ، أهذه المدرسة هي الّتي بناها بدر والشّهيد يدرّس فيها عقبان بنائها ، أم غيرها؟

ولعليّ بايزيد هذا ذكر كثير في «مجموع الجدّ طه بن عمر» ، وقد زار حضرموت واجتمع بالسّيّد عمر بن أبي بكر باشيبان ، وأثنى كلّ منهما على الآخر ، وتوّجه لزيارة نبيّ الله هود ، ثمّ عاد إلى حضرموت مرّة أخرى بعد ثلاثين سنة من القدمة الأولى. ذكره الشّليّ في ترجمة باشيبان من «مشرعه» (٢) [٢ / ٥٣٨ ـ ٥٣٩].

وقد استوفينا ب «الأصل» حوادث الإفرنج البرتغال مع بدر بالشّحر ، فلا حاجة إلى

__________________

(باسخلة) كما أثبت المؤلف ، وقيل باسنجلة ، بنون فجيم.

وله مؤلفات مفيدة ، وفي «الفكر والثّقافة» (ص ١٤٩) أن وفاته سنة (٩٨٧ ه‍).

(١) الصّواب أنّ اسمه : محمّد بن عبد الرّحمن بن سراج الدّين باجمال ، «الدّرّ الفاخر» (٣٦٣).

(٢) وباشيبان هو : عمر بن محمّد بن أحمد بن أبي بكر باشيبان.

٢١٣

الإطالة. وذكرنا ما أنكره عليه صاحب «القلائد» من غدره بهم (١) ، مع أنّه لم يفعل إلّا ما استباحوا أكبر منه من الغدر بالمسلمين ، ولكن قال قتادة : (إنّ الله أكّد الوفاء بالعهد في بضعة وعشرين آية).

ويروى : أنّ أهل قبرس (٢) أحدثوا حدثا في ولاية عبد الملك بن صالح بن عليّ بن عبد الله بن عبّاس (٣) ، فاستفتى العلماء في نقض صلحهم.

فأجابه اللّيث (٤) : (بأنّ أهل قبرس لم يزالوا يتّهمون بخيانة الإسلام ، وقد قال تعالى : (وَإِمَّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلى سَواءٍ) وإنّي أرى أن تنبذ إليهم وتنظرهم سنة).

وقال له مالك بن أنس : (أرى أن لا تعجّل بنقض عهدهم ؛ حتّى تتّجه الحجّة عليهم ؛ فإنّ الله يقول : (فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلى مُدَّتِهِمْ) فإن هم لم يدعوا غشّهم ، ولم يستقيموا .. فأعذر إليهم ، ثمّ أوقع بهم .. ترزق النّصر) أو ما يقرب من هذا (٥).

وروي : أنّ صالحا هذا أجلى أهل الذّمّة من لبنان من غير من مالأ عليه ، فأنكر عليه القاسم بن سلام (٦) وقال له : (كيف تؤخذ عامّة بذنوب خاصّة حتّى يخرجوا من

__________________

(١) أي السّلطان بدر.

(٢) قبرس : بالسين ، وقد تكتب بالصاد ؛ جزيرة معروفة في البحر الأبيض المتوسّط ، الّذي كان يعرف قديما ببحر الرّوم.

(٣) كان عبد الملك هذا أميرا على الموصل من قبل الخليفة الهادي العباسي سنة (١٦٩ ه‍) ، وعزله الرشيد سنة (١٧١ ه‍) ثم ولاه المدينة والصوائف ، ثم مصر مدة قصيرة ، فدمشق. كان من أفصح الناس وأخطبهم ، له مهابة وجلالة ، توفي سنة (١٩٦ ه‍). «الأعلام» (٤ / ١٥٩).

(٤) هو الإمام الليث بن سعد الفهمي بالولاء ، أبو الحارث ، إمام أهل مصر في عصره حديثا وفقها ، من أقوال الإمام الشافعي فيه : الليث أفقه من مالك ، إلا أن أصحابه لم يقوموا به. ولد سنة (٩٤ ه‍) ، وتوفي سنة (١٧٥ ه‍). «الأعلام» (٥ / ٢٤٨).

(٥) «فتوح البلدان» (١٥٩ ـ ١٦٠).

(٦) هو أبو عبيد ، من كبار علماء عصره في الحديث والفقه والأدب ، ولي القضاء بطرسوس ، كثير التصانيف ، ولد سنة (١٥٧ ه‍) ، وتوفي سنة (٢٢٤ ه‍). «الأعلام» (٥ / ١٧٦).

٢١٤

ديارهم وأموالهم ، وحكم الله أن لا تزر وازرة وزر أخرى ، وهو أحقّ ما اقتدي به ، وقد قال صلّى الله عليه وآله وسلّم : «من ظلم معاهدا .. فأنا حجيجه») (١) ، وفي الجزء الثّاني من «الأصل» كلام نفيس يتعلّق بالمسألة.

وكانت للحضارمة تجارة واسعة بالشّحر ، وكانوا يتيامنون بما يجلبون منها (٢) ، ويجرّبون فيه البركة ، ولا يزال العلويّون يتردّدون إليها ، ولا سيّما المحضار والعيدروس ؛ لأنّهم يجدون فيها من الانشراح ما لا يوجد في سواها ، إلّا أنّ طرقها ملتوية ، وشوارعها متّسخة ، وأهلها لا يتعهّدون أخليتهم وميازيبهم ، ويسرع الخراب إلى ديارهم من هذه النّاحية.

وقد وردتها عدّة مرّات أنزل في أخرياتها ضيفا على وافر المروءة ، الحرّ الشّهم ، المشارك في العلم : الشّيخ صالح بن بكار باشراحيل. وآل باشراحيل منتشرون في حضرموت ، ومرجعهم في النّسب ـ كما سيأتي في وادي ابن عليّ ـ إلى عباهلة حمير (٣)

ويأتي في سيئون ذرو من بدعة الشّيخ محمّد بن سعيد باطويح (٤) ، الّتي لا تزال تؤجّ بالشّحر الآن.

وآل طويح من بيوت العلم ، وكان الشّيخ عمر بن أبي بكر طويح ممّن تولّى القضاء بالشّحر ، ذكره ابن سراج في «مناقب الشّيخ معروف» (٥).

وسمعت بعض أهل العلم يذكر أنّهم من ذرّيّة العلّامة الشّيخ محمّد باطحن ، وهو

__________________

(١) «فتوح البلدان» (١٦٧) ، والحديث أخرجه أبو داود (٣٠٥٢).

(٢) يتيامنون : يتباركون.

(٣) العباهلة : الملوك الّذين أقرّوا على ملكهم ، لا يزالون عنه.

(٤) توفّي سنة (١٣٦١ ه‍) كما كتب على شاهدة قبره بالشّحر ، وهو تلميذ العلّامة السّيّد عليّ بن محمّد الحبشيّ ، كان متبحّرا في النّحو ، وكان محبّا جدّا لشيخه الحبشيّ إلى درجة الغلوّ ، وللمصنّف معه ومع من يسميّهم (جماعة باطويح) أخبار وقصص ، بعضها يطوى ولا يروى .. رحم الله الجميع.

(٥) المسمّاة : «مواهب الرّبّ الرّؤوف».

٢١٥

من أوعية العلم ، غير أن غلوّه في شيخه سعد الظّفاريّ أوقعه في إساءة الأدب على الفقيه المقدّم فكرهه العلويّون.

وسكّان الشّحر الآن أربعة عشر ألفا وثمان مئة وبضع وستّون نفسا ، ويدخل في ذلك قراها ، وفيها أكثر من ستّين مسجدا.

وفي ضواحيها قرى كثيرة ، أرادوا أن يجمّعوا (١) فيها أواخر القرن التّاسع ، فأفتى العلّامة الشّيخ عبد الله بن أحمد بامخرمة بالمنع ؛ لأنّها لم تخطّ قرى من الأصل ، وإنّما يبنى الواحد ثمّ الثّاني ... وهلمّ جرا ، فهي من أعمال الشّحر لا قرى مستقلّة ، ولي في ذلك بحث ، لو أفضت فيه .. لخرجت عمّا نحن بسبيله (٢).

غياض الشّحر (٣) :

في شمال الشّحر إلى جهة الشّرق غيضة يخترف فيها السّادة آل العيدروس (٤) ، فيها جامع وآبار للسّناوة تسمّى : دفيقه (٥).

ومن ورائها إلى الشّمال (٦) : تبالة ، فيها جامع وأموال لأهل الشّحر ، وسبعة معايين يخرج منها ماء شديد الحرارة.

__________________

(١) أي : يقيموا بتلك القرى صلاة جمعة.

(٢) وقد ظهر بالعلم في زمن المصنّف وبعده رجال علماء صالحون ، كانوا ملجأ وملاذا للنّاس في فتاواهم ونوازلهم ؛ منهم العلّامة الشّيخ الصّالح المعمّر عبد الكريم الملّاحي ، المولود ب (زنجبار) ب (جزر القمر) سنة (١٣٢٨ ه‍) ، والمتوفّى ب (الشّحر) سنة (١٤١٧ ه‍) ، عن نحو تسعين عاما قضاها في العلم والتعليم والإرشاد ، هاجر مع والده وأخيه أحمد إلى الشّحر وتوطّنوها ، ولأخيه أحمد الملّاحي اهتمام بالتّاريخ ، وقد دوّن مذكّرة مفيدة في حوادث الشّحر الّتي عاصرها ، وترجم لبعض الأعيان ، توفّي سنة (١٣٩١ ه‍) تقريبا.

ومنهم الشّيخ الفاضل سالمين حبليل ، توفّي في نفس السّنة ـ أي سنة (١٤١٧ ه‍) ـ وممّن لا زال بها من العلماء : الشّيخ الفاضل ، العالم الفقيه ، القاضي عمر بن سعيد باغزال ، ممّن درس على يد السّيّد محسن أبي نمي وطبقته.

(٣) الغياض ـ جمع غيضة ـ وهي : المكان الغزير المياه الذي تكثر فيه الأشجار الملتفة.

(٤) الاختراف هو : التصيّف. والمخترف بمعنى المصيف بفتح الميم.

(٥) تقع دفيقه شمال الشحر ، وتبعد عنها نحو (٢ كم).

(٦) على بعد نحو (٧ كم).

٢١٦

قال الطّيّب بامخرمة : (وتبالة قرية قرب الشّحر على طريق الخارج من الشّحر إلى حضرموت ، وفيها عدّة عيون حارّة في أكمة واحدة ، يسقى بها زرع ونخل ونارجيل (١) ... وعيونها مختلفة ، منها حارّة كثيرة الماء ، ومنها قليلة الحرارة قليلة الماء ، وهي أعجوبة) اه (٢)

والنّاس يقصدون ذلك الماء الشّديد الحرارة من جهات بعيدة ؛ للاستشفاء بالاغتسال فيه من بعض الأمراض (٣).

وفي (ص ١٨٥) والتي بعدها من الجزء الأوّل من «دائرة المعارف» لفريد وجديّ ما نصّه : (وربّما رأى بعض قرّاء هذا الكتاب في أوروبا عيونا نابعة من الأرض على درجة من الحرارة مرتفعة ، تقترب من الغليان ، وهي لم تصل إلى هذه الدّرجة من الحرارة إلا لكونها آتية من أبعاد عميقة) اه

وهذا الوصف ينطبق على بعض عيون تبالة إذ البيض ينضج فيها على بضع دقائق.

وكان من سكّانها : الشّيخ محمّد بن أبي بكر الشّحريّ ، ممدوح عبد الصّمد باكثير بقوله [من البسيط] :

لي في تبالة إخوان وأخدان

أكرم بهم فتية في الحيّ جيران

ونحن في روضة خضرا مزخرفة

تدار فيها من الصّهباء ألوان

في حضرة ابن أبي بكر محمّد من

في المشكلات له حلّ وتبيان

صدر المراتب قطب المجد لا برحت

تسعى إليه جماعات ووحدان

__________________

(١) النّارجيل : جنس شجر من الفصيلة النّخليّة ، منه أنواع للتّزيين ، يزرع لثمره المسمّى جوز الهند ، ويسمّيه الأهالي : الميدع ، ويستخرجون منه خلّا جيّدا بطريقة معيّنة ، وهي أنّهم يفتحون فتحات في ثمار النّارجيل من اللّيل ويأتون في الصّباح قبل شروق الشّمس ليأخذوا ماءها ويتركونه في أوانيه لمدة أربعين يوما ، ثم يفتحونها وقد صار خلّا ، وما أشرقت عليه الشّمس لا يأخذونه ؛ لأنّه يتخمّر حينئذ بل يتركونه إلى اللّيل ، وهو منتشر في السّاحل.

(٢) نسبة البلدان (ق ٥٧).

(٣) ولا زالوا كذلك إلى اليوم ، وقد بنيت غرف بالقرب من هذه المعايين ، وهي عبارة عن ماء كبريتيّ صحي.

٢١٧

محدّقين إليه محدقين به

في روضة حولها بالزّهر ألوان

وهذه من منحطّ شعر عبد الصّمد ، وإلّا .. فقد كان له من الإجادة نصيب واف.

وقال ياقوت : (تبالة : قيل : هي الّتي جاء ذكرها في كتاب مسلم بن الحجّاج (١) ، ببلاد اليمن ، وأظنّها غير تبالة الحجّاج بن يوسف ، الّتي يقال فيها : «أهون من تبالة على الحجّاج» (٢) ؛ لأنّ هذه بلدة مشهورة بتهامة في طريق اليمن) اه (٣)

وكلاهما غير الّتي نحن في ذكرها (٤).

ووراءها متشائمة (٥). عنها : الواسط ، وهي قرية فيها جامع (٦) ، وثلاثة معايين باردة الماء ، عليها أموال لأهل الشّحر.

وفي غربيّ الواسط بحذائه : شعب النّور ، أكثره للسّادة آل أحمد بن صالح ابن الشّيخ أبي بكر بن سالم (٧).

__________________

(١) أي : «صحيح الإمام مسلم» ، وجاء ذكرها في «صحيحه» (٢٩٠٦) : عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : «لا تقوم الساعة حتى تضطرب أليات نساء من دوس حول ذي الخلصة» وكانت صنما تعبدها دوس في الجاهلية بتبالة.

(٢) كان أوّل عمل وليه الحجّاج تبالة ، فسار إليها ، فلمّا قرب منها .. قال للدّليل : أين هي؟ قال : سترتها عنك هذه الأكمة ، فقال : أهون عليّ بعمل بلدة تسترها عنّي أكمة ، ورجع من مكانه ، فقالت العرب : (أهون من تبالة على الحجاج).

(٣) معجم البلدان (٢ / ٩).

(٤) وفي «النّسبة» لبامخرمة : أنّ تبالة موضع باليمن ، كان فيه صنم ذو الخلصة الّذي كسره الصّحابيّ الجليل جرير بن عبد الله البجليّ.

(٥) متشائمة : آخذة في طريق الشّآم.

(٦) وهذا الجامع مشهور في السّاحل ، ينسب إلى الشّيخ الكبير الإمام عمر المحضار بن عبد الرّحمن السّقّاف ، ويقال : إنّ وفاته كانت بالواسط ، ثمّ نقل إلى تريم «لوامع النّور» (١ / ٧٦ ـ ٧٧).

(٧) هو السّيّد الشّريف أحمد بن صالح بن أحمد بن عبد الرّحمن بن أحمد بن الحسين ابن الشّيخ أبي بكر بن سالم باعلوي. ولد بعينات ، ونشأ بها ، وطلب العلم ، وجدّ واجتهد ، وبنى بيتا في عرف ، ثمّ غادرها إلى الشّحر ، ومنها إلى الواسط ، وأخيرا استقرّ في هذا الشّعب الّذي سمّاه شعب النّور ، وبنى منزله الّذي سكنه إلى آخر عمره ، وكان يقصد إلى الشعب المذكور للأخذ عنه والتبرّك بزيارته ،

٢١٨

وفي جنوبه : الجرادف ، فيها معيان واحد بارد الماء ، عليه أموال لأهل الشّحر ، وفيه آبار كثيرة.

وفي شماله : النّجاعين ، وهي قرية فيها نخيل لآل العيدروس.

ومن ورائها : البرح ، سكّانه من الحموم ، وفيه ناس من الحاضرة ، وفيه جامع.

ومن ورائه : الرّمضاء.

ومن بعدها : عرف ، وهي قرية فيها بساتين نخل ، وعيون ماء ، كان الشّيخ المحضار بن الشّيخ عبد الرّحمن السّقّاف يكثر الكون فيها والتّردّد عليها ، وله بها أموال كثيرة (١).

وفي غربيّ الجرادف قرية الحبس ، فيها معيانان وأموال للدّولة القعيطيّة.

وفي جنوب الحبس : شكلنزه (٢) ، قرية فيها مزارع ، ومعيانان ، وآبار ، وبها يخترف كثير من أهل الشّحر ، ولكنّه استولى عليها الخراب.

وفي غربها : معيان المساجدة : ينسب لآل المسجديّ من المشايخ آل باوزير ، وهي قرية فيها ثلاثة معايين ، وفيها آبار كثيرة ، وأموال لأهل الشّحر.

وفي غربيّ المساجدة : صداع العوالق وحزمهم. وفي غربيّه قرية يقال لها : حباير. وفي غربيّ حباير : قارة ابن محركة.

وفي جنوب هذه القارة : غيل باوزير.

وفي غربيّه : النقعة والقارة ، وقد سبق التّعريف بتلك البقاع.

وفي شمال القارة : قرية تسمّى : السّوط ، فيها معيانان وجامع.

__________________

وكانت وفاته سنة (١٢١١) أو (١٢١٢ ه‍). وله ذرّيّة مباركة ، ظهر فيهم علماء وأفاضل.

(١) وممّن سكن بها من العلماء : الشّيخ العالم الصّالح عوض بن مبارك الكلاليّ ، المتوفّى في منتصف القرن الرّابع عشر الهجريّ.

(٢) ويمكن للبعض أن يسمّيها : الشكل النّزه كما فعل باحسن في «تاريخه» ، وكما كان السّلطان صالح بن غالب يسمّيها ، وكان يتردّد عليها.

٢١٩

ولهذه الغياض ـ ولا سيّما شكلنزة ودفيقة والحزم وصداع ـ ذكر كثير في الحروب الواقعة بين الكساديّ والقعيطيّ ، والعولقيّ والكثيريّ ، حسبما فصّل ب «الأصل» ، ومرّ بعضه في الحزم وصداع.

وممّا يستحقّ الإعجاب ، ويشنّف الأسماع (١) ، وينفخ الأنوف : أنّ آل كثير والعوالق والكساديّ حاولوا الهجوم على الشّحر في سنة (١٢٩٠ ه‍) بنحو ثلاثة آلاف مقاتل ، ونزلوا شكلنزة ، وفي اللّيلة (٢٣) من شوّال من تلك السّنة اجتمع ملؤهم في دفيقة ، فنازلتهم ثلّة من عسكر الشّحر لا تزيد عن أربع مئة مقاتل ، فانسحب جند العولقيّ والكساديّ والكثيريّ إلى المشراف ، وهنالك التحم الحرب واستحرّ القتل ، وجاءت الأمداد اليافعيّة من الشّحر ، ولم يبق بيد العولقيّ والكساديّ والكثيريّ إلّا داران في دفيقة ، ولما دارت الدّائرة عليهم ، وانهزم آل كثير هزيمة منكرة .. انحصر من بقي منهم بداري دفيقة ، ثمّ انهزم أحد الدّارين وأخذته يافع عنوة ، وكان في أسفله كميّة وافرة من البارود ، ففتح أوعيتها أحد عبيد العوالق ، وربط بها حبلا من الفتيل ، وأشعل فيه النّار مع هربه ، فلمّا انتهت إليه .. انفجر ، فسقط الدّار على من داخله من عسكر القعيطيّ ويافع ، وقويت نفوس آل كثير ومن معهم المحصورين في الدّار الثّاني ، وجدّوا في الدّفاع والاستماتة حتّى تواضعوا مع القعيطيّ على أن يخرجوا بالشّرف العسكريّ في وجه سالم بن يحيى بن عبد الحبيب بن عليّ جابر ، أو عليّ بن يحيى .. إلى آخر النّسب.

ولمّا خرجوا .. إذا هم أفلاذ كبد حضرموت ، وأعيان الدّولة آل عبد الله ، وآل كثير ، والعوامر ، وآل جابر ، الّذين لا يمكن أن تقوم لهم قائمة بعدها لو استأصلوهم أبدا. عند ذلك حاول القعيطيّ إرضاء سالم أو عليّ بن يحيى بما يتمنّى ، على أن يخيس بعهده ويتركهم له ، فقال : (والله ، لو أعطيتني جبلا من الذّهب .. لن أخرم ذمّتي ، ولن أسوّد وجهي) ، فبلّغهم المأمن كراما وهو رافع الرّأس (٢).

__________________

(١) يشنّف الأسماع : يزيّنها.

(٢) تفاصيل هذه الحادثة في «العدّة المفيدة» (٢ / ٣٣٩ ـ ٣٤٣).

٢٢٠