إدام القوت في ذكر بلدان حضر الموت

السيّد عبد الرحمن بن عبيد الله السقّاف

إدام القوت في ذكر بلدان حضر الموت

المؤلف:

السيّد عبد الرحمن بن عبيد الله السقّاف


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار المنهاج للنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ١١١٠

وحمير تملأ البلاد إلى اليوم ، وهذه الحجّة ضعيفة ، وفي الحديث : «إنّ في المشرق : جابلق ، يسكنها بقايا عاد ، وفي المغرب : جابرس ، ويسكنها بقايا ثمود».

والعرب كثيرا ما تطلق الكلّ على البعض.

وقال الفرقة الثّانية ـ وهم الأكثر ـ : هو قحطان بن عابر بن شالخ بن أرفخشذ ، ثمّ افترقت هذه الفرقة.

فقال أقلّها : إنّ عابر هذا ليس بهود المرسل ؛ لأنّه ليس من عاد ، وإنّ هودا المرسل إلى عاد كان من أنفسها وأوسطها.

وقال أكثر هذه الفرقة : إنّ عابر بن شالخ بن أرفخشذ بن سام هو النّبيّ المرسل ، وإنّه عاش (٤٢٠) سنة ، وعاش عاد بن عوص ثلاث مئة سنة وما مات حتّى ملأ أولاده البلاد ، وأدرك أوّل ملك الخلجان من ولده ، وهو الّذي هلكت عاد في عصره ، واحتجّ هؤلاء بحجّتين ؛ إحداهما : قول علقمة بن ذي جدن [من الطّويل] :

سأبكي لقومي حميرا أن تجرّموا

وأصبح منهم ملكهم متمزّقا

تراث نبيّ الله هود بن شالخ

بنيه بني قحطان غربا ومشرقا

وقول النّعمان بن بشير الأنصاريّ [من الطّويل] :

فمنّا سراة النّاس هود وصالح

وذو الكفل منّا والملوك الأعاظم

وقول حسّان بن ثابت الأنصاريّ [من الطّويل] :

فنحن بنو قحطان والملك والعلا

ومنّا نبيّ الله هود الأحابر

وإدريس ما إن كان في النّاس مثله

ولا مثل ذي القرنين أبناء عابر

قال يعرب [من الوافر] :

بنيّ أبوكم لم يعد عمّا

به وصّاه قحطان بن هود

والحجّة الثّانية : أنهم ذكروا أنّ حمير بن سبأ سيّر جرهما إلى الحرم وأرض الحجاز ، وأمّر عليهم هيّ بن بيّ بن جرهم بن يقطن بن عابر.

١٠٢١

وقال الخزاعيّ : هو هيّ بن بيّ بن جرهم بن الغوث بن يشدد بن سعد بن جرهم فلمّا صاروا بأسفل مكّة .. إذا هم بهاجر ومعها ابنها إسماعيل بن إبراهيم ، ولمّا أخبرتهم بنسبه .. عرفوه ، وذكروا القرابة ، ورغّبهم قربهم في مجاورته ، فكان حمير بن سبأ في درجة إبراهيم في النّسب إلى عابر ؛ إذ هو إبراهيم بن آزر ، وهو تارخ بن شاروخ بن أرعواء بن فالخ بن عابر ، وحمير بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان بن عابر ، وكذلك من قال : إنّ عابر هو هود بن عبد الله بن خالد بن الخلود بن عاد بن عوص بن إرم بن سام بن نوح ، وهذا أقرب القولين إلى ما يلائم الصّواب.

وقالت الفرقة الرّابعة : إنّ حمير وجرهم قبل عاد وثمود بدهور طويلة ، وإنّ جرهم لم تكن يوم عثرت على إسماعيل وأمّه وعلى زمزم سيّارة من اليمن ، وإنّما كان حمير بن سبأ ، سيّرهم إلى جبال الحرم ولاة على العماليق وعبد ضخم ، فكانوا بنجد والطّائف وأجبل الحرم ، فأقاموا دهورا لا يدخلون وادي مكّة ـ إذ كان خاويا ـ إلّا لرعي ، حتّى خرج الحارث بن مضاض بن عمر بن سعد بن الرّقيب بن ظالم بن هيّ بن بيّ بن جرهم بن قحطان في عصبة ترود من جرهم ، فوجدوا إسماعيل وأمّه فعرّفته بالنّسب ، فرغب في المقام معهما ، فأقام وجميع جرهم معه ، وتزوّج إسماعيل إلى العماليق ، ثمّ إلى الحارث بن مضاض.

أقول : وهذا بالحقيقة لا يردّ ما قبله ، بل يؤيّده ؛ إذ لم يزد بين الحارث وهيّ بن بيّ إلّا خمسة ، وهذه لا تغبّر على شيء كما يتوضّح من قول الفرقة الخامسة : إنّ الاحتجاج بمعادّة الآباء سبب ضعيف ؛ لاختلاف أعمار النّاس) اه بنوع تصرّف واختصار.

والقول الّذي ينبغي اعتماده هو ما تكرّر عند الهمدانيّ وغيره : إنّ حمير ابن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان بن هود.

وأمّا السّوق الّتي تقوم في ذلك الشّعب .. فقد مرّ خبرها في وادي العين ، وكانت هذه السّوق كما ب «الأصل» عن «بلوغ الأرب» تقام في النّصف من شعبان ، وما زال عليه الأمر بحضرموت إلى ما قبل اليوم بنحو من مئتي سنة ، فتغيّر قليلا.

١٠٢٢

وفي مكاتبة بتاريخ (٥) شعبان سنة (١٢٠٢ ه‍) من السّيّد أحمد بن حسن بن عبد الله الحدّاد سيّرها للسّيّد محمّد بن حسن بن محمّد مولى خيله .. تدلّ على أنّ تأخّر الزّيارة عن نصف شعبان إنّما كان بعد القطب الحدّاد ، غير أنّ في «مجموع كلام القطب الحدّاد» (١) ما يدلّ على أنّ بدء التّغيير كان في أيّامه ، فصار أهل سيئون ومن في غربيّهم يدخلون الشّعب في اليوم الثّامن من شعبان ، وينفرون في العاشر ، وآل تريم يردون في التّاسع وينقلبون في الحادي عشر ، وآل عينات يدخلون في العاشر ويصدرون في الثّاني عشر.

ثمّ حاول العلّامة السّيّد أحمد بن حسن العطّاس إرجاع الأمر إلى ما كان من الاجتماع هناك للنّصف من شعبان ، فتمّ له الأمر بعد مراجعات (٢) ، ثمّ اختلف أهل تريم وآل عينات على شرف المجلس الحافل وقراءة دعاء شعبان وإمامة العشائين فيه ، وأهل عينات يقنعون بالمقاسمة ، لكنّ أهل تريم لا يرضيهم إلّا الاستئثار بالجميع ، وتفاقم الأمر حتّى انتهى إلى حرب صوريّة كعادة حروب آل حضرموت ، ثمّ لم تسوّ القضيّة إلّا بإعادة الأمر إلى ما كان عليه بالآخر.

ولقد حضرت تلك المحافل المشهورة بذلك الشّعب الشّريف كثيرا من المرّات ، أوّلها الّتي لا أزال جامعا منها يديّ على غذاء الرّوح وتباشير الفتوح هي الّتي كانت بمعيّة والدي وشيخي الأستاذ الأبرّ عيدروس بن عمر ، حوالي سنة (١٣١١ ه‍) ، وفيها كانت محاورات فقهيّة ، سببها :

أنّ سيّدي عمر بن عيدروس بن علويّ العيدروس وإخوانه والشّيخ الجليل محمّد بن أحمد الخطيب في ناس من تريم تبعوا سيّدي الأستاذ الأبرّ عيدروس بن عمر

__________________

(١) المعروف ب «تثبيت الفؤاد».

(٢) وكان قد ورد إليه خطاب من علماء تريم ومناصبها بتوقيع السادة : أحمد بن حامد باعلوي ، ومحمد بن إبراهيم بلفقيه ، وعلي بن حسن بن عمر الحداد ، وكافة سادة تريم مؤرخا في فاتحة شعبان (١٣٢٦ ه‍) ، يطلبون منه القدوم إلى تريم للقيام بالزيارة بمعيته ، والنزول على رأيه من إعادة التراتيب السلفية لهذه الزيارة. وقد دوّن تفاصيل هذه الرحلة ومجرياتها تلميذه العلامة علوي بن طاهر الحداد ، وهي موجودة متداولة في عدة كراريس ، وقد قرأها على شيخه وأقرها ، وفيها فوائد عزيزة.

١٠٢٣

في جمع العشاء تقديما مع المغرب بمسجد العجز مع الذّهاب ، مع أنّ ما بين تريم والشّعب لا يبلغ القصر ، والظّاهر أنّ سيّدي الأستاذ الأبرّ يقصر ويجمع في سائر صلواته ، لكن لا أثبت حفظا إلّا ما كان تلك اللّيلة.

ثمّ كانت بعدها مرّات كثيرة ، وأذكرها عندي ـ لأكثريّة جمعها ـ هي الّتي كانت في سنة (١٣٢٤ ه‍) (١).

وقد تداول الخطابة في محافلها جماعة من الأفاضل ، وهم : السّيّد عليّ بن محمّد الحبشيّ. وسيّدي الوالد علويّ بن عبد الرّحمن السّقّاف. والسّيّد عمر بن عيدروس ، المتوفّى عن عمر قصير في آخر سنة (١٣٢٨ ه‍) بتريم ، وكان خطيبا مفوّها ، آمرا بالمعروف ، ناهيا عن المنكر ، يتكلّم على النّاس في أيّام الشّيوخ المراجيح ، وكان بدء خطابته أنّه قرأ رسالة لسيّدي الأستاذ الأبرّ في مجمع مولد السّيّد عليّ بن محمّد الحبشيّ ، ثمّ علّق عليها وتيسّر له من بعدها الكلام.

ولا أذكر غير هؤلاء ، إمّا لنسيان ، أو لانحصارها فيهم.

وقد حضر ذلك العام سيّدي العلّامة المتفنّن في أنواع المعارف شهاب الدّين أحمد بن أبي بكر ابن سميط في جمع ليس بالقليل من آل شبام.

وحضرتها أيضا في سنة (١٣٤٠ ه‍) ، وكانت مشهودة من نواحي حضرموت .. دوعن فما دونها ، والسّواحل فما وراءها ، وكانت الخطابة خاصّة بي في اليوم الثّاني عشر ، وفي صباح اليوم الثّالث عشر كانت للعلّامة الفاضل السّيّد أحمد بن عبد الرّحمن ابن عليّ السّقّاف ، المتوفّى بسيئون سنة (١٣٥٧ ه‍) ، وبعد ظهره لي وللأخ العلّامة السّيّد عبد الله بن عمر الشّاطريّ ، وفي اليوم الرّابع عشر ـ وهو أعظمها حفلا يترأسه منصب الشّيخ أبي بكر بن سالم ـ كانت الخطابة إليّ وإلى الأخ الفاضل حسن بن إسماعيل عالم آل الشّيخ أبي بكر بن سالم.

وفي سنة (١٣٥٠ ه‍) كان أكثر الخطابة إليّ ، وشاركني العلّامة الفاضل الجليل

__________________

(١) سنة توفي والد المؤلف.

١٠٢٤

الأخ عبد الله بن عمر الشّاطريّ في اليوم التّاسع ، والفاضل النّبيه الأخ حسن بن إسماعيل في اليوم العاشر. وكانت الزّيارة في تلك السّنة أعيدت إلى ما كانت عليه ، بخلاف سنة (١٣٤٠ ه‍).

وكان الذّكيّ اللّغويّ المرحوم محمّد بن أحمد بن يحيى معنا ذلك العام (١) ، فاختزل خطبتي في حفل السّادة آل الشّيخ أبي بكر بن سالم ، فأضيفت إلى مجموعة الخطب.

وفي تلك المرّة كانت ضجّة خفيفة بسبب أنّني كنت مقيما بتريم ، ومنها عزمت إلى شعب نبيّ الله هود عليه السّلام مع آل سيئون ومن لفّهم ، وقد طال مجلس الخطابة في اليوم الثّامن حتّى وجبت الظّهر ، فصلّيتها بهم والعصر مقدّما معها مقصورتين ، فزعم بعضهم أن لا رخصة لي ؛ لأنّ المسافة من تريم إلى شعب نبيّ الله هود عليه السّلام لم تبلغ القصر ، فقلت لهم : إنّني بركوبي من تريم أنشأت سفرا طويلا منها إلى الشّعب وإلى سيئون إيابا ، بدون تخلّل إقامة قاطعة للسّفر ، وذكرت لهم قول العلّامة ابن حجر في «التّحفة» : (يقع لكثير من الحجّاج أنّهم يدخلون مكّة قبل الوقوف بنحو يوم ناوين الإقامة بمكّة بعد رجوعهم من منى أربعة أيّام فأكثر ، فهل ينقطع سفرهم أو يستمرّ إلى عودهم من منى ؛ لأنّه من مقصدهم ، فلا تؤثّر نيّة الإقامة إلّا عند الشّروع فيها؟ للنّظر فيه مجال ، وكلامهم محتمل ، والثّاني أقرب) اه

فاقتنع بعضهم ، وأصرّ آخرون على تخطئتي .. وللنّاظر البحث.

ثمّ ذكّرني الولد الفقيه علويّ بن عبد الله أنّ البحث طال في المسألة أيّام تدريسي في «المنهاج» والتزامي بإملاء عبائر «التّحفة» و «النّهاية» و «الأسنى» وحواشيهما من حفظي بعد التّعليق وكان سيّدي الوالد علويّ بن عبد الرّحمن السّقّاف هو الّذي قلّدني ذلك والعود ريّان ، والعارض عريان ، والشّيوخ كثير ، وعدد أهل العلم وفير ، فكنت كما قال نهار بن توسعة [من الخفيف] :

قلّدته عرى الأمور نزار

قبل أن تهلك السّراة البحور

__________________

(١) أي : سنة (١٣٥٠ ه‍).

١٠٢٥

لا كما قال الأسود [من الوافر] :

وسادت بعد مهلكهم رجال

ولو لا يوم بدر لم يسودوا

وبما نال من التّوفيق ، واشتمل ، على التّحقيق .. كان لا يتخلّف عنه إلّا الشّاذّ قال : ولمّا قرّرت نحو ما هنا .. وافق الأكثرون ؛ كالأجلّاء : الفاضل السّيّد عبد الله بن حسين (١) ، والسّيّد محمّد بن حامد بن عمر ، والشّيخ محمّد بن محمّد باكثير ، والشّيخ عوض الصّبّان ، وعمر بن أحمد بن جعفر ، وعبد الله بن شيخ بن محمّد ، وجعفر بن عبد الله ، وسالم بن صافي ، والشّيخ أحمد بن محمّد بارجاء ، وغيرهم.

وخالف الشّيخان عمر عبيد ومحفوظ بن عبد القادر آل حسّان ، واشتدّ الجدال ، وتشادقت الرّجال ، وأحضر «الإيعاب» وفيه ما هو أصرح من «التّحفة» وقد نظمه (٢) الشّيخ محمّد باكثير بقوله [من الرّجز] :

ومن يسر من نحو (سيئون) إلى

زيارة النّبيّ هود مثلا

وكان لمّا وصل (الغنّا) نوى

عودا إلى (سيئون) بعد أن أوى

فالآن لا ترخّصن له ول

كن إن يجدّد قصد هود مقبلا

ففي الذّهاب والإياب كان له

ترخّص والنّقل في ذي المسأله

جاء صريح النّصّ في «الإيعاب»

عزاه في «المجموع» للأصحاب

والشّافعيّ وهو أنّ من أتى

للحجّ من بلاده موقّتا

ثمّ أتى (مكّة) ناويا إقا

مة تنافي نحو قصر مطلقا

فليترخّصن ذهابا وإياب

وذي وتلك كالغراب والقراب

ومع هذا أصرّ الشّيخان عمر ومحفوظ على خلافي ، فأنا أمهّد العذر لمن أنكر عليّ بعد ؛ لأنّ له بهذين على ثقوب فهمهما أسوة.

__________________

(١) والد السيد علوي المذكور آنفا.

(٢) وللشيخ محمد باكثير نظم لكثير من المسائل الفقهية والنحوية وقيودها.

١٠٢٦

هذا حاصل ما أخبرني به الولد علويّ فتذكّرته.

وبعد هذا كلّه ذكرت أنّ سيّدي الأستاذ الأبرّ عيدروس بن عمر في زيارته السّابق ذكرها أقام بتريم قبل أن ينشىء السّفر إلى الشّعب أكثر من أربعة أيّام صحيحة وهو يقصر ويجمع كما تقدّم ، وكفى به حجّة ، ولو أنّني ذكرت ذلك لعمر عبيد ومحفوظ آل حسّان .. لأذعنا لما ذهبت إليه ، ولكنّني نسيت ، وما أنساني إلّا الشّيطان.

أمّا الحديث الصّحيح : «لا تشدّ الرّحال إلّا إلى ثلاثة مساجد» .. فقد اختلف فيه ، والأكثرون على أنّه عامّ مخصوص بالمساجد ، فلا تشدّ الرّحال إلى شيء منها لتقاربها في الفضيلة .. ما عدا الثّلاثة ؛ لتميّزها بزيادتها فيه ؛ إذ لا يحرم بالاتّفاق شدّها للتّجارة وطلب العلم وزيارة الأحباب والصّالحين من الأحياء وما أشبه ذلك ، ولكن قد نصّ إمام الحرمين ـ ومثله القاضي حسين ـ على تحريم السّفر لزيارة القبور ، واختاره القاضي عياض بن موسى بن عياض في «إكماله» ، وهو من أفضل متأخّري المالكيّة ، وقام وقعد في ذلك الشّيخ الإمام ابن تيميّة ، وخطّأه قوم ، وصوّبه آخرون ، ومهما يكن من الأمر .. فليسعه ما وسع الجوينيّ والقاضيين حسينا وعياضا ، ولكنّهم أفردوه باللّوم ، والقول واحد.

وقال مالك بن أنس : من نذر المشي إلى مسجد من المساجد ليصلّي فيه .. كرهت ذلك ؛ لقوله صلّى الله عليه وآله وسلّم : «لا تشدّ الرّحال إلّا إلى ثلاثة مساجد».

وقال ابن كجّ ـ من كبار أصحاب الشّافعيّ ـ : إنّ الزّيارة قربة تلزم بالنّذر.

والخطب يسير لم يوسّعه إلّا الحسد والتّعصّب ، وإلّا .. فالتّثريب في موضع الاختلاف ممنوع.

وأيّام الشّعب ـ بما فيها من الصّفاء والأنس والأفراح والمزاورات ـ أشبه بأيّام منى (١)

__________________

(١) وذلك من عدة وجوه ؛ منها : أن الإقامة بها لا تتجاوز الأربعة الأيام. والروحانية العظيمة التي تغمر الحضور. وأن غرض القادمين إليها هو التعبد والخلوة في ذلك الشعب. ووجود الأسواق بها كما في منى. وكونها في واد لا يقصده أحد إلا في أثناء ذلك الموسم وخلوّه باقي أيام السنة.

١٠٢٧

من الجرادة بالجرادة ، وفيها الدّعاء يجاب ، والغمّى تنجاب (١) ، والرّحمى لا تنتقر (٢) ، وشقاشق الخطباء لا تقرّ ، وثمّ تذرف العيون ، وتغرق الجفون ، وتبتلّ الأردان (٣) ، وتقشعرّ الأبدان ، وترجف القلوب ، ويحصل المطلوب ، ويتحدّث النّاس في خطابة جدّي المحسن بتلك المشاهد عن أمر عظيم.

وقد علم الحيّ اليمانون أنّه

إذا قال : أمّا بعد .. فهو خطيبها (٤)

وتنعقد ثمّ الأسواق المجلوبة إليها الأغنام والإبل من أطراف بلاد المهرة والمناهيل ، غير أنّ الآخرين (٥) لا يمكّنون الأوّلين (٦) من دخولها إلّا في اليوم العاشر ، أمّا ما قبله .. فلهم الأثرة به.

ومن وراء شعب نبيّ الله هود عليه السّلام : وادي ينحب (٧) ، ووادي يسحر.

ثمّ : مقاشع ، وهي قرية بالية ليس بها إلّا الآثار القديمة. ثمّ : سنا.

وفي «شمس الظّهيرة» [١ / ٣٢٨] في ذكر عبد الرّحمن بن أحمد يبحر بن محمّد حذلقات : (من عقبه آل بيت الهادي بالبادية : بالجزع وراطح ، وآل بارزينة بالجزع ، وسنا قرب هود ، وآل مخضرم بسنا وفغمه) اه

وفيها أناس من آل تميم.

والظّاهر أنّ سنا على اسم : سنا بن السّكون بن الأشرس بن كندة ؛ فقد جاء في

__________________

(١) تنجاب : تنشقّ.

(٢) تنتقر : تختص أحدا دون أحد.

(٣) الأردان : الأكمام ، وهو كناية عن شدّة البكاء ؛ حيث لم يبق مع الباكي مناديل يمسح دموعه بها فيمسحها بأكمامه.

(٤) البيت من الطّويل.

(٥) أي : المناهيل.

(٦) أي : أهل المهرة.

(٧) بفتح فسكون فضم ، واد بالغرب من سنا فيما وراء شعب النبي هود ، وهو من الأودية التي تسيل من نجد المناهيل فتصب جنوبا في وادي حضرموت. «مقحفي» (٢ / ١٩٢٦).

١٠٢٨

«روضة الألباب وتحفة الأحباب» لعزّ الإسلام محمّد بن عبد الله بن عليّ بن الحسين الشّهير بأبي علامة : أنّ تريم وشبام وسنا بنو السّكون بن الأشرس بن كندة بن عفير ، وذكر أن تريما وسنا بحضرموت.

وقد سبق هذا في شبام ، لكنّ المقصود هنا : كون سنا بحضرموت ، سواء كان ابن السّكون أو ابن حضرموت.

ومن أقرب شيء أن تكون سنا هذه على اسمه حسبما جرت عادتهم بذلك من تسمية البلاد بأسماء السّكّان.

وفي آخر «فتاوى شيخنا المشهور» عن الغسّانيّ : أنّ حضرموت ابن سبأ الأصغر ؛ فمن ولده : الحارث وفوّه وسيبان وربيعة وشبام وسبأ. اه والظّاهر أنّ سبأ المعطوف على شبام محرّف عن سنا بالفوقيّة ؛ ليوافق ما في «روضة الألباب» من جهة.

طبوقم

على عشرين ساعة من سنا إلى جهة الشّرق بليدة يقال لها : طبوقم ، لا يقيم بها السّكّان إلّا ريثما يزرعون ويحصدون.

وقبيلها : موضع سدّ سنا (١) السّابق ذكره في الحسيّسة ـ على الصّورة المذكورة آخر هذه الصّفحة ـ فالأخدود ما بين الخطّين الأحمرين ، وقد انخفض الآن انخفاضا هائلا.

والبياض الّذي بجانبي الخطّين الأحمرين والأزرقين هو مستوى الأرض.

__________________

(١) سد سنا : هو سدّ قديم كانت تنهر إليه سيول الأمطار النازلة من نجد المناهيل ثم تذهب إلى بلاد المهرة. وقد كانت المنطقة الواقعة بين قبر هود عليه السلام ووادي سنا من أخصب البقاع في حضرموت ، ومن أكثرها خيرات وأوفرها غلّات ، ولكن حينما انهدّ هذا السد الذي كان قائما في شمال وادي سنا فيما يرجع إلى ما قبل الإسلام .. أجدبت تلك المنطقة وأجدب معها كل الوادي إلى المهرة. اه «مقحفي» (١ / ٨١٤).

١٠٢٩

والبياض الهلاليّ في الجانبين كان مرتفعا عن سطح الأرض بقليل ، ومنه تفيض السّيول ؛ لأنّها متى أقبلت .. صدمتها الآكام المرسومة بالحمرة فارتدّت إلى جانبيها المرسومين بالزّرقة ، ثمّ لا تفيض إلا من ذينك الجانبين ، ومنهما تنهر إلى أرض المهرة ، غير أنّ الأكمة المرسومة بالحمرة كانت رخوة فصدعها السّيل ، ومنذ جرفتها .. بدأ يخدّ في الأرض ، فارتفع سطحها عن مجرى السّيل ، وكلّما أعمق الماء في الأخدود .. زاد حرمانها من الماء.

وزعم بعض أهل الحدس والنّظر من أهل شبام أنّهم يعرفون وصول ماء السّيل إلى النّقرة بزيادة جري الماء في المسيال الواقع في جنوب شبام ؛ إذ يكون جريه قبل وصولها رهوا ، فإذا انتهى إليها .. اشتدّ جدّا. وهو مقبول ؛ إذ قالوا بأنّ الحجر السّاقط من علوّ أو الماء المنصبّ منه تتضاعف قوّته بمقدار بعد المسافة ، وهذا من نوعه ، وقد سبق في النّقرة والحسيّسة والكسر ما يتعلّق بهذا (١).

__________________

(١) وهذه صورة تقريبية لما أراده المؤلف رحمه الله تعالى.

١٠٣٠

القسم الثّالث

في نجود حضرموت من أعلاها إلى أسفلها

١٠٣١

١٠٣٢

القسم الثّالث

في نجود حضرموت من أعلاها إلى أسفلها

اعلم : أنّ ما سبق في القسمين الأوّل والثّاني كلّه غور (١) ، إلّا ما كان من نحو الضّليعة وبعض ما قبلها في الثّاني ؛ فإنّها من السّوط ؛ فإنّه نجد في رأس جبل ، فيه مضارب آل بلعبيد ، وهم قبيلة لا تزال لها خشونتها إلى اليوم ـ كما سبق ـ لا يبالون بعسكر القعيطيّ ، بل كلّما لاقوهم .. قتلوهم. وهم عدّة ديار : آل مزعب ، وآل باكرش ، والجهمة ، وسلم ، وبلّحول ، يقدّر مجموعهم بثلاثة آلاف رام.

وفي «سبائك الذّهب» : (أنّ بني العبيد ـ بضمّ العين ـ : بطن من سليح من قضاعة ، وهم من أشراف العرب ، وإليهم يشير الأعشى بقوله [في «ديوانه» ١٣٥ من الوافر] :

 ...

ولست من الكرام بني العبيد

والنّسبة إليهم : عبدي ؛ كما قالوا في هذيل : هذلي).

وقال في «العبر» : (كان لهم ملك يتوارثونه بالحصن الحصين الباقية آثاره في برّيّة سنجار من الجزيرة الفراتيّة ، إلى أن كان آخرهم الضّيزن بن معاوية بن العبيد) اه

والعبيد هو ابن الأبصر بن عمرو بن أشجع بن سليح بن حلوان بن عمران بن الحافي بن قضاعة.

وممّا يتأكّد به كون آل بلعبيد أهل السّوط هم من هؤلاء .. وجودهم في نواحي قضاعة ، وقربهم من يبعث ، وقد سبق فيه أنّ سكّانه الّذين كتب إليهم رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم من أبناء ضمعج ، وهو قريب من ضعجم ، وأنّ ضعجم هو

__________________

(١) أي : منخفض من الأرض.

١٠٣٣

ابن سعد بن سليح بن حلوان بن عمران بن الحافي بن قضاعة.

ولسليح القضاعيّ خبر مع غسّان استوفاه ابن شريّة (١) ، وسبق ذرو منه في يبعث.

وأمّا نجود حضرموت .. فقسمان :

أحدهما : الجنوبيّ ؛ وفي أعلاه : كور سيبان ، والحالكة ، والعكابرة ، والخربة ، وبحسن.

ومنها تكون الطّريق من السّاحل إلى وادي حمم ، ثمّ الخريبة ، ودوعن.

ووادي حمم (٢) ، هو واد طويل كثير النّخيل والأشجار والعيون ، يسكنه آل باهبريّ ، من قديم الزّمان ، ولهم ذكر كثير ولا سيّما في حروب القرن العاشر ، وفيه ناس من السّادة آل العطّاس وغيرهم.

ثم : حويرة (٣).

ومنها تنشعب الطّرق إلى وادي العين ، وإلى وادي بن عليّ.

وفي شمال حويرة إلى الشّرق : ريدة المعارّة وريدة الجوهيّين ، ومنهما تشرع الطّرق إلى حضرموت ، وإلى عقبة الفقره ، وعقبة العرشه ، وعقبة عبد الله غريب ، وعقبة عثه ، تنزل هذه كلّها إلى السّاحل ، وقد أصلحت في الأخير طريق للسّيّارات في هذا الجبل.

والمسافة بمشي السّيّارة بالتّقريب من الغرف إلى أوّله ـ عقبة الغزّ ـ نحو ثلاث

__________________

(١) هو عبيد بن شريّة الجرهمي ، توفي حوالي (٦٧ ه‍) ، راوية من المعمرين ، إن صح وثبت وجوده ..

فهو أول من صنف الكتب من العرب ، مما ينسب له : «كتاب الملوك وأخبار الماضين» طبع مع كتاب : «التيجان وملوك حمير» المنسوب لابن هشام ، وسمّاه ناشره : «أخبار عبيد بن شرية في أخبار اليمن وأشعارها وأنسابها». وله : «كتاب الأمثال» ، ويرى بعض المستشرقين أن عبيدا هذا من مخترعات بعض المؤرخين ، ينظر : «الأعلام» (٤ / ١٨٩).

(٢) ينظر في وصف هذا الوادي والطريق المؤدية من الساحل عبره إلى وادي دوعن .. كتاب «الشامل» (٨٩ ـ ٩١) وما بعدها.

(٣) حويرة : قرية وواد في طريق القوافل للقادم من الحرشيات ، ورأس حويرة الآن هو مفرق الطرق المؤدية إلى وادي دوعن الأيمن والأيسر ، ينظر تفصيل هذه الطريق في «الشامل» (٩١ ـ ٩٣).

١٠٣٤

ساعات ، ومنها إلى ريدة الجوهيّين والمعارّة ثلاث ساعات.

ومن الرّيدتين إلى عقبة الفقره يكثر الازورار والانعطاف ؛ لكثرة القور والشّناخيب بذلك الطّرف ، فبطن ذلك الجبل الّذي يلي حضرموت أشبه بظهر الضّبّ ، وأمّا ما يلي عقبة الفقره في شمالها .. فأشبه بذنبه ، والسّيّارات فيه يحيط بها خطر السّقوط إذا لم يمهر السّائقون.

والمسافة إلى الفقره نحو ثلاث ساعات.

ومنها إلى الشّحر نحو ساعتين (١).

وفي هذا النّجد جول عبول ، وهو الّذي توفّي به سيّدنا العيدروس الأكبر مرجعه من الشّحر إلى تريم (٢) ، على ثلاث مراحل من تريم ومرحلتين من الشّحر.

وفيه أيضا : مقد العبيد (٣) ، سمّي بذلك لسبب يتعالم به الحضارمة ولا ندري ما نصيبه من الصّحّة ، إلّا أنّ آثار القبول ظاهرة عليه ؛ وهو : أنّ أحد سلاطين حضرموت بات به مع عبيده في ليلة شاتية ، وهو ممّا ينطبق عليه قول أبي الطّيّب [في «العكبريّ» ١ / ١٨ من الكامل] :

وعقاب لبنان وكيف بقطعها

وهو الشّتاء وصيفهنّ شتاء

فجمعوا عليه الرّحال والفراش ، وباتوا هم في نقل الحجارة من مكان إلى آخر .. فاندفع عنهم البرد بحرارة الأعمال ، وأصبح السّلطان ميتا من شدّته.

وفي أواخر هذا النّجد : غيل بن يمين (٤) ، ولسويد بن يمين ذكر كثير في شعر إمام الإباضيّة إبراهيم بن قيس ، وقلت في «الأصل» : يحتمل أن يكون سويد صاحب

__________________

(١) لمعرفة تفاصيل هذه الطرق والوديان .. يراجع «الشامل» (٩١) و (١٠٣) وما بعدها.

(٢) «المشرع» (٢ / ٣٦١).

(٣) وهذا المقد في طريق النازل من رأس حويرة إلى وادي دوعن ، والمقد : هو كل موضع جبلي صعب الصعود ، وأطلق على بعض المواضع.

(٤) غيل بن يمين : بلدة في وادي المسيلة ، ترتبط إداريا بمديرية الشحر ، وتبعد عنها أكثر من (٢٠٠ كم) ، كما تبعد عن سيئون نحو (١٥٠ كم) ، وتصب سيولها في وادي سنا.

١٠٣٥

هذا الغيل ، ويحتمل أن يكون المراد من شعر إبراهيم إنّما هو جدّ آل يمين النّهديّين الموجودين اليوم بالسّور ، وسفولة اليمنة ، على مقربة من طريق حريضة.

وقد سبق في حجر : أنّ طائفة من آل دغّار يقال لها : آل ابن يمين لا تزال بقاياها بقرية في حجر يقال لها : الحسين ، فلا يبعد أن تكون هي ، لا سيّما وأنّ القرائن المتوفّرة في شعر إبراهيم بن قيس تؤكّد ذلك.

ويقال للغيل المذكور : غيل الشّناظير أيضا ؛ نسبة ليافع الّذين استولوا عليه وقت اقتسامهم لحضرموت.

وفي حوادث سنة (٩٣٦ ه‍) (١) استولى السّلطان بدر بوطويرق على غيل ابن يمين ، ونهب أولاد يمين وطردهم ، فلجؤوا إلى الحموم ، وما كاد يتّصل هذا الخبر بالسّلطان محمّد أخي بدر بوطويرق .. إلّا وتكدّر واغتاظ وأظهر أنّه محشوم ، واتّسع الخلاف بينه وبين أخيه ، إلى أن سفر المصلحون ، وأرجع بدر أمر الغيل إلى أخيه محمّد فردّه لأولاد يمين.

وفي رحلة السّلطان عمر بن صالح هرهرة أنّ جعفر بن يمين قتل مع السّلطان عمر بن جعفر الكثيريّ في المعركة الّتي كانت بين يافع وآل كثير في بحران سنة (١١١٧ ه‍).

وللغيل هذا ذكر كثير في أخبارهم وحروبهم ، ثمّ استولت عليه طائفة من يافع يقال لهم الشّناظير ، ولذا ينسبه بعضهم إليهم كما سبق في تريم.

وسيول هذا الغيل تدفع إلى وادي سنا ، وأمّا ماؤه الجاري .. فالغالب عليه الإهمال.

وهو من النّقاط المعيّنة لسلاطين آل عبد الله الكثيريّ في المعاهدة ذات الإحدى عشرة مادّة ، ولم يذكر في وثيقة اقتسام الممالك بين السّلطانين منصور ومحسن ابني غالب بن محسن ، المحرّرة فاتحة رجب سنة (١٣٣٦ ه‍) ، فهو باق بينهم على

__________________

(١) تفاصيلها في «تاريخ بافقيه» (١٩٢).

١٠٣٦

الشّركة الشّائعة ، وأكثر معوّل الدّولة الكثيريّة في حمايته على الحموم إزاء امتيازات لهم فيه ، وهم الّذين طردوا عنه الشّناظير من يافع سنة (١٢٧٥ ه‍).

وفيه جماعة من ذرّيّة السّيّد عمر بن أحمد بن قطبان ، وبالبادية حواليه جماعة من بادية العلويّين (١) كبيت سهل ، وبيت حمودة ، وبيت قرموص ، وبيت عقيل ، وبيت الحنشش ، وبيت محسن ، وبيت الأخسف ، وبيت كدحوم (٢).

منهم جماعة اشتهروا بالنّجدة والشّجاعة الخارقة ؛ كالسّيّد حسن بالحنشش ، والسّيّد عميّر ؛ فقد كانا مضرب المثل في ذلك.

 ...

إنسا إذا نزلوا ، جنّا إذا ركبوا

لا ، بل كانوا جنّا وشياطين دائما ، حتّى إنّ الأمّهات ليروّعن بهم الصّبيان ليسكتوا عن البكاء ؛ لأنّهم من أكثر النّاس شرّا وقيادة للغارات.

ومنها غارة سنة (١٣١٨ ه‍) ؛ فقد نهبوا قافلة الحجيج الصّادرة من المكلّا إلى حضرموت ، وفيها السّيّد سالم بن محمّد بن عليّ بن محمّد السّقّاف ، والسّيّد عبد الرّحمن بن عبد القادر البحر ، وكان السّيّد حسن بالحنشش هو القائد العامّ لتلك الغزوة ، غير أنّهم بعد ما نهبوا الحاجّ .. هاجمتهم سيبان والعوابثة وهم غارّون فقتلت منهم نحوا من خمسين ، وأخذت ما استولوا عليها من أموال الحجّاج على نيّة إرجاعه لهم ، ثمّ خاسوا بتلك النّيّة ، وبيناهم يقتسمون .. عطف عليهم السّيّد حسن بالحنشش بقومه وكثرت القتلى من الجانبين ، ولم يحجز بينهم إلّا حرّ النّهار ، وكان الوقت خريفا.

__________________

(١) بادية العلويين تنسب إما : إلى أحمد بن أبي بكر السكران ، ومنهم الذين ذكرهم المؤلف ، أو : إلى علوي بن محمد مولى الدويلة ؛ ومنهم : آل زحوم ، وبيت فدعق ، أو : إلى أحمد بن الفقيه ، ومنهم : بيت بو بكر ، وبيت الرديني «المعجم اللطيف» (٦٢ ـ ٦٦).

(٢) في «المعجم اللطيف» لم يذكر هذا الاسم ، لكن ذكر بيت دحوم وبيت كحوم وهم من آل أحمد السكران ، وبيت زحوم من آل مولى الدويلة ، وهم غير آل زحوم آل باجبّار ، من فروع آل باجابر سكان بروم .. فليعلم.

١٠٣٧

وهذه من كبريات حوادث بادية حضرموت إن لم تكن أكبرها على الإطلاق ؛ فلقد أنتنت من جيفهم الجبال وسنقت الوحوش (١) من لحومهم.

وفي النّاحية الغربيّة من هذا النّجد طريق أخرى للسّيّارات ، تخرج من المكلّا ، وتمرّ في أعلى وادي حمم إلى جبال دوعن ، ثمّ تنزل بجحي الخنابشة ، ومنه إلى الكسر ، ثمّ إلى شبام.

وهناك تتّصل الطّريقان ، وتدخل في كلّ واحد من النّجدين أودية كثيرة كعمد ووادي دوعن ووادي العين ووادي بن عليّ وشحوح ووادي تاربه وبايوت والقرى الّتي في جنوب الغرف إلى عقبة الغزّ.

فهذه كلّها داخلة في النّجد الجنوبيّ ، وكوادي سر ويبهوض وجعيمه ووادي مدر ووادي الذّهب والخون وغيرها ، فكلّها داخلة في النّجد الشّماليّ كما سنذكره بعد أسطر.

وأمّا الثّاني : فالنّجد الشّماليّ (٢) ؛ وهو جبل ينقاد من قرب سيحوت شرقا إلى محاذات العبر غربا ، إلّا أنّه يستدقّ في طرفيه ، وتعقبه في الغرب آكام وقور (٣). وعرضه تارة ينبسط إلى مسافة ثمانية أيّام ، وأخرى ينقبض إلى خمسة أيّام فقط ، ومنه تنشعب الأودية إلى وادي الجابية ، ووادي سور ، ووادي هينن ، وأودية سر ، وجعيمه ، ومدر ، وثبي ، ووادي الغبيرا الّذي ينهر إلى دمّون ، ووادي الخون ، وسويدف ، ووادي عرده ، ووادي طبوقم من أودية الظّنّيّ ، وبعدهنّ وادي عشارهم ، وهو من أودية المهريّ وغيرها.

وارتفاعه من جهة الشّمال إلى الرّمال أقلّ من ارتفاعه في جهة جنوبه إلى حضرموت بكثير ، حتّى لقد تختلط أطرافه برمال الدّهناء ، كما سيأتي عن بير ثمود.

__________________

(١) سنقت : شبعت إلى حدّ التّخمة.

(٢) ينظر تفاصيل جغرافية هذا النجد في «الشامل» (١٢٠ ـ وما بعدها).

(٣) تكررت كلمة قور ، ولعل المراد بها جمع قارة ، والقارة : هي الأرض ذات الحجارة السوداء ، أو هي الجبل الصغير المنقطع عن الجبال.

١٠٣٨

وفي أوّل هذا النّجد غربا : ريدة الصّيعر (١) ، قال الهمدانيّ في عداد قرى حضرموت : (وريدة العباد وريدة الحرميّة) (٢).

وقال عمرو بن معديكرب الزّبيديّ [من الوافر] :

أولئك معشري وهم خيالي

وجدّي في كتيبتهم ومجدي

هم قتلوا عزيزا يوم لحج

وعلقمة ابن سعد يوم نجد

وما أظنّه يعني إلا هذا النّجد ؛ لأنّه أقام طويلا على مقربة منه بالكسر.

والصّيعر ـ كما عند الهمدانيّ (٣) وأجمع عليه مؤرّخو حضرموت ـ : قبيلة من الصّدف تنسب إليها ريدة ؛ ليفرّق بينها وبين ريدة أرضين (٤).

وقال في موضع آخر : (وكان الصّدف بحضرموت من يوم هم ، ثمّ فاءت إليهم كندة بعد مقتل ابن الجون يوم شعب جبلة لمّا انصرفوا عن غمر ذي كندة ، وفيهم الصّدف ، وتجيب ، والعباد من كندة ، وبنو معاوية بن كندة ، ويزيد بن معاوية ، وبنو وهب ، وبنو بدّا بن الحارث ، وبنو الرّائش بن الحارث ، وبنو عمر (٥) بن الحارث ، وبنو ذهل بن معاوية ، وبنو الحارث بن معاوية ، ومن السّكون فرقة ، وفرقة من همدان يقال لهم : المحاتل ، وفرقة من بلحارث بن كعب بريدة الصّيعر ، وإليها تنسب الإبل الصّيعريّة ، والأشلّة الصّيعريّة ، وفيها يقول طرفة [في «ديوانه» ٢٠٢ من الطّويل] :

__________________

(١) تقع منطقة الصيعر في شمال غرب حضرموت ، يحدها من الشمال : الربع الخالي ، ومن الجنوب : هينن ، وسور ، وحصن الغراب ، ومن الغرب : الربع الخالي ويافع ، ومن الشرق : وديان سر.

وهذه المنطقة من أقفر مناطق القطر الحضرمي وأجدبها ، وأنزرها ماء ، وتنعدم النباتات في المرتفعات ، ولا ترى هناك أثرا يدل على الحياة ، وفي المنخفضات توجد شجيرات النبق والسنط وقليل من الأعشاب القصيرة. «تاريخ البكري» (٢ / ١٠٨ ـ ١٠٩).

(٢) صفة جزيرة العرب (١٧٠).

(٣) في «الإكليل» (٢ / ٤١).

(٤) ونسبهم كما في «الإكليل» : (بنو الصيعر بن الأشموس بن مالك بن خريم بن مالك الصدفي) اه

(٥) في «الصفة» : (عمرو).

١٠٣٩

وبالسّفح آيات كأنّ رسومها

يمان وشته ريدة وسحول) اه (١)

وقد ناقشته في «الأصل» إذ زعم أنّ فيئة كندة إلى الصّدف بحضرموت أوّل عهدهم بها ؛ إذ لا يتّفق مع وجود السّبعين ملكا منهم بها متوّجين ؛ آخرهم الأشعث بن قيس.

وقد صرّح بأنّ العباد من كندة ، وفي «التّاج» [٨ / ٣٣٨] و «أصله» : (أنّ العباد من القبائل الشّتى الّتي اجتمعت على النّصرانيّة ، مع احتمال أن يكون جدّ العباد الكنديّين أحد أولئك ؛ فإنّه لا مانع منه).

وفي [٨ / ٧٨] من «خزانة الأدب» للبغدادي : (أنّ الصّدف بطن من كندة ينسبون اليوم إلى حضرموت) اه

وقد تفرّع كثير من قبائل حضرموت عن الصّيعر كما تكرّر مثله في هذا المجموع كآل باجمّال ، وآل باصهي ، وآل بابقي ، وآل باحنين ، وآل باكثير ، وآل الجرو ، وآل باحلوان ، وآل باغانم ، وكانوا ببور ، وآل بامطرف ، وآل بامزروع.

وبقي أهل الرّيدة على حالهم لم يتغيّر اسمهم ولا اسم بلادهم ، وقد سبق في الغرفة وغيرها أنّ آل باحلوان من قضاعة.

والصّيعر قبيلتان : آل مسلّم ، وآل حاتم ، وكلّ قبيلة تنقسم إلى بطون كثيرة (٢) ،

__________________

(١) صفة جزيرة العرب (١٦٦).

(٢) الصيعر : من بادية حضرموت ، ومرجعهم إلى كندة ، وهم كما في «الإكليل» للهمداني (٢ / ٤١) : من بني الصيعر بن الأشموس بن مالك بن حريم بن مالك الصدفي.

وهم قسمان كبيران : آل علي بلّيث ، وآل محمد بلّيث ، ومساكنهم في شمال غرب حضرموت ، ويحد أرضهم من الشمال : الربع الخالي ، ومن الجنوب : الكرب ونهد وحضرموت ، ومن الشرق : العوامر من المشقاص ، ومن الغرب : بلاد دهم ويام وعبيدة. وتسمى هذه المنطقة : حجر الصيعر ، أو : ريدة الصيعر ، وبعض منهم يسكن في أسفل دوعن ، وهم آل محفوظ في الهجرين وخريخر ، وآل قصيّر ، وآل مداعس ، وآل بن مساعد. قال بعض الرحالة الغربيين عن الصيعر وقبائلهم : وقبيلة الصيعر هذه تعرف بذئاب الصحراء ، وهي قبيلة كبيرة قوية ، وكانت قبائل جنوب الجزيرة كلها تخافها وتخشى بأسها لأنها تنهبها دون شفقة ، وتسطو عليها ، ولم يتمكن أوربي من الوصول إلى ربوعهم إلا «بوسكاف» الذي اصطاد الوعول في بلادهم عام (١٩٣١ م) ، وإلا «انجرامس» الذي قام بزيارة خاطفة لأطراف أراضيهم سنة (١٩٣٤ م) اه وهذا الرحالة هو المستر

١٠٤٠