إدام القوت في ذكر بلدان حضر الموت

السيّد عبد الرحمن بن عبيد الله السقّاف

إدام القوت في ذكر بلدان حضر الموت

المؤلف:

السيّد عبد الرحمن بن عبيد الله السقّاف


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار المنهاج للنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ١١١٠

فلا عشور ولا مكوس (١) عليهم ، ولا على مناصبهم : آل البيتي ، وآل العطّاس ، وآل باراس ، وآل الشّاطريّ ، وبافقيه ، وباعلويّ ، وابن مالك.

وعلى أن يبقى عشور الشّيخ سعيد بن عيسى العموديّ بحجر على حاله (٢).

وعلى قبائل نوّح أن يضعوا رهائن من أولادهم ـ للوفاء بذلك ـ من كلّ قبيلة ، وهم : بامسعود ، وبافقّاس ، وبادبيّان ، وبارشيد ، وهذه هي أقوى قبائلهم ، وفيها رئاستهم العامّة (٣).

وعلى أن تكون الرّهائن بنسبة القبائل كثرة وقلّة.

وكتب بينهم في ذلك عدّة وثائق موجودة بنصّها في «الأصل» [٢ / ٢٦٥ ـ ٢٦٩].

وبتمام الأمر انتهت البشارة إلى السّلطان عوض وهو على فراش الموت ، فقرّت عينه ، ولم يسلم روحه لبارئها إلّا مثلوج الصّدر من جهة حجر ، بارد الفؤاد.

وكان اهتمامه بها يشغل أكبر موضع من باله ، حتّى لقد قال في حجّه وهو متعلّق بأستار الكعبة في سنة (١٣١٧ ه‍) ـ حسبما أخبرني بذلك السّيّد حسين بن حامد المحضار ـ : أتوب إليك يا ربّ من كلّ ذنب ، إلّا من حجر وحضرموت (٤).

ولآل حجر عوارض قويّة في الأشعار العاميّة ـ كما يعرف ممّا مرّ ـ أخبرني السّيّد حسين بن حامد المحضار بأنّها كثيرا ما تحصل المهادنات بينهم أثناء الحرب ،

__________________

(١) المكوس : الضّرائب.

(٢) قال في «الشّامل» (ص ٧٩) عند ذكره الموضع المسمّى : جول باحيوة قال : (وإليه يأتي عامل الشّيخ العموديّ والي بضه ، فيستلم ربع العشور من التّمر ، وكان ذلك مستمرّا يورّد لزاوية الشّيخ سعيد بن عيسى العموديّ الوليّ الصّالح المشهور) اه

(٣) وكان رئيس القبائل في الصّلح المذكور هو : الشّيخ عبد الله بن أحمد الحاج.

(٤) زاد في «بضائع التابوت» (٢ / ٢٦٤) قوله : (فإنّه لا بد لي منهما) .. قال المصنف معقبا : فكان في ذلك كما قال أخو عامر وهو ممسك بوسائل البيت :

أتوب إليك يا رحمن ممّا

جنيت فقد تكاثرت الذّنوب

وأمّا من هوى ليلى وحبّي

زيارتها فإنّي لا أتوب

١٠١

فيتبادلون الزّيارات بين الأراجيز ودويّ البنادق ، وإن كان الواحد ليرتجل العشرين بيتا .. فلا يرتجزون إلّا بالأخير منها.

ومن أشعارهم الدّالّة على الإباء : قول أحدهم (١) :

والقعيطي نطح بالرّاس لمّا انكسر

جاه خنتوب من حرب النّمر في صنيفه

والله إنّ عشا نوّح ومبقى ضحاهم

حاملين البنادق والمقاصّ اللطيفه

واللّقا والوفا والوعد لى راس حوته

بانعارضه بانلقي حراوه وضيفه

لو يقع من مئة مقتول في قبر واحد

والنّبي ما التوى يدّه لعقد الشّريفه

فبقيت من هذا حزازة في نفس السّيّد حسين بن حامد ، لم يستطع أن ينفث بما يشفي صدره في جوابها إلّا ليلة دخولهم إلى المكلّا بعد إبرام المعاهدات ، فقال :

قالوا لي اليوم الشّريفه وكّلت

من بعد ما غلبت وصاليها غلب

بيدي عوادي شاربين المسكره

حملوا على (حوته) وخلفوا في السّلب

و (حوتة) : هي العقبة الكأداء الّتي أعجزتهم عن أخذها عنوة (٢) ، ولكن طفقوا يفتلون في الذّرى والغوارب (٣) حتّى وطّؤوا أكنافهم بالبذل ، ولهذا أجابه بعضهم قبل أن يبلع الرّيق بما نسيته ، ومعناه : لم تنفعك الأسلحة ولا الرّجال ، وإنّما نفعك ما بذلته من المال ، وكادوا يتواثبون إثر تلك المراجعات بالأراجيز الحارّة ، ولكن هدّأهم المناصب.

وأخبرني السّيّد حسين بن حامد : أنّه قال في إحدى مراجزه لهم في هدنة ذات الأيّام :

__________________

(١) واسمه : عمر بامحمد بامهدي (بامزاود) ، من البادبيّان.

(٢) لمعرفة موقع عقبة حوتة جغرافيّا .. ينظر الوصف الدّقيق الذي أورده صاحب «الشامل» (ص ٧٨).

وهي الطّريق الوحيد لمريد الوصول إلى المكلّا من حجر .. كما في «بضائع التابوت». ووقعة حوتة التاريخية تنظر في «الشّامل» (ص ٦٤).

(٣) الذّرى : أعالي كلّ شيء. الغوارب : أعالي الموج. والمعنى : أنّهم يحيكون المكائد ويؤججون الفتن حتى انصاع لهم ما يريدون.

١٠٢

يا حجر بن دغّار ماشي معذره

لو بانرادف في المقابر من ثنين

إن عاد شي تركوب والّا تبصره

والّا مع الله بالمطابق والكبين

فأجابه أحدهم ـ لا عن ذلّ ، ولكن خضع الجناح شيئا بما جبلوا عليه من كرم الضّيافة ـ فقال :

حيّا وسهلا بالوجيه الزّاهره

بالسّيّد المحضار بن حامد حسين

أنتوا وصلتوا والبشاره ظاهره

والزّين يخرج منّه الّا كلّ زين

قال : فأخجلني بهذا اللّطف ؛ لأنّي نزيلهم على ضيافتهم ، مع أنّه لم يخضع صريحا ، لا سيّما والبشارة محتملة للطّرفين ، والمساجلات الّتي بينهم تدخل في جزء. وعلى ألسنة الرّواة منها الشّيء الكثير (١).

وقال شيخنا المشهور في «شمس الظّهيرة» [١ / ٢١٥] : (وللسّيّد أبي بكر البيتيّ ابن إبراهيم بن السّقّاف عقب منتشر بحجر وكنينة ومحمدة) (٢).

وفيها أيضا [١ / ٣٦٨] : (أنّ للسّيّد أبي نميّ بن عبد الله بن شيخ بن عليّ المندرج أعقابا بكنينة ويون) (٣).

__________________

(١) ومن أراجيز السّيّد حسين بن حامد لمّا قدم السّادة آل العطّاس للصّلح بين نوّح والقعيطيّ :

الليلة العطاس جا بالنّوّحي

مقضي ومرضي بعد ضرّاب التّلام

ولعاد بااتكلم ولا باقول شي

مقبول عندي كلّ ما قاله تمام

(٢) ومن علماء السادة آل البيتي هؤلاء : القاضي الفقيه السيد محمد رشاد بن أحمد بن عبد الرحمن بن شيخ بن عبد الرحمن بن محمد بن شيخ بن عبد الرحمن بن شيخ بن إسماعيل بن أبي بكر البيتي ... إلى آخر النسب. ولد بكنينة (٢٠) رمضان سنة (١٣٤٤ ه‍) ، وتوفي والده بمحمده وعمره (١١) سنة ، وطلب العلم ببلده ، وتخرج بالفقيه محمد بن عوض العمودي الآتي ذكره ، وتخرج في القضاء بالسيد محسن بونمي ، وله شيوخ عدة ، وآثار علمية ، وهو مقيم بجدة نفع الله به.

ومنهم : السيد العلامة القاضي : أحمد الغزالي بن محمد المشهور البيتي ، ولد بكنينة ، وطلب العلم ، ثم تولى القضاء في حجر ، وانتقل بعد ذلك إلى عمان ، وهو صهر العلامة السيد حامد الجيلاني الآتي ذكره في الخريبة ، وهو من شيوخ القاضي محمد رشاد ، توفي سنة (١٣٨٠ ه‍) تقريبا.

(٣) صوابه : أبو نمي بن شيخ بن علي بن عبد الله وطب. وفي «المعجم اللّطيف» (ص ١٠٨ ـ ١٠٩) : أنّ الذي لقّب بالشّاطري من آل أبي نمي هو : السّيّد أبو بكر بن عبد الرّحمن بن محمود بن محمّد بن

١٠٣

وفيها [٤٢٠] : (أنّ لعلويّ بن عبد الله بن علويّ بن أحمد بن محمّد بن أحمد الكاف عقبا بحجر وكنينة) (١).

وفيها [٤٢١] : (وأمّا عمر الجفريّ : فذرّيّته بحجر).

وفيها : (أنّ عبد الله بن محمّد بن عبد الله التّريسيّ ابن علويّ الجفريّ الخوّاص له ذريّة برداع وحجر ، وكان نجوعهم من حجر إلى رداع في طلب العلم ، ثمّ هاجروا في طلب المعيشة إلى السّواحل الإفريقيّة ؛ ففي ممباسا جماعة ؛ منهم السّيّد علويّ بن شيخ الرّداعيّ ، وفي السّومال الإيطاليّ ناس ؛ منهم السّيّد عليّ بن صالح بن حامد بن محمّد بن عبد الرّحمن بن أحمد بن عبد الله التّريسيّ).

وفيها [٥٣٨] : (أنّ عبد الله الأعين النّسّاخ بافقيه بن محمّد عيديد له ذرّيّة بحجر وكنينة) (٢).

وبكنينة كانت خزانة ملأى بالكتب الخطيّة النّفيسة للشّيخ العموديّ ، ولكن أخبرني من رآها بالآخرة : أنّه لم يبق بها من تلك الأعلاق (٣) إلّا ما لا يستحقّ الذّكر. فلا حول ولا قوّة إلّا بالله (٤).

__________________

أبي نمي بن عبد الله بن شيخ بن علي بن عبد الله وطب .. إلخ. بسبب تزوّجه من السّادة آل الشّاطري أهل تريم.

(١) واستدرك في «الشّامل» (ص ٧٨) بقوله : (وذكر في «الشّجرة» : أنّ بها من آل الكاف عقبا قليلا لزين بن حسن بن علوي بن عبد الله بن علوي بن أحمد بن محمّد الكاف ، ولم نسمع بأحد من آل الكاف بحجر فلعلّهم انقرضوا أو نقلوا إلى بعض الوديان الأخرى. والله أعلم) اه

(٢) «شمس الظّهيرة» (ص ٥٣٨) ، وقد نبّه السّيّد محمّد ضياء شهاب على وجود سقط في بعض نسخ «الشّمس» ، وذكر أنّ الّذين بحجر وكنينة من آل بافقيه هم من ذرّيّة السّيّد عبد الرّحمن بن عليّ بن أحمد بن عبد الله الأعين النّسّاخ بافقيه .. ولعبد الرّحمن هذا أخ هو محمّد بن عليّ ، توفّي بتريم سنة (١٠٠٧ ه‍) «الفرائد الجوهريّة» (٣ / ٨٢٨). وممّن بحجر من السّادة أيضا : آل العطّاس .. من ذرّيّة محسن بن الحسين بن عمر بن عبد الرّحمن العطّاس ، كما في «شمس الظّهيرة» (ص ٢٥٠).

وفي «الشّامل» (ص ٧٨) نقلا عن «الشّجرة العلويّة» : أنّ بحجر ذرّيّة سالم بن عمر بن محمّد بن عليّ بن محسن بن الحسين .. ثمّ قال : إنّ بحصن باقروان ذرّيّة سالم بن عمر بن عليّ بن محسن بن الحسين .. إلى آخر النّسب. اه

(٣) الأعلاق ـ جمع علق ـ وهو : النّفيس من كلّ شيء.

(٤) وبحجر جماعة من آل العمودي : منهم الشيخ الفقيه الفاضل محمد بن عوض العمودي ، طلب العلم

١٠٤

وفي كنينة ناس من آل العموديّ ؛ منهم الشّيخ محمّد بن عوض العموديّ ، نهشته أفعى في رجله .. فورمت ، فأشار عليه الطّبيب بقطعها ، ففعل وكان ذلك سبب عكوفه على العلم ، حتّى حصّل منه جملة ، فأفاد واستفاد ، وكان في قصّته شبه بعروة بن الزّبير.

ومنهم آل بن دحمان ، كانوا بكنينة ، ثمّ انتقلوا إلى محمدة ، نجع أحمد بن دحمان وأخوه عمر إلى السّواحل الإفريقيّة. وعمر خير من أحمد.

وأكثر حاصلات حجر : التّمر ، فالّذي يخرج منها زائدا عن حاجات أهلها شيء كثير (١).

ومن الغرائب ـ كما حدّثني الثّقة السّيّد عبد الرّحمن بن حامد المحضار ـ : أنّ الغراب لا يتعرّض لثمار حجر بسوء أبدا.

ومن عادتهم : إباحة التّمور الّتي تتساقط بعصف الرّياح ، وأن لا حرج على أيّ إنسان في تسلّق نخلة أراد للأكل فقط ، أمّا أخذ شيء إلى المنزل .. فممنوع.

بروم (٢)

هي مرسى حصين من عواصف الرّياح ، أحصن من مرسى المكلّا ـ على حصانته ـ فإليه تأوي السّفن عند اضطراب الأمواج وهيجان البحر. وهو واقع بين ميفع والمكلّا.

__________________

بقيدون عند السيدين علوي وعبد الله ابني طاهر الحداد ، وعليهما جل انتفاعه ، وقد حصل به نفع كبير لما عاد إلى وادي حجر ، فكان إماما لجامع مسجد كنينة ، وممن تخرج به : العلّامة السيد القاضي محمد رشاد البيتي ، ومقروءاته عليه مفصلة في مقدمة كتاب «التقريرات البهيّة».

(١) قال الحدّاد في «الشّامل» (ص ٧٧) يصف نخل حجر : (والنّخل بوادي حجر إذا غرس .. يثمر على سنتين ، وفي غيرها على خمس سنين وأقل وأكثر).

(٢) بروم : ميناء صغير غربيّ مدينة المكلا بمسافة (٣٠ كم) تقريبا ، كان بندرا شهيرا مأمونا للسفن الشراعية أيام الرياح الموسميّة ، تأوي إليه السفن عند اضطراب الأمواج وهيجان البحر ، ثم خمل دوره بعد عمارة المكلا ، إلا أنه أعيد إنشاؤه حديثا لكي يستوعب استقبال السفن وإمكانية تفريغها. وقد شهد العديد من الحوادث سيذكرها المؤلف ههنا.

١٠٥

قال الطّيّب بامخرمة : (بروم بلدة بين الشّحر وميفع على ساحل البحر. كانت بلدة قديمة من أعمال فوّه ، يجلب إليها الصّبر الصّقطريّ (١) ، وكان بها قلعة تسمّى : «عرفة» ـ بضمّ العين المهملة وسكون الرّاء ـ وهي رديئة الماء ، وأكثر أهلها المتقدّمين صيّادون) اه (٢)

وفيه شاهد لأنّ المكلّا لم تكن إذ ذاك شيئا مذكورا ، وإلّا .. لأشار إليها.

وإلى بروم ينسب السّيّد حسن بن محمّد بن علويّ بن عبد الله بن عليّ بن عبد الله باعلويّ (٣).

وقد ترجم في «المشرع» [٢ / ٥٤] لابنه أحمد بن حسن (٤) ، وذكر أنّه هو الّذي عمّر مسجد آل جديد (٥) بتريم ، وأنشأ له بركة في سنة (٩١٩ ه‍) فنسب إليه ، فهو اليوم يعرف بمسجد بروم.

__________________

(١) الصّبر : هو المادّة المعروفة. الصّقطري : منسوب إلى سقطرى ، وهي جزيرة معروفة ، تابعة ل (اليمن) في بحر العرب.

(٢) نسبة البلدان (ق ٣٨).

(٣) توفي السّيّد حسن بروم هذا بتريم سنة (٩٢٧ ه‍). «الفرائد الجوهرية» (٢٠٩) ـ بالهامش.

فائدة هامّة : قال في «المعجم اللّطيف» (ص ٥٨ ـ ٥٩) : ولقّب حسن المشار إليه ببروم لسكناه في قرية بروم بساحل حضرموت ، وتبعد عن المكلّا عاصمة السّلطنة القعيطيّة سابقا بنحو (٢٠ كم).

وهم يختصرون ويحذفون المضاف ، فلا يقولون ساكن بروم ، ولا صاحب بروم ، ولا مولى بروم ، ويكتفون بالمضاف إليه الدّالّ على المضاف ، فيقولون لكلّ فرد من سلالته : بروم ، كما يدعونه هو نفسه. فكأنّه تجسّد في كلّ منهم كما ذكرنا عن كثير من أمثاله. وربّما قالوا في هذا العصر ـ وفي المملكة العربيّة السعوديّة ـ : باروم ، وخرجوا عن اللّقب القديم إلى الكنية جريا على الغالب من استعمال الحضرميّين ـ وبالأخص الدّوعنيّين ـ الكنية أكثر ، وما بينها هنا وبين اللقب إلّا زيادة الألف فقط ، ولكن المعنى يتغيّر هنا كما لا يخفى. اه

(٤) توفّي السّيّد أحمد بن حسن بروم في جمادى الأولى (٩٥٧ ه‍) ، ومن مصنّفاته : «جوهرة الجواهر» في مناقب الشّيخ عبد الله العيدروس ، كان مولده بتريم.

(٥) المنسوب للسّادة بني جديد بن عبيد الله بن أحمد المهاجر ، وقد انقرضوا على رأس القرن السّادس الهجري. «المعجم اللّطيف» (ص ٨٥).

١٠٦

وترجم في «المشرع» [٢ / ١٩٤] أيضا لابن حفيده ، وهو : عبد الله بن محمّد بن أحمد بن حسن بروم ، المتوفّى سنة (١٠٣٩ ه‍) (١).

ولبروم هذه ذكر كثير في الحروب الواقعة بين الكساديّ والقعيطيّ (٢).

وهي أوّل ما رست بها سفائن النّجدة التّركيّة في سنة (١٢٦٧ ه‍) الّتي كان على رأسها شيخ السّادة بمكّة السّيّد : إسحاق بن عقيل بن يحيى (٣).

ومن أعيان بروم في القرن الثّامن (٤) : العارف بالله الشّيخ مزاحم بن أحمد باجابر ، أخذ عنه سيّدنا الإمام الكبير الشّيخ عبد الرّحمن السّقّاف ، المتوفّى بتريم سنة (٨١٩ ه‍)

وفي الحكاية (٣٠٤) من «الجوهر» [٢ / ٥٣] للخطيب : (عن عبد الله بن نافع بن أبي منذر قال : لمّا وقعت الفتنة في بلادي الهجرين .. سرت إلى بروم عند الشّيخ الكبير مزاحم بن أحمد باجابر ، فأحبّني ، وسار بي إلى أحور ، وكانت مع الشّيخ خيمة من سلطان اليمن ، فلمّا وصلنا أحور .. نصبنا تلك الخيمة ، ومضى الشّيخ

__________________

(١) توفّي بتريم عن عمر أناف على السّبعين.

(٢) تفاصيل تلك الحروب والوقائع في الجزء الثّالث من «بضائع التّابوت».

(٣) السّيّد إسحاق ؛ هو : إسحاق بن عقيل بن عمر بن عقيل بن شيخ بن عبد الرّحمن بن عقيل بن أحمد بن يحيى .. كذا ساق نسبه المصنّف في «بضائع التابوت» (٣ / ٩). وانظر ما يأتي في قارة الشناهز. وهذه الحملة أو النجدة أرسلت لفكّ الحصار الّذي ضربته إمارة الكسادي وابن بريك في السّاحل على الشّعب في الدّاخل الّذي هو تحت سلطنة عدوّتها السّلطنة الكثيريّة النّاشئة على إصلاح ما يمكن إصلاحه بواسطتها ، وإنقاذ ما يمكن إنقاذه كذلك ، ولكن لم يصحبها التّوفيق لأسباب طبيعيّة وعسكريّة. «أدوار التّاريخ الحضرميّ» (ص ٣٨٦). ولمعرفة تفاصيل حملة الأتراك على السّاحل الحضرميّ .. ينظر «بضائع التّابوت» (٣ / ٩ ـ ١٥) ؛ ففيه ما لا يوجد في غيره ، و «تاريخ ابن حميد» : نهاية الجزء الأوّل وبداية الجزء الثّاني ، و «تاريخ أمراء البلد الحرام» (٣١٧) ، وذكر في هذا الأخير خبر مقتل السّيّد إسحاق بن عقيل سنة (١٢٧١ ه‍) مسجونا في قلعة المثناة بالطّائف.

ينظر : «تعليقات السّيّد ضياء شهاب على شمس الظّهيرة» (ص ٣١٤).

(٤) صوابه : القرن التّاسع ، وإنما لم يقف المؤلف على تاريخ وفاته فظنه من أهل القرن الثامن. وكانت وفاته كما في «تاريخ شنبل» (ص ١٦١) : سنة (٨١٧ ه‍) ، وقبره معروف في بروم ، وعليه قبّة صغيرة إلى جوار المسجد الجامع.

١٠٧

مزاحم لبعض شأنه ، فسألني بعض السّادة عن حالي في بروم ، فقلت له : ما رأيت أنجس منها ولا من ساحل بربرة) اه

أمّا الّذي أهدى الخيمة للشّيخ مزاحم من ملوك اليمن (١) ، فيحتمل أن يكون :

الأفضل عبّاس ابن المجاهد عليّ ؛ لأنّه ـ كما في «التّاج» ـ استولى على الملك في سنة (٧٦٤ ه‍) ومات في سنة (٧٧٨ ه‍). أو الأشرف إسماعيل بن الأفضل ، وكان تولّى بعد أبيه إلى أن مات سنة (٨٠٣ ه‍). أو ابن الأشرف (٢) الّذي بقي على اليمن ـ كما في «صبح الأعشى» [٥ / ٣١] ـ إلى سنة (٨١٢ ه‍).

وأقرب ما يكون الأشرف إسماعيل ؛ لأنّه كان محبّا للعلم والعلماء.

وفي الحكاية (٣٤٤) من «جوهر الخطيب» [٢ / ٨٧] : (عن السّيّد أحمد ابن الشّيخ عليّ بن أحمد باجابر قال : كنت إذا اجتمعت بعمّي الشّيخ مزاحم .. يثني على السّيّد عبد الرّحمن السّقّاف ويقول : إنّه القطب). وكان ذلك قبل سنة (٨٠٥ ه‍).

وقال السّيّد عليّ بن حسن العطّاس في «سفينة البضائع» : (وفي سنة «٨٨٧ ه‍» توفّي الشّيخ الأجلّ ، ذو الأخلاق الرّضيّة : أبو الغيث عبد الرّحمن بن مزاحم ببروم) (٣).

وسيأتي في عندل ـ من أطراف وادي عمد ـ التّعريف بنسب الشّيخ مزاحم ؛ لأنّه هو وآل جابر ـ أصحاب عندل ـ من قبيلة واحدة.

وسيأتي في الشّحر ذكر أحد علماء آل مزاحم باجابر ، وهو الشّيخ محمّد بن عبد الرّحيم.

وفي أواخر الجزء الأوّل من «الأصل» عن قصيدة للشّيخ عمر بامخرمة ما يشهد بأنّ

__________________

(١) وملوكها آنذاك : آل رسول.

(٢) ابن الأشرف هو : الملك النّاصر أحمد ابن الملك الأشرف إسماعيل ، ولكنّه بقي ملكا على اليمن إلى أن توفّي سنة (٨٢٩ ه‍) ، كما في «بلوغ المرام» للقاضي العرشي (ص ٤٦).

(٣) مثله في «تاريخ شنبل» (ص ٢٠٠) حوادث سنة (٨٨٧ ه‍). وعنه نقل ابن حميد في «العدّة المفيدة» (١ / ١٥٠) ، وصالح الحامد في «تاريخ حضرموت» (٢ / ٢٩٧).

١٠٨

بروما كانت للحبوظيّ ، ثمّ صارت لعليّ بن عمر الكثيريّ ، وذلك حيث يقول للسّلطان عبد الله بن جعفر :

خاطر كما خاطر علي

جدّك وخاض اغمارها

حتّى سكن بعد الحبو

ظي في بروم اختارها

المكلّا (١)

هو اسم دالّ على مسمّاه ؛ إذ جاء في مادّة (كلأ) من «التّاج» و «أصله» : (أنّ الكلّاء ـ ككتّان ـ مرفأ السّفن. وهو عند سيبويه : فعّال ، مثل جبّار ؛ لأنّه يكلأ السّفن من الرّيح. وساحل كلّ نهر كالمكلّا ، مهموز مقصور) اه باختصار.

__________________

(١) المكلا : هي ميناء حضرموت الشهير ، وكان يقال لها : بندر يعقوب ؛ نسبة للشيخ يعقوب المقبور بها ـ ستأتي ترجمته ـ تقع بين خليجين ، وخلفها جبل شاهق يبلغ ارتفاعه (٦٠٠) قدم. وقد شهدت المكلا اتساعا عمرانيا مذهلا في السنوات الأخيرة ، وأقيمت بها المستشفيات والفنادق الفارهة.

وربطت بحضرموت الداخل (سيئون) بخط إسفلتي حديث ، يبلغ طوله (٣٢٠ كم) ، وخط آخر يربطها بعدن يجري العمل على إعادة سفلتته وترميمه. كما بها مطار دولي وهو مطار الريّان في غربيّها. والميناء اليوم يقع في منطقة خلف.

طول المكلّا وعرضها ـ جغرافيّا ـ : ورد في «الشّامل» (ص ٨٨) ، تحديد طول المكلّا وعرضها استنادا لما ورد في «التّقويم الفرنسيّ» و «جدول الأوضاع الجغرافيّة» ل (كوليه) ، كما هو ملحق بكتاب «الدّرر التّوفيقيّة» لسعادة إسماعيل بيك مصطفى المصري .. وحاصل ما ورد أنّ : طول المكلّا : (٣٥ ـ ٤٧ ـ ٤٦) ؛ أي : ستّ وأربعون درجة ، وسبع وأربعون دقيقة ، وخمس وثلاثون ثانية.

وعرضها : (١٥ ـ ٣١ ـ ١٤) ؛ أي أربع عشرة درجة ، وإحدى وثلاثون دقيقة ، وخمس عشرة ثانية. وفي بعض الخرائط الأخرى تفاوت يسير. قبلة المكلّا : في «الشامل» : (وإنّ سمت القبلة على أربعين درجة وسبع دقائق من القطب (الجاه) إلى المغرب الأصل.

ولمعرفة سمت القبلة في المكلّا قاعدة أخرى ، وهو : أن يترقّب مريد ذلك يوم ثلاثين أيّار وهو يوافق (٨) في (نجم الإكليل) ، أو (١٨) (تموز) وهو يوافق (٥) في (نجم البلدة) بعد السّاعة الثّانية عشر ظهرا ؛ أي : السّاعة (٦) ظهرا للسّاعات المغربيّة ، فإذا مضى بعد ذلك إحدى وأربعون دقيقة وعشر ثوان .. فلينظر إلى الشّمس فإنّها في ذلك الوقت فوق الكعبة. وإن جعل شاخصا فإنّ ظلّ الشّاخص يكون علامة على اتجاه القبلة ، والله أعلم) اه

١٠٩

ومنه تعرف أنّه عربيّ فصيح ، لم تتصرّف فيه العامّة على ممرّ السّنين إلّا بالشّيء اليسير.

وكانت المكلّا خيصة (١) صغيرة لبني حسن والعكابرة (٢) ، وملجأ تعوذ به سفائن أهل الشّحر ، والواردين إليه من الآفاق عندما يهتاج البحر في أيّام الخريف ؛ لتأمن به من عواصف الرّياح ؛ لأنّه مصون بالجبال ، بخلاف ساحل الشّحر .. فإنّه مكشوف.

وقد اتّخذ الصّيّادون به أكواخا ، ففرضت عليهم العكابرة ضريبة خفيفة إزاء استيطانهم بها ؛ لأنّها من حدود أرضهم ، ثمّ ازدادت الأكواخ ، واستوطنها كثير من العكابرة أنفسهم وناس من أهل روكب.

ويقال : إنّ آل الجديانيّ ـ وهم من يافع ـ مرّوا بها في أواخر سنة (٩٨٠ ه‍) مجتازين ، فأعجبتهم ، فاستوطنوها ، وصار أمر أهل تلك الخيصة إلى رئيسهم يشاورونه في أمورهم حتّى صار أميرا عليهم.

وكان كبير آل كساد ـ واسمه : سالم ـ موجودا بالمكلّا إذ ذاك ، فاغتال الجديانيّ واستقلّ بأمر المكلّا.

ثمّ جاء سالم بن أحمد بن بحجم الكساديّ ومعه ولده صلاح وأخوه مقبل ، فاغتالوا سالم الكساديّ في البير المعروفة إلى اليوم ببير بشهر ، واستولى سالم بن أحمد بن بحجم على البلاد ، وحكمها سنة ثمّ مات ، وخلفه عليها ابنه صلاح ثمّ مات ، وله ثلاثة أولاد : عبد الرّبّ ، وعبد الحبيب ، وعبد النّبيّ.

وكان النّفوذ لعبد الحبيب ؛ لأنّه الأكبر ، ولمّا مات .. خلفه عليها أخوه عبد الرّبّ ، وبقي يحكم المكلّا إلى أن توفّي في سنة (١١٤٢ ه‍) ، وخلفه عليها ابنه صلاح ، فأخذ محمّد بن عبد الحبيب ينازعه حتّى اتّفقوا على تحكيم صاحب عدن ، فركبوا إليها ، فقضى بها لمحمّد بن عبد الحبيب.

__________________

(١) والخيصة عند أهل السّاحل الحضرميّ هي الفرضة ؛ أي : الميناء الصغير.

(٢) بنو حسن : قبيلة من سيبان ، يسكنون الجبال القريبة من ساحل البحر ، ومنهم : آل باخميس ، وآل باضمن ، وآل بارعيدة ، وآل باحاج. «أدوار التّاريخ الحضرميّ» (ص ٣٥٨). نقلا عن «الشّامل».

١١٠

فسافر صلاح وأخوه مطلق وعمّهم عبد النّبيّ إلى السّواحل الإفريقيّة ، وبقي محمّد عبد الحبيب يحكم المكلّا.

وفي أيّامه بنيت حافة العبيد ، وسمّيت بذلك ؛ لأنّ أوّل ما بني بها بيت لعبيد آل كساد.

ولمّا مات محمّد عبد الحبيب في سنة (١٢٠٧ ه‍) .. قام من بعده ولده صلاح بن محمّد بن عبد الحبيب ، وكان عمّه عبد الله بن عبد الحبيب ينازعه الإمارة ، ولكنّه تغلّب عليه بمساعدة عمّه عليّ بن عبد الحبيب ، وبقي على حكم المكلّا إلى أن مات في سنة (١٢٩٠ ه‍).

وقام بعده ولده عمر بن صلاح ، وكان صلاح في أيّامه استدان مئة ألف ريال من عوض بن عمر القعيطيّ في سنة (١٢٨٥ ه‍) ـ وهي حصّته في نفقة غزوة المحائل عامئذ (١) ـ وبإثر موته .. وصل عوض من الهند إلى الشّحر ، وأقام بها أشهرا ، ثمّ سار إلى المكلّا بهيئة التّعزية ، وبعد أن اجتمع له بها من عسكره نحو ثلاث مئة دخلوا أرسالا .. طالب بذلك الدّين ، فسفر النّاس (٢) بين عمر بن صلاح والقعيطيّ على أن يحتلّ القعيطيّ ناصفة المكلّا إلى أن يستوفي ماله من الدّين ، ولكنّ عمر صلاح استدعى عسكره من كلّ ناحية ، وأذكى نار الحرب ، وعندما أحسّ القعيطيّ بالهزيمة .. استوقف الحرب ، ونجا بنفسه.

هذه إحدى الرّوايات في إمارة آل كساد على المكلّا.

والأخرى (٣) : (أنّ في أواخر القرن الحادي عشر ـ أو أوائل الثّاني عشر ـ ورد المكلّا أحد آل ذي ناخب (٤) وهو جدّ آل كساد ، وبمجرّد ما استقرّت قدمه

__________________

(١) تفاصيل هذه الغزوة أو الوقعة في «بضائع التّابوت» (٢ / ٢١٥ ـ ٢٢٢) والمحايل : حسبما ورد في «العدّة المفيدة» (٢ / ٢٨٢) : أنّها حصون أو بيوت صغيرة بناها العساكر اليافعيّون لضرب بعض مناوئيهم.

(٢) سفر الناس : توسطوا بينهم للصلح.

(٣) أسندها في «بضائع التّابوت» (٢ / ١٠٨) ، عن بعض المعمّرين.

(٤) ذو ناخب : واد كبير معروف في مرتفعات بلاد يافع السّفلى ، وهو الوادي الرّئيس الّذي يمتد من

١١١

بالمكلّا (١) .. اتّجهت همّته للتّجارة والمضاربة مع أهل السّفن ، ثمّ اتّفق هو وإيّاهم على شيء يدفعونه إليه برسم الحراسة ، يعطي العكابرة وبني حسن بعضه ، ويستأثر بالباقي ، إلى أن استقوى أمره ، وضعف أمر أولئك وانشقّ رأيهم ، فما زال يتدرّج حتّى صار أمير المكلّا).

والثّالثة : عن الشّيخ المعمّر أحمد بن مرعيّ بن عليّ بن ناجي الثّاني (٢) : (أنّ صلاح بن سالم الكساديّ كان بغيل ابن يمين ، فكثر شرّه ، فطرده اليافعيّون الشّناظير (٣) ، فالتجأ إلى علي ناجي الأوّل بن بريك (٤) بالشّحر ، فأجاره هو وأولاده : عبد الحبيب ، وعبد الرّبّ ، وعبد النّبيّ.

وكانت لصلاح بنت تدعى عائشة ، جميلة الطّلعة ، استهوت قلب عليّ ناجي ، فطلب يدها ، واستاء آل بريك من بنائه عليها ؛ لما يعلمون من شيطنة صلاح ، وخافوا أن يستولي بواسطة بنته على خاطر السّلطان علي ناجي فيتنمّر (٥) لهم ، فبيّتوا قتل

__________________

مشارف حدود يافع الأعلى وحدود البيضاء ، ويعرف أيضا بوادي سلب لمروره عبر بلدة سلب ، ويصبّ في البحر غرب مدينة شقرة. «رحلة إلى يافع» (ص ٣٦). وفي «الصفة» للهمداني ذكر له في (ص ١٧٢ ـ ١٧٣) ، وفيها : أنه لبني جبر من يافع. اه وإليه ينسب آل الناخبي ، وأشهر شخصية عرفت منهم : هو العلامة الشيخ المعمر : عبد الله بن أحمد الناخبي.

(١) ورد في «بضائع التابوت» (٢ / ١٠٨) أنّه زار تريم أوّلا ودخل على الإمام الحدّاد وطلب منه الدّعاء لضائقة نزلت به ، فأشار عليه بالذّهاب إلى المكلّا.

(٢) رواها المصنّف ـ كما في «بضائع التابوت» (٢ / ١٠٨) .. عن السّيّد المنصب حسن بن سالم ابن الحبيب أحمد بن حسن العطّاس ، المتوفّى بالمكلّا سنة (١٣٦٤ ه‍) ، وهو سمعها من المعمّر المذكور ، الذي كان عمره حين حدّث بها : مئة وعشرين عاما.

(٣) الشّناظير ـ جمع شنظير ـ وهو : الفاحش الغلق من الرّجال ، الّذي يشتم أعراض النّاس ، وهو لقب أطلق على فئة من العسكر اليافعيّين الّذين حكموا بعض مناطق حضرموت إبّان فترة الفوضى ، وكان قد استقدمهم في مطلع القرن الثّاني عشر الهجري السّلطان بدر بن محمّد المردوف الكثيري ، المتوفّى سنة (١١٢٠ ه‍) ينظر : «معالم تاريخ الجزيرة العربيّة» (ص ٢٦٥ ـ ٢٦٦) ، و «تاريخ الدّولة الكثيريّة» (ص ٩١) وما بعدها.

(٤) توفّي عليّ بن ناجي بن أحمد بن بريك بالشّحر سنة (١٢٢٠ ه‍) كما في «نشر النّفحات المسكيّة» للسّيّد محمد جمل اللّيل باحسن (٢ / ٩٩) «مخطوط».

(٥) يتنمّر : يتغيّر عليهم ، ويصول عليهم كما يصول النّمر.

١١٢

صلاح بن سالم الكساديّ ، فغدر بهم عليّ ناجي.

فذهب به إلى المكلّا ـ وهي إذ ذاك خيصة للعكابرة وبني حسن ـ فبنى بها السّلطان عليّ ناجي حصنا على ساحل البحر ، سمّاه : حصن عبد النّبيّ ؛ احتفاظا بالاسم لولده ، وعاهد أهل المكلّا لعمّه صلاح بن سالم ، وأجلسه بها مع عائلته) اه (١)

وقد نزغ (٢) الشّيطان آخرا بين علي ناجي وعبد الرّبّ بن صلاح بن سالم الكساديّ. وجاء في «تاريخ باحسن الشّحريّ» [٢ / ٩٨ ـ ٩٩ خ] : (أنّ علي ناجي نفى آل همام إلى المكلّا ، فاستنجدوا بعبد الرّبّ بن صلاح ـ صاحب المكلّا ـ فجهّز قوما التقوا بعسكر علي ناجي في الحدبة (٣) ، وقتل محسن بن جابر بن همام ، وانكسر عسكر الكساديّ ، وغنم آل بريك جميع ما معهم) اه

وسيأتي في تريم أنّ الكساديّ لم يجىء إلى المكلّا إلّا بعد سنة (١١١٧ ه‍).

وفي أواخر سنة (١١٦٣ ه‍) (٤) : غزا ناجي بن بريك المكلّا بسبع مئة من الحموم وغيرهم ، فلاقاهم آل كساد إلى رأس الجبل ، فهزموهم ، وقتلوا منهم نحو العشرين ، ولم يقتل من الكساديّ إلّا أربعة ، ولا تزال قبورهم ظاهرة برأس الجبل.

ولمّا مات صلاح بن سالم ـ على هذه الرّواية ـ خلفه على المكلّا ولده

__________________

(١) إلى هنا انتهت رواية ذلك المعمّر ، وسيظهر للقارىء المتابع أنّ ما بعدها من الكلام مناقض لما ورد فيها ، والحال أنّ المصنّف رحمه الله ردّها حسبما توسّع فيه في الأصل ولكنّه اختصر الكلام هنا.

وحاصل كلامه : أنّ هذه الرّواية تخالف أوّلا : ما ورد في «تاريخ باحسن» من أنّ أمر الكساديّ وظهوره كان متقدّما على هذا الزّمان ؛ إذ تقدم أنّ وفاة عليّ ناجي كانت سنة (١٢٢٠ ه‍) بينما ظهور آل كساد كان سنة (١١١٥ ه‍) .. فهذا يناقضه ، هذا أوّلا. وثانيا : أنّ ماجرى بعد هذه الرّواية من قيام الخصومة والحرب بين عليّ ناجي وعبد الرّبّ الكساديّ لا يتناسب مع ما بينهم من الرّحم والصّهارة .. فهذان دليلان يبطلان هذه الرواية. والله أعلم.

(٢) نزغ : أفسد.

(٣) الحدبة : قرية صغيرة بريدة المشقاص.

(٤) الّذي في «نشر النّفحات» ، و «يافع في أدوار التّاريخ» : أنّ تملّك ناجي بن عمر الشّحر ومبايعته عليها كان سنة (١١٦٥ ه‍) ، وكانت وفاته سنة (١١٩٣ ه‍) .. ولم تذكر هذه المصادر مصادمته لآل كساد ، ولكن ذكرت مصادمة ابنه عليّ ناجي لهم.

١١٣

عبد الرّبّ بن صلاح ، ثمّ أخوه عبد الحبيب ، وكان شهما صارما حازما. ثمّ تولّى بعده ولده محمّد.

وفي أيّامه : أخذ آل عبد الرّبّ بن صلاح يدبّرون المكايد لاغتياله ، فأحسّ بذلك ، فوطّأ لهم كنفه ، وكان ذلك في اقتبال رمضان ، فأظهر النّسك واشتغل بالعبادة ، فخفّ حقدهم عليه ، وهو يعمل عمله ليتغدّاهم قبل أن يتعشّوه.

وفي اللّيلة السّابعة والعشرين من رمضان : هجم عليهم وهم غارّون (١) نائمون ، بعد أن اشترى ذمم عبيدهم ففتحوا له الباب ، فأباد خضراءهم ، وقتل منهم ومن حاشيتهم ثلاثة عشر رجلا في ساعة واحدة ، وهرب من بقي منهم بخيط رقبته إلى السّواحل الإفريقيّة.

ولمّا مات محمّد بن عبد الحبيب .. وقعت عصابته (٢) على ابنه صلاح بن محمّد بن عبد الحبيب ، وكانت له محاسن ، وعدل تامّ ، وشدّة قاسية على أهل الفساد ، ولم يزل على ذلك إلى أن توفّي في ربيع الثّاني من سنة (١٢٩٠ ه‍).

وخلفه ولده عمر بن صلاح ، وجرت بينه وبين السّلطان عوض بن عمر القعيطيّ خطوب انهزم في أوّلها القعيطيّ ، ثمّ استعان بحكومة عدن ، فاستدعت عمر صلاح ، وخيّرته ـ بعد أن أخذت التّحكيم من الطّرفين ـ بين أن : يدفع المئة الألف حالا ، أو يتسلّم مئة ألف ريال من القعيطيّ ، ويترك له البلاد. وبين أن يتسلّم بروما من القعيطيّ ، وقدرا دون الأوّل من الرّيالات. فلم يقبل ، فأجبروه على الجلاء من المكلّا ، فذهب إلى السّواحل الإفريقيّة ـ حسبما فصّلناه ب «الأصل» ـ واحتفظوا لأنفسهم منّة كبرى على القعيطيّ بهذا الصّنيع.

وكان ليوم سفر النّقيب من المكلّا رنّة حزن في جميع الدّيار ؛ لأنّهم كانوا متفانين في محبّته.

__________________

(١) غارّون : غافلون.

(٢) كناية عن استخلافه بعده.

١١٤

سارت سفائنهم والنّوح يتبعها

كأنّها إبل يحدو بها الحادي

والنّاس قد ملؤوا العبرين واعتبروا

وأرسلوا الدّمع حتّى سال بالوادي

كم سال في البحر من دمع وكم حملت

تلك القطائع من أفلاذ أكباد (١)

هذا حال أهل المكلّا في توديعهم ، وأمّا هم (أعني آل النقيب) .. فكما قال الرّضيّ [في «ديوانه» ٢ / ٥٧١ من الطّويل] :

ترحّلت عنكم لي أمامي نظرة

وعشر وعشر نحوكم من ورائيا

وزعم بعضهم أنّ صاحب زنجبار لذلك العهد ـ وهو السّلطان سعيد بن سلطان (٢) ـ منع السّلطان عمر بن صلاح من النّزول ببلاده ؛ لما سبق من فعلة جدّه الشّنعاء بأقاربه ، وكاد يرجع أدراجه ، ولكنّ بقايا الموتورين (٣) من آل عبد الرّبّ أظأرتهم (٤) الرّحم عليه ، فشفعوا إلى سلطان زنجبار في قبوله ، فقبل نزوله. ولا تزال الدّراهم مرصّدة له بأرباحها في خزينة عدن ، كذا يقول بعضهم.

ويزعم آخرون أنّ الحكومة اختلقت مبرّرا لحرمانه منها. ولا بأس بإيراد وثيقتين تتعلّقان بالقضيّة. هذه صورة الأولى :

بسم الله الرّحمن الرّحيم

أقرّ أنا عمر صلاح ، نقيب بندر المكلّا بأنّي قد قبلت بتوقيف وقطع العداوة التي بيني وبين عوض بن عمر القعيطيّ وأخيه عبد الله بن عمر حاكم بندر الشّحر ، وأن

__________________

(١) الأبيات من البسيط.

(٢) الواقع التاريخي يخالف هذا الزعم ، لأنّ السّلطان سعيدا هذا توفّي في صفر سنة (١٢٧٣ ه‍) ، كما في سيرته المسمّاة : «بدر التّمام في سيرة السّيّد الهمام سعيد بن سلطان» للفقيه الإباضيّ حميد بن محمّد بن رزيق (ص ٤٥٩ ـ ٥٦٥). وإنّما ورد الكساديّ زنجبار إبّان حكم ابنه السّلطان برغش بن سعيد لها ، لصداقة كانت بينهما ، فأقام عنده على الرّحب والسّعة حتّى توفّي .. ذكر هذا السّيّد محمّد بن هاشم في «رحلة الثّغرين» بهامش (ص ٤١).

(٣) الموتورون : من قتل لهم قتيل ولم يدركوا ثأره ، وهم أقاربه أبناء صلاح ومطلق ابني عبد الرّبّ الكساديّ الّذين هاجروا بعد أن غلبهم على الحكم محمّد بن عبد الحبيب بمعونة الإنكليز.

(٤) أظأرتهم : من الظئار وهو العطف.

١١٥

أجري وأقبل صلح هدنة لمدّة سنتين من هذا التّاريخ ، وكذلك أقبل وألزم نفسي بنيّة صالحة بأن لا أعاون ولا أساعد بأيّ وجه كان ظاهرا أو باطنا كلّ عدوّ للقعيطيّ المذكور في أثناء هذه الهدنة السنتين المذكورة ، وقد رضيت وصحّحت هذه الشّروط برضاي واختياري ، والله خير الشّاهدين.

النقيب عمر صلاح

ثم الختم

حرّر في المركب كونتنك

الدّولة العظمى الإنكليزيّة (٢٢) ديسمبر سنة (١٨٧٦ م) ، (٦) الحجة سنة (١٢٩٥ ه‍).

والأخرى :

بسم الله الرّحمن الرّحيم

أقرّ أنا الجمعدار عبد الله بن عمر القعيطيّ حاكم بندر الشّحر بأنّي قبلت بتوقيف وقطع العداوة التي بيني وبين النّقيب عمر صلاح نقيب المكلّا ، وأن أجري وأقبل صلح هدنة لمدّة سنة واحدة من هذا التّاريخ ، وكذلك أقبل وألزم نفسي بنيّة صالحة بأن لا أعاون ولا أساعد بأيّ وجه كان ظاهرا أو باطنا كلّ عدوّ للنّقيب عمر في أثناء هذه الهدنة السّنة المذكورة ، وقد رضيت وصحّحت هذه الشّروط برضاي واختياري ، والله خير الشّاهدين.

صحيح عبد الله بن عمر القعيطيّ

حرر في المركب الحربيّ المسمّى : عرب تعلق الدّولة العظمى في (٧) مي سنة (١٨٧٩ م) ، الموافق (١٢) جمادى أولى سنة (١٢٩٦ ه‍).

وفي الأولى إمضاء الوكيل السّياسيّ صالح جعفر ، وفي الأخرى كومندور الدّراعة فرانسيس لوك ، المقيم السياسيّ. عدن.

وفي معنى الوثيقة الأولى ولفظها وتاريخها وموضعها وثيقة بإمضاء السّلطان

١١٦

عوض بن عمر ، وهو : صحيح عوض بن عمر القعيطيّ عن نفسه وعن أخيه عبد الله بن عمر حاكم الشّحر.

ثمّ وجدت عريضة تضمّ ما انتشر ، وتفصّل ما أجمل ، تشبه أن تكون بأمر النّقيب عمر صلاح قدّمها فيما يظنّ لدولة الإنكليز ، جاء فيها :

أولا : كان بين النّقيب صلاح بن محمّد الكساديّ سلطان المكلّا ، وبين الجمعداريّة صالح وعبد الله وعوض أبناء عمر بن عوض القعيطيّ صداقة ، وكانوا تابعين للنّقيب ، حتّى عزم على حرب الشّحر ، فجهز ومعه عوض بن عمر على الشّحر ، وأخذوها على أنّها أنصاف بينهم ، وبقي عوض بن عمر حاكما عليها.

وبعد ستّ سنين من أخذ الشّحر .. توفّي النّقيب صلاح بن محمّد ، وخلفه ولده عمر صلاح ، فاشتبك في حرب مع آل العموديّ وقبائل دوعن ، فانتهز عوض بن عمر الفرصة ، واستأذن في الوصول إلى المكلّا ؛ للتّوسّط بين النّقيب عمر صلاح وآل دوعن في الصّلح ، فوصل على حين غفلة ، فخرج عمر صلاح لاستقباله .. فاستنكر كثرة العساكر التّي جاء بها معه ؛ لأنّها تقدّر بسبع مئة ، فقال له : لم لم تبعث برسول يخبرنا بوصولك؟

فاعتذر وأظهر أنّ قصده المصالحة بين النّقيب وبين قبائل دوعن ، وفي ثاني يوم وصوله .. ادّعى بمئة وستين ألف ريال عند النّقيب صلاح بن محمّد .. فأجابه النّقيب عمر ب : (لا أعلم شيئا على والدي ، وقد عاش ستّ سنين بعد أخذ الشّحر ولم تطلبوا بشيء ، وإن كان بها سند صحيح على والدي .. فأنا مستعدّ للوفاء).

لكنّ عوض بن عمر لمّا رأى المكلّا خالية .. اعتمد على القوّة ، وقال لعمر صلاح : إن لم تمض على بيع ناصفة المكلّا لي بالمبلغ المذكور .. أخذتها بالقوّة ، فأمضى النّقيب مضطرّا ، ثمّ استدعى عساكره من دوعن ، وحصل من عسكر القعيطيّ تعدّ بقتل أحد عسكر النّقيب ، فنشبت الحرب ثلاثة أيّام ، انهزم في آخرها عوض بن عمر ، فطلب الأمان لنفسه .. فأمّنه النّقيب.

١١٧

فسار إلى الشّحر بسلاحه وعساكره في عدّة سفن ، وبعد وصوله إلى الشّحر .. استمرّت المناوشات بين النّقيب والقعيطيّ ثلاث سنين ، حتّى وصل الجنرال سندر من عدن ، وعقد هدنة لمدّة سنتين ، ولمّا انقضت .. وصل والي عدن فرانسيس لوك ، وعقد هدنة لمدّة سنة ، ولمّا انقضت .. منع الطّرفين عن جهة البحر ، ولكنّ عبد القعيطيّ جهّز عساكره بحرا ، وهجم على بروم في اللّيل ، واستولى عليها ، وأرسل النّقيب سلطان المكلّا خبرا لوالي عدن .. فتغافل عن تعدّي القعيطيّ ، فطلب النّقيب آل كثير ، وجهّز على بروم ، وجهّز عسكر القعيطيّ بها من جهة البرّ.

وفي (٢٥) ديسمبر سنة (١٨٨١ م) وصل مركب إنكليزيّ فيه صالح جعفر مندوب من والي عدن .. فوجد عسكر القعيطيّ محصورين في بروم ، وسفنه في المرسى ملآنة بالرّصاص والزانة ، فربط سفينتين منها بمركبه إلى عدن ، وهربت أربع سفن إلى الشّحر ، ثمّ أرسل الوالي بمركب حربيّ اسمه (سيجل) ، يرأسه القبطان بيلس ، وأقام هدنة خمسة عشر يوما.

وفي (٢٢) فبروري وصل المركب (دجمار) وفيه صالح جعفر ووكيل القعيطيّ الواصل من الهند .. فدفع صالح جعفر للنّقيب عمر كتابا من والي عدن يقول له فيه : واصلك مرسولنا صالح جعفر .. فاقبل ما أودعناه لك من خطاب ، فقال صالح جعفر : إنّ الدّولة حرّرت بينكم معاهدة على ثلاثة شروط ، كلّ شرط في ورقة ؛ لتخرج عساكر القعيطيّ من بروم بغير سفك دماء ، وبعد خروج عساكر القعيطيّ بانسلّمها لك ، وبانعطيك حماية لبلادك ، وتكون تبع للدّولة الإنكليزيّة.

فلمّا وقف النّقيب على الشّروط الثّلاثة .. امتنع عن الإمضاء ، وبقي صالح جعفر يرغّبه ويقول له : إنّما هي وسيلة إلى خروج عسكر القعيطيّ من بروم ، وتكون الشّروط تحت اختيارك بعد ذلك ، وكان النّقيب واثقا بصالح جعفر .. فأمضى على الشّروط الثّلاثة ، كلّ شرط في ورقة ، فتوجّه صالح جعفر ونزعوا عساكر القعيطيّ من بروم ، وسلّموها للنّقيب.

وبعد أربعين يوما .. وصل القبطان هنتر وصالح جعفر ، وقالوا للنّقيب : إنّ والي

١١٨

عدن استحسن أن تبيع بلادك المكلّا لعدوّك القعيطيّ بثلاثة لكّ (١) ريال ، وطلب إمضاءه على ورقة بيع مكتوبة بالإنكليزيّة .. فأبى ، فألزموه أن يواجه الوالي بنفسه في عدن ، فتوجّه على أمل من إنصاف الوالي ، فلم يكن منه إلّا أن ألزمه الإمضاء على ورقة البيع .. فامتنع ، وبقي خمسة وعشرين يوما في مراجعة مع الوالي.

ثمّ عاد إلى المكلّا في نفس المركب الّذي سار فيه ، واسمه (دجمار) ومعه صالح جعفر ، ولمّا وصل المكلّا .. وجد المنور الحربيّ المسمّى (دراقين) راسيا بالمكلّا ، وفي اليوم الثّاني .. نزل قبطانه ـ واسمه هلتن ـ ورافقه صالح جعفر وأعطى للنّقيب ورقة مكتوبة بالعربيّ : إنّك راضي أن تفارق بلدك وحدودك ما عدا بروم ، ونسلّم لك لاكين وعشرين ألف ريال ، فامتنع النّقيب عن الإمضاء عليها ، فعاد هلتن للمنور المسمّى (دراقين) ومعه صالح جعفر .. فضربوا ثلاثة مدافع ؛ إعلانا بحصر المكلّا ومنعوا السّفن الواردة ، فضربوا السّفن الرّاسية ، وبقي ذلك المنور محاصرا للمكلّا ستّة أشهر ، وبعدما وصل المنور (دجمار) من عدن وفيه حاكم صغير اسمه (والش) .. قال للنّقيب عمر : إنّ دولة الإنكليز رفعت الحصر عن بلادك ، وإنّها لا تتداخل بينك وبين القعيطيّ.

وبعد عشرين يوما وصلت المناور الحربيّة (دراقين) و (عرب) و (دجمار) ، وفيها القبطان (هولتن) والقبطان (هنتر) ، وألزموا النّقيب صلاح يصحّح على ورقة بيع بلاده للقعيطيّ بثلاثة لكّ ريال .. فامتنع ، فتوجّه المنور (دراقين) والمنور (دجمار) إلى الشّحر عند القعيطيّ ، وأقاما خمسة أيّام ، وفي اليوم السّادس .. وصلت مناور إنكليزيّة شاحنة بعسكر القعيطيّ وآلات الحرب ، ومعهم عبد الله بن عمر القعيطيّ ، ونزل هنتر إلى بروم ، وقال لحاميتها : إن لم تفرغوها .. أثرنا عليكم الحرب ، وفي أوّل يوم من نوفمبر سنة (١٨٨١ م) .. أطلقوا المدافع ، وهدموا القلاع ، فهزمت عسكر النّقيب ، واستولت المناور على بروم ، ثمّ سلّموها لعبد الله بن عمر القعيطيّ ، ثمّ توجّه (دراقين) وسفن القعيطي بحرا ، وبعض عساكره

__________________

(١) اللّكّ : عند أهل الهند وإيران واليمن : مئة ألف ، وعند المولّدين : عشرة ملايين ، وجمعه : لكوك.

١١٩

برّا حتّى وصلوا بلاد فوّة ، فنزل هولتن وطرد عسكر النّقيب ، وسلّم فوة للقعيطيّ.

ثمّ توجّه المنور والسّفن إلى المكلّا ، وحصروا المكلّا ، وقطعوا وارد الماء من البرّ ، فطفق النّقيب يخاطب هولتن ويذكّره الصّداقة والمعاهدة ، ولمّا رآه مصمّما على حربه بما لا طاقة له به .. طلب الأمان ، وسلّم بلاده للقبطان هولتن ، ونزلت عساكر الإنكليز ، وركب النّقيب عمر صلاح في حاشيته ونسائه وأطفاله ورجاله المقدّرين بألفين وسبع مئة نفس ، سار بهم القبطان هولتن إلى عدن بعد أن سلّم المكلّا للقعيطيّ ، ولمّا وصل النّقيب بحاشيته إلى مرسى عدن .. طلب مواجهة الوالي .. فلم يجبه ، بل شدّد عليه الحصر في السّفن ، ومنعهم النّزول إلى البرّ ، واشتدّ عليهم الضّيق والزّحام حتّى مات منهم نحو مئتي نفس ، وبقوا في الحصر اثنين وعشرين يوما ، يطلع إليهم هنتر وصالح جعفر إلى البحر في كلّ يوم يتهدّدون النّقيب عمر بالحبس والقيد إذا لم يمض على خطّ البيع .. فلم يوافقهم ، ولمّا أيسوا من موافقته .. نزّلوا فرقة من عسكره تقدّر بسبع مئة إلى برّ عدن ، ورخّصوا له بالسّفر ، فتوجّه مظلوما مقهورا من مأموري عدن إلى بندر زنجبار ، والآن له مدّة سنتين يخاطب دولة الهند فيما حصل من ظلم مأموري عدن ، ويطلب الإنصاف من دولة الإنكليز بوجه الحقّ .. فلم تفده بجواب ، وهو في انتظار الإنصاف إلى هذا الوقت ، وقد حرّر هذا لأعتاب دولتكم ؛ ليكون الأمر معلوما ، والسّلام. اه بنوع اختصار.

ومنها يعرف أنّ الوثيقة الأولى هي الّتي انعقدت على يد سندر سنة (١٢٩٥ ه‍) ، والثّانية هي الّتي انعقدت على يد فرانسيس لوك سنة (١٢٩٦ ه‍) ، والله أعلم.

ومن ذلك اليوم صفت المكلّا لآل القعيطيّ ، يتداول حكمها بين السّلطان عوض وأخيه عبد الله بن عمر ، إلى أن مات الثّاني في سنة (١٣٠٦ ه‍) عن ولدين ، كان لهما مع عمّهما عوض نبأ يأتي ذكر بعضه في الشّحر.

وفي سنة (١٨٨٨ ميلاديّة) ـ ولعلّها موافقة سنة (١٣٠٥ هجريّة) (١) ـ انعقدت معاهدة بين الحكومة الإنكليزيّة والحكومة القعيطيّة ، هذا نصّها :

__________________

(١) فائدة : لتحويل التّاريخ الميلاديّ إلى هجريّ نفعل الآتي : (ميلادي ـ ٦٢٢) * ٣٣ ـ ٣٢ ـ الهجري.

١٢٠