أدب الطّف - ج ١

جواد شبّر

أدب الطّف - ج ١

المؤلف:

جواد شبّر


الموضوع : الشعر والأدب
الناشر: دار المرتضى
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٥٢
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة
 &

أدب الطب أو شعراء الحسين عليه السلام لجواد شبّر

٢٨١
 &

١ ـ عبد السلام بن رغبان ( ديك الجن )

٢ ـ خالد بن معدان من شعراء القرن الاول (١)

٣ ـ دعبل بن علي الخزاعي

٤ ـ الحسين بن الضحاك ( الخليع )

٥ ـ عبد الله بن المعتز العباسي

٦ ـ الفضل بن محمد بن الفضل بن الحسن بن عبيد الله بن العباس ابن علي بن أبي طالب عليه السلام

٧ ـ علي بن محمد بن بسام البغدادي

٨ ـ محمد بن أحمد بن الصقر الموصلي

٩ ـ القاسم بن يوسف الكاتب

١٠ ـ علي بن الحسن بن علي بن عمر الاشرف بن زين العابدين علي ابن الحسين بن علي بن ابي طالب ( ع )

١١ ـ محمد الجواليقي

__________

(١) هذه الترجمة ضمن ترجمة ديك الجن

٢٨٢
 &

١ ـ عبد السلام ديك الجن :

٢ ـ خالد بن معدان :

قال ديك الجن ، في رثاء الحسين ( ع ) :

ما انت مني ولا ربعاك لي وطر

الهمّ املك بي والشوق والفكرُ

وراعها ان دمعي فاض منتثراً

لا او ترى كبدي للحزن تنتثر

اين الحسين وقتلى من بني حسن

وجعفر وعقيل غالهم عمر (١)

قتلى يحنُّ اليها البيت والحجر

شوقاً وتبكيهم الآيات والسور

مات الحسين بأيد في مغائظها

طول عليه وفي إشفاقها قصر

لا درّ در الأعادي عندما وتروا

ودرّ درّك ما تحوين يا حفر

لما رأوا طرقات الصبر معرضة

الى لقاءٍ ولقيا رحمة صبروا

قالوا لانفسهم يا حبذا نهل

محمد وعلي بعده صدر

ردوا هنيئاً مريئاً آل فاطمة

حوض الردى فارتضوا بالقتل واصطبروا

الحوض حوضكم والجد جدكم

وعند ربكم في خلقه غِير

ابكيكم يا بني التقوى وأعولكم

واشرب الصبر وهو الصاب والصبر

__________

(١) اي عمر بن سعد وفي رواية غالهم غمر ، والغمر الجاهل الحاقد .

٢٨٣
 &

في كل يوم لقلبي من تذكركم

تغريبة ولدمعي فيكم سفر

موتاً وقتلا بهامات مغلقة

من هاشم غاب عنها النصر والظفر

كفى بأن اناة الله واقعة

يوماً ولله في هذا الورى نظر

انسى علياً وتفنيد الغواة له

وفي غد يُعرف الأفّاك والأشر

حتى اذا ابصر الاحياء من يمن

برهانة آمنوا من بعد ما كفروا

ام من حوى قصبات السبق دونهم

يوم القليب وفي اعناقهم زور

أضبعَ غير علي كان رافعه

محمد الخير ام لا تعقل الحمر

الحق ابلج والاعلام واضحة

لو آمنت انفس الشانين او نظروا

دعوا التخبط في عشواء مظلمة

لم يبدُ لا كوكب فيها ولا قمر

وقال يرثي الحسين عليه السلام (١)

يا عين لا للغضا ولا الكتب

بكا الرزايا سوى بكا الطربِ

جودي وجدي بملأ جفنك ثمَّ

احتفلي بالدموع وانسكبي

يا عين في كربلاء مقابل قد

تركن قلبي مقابر الكرب

مقابـرٌ تحتها منابر من

علم وحلم ومنظر عجب

من البهاليل آل فاطمة

اهل المعالي السادة النجب

كم شرقت منهم السيوف وكم

رُوّيت الارض من دم سرب

نفسي فداء لكم ومن لكم

نفسي وامي واسرتي وابي

لا تبعدوا يا بني النبي على

ان قد بعدتم والدهر ذو نوبُ

يا نفس لا تسأمي ولا تضقي

وارسي على الخطب رسوة الهضب

صوني شعاع الضمير واستشعري

الصبر وحسن العزاء واحتسبي

فالخلق في الارض يعجلون

فدع ذكرَ من لست من شأنه

__________

(١) عن ديوانه المطبوع في بيروت سنة ١٣٨٣ هـ

٢٨٤
 &

لا بد ان يحشر القتيل وأن

يسأل ذو قتله عن السبب

فالويل والنار والثبور لمن

قد اسلموه للجمر واللهب

يا صفوة الله في خلائقه

واكرم الاعجمين والعرب

انتم بدور الهدى وانجمه

ودوحة المكرمات والحسب

وساسة الحوض يومَ لا نهلٌ

لمورديكم موارد العطب

فكرت فيكم وفي المصاب

فما انفك قوادي يعوم في عجب

ما زلتم في الحياة بينهم

بين قتيل وبين مستلب

قد كان في هجركم رضى بكم

وكم رضى مشرج على غضب

حتى اذا اودع النبي شجاً

قيد لهاة القصاقص الحرِب

معَ بعيدين احرزا نسباً

مع بعد دار عن ذلك النسب

ما كان تيم لهاشم بأخٍ

ولا عدي لاحمد بأب

لكن حديثا عداوة وقلىً

تهوّرا في غيابة الشقبُ

قاما بدعوى في الظلم غالبةٍ

وحجة جزلة من الكذب

من ثم اوصى به نبيكم

نصاً فابدى عداوة الكلب

ومن هناك انبرى الزمان لهم

بعد التياط بغاربٍ جشب (٢)

لا تسلقوني بحد السنتكم

ما أربُ الظالمين من اربي

انا الى الله راجعون على

سهو الليالي وغفلة النوب

غدا عليٌ ورب منقلب

اشأم قد عاد غير منقلب

فاغتره السيف وهو خادمه

متى يُهب في الوغى به يُجب

اودى ولو مد عينه اسد الغاب

لناجي السرحان في هرب

يا طول حزني ولوعتي وتباريحي ، ويا حسرتي ويا كربي

لهول يوم تقلص العلم والدين بثغريهما عن الشنب

__________

(١) الشقب : مهواة ما بين كل جبلين ، والجمع شقاب وشقوب

(٢) الالتياط : الالتصاق ، الجشب : الخشن

٢٨٥
 &

ذلك يوم لم تُرم جائحةٌ

بمثله المصطفى ولم تُصب

يوم اصاب الضحى بظلمته

وقنّع الشمس من دجى الغُهب

وغادر المعولات من هاشم

الخير حيارى مهتوكة الحجب

تمري عيونا علي ابي حسن

مخفوقة بالكلام والندب

تغمر ربع الهموم اعينها

بالدمع حزناً لربعها الخرب

تئن والنفس تستدير بها

رحى من الموت مرّة القطب

لهفي لذاك الرواء ام ذلك

الرأي وتلك الانباء والخطب

يا سيد الاوصياء والعالي

الحجة والمرتضى وذا الرتب

ان يسرِ جيش الهموم منك

الى شمس منىّ والمقام والحجب

فربما تقْعص الكماةِ باقدامك

قعصاً يُجثى على الركب

ورب مقورّة ململمةٍ

في عارضٍ للحمام منسكب

فللت ارجاءها وجحفلها

بذى صقال كوامض الشهب

او اسمر الصدر اصفر ازرق

الرأس وان كان احمر الحلَب

اودى علي صلى على روحه

الله صلاة طويلة الدأب

وكل نفس لحينها سبب

يسرى اليها كهيئة اللعب

والناس بالغيب يرجمون وما

خلتم يرجمون عن كثب (١)

وفي غد فاعلمي لقاؤهم

فإنهم يرتقبون ، فارتقب

وقال من مرثية في الحسين عليه السلام :

اصبحت ملقى في الفراش سقيما

اجدُ النسيم من السقام سموما

__________

(١) عن كثب : عن قرب

٢٨٦
 &

ماء من العبرات حرّى ارضه

لو كان من مطر لكان هزيما (١)

وبلابلٌ لو انهن مآكل

لم تخطىء الغسلين والزقوما (٢)

وكرىً يروّعني سرى لو انه

ظِل لكان الحر واليحموما (٣)

مرت بقلبي ذكريات بني الهدى

فنسيت منها الروح والتهويما (٤)

ونظرت سبط محمد في كربلا

فرداً يعاني حزنه المكظوما

تنحو اضالعه سيوف امية

فتراهم الصمصومفالصمصوما

فالجسم اضحى في الصعيد موزعاً

والرأس امسى في الصعاد (٥) كريما

وقال في اهل البيت عليهم السلام :

شرفي محبة معشر

شرقوا بسورة هل اتى

وولايَ فيمن فتكه

لذوي الضلالة اخبتا (٦)

واذا تكلم في الهدى

جحّ الغوي وأسكتا

فلفتكه ولهديه

سماه ذو العرش الفتى

ثبتٌ اذا قد ما سوا

د في المهاوي زلتا

لم يعبد الاصنام قط

ولا أراب ولا عتا (٧)

صنوان هذا منذر

وافى ، وذا هاد أتى

يهدي لما اوفى به

حكم الكتاب وأثبتا

فهو القرين له وما

افترقا بصيف أو شتا

__________

(١) الهزيم : صوت الرعد والرعد نفسه

(٢) الغسلين : ما انغسل من لحوم اهل النار ودمائهم ومنه قوله تعالى ( فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ وَلَا طَعَامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ ) . والزقوم : اسم طعام لهم

(٣) اليحموم : الدخان الاسود قال تعالى ( وَظِلٍّ مِّن يَحْمُومٍ )

(٤) الروح : الرحمة . هوم الرجل تهويما اذا هز رأسه من النعاس

(٥) الصعاد : مفردها الصعدة وهي القناة المستوية ، ويريد بها هنا الرماح

(٦) أخبت : اخشع واذل

(٧) أراب : جعل فيه ريبه . عتا : استكبر وجاوز الحد ، فهو عات وعتي

٢٨٧
 &

لكنما الاعداء لم

يدعوه أن يتلفتا

ثقل الهدى وكتابه

بعد النبي تشتتا

واحسرتا من غصبه

وسكوته ، واحسرتا

طالت حياة عدوه

حتى متى ، والى متى

وقال بمدحه عليه السلام واولها :

دعوا ابن ابي طالب للهدى

ونحر العدى كيفما يفعل

وقال في الزهراء ، واولها :

يا قبر فاطمة الذي ما مثله

قبر بطيبة طاب فيه مبيتا

وقال يمدح اهل البيت عليهم السلام من ارجوزته الكاملة :

ان الرسول لم يزل يقول

والخير ما قال به الرسول

وقال يمدح الامام علي بن ابي طالب ويتظلم له ، واولها :

اصبحتُ جمّ بلابل الصدر

وأبيت منطوياً على الجمر

ان بحت يوماً طل فيه دمي

ولئن كتمت يُضق به صدري

وهذه القصائد كلها في ديوانه المطبوع في بيروت ـ لبنان ، وقال :

جاؤا برأسك يا بن بنت محمد

مترملا بدمائه ترميلا

وكأنما بك يا بن بنت محمد

قتلوا جهاراً عامدين رسولا

قتلوك عطشاناً ولما يرقبوا

في قتلك التنزيل والتأويلا

ويكبرون بان قتلت وانما

قتلوا بك التكبير والتهليلا

قال السيد الامين في اعيان الشيعة جزء ٤ ص ٣٧٤ وروى ان خالد بن معدان الطائي من فضلاء التابعين لما شاهد رأس الحسين عليه السلام بالشام اخفى نفسه شهرا من جميع اصحابه فلما وجدوه بعد اذ فقدوه سألوه عن سبب ذلك ، فقال : الا ترون ما نزل بنا ، ثم انشأ يقول الابيات (١) وجاء في الجزء ٢٩ ص ١٤٠ من الاعيان ايضاً

__________

(١) ورواها ابن عساكر في تاريخ دمشق وزاد هذا البيت :

نقضوا الكتاب المستبين وأبرموا

ما ليس مرضياً ولا مقبولا

٢٨٨
 &

خالد بن معدان الطائي

في حاشية تهذيب التهذيب عن المغني للذهبي : معدان بمفتوحة وسكون عين مهملة ، وخفة دال مهملة .

كان خالد هذا من فضلاء التابعين المختصين بامير المؤمنين ( ع )

قال الشيخ المامقاني في ( تنقيح المقال ) : خالد بن معدان الطائي من فضلاء التابعين واهل الصلاح والذين ارسله عبد الله بن عباس ايام ولايته من قبل امير المؤمنين عليه السلام على البصرة بجند من اهل البصرة الى الاهواز ممداً به معقل ابن قيس الرياحي امير الجيش المحارب بأمر علي للناجي الخارجي بالاهواز وكتب اليه معه ، وجهت اليك خالد بن معدان الطائي مع رجال من المسلمين وهو من اهل الدين والصلاح والنجدة فاعرف ذلك له ان شاء الله . ذكر ذلك ابن هلال الثقفي في كتاب ( الغارات ) ، ويظهر من نسبة ابن شهر آشوب في المناقب له الابيات الاربعة المشهورة في رثاء الحسين التي اولها : ( جاؤا برأسك يا بن بنت محمد ) انه بقي الى ما بعد قتل الحسين عليه السلام ، ويعلم مما نقله الفاضل المجلسي عن بعض كتب المناقب القديمة انه كان يومئذ بالشام فانه روى عن الكتاب المذكور باسناده عن البيهقي عن علي بن محمد بن الاديب يذكر باسناد له : ان رأس الحسين لما صلب بالشام اختفى خالد بن معدان ـ وهو من افضل التابعين ـ عن اصحابه فطلبوه شهراً حتى وجدوه ، فسألوه عن عزلته فقال : اما ترون ما نزل بنا ، ثم انشأ يقول : جاؤا برأسك يا بن بنت محمد . . . الابيات

قال : وقد نسب الى خالد بن معدان في رثاء الحسين عليه السلام ، قالها حين

ادب الطف ( ١٩ )

٢٨٩
 &

مجيء السبايا والرؤس الى الشام ويبعد ان يكون هو الطائي هذا ، لانه يكون قد بلغ المائة او تجاوزها ولو كان كذلك لذكر ، ويمكن كونه الكلاعي الشامي الحمصي المتوفي سنة ١٠٣ او اكثر .

اقول : اما الشيخ ابن نما الحلي رحمه الله ، فقد نسبها لابن سنان الخفاجي كما ذكر ذلك في ( مثير الاحزان ) والظاهر ان ابن سنان له ابيات تشبه هذه الابيات في المعنى فحصل التوهم .

ثم ان السيد الامين رحمه الله ذكر هذه الابيات في الجزء ٣٨ ص ٣٠ في ترجمة ديك الجن وانها من نظمه ولم يناقش في ذلك ، وديك الجن هو : ابو محمد عبد السلام بن رغبان بن عبد السلام بن حبيب بن عبد الله بن رغبان بن مزيد ابن تميم الكلبي الحمصي ولد سنة ١٦١ بسلمية وتوفي سنة ٢٣٥ هـ ٨٥٠ م او ٢٣٦

وقال عن ديك الجن :

عمره اربع وسبعون سنة او خمس وسبعون ، ذكره ابن شهراشوب في شعراء اهل البيت ( ع ) . شاعر الدنيا وصاحب الشهرة بالادب فاق شعراء عصره وطار ذكره وشعره في الامصار حتى صاروا يبذلون الاموال للقطعة من شعره ، قال ابن خلكان : وهو من اهل سلمية ولم يفارق الشام مع ان خلفاء بني العباس في عصره ببغداد فلا رحل الى العراق ولا الى غيره منتجعاً بشعره ، وكان يتشيع تشيعا حسناً ، وله مراث في الحسين ( ع ) ، وقال ابن شهراشوب : افتتن الناس بشعره في العراق وهو في الشام حتى انه اعطى ابا تمام قطعة من شعره ، وقال له يا فتى اكتسب بهذا واستعن به على قولك ، فنفعه في العلم والمعاش . قال عبد الله بن محمد بن عبد الملك الزبيدي كنت جالساً عند ديك الجن فدخل عليه حَدِث فانشده شعراً عمله فاخرج ديك الجن من تحت مصلاه درجاً كبيراً فيه كثير من شعره فسلمه اليه ، وقال له : يا فتى تكسب بهذا واستعن به على قولك فلما خرج سألته عنه ، فقال : هذا فتى من اهل حاسم يذكرانه من طيء يكنى اباتمام واسمه حبيب بن اوس وفيه ادب وذكاء وله قريحة وطبع ـ الحديث .

٢٩٠
 &

يعتبر الشاعر ديك الجن في طليعة شعراء القرن الثالث الهجري ومن ابرزهم في الرثاء ، ولم يجاره في مدح آل البيت ورثائهم الا السيد الحميري وشعره يقوم دليلاً قوياً على انه شاعر مطبوع ترتاح له النفس وتتذوقه الاسماع والقلوب ، وولاؤه لأهل البيت ظاهر على شعره .

ومن شعره في امير المؤمنين علي عليه السلام :

سطا يوم بدر بقرضابه

وفي أُحدٍ لم يزل يحملُ

ومن بأسه فتحت خيبر

ولم يُنجها بابها المقفل

دحا اربعين ذراعاً به

هزبر له دانت الاشبل

واورد له البيهقي في المحاسن والمساوى هذه القصيدة :

لا تقفْ للزمان في منزل الضيم

ولا تستكن لرقة حالِ

واهن نفسك الكريمة للموت

وقحّم بها على الاهوال

فلعمري للموت ازين للحر

من الذل ضارعاً للرجال

اي ماء يدور في وجهك الحر

اذا ما امتهنته بالسؤال

ثم لا سيما اذا عصف الدهر

بأهل الندى واهل النوال

غاضت المكرمات وانقرض

الناس وبادت سحائب الافضال

فقليل من الورى من تراه

يرتجى او يصون عرضاً بمال

وكذاك الهلال اول ما

يبدو نحيلا في دقة الخلخال

ثم يزداد ضوئه فتراه

قمراً في السماء غير هلال

عاد تدميثك المضاجع

للجنب فعال الخريدة المكسال

عامليُّ النتاج تطوى له الارض

اذا ما استعد للانفال

جرشع لاحق الا ياطل كالاعفر

ضافي السبيب غير مذال

واتخذ ظهره من الذل حصناً

نعم حصن الكريم في الزلزال

لا احب الفتى اراه اذا ما

عضه الدهر جاثماً في الظلال

٢٩١
 &

مستكيناً لذي الغنى خاشع

الطرف ذليل الادبار والاقبال

اين جوبُ البلاد شرقاً وغرباً

واعتساف السهول والاجبال

واعتراض الرقاق يوضع فيها

بظباء النجاد والعمال

ذهب الناس فاطلب الرزق

بالسيف والا فمُت شديد الهزال

وقال يهجو اهل حمص لان خطيبهم كان يكثر الصلاة على محمد ( ص ) :

سمعوا الصلاة على النبي توالى

فتفرقوا شيعاً وقالوا لا ، لا

ثم استمر على الصلاة إمامهم

فتحزبوا ورمى الرجال رجالا

يا آل حمص تَوقعوا من عارها

خزياً يحلّ عليكم ووبالا

شاهت (١) وجوهكم وجوهاً طالما رغمت معاطسها وساءت حالا

ان يُثْن من صلى عليه كرامة

فالله قد صلى عليه تعالى

وقال يرثى ابا تمام الطائي :

فُجع القريض بخاتم الشعراء

وغدير روضتها حبيب الطائي

ماتا معاً فتجاورا في حفرة

وكذاك كانا قبلُ في الاحياء

ومن شعره :

ما الذنب الالجدي حين ورثني

علماً وورثه من قبل ذاك أبي

فالحمد لله حمداً لا نفاد له

ما المرء الا بما يحوي من النسب

وقوله :

او ما ترى طمريَّ بينهما

رجل الحّ بهز له الجدُّ

فالسيف يقطع وهو ذو صدأ

والنصل يقرى الهام لا الغمد

هل تنعفنَّ السيف حيلتهُ

يوم الجلاد إذا بنا الحَدُ

وله :

أيا قمراً تبسم عن اقاح

ويا غصناً يميل مع الرياح

__________

(١) شاهت : قبحت . المعطس الانف

٢٩٢
 &

جبينك . والمقلّد والثنايا

صباح في صباح في صباح

ويقال انه كان له غلام وجارية كان يحبهما حباً شديداً فرآهما على حالة مكروهة فقتلهما وقال في الجارية :

يا طلعةً طلع الحمام عليها

فجنى لها ثمر الردى بيديها

روّيت من دمها الثرى ولطالما

روى الهوى شفتيَّ من شفتيها

وقال في الغلام :

يا سيف إن ترم الزمان بغدره

فلأنت ابدلت الوصال بهجره

فقتلته وله على كرامة

ملأ الحشا وله الفؤاد بأسره

عهدي به ميتاً كاحسن نائم

والحزن يفسح أدمعي في حجره

وقال وقد ندم على قتله جاريته :

جاءت تزور فراشي بعدما

قبرت فظلت ألثم نحراً زانه العود

وقلت قرة عين قد بعثت لنا

فكيف ذا وطريق القبر مسدود

قالت هناك عظامي فيه مودعة

تعيت فيه نبات الارض والدود

وهذه الروح قد جاءتك زائرة

هذي زيارة من في الارض ملحود

اقول وجاء في وفيات الاعيان لإبن خلكان تتمة للبيتين الذين رثي بهما الجارية وهي :

مكنت سيفي من مجال وشاحها

ومدامعي تجري على خديها

فوحق نعليها وما وطىء الحصى

شيىء اعز عليَّ من نعليها

٢٩٣
 &

ما كان قتلتها لأني لم اكن

ابكي اذا سقط الغبار عليها

لكن بخلت على سوايَ بحبها

وانفقتُ من نظر الغلام اليها

قال وصنعت اخت الغلام :

يا ويح ديك الجن يا تباً له

ماذا تضمن صدره من غدره

قتل الذي يهوى وعمّر بعده

يا رب لا تمدد له في عمره

٢٩٤
 &

٣ ـ دعبل بن علي الخزاعي :

تجاوبن بالإرنان والزفرات

نوائح عُجم اللفظ والنطقاتِ

يخبرن بالانفاس عن سر أنفس

أسارى هوى ماضٍ وآخر آت

فاسعدن أو أسعفن حتى تقوضت

صفوف الدجى بالفجر منهزمات

على العرصات الخاليات من المهى

سلام ثجٍ صبّ على العرصات

فعهدي بها خضر المعاهد مألفاً

من العطرات البيض والخضرات

ليالي يعدين الوصال على القلى

ويعدي تدانينا على الغربات

وإذ هنَّ يلحظن العيون سوافرا

ويسترن بالايدي على الوجنات

وإذ كل يوم لي بلحظي نشوة

يبيت لها قلبي على نشوات

فكم حسراتٍ هاجها بمحسّر

وقوفي يوم الجمع من عرفات

ألم تر للايام ما جرّ جورها

على الناس من نقص وطول شتات

ومن دول المستهزئين ( المستهترين ) ومن غدا ، بهم طالباً للنور في الظلمات

فكيف ومن أنى يطالب زلفة

الى الله بعد الصوم والصلوات

سوى حب أبناء النبي ورهطه

وبغض بني الزرقاء والعبلات

وهند وما أدّت سمية وابنها

اولوا الكفر في الاسلام والفجرات

همُ نقضوا عهد الكتاب وفرضه

ومحكمه بالزور والشبهات

ولم تك إلا محنة كشفتهم

بدعوى ضلال من هنٍ وهنات

تراث بلا قربى وملك بلا هدى

وحكم بلا شورى بغير هداة

رزايا أرتنا خضرة الافق حمرة

وردّت اجاجا طعم كل فرات

وما سهَّلت تلك المذاهب فيهم

على الناس إلا بيعة الفلتات

٢٩٥
 &

ولو قلدوا الموصى اليه زمامها

لزمّت بمأمون على العثرات

أخي خاتم الرسل المصفى من القذى

ومفترس الابطال في الغمرات

فإن جحدوا كان الغدير شهيده

وبدر وأُحد شامخ الهضبات

وآي من القرآن تتلى بفضله

وإيثاره بالقوت في اللزبات

وغرّ خلال أدركته بسبقها

مناقب كانت فيه مؤتنفات

مناقب لم تُدرك بكيدٍ ولم تنل

بشيء سوى حد القنا الذربات

نجيّ لجبريل الامين وأنتم

عكوف على العزى معاً ومناة

بكيت لرسم الدار من عرفات

وأذريتُ دمع العين بالعبرات

وفك عرى صبري وهاجت صبابتي

رسوم ديار قد عفت وعرات

مدارس آيات خلت من تلاوة

ومنزل وحي مقفر العرصات

لآل رسول الله بالخيف من منى

وبالبيت والتعريف والجمرات

ديار لعبد الله بالخيف من منى

وللسيد الداعي الى الصلوات

ديار علي والحسين وجعفر

وحمزة والسجاد ذي الثفنات

ديار لعبد الله والفضل صنوه

نجي رسول الله في الخلوات

وسبطي رسول الله وابني وصيه

ووارث علم الله والحسنات

منازل وحي الله ينزل بينها

على أحمد المذكور في السورات

منازل قوم يهتدى بهداهم

فتؤمن منهم زلة العثرات

منازل كانت للصلاة وللتقى

وللصوم والتطهير والحسنات

منازل لا فعل يحلّ بريعها

ولا ابن فعال هاتك الحرمات

ديار عفاها جور كل منابذ

ولم تعف للايام والسنوات

فيا وارثي علم النبي وآله

عليكم سلام دائم النفحات

لقد آمنت نفسي بكم في حياتها

واني لارجو الأمن بعد مماتي

قفا نسأل الدار التي خف أهلها

متى عهدها بالصوم والصلوات

واين الاولى شطت بهم غربة النوى

أفانين في الافاق ( الاقطار ) مفترقات

هم أهل ميراث النبي اذا اعتزوا

وهم خير سادات وخير حماة

اذا لم نناج الله في صلواتنا

باسمائهم لم يقبل الصلوات

٢٩٦
 &

مطاعيم في الاقتار ( الاعسار ) في كل مشهد لقد شرفوا بالفضل والبركات

وما الناس إلا غاصب ومكذب

ومضطغن ذو إحنة وترات

اذا ذكروا قتلى ببدر وخيبر

ويوم حنين أسبلوا العبرات

فكيف يحبون النبي ورهطه

وهم تركوا أحشاءهم وغرات

لقد لا ينوه في المقال وأضمروا

قلوباً على الاحقاد منطويات

فان لم تكن إلا بقربي محمد

فهاشم أولى من هن وهنات

سقى الله قبراً بالمدينة غيثه

فقد حل فيه الأمن بالبركات

نبي الهدى صلى عليه مليكه

وبلّغ عنا روحه التحفات

وصلى عليه الله ما ذرّ شارق

ولاحت نجوم الليل مبتدرات

*       *      *

أفاطم لو خلت الحسين مجدلا

وقد مات عطشانا بشط فرات

إذاً للطمت الخد فاطم عنده

وأجريت دمع العين في الوجنات

أفاطم قومي يا ابنة الخير واندبي

نجوم سماوات بأرض فلاة

قبور بكوفان واخرى بطيبة

واخرى بفخ نالها صلواتي

واخرى بأرض الجوزجان محلها

وقبر بباخمري لذى الغربات

وقبر ببغداد لنفس زكية

تضمنها الرحمن في الغرفات

فقال الرضا عليه السلام : افلا أُلحق لك بيتين بهذا الموضع بهما تمام قصيدتك فقال بلى يا ابن رسول الله ، فقال الرضا عليه السلام ـ :

وقبر بطوس يا لها من مصيبة

الحت على الاحشاء بالزفرات

الى الحشر حتى يبعث الله قائما

يفرج عنا الغم والكربات

فقال دعبل : هذا القبر الذي بطوس قبر من ؟ قال الرضا عليه السلام : هو قبري .

٢٩٧
 &

علي بن موسى أرشد الله أمره

وصلى عليه أفضل الصلوات

*       *      *

فأما الممضات التي لست بالغا

مبالغها مني بكنه صفات

قبور بجنب النهر من أرض كربلا

معرسهم فيها بشط فرات

توفوا عطاشى بالفرات فليتني

توفيت فيهم قبل حين وفاتي

الى الله اشكو لوعة عند ذكرهم

سقتني بكأس الثكل والفظعات

أخاف بأن أزدارهم فتشوقنى

مصارعهم بالجزع فالنخلات

تقسمهم ( تغشاهم ) ريب المنون فما نرى

لهم عقوة مغشية الحجرات

خلا إن منهم بالمدينة عصبة

مدينين انضاء من اللزبات

قليلة زوار سوى أن زوّراً

من الضبع والعقبان والرخمات

لهم كل يوم تربة بمضاجع

ثوت في نواحي الارض مفترقات

تنكب لأواء السنين جوارهم

ولا تصطليهم جمرة الجمرات

وقد كان منهم في الحجاز وأرضها

مغاوير نحّارون في الازمات

حمى لم تزره المدنيات وأوجه

تضيء لدى الاستار في الظلمات

اذا وردوا خيلا بسمر من القنا

مساعير حرب اقحموا الغمرات

وان فخروا يوما اتوا بمحمد

وجبريل والفرقان ذي السورات

وعدّوا علياً ذا المناقب والعلى

وفاطمة الزهراء خير بنات

وحمزة والعباس ذا الهدي والتقى

وجعفراً الطيار في الحجبات

ولائك لا منتوج ( ملتوج ) هند وحزبها سمية من نوكى ومن قذرات

ستسأل فعل عنهم وفعيلها

وبيعتهم من أفجر الفجرات

وهم منعوا الآباء عن أخذ حقهم

وهم تركوا الابناء رهن شتات

وهم عدلوها عن وصي محمد

فبيعتهم جاءت على الغدرات

وليهم صفو النبي محمد

ابو الحسن الفرّاج للغمرات

٢٩٨
 &

ملامك في آل النبي فانهم

أحبّاي ما داموا وأهل ثقاتي

تخيرتهم رشداً لنفسي انهم

على كل حال خيرة الخيرات

نبذت اليهم بالمودة صادقاً

وسلمت نفسي طائعاً لولاتي

فيا رب زدني في هواي بصيرة

وزد حبهم يا رب في حسناتي

سأبكيهم ما حج لله راكب

وما فاح قمريّ على الشجرات

واني لمولاهم وقال عدوهم

واني لمحزون بطول حياتي

بنفسي أنتم من كهول وفتية

لفكِّ عناةٍ او لحمل ديات

وللخيل لما قيد الموت خطوها

فاطلقتم منهن بالذربات

احب قصي الرحم من أجل حبكم

وأهجر فيكم أُسرتي وبناتي

واكتم حبيكم مخافة كاشح

عنيدٍ لأهل الحق غير مواتي

فيا عين بكيهم وجودي بعبرة

فقد آن للتسكاب والهملات

لقد خفت في الدنيا وايام سعيها

وإني لارجو الأمن بعد وفاتي

ألم تر أني من ثلاثون حجة

أروح وأغدو دائم الحسرات

أرى فيأهم في غيرهم متقسماً

وأيديهم من فيئهم صفرات

فكيف أُداوي من جوى لي والجوى

امية أهل الفسق والنبعات

وآل زياد في ( القصور ) مصونة

وآل رسول الله في الفلوات

سأبكيهم ما ذرّ في الارض شارق

ونادى منادي الخير بالصلوات

وما طلعت شمس وحان غروبها

وبالليل أبكيهم وبالغدوات

ديار رسول الله اصبحن بلقعا

وآل زياد تسكن الحجرات

وآل رسول الله تدمى نحورهم

وآل زياد آمنوا السربات

وآل رسول الله تسبى حريمهم

وآل زياد ربة الحجلات

اذا وتروا مدوا الى واتريهم

اكفاً عن الاوتار منقبضات

فلولا الذي ارجوه في اليوم أو غد

تقطع نفسي إثرهم حسراتي

خروج إمام لا محالة خارج

يقوم على اسم الله والبركات

يميز فينا كل حق وباطل

ويجزي على النعماء والنقمات

٢٩٩
 &

فيا نفس طيبي ثم يا نفس أبشري

فغير بعيد كل ما هو آتي

ولا تجزعي من مدة الجور إنني

أرى قوتي قد آذنت بثبات

فان قرّب الرحمن من تلك مدتي

وأخر من عمري ووقت وفاتي

شفيت ولم أترك لنفسي غصة

وروّيت منهم منصلي وقناتي

فاني من الرحمن أرجو بحبهم

حياة لدى الفردوس غير ثبات

عسى الله ان يرتاح للخلق انه

الى كل قوم دائم اللحظات

فان قلت عرفا أنكروه بمنكر

وغطوا على التحقيق بالشبهات

تقاصر نفسي دائما عن جدالهم

كفاني ما ألقى من العبرات

احاول نقل الصم عن مستقرها

واسماع احجار من الصلدات

فحسبي منهم ان أبوء بغصة

تردد في صدري وفي لهواتي

فمن عارف لم ينتفع ومعاند

تميل به الاهواء للشهوات

كأنك بالاضلاع قد ضاق ذرعها

لما حملت من شدة الزفرات

قال ابو الفرج في الأغاني قصيدة دعبل :

مدارس آيات خلت من تلاوة

ومنزل وحي مقفر العرصات

من احسن الشعر وفاخر المدائح المقولة في اهل البيت عليهم السلام قصد بها علي بن موسى الرضا عليه السلام بخراسان ، قال دخلت على علي بن موسى الرضا عليه السلام فقال لي انشدني فأنشدته ( مدارس آيات ) حتى انتهيت الى قولي ـ :

اذا وُتروا مدوا الى واتريهم

اكفاً على الاوتار منقبضات

بكى حتى أُغمي عليه ، وأومأ إليَّ الخادم كان على رأسه : أن اسكت فسكت ، فمكث ساعة ثم قال لي أعد . فأعدت حتى انتهيت الى هذا البيت ايضاً فأصابه مثل الذي اصابه في المرة الاولى وأومأ الخادم إلي : ان اسكت فسكت وهكذا ثلاث مرات فقال لي احسنت ـ ثلاث مرات ثم أمر لي بعشرة

٣٠٠