أدب الطّف - ج ١

جواد شبّر

أدب الطّف - ج ١

المؤلف:

جواد شبّر


الموضوع : الشعر والأدب
الناشر: دار المرتضى
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٥٢
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة
 &

قال فمات الشافعي فأشترى أشهب من تركته عبداً ، ثم مات أشهب فأشتريت انا ذلك العبد من تركته . قال المسعودي حدثني فقير ابن مسكين عن المزني ـ وكان سماعنا من فقير بمدينة أسوان بصعيد مصر ـ قال : قال المزني دخلت على الشافعي غداة وفاته فقلت له : كيف اصبحت يا ابا عبد الله ، قال : اصبحت من الدنيا راحلاً ، ولإخواني مفارقاً وبكأس المنية شارباً ولا ادري الى الجنة تصير روحي فاهنيها أم الى النار فأعزّيها ، وانشأ يقول :

ولما قسى قلبي وضاقت مذاهبي

جعلت الرجا مني لعفوك سلَّما

تعاظمني ذنبى فلما قرنته

بعفوك ربي كان عفوك أعظما

وللشافعي في مدح السفر :

ما في المقام لذي عقل وذي أدب

من راحةٍ فدعِ الأوطان وأغترب

سافر تجد عوضاً عمن تفارقه

وانصب فان لذيذ العيش في النصب

إني رأيت وقوف الماء يفسده

إن سال طاب وإن لم يجر لم يطب

الأسد لولا فراق الغاب ما افترست

والسهم لولا فراق القوس لم يصب

والشمس لو وقفت في الفلك دائمة

لملها الناس من عجم ومن عرب

والتبر كالترب ملقى في أماكنه

والعود في أرضه نوعٌ من الحطب

فان تغرّب هذا عزّ مطلبه

وإن تغرب ذاك عزّ كالذّهب

وله في المؤاخاة :

إذا المرء لا يرعاك إلا تكلفاً

فدعه ولا تكثر عليه التأسفا

ففي الناس أبدال وفي الترك راحة

وفي القلب صبر للحبيب ولو جفا

فما كل من تهواه يهواك قلبه

ولا خير في ود يجيء تكلفا

إذا لم يكن صفو الوداد طبيعة

ولا كل من صافيته لك قد صفا

ولا خير في خل يخون خليله

ويلقاه به بصر المودة بالجفا

٢٢١
 &

وينكر عيشاً قد تقادم عهده

ويظهر سراً كان بالأمس في خفا

سلام على الدنيا إذا لم يكن بها

صديق صدوق يصدق الوعد منصفا

وله في عز النفس :

وعين الرضا عن كل عيب كليلة

كما أن عين السخط تُبدي المساويا

ولست بهيابٍ لمن لا يهابني

ولست أرى للمرء ما لا يرى ليا

فان تدن مني تدن منك مودتي

وإن تنأ عني تلقني عنك نائيا

كلانا غني عن أخيه حياته

ونحن إذا متنا أشد تغانيا

٢٢٢
 &

١٠ ـ الفضل بن الحسن بن عبيد الله بن العباس بن علي بن ابي طالب :

قال يؤبّن جده أبا الفضل العباس شهيد الطف سلام الله عليه (١) :

أحقّ الناسِ أن يُبكي عليه

فتى أبكى الحسينَ بكربلاءِ

اخوه وابنُ والده علي

أبو الفضل المضرّج بالدماء

ومن واساه لا يُثنيه شيء

فجادله على عطشٍ بماء

__________

(١) رواها الشيخ الأميني عن ( روض الجنان في نل مشتهى الجنان ) للمؤرخ الهندي اشرف علي .

٢٢٣
 &

لمحة عن حياة العباس عليه السلام :

العباس بن علي بن أبي طالب هو حامل راية الحسين يوم كربلاء وعنوان عسكره ، جاء في الزيارة عن الامام عليه السلام : اشهد أنك نعم الاخ المواسي لأخيه ، أعطاك الله من جنانه أفسحها منزلا وأفضلها غرفا ً ورفع ذكرك في عليين وحشرك مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن اولئك رفيقاً . وهو من فقهاء اهل البيت وكفاه شهادة أبيه له بقوله : ان ولدي العباس زُقّ العلم زقا .

ويقول الامام الصادق عليه السلام : كان عمنا العباس نافذ البصيرة صلب الايمان له منزلة عند الله يغبطه (١) بها جميع الشهداء وحتى قال الشيخ محمد طه نجف في رجاله عند ذكر العباس بن أمير المؤمنين : أنه أجلّ من أن يذكر في عداد سائر الرجال بل المناسب أن يذكر عند ذكر أهل البيت المعصومين .

أقول : وما كان جهاد العباس عن حميّة وعصبية أو مدفوعا ً بدافع الاخوة بل دفاعه عن الحق ولأن الحسين كان مثال الإيمان ورمز الحق ، علّمنا العباس ذلك في رجزه يوم عاشوراء مذ قال :

__________

(١) يغبطه اي يتمنى ان يكون مثله بلا نقصان من حظه والغبطة خصلة غير مذمومة وهي تمني مثل ما للغير ، كما ان المنافسة هي : تمني مثل ما للغير مع السعي في التحصيل ، وهي سبب قوي للنشاط والتقدم قال الله تعالى : وَفِي ذَٰلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ . انما المذموم الحسد ، وهو كراهة نعمة الغير وحب زوالها ، اما اذا تمنى مثل حاله دون ان يريد زوال نعمته فتلك الغبطة وفي الحديث : المؤمن يغبط والمنافق يحسد .

واصل الحسد هو نظر الحاسد الى المحسود بعين الإكبار والإعظام ، فيرى نفسه حقيراً في جنب ما اوتي ذلك المحسود . ومن اجمل ما قيل :

ان يحسدوك على علاك فانما

متسافل الدرجات يحسد من علا

٢٢٤
 &

والله ان قطعتم يميني

إني احامي ابداً عن ديني

وعن إمام صادق اليقين

نجل النبيِّ الطاهر الامين

وتتبع ذلك مزاياه التي عددها الإمام الصادق في الزيارة التي زاره بها ومنها :

اشهد لك بالصدق والوفاء والنصيحة لخلف النبي المرسل والسبط المنتجب والدليل العالم والوصي المبلِّغ . ومن ألقاب العباس : العابد والعبد الصالح كما في الزيارة : السلام عليك أيها العبد الصالح المطيع لله ولرسوله ولأمير المؤمنين .

أما ولادة العباس فقد كانت سنة ست وعشرين من الهجرة ، وعاش مع أبيه أمير ألمؤمنين أربع عشرة سنة .

ويلقب بقمر بني هاشم لجماله ووسامته ويكنى بأبي الفضل . وعاش مع اخيه الحسن أربعاً وعشرين سنة ، ومع اخيه الحسين اربعاً وثلاثين سنة وذلك مدة عمره . وكان أيّداً (١) شجاعاً فارساً وسيماً جسيماً يركب الفرس المطهَم (٢) ورجلاه تخطان في الأرض كما انه يلقب بالسقا وبأبي قربة لأنه ملك المشرعة يوم عاشوراء وسقى صبية الحسين وقد أبت نفسه أن يشرب الماء واخوه الحسين ظمآن فاغترف بيده غرفة من الماء ثم تذكر عطش الحسين فرمى بها وقال :

يا نفس من بعد الحسين هوني

وبعده لا كنت ان تكوني

هذا حسين وارد المنون

وتشربين بارد المعين

ثم عاد وقد أخد اعداؤه عليه طريقه فجعل يضربهم بسيفه وهو يقول :

__________

(١) الايد كسيد : القوي ، والوسيم من الوسامة ، الجمال .

(٢) المطهم كمحمد السمين الفاحش السمن العالي وهذه كناية عن طوله وجسامته .

ادب الطف ـ ( ١٥ )

٢٢٥
 &

لا أرهب الموت إذا الموت زقا (١)

حتى اوارى في المصاليت لِقى

إني أنا العباس أغدو بالسقا

ولا أهاب الموت يوم الملتقى

اولاد سيدنا العباس واحفاده :

اولاد سيدنا العباس واحفاده كانوا جميعاً علماء فضلاء ، أبرار أتقياء وكانوا كلهم ذوي شأن عظيم ومقام كريم من الجلالة والعظمة والعلم والحلم والزهد والعبادة والسخاء والخطابة يستفيد الناس من علومهم وكمالاتهم .

كان لسيدنا ابي الفضل العباس بن علي عليه السلام ولدان عبيد الله والفضل ، وأمهما لبابة بنت عبيد الله بن العباس بن عبد المطلب هي زوجة سيدنا العباس . اما عبيد الله بن العباس بن امير المؤمنين فقد كان عالماً كبيراً ومنه العقب فإن الفضل اخاه لا عقب له ، وكان عبيد الله بن العباس ـ كما قال النسابة العمري في ( المجدي ) ـ من كبار العلماء موصوفاً بالجمال والكمال والمرؤة ؛ مات سنة ١٥٥ هـ ، تزوج من ثلاث عقائل كريمات الحسب : ١ ـ رقيه بنت الحسن بن علي ٢ ـ وبنت معبد بن عبد الله بن عبد المطلب ٣ ـ وبنت المسور ابن مخرمة الزبيري ـ كذا ذكر السيد البحاثة المقرم في كتابه ( قمر بني هاشم ) ثم قال : ولعبيد الله منزلة كبيرة عند السجاد كرامة لموقف ابيه ابي الفضل العباس عليه السلام ، وكان اذا رأى عبيد الله بن العباس رقّ واستعبر باكياً ، فاذا سئل عنه قال : اني اذكر موقف ابيه يوم الطف فما املك نفسي .

__________

(١) زقا اي صاح ومن قول العرب : زقت هامته .

٢٢٦
 &

ولعبيد الله بن العباس ولدان : عبد الله والحسن ، وانْحصر العقب في الحسن فان عبد الله أخاه لا عقب له ، وذرية الحسن بن عبيد الله ابن العباس لهم فضل وعلم وأدب وهم خمسة كلهم أجلّاء فضلاء ادباء وهم :

الفضل ، الحمزة ، ابراهيم ، العباس ، عبيد الله

قال الداودي في عمدة الطالب في انساب آل ابي طالب : كان اكبرهم العباس وكان سيداً جليلاً ، قال النجاري : ما رؤي هاشمي أعضب لساناً منه . وفي البحار عن تاريخ بغداد : انه جاء إلى بغداد ايام هارون الرشيد فاكرمه واعظمه واحترمه وبعده في ايام المأمون زاد المأمون في اكرامه حيث كان فاضلاً شاعراً فصيحا ، ويظنه الناس انه اشعر اولاد ابي طالب . ومن شعره قوله مفتخراً :

وقالت قريش لنا مفخرٌ

رفيعٌ على الناس لا يُنكرُ

فقد صدقوا لهمُ فضلهم

وبينهم رتبٌ تقصر

وأدناهم رحما بالنبي

اذا فخروا فبه المفخر

بنا الفخر منكم على غيركم

فأمّا علينا فلا تفخروا

ففضل النبى عليكم لنا

أقرّوا به بعد ما انكروا

فان طرتمُ بسوى مجدنا

فان جناحكم الاقصر (١)

وقال الخطيب البغدادي في ( تاريخ بغداد ) ج ١٢ ص ١٣٦ : العباس بن الحسن بن عبيد الله كان عالما شاعراً فصيحا من افصح رجال بني هاشم لسانا وبيانا وشعرا ، ويزعم اكثر العلوية انه اشعر ولد أبي طالب (٢)

__________

(١) عن الفصول المختارة للسيد المرتضى علم الهدى

(٢) قال السيد المقرم في كتابه ( قمر بني هاشم ) : اولد العباس عشرة ذكور وذكر بعضهم .

٢٢٧
 &

ومن شعره يذكره إخاء ابي طالب عم النبي صلى الله عليه وآله وسلم ـ لعبد الله ـ والد رسول الله لأبيه وامه ـ من بين اخوته :

إنا وان رسول الله يجمعنا

أبٌ وامٌّ وجدٌّ غير موصوم

جاءت بنا ربّةٌ من بين اسرته

غرّاء من نسل عمران بن مخزوم

حزنا بها دون من يسعى ليدركها

قرابة من حواها غير مسهوم

رزقا من الله اعطانا فضيلته

والناس من بين مرزوق ومحروم

قال الداودي ( في عمدة الطالب ) : واما الفضل بن الحسن بن عبيد الله بن العباس فقد كان لسناً فصيحاً ، شديد الدين عظيم الشجاعة محتشماً عند الخلفاء ويقال له : ابن الهاشمية ، وهو الذي يؤبن جده ابا الفضل شهيد الطف بقوله :

أحقّ الناس ان يبكي عليه

فتى أبكى الحسين بكربلاء

الابيات المتقدمة .

اقول : واعقب الفضل من ثلاثة : جعفر والعباس ومحمد (١)

واما الحمزة بن الحسن بن عبيد الله بن العباس فقد كان يشبّه بجده امير المؤمنين عليه السلام . خرج توقيع المأمون بخطه وفيه : يُعطى الحمزة بن الحسن بن عبيد الله بن العباس بن امير المؤمنين ألف درهم لشبهه بجده امير المؤمنين . تزوج زينب بنت الحسين بن علي ابن عبدالله بن جعفر الطيار المعروف بالزينبي ، نسبة الى امه زينب بنت امير المؤمنين ، وكان حفيده محمد بن علي بن حمزة موجهاً شاعراً نزل البصرة وروى الحديث عن الرضا وغيره ، مات سنة ٢٨٦ هـ كذا جاء في عمدة الطالب ، وترجمه الخطيب في تاريخ بغداد ج ٢ ص ٦٣ وقال : كان رواية للاخبار وهو صدوق وله

__________

(١) ستأتي تراجمهم ان شاء الله في الجزء الثاني من هذه الموسوعة .

٢٢٨
 &

الرواية عن جماعة كثيرة . وفي تهذيب التهذيب ج ٩ ص ٣٥٢ وصفه بالعلوي البغدادي ونقل عن ابن ابي حاتم انه صدوق ثقة .

واما ابراهيم ويعرف بجردقة كان من الفقهاء والادباء والزهاد ، وابنه علي احد الاجواد له جاه وشرف مات سنة ٢٦٤ وأولد تسعة عشر ولداً ، ومن احفاده ابو الحسن علي بن ابراهيم جردقة كان خليفة ابي عبد الله بن الداعي على النقابة ببغداد كذا جاء في ( العمدة ) وعبد الله بن علي بن ابراهيم جردقة جاء الى بغداد ثم سكن مصر وكان يمتنع من التحدث بها ثم حدث وعنده كتب تسمى الجعفرية فيها فقه على مذهب الشيعة ، توفي في مصر في رجب سنة ثلثمائة واثني عشر كما جاء في تاريخ بغداد ج ١٠ ص ٣٤٦ وكان زاهد عصره قد طاف اكثر الاقطار يكتب عن اهل البيت .

واما عبيد الله بن الحسن بن عبيد الله بن العباس بن امير المؤمنين ففيه يقول محمد بن يوسف الجعفري : ما رايت احداً أهيب ولا اهيأ ولا امرأ من عبيد الله بن الحسن تولى إمارة الحرمين مكة والمدينة والقضاء بهما أيام المأمون سنة ٢٠٤ كما ذكر ذلك البغدادي في تاريخ بغداد ج ١٠ ص ٣١٣ . وفي سنة ٢٠٤ وسنة ٢٠٦ ولاه إمارة الحاج كما ذكر الطبري في ج ١٠ ص ٣٥٥ . مات ببغداد في زمن المامون وكانت امه وام اخيه العباس ام ولد .

٢٢٩
 &

١١ ـ النجاشي :

قال مصعب (١) بن عبد الله بن المصعب الزبيري في كتابه : نسب قريش ص ٤١ :

وقال النجاشي يرثي الحسين بن علي :

يا جعد بكِّيه ولا تسأمي

بكاءَ حقٍّ ليس بالباطل

على ابن بنت الطاهر المصطفى

وابن ابن عم المصطفى الفاضل

لن تُغلقي باباً على مثله

في الناس من حافٍ ولا ناعلِ

__________

(١) ولادته سنة ١٥٦ هـ ، ووفاته ٢٣٦ .

٢٣٠
 &

١٢ ـ عبد الله بن غالب :

روى ابن قولويه في ( كامل الزيارات ) ص ١٠٥ قال : حدثني محمد ابن جعفر عن محمد بن الحسين عن ابن ابي عمير عن عبد الله بن حسان عن ابن ابي شعبة عن عبد الله بن غالب ، قال دخلت على ابي عبد الله عليه السلام فانشدته مرثية في الحسين فلما انتهيت الى هذا الموضع :

فيا لبليّة تكسو حسينا

بمسقاه الثرى عفر الترابِ

صاحت باكية من وراء الستر : وآ أبتاه .

٢٣١
 &

قال الشيخ المامقاني : عبد الله بن غالب الاسدي عدّه الشيخ رحمه الله في رجاله تارة من اصحاب الباقر عليه السلام . قائلاً : عبد الله بن غالب الاسدي الشاعر الذي قال له ابو عبد الله عليه السلام : ان ملكاً يلقنك الشعر وإني لأعرف ذلك الملك . واخرى من اصحاب الصادق .

وقال النجاشي : عبد الله بن غالب الاسدي الشاعر الفقيه ابو علي روى عن ابي جعفر وابي عبد الله وابي الحسن عليهم السلام ثقة ثقة واخوه اسحاق بن غالب له كتاب تكثر الرواة عنه منهم الحسن ابن محبوب . وكذا جاء في الخلاصة .

وقال الكشي : قال نصر بن الصباح البلخي : عبد الله بن غالب الشاعر الذي قال له ابو عبد الله ان ملكاً يلقي عليه الشعر إني لأعرف ذلك الملك .

٢٣٢
 &

٣ ـ ابو هارون المكفوف :

روى ابن قولويه في ( كامل الزيارت ) ص ١٠٥ قال : حدثني محمد بن الحسن عن محمد بن الحسن الصفار عن محمد بن الحسين عن محمد ابن اسماعيل عن صالح بن عقبة عن ابي هارون المكفوف ، قال : دخلت على ابي عبد الله عليه السلام فقال لي انشدني فانشدته :

أمرر على جدث الحسين

وقل لأعظمه الزكية (١)

قال : فلما بكى أمسكت انا ، فقال مر ، فمررت ، قال زدني زدني قال فانشدته :

يا مريم قومي واندبي مولاكِ

وعلى الحسين فاسعدي ببكاكِ

قال : فبكى وتهايج النساء ، قال فلما أن سكتن قال لي : يا ابا هارون مَن أنشد في الحسين عليه السلام فأبكى عشرة فله الجنة ، ثم جعل ينقصّ واحداً واحداً حتى بلغ الواحد ، فقال مَن انشد في الحسين فابكى واحداً فله الجنة ، ثم قال : مَن ذكره فبكى فله الجنة .

وروى ابن قولويه في الكامل ايضاً قال حدثنا ابو العباس القرشي عن محمد بن الحسين بن ابي الخطاب عن محمد بن اسماعيل عن صالح ابن عقبة عن ابي هارون المكفوف قال : قال ابو عبد الله عليه السلام :

__________

(١) هذا البيت من ابيات للسيد الحميري ، وانما انشده انشاداً ولم ينشأه .

٢٣٣
 &

يا ابا هارون انشدني في الحسين عليه السلام ، قال فانشدته فبكى . فقال : أنشدني كما تنشدون ـ يعني بالرقة ـ قال فانشدته :

امرر على جدث الحسين

فقل لاعظمه الزكيّة

قال فبكى ثم قال زدني ، قال فأنشدته القصيدة الاخرى ، قال فبكى وسمعت البكاء من خلف الستر ، قال فلما فرغتُ قال لي : يا ابا هارون من أنشد في الحسين شعراً فبكى وأبكى عشراً كتبت له الجنة ، ومَن انشد في الحسين شعراً فبكى وأبكى واحداً كتبت لهما الجنة ، ومَن ذكر الحسين عنده فخرج من عينيه من الدموع مقدار جناح ذباب كان ثوابه على الله ولم يرضى له بدون الجنة .

قال الشيخ المامقاني في ( تنقيح المقال ) ج ٣ .

ابو هارون المكفوف عدّه الشيخ رحمه الله في اصحاب الباقر عليه السلام ، وله كتاب رواه عنه عبيس بن هشام . اقول وروى الشيخ المامقاني رواية تشير بالطعن على الرجل ، ثم قال : ولكن في الكافي رواية كاشفة عن كونه محل عناية الصادق وهي ما رواه عن علي بن ابراهيم عن ابيه عن ابي اسحاق الخفاف عن محمد بن ابي زيد عن ابي هارون المكفوف قال قال لي ابو عبد الله عليه السلام : أيسرّك أن يكون لك قائد يا ابا هارون ، قلت نعم جعلت فداك ، فاعطاني ثلاثين ديناراً فقال : اشتر خادماً كوفياً فاشتريته ، فلما أن حج دخلت عليه فقال : كيف رأيت قائدك يا ابا هارون ، فقلت خيراً ، فاعطاني خمسة وعشرين ديناراً فقال : اشتر به جارية شبانية (١) فان اولادهن فره ، فاشتريتها وزوجتها منه فولدت ثلاث بنات فاهديت واحدة منهن الى بعض ولد ابي عبد الله عليه السلام وارجو أن يجعل الله ثوابي منها الجنة ، وبقيت ثنتان ما يسرني بهما ألوف .

__________

(١) الشباني : الاحمر الوجه .

٢٣٤
 &

قال الشيخ المامقاني : وظني ان اسم الرجل : موسى بن عميرة مولى آل جعدة بن هبيرة ، وقال السيد الامين في الاعيان : ابو هارون المكفوف : اسمه موسى بن عمير أو ابن ابي عمير ، مولى آل جعدة . روى الكليني في الكافي عن محمد بن سنان عنه عن ابي عبد الله عليه السلام هذا ما ذكره في الجزء ٧ في باب الكنى . ثم ذكره في الجزء ٤٩ ص ٨٥ تحت عنوان :

ابو المكفوف موسى بن عمير او ابن ابي عمير الكوفي مولى آل جعدة بن هبيرة المخزومي وروى الرواية التي تدل على الطعن فيه وقال : كل ما تقدم يدلّ على حسن حال ابي هارون وان ما نسب اليه من الغلو باطل انتهى .

وقال الشيخ المامقاني في تنقيح المقال ايضاً : موسى بن عمير ابو هارون المكفوف مولى آل جعدة بن هبيرة كوفي ، عدّه الشيخ في رجاله من اصحاب الصادق « ع » . وذكر رواية الكشي التي اشرنا اليها وان يكن لم يقطع بأن المعنى هو لانه لم يُصرح باسمه بل بالكنية فقط .

٢٣٥
 &

زينب الكبرى بنت علي « ع » (١)

قالت الحوراء زينب الكبرى بنت امير المؤمنين علي عليه السلام في ابيات ترثي بها اخاها الحسين :

على الطف السلام وساكنيه

وروح الله في تلك القباب

نفوس قدست في الارض قدساً

وقد خُلقت من النطف العِذاب

مضاجع فتية عبدوا فناموا

هجوداً في الفدافد والروابي

علتهم في مضاجعهم كعاب

باردان منعمة رطاب

وصيّرت القبور لهم قصوراً

مناخاً ذات أفنيةٍ رحاب (٢)

__________

(١) ملاحظة كان الواجب أن تكون في القرن الاول وانما اخرت سهواً .

(٢) عن كتاب ( بطل العلقمي ) ج ٣ ص ٣٣٥ .

٢٣٦
 &

زينب الكبرى بنت امير المؤمنين عليه السلام :

تُلقّب بالعقيلة وعقيلة بني هاشم وعقيلة الطالبيين . وتلقب بالموثقة والعارفة . والعالمة غير المعلمة . والفاضلة . والكاملة . وعابدة آل علي .

وهي اولى بنات امير المؤمنين ( ع ) ولدتها فاطمة الزهراء بعد الحسنين ، نشأت في حضن النبوة ودرجت في بيت الرسالة ورضعت لبان الوحي من ثدي العصمة فنشأت نشأةً قدسية روحانية فان الخمسة اصحاب العبا قد قاموا بتربيتها وتثقيفها وتهذيبها وكفى بهم مؤدبين ومهذبين .

ذكر العلامة محمد علي احمد المصري في رسالته قال : ان السيدة زينب نشأت نشأة حسنة كاملة فاضلة عالمة من شجرة أصلها ثابت وفرعها في السماء ، وكانت على جانب عظيم من الحلم والعلم ومكارم الاخلاق ذات فصاحة وبلاغة . . . الى آخر ما قال (١) .

قال الكاتب فريد وجدي : السيدة زينب بنت علي رضي الله عنهما ، كانت من فضليات النساء وشريفات العقائل . ذات تقي وطهر وعبادة .

زينب الكبرى بنت امير المؤمنين علي من فاطمة الزهراء بنت رسول الله « ص » ولدت سنة خمس من الهجرة في الخامس من جمادي

__________

(١) عن كتاب ( عقيلة بني هاشم ) للخطيب علي بن الحسين الهاشمي .

٢٣٧
 &

الاول ، وكانت عند وفاة جدها رسول الله « ص » بنت خمس سنين ، وعند وفاة امها الزهراء ابنة ست إلا اشهراً .

وروت الحديث عن امها الزهراء وروت خطبتها الشهيرة عنها على طولها مع أنها لما سمعتها كانت صغيرة السن ، وكان يرويها عنها اهل البيت ، وروى علي بن الحسين عنها عن امها فاطمة ما يتعلق بولادة الحسين ، وحدّثت عن أبيها امير المؤمنين وأخويها الحسنين .

زوجها ابوها من ابن اخيه عبد الله (١) بن جعفر فولدت له عوناً (٢) وعباساً وام كلثوم .

__________

(١) عبد الله بن جعفر الطيار يقال له قطب السخاء وفيه يقول عبد الله بن قيس الرقيات :

وما كنت الا كالأغر ابن جعفر

رأى المال لا يبقى فابقى له ذكرا

وكان من احسن الناس وجهاً وأفصحهم منطقا واسمحهم كفا ، كانت ولادته بارض الحبشة وامه اسماء بنت عميس وحضر مع امير المؤمنين حروبه الثلاث ثم لازم الحسن والحسين مات سنة اربعة أو خمسة وثمانين من الهجرة .

(٢) يتوهم البعض أن المرقد الواقع بالقرب من مدينة كربلاء المقدسة على سبعة أميال من شرقي المدينة انه عون بن عبد الله بن جعفر والذي امه الحوراء زينب بنت علي « ع » انما عون المذكور مدفون في الحائر الحسيني مع الشهداء في حفرة واحدة عند رجلي الامام الحسين ( ع ) ، وانما المرقد المعروف بهذا الاسم هو :

عون بن عبد الله بن جعفر بن مرعي بن علي بن الحسن البنفسج بن ادريس بن داود ابن احمد المسود بن عبد الله بن موسى الجون بن عبد الله المحض بن الحسن المثنى بن الحسن السبط بن علي بن ابي طالب .

وكان سيداً جليلاً قد سكن الحائر الحسيني المقدس ، وكانت له ضيعة على ثلاثة فراسخ عن كربلاء فخرج اليها وادركه الموت فدفن في ضيعته ، فكان له مزار مشهور وقبة عالية والناس يقصدون بالنذور وقضاء الحاجات .

وقبته ماثلة للعيان . ذكره النسابة السيد جعفر بن السيد محمد الاعرجي الكاظمي المتوفي سنة ١٣٣٣ في كتابه ( مناهل الضرب في انساب العرب ) .

٢٣٨
 &

وللسيدة الحوراء زينب سلام الله عليها مواقف مليئة بالبطولة والشجاعة يوم وقعت الواقعة بين الحق والباطل في كربلاء ويوم استشهد جميع أنصار الحق لا يريدون أن يذعنوا للباطل . زينب رمز المرأة المسلمة المؤمنة ، ومفخرة المرأة العربية المخلصة فقد شاطرت الحسين بهذه النهضة الجبارة ، قال العلامة المعاصر الشيخ عبد المهدي مطر في قصيدة عدد فيها مواقف السيدة زينب :

يا ريشة القلم استفزّي واكتبي

هل كان هزّك مثل موقف زينب

وفاتها :

ذكر المؤرخون ان السيدة زينب ماتت في النصف من رجب سنة ٦٥ هـ .

وقال الاستاذ حسن قاسم في كتابه ، السيدة زينب :

السيدة الطاهرة الزكية بنت الامام علي بن ابي طالب ابن عم الرسول وشقيقة ريحانتيه . لها اشرف نسب واجل حسب واكمل وأطهر قلب . فكأنها صيغت في قالب ضمخّ بعطر الفضائل . فالمستجلي آثارها يتمثل أمام عينيه رمز الحق ، رمز الفضيلة . رمز الشجاعة . رمز المرؤة فصاحة اللسان . قوة الجنان . مثال الزهد والورع مثال العفاف والشهامة . ان في ذلك لعبرة .

وقال العلامة محمد علي احمد المصري في رسالته : السيدة زينب :

٢٣٩
 &

هي بنت سيدي الامام علي كرم الله وجهه ، وبنت السيدة فاطمة الزهراء بنت رسول الله وهي من أجل أهل البيت حسباً وأعلاهم نسباً . خيرة السيدات الطاهرات ومن فضليات النساء وجليلات العقائل التي قامت الفوارس في الشجاعة واتخذت طول حياتها تقوى الله بضاعة كريمة الدارين وشقيقة الحسنين .

وقال عمر ابو النصر في كتابه ، فاطمة بنت محمد : واما زينب بنت فاطمة فقد اظهرت انها من اكثر اهل البيت جرأة وبلاغة وفصاحة . وقد استطارت شهرتها بما أظهرت يوم كربلاء وبعده من حجة وقوة وجرأة وبلاغة حتى ضرب بها المثل وشهد لها المؤرخون والكتاب .

وقال ابن الاثير : إن زينب ولدت في حياة النبي وكانت عاقلة لبيبة جزلة ، وكلامها ليزيد بن معاوية حين طلب الشامي أختها فاطمة مشهور ، يدلّ على عقل وقوّة جنان .

وقال العلامة البرغاني في ( مجالس المؤمنين ) : إنّ المقامات العرفانية الخاصة بزينب تقرب من مقامات الامامة ، وانها لما رأت حالة زين العابدين ـ حين رأى أجساد أبيه وإخوته وعشيرته وأهل بيته على الثرى صرعى مجزرين كالاضاحي وقد اضطرب قلبه واصفرّ لونه ـ أخذت في تسليته ، وحدثته بحديث أمّ أيمن (١) كما روى ابن قولويه في

__________

(١) هي مربية النبي ( ص ) ومولاته ، سوداء ورثها النبي عن امه ، وكان اسمها بركة ، فاعتقها وزوجها عبيد الخزرجي بمكة فولدت له أيمن ، فمات زوجها فزوجها النبي من زيد فولدت له اسامة أسود يشبهها ، فاسامة وأيمن اخوان . وام ايمن شهد النبي لها بالجنة .

٢٤٠