أدب الطّف - ج ١

جواد شبّر

أدب الطّف - ج ١

المؤلف:

جواد شبّر


الموضوع : الشعر والأدب
الناشر: دار المرتضى
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٥٢
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة
 &

المحمدية ويتفقه بفقه القرآن ويتأدب بالادب العلوي العالي ويتهذب بالتربية الحسينية الرفيعة مثل السيدة سكينة لا يمكن أن ترضى لنفسها أو تسمح لصواحبها وأترابها من نسوة المدينة من أهل الشرف بالاجتماع مع الرجال الاجانب مهما كانوا وهي من بيت أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا .

أيصح أن تقوم خيرة النساء في عصرها ـ كما يقول سيد الشهداء ـ وهي ترى أخاها السجاد عليه السلام يغمى عليه بين حين وآخر ويعقد المجالس للنياحة على أبيه الشهيد والثواكل من نساء بني هاشم يندبن قتلاهن ثم تعقد هي مجلس السمر مع الشعراء .

كتب العلامة السيد عبد الرزاق المقرم ودافع عن كرامة بنت الحسين وأعقبه المحقق الاستاذ توفيق الفكيكي فأجاد وأفاد واستهل كتابه بهذا البيت ـ وهو للسيد الشريف الرضي :

وقد نقلوا عني الذي لم أفه به

وما آفةُ الاخبار الا رواتها

وجاء بقصيدة عمر بن أبي ربيعة التي قالها سعدى بنت عبد الرحمن بن عوف واولها :

قالت سكينةُ والدموع ذوارفٌ

تجري على الخدين والجلبابِ

وذكر عدة مصادر منها ما حققه المحقق العلامة الشنقيطي في شرح أمالي الزجاج كما أوردها صاحب الاغاني ايضاً :

قالت سعيدة والدموع ذوارفٌ ، واستدل بمصادر عديدة منها الحصري في ( زهر الآداب ) كما انها في ديوان عمر بن أبي ربيعة هكذا : قالت سعيدة والدموع ذوارف .

وان لعمر بن أبي ربيعة شعراً كثيراً في ( سعدى ) يورده صاحب

ادب الطف ـ ( ١١ )

١٦١
 &

الاغاني ، ثم روى ايضاً عن حماد بن اسحاق الموصلي ومعجم الادباء وشارح ديوان عمر بن أبي ربيعة وكلها تؤيد ما يقول وتصرح بأن هذا الشعر ليس في سكينة ، وان هذه الرواية المدسوسة التي يرويها القالي عن استاذه الزجاج وهذا عن شيخه المبرد رواها عن القصاصين والمغنين الذين عاشوا على موائد البلاط الأموي .

قال : وهناك أهم من هذا كله ـ وهو العنصر السياسي فانه كان العامل المهم في هذا التغيير خاصة اذا ما علمنا أن الشيخ القالي اموي الفكرة وان جده سلمان كان مولى الى عبد الملك بن مروان ، وقد عاش بقية حياته في كنف الخليفة الاموي عبد الرحمن الناصر وابنه الحكم في الاندلس ، وكان من مقتضى السياسة الاموية في الشرق والغرب ومن مصلحتها أن تذيع هذه القصيدة وامثالها على لسان المغنين والمغنيات والقصاصين باسم ( سكينة ) بنت الحسين ، ومما يؤيد ذلك استنكار الرشيد وغضبه على اسحاق الموصلي عندما غنى بين يديه بما حفظه عن المغنين : قالت سكينة والدموع ذوارف ، وقوله : الا تتحفظ في غنائك وتدري ما يخرج من رأسك انتهى (١) .

ويأتي سؤال هل تزوجت سكينة بنت الحسين ؟ وبمن تزوجت ؟ نقول أن علماء النسب والتاريخ يذكرون ان سكينة تزوجت بعبد الله الاكبر بن الإمام الحسن السبط وهو أخو القاسم ، وامهما رملة . استشهد يوم الطف قبل القاسم . ومن هؤلاء الأعلام النسابة ابو الحسن العمري في القرن السادس في كتابه ( المجدي ) وابو علي الطبرسي صاحب مجمع

__________

(١) كتب القانوني البارع الأستاذ توفيق الفكيكي كتابا عن حياة السيدة سكينة بنت الحسين « ع » وكان هذا الكتاب الحلقة الخامسة من سلسلة حديث الشهر التي اصدرها العلامة البارع الشيخ عبد الله السبيتي .

١٦٢
 &

البيان في إعلام الورى ص ١٢٧ عند ذكر اولاد الحسن ، والشيخ محمد الصبان في اسعاف الراغبين على هامش نور الابصار ص ٢٠٢ ، وروى الشيخ عباس القمي في سفينة البحار عن اعلام الورى في ذكر اولاد الحسين بن علي « ع » : وكان عبد الله بن الحسن قد زوجه الحسين ابنته سكينة فقتل قبل أن يبنى بها .

بعض ما جاء في فضلها :

١ ـ روى ابن الفرج ان سكينة بنت الحسين « ع » كانت في مأتم فيه بنت لعثمان فقالت بنت عثمان : أنا بنت الشهيد ، فسكتت سكينة فقال المؤذن : أشهد أن محمداً رسول الله . قالت سكينة هذا أبي او أبوك ، فقالت العثمانية : لا أفخر عليكم أبداً .

٢ ـ وروى سبط ابن الجوزي عن سفيان الثوري قال : أراد علي بن الحسين الخروج الى الحج او العمرة فاتخذت له اخته سكينة بنت الحسين سفرة طعام أنفقت عليها الف درهم وأرسلت بها اليه ، فلما كان بظهر الحرّة أمر بها ففرقت في الفقراء والمساكين .

٣ ـ وفي تاريخ ابن خلكان : ان سكينة سيدة نساء عصرها .

٤ ـ وقال مؤرخ دمشق شمس الدين محمد بن طولون في كتابه ( الأئمة الاثنا عشر ) قدمت سكينة دمشق مع اهلها ثم خرجت الى المدينة . وكانت من سادات النساء واهل الجود والفضل رضي الله عنها وعن ابيها .

١٦٣
 &

٢ ـ فاطمة بنت الحسين بن علي بن أبي طالب «ع» :

قالت تنعي أباها :

نعق الغرابُ فقلت مَن

تنعاه ويحك يا غرابْ

قال : الإمام فقلت مَن

قال : الموفق للصواب

قلت : الحسين ، فقال لي

بمقال محزون أجاب

إن الحسين بكربلا

بين الأسنة والحراب

أبكي الحسين بعبرة

ترضى الإلۤه مع الثواب

ثم استقلّ به الجناح

فلم يطق ردّ الجواب

فبكيت مما حلّ بي

بعد الرضى المستجاب (١)

__________

(١) الدر المنثور في طبقات ربات الخدور . قالت : وقيل أن هذه الابيات لفاطمة الصغرى وأنها تخلفت بالمدينة .

١٦٤
 &

فاطمة بنت الحسين ـ امها ام اسحاق بنت طلحة بن عبيد الله وكانت عند الحسن بن علي « ع » وقد كانت قد ولدت من الحسن طلحة وقد درج ولا عقب له . كذا قال ابو الفرج . ثم تزوجها الحسين بوصية من اخيه الحسن فولدت له فاطمة تزوج بها الحسن المثنى بن الحسن بن امير المؤمنين . روى الصبان في اسعاف الراغبين : ان الحسن المثنى بن الحسن أتى عمه أبا عبد الله الحسين يخطب احدى ابنتيه : فاطمة وسكينة ، فقال له أبو عبد الله « ع » أختار لك فاطمة ، فهي أكثر شبهاً بأمي فاطمة بنت رسول الله « ص » ، أما في الدين فتقوم الليل كله وتصوم النهار ، وأما في الجمال تشبه الحور العين ، وأما سكينة فغالب عليها الاستغراق مع الله تعالى فلا تصلح لرجل .

جاء في الدر المنثور :

ولما مات الحسن المثنى خرجت زوجته فاطمة بنت الحسين « ع » على قبره فسطاطا ، وكانت تقوم الليل وتصوم النهار ، فلما كان رأس السنة قالت لمواليها : اذا أظلم الليل فقوَّضوا هذا الفصطاط ، فلما أظلم الليل وقوَّضوه سمعت قائلا يقول : هل وجدوا ما فقدوا . فأجابه آخر : بل يئسوا فانقلبوا .

قالت : وكانت فاطمة كريمة الاخلاق حسنة الاعراق ، وكانت فاطمة اكبر سناً من اختها سكينة وترى انها مدفونة في مصر خلف الدرب الاحمر في زقاق يعرف بزقاق فاطمة النبوية في مسجد جليل ومقامها عظيم وعليه المهابة والجلال .

وبأعلى القبر لوح من الرخام منقوش عليه بخط بديع :

١٦٥
 &

أسكنت من كان في الأحشاء مسكنه

بالرغم مني بين الترب والحجرِ

يا قبر فاطمة بنت ابن فاطمة

بنت الأئمة بنت الأنجم الزهر

يا قبر ما فيك من دين ومن ورع

ومن عفاف ومن صون ومن خفر

وتقول المؤلفة ان وفاتها كانت سنة عشر ومائة للهجرة :

قال الشيخ عباس القمي في كتابه ( نفس المهموم ) : توفيت فاطمة بنت الحسين في السنة التي توفيت بها اختها سكينة بنت الحسين وهي سنة سبع عشرة بعد المأة من الهجرة بالمدينة .

اولادها :

١ ـ عبد الله المحض وإنما سُمي بالمحض لأنه اجتمعت عليه ولادة الحسن والحسين وكان يشبه برسول الله « ص » وهو شيخ بني هاشم في عصره وكان يتولى صدقات امير المؤمنين علي « ع » . وقيل له : بِمَ صرتم أفضل الناس ؟ فقال : لأن الناس كلهم يتمنون أن يكونوا منا ولا نتمنى أن نكون من احد .

وكان من شعره :

بيضٌ حرائر ما هممن بريبةٍ

كضِباء مكة صيدهنَّ حرامُ

يُحسَبن من لين الكلام زوانيا

ويصدّهن عن الخنا الاسلام

مات في حبس المنصور الدوانيقي بالهاشمية يوم عيد الأضحى سنة خمس واربعين ومائة وصلى عليه اخوه الحسن بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم السلام ، وله من العمر خمس وسبعون سنة ، وله

١٦٦
 &

من الاولاد محمد ذو النفس الزكية ، وابراهيم باخمرا من أبطال الهاشميين .

٢ ـ ابراهيم الغمر .

٣ ـ الحسن المثلث .

وكل من هؤلاء له عقب وكلهم ماتوا في حبس المنصور الدوانيقي لما حج المنصور ايام ولايته سنة ٤٥ من الهجرة ودخل المدينة جمع بني الحسن فكانوا اكثر من عشرين رجلا وقيدهم بالحديد وقال لعبد الله المحض اين الفاسقان الكذابان ـ يعني ولديه محمد وابراهيم ـ قال : لا علم لي بهما ، فاسمعه كلاماً بذيئاً ثم اوقفه واخوته وعامة بني الحسن في الشمس مكشوفة رؤوسهم وركب هو في محمل مغطى فناداه عبد الله المحض : يا امير أهكذا ـ فعلنا بكم يوم بدر ـ يشير الى صنع النبي « ص » بالعباس حين بات يأنُّ ، قيل له : ما لك يا رسول الله لا تنام ، قال : كيف أنام وأنا أسمع أنين عمي العباس في الوثاق . قالوا : وكانت طفلة لعبد الله المحض اسمها فاطمة قد وقفت على الطريق لما مرَّ محمل المنصور وقالت يا أمير المؤمنين ، فالتفت اليها المنصور فأنشأت تقول :

ارحم كبيراً سِنّـه منهدماً

في السجن بين سلاسل وقيودِ

إن جُدتَ بالرحم القريبة بيننا

ما جدَّنا من جدّكم ببعيد

فلم يلتفت اليها ، وجاء ببني الحسن الى الهاشمية وحبسهم في محبس تحت الارض كانوا لا يعرفون ليلا ولا نهاراً ، ومن أجل معرفة أوقات الصلاة فانهم جزؤوا القرآن وعند انتهاء كل جزء يصلون وقتاً من

١٦٧
 &

الاوقات . قال سبط ابن الجوزي في تذكرة الخواص ولما حملوا من المدينة نظر اليهم ابن ابي زناد السعدي فقال :

مَن لنفس كثيرة الإشفاق

ولعينٍ كثيرة الإطراق

لفراق الذين راحوا الى الموت

عياناً والموت مرّ المذاق

ثم ظلوا يسلّمون علينا

بأكفٍ مشدودة في الوثاق

قال : وحتى ماتوا في الحبس ويقال إن المنصور ردم عليهم الحبس فماتوا .

١٦٨
 &

لقد هدّ ركني رزءُ آل محمدٍ

تجهز فاما أن تزور ابن ضابىء

وابكت جفوني بالفرات مصارع

لآل النبي المصطفى وعظام

عظام باكناف الفرات زكيّة

بهنّ علينا حرمةٌ وذمام

فكم حرّةٍ مسبية ويتيمة

وكم من كريم قد علاه حسام

لآل رسول الله صلّت عليُهمُ

ملائكة بيض الوجوه كرام

افاطم اشجاني بنوك ذوو العلى

فشبتُ وإني صادق لغلام

وأضحيتُ لا ألتذّ طيب معيشتي

كأنّ عليّ الطيبات حرام

ولا البارد العذب الفرات اسيغه

ولا ظلّ يهنيني الغداة طعام

يقولون لي صبراً جميلاً وسلوةً

وما لي الى الصبر الجميل مرام

فكيف اصطباري بعد آل محمدٍ

وفي القلب مني لوعة وضرام

١٦٩
 &

ابو محمد سفيان بن مصعب العبدي (١) الكوفي من شعراء اهل البيت عليهم السلام ، وقد اكثر من شعره في مدح امير المؤمنين علي بن ابي طالب وذريته وتفجّع لمصابهم ، ولم نجد في غيرهم له شعر ، توفي حدود سنة ١٢٠ بالكوفة . ويرى الشيخ الاميني انه بقي اكثر من ذلك اي إلى حدود سنة ١٧٨ .

استنشده الامام الصادق في شعره كما في رواية ثقة الاسلام الكليني في روضة الكافي باسناده عن ابي داود المسترق عنه قال : دخلت على ابي عبد الله عليه السلام فقال :

قولوا لأم فروة تجيء فتسمع ما صُنع بجدها ، قال فجاءت فقعدت خلف الستر ثم قال فانشدنا . قال فقلت :

فرو جودي بدمعك المسكوب .

قال فصاحت وصحن النساء فقال ابو عبد الله عليه السلام : الباب . فاجتمع اهل المدينة على الباب ، قال فبعث اليهم ابو عبد الله صبي لنا غشي عليه فصحن النساء .

وفي رجال الشيخ ان الامام الصادق عليه السلام قال : يا معشر الشيعة علموا أولادكم شعر العبدي فإنه على دين الله .

وروى ابو الفرج في الاغاني ج ٧ ص ٢٢ عن ابي داود المسترق سليمان بن سفيان ان السيد الحميري والعبدي اجتمعا فانشد السيد :

إني أدينُ بما دان الوصيُّ به

يوم الخريبة (٢) من قتل المحلّينا

وبالذي دان يوم النهروان به

وشاركت كفه كفى بصفينا

__________

(١) العبدي نسبة الى عبد القيس .

(٢) الخريبة : موضع بالبصرة كانت به واقعة الجمل

١٧٠
 &

فقال له العبدي : أخطأت ، لو شاركت كفك كفه كنت مثله ، ولكن قل : وتابعت كفه كفى ، لتكون تابعاً لا شريكاً .

فكان السيد الحميري بعد ذلك يقول : انا اشعر الناس إلّا العبدي اقول ووجدت قصيدة لشاعرنا المترجم له في اعيان الشيعة جزء ٣٥ وهي من فاخر المدح وجيّد النظم وهي كما يقول السيد : من كنوز هذا الكتاب وقلما توجد في غيره فأجبت أن لا تخلو هذه الموسوعة منها .

قصيدة سفيان بن مصعب العبدي :

هل في سؤالك رسمَ المنزل الحزب

برءٌ لقلبك من داءِ الهوى الوصِبِ

أم حرُّه يوم وشْك البين يُبرده

ما استحدرته النوى من دمعك السرب

هيهات أن ينفد الوجه المثير له

نأيُ الخليط الذي وليَّ فلم يؤب

يا رائد الحيِّ حسب الحيّ ما ضمنت

له المدامع من ماء ومن عشب

ما خلتُ من قبل ان حالت نوى قذف

أنَّ العيونَ لهم أهمى من السحب

بانوا فكم أطلقوا دمعاً وكم أسروا

لُبّاً وكم قطعوا للوصل من سبب

من غادرٍ لم أكن يوماً أسّر له

غدراً وما الغدر من شأن الفتى العربي

١٧١
 &

وحافظ العهد يهدي صفحتي فرح

للكاشحين وتخفي وجه مكتبئب (١)

بانوا قبابا وأحبابا تصونهم

عن النواظر أطراف القنا السلبِ

وخلفوا عاشقا ملقى ربى خلِسا

بطرفه حِذْرَ من يهوى فلم يصب

القى النحول عليه بُرده فغدا

كأنّه ما نسوا في الدار من طنب

لهفي لما استودعت تلك القباب وما

حجبن من قضب فيها ومن كثب

من كل هيفاء اعطاف هظيم حشى

لعْساءَ مرتشف غرّاءَ منتقب

كأنما ثغرها وهناً وريقتها

ما ضمَّت الكاس من راح ومن حَبَب

وفي الخدورِ بدورٌ لو برزن لنا

بردّن كل حشىً بالوجد ملتهبِ

وفي حشاي غليل بات يضرمه

شوق إلى بَرْدِ ذاك الظلم والشنَب

يا راقد اللوعة اهبب من كراك فقد

بان الخليط ويا مضنى الغرام ثِبِ

__________

(١) يعني انه يبدي الفرح للكاشحين عند فرحه ليغيظهم بذلك ويخفي عنهم الكآبة عند حزنه لئلا يشمتوا به .

١٧٢
 &

أما وعصر هوى ذبَّ العزاء له

ريب المنون وغالته يد النوب

لأشرقن بدمعي ان نأت بهم

دارٌ ولم أقص ما في النفس من أربِ

ليس العجيب بأن لم يبق لي جَلَد

لكن بقائي وقد بانوا من العجب

شبتُ ابن عشرين عاماً والفراق له

سهم متى ما يصب شملَ الفتى يشب

ما هزَّ عطفي من شوق الى وطني

ولا اعتراني من وجدٍ ومن طربِ

مثل اشتياقي من بُعدٍ ومنتزَح

من الغريّ وما فيه من الحسبِ

أذكى ثرى ضم أزكى العالمين فذا

خيرُ الرجال وهذي أشرفُ الترُب

إن كان عن ناظري بالغيب محتجباً

فانه عن ضميري غير محتجب

مرت عليه ضروع المزن رائحة

من الجنوب فروّته من الحلَب

من كل مقربةٍ إقراب مُرزمة

إرزامَ صاديةِ الأزوار والقرب

يَقُذ بها حرَّ نيران البروق وما

لهن تحت سجاليها من اللهب

١٧٣
 &

حتى ترى الجلعد الكوماء رائحة

ممغوطة النسع ضمراً رخوة اللبب

بل جاد ما ضمَّ ذاك الترب من شرف

مزن المدامع من جارٍ ومنسكب

تهفو اشتياقاً اليه كلّ جارحةٍ

مني ولا مثل ما تحتاج في رجب

ولو تكون لي الأقدار مسعدة

لطاب لي عنده بُعدي ومقتربي

يا راكباً جسرة تطوى مناسمها

مُلاءة البيد بالتقريب والخَبب

هو جاء لا يطعم الانضاء غاربها

مسرى ولا تتشكى مؤلم التعب

تقيد المغزل الادماء في صعد

وتطلح الكاسر الفتخاء في صبب

تثنى الرياح اذا مرت بغابتها

حسرى الطلائع بالغيطان والهضب

بلِّغ سلامي قبراً بالغريّ حوى

أوفى البرية من عجمٍ ومن عرب

واجعل شعارك لله الخشوع به

ونادِ خيرَ وصي صنو خير نبي

اسمع أبا حسن إن الاولى عدلوا

عن حكمك انقلبوا عن خير منقلب

١٧٤
 &

ما بالهم نكبوا نهج النجاة وقد

وضحَّته واقتفوا نهجاً من العطب

ودافعوك عن الامر الذي اعتلقت

زمامَه من قريش كفّ مغتصب

ظلَّت تجاذبها حتى لقد حزمت

خِشاشَها تَربتْ من كفِّ مجتذب

وكان بالأمس منها المستقيل فِلمْ

أرادها اليوم لو لم يأت ......

وأنت توسعه صبراً على مضض

والحلم أحسن ما يأتي مع الغضب

حتى إذا الموت ناداه فأسمعه

والموتُ داع متى يدع امرءً يجب

حَبا بها آخراً فاعتاض محتقب

منه بأفضع محمولٍ ومحتقِب

وكان أول من أوصى ببيعته

لك النبي ولكن حال من كثب

حتى إذا ثالث منهم تقمصها

وقد تبدل منها الجد باللعب

عادت كما بدأت شوهاء جاهلة

تجرّ فيها ذئاب أكلة الغلب

وكان عنها لهم في خم من دجرٍ

لمّا رقى احمدُ الهادي على قتب

١٧٥
 &

وقال والناس من دانٍ اليه ومن

ثاوٍ لديه ومن مصغٍ ومُرتقب

قم يا علي فإني قد أمرتُ بأن

أُبلِّغ الناس والتبليغ أجدرُ بي

إني نصبتُ علياً هادياً علماً

بعدي وإن علياً خيرَ منتصب

فبايعوك وكلٌ باسط يدَه

اليك من فوق قلبٍ عنك منقلب

عافوك لا مانع طولاً ولا حصِر

قولا ولا لهج بالغشّ والريب

وكنت قطب رحى الإسلام دونهم

ولا تدور رحى إلا على قُطُبِ

ولا تساوت بكم في العلم مرتبة

ولا تماثلتم في البيت والنسب

إن تلحظ القرنَ والعسالَ في يده

يظل مضطرباً في كف مضطرب

وإن هززتَ قناةً ظلت توردها

وريد ممتنع في الروع مجتنب

ولا تسلْ حساماً يوم ملحمة

إلا وتحجبه في رأس محتجب

كيوم خيبر إذ لم يمتنع رجل

من اليهود بغير الفرِّ والهرب

١٧٦
 &

فأغضب المصطفى إذ جر رايته

على الثرى ناكصاً يهوي على العقب

فقال إني سأعطيها غداً لفتى

يحبه الله والمبعوث منتجب

حتى غدوت بها جذلان معتزماً

مظنة الموت لا كالخائف النحب

تلقاء أرعن جرار أحمَّ دجٍ

مجرٍ لهام طحون جحفل لجبِ

جمَّ الصلا دمِ والبيضِ الصوارم والز

رق اللهاذم والماذيِّ والبلَب

والأرض من لاحقيَّات مطهمة

والمستظل مثار القسطل الهدب

وعارض الجيش من نقع بوارقه

لمع الأسنَّة والهندية القُضُب

أقدمتَ تضرب صبراً تحته فغدا

يصوب مزناً ولو أحجمت ولم يصب

غادرتَ فرسانه من هارب فرقٍ

ومقعصٍ بدم الاوداج مختضب

لك المناقب يعيا الحاسبون لها

عدّاً ويعجزُ عنها كل مكتتب

كرجعة الشمس اذ رمتَ الصلاةَ وقد

راحت توارى عن الأبصار بالحجب

أدب الطف ـ ( ١٢ )

١٧٧
 &

رُدّت عليك كأن الشهب ما اتضحت

لناظرٍ وكأن الشمس لم تَغِب

وفي براءةَ أنباءٌ عجائبها

لم تُطوَ عن نازحٍ يوماً ومقترب

وليلة الغار لما بتّ ممتلئاً

أمناً وغيرُك ملَآن من الرعب

ما أنتَ إلا أخو الهادي وناصره

ومظهر الحق والمنعوت في الكتب

وزوج بضعته الزهراء يكنفها

دون الورى وأبو أبنائها النجب

من كل مجتهد في الله معتضدٍ

بالله معتقد لله محتسب

وارين هادين إن ليلُ الضلال دجا

كانوا لطارقهم أهدى من الشهب

لُقِّبتُ بالرفض لما أن منحتهم

ودّي وأحسن ما أُدعى به لقبي

صلاة ذي العرش تترى كل آونة

على ابن فاطمة الكشّاف للكرب

وأبنيه من هالك بالسم مخترم

ومن معفّر خدّ في الثرى تربِ

لولا الفعيلة ما قاد الذين هم

أبناء حربٍ اليهم جحفل الحرب

١٧٨
 &

والعابد الزاهد السجاد يتبعه

وباقر العلم داني غاية الطلب

وجعفر وابنه موسي ويتبعه الـ

ـبرّ الرض والجواد العابد الدئب

والعسكريين والمهدي قائمهم

ذو الأمر لابس أثواب الهدى القشب

من يملأ الأرض عدلا بعدما ملئت

جوراً ويقمع أهل الزيغ والشغب

القائد البُهم والشوسَ الكماة الى

حرب الطغاة على قبء الكلا شزب

أهل الهدى لا اناس باع بائعهم

دين المهيمن بالدينار والرتب

لو أن أضغانهم في النار كامنة

لا غنت النار عن مذكٍ ومحتطب

يا صاحب الكوثر الرقراق زاخرة

ذٌدْ النواصب عن سلساله الخصبِ

قارعتُ منهم كماةً في هواك بما

جرَّدت من خاطر أو مقولٍ ذرب

حتى لقد وسمت كلّما جباهَهُم

خواطري بمضاء الشعر والخطب

إن ترض عني فلا أسديت عارفة

إن ساءني سخْطُ أُمٍ بَرَّةٍ وأبِ

١٧٩
 &

صحبت حبك والتقوى وقد كثرت

لي الصحاب فكانا خيرَ مصطحب

فاستجل من خاطر العبدي آنسة

طابت ولو جاوزت اياك لم تطب

جاءت تمايل في ثوبيْ حياً وهوى

إليك حالية بالفضل والأدب

أتعبت نفسي في مدحيك عارفة

بأن راحتها في ذلك التعبِ

١٨٠