أدب الطّف - ج ١

جواد شبّر

أدب الطّف - ج ١

المؤلف:

جواد شبّر


الموضوع : الشعر والأدب
الناشر: دار المرتضى
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٥٢
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة
 &

كله انهما يسملان اعينكم ويقطعان أيديكم وأرجلكم ويمثلان بكم ويرفعانكم على جذوع النخل ، ويقتلان أماثلكم وقرائكم امثال حجر ابن عدي واصحابه ، وهاني بن عروة واشباهه ، ( قال ) فسبوه واثنوا على عبيد الله وابيه وقالوا والله لا نبرح حتى نقتل صاحبك ومن معه أو نبعث به وبأصحابه إلى الامير ( فقال ) لهم زهير : عباد الله إنّ ولد فاطمة ( ع ) احق بالود والنصر من ابن سمية ، فان لم تنصرهم فاعيذكم بالله ان تقتلوهم ، فخلوا بين هذا الرجل وبين يزيد ، فلعمري إنه ليرضى من طاعتكم بدون قتل الحسين عليه السلام ( قال ) فرماه الشمر بسهم ، وقال له اسكت اسكت : الله نامتك (١) فقد أبرمتنا (٢) بكثرة كلامك ، فقال زهير يا بن البوال على عقبيه ، ما اياك أُخاطب ، إنما انت بهيمة ، والله ما اظنك تحكم من كتاب الله آيتين ، فابشر بالخزي يوم القيامة والعذاب الاليم .

فقال له شمر : إن الله قاتلك وصاحبك عن ساعة ، قال زهير : افبالموت تخوفني ، والله للموت معه احب اليّ من الخلد معكم ( قال ) ثم اقبل على الناس رافعاً صوته وصاح بهم ، عباد الله لا يغرنكم عن دينكم هذا الجلف الجافي واشباهه ، فوالله لا تنال شفاعة محمد ( ص ) قوم أهرقوا دماء ذريته واهل بيته ، وقتلوا من نصرهم وذب عن حريمهم ( قال ) فناداه رجل من خلفه : يا زهير إنّ ابا عبد الله ( ع ) يقول لك اقبل فلعمري لئن كان مؤمن آل فرعون نصح لقومه وأبلغ في الدعاء لقد نصحتَ لهؤلاء وابلغتَ ، لو نفع النصح والابلاغ ، فذهب اليهم .

( وروى ) ابو مخنف عن حميد بن مسلم قال حمل شمر حتى طعن

__________

(١) النأمة بالهمزة والنأمة بالتشديد الصوت ، يقال ذلك كناية عن الموت وهو دعاء عند العرب مشهور .

(٢) ابرمتنا : اضجرتنا .

١٢١
 &

فسطاط الحسين عليه السلام برمحه وقال : عليّ بالنار حتى احرق هذا البيت على اهله ، فصاحت النساء ، وخرجت من الفسطاط ، فصاح الحسين ( ع ) يا بن ذي الجوشن ، أنت تدعو بالنار لتحرق بيتي على اهلي ، احرقك الله بالنار وحمل ، وحمل زهير بن القين في عشرة من اصحابه ، فشد على شمر واصحابه ، فكشفهم عن البيوت حتى ارتفعوا عنها ، وقتل زهير ابا عزة الضبابي من اصحاب شمر وذوي قرباه ، وتبع اصحابه الباقين فتعطف الناس عليهم فكثروهم وقتلوا اكثرهم وسلم زهير ، ( قال ) ابو مخنف واستمر القتال بعد قتل حبيب فقاتل زهير والحر قتالا شديداً فكان اذا شد احدهما واستلحم ، شد الآخر فخلصه : فقتل الحر ، ثم صلى الحسين عليه السلام صلوة الخوف ولما فرغ منها ، تقدم زهير فجعل يقاتل قتالا لم يُر مثله ، ولم يسمع بشبهه واخذ يحمل على القوم فيقول :

انا زهير وانا ابن القين

أذودكم بالسيف عن حسينِ

ثم رجع فوقف امام الحسين ( ع ) وقال له :

فدتك نفسي هادياً مهديا

اليوم القى جدك النبيا

وحسناً والمرتضى عليا

وذا الجناحين الشهيد الحيا

فكأنه ودعه ، وعاد يقاتل ، فشد عليه كثير بن عبد الله الشعبي ومهاجر بن اوس التميمي فقتلاه ، ( وقال ) السروي في المناقب لما صرع ، وقف عليه الحسين « ع » فقال : لا يبعدنك الله يا زهير ، ولعن الله قاتليك لعن الذين مسخوا قردة وخنازيرا .

١٢٢
 &

١٦ ـ عامر بن يزيد بن ثبيط العبدي البصري :

يا فرو قومي فاندبي

خير البرية في القبورِ

وابكي الشهيد بعبرة

من فيض دمع ذي درور

وارث الحسين مع التفجُّع والتأوه والزفير

قتلوا الحرامَ من الأئمة

في الحرام من الشهور

وأبكي يزيد مجدلا

وابنيه في حرِّ الهجير

متزملين دماؤهم

تجري على لبب النحور

يا لهف نفسي لم تفز

معهم بجناتٍ وحور

١٢٣
 &

روى هذه الأبيات الشيخ السماوي في ( ابصار العين في انصار الحسين ) وقال هي في رثاء يزيد بن ثبيط (١) وولديه الذين قتلوا مع الحسين وهي من نظم عامر بن يزيد قالها في رثاء ابيه وأخويه لما صرعوا يوم الطف مع ابي عبد الله الحسين عليه السلام . وكان من خبرهم ان يزيد بن ثبيط كان من الشيعة ومن اصحاب ابي الاسود وكان شريفاً في قومه .

قال أبو جعفر الطبري : كانت مارية ابنة منقذ العبدية تتشيع وكانت دارها مألفاً للشيعة يتحدثون فيها ، وقد كان ابن زياد بلغه اقبال الحسين عليه السلام ومكاتبة أهل العراق له ، فأمر عامله أن يضع المناظر ويأخذ الطريق ، فأجمع يزيد بن ثبيط على الخروج الى الحسين وكان له بنون عشرة فدعاهم الى الخروج معه وقال : أيكم يخرج معي متقدماً ، فانتدب له اثنان : عبد الله وعبيد الله ، فقال لأصحابه في بيت تلك المرأة : إني قد أزمعتُ على الخروج وأنا خارج فمن يخرج معي فقالوا انا نخاف أصحاب ابن زياد ، فقال : اني والله لو قد استوت أخفافها بالجدد (٢) لهان علي طلب من طلبني ، ثم خرج وابناه وصحبه عامر ومولاه وسيف بن مالك والأدهم بن امية ، وقوي في الطريق (٣) حتى انتهى الى الحسين « ع » وهو بالابطح من مكة فاستراح في رحله ثم خرج الى الحسين الى منزله ، وبلغ الحسين « ع » مجيئه فجعل يطلبه حتى جاء الى رحله فقيل له قد خرج الى منزلك فجلس في رحله ينتظره وأقبل يزيد ـ لما لم يجد الحسين في منزله وسمع أنه ذهب اليه ـ راجعاً على اثره ، فلما رأى الحسين « ع » في رحله قال : ( بِفَضْلِ اللَّـهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَٰلِكَ فَلْيَفْرَحُوا ) السلام عليك يا بن رسول الله

__________

(١) ثبيط بالثاء المثلثة والباء المفردة والياء المثناة والطاء المهملة .

(٢) الجدد : صلب الارض ، وفي المثل : من سلك الجدد امن العثار .

(٣) قوي في الطريق : تتبع الطريق القواء اي القفر الخالي .

١٢٤
 &

ثم سلم عليه وجلس اليه واخبره بالذي جاء له ، فدعا له الحسين بالخير ثم ضم رحله الى رحله ، وما زال معه حتى قتل بين يديه في الطف مبارزة ، وقتل ابناه في الحملة الاولى كما ذكره السروي ، وفي رثائه ورثاء ولديه يقول ولده عامر بن يزيد ( الابيات ) .

وقال الشيخ ابن نما الحلي رحمه الله حدث ابو العباس الحميري قال : قال رجل من عبد القيس قتل اخوه مع الحسين « ع » .

أقول ورواها السيد الامين في ( الاعيان ) وقال : وعبد القيس قبيلة معروفة بالتشيع لأهل البيت عليهم السلام .

يا فرد قومي فاندبي

خيرَ البرية في القبورِ

وابكي الشهيد بعبرةٍ

من فيض دمع ذي درور

ذاك الحسين مع التفجع

والتأوه والزفير

قتلوا الحرام من الأئمة

في الحرام من الشهور

١٢٥
 &

١٧ ـ الفضل بن العباس بن عتبة بن ابي لهب بن عبد المطلب بن هاشم :

بكيتُ لفقد الاكرمين تتابعوا

لوصل المنايا دارعون وحُسّرُ

من الأكرمين البيض من آل هاشم

لهم سلف من واضح المجد يذكر

بهم فجعتنا والفواجع كاسمها

تميم وبكر والسّكون وحمير

وفي كل حي نضحة من دمائنا

بني هاشم يعلو سناها ويشهر

فلله محيانا وكان مماتنا

ولله قتلانا تدان وتنشر

لكل دم مولى ، ومولى دمائنا

بمرتقب يعلو عليكم ويظهر

فسوف يرى أعداؤنا حين تلتقي

لأي الفريقين النبيُّ المطهر

مصابيح امثال الأهلة إذ همُ

لدى الحرب أو دفع الكريهة أبصر

ومنها :

أعينيَّ إن لا تبكيا لمصيبتي

فكل عيون الناس عني أصبر

أعينيَّ جودا من دموع غزيرة

فقد حق إشفاقي وما كنت أحذر

١٢٦
 &

أبو لهب بن عبد المطلب واسمه عبد العزى ـ له من الأولاد : عتبة بن أبي لهب ، ومعتِّباً وعتيبة وهو الذي اكله الأسد وكان ابو لهب يكنى بأسماء بنيه كلهم وامهم ام جميل ، وهي ( حمالة الحطب ) بنت حرب بن امية بن عبد شمس وفيها يقول الاحوص الشاعر الانصاري :

ما ذاتُ حبل يراه الناس كلهم

وسط الجحيم ولا يخفى على احد

كل الحبال حبال الناس من شعر

وحبلها وسْط أهل النار من مسد

شهد عتبة ومعتب حنيناً مع النبي ( ص ) وثبتا فيمن ثبت معه ، وأُصيب عين معتب يومئذ .

ومن شعر الفضل بن العباس ـ وكان شديد الاذمة ولذلك قال :

وأنا الأخضر (١) من يعرفني

أخضر الجلدة في بيت العربْ

من يساجلني يساجلْ ماجداً

يملأ الدلو الى عقد الكرب

إنما عبد مناف جوهر

زيَّن الجوهرَ عبد المطلب

الشاعر

هو الفضل بن العباس بن عتبة بن أبي لهب بن عبد المطلب بن هاشم ( شاعر الهاشميين ) .

توفي في حدود سنة ٩٠ في خلافة الوليد بن عبد الملك ، وكان احد شعراء بني هاشم وفصحائهم هاشمي الابوين ، امه آمنة بنت العباس ابن عبد المطلب .

ومن شعره :

__________

(١) كان شديد السمرة ، والعرب تسمي الاسمر اخضر وتتمدح بذلك .

١٢٧
 &

ما كنت أحسب أن الامرَ منصرف

عن هاشم ثم منها عن أبي حسنِ

من فيه ما فيهم من كل صالحة

وليس في كلهم ما فيه من حسن

أليس اول من صلى لقبلتكم

وأعلم الناس بالقرآن والسنن

وأقرب الناس عهداً بالنبي ومن

جبريل عون له في الغسل والكفن

ماذا يردكم عنه فنعرفه

ها إن ذا غَبَن من أغظم الغبن

قال المرصفي في شرح الكامل : وكان من أصحاب علي « ع » وهو القائل يخاطب بني امية :

مهلاً بني عمنا مهلاً موالينا

لا تنبشوا بيننا ما كان مدفونا

لا تطمعوا أن تهينونا ونكرمكم

وأن نكف الأذى عنكم وتؤذونا

مهلاً بني عمنا عن نحت أثلتنا

سيروا رويداً كما كنتم تسيرونا

الله يعلم أنا لا نحبكم

ولا نلومكم ألا تحبونا

كل له نية في بغض صاحبه

بنعمة الله نقليكم وتقونا

وقال الوليد بن عقبة بن أبي معيط ـ أخو عثمان لأمه ـ يرثي عثمان ويتهم بني هاشم وعلياً ويتوعدهم :

ألا مَن لليل لا تغور كواكبه

اذا لاح نجمٌ لاح نجم يراقبه

بني هاشم ردوا سلاح ابن اختكم

ولا تنهبوه لا تحلّ مناهبه

بني هاشم لا تعجلوا بإفادة

سواء علينا قاتلوه وسالبه

فقد يُجبر العظم الكسير وينبري

لذي الحق يوماً حقه فيطالبه

وإنا وإياكم وما كان منكم

كصدع الصفا لا يرأب الصدعَ شاعبه

١٢٨
 &

بني هاشم كيف التعاقد بيننا

وعند علي سيفه وحرائبه

لعمرك لا أنسى ابن أروى وقتله

وهل ينسينّ الماء ما عاش شاربه

هُم قتلوه كي يكونوا مكانه

كما غدرت يوماً بكسرى مرازبه

وإني لمجتاب اليكم بجحفلٍ

يُصمُّ السميعَ جرسُه (١) وجلائبه

فانتدب له الفضل بن العباس بن عتبة يرد عليه فيقول :

فلا تسألونا بالسلاح فإنه

اضيع وألقاه لدى الروع صاحبه

سلوا أهل مصر عن سلاح ابن اختنا

فهم سلبوه سيفه وحرائبه

وكان وليّ العهد بعد محمد

علي وفي كل المواطن صاحبه

علي وليُّ الله أظهر دينه

وأنت من الاشقين فيمن تحاربه

وقد أنزل الرحمن انك فاسق

فما لك في الإسلام سهم تطالبه (٢)

وشبهته كسرى وقد كان مثله

شبيهاً بكسرى هديه وعصائبه

__________

(١) الجرس : الصوت .

(٢) في الوليد نزل قوله تعالى : « يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا » الاية وذلك ان رسول الله « ص » ارسله الى بني المصطلق ليجيء بالزكاة فخرجوا للقائه فهابهم فعاد الى رسول الله يقول انهم ارتدوا عن الاسلام فنزلت الاية ومن ذلك سمي بالفاسق .

ادب الطف ـ ( ٩ )

١٢٩
 &

١٨ ـ عوف الازدي :

هو عوف بن عبد الله بن الاحمر الازدي ـ أحد التوابين ـ يرثي الحسين عليه السلام ، ويدعو إلى الأخذ بثأره فيقول :

صحوت وقد صح الصبا والعواديا

وقلت لاصحابي أجيبوا المناديا

وقولوا له إذ قام يدعو إلى الهدى

وقبل الدعا لبيك لبيك داعيا

ألا وأنعَ خير الناس جداً ووالدا

( حسيناً ) لأهل الدين ، إن كنت ناعيا

لبيك حسيناً مرملٌ ذو خصاصة

عديمٌ وأمّامٌ تشكى المواليا

فاضحى حسين للرماح دريئةً

وغودر مسلوباً لدى الطف ثاويا

سقى الله قبراً ضُمن المجد والتقى

بغربيّة الطفَ الغمامَ الغواديا

فيا امة تاهت وضلّت سفاهةً

أنيبوا ، فارضوا الواحد المتعاليا (١)

ومنها :

ونحن سمونا لابن هند بجحفل

كرجل الدبا يُزجي اليه الدواهيا

فلما التقينا بيّن الضرب أيّنا

بصفين كان الاضرع المتوانيا

لبيك حسيناً كلما ذرّ شارق

وعند غسوق الليل من كان باكيا

لحا الله قوماً اشخصوهم وغرروا

فلم يرَ يوم الباس منهم محاميا

ولا موفياً بالعهد إذ حمس الوغا

ولا زاجراً عنه المضلين ناهيا

فيا ليتني إذ ذاك كنتُ شهدته

فضاربت عنه الشانئين الأعاديا

ودافعت عنه ما استطعت مجاهداً

وأعملت سيفي فيهم وسنانيا

__________

(١) عن كتاب « ادب الشيعة » عبد الحسيب طه ـ مصر

١٣٠
 &

قال الشيخ القمي في الكنى : عوف الازدي ذكره المرزباني في معجم الشعراء فقال : عوف بن عبد الله بن الاحمر الازدي . شهد مع علي ( ع ) صفين وله قصيدة طويلة رثى فيها الحسين ( ع ) وحرض الشيعة : على الطلب بدمه وكانت هذه المرثية تخبأ ايام بني امية وإنما خرجت بعد ذلك . قاله ابن الكلبي ، منها :

ونحن سمونا لابن هند بجحفل

كرجل الدبا يزجي اليه الدواهيا

الابيات . وفي الأعيان ج ٤٢ ايضاً رواها عن المرزباني اقول لا عجب اذا ضاع اكثر القصيدة وذهب جلها ولم يبق منها إلا هذه الابيات لأن الدور لبني امية والضغط على شيعة أهل البيت كان قائماً على قدم وساق ، لذا يقول : وكانت هذه المرثية تخبأ ايام بني امية حيث كانوا يأخذون الناس بالترغيب والترهيب ومتى حورب الشخص بهذين العاملين محى اسمه ومات وانطفأ ذكره .

ملاحظة : وجاء في الجزء الاول من الاعيان ـ القسم الثاني ص ١٦٤ قوله : وعبد الله بن عوف بن الاحمر كان يحرض على الطلب لثأر الحسين عليه السلام ، وهو القائل :

الا وانع خير الناس جداً ووالداً

حسيناً لاهل الدين إن كنت ناعيا

سقى الله قبراً ضمن المجد والتقى

بغربية الطف الغمام الغواديا

هذين البيتين تتمة الابيات السابقة ولكن السيد جعل اسم الولد بمكان الوالد كما انه في جزء ٣٢ ص ١١٩ عند ترجمة رفاعة بن شداد البجلي قال : واراد رفاعة بن شداد الرجوع عن الحرب فقال عبد الله ابن عوف بن الاحمر : هلكنا والله إذاً لئن انصرفنا ليركبن اكتافنا فلا نبلغ فرسخاً حتى نهلك ، هذه الشمس قد قاربت للغروب فنقاتلهم على خيلنا فاذا غسق الليل ركبنا خيولنا وسرنا ، فقال رفاعة نعم ما

١٣١
 &

رأيت وأخذ الراية وقاتلهم قتالا شديداً فلما امسوا رجع اهل الشام إلى معسكرهم ونظر رفاعة إلى كل رجل قد عُقر فرسه وجُرح فدفعه إلى قومه .

قال الطبري قال ابو مخنف حدثني الحصين بن يزيد عن السري ابن كعب ، قال خرجنا مع رجال الحي نشيعهم فلما انتهينا إلى قبر الحسين وانصرف سليمان بن صرد واصحابه عن القبر ولزموا الطريق استقدمهم عبد الله بن عوف بن الاحمر على فرس له مهلوب كَميت مربوع تتأكل تأكلا وهو يرتجز ويقول :

خرجن يُلمعْنَ بنا أرسالا

عوابساً يحملننا أبطالا

نريد أن نلقى به الأقتالا

القاسطين الغدرَ الضُّلالا

وقد رفضنا الاهل والأموالا

والخفرات البيض والحِجالا

نُرضى به ذا النعم المفضالا

١٣٢
 &

(١) ٩ ـ ابو دهبل (١) وهب بن زمعة الجحمي :

إليك أخا الصب الشجيّ صبابه

تذيب الصخور الجامدات همومُها

عجبت وأيامُ الزمان عجائب

ويظهر بين المعجبات عظيمها

تبيت النشاوى من امية نوّماً

وبالطف قتلى ما ينام حميمها

وتضحى كرام من ذؤابة هاشم

يحكّم فيها كيف شاء لئيمها

وتغدو جسوم ما تغذت سوى العلى

غذاها على رغم المعالي سهومها

وربّات صون ما تبدّت لعينها

قبيل السبا إلا لوقت نجومها

تزاولها ايدي الهوان كأنما

تقحّم ما لا عفو فيه أثيمها

و ما أفسد الإسلام الا عصابة

تأمّر نوكاها ودام نعيمها

وصارت قناة الدين في كف ظالم

إذا مال منها جانب لا يقيمها

وخاض بها طخياء لا يهتدى لها

سبيل ولا يرجى الهدى من يعومها

ويخبط عشوا لا يُراد مرادها

ويركب عميا لا يُردُّ عزومها

يجشّمها ما لا يجشمه الردى

لأودى وعادت للنفوس جسومها

إلى حيث القاها ببيداء مجهل

تضل لأهل الحلم فيها حلومها

رمتها لأهل الطف منها عصابة

حداها الى هدم المكارم لومها

فشنَّت بها شعواء في خير فتية

تخلّت لكسب المكرمات همومها

__________

(١) دهبل كجعفر بفتح الدال المهملة وسكون الهاء وفتح الباء الموحدة وسكون اللام

١٣٣
 &

على أن فيها مفخراً لو سمعت به

الى الشمس لم تحجب سناها غيومها

فجردن من سحب الاباء بوارقاً

يشيم الفنا قبل الفنا من يشيمها

فما صعرت خداً لاحراز عزة

إذا كان فيها ساعة ما يضيمها

أولئك آل الله آل محمد

كرام تحدّث ما حداها كريمها

أكارم أولين المكارم رفعة

فحمد العلى لولا علاهم ذميمها

ضياغم أعطين الضياغم جرأة

فما كان الا من عطاهم قدومها

يخوضون تيار المنايا ظوامياً

كما خاض في عذب الموارد هيمها

يقوم بهم للمجد أبيض ماجد

أخو عزمات أقعدت من يرومها

حمى بعد ما أدى الحفاظ حماية

وأحمى الحماة الحافظين زعيمها

الى أن قضى من بعد ما إن قضى على

ظماءٍ يُسلى بالسهام فطيمها

أصابته شنعاء فلو حل وقعها

على الأرض دكت قبل ذاك تخومها

فأيِّمُها لم تلق بالطف كافلاً

ولم ير من يحنو عليه فطيمها

أضاءت غراب البين فيهم فأصبحت

من الشجو لا تأوي العمارةَ بومها

فقصّر فما طول الكلام ببالغ

مداها رُمي بالعيّ عنها كليمها

فما حملت ام الرزايا بمثلها

وإن ولدت في الدهر فهي عقيمها

أتت أولاً فيها بأول معضل

فماذا الذي شحّت على من يسومها

فأقسم لا تنفعك نفسي جزوعة

وعيني سفوحاً لا يملّ سجومها

حياتي أو تلقى امية وقعة

يذل لها حتى الممات قرومها

لقد كان في ام الكتاب وفي الهدى

وفي الوحي لم ينسخ لقوم علومها

١٣٤
 &

فرائض في القرآن قد تعلمونها

يلوح لذي اللب البصير أُرومها

بها دان من قبل المسيح بن مريم

ومن بعده لما أمرَّ بريمها

فأما لكل غير آل محمد

فيقضي بها حكامها وزعيمها

وأما لميراث الرسول وأهله

فكلٌ يراهم ذمها وجسيمها

فكيف وضلوا بعد خمسين حجة

يلام على هلك الشراة أديمها

١٣٥
 &

وهو وهب بن زمعة بن اسيد بن اميمة بن خلف بن وهب بن حذافة بن جمح الجمحي المعروف بأبي دهبل الجمحي .

خرج مع التوابين بقيادة سليمان بن صرد الخزاعي ، ولما وقف على قبر الحسين « ع » في كربلاء قال : الابيات .

قال السيد الأمين في الأعيان ج ٥٢ ص ٥ :

وذكرنا في كتاب ( أصدق الأخبار ) عند ذكر التوابين لما جائوا إلى قبر الحسين « ع » انه قام في تلك الحال وهب بن زمعة الجعفي باكياً على القبر الشريف وأنشد أبيات عبيد الله بن الحر الجحفي وذكرنا في الحاشية أن المرتضى في أماليه نسبها لأبي دهبل الجمحي عدا البيتين الأخيرين وهذا خطأ ، فان أبا دهبل الجمحي اسمه وهب بن رمعة ويوشك أن يكون صواب العبارة هكذا : فقام عبيد الله بن الحر الجحفي وأنشد أبيات وهب بن زمعة الجمحي ، وكأن التحريف وقع في نسخة الكتاب الذي نقلنا عنه وتبعنا نحن ذلك ولعل عبيد الله زاد البيتين فيها فانه كان شاعراً .

وقال السيد ايضاً في الجزء الرابع ـ القسم الاول ـ من الأعيان : ابو دهبل الجمحي وهب بن زمعة وهو معاصر لمعاوية بن أبي سفيان وابنه يزيد ورثى الحسين وهجا بني امية مع تحامي الناس ورثاه في عهد بني امية بأبيات اوردها المرتضى في الأمالي :

تبيت النشاوى من امية نوماً . . . الخ ، وهو من المائة الاولى (١)

اقول :

وأبو دهبل شاعر جميل عفيف ترجم له صاحب الاغاني فقال : كان أبو دهبل من اشراف بني جُمح ، وكان يحمل الحمالة وكان مسوداً

__________

(١) انظر ص ١٦٣ من الجزء الاول من اعيان الشيعة القسم الثاني .

١٣٦
 &

وذكر بعض أبياته التي قالها في الإمام الحسين عليه السلام وجملة من شعره فمن قوله :

فواندمي ان لم أعُجَّ اذ تقول لي

تقدّم غسبعنا الى ضحوة الغدِ

تكن سكناً او تقدر العين أنها

ستبكي مراراً فاسل من بعد واحمد

فأصبحتُ مما كان بيني وبينها

سوى ذكرها كالقابض الماء باليد

وله :

يا ليت من يمنع المعروف يُمنعه

حتى يذوق رجال غب ما صنعوا

وليت رزق رجالٍ مثل نائلهم

قوتٌ كقوت ووسع كالذي وسعوا

وليت للناس خطاً في وجوههم

تُبين أخلاقهم فيه اذا اجتمعوا

وليت ذا الفحش لاقى فاحشاً ابداً

ووافق الحلم اهلَ الحلم فابتدعوا

١٣٧
 &

٢٠ ـ المغيرة بن نوفل :

المغيرة بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف كان مع الحسين بن علي عليهما السلام ، فأصابه مرض في الطريق ، فعزم عليه الحسين « ع » أن يرجع فرجع .

فلما بلغه قتله قال يرثيه :

أحزنني الدهر وأبكاني

والدهر ذو صرف وألوانِ

أفردني من تسعة قُتِّلوا

بالطف أضحوا رهن أكفان

وستة ليس لهم مشبه

بني عقيل خير فرسان

والمرء عون وأخيه مضى

كلاهما هيَّج أحزاني

من كان مسروراً بما نالنا

وشامتاً يوماً فمِ الآن (١)

__________

(١) ذكره المرزباني في معجم الشعراء ص ٢٧٢ .

١٣٨
 &

جاء في جمهرة انساب العرب ان نوفل بن الحارث بن عبد المطلب له عقب كثير احدهم : المغيرة . ثم قال تزوج المغيرة هذا أمامة بنت أبي العاص بن الربيع بن عبد شمس ، وامها زينب بنت رسول الله ( ص ) ولم تلد له شيئاً ، ثم خلف عليها بعده علي بن أبي طالب ولم تلد ايضاً لعلي شيئاً .

ومن ولد المغيرة : يحيى بن يزيد بن عبد الملك بن المغيرة بن نوفل بن الحارث روى عنه وعن أبيه الحديث .

وروى الشيخ المامقاني في ( تنقيح المقال ) ذلك وقال : لما خرج أمير المؤمنين ( ع ) خاف من معاوية أن يتزوج بأمامة فأمر المغيرة بن نوفل ابن الحارث بن عبد المطلب ان يتزوجها بعده فلما توفي امير المؤمنين ( ع ) وقضت العدة تزوجها المغيرة .

وذكره ابن سعد في الطبقات الكبرى : فقال المغيرة بن نوفل ابن الحارث بن عبد المطلب امه ضُريبة بنت سعيد بن القَشِب . ثم ذكر جملة من أحواله .

وابوه نوفل بن الحارث بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف . وهو القائل لما أخرج المشركون من كان بمكة من بني هاشم الى بدر كرها :

حرام علي حرب أحمد انني

أرى احمداً مني قريباً اواصرهُ

وإن تك قهرٌ ألبّت وتجمعت

عليه فإن الله ات شك ناصره

وقال أيضاً :

إليكم اليكم إنني لست منكم

تبرأت من دين الشيوخ الأكابر

لعمرك ما ديني بشيء أبيعه

وما أنا اذ أسلمت يوماً بكافر

شهدتُ على أن النبي محمداً

أتى بالهدى من ربه والبصائر

١٣٩
 &

وأن رسول الله يدعو الى التقى

وإن رسول الله ليس بشاعر

على ذاك أحيا ثم أُبعث موقتاً

وأُثوى عليه ميتاً في المقابر

قال ابن سعد في الطبقات الكبرى : وأسر نوفل بن حارث ببدر فقال له رسول الله ( ص ) : أفد نفسك يا نوفل ، قال ما لي شيء أفدي به نفسي يا رسول الله قال : أفد نفسك برماحك التي بجده ، قال : اشهد انك رسول الله ففدى نفسه وكانت الف رمح .

وأسلم نوفل بن الحارث وكان أسن من أسلم من بني هاشم ، أسن من عمه حمزة والعباس ، وأسن من اخوته ربيعة وأبي سفيان وعبد شمس بني الحارث . ورجع نوفل الى مكة ثم هاجر هو والعباس الى رسول الله ( ص ) أيام الخندق . وآخى رسول الله بينه وبين العباس ابن عبد المطلب وكانا قبل ذلك شريكين في الجاهلية متقاوضين في المال متحابين متصافين . وأقطع رسول الله ( ص ) نوفل بن الحارث منزلا عند المسجد بالمدينة وشهد نوفل مع رسول الله ( ص ) فتح مكة وحنين والطائف ، وثبت يوم حنين مع رسول الله ( ص ) ، فكان عن يمينه يومئذ ، وأعاده رسول الله ( ص ) يوم حنين بثلاثة آلاف رمح .

وتوفي نوفل بن الحارث بعد أن استخلف عمر بن الخطاب بسنة وثلاثة اشهر ودفن بالبقيع .

١٤٠