خطط الكوفة وشريح خريطتها

المؤلف:

لويس ماسينيون


المترجم: تقي بن محمّد المصعبي
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: شركة دار الوراق للنشر المحدودة
الطبعة: ١
الصفحات: ١١١

١
٢

٣
٤

الفهرس

كلمة المترجم.................................................................... ٥

مقدمة المؤلف.................................................................... ٩

تمصير الكوفة تحويل تكتل معسكرات الأجناد إلى محلات بلدية....................... ١٧

السكك والنطاق والمقابر......................................................... ٣١

قطائع الكوفة.................................................................. ٣٧

الطوبوغرافية الاقتصادية للكوفة................................................... ٤١

القصر والميدان................................................................. ٥١

جامع الجمعة ومساجد المحلات................................................... ٥٣

ضاحية الكناسة (المندرسة)....................................................... ٥٩

ضاحية النجف (مشهد علي).................................................... ٦٣

المصادر....................................................................... ٦٧

الذيل رقم (١) ملاحظة حول طوبو غرافية البصرة................................... ٧٠

الذيل رقم (٢) الرابطة السياسية في بطون القبائل الكوفية (ك) والبصرية (ب) ولدى الرؤساء من العنصر العربي المحض  ٧٣

مؤلفات ماسينيون.............................................................. ٨١

مؤلفات المترجم................................................................. ٨١

٥
٦

كلمة المترجم

العلامة لويس ماسينيون (Louis Massignon) أشهر من أن أعرّفه للقارىء فقلّ من لا يعرفه أو يسمع بمؤلفاته الفريدة في بابها واستكشافاته الأثرية وبحوثه الاجتماعية ، فهو بطل من أبطال العلوم الاجتماعية في العصر الحاضر ومن فرسان العلوم العربية والإسلامية وهو كذلك أستاذ «بكولج دوفرانس بباريس» ولو عرف القارىء بأن هذا المعهد يضمّ نخبة من العلماء والمحققين المتتبعين وليس بكلية يرتادها الطلاب علم عند ذاك منزلة أساتذته ومقامهم.

للعلامة ماسينيون مصنفات ومؤلفات عديدة كلها نوادر وتحف غالية ولكن مع الأسف لم يكن قد نقل شيء منها إلى العربية حتى الآن (على ما أعتقد) وكان حضرته قد أرسل لي نسخة من مؤلفه هذا مبادلة لأحد مؤلفاتي ، فما أن قرأته ورأيت أبحاثه ولاحظت تحقيقاته واستنتاجاته وتتبعاته في الموضوع والخريطة التي وضعها للكوفة القديمة (بعد أن جاب بنفسه صحراء الكوفة وزار أنقاضها وفتّش عن مواقعها الأثرية فاهتدى إلى معظم النقاط والمواضع المندرسة ،

٧

كالكناسة والثوية ومساجد المحلات ودير هند الصغرى والجبانات والقنال المحيط والأنهر الخ ...) حتى رأيت لزوم ترجمة هذا الأثر القيم ، فاستأذنت حضرة المؤلف فأذن لي بالترجمة وتلطف فأجازني أيضا التعليق عليه ، إلا أني لم أكن لأفكر بالقيام بهذه المهمة في مثل هذه العجالة لانشغالي في طبع بعض مؤلفاتي وإتمام البعض الآخر لولا إلحاح بعض حضرات العلماء والفضلاء من أصدقائي ومعارفي الأمر الذي اضطرني أن أضع ما كان بين يدي جانبا إلى أجل وأبادر بالترجمة والرجوع إلى المصادر والقيام بالتعليقات وإعداد الملحق ، فأتممت العمل في زمن قصير وبصورة مستعجلة وها أنا واضع بين أيدي القراء من أبناء الرافدين (الذين هم أولى من غيرهم في درس كل ما يخصّ الكوفة) هذا الأثر الغالي الذي لم يسبق مؤلفه أحد في وضع الخريطة الطوبوغرافية للكوفة القديمة وشرحها وإيضاح ما يتعلق بها من الوجهات التاريخية والاجتماعية والسياسية والعسكرية والعلمية والأدبية والاقتصادية. وأنا مسرور بأداء هذه الخدمة الصغيرة ، وأرجو أن أوفّق لترجمة بعض مؤلفات العلامة ماسينيون الأخرى وبالأخص مؤلفاه النفيسان «بعثة في بين النهرين» و «تعذيب الحسين ابن منصور الحلاج الشهيد الصوفي».

كربلاء ذو الحجة سنة ١٣٥٧ ه‍ شباط سنة ١٩٣٩ م.

تقي بن محمد المصعبي

٨

مقدمة المؤلف

ولو أن ولهاوزن Wellhausen ولامانس Lammense (١) قد فكرا في وضع خارطة للكوفة القديمة ، ولكن حتى الآن لم يحاول أحد تحقيقها وإخراجها إلى حيّز الوجود ، وكنت قد لاحظت هذا النقص في بعثتي الأولى في العراق (٢) وأخيرا شعرت أكثر من ذي قبل في لزوم مثل هذا العمل حينما طفقت أدرس أصول التشيع وأبحث عنها ما دام أكثر الفرق الإمامية نشأت في الكوفة (٣) مصر الأرستقراطية البدوية وعاصمة الإسلام لزمن قصير في ولاية علي.

وهذه الخريطة ليست سوى ترسيم وتخطيط بسيط وأنا لم أخف فيها النواقص ولم أستر النقاط المشكوكة ، بل وضعتها كما هي ، لأن غايتي ليست فقط أن تكون مساعدة على درس التاريخ العراقي

__________________

(١) ولهاوزن مستشرق ألماني ولامانس مستشرق إفرنسي. (المترجم).

(٢). Mission en Me ? sopotamie, t. i, Le cair) I F A O (٠١٩١

(٣). Cf. Salm n P k) no ٧ des pub, soc e ? tudes iraniennes Paris) Leroux

٩

الإسلامي بل كذلك للدرس الاجتماعي في كيفية ائتلاف الأعراب لحياة المدن وتحضرهم.

فالكوفة كانت مركزا مهما لحادث اجتماعي عظيم وعاصمة لتأسيس الحضارة الإسلامية آنذاك ، وهي اليوم أيضا عاصمة واسعة لمستقبل اللغة العربية وعلومها (١) ولم تكن أختها البصرة ولا دمشق حتى ولا الفسطاط والقيروان لتعرض لنا صورة واضحة رصينة ، كالكوفة وذلك في التمصير وتثبيت القبائل البدوية الفاتحة المنتصرة واستقرارها على حافة الصحراء في ريف مماس إلى لسان من الرمل اليابس النافذ في منطقة تروى بمياه شط عظيم «الفرات» وفي جزء من ذلك القطر الذي كانت له مدنية زاهية زاهرة في الأزمنة الغابرة (٢).

ولقد زرت أطلال الكوفة مرتين في فترة ربع قرن ، ففي زيارتي الأولى سنة ١٩٠٨ (من ١٤ إلى ١٧ آذار) لم أتمكن من نقل شيء سوى بعض الصور الفوتوغرافية (٣). ولكن في زيارتي الأخرى سنة ١٩٣٤ (١٠ آذار) خرجت بالسيارة وليس على ظهر الفرس كالمرة الأولى) ومعي دليل قد هيأه لي أصدقائي الشيعة بالنجف ، مارد ابن الشيخ عطية (٤) فزرت أولا الأنقاض القائمة في البقعة التي هي اليوم صحراء جرداء والتي كانت فيما مضى مدينة عربية عظيمة وقطبا

__________________

(١) طبعا يقصد من الكوفة اليوم النجف. (المترجم).

(٢) يعني مدينة الكلدانيين والبابليين والآراميين (المترجم).

(٣) انظر اللوحتين رقم ٤٣ و ٤٤ من كتاب بعثتي.

(٤) الشيخ عطية هذا هو سادن مسجد الكوفة (وليس بالزعيم النجفي الشهير) وابنه مارد قد توفي رحمه‌الله قبل ثلاثة أعوام (المترجم).

١٠

للمسلمين ثم زرت الأماكن المجاورة للمسجد وباب الفيل وكذلك قبري هاني بن عروة ومسلم بن عقيل (١) (في الجهة الشرقية) «وفي هذه المرة استطعت الدخول إلى الصحن الداخلي بينما في سنة ١٩٠٨ لما كنت مع رفقائي السّنة تمكنت بالكاد أن ألتقط صورتين فوتوغرافيتين وذلك عن بعد» ومن ثم ذهبت إلى الأكمات الكائنة في الجهة الجنوبية التي يسمونها قصر الإمارة وبيت علي وقبر ميثم التمار (٢) والسبيلخانة وهنا انحدرت نحو أقصى الجنوب باحثا عن قبر إبراهيم الطباطبائي جد السيد كاظم (ومن المحتمل أن يكون هذا القبر في أعلى قبر قديم قبر كميل) (٣).

__________________

(١) هاني بن عروة المرادي المذحجي رئيس مراد وشيخهم الرجل الوحيد الذي أجار مسلم ابن عقيل وناصره وقتل في سبيله ، ومسلم هو ابن عقيل بن أبي طالب ، ابن عم الحسين عليهم الصلاة والسلام ومبعوثه إلى أهل الكوفة ونائبه. قدم الكوفة في ذي الحجة سنة ٦٠ هجرية وأخذ البيعة للحسين فبايعه (١٨) ألفا من رؤساء الكوفة ووجوههم عدا مواليهم وأبنائهم ، ثم نكثوا البيعة وخذلوه وقتلوه غدرا بعد أن قاتلهم واستأمنوه وكذلك قتل معه هاني رحمة الله ورضوانه عليه (راجع تفصيل الحادثة من ملحقنا بآخر الكتاب) (المترجم)

(٢) وقد صلب ميثم على جذع نخلة (قطعت من الكناسة) نصبت على جدار دار عمرو بن الحريث (المنهج للإستربادي) راجع حادثة صلب ميثم رضوان الله عليه في ملحقنا (المترجم).

(٣) كميل هو ابن زياد بن نهيك بن الهيثم المذحجي النخعي ، كان من أخص أصحاب أمير المؤمنين عليه‌السلام تلميذه وخريجه وقد روى الحديث عنه عليه‌السلام وعن عبد الله بن مسعود وروى عنه أبو إسحاق السبيعي والعباس بن ذريح وعبد الله بن يزيد الصهباني وعبد الرحمن بن عابس والأعمش وغيرهم وكان كميل يعدّ من كبار علماء عصره ومن الحكماء المعدودين يعتبره الفلاسفة في عداد عظمائهم وتعتبره المتصوفة من مشايخهم كان عابدا زاهدا شريفا في قومه مطاعا وهو من فرسان العراق المشهورين وشجعانهم الذين لا يشقّ لهم غبار.

١١

وبعد ذلك شاهدت النقطتين (وإحداهما مشيدة من قبل الانكليز) (١) اللتان تقعان على سكة ترامواي النجف ـ الشريعة الذي يشبه ترامواي بغداد ـ الكاظمية. ثم زرت مسجد الحنانة (وهو الموضع الذي وضع فيه جثمان علي) وبعده توجهت نحو أعراف كرى سعده (الذي يدل تمركزه واتجاهه بأن لم يكن قنالا موازيا للشط بل خندقا حفر في زمن المنصور) وبعده عطفنا نحو الضاحية (٢) والتي قد توسعت كثيرا عما كانت عليه في سنة ١٩٠٨ ، وهي واقعة بين شريعة الفرات والمسجد ثم انحرفت في مسيري إلى جهة الشمال الغربي حتى زاوية الخندق المحيط بمسجد السهلة ومقامي صعصعة وأخيه زيد وبئر قد حفرت حديثا ثم عدت إلى أن وصلت مرسى السفن ولاحظت في

__________________

ـ قال ابن عمار : كان كميل من رؤساء الشيعة وقد أدرك من حياة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٨) سنوات ولم يصحبه وقد ولاه أمير المؤمنين عليه‌السلام ولاية هيت وعانات وآمد وأعمالها (فكان خير وال) وشهد حروب صفين ولما ولي الحجاج العراق طلب كميلا فهرب فحرم الحجاج قومه (ـ النخغ) من العطاء ولما سمع كميل ذلك خرج حتى قدم على الحجاج فلما رآه قال له : لقد كنت أحببت أن أجد إليك سبيلا فقال كميل : لا تصرر عليّ أنيابك وتهر عليّ فو الله ما بقي من عمري إلا كواثل الغبار فاقض ما أنت قاض ؛ إن الموعد الله وبعد القتل الحساب لقد خبّرني مولاي أمير المؤمنين عليه‌السلام أنك قاتلي فقال الحجاج الحجة عليك إذا : فقال كميل ذاك إذا كان القضاء إليك. قال الحجاج : بلى وقد كنت فيمن قتل عثمان بن عفان فأمر أصحابه قائلا : اضربوا عنقه ، فضربت وقتل عليه رحمة الله ورضوانه (الإصابة الجزء ٣ ، ص ٣١٨).

وقبر كميل معروف في الكوفة ويزار وقبر السيد الطباطبائي بعيد عنه (المترجم).

(١) النقطة هو مخفر الدرك (ـ الجندرمة) في العهد العثماني ولا تزال العامة تطلق هذا الاسم على مخافر الشرطة. (المترجم).

(٢) يقصد حضرة المؤلف بالضاحية بلدة الكوفة الحالية على الفرات (المترجم).

١٢

طريقي خانا معدّا لزوار البهرة (الطائفة الداودية الإسماعيلية) من أهالي الهند ، حتى وصلت نبي يونس.

فالكوفة تقع أمام الحيرة حيث يوجد لسان من الرمل الذي يقترب عموديا إلى الفرات (بين سهل مسقى (١) من الجهة الشرقية وبطن (٢) من الجهة الغربية وهنا على حافة البادية كانت توجد مسلحة لحراسة جسر الزوارق المنصوب على الفرات والذي كان يؤدي للجادة المنتهية إلى طسيفون كما أنها اليوم تصل إلى بغداد وقبل تأسيس الكوفة كانت الحيرة عاصمة اللخميين محمية الفرس طيلة ثلاثة قرون ومع ذلك لم تكن سوى ثغر من ثغور البادية» Caravan city «) ومحل لتبادل البضائع بين عمال الإيرانيين ومأموريهم من جهة وكبار أصحاب الإبل البدو من الجهة الأخرى بصورة مستمرة كما أنها كانت تجمع بين أهل المدن والقرى الآراميين الشديدي التنصر وبين العشائر الصغيرة الأليفة من رعاة الغنم التي اعتادت على التردد هناك.

فالكوفة متقدمة نحو الشط أكثر من الحيرة وكانت تسيطر على الجسر (٤) الذي كان ينبغي أن يظل منصوبا على الدوام لأجل العبور إلى الطريق التجاري الكبير الذي كان يربط أعالي آسيا بأقصى اليمين (٥).

__________________

(١) وهو الملطاط الذي بين الجسر والجامع وكان يسمى أيضا بالسبخة.

(٢) البطن قطعة من الأرض القاحلة العميقة (المترجم).

(٣). Cf, Pe ? tra et Palmyre) Rostvitzeff caravan ـ cities, oxf, ٢٣٩١ (

(٤). Sur la fixite historique des ponts de bateau, cf. ma mission, op. cit, ii, p. ٨٨

(٥) وذلك إما عن طريق نجد وإما عن طريق الإحساء مارا بوادي الدويسر ونجران ونصارى ـ ـ نجران الذين أجلوا عن أوطانهم سلكوا نفس الطريق إلى العراق ، كما أن دعاة القرامطة ساروا فيه أيضا.

١٣

أما أسماء هذه البقعة قبل الإسلام فقد كانت على أساس تشبيك الجداول والأراضي الممسوحة منذ الأزمنة القديمة جدا كما أن التسميات الإيرانية للتقسيمات الإدارية الساسانية وكذلك الأسماء العربية لمحطات القوافل كانت تتخلل مراكز تجمع السكان الآراميين ومنازلهم وإني قد وضعت جدولا لتلك الأسماء في سنة ١٩١٠ (١). وأذكر هناك فقط الخورنق الذي أخذت لأسسه عدة تصاوير (L.oc.cit.PL.XXXVii) والسدير الذي اعتقد بأنه الأخيضر ذاته (٢) وصنين (ذكره الطبري في المجلد ١ ص ٢٢٣٢ من تاريخه) الذي اكتشفتها سنة ١٩٠٨ (Loc.cit.i ,٩٢) انظر الخريطة رقم ٣.

وكانت أراضي الكوفة «سواد الكوفة» عند الفتح الإسلامي تطابق لثلاثة مناطق (طسوج) مالية ساسانية.

١ ـ للمنطقتين الأولى والثانية من الإستان (ـ كورة ، ولاية) رقم ١٢ المسمى بهقباذ الأسفل فالمنطقة الأولى هي السيلحين (وتشمل الخورنق والطيز ناباد ونهر بورسوف) والمنطقة الثانية فرات بادقلي.

٢ ـ للمنطقة الأولى من الإستان رقم (١١) المسمى بهقباذ (٣)

__________________

(١).Cf.Mission ,I ,١٣ ـ ١٥ et surtout I ,٩٤

(٢).Voir Enzykl.des Islam ,s.V.Ukhaidir

(٣) هنا قد وردت بعض الأسماء كالإستان والطسوج والبهقباذ فينبغي أن ندلي عنها ببعض الإيضاح كانت الممالك والأقاليم الساسانية تنقسم إداريا إلى أقسام تسمى الإستانات وكان الإستان ينقسم إلى طساسيج والطسوج ينقسم إلى رساتيق والرستاق يتألف من القرى والضياع وعندما فتح المسلمون العراق وإيران لم يغيّروا تلك الأنظمة سوى أن صاروا يسمون الإستان بالكورة. وأما البهقباذات فقد كانت ثلاثة إستانات من

١٤

الأوسط (وتشمل الجبة ونهر البداة (١) وترينا الخريطة بأنها الأراضي الواقعة شرقي الكوفة بل وحتى أنها شرقي الفرات. وأصبحت الكوفة في القرن الرابع الهجري حاضرة لإحدى الكور (ـ ولايات) العراقية الست تتبعها الأعمال التالية بابل وعين التمر (المنطقة ١ ـ ٢ و ٥ ـ ٦ من الإستان رقم (١٠) ، سورا والنيل (المنطقتان رقم ٢ و ٤ من الاستان رقم (١١)) (٢).

وفي العهد العثماني نزلت إلى درجة ناحية بسيطة من قضاء النجف (سنجق كربلاء) وظلت كذلك في الإدارة العراقية الحالية (غير أن سنجق كربلاء صار يدعى لواء كربلاء).

__________________

أعمال الفرات فالبهقباذ الأعلى كان ستة طساسيج (١) عين التمر (٢) النهرين (٣) الفلوجة العليا (٤) الفلوجة السفلى (٥) بابل (٦) خطرنية. والبهقباذ الأوسط أربعة طساسيج (١) الجبة ونهر البداة (٢) سورا (٣) بارسوما (٤) النيل. وأما البهقباذ الأسفل فكان خمسة طساسيج (١) فرات بادقلى (٢) السيلحين (٣) الحيرة (٤) تستر (٥) هرمز جرد (أي إن مجموع أراضي البهقباذات الثلاثة تقابلها اليوم أراضي قضائي الرمادي والفلوجة من لواء الدليم وكافة أراضي لوائي كربلاء والحلة وقضائي الشامية وأبو صخير من لواء الديوانية. (المترجم).

(١) Sources ap. Streck. Die alte Landschaft Babylonien ٠٠٩١, ١, ٦١, ٠٣, B. G. A, VI, ٢٢٣,. VII, ٨

(٢) وعلى هذا التقدير كانت أراضي ولاية الكوفة في القرن الرابع الهجري تطابق اليوم جميع أراضي لواء كربلا ومعظم أراضي لواء الحلة ومجموع أراضي قضائي الشامية وأبو صخير من لواء الديوانية (المترجم).

١٥
١٦

تمصير الكوفة ت

حويل تكتل معسكرات الأجناد إلى

محلات بلدية

نعلم بأن الكوفة لم تكن سوى أكوام وكتل من الخصاص «الأكواخ القصبية» والخيام التي نصبت بصورة مؤقتة بين الحملتين (وكانت النساء حينذاك يرافقن الجند) وذلك بعد سنة ١٧ ه‍ «٦٣٨ م» حتى سنة ٢٢ ه‍ في إمارة المغيرة (١) «أي إنها ظلت على حالها طيلة الخمسة أعوام الأولى» حيث صاروا يشيّدون المساكن الحقيقية من الآجر وأول تلك المساكن بنيت في محلة كندة (٢) «منازل مراد والخزرج من الأنصار الذين كانوا قد سكنوا مع كندة في محلة واحدة عقب

__________________

(١) كانت قبيلة المغيرة «ثقيف» قد سكنت الثوية بالقرب من سجن اللخميين القديم (ياقوت المجلد ١ ص ٩٤٠). ومما لا شك فيه بأنه الموضع الذي كان يدعى ب (سورستان) من الاسم الفارسي شورستان ـ صحراء أو خد العذراء (ياقوت المجلد ٤ ص ٣٢٣ والمجلد ٢ ص ٤٠٦ وانظر البلاذري ص ٢٧٧).

(٢) ياقوت المجلد ٤ ص ٣٢٣ ـ ٣٢٤.

١٧

تحالفهم معها» (١). وفي الثلاثين سنة الأولى كانت تلك المخيمات والأكواخ مقسمة إلى سبع مناطق عسكرية (الأسباع) نسبة إلى النقاط السبع لحشر مقاتلة القبائل ووفقا للقيادات والتعبئة عند النفير والخروج للجهاد في المواسم (٢) ، ثم توزيع الغنائم والأعطيات «بعد العودة» من قبل رؤوس الأسباع ، فإذا لم تكن أسباع الكوفة محلات بلدية بل قطعات قبلية «بالنسبة إلى النسب أو الحلف».

ولو قارنّا بين الاستعمار العربي في جانبي بادية الشام لوجدنا بينهما تفاوتا ظاهرا. ففي الجانب الغربي «سورية» فاز الأعراب بأشجار الزيتون الوافرة المنتشرة هنا وهناك في تلك الربوع ، فكان توغلهم في مسالك شتى (٣) بفضل مسيل الوديان العديدة والكثيرة التغير «روافد فيضان الأردن والليطاني والعاصي» فلذلك استوطنوا في نقاط مختلفة. فكان تأسيس المعسكرات الستة للأجناد في مواقع قريبة للمدن المهمة لهذا السبب (٤).

بينما في العراق لم تقدم الجموع العربية على الاستيطان على شواطىء الأنهر والسهول المنخفضة ذات النخيل الجمة والتي كانت

__________________

(١) طبقات ابن سعد الجزء ٦. وراجع كذلك في هذا الفصل الملاحظة رقم (٤).

(٢). Cf Le blocus de Me ? dine par les tribus arabes de ٦١٩١ ٨١٩١

(٣) ولا تزال القبائل البدوية تنحدر في السنين الجافة (القليلة الأمطار) نحو العاصي حتى ساحل البحر.

(٤) كانت الأجناد الستة (١) جند الأردن (٢) جند فلسطين (٣) جند دمشق (٤) جند الساحل (٥) جند حمص (٦) جند قنسرين (المترجم).

١٨

عرضة لفيضان مياه الأنهار ، بل تحشدت في معسكرين عظيمين مماسين «الكوفة والبصرة» مركزي توزيع المغانم والفيء.

والخلاصة : إن البصرة «ذلك الميناء النهري الكبير ومحل تنزيل البضائع من السفن وحفظها قبل تحميلها على ظهور الإبل من المربد» قد بنيت دورها وشيدت مساكنها باللبن والآجر قبل الكوفة بزمن.

وكانت دساكرها (١) السبع القديمة مأهولة وذات منازل ثابتة من قبل ، غير أنها تحولت إلى خمسة أقسام إدارية (الأخماس) (٢). بينما الكوفة قد تأخّرت عنها في التحضر.

وكانت الكوفة في الثلاثين سنة الأولى من تأسيسها مقسمة إلى سبعة كادرات للنفير والسبع رقم ٧ المحذوف في الطبري (٣) قد أعيد ترتيبه من قبلنا وإليك الجدول :

١ ـ كنانة وحلفاؤهم (الأحابيش) وجديلة (وهؤلاء كانوا أعوانا طبيعيين للولاة القرشيين منذ سعد حتى عمال بني أمية) وكانوا يلقبون بأهل العالية (٤) ، وعددهم كان ضئيلا بالنسبة إلى غيرهم.

٢ ـ قضاعة وغسان وبجيلة وخثعم وكندة وحضرموت والأزد. وهم من اليمانيين ، وكانت السيادة فيهم لطائفتين ؛ أولا : بجيلة التي كان رئيسها جرير صديقا خاصا للخليفة عمر الذي كان قد خصّص

__________________

(١) الدساكر جمع دسكرة وهي الضيعة أو المزرعة المسكونة بالفلاحين ، فكانت البصرة قبل تمصيرها سبع دساكر قريبة بعضها من بعض (المترجم).

(٢) البلاذري ص ٣٤١ و ٣٤٢ و ٣٥٠ وكذلك راجع الملحق رقم (٢).

(٣) الطبري المجلد ١ ، ص ٢٤٩٥.

(٤).Carr.Caetani ,IX ,٦٨٢

١٩

لأفرادها عطاء سنويا ، ثانيا : كندة حيث كانت تلتزمها أسرة ملكية وهي أسرة الأشعث بن قيس (١).

٣ ـ مذحج وحمير وهمدان «وهم كذلك من العناصر اليمانية الخالصة» وقد لعبت همدان دورا مشرفا منيفا فيما بعد.

٤ ـ تميم والرباب وبنو العصر من العناصر المضرية التي لم يبق منها سوى تميم.

٥ ـ أسد وغطفان ومحارب ونمير «من بكر بن وائل» وضبيعة وتغلب ومعظمهم من ربيعة.

٦ ـ إياد وعك وعبد القيس (أهل الهجر) والحمراء ، والأخيرتان بقايا القبائل التي سكنت هذه الربوع قبلا ؛ فبنو عبد القيس نزحوا من البحرين (ـ الهجر) تحت قيادة رئيس من سلالة ملكية وهو زهرة بن حوية السعدي (٢) (بنو سعد بطن من تميم) أحد أعلام الفتح وأقطابه ، وأما الحمراء فكانوا حلفاء عبد القيس (وهم أربعة آلاف جندي فارسي يرأسهم رجل يسمى ديلم) وتحالفهم قد عقد بعد وقعة القادسية وهذا الفيلق رقم (٦) سوف يلعب دورا ثقافيا أساسيا في الكوفة (٣) قبل سنة (٤٠ ه‍) وفي البصرة إلى نهاية سنة ٨٣ هجرية.

__________________

(١) حول أسرة الأشعث راجع ابن رستم ص ٢٠٧ و ٢٢٩ ، والطبري المجلد ٢ ص ٧٢٨ و ١٠٤٤ و ١١٣٢ ، وابن الفقيه ص ١٧٢ ، والدينوري ص ٢٩٤ ، والأغاني مجلد ٥ ص ٥ ، والمجلد ١٨ ص ٣٥ و ٤٢ ، وطبقات ابن سعد ج ٦ ، ص ٢٩٠ (وراجع كتاب الهمداني مع خريطة فون ويسمان).

(٢) قتل سنة ٧٧ ه‍ وله من العمر ١٠٠ عام قتله شبيب الخارجي.

(٣).Cf.notre salm n p k.P.٥٢ ـ ٦٢

٢٠