الرّحلة الآنوريّة إلى الأصقاع الحجازيّة والشاميّة

محمّد كرد علي

الرّحلة الآنوريّة إلى الأصقاع الحجازيّة والشاميّة

المؤلف:

محمّد كرد علي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مكتبة الثقافة الدينية
الطبعة: ١
ISBN: 977-341-344-6
الصفحات: ٢١٥

٨١

وهاك تعريبه :

إلى دولة أنور باشا وكيل القائد الأعظم وجمال باشا

قائد الجيش الرابع ضيفي بيروت اليوم

إلى صاحب الدولة أنور باشا :

دع الجماهير من بعيد تهتف لك ، وتحيي فيك الجندي المقدام الذي يفتخر بما تركه خوض غمار الحروب من الآثار على صدره.

دعهم يهتفوا ويبالغوا مترنمين بما فيك من العظمة والنبوغ ، وبما في قلوبهم من الحب لك ، وليتموج الهواء بأصوات الظفر على نغمات القيثارة والبوق.

عند ما كانت عاصمة الملك ممزقة الأحشاء تدعو أبناءها إلى نجدتها بصوت ملأه الألم وافيتها بسيفك وحكّمته في لحوم البغاة الظالمين.

إن صهيل جوادك ما زال يرن في براري إفريقية وحواضرها ، وها أن أدرنة ترفع رأسها معجبة عندما يذكرها هبوب الزوبعة باليوم الذي استعدتها فيه ؛ حين وقفت على إحدى الروابي مقطب الجبين ، وناديت أبطالك البواسل قائلا : «في سبيل الهلال والوطن».

لقد انتقم الوطن لنفسه بذراعك يا فاتح أدرنة ، الذي وضعت نصب عينيك إعادة أمجادنا الممتهنة على قواعدها القديمة.

كنا نريد من وقت طويل أن نراك ونعرفك ، وكنا واثقين من عهد بعيد أن صدرك يحمل قلب بطل ، وطلعتك تنمّ عن سيد عظيم ، وفي ذراعك ذراع آخذ بالثار حام للذمار.

٨٢

وكنا نشعر إذا مرت بنا صلصلة السيوف وهتاف الشعوب وأصداء المجد بذكرى الحوادث العظيمة التي قام بها الأجداد ، فتكبر بها نفوسنا ، إلا فليكن من شجاعتك وأنت تحمل شرف السلطنة المقدسة وأقدارها ما تأتي به سكان مصر بالعجب العجاب ، خصوصا وأنت تقطع إليهم الصحاري.

استيقظت المدينة في هذا الصباح متسربلة أبهى الحلل وأصوات الأفراح متصاعدة من كل جوانبها ، والشوارع والأبنية والمخازن والبيوت غاصة بالناس على اختلاف مللهم ونحلهم.

ماذا جرى؟ لماذا يعيد البيروتيون في هذا النهار نهار الأحد؟ لقد تحقق اليوم أمل عظيم من آمال البيروتيين ، فسيصل إلى مدينتهم نحو الساعة الثالثة بعد الظهر دولة أنور باشا وكيل القائد العام لجيوش البر والبحر وناظر الحربية.

إن ذكر اسم أنور باشا يورث العدو اضطرابا والوطني حماسة والطفل ابتهاجا والجندي حماسة لا نظير لها ؛ لأن أنور هو بطل العثمانية ومنقذ الوطن من الخطر ، هو البطل الذي حطم قبل الجميع سلاسل الظلم والاستبداد ، وها هو ساهر على استقلال ميراث الأجداد ، فالوطن معلق عليه كل آماله.

عند ما نذكر اسم أنور يتجلى لعيوننا تاريخنا الحديث عن غير قصد ، فتمر أمامنا صورة الماضي المظلم الذي كان الشعب يئن فيه تحت النير الحميدي ، وقد كان الوطن في ذلك الحين أمام هاوية الهلاك.

تحاول كل من إنكلترا وفرنسا وروسيا أن تمد مخالبها إليه بعد مقابلة ريفال ، ففي ذلك الحين نهض رجل عظيم ، وأطلق الشرارة الأولى لثورة سنة

٨٣

(١٣٢٤ ه‍ / ١٩٠٨ م) وأنقذ الوطن المشرف على الهلاك بضربة واحدة ، وهذا الرجل هو أنور وصديقه المرحوم نيازي الذي ذهب شهيد حماسته.

نشأ أنور في حضن أسرة كريمة تسلسلت معها تقاليد العنصر التركي الكريم برمتها ، وكان منذ نعومة أظفاره يبث روح تلك التقاليد في إخوانه ؛ حتى تمكن من إيجاد حياة جديدة في الوطن الذي كان يمتهنه أعداء من الداخل والخارج ، وما كاد يصل إلى درجة ضابط حتى طلب أن يكون في جيش مكدونيا حيث يستطيع أن يصبح مطلق اليد في أعماله ، فتم له ما أراد ، وأصبح من أعظم العاملين في سبيل الدستور كما أصبح بعد ذلك من أعظم المدافعين عنه.

وقد كان أحد أولئك الأفراد البواسل الذين دمروا صروح الاستبداد ، وشادوا قصور الحرية والإخاء والعدل.

كان أنور باشا بطل الموقف كلما كانت البلاد في خطر.

عندما سادت حركة الرجعى الحميدية على العاصمة رأينا أنور متراكضا في رأس السلانيكيين لإنقاذ العاصمة والدستور.

وما كاد ينصرف إلى أعماله حتى اضطر إلى ترك كل شيء ، والإسراع إلى طرابلس الغرب التي كان الطليان الأدنياء قد مدوا أيديهم إليها ، فهرع إلى الدفاع عن الوطن مفاديا براحته في سبيل الواجب الوطني تحت سماء إفريقية المحرقة ، وكان مقامه بين القبائل عديم النظير ، ولما كان يزحف على الأعداء في طليعة جنوده المتطوعين من القبائل والوطنيين كانت الأرض تميد تحت أقدامه والرعب يأخذ من نفوس أعدائه.

٨٤

ولقد اتفقت الصحف الأوربية حتى المعادية منها في الثناء على بسالته وشجاعته وميزته العسكرية ، ولا عجب فقد أوجد في وقت قصير جيشا منظما من الوطنيين يرهب الطليان بأسه ، وكان يساعده في أعماله فتحي بك ، أحد ضباطنا المتفانين البواسل.

فإذا كانت طرابلس الغرب قد تمكنت من الدفاع سنتين بطولهما ، فما ذلك إلا بفضل تهالك دولة أنور باشا وبسالته ، ولو كان المركز الجغرافي أكثر ملائمة لما استطاع الطليان على مدى الأيام الاستيلاء على طرابلس الغرب.

وبعد حين يسير عرض لنا طارئ جديد فخضنا غمار الحرب ثانية في حين أننا لم نكد ننفض عنا غبار الحرب الأولى ، فامتشقنا السيوف باسمي الثغور هازئين حتى بالاضطرابات الداخلية.

ومع كل الاضطهادات والدسائس التي قام بها أعوان كامل باشا ووزارته قام الوطنيون الحقيقيون ؛ كأنور وجمال بواجباتهم ، ولكنهم ماذا يستطيعون أن يفعلوا تجاه حكومة ضعيفة الرأي قصيرة النظر.

سارت البلاد مرة أخرى نحو الخراب ، وقام في وجهها أعداء أقوياء تعضدهم أوربا الاتفاقية ، ووجهوا عزائمهم لاقتحام جدران العاصمة ، فطفح الكيل وجعل الوطنيون الحقيقيون يذرفون الدموع ، وقضت الحال بتمزيق العصابة التي عولت على بيع البلاد.

وكان عقد كامل باشا مجلسا وطنيا ليس فيه من الوطن سوى اسمه ، وعزم على عقد صلح معيب ، فظهر في ذلك الحين أنور وإخوانه جمال وطلعت وجاويد وجاهد وخليل والمرحوم محمود شوكت والحاج عادل ، وأمثالهم ،

٨٥

وقلبوا الوزارة ، وعاد الذين أوجدوا الدستور إلى استلام أزمة الأحكام ، فهتف لهم الشعب العثماني بأجمعه هتاف الفرح ، وما لبث محمود شوكت باشا الذي أصبح صدرا أعظم أن رفض شروط الأعداء ، وزحف أنور باشا في طليعة فريق من البواسل ، فاسترجع أدرنة التي كانت قد اضطرت إلى التسليم بعد حصار شهور عديدة ، فازداد تعلق الجيش والشعب بهذا الرجل النادر المثال بعد استرجاع أدرنة.

وبعد الفاجعة بمقتل محمود شوكت باشا جعل أنور النابغة العسكري الوطني وزيرا للحربية ، ورقي إلى رتبة باشا ، فتجلت فيه صفات رجل متعلم عظيم يتبع الغاية التي وضعها نصب عينيه بهمة لا تعرف الملل.

ومن ذلك الحين جعل يوالي سعيه آناء الليل وأطراف النهار في تنظيم الجيش الذي ضعضعته الحرب البلقانية ، وفي نفس الوقت كان زميله جمال باشا ينظم الأسطول الذي ظهرت دربته في المعارك الأخيرة ، فبعد وقت يسير تعزز الجيش والأسطول ، وسارا خطوات عديدة نحو الكمال.

وفي أثناء ذلك تلبد الجو بالغيوم ، وبدأت الدلائل تدل على قرب هبوب عاصفة هائلة ، فأدرك أنور وزملاؤه الخطر ، مما دل على عظم تبصرهم ، وعرفت الوزارة ماوراء الأكمة ، فظهر أنور باشا من أقوى رجال السياسة ، فوضعنا أيدينا في أيدي الدول الوسطى نشاطرهم السراء والضراء ، بيد أن دول الاتفاق كانوا يمكرون رياء ويلتمسون حفر هوة يلقوننا فيها ، مغلظين لنا أيمان الحب والولاء ، مبتسمين ابتسام يهوذا ، ولكن باءت مساعيهم بالفشل ، ومددنا يد الإخلاص والولاء إلى حليفتينا ألمانيا والنمسا ، وانضمت إلينا بلغاريا بعد حين ،

٨٦

وبذلك وضعنا أساسا مجيدا لمحالفة عظيمة مؤسسة على المصالح الحقيقية المشتركة حبّا بخير الإنسانية المهدد بجشع الاتفاقيين وأنانيتهم.

ولا حاجة إلى التبسط في القول ؛ لأن في نتائج الحرب الحاضرة ما يغني عن الإسهاب.

في بدء الحرب هاجم الروس الغادرون قسما من أسطولنا في البحر الأسود ، فتحولت جميع الأنظار إلى رجل واحد ، وتعلقت عليه كل الآمال ، وكنا جميعا واثقين أن هذا الرجل الذي هو أنور باشا لا بد أن يسير بنا إلى الظفر الأخير ، فبعد حرب دامت أشهرا عديدة تلاشت آمال الأعداء كل التلاشي باختراق المضيق والاستيلاء على الأستانة عاصمة السلطنة ومقر الخلافة ، وأكره العدو على العدول عن هذا المشروع ، وكان جنودنا البواسل بقيادة النابغة أنور باشا يسحقون الأعداء الفائقين علينا بعددهم حتى نالوا من الأمجاد ما يفتخر به النسل المقبل إلى الأبد.

وقد أظهر جنودنا البواسل في كل جبهات القتال أنهم خير أحفاد لأولئك الأجداد الأبطال في دفاعهم عن حوزة الوطن العثماني ، على أن روح أنور باشا هي التي بثت فيهم شدة البأس وقوة المراس.

بيد أن ما نفعله في سبيل حياتنا الوطنية الحرة لم ينته بعد ، فما زال أمامنا أعداء لا بد لنا من قهرهم ، وسنتمكن بعون الله من نيل الظفر الأخير ، فإن أمة في جيشها مثل أنور وجمال تستطيع أن تثق بالحصول على نتيجة سعيدة عاجلا أو آجلا.

٨٧

فبيروت تفتخر أن حلّ فيها ضيفان كصاحبي الدولة أنور باشا وجمال باشا ، وها نحن نرى والسرور آخذ منا أن الاستعدادات الحماسية التي أجراها الأهالي لاستقبال الضيفين العظيمين هي خير دليل على أن البيروتيين قد قدروا هذه الزيارة السامية حق قدرها ، فنحن نرحب بهما بمزيد الاحترام ، ونضرع إلى الله بأن يتمم مقاصدهما الشريفة.

٨٨

٨٩

٩٠

وهاك تعريبها :

إلى دولة أنور باشا :

لمن تقام الزينات وتخفق الأعلام وتعيّد المدينة ويرتفع هتاف الظفر من الحماسة إلى الاستعداد لاستقبال عظيم؟

أي بيروت ، كم قد مرّ من الملوك في سالف الزمن بين جدرانك ، فلم تأخذك نشوة طرب كهذه النشوة التي تخفق لها كل القلوب ، وتنبعث نورا من كل العيون.

ها أن الجماهير تتهامس قائلة : «لقد مرّ جندي».

ولكن ، أي جندي؟

أيها القائد العظيم ، إن في جبينك الشريف المضفورة عليه أكاليل الغار رمزا ترقص له قلوب جميع العثمانيين على نغم أبواق الظفر الهاتفة حولك ، فيأيها النابغة العظيم المتجسمة فيك آمال المملكة تعال ، وانعش القلوب بنظرة من نظراتك ، وادفع هذا الشعب الذي جعلك موضوع حبه وإعجابه إلى السير على خطواتك.

عندما كان نير الدور السالف متحكما في أعناقنا ، وكان قادتنا ظلامنا وصراخ ألوف من الضحايا من البوسفور حتى الجسر تصم له آذان السماء رأينا سيفك يضطرب ثائرا ، ويبعث من سلانيك إلى عاصمتنا نار الحرية المقدسة ، وقد نصبت علم الهلال على مرتفعات الأجداد ، إن قباب أدرنة ما برحت ترن

٩١

كلها باسم البطل العظيم أنور باشا المقدس ، وستردد على الدهر تحت عقودها المرنّة بهتاف الظفر «بادشاهم جوق ياشا».

لقد حفظت مجدك صحراء إفريقية إلى اليوم الذي ينشد لك فيه السنوسيون أناشيد الذكرى تحت نيران المدافع ، ويستعينون باسمك لنيل الظفر.

عندما كانت كليبولي مهددة بالخطر وقفت حارسا عليها إلى أن انكسر العدو وتقهقر ذليلا ، فرأى العالم جميعه في معارك الدردنيل نبوغك الذي لا يغلب ، وبسالة جنودك ، وها أنت في هذا المساء واقف على مرتفع ذاك الرأس ، تشير بسيفك إلى إخواننا الذين وراء البحر ، فتجعلنا نضيف إلى أمجادك العديدة أكاليل مضفورة من الغار ونخيل وادي النيل.

٩٢

قصائد الترحيب

ببطلي الأمة وقائدي جيشها الكبيرين صاحبي الدولة والمهابة

«أنور باشا وجمال باشا»

قصيدة السيد محمد حبيب العبيدي

نزيل بيروت

مرحبا بالأسود والعقبان

قد تجلت بصورة الإنسان

مرحبا بالبدور تمشي على الأر

ض وأفق السماء منهنّ داني

مرحبا بالهلال يخفق من فو

ق نجوم من دونها النيران

مرحبا بالهلال يحميه جيش

حسبه فخرا أنه عثماني

مرحبا بالنسور تقبض جنحا

بسطت ظله على كيوان

مرحبا بالأبطال من نمسوي

مجري وآخر ألماني

فعلى الرحب يا جنود المعالي

وعلى الرحب يا أسود الطعان

أيها الوفد أنت عين علاها

وجمال وأنور الناظران

يا رعى الله منكما دهر خير

أنتما الدهر أيها الإخوان

ترحب الأرض والسماء بجيش

أنتما في سمائه الفرقدان

يزعم الناس إنما هي شمس

غلط الناس بل هما شمسان

إن يكن في السماء شمس ففي الأر

ض كما يبصر الورى ثنتان

ولئن كان تلك تلقى أفولا

إن هذين قط لا يأفلان

فهما بالإله معتصمان

وبعين الرسول ملحوظان

لهما للبقا مآثر شتى

كل شيء دون المآثر فاني

حظي الدين منكما بكريمي

ن على الله أيها الأكرمان

٩٣

فكأن البيت الحرام ينادي

أنتما أنتما لي الركنان

إذ بحبل الإله مستمسكان

وبسيف الإله تنتصران

فارميا عن قوس المقادير سهما

نثلته كنانة الرحمان

سهم نصر على العدى ليس يعدو

نبله قلب مصر والسودان

فوّقاه لإفريقيا تصيبا

كبد الإنكليز والطليان

واشفعا مصر بعد فتح قريب

بطرابلس إذهما أختان

سعد الملك منكما بوزيري

ن عظيمين أيها البطلان

بكما لاقت الخلافة فجرا

مستطير الأنوار والنيران

منكما هزت الشريعة سيفا

صقلته من السماء يدان

سيف حق يسيل نارا ونورا

ما عهدنا الضدين يجتمعان

درة التاج أنتما حين تدعى

ساسة الملك عمدة التيجان

يا مغاني بيروت تيهي فخارا

واجر يا دهر أنت ملء العنان

وافرشي الخد أنت يا مصر أرضا

لجنود يقفون إثر «سنان»

أيها النيل ليس يعذب ورد

لك يوما حتى ترى عثماني

كيف تجري من تحت فرعون عذبا

وأشد العذاب سقي الهوان

كنت قبلا ولم يكن غير موسى

فأبشر اليوم إذهما موسوان

ضرب الأرض بالعصى من قديم

وهما اليوم بالظبي يضربان

إن بنو إسرائيل راموا فرارا

فهجوما يبغي بنو عثمان

ولئن كان قبل فرعون أنجي

ليس ينجو فرعون مصر الثاني

سندوس الرمال نارا تلظى

ونجوز القنال أحمر قاني

فأبشروا بالبوار وادعوا ثبورا

وأبشروا بالخسار والخذلان

٩٤

هذه خطوة ومن قبل أخرى

وهما يا أخا الوغي خطوتان

فإذا بالهلال في «عابدين»

وقلوب تحكيه بالخفقان

ورشاد خليفة الحق فينا

هادم للضلال والطغيان

يهتف المسلمون باسم علاه

عش أمام الهدى مدى الدوران

قصيدة الشيط عبد الكريم عويضة

من علماء طرابلس الشام وأدبائها

تهلل وجه العالمين عن البشر

بتشريف حامي الدين أنور للثغر

تألقت الدنيا سرورا بيومه

وماست بها الأفراح بالحلل الخضر

وعمت بها البشرى أكارم أهلها

فطاروا إلى اللقيا بأجنحة البشر

كأن قلوب الناس بشرا بيمنه

رياض حبور زارها هاطل القطر

شربن كئوس الأنس مترعة الصفا

بمورده الأهنى فمالت من السكر

فما ثم إلا اليمن أسفر عن منى

وما ثم إلا الأنس مبتسم الثغر

فيا ثغر بيروت بأنور طالع

بلغت الأماني فاغتبط مدة العمر

سعدت بلثم من مواطئه التي

يعزّ تمنيها على الأنجم الزهر

سموت به فخرا يجر رداءه

على كل فخر سامي الجاه والقدر

فأرضك أسمى في العلاء من السما

وبدرك أسنى في الكمال من البدر

وتربتك الفيحاء أزكى من الشذا

وحصباؤك البيضاء أغلى من الدر

تهنئ فقد نلت السعادة كلها

وأدركت ما ترجوه من شرف الذكر

فأنت بوجه الشام ثغر مبارك

وأنت بوجنات العلى شامة الفخر

وكيف وقد وافاك من شرفت به

ربوعك وازدانت بطالعه النضر

هو الأنور الفكر الذي دانت العلى

لهمته العظمى وآرائه الغر

٩٥

هو البطل الحامي حماك من العدى

بسيفين من عزم شديد ومن فكر

به انبثق الدستور نور عدالة

بوجه من التوفيق أنور من بدر

به اعتز دين الهاشمي محمد

وأحرز آي النصر في البر والبحر

به نالت الأوطان شأوا من العلا

تقصر عن إدراكه همة الدهر

حمى حوزة الإسلام من كل معتد

ببيض المواضي والمثقفة السمر

وأورث أعداء الخلافة ذلة

تصاحبهم طول الحياة إلى القبر

له الله من سيف نضدته يد العلا

على كل جبار ليغمد في النحر

فيا بطل الإسلام دمت مؤيدا

ولا زلت بالإقبال منشرح الصدر

ويا رجل الدستور دمت موفقا

وأنت بأفلاك العلى الكوكب الدري

أتينا عن الأوطان وفدا مهنئا

نقدم عنها واجب الحمد والشكر

ولسنا بمن يثني عليك تزلفا

ولكننا غرقى بنائلك الغمر

فلو أننا صغنا النجوم قلائدا

بشكرك ما وفت لفضلك بالعشر

فيا منقذ الأوطان من نكباتها

أبى الله إلا أن تقيها من الضر

رددت إليها الروح من غير منة

عليها وأوليت الجميل من البر

ولم تكتف منها برد حياتها

وما فقدته من مفاخرها الغر

إلى أن سمت أوج العلى برقيها

وجل بها شأو التقدم عن حصر

فأعليتها ذكرا وشرفت قدرها

فدانت لها الجوزاء في شرف القدر

وفي كل يوم منك تحظى بنعمة

تقصر عن شكرانها السن الشعر

وها هي فيك اليوم أضحت سعيدة

كما سعت من قبل بالخالد الذكر

لئن كان ذاك السيف جرد للعدى

فإنك سيف الله للفتح والنصر

فكل امرئ في الترك والعرب قد غدا

لسيفك مديونا إلى منتهى الحشر

٩٦

فلا زال في الأعداء سيفك ماضيا

ولا زال في الإسلام ذكرك كالعطر

فيا أمة الإسلام للغرب فانظروا

فإن هلال الفتح أشرق في مصر

وهذا «جمال» العصر سار بجيشه

وقد ملأ الدنيا إلى ذلك القطر

سيدخلها إن شاء ربي آمنا

وإني أراه لا يزيد عن الشهر

رويدك يا فرعون مصر فقد أتى

لك اليوم موسى فالق البحر والصخر

لئن جئت بالسحر العظيم مخوفا

فإن عصا موسى لمبطلة السحر

فلا زال وجه النصر يزهو «بأنور»

ويسمو بهاء «بالجمال» مدى الدهر

ويزداد في «(عزمي» اعتلاء ورفعة

ويزدان بالإقبال من طلعة البدر

وفي ظل مولانا الخليفة لم تزل

جيوش بني عثمان حائزة النصر

ولا زال فوق الروس مع حلفائه

بمعترك الخذلان تعلو يد الكسر

مدى الدهر ما فزنا بطلعة «أنور»

وضاء «جمال» الكون من مطلع البشر

قصيدة عمر أفندي نجا

من فضلاء بيروت

بمناسبة تشريف الوزير الخطير صاحب الدولة أنور باشا

ناظر الحربية الجليلة ووكيل القائد الأعظم

بسم الثغر بالسرور ونوّر

حين وافى في طالع السعد أنور

هلل الجمع بالدعاء ونادى

فليعش قائد الجيوش مظفر

يا وزيرا على المنابر تتلى

آية المدح في علاه ويشكر

لك ذكر في الخافقين جميل

من زهور الربيع أبهى وأعطر

لك اسم أصوغ منه بمدحي

عقد در من الثناء مجوهر

لك في موقف المعالي مقام

لا يبارى بالتبر أضحى مسطر

٩٧

لك في الحرب صولة الأسد لكن

لك في السلم همة ليس تنكر

بطل الحرب «يا جمال» المعالي

يا وزيرا قاد الخميس المعسكر

إن جيشا تقوده لجهاد

تحت ظل الهلال لا شك ينصر

أبشروا أبشروا بنصر مبين

علم العز فوق مصر سينشر

في مقام الحسين «إنا فتحنا»

سوف تتلى وفي المصلى وأزهر

بعد ما تهزم الأعادي بذل

وتنادي الجنود الله أكبر

دمت والقادة الكرام بعز

وبنصر من الإله مبشر

ما بدا البدر في السماء مضيئا

وتجلى نور الهلال المظفر

هذا ، وقد تبارت شعراؤنا الأفاضل في وضع التاريخ الشعري لقدوم وزيرنا الجليل ، وإليك ما جاء من هذا القبيل :

لبلاد الشام في تشريفكم

خير عيد وهو في الأعياد أكبر

ثغرها البسام أرخ عيدها

إن قطر الشام في الإقبال أنور

(١٣٣٤ ه‍) عبد الكريم عويضة.

بيروتنا حظها أوفر

وسعدها مقبل مزهر

وطالع اليمن أرخ به

شرفت بالمجد يا أنور

(١٣٣٤ ه‍) عبد الرحمن عز الدين.

قصيدة الفاضل الخوري مارون عصن

يا شعر مالك والنسيب فنحن في

زمن الوغى فإلى القتال تزحف

وهناك صب سيول سخطك فوق من

يرضى المذلة للبلاد وعنف

لا خير في كل امرئ متلذذ

طعم الكرى وإلى الرضا متشوف

٩٨

وأخوه قد خاض الوغى مستهدفا

فبدار يا وعديدنا واستهدف

لا عاش إلا من يردد قول عن

ترة الحروب وباللغا لا يكتفي

«لا تسقني ماء الحياة بذلة»

أف لعيش بالكرامة مجحف

«ماء الحياة بذلة كجهنم»

فإليك عن آبارها لا ترشف

فالموت من عطش إلى نيل العلى

خير من الري المذل المقرف

فإلى متى يا نكس تجبن فاحتزم

لا تخشينّ من الخيال المرجف

أو ما رأيت الأسد في إجماتها

من بأس عثمان الغضنفر تختفي

أو ما نظرت إلى حصون الدردني

ل تصب من كواتها نارا تفي

وتبيد أسطول العدو وجيشه

في سد بحر زعزعيّ متلف

وأراك تجهل ما أتاه العرب في

أرض العراق هناك هول الموقف

حيث العدى ولت وعاد الجيش من

عثمان بالنصر المشرف يشتفي

وببئر سبع قد تجمع كل جي

ش غير تمزيق العدى لم يألف

وهم إلى الهرم المعلى وجهوا

الأنظار فاستبشر ولا تتخوف

وبكل تركيا التآلف صير

الإنجيل والتوراة قرب المصحف

ولو اختبرت بسالة الفرسان في

ظل الهلال لكنت غير مخوف

فلقد رأيتهم صفوفا فوقهم

علم أشعة مجده لم تخسف

يتمرنون على القتال يديرهم

عرفاؤهم والكل في طرب وفي

«وجمال باشا» ذلك الأسد الهصور

يقودهم ويعدهم للمزحف

ودوي موسيقاهم ملأ الفضا

ء فكرّ كلّ للمنية يصطفي

ويصيح يا وطني سلمت من العدى

«روحي فداك عرفت أم لم تعرف»

لا زال بند النصر يخفق فوقهم

في ظل سلطان العباد الأشرف

٩٩

يا رب فانصره وابد عرشه

فيدوم في ظفر وفي عز وفي

فلأنت موئلنا ومنك غياثنا

وإليك مرجعنا فلا تتأفف

إنا نردد قول ألطف شاعر

يا خيبة المسعى إذا لم تسعف

قصيدة الشيط عبد المؤذن

من أدباء طرابلس

نحن قوم شعارنا الوطنية

ما لنا غير صدقنا من مزية

فاختبرنا إن راج سوق المنية

فترانا بعزة وحمية

نبذل الروح في سبيلك أنور

ربنا قال في الكتاب أطيعوا

فأطعنا والكل منا سميع

يتفانى وضيعنا والرفيع

ويخوض الأخطار وهي نجيع

ويلبي النداء والموت أحمر

شهد الله إن في سوريا

أمة تسلك الصراط السويا

تسأل الله أن ترى تركيا

ذات بطش وعزها أبديا

ولواها على البسيطة ينشر

جرد اليوم أن أردت السيوفا

ثم رتب للموت منا الصفوفا

وانتدبنا فإن غلبنا الألوفا

فتحقق ثباتنا الموصوفا

أو فدعنا نموت حزنا ونقهر

خض بنا البحر واقطع النار جهرا

أو فقاتل بنا بني الغرب طرا

واجتهد أن تخط في الأرض ذكرا

لك حتى يموت خصمك قهرا

ويقول الجميع طوعا لأنور

حولك الآن ثلة من أسود

أنتجتهم بيروت من كل صيد

١٠٠