الرّحلة الآنوريّة إلى الأصقاع الحجازيّة والشاميّة

محمّد كرد علي

الرّحلة الآنوريّة إلى الأصقاع الحجازيّة والشاميّة

المؤلف:

محمّد كرد علي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مكتبة الثقافة الدينية
الطبعة: ١
ISBN: 977-341-344-6
الصفحات: ٢١٥

كان وصول أنورنا وجمالنا ورفقائهما عصر الجمعة ، فتناولا طعام العشاء ليلة السبت في مقر الجيش الرابع ، وفي صباحه اجتمع أركان الحكومة والعلماء والوجوه وكل مذكور في دار الحكومة ، وركبوا العربات ، وساروا نحو المقر يقدمهم مدحت بك متصرف اللواء ، حتى وصلوا المقر ، وتشرفوا بالسلام على أنور الأمة وجمالها مصافحة بالترتيب ، وهما يستقبلان الزائرين بالطلاقة والبشاشة.

وقبل الظهر تناولا طعام الغذاء ومن معهما في مقر الفيلق الثامن بدعوة جمال باشا قائده المبجل ، ومن هناك زارا الحرم القدسي ، فبدأ بالصخرة المشرفة ؛ حيث سمعا بعض الآيات الكريمة ، وبعد أن صلى أنور باشا ركعتين تحية المسجد سارا يحف بهما العلماء والأشراف إلى مسجد الأقصى الجامع ، وصلى هناك أيضا ركعتين ، وعندئذ تقدم خطيب الشرق الشيخ أسعد الشقيري ، وأبان لحضرة القائدين العظيمين فضائل الحرم القدسي والأحاديث الواردة في شرفه ، وهناك قدم لدولة القائد العظيم كامل أفندي الحسيني مفتي القدس نسخة من فتاوى الأنقروي ، كتبت منذ مائة وثمانين سنة لتكون تذكارا في خزانة كتب أنور العثمانيين.

وبعد أن زار حضرات قائدينا العظيمين الحرم الشريف ذهبا بموكب حافل إلى الكلية الصلاحية ، فاستبقلهما مديرها ومعلموها وطلبتها ، وبعد أن جلسا في بهوها الكبير قرأ تلميذ بعض الآي الكريمة ، ثم قرأ أحد المعلمين خطابا عربيّا ، ثم استعرض الطلبة استعراضا عسكريّا رياضيّا ، فأبدعوا وأدهشوا ، ثم تلا أحدهم قصيدة تركية العبارة ، وآخر قصيدة باللغة الألمانية الفصيحة ، كأنه من إحدى مدارس برلين لهجة وحركة وإشارة ، وهذا ما زاد الدهشة ، وأطرب

١٦١

ضباط العسكرية الألمانيين ، وجعل للحفلة رونقا وبهاء ، ثم ختم تلميذ آخر الحفلة بخطاب تركي.

ثم زارا مقام نبي الله داود عليه‌السلام ، ثم عطفا على كنيسة القيامة ، فزاراها ومن يصحبهما من القواد والضباط الألمانيين والنمسويين ، وقد تبرع دولة الأنور لها بمائتي ذهب عثمانية بعد أن وهب لخدمة الحرم الشريف خمسين ذهبا ؛ ليعلم الناس أن هذا الدين الإسلامي القويم يحترم الشعائر والمذاهب ، لا تعصب فيه ، وأن الدولة ـ أيدها الله ـ تساوي بين عناصرها وطوائفها ، وكنيسة القيامة هي التي دخلها سيدنا عمر وصلاح الدين ، وفي عصرنا دخلها أنور سيف الإسلام.

وفي تلك الليلة ليلة الأحد تناول القواد العظام طعام العشاء على حساب المجلس البلدي في نزل فاست الكبير ، وكان المدعوون ستين شخصا من أركان الحكومة والعلماء والأدباء مع ضيوفنا الكرام ، وفي أثناء الطعام صعد الشيخ علي ريماوي من فضلاء (١) القدس ، وقال : لو كنت طويلا لوجب عليّ أن أتقاصر أمام عظمة حضرات قوادنا العظام ، وضيوفنا الكرام. ثم أنشد قصيدة طرب لها الحاضرون جدّا ، واستخفت طرب الأستاذ الشقيري حتى استعاد أبياتها مرارا ، ثم تلا الشيخ سليم اليعقوبي من أساتذة يافا قصيدة غراء ، ثم خطب خاتما الحفلة جميل بك النيال مدير الأوقاف والكلية الصلاحية خطابا تركيّا.

وبعد الطعام ركب القائدان الجليلان ومن معهما سياراتهم إلى المقر العالي تاركين طلبة الصلاحية يتجولون بالمصابيح ، والمدينة كلها نور وفرح وسرور ،

__________________

(١) اعتمدنا على ما كتبه هو لنا بهذا الشأن عن القدس ، وأكثره من عباراته ، وعلى ما كتبه مكاتب المقتبس في يافا ، وعلى مصادر أخرى جديرة بالثقة.

١٦٢

وفي صباح الأحد سار أنور باشا وجمال باشا ورفقاؤهما إلى جهات بئر السبع ، ويوم الثلاثاء رجعا بالعز والإقبال ، وبين بئر السبع والخليل وقفا ساعة حيث استقبلتهما قطعة من الجيش المرابطة هناك ، ثم عطفا على مدينة السيد الخليل عليه‌السلام ، وزارا أضرحة الأنبياء الكرام ، وشربا الشاي في دار الحكومة ، وركبا إلى بيت لحم ؛ حيث ولد السيد المسيح عليه‌السلام ، وزارا المغارة ، ومن هناك رجعا إلى القدس بين الهتاف والتصفيق.

وصباح الأربعاء توجه قائدانا العظيمان إلى أريحا على السيارة ، فشيعهما الأهالي والقلوب بأجل مظاهر التشييع والوداع ، وبعد الغداء في أريحا على حساب بلدية القدس سارا على طريق عمان ؛ حيث ركبا القطار إلى مدينة الإسلام والسلام صلوات الله على ساكنها.

وكان الاستقبال في أريحا جميلا قام به جميع العشائر المخيمة حول نهر الأردن بالسلاح والخيول المطهمة ، ومشايخ الطرق والزوايا بالأعلام والطبول ، ثم جاءا إلى السلط ، فنصبت السرادق والخيام ، وأقامت بلدية السلط ضيافة شاي ، وكان جميع عربان السلط وأشرافهم وطلبة مدارسهم يرددون الأناشيد والألحان ، والرؤساء والقبائل يظهرون للقائدين شعائرهم وعواطفهم. ومن السلط ركبوا السيارات أيضا إلى عمان حيث استعرض الجراكسة سكان تلك القصبة بخيولهم ، ومنها ركبا القطار إلى المدينة المنورة.

هذه إجماليات المكاتبين والذي علمناه من مصدر يركن إليه أن دولة القائد لما وصل إلى خليل الرحمن استقبلته المشايخ وأرباب الطرق ، وترجل دولته مع جمال باشا حتى وصل إلى المسجد الإبراهيمي ، وهناك وقف العلماء أمام ضريح جد الأنبياء سيدنا إبراهيم الخليل عليه‌السلام ، فتلي ما تيسر من القرآن ، وأدعية

١٦٣

ظهرت عليها علائم القبول ، وزار تربة سيدنا إسحق ويعقوب ويوسف وجميع المشاهد ، وصافح العلماء والأتقياء ، ونال حظّا كبيرا من أدعيتهم ، وأحسن إلى الفقراء بصدقة عظيمة ، وسار والعز يشيعه إلى قصبة بيت لحم ، وهناك وقف له رؤساء جميع الملل والطوائف الغير المسلمة مع الجند السلطاني ، فاستقبلوا دولته أعظم استقبال وأبهى احتفال ، واسترحموا منه أن يروه كنيسة الولادة ، فدخلها ؛ إجابة لدعوتهم ، وكان الرؤساء الروحيون بملابسهم الكهنوتية ، وضربت له النواقيس ، واجتمعت الطوائف على اختلاف أجناسها وأعمارها ، وأوقدت الشموع والقناديل داخل الكنيسة ، ودعي للدولة والجيش فخرج وأحسن بصدقة عظيمة أيضا على فقراء الطوائف.

ثم جاء القدس وقت الظهر ، فتناول الطعام في المعسكر في جبل الطور ، وكانت ضيافة القدس في العودة مما أقامه روشن بك مفتش المنزل ، وتكلم في تلك الضيافة الشيخ أسعد الشقيري على حديث نبوي خاطب فيه الرسول سيدنا علي بن أبي طالب بقوله : ((أنت سيد المسلمين ويعسوب الموحدين)) وإن السيادة التي كانت لعلي بسبب حفظه لكيان المسلمين وحرصه على إقامة شعائر الدين وقيادته للجيوش الإسلامية واجتهاده في الفنون الحربية وحصول الظفر على يديه ، فنال السيادة بالعز والحزم والجهاد والسيف ، ومضى راضيا مرضيّا ، وإن أنور باشا في عصرنا يحق له السيادة على الإسلام بسبب ثباته على مسلك الدين ، واتباعه لشريعة سيد المرسلين ، وجهاده في طرابلس الغرب ، وفي مواقع الحروب ، وتنظيمه الجيوش ، وأخذه على عاتقه القيادة العامة وشخوصه بالذات إلى هذه الولايات لتفقد الشئون العامة ، والنظر في الجيش.

١٦٤

وذكره بما ذكر له مع جماعة العلماء ما أجراه القائد العام أحمد جمال باشا من الإصلاحات ، وحمد الله على أن الباشا رأى آثار أخيه جمال باشا رأي العين حتى أن أنور باشا صرح بأنه رأى من هذا القبيل فوق ما سمع.

أما تبرعات أنورنا في لواء القدس فكثيرة ، منها للفقراء ، ومنها لكنيسة القيامة ، ومنها لخدمة الحرم القدسي ، ومنها لخدمة السيد الخليل ، ومنها لبعض المساتير والعلماء والأدباء ، وكذلك كانت تبرعاته لأهالي لواء عكا.

هناء اللقاء

قصيدة الشيخ علي ريماوي المقدسي

يا مرحبا بحبيب الشعب «أنوره»

و «بالجمال» جمال السمر والقضب

مذ قيل أنور روح الشعب في حلب

قد ماجت القدس من صفو ومن طرب

ترى النفوس على طول القطار له

من شدة الشوق ملقاة على القضب

بها انتظارا إلى ميمون طلعته

ما بالقطار من التضرام واللهب

زيارة ملأت سورية فرحا

من العريش إلى حمص إلى حلب

يا محيي الشعب من عدم ومن عدم

ومنقذ الشعب من ضيق ومن كرب

شعب بك اليوم قد شدت عزائمه

وكان ميتا على يأس من الأرب

لم ينسك الوفد بل لم ينس ما فطرت

عليه سيماك من لطف ومن أدب

قد زار جيشك في ساحاته فرأى

أسد العراك بغيل المعقل الأشب

لله جيشك والرحمن ناصره

فقد تسامى على الجوزاء والشهب

جيش تألف والإسلام رايته

من خيرة العنصرين الترك والعرب

سارت بجحفلة الأقدار تقدمها

ملائك الله فوق الخيل والنجب

تسربلت بدروع الوحي واعتقلت

من نبعة النور أطراف القنا السلب

١٦٥

معتادة الطعن من بدر ومن أحد

أليفة الضرب في حرب وفي حرب

حرابها من ظبى التقوى وأسهمها

من قدرة الله لا نبع ولا غرب

جيش له ينظر الإسلام قاطبة

من منتهى القطب الأقصى إلى القطب

أجاب صوتك منه كل غالية

من النفوس إذا الأشباح لم تجب

لو مكنته العدى والدهر ذو غير

لباك من كل صوب منه أو حدب

لبيك لبيك إن رمت الجهاد لنا

هذي النفوس فخذ ما شئت وانتدب

هي القناة فلا تحفل بمنعتها

في يمين جيشك سر النصر والغلب

وما العدى غير أخلاط مجمعة

حول القناة وأنصاب من الخشب

قالت سأرحل عن مصر وما رحلت

قالت أثوب إلى عدل ولم تثب

كم عاهدتنا وكم عهد لنا خفرت

وكم تعدت وكم باتت على صخب

موسى وأنت على رأي وعاطفة

كلا كما عجب من أعظم العجب

هذاك أنقذ مصرا من فراعنها

وأنت تنقذها من دولة الكذب

صادقت من أمة الألمان إذ صدقت

والنمسويين خير القادة النجب

من كل شهم وفي العهد صادقه

وكل ليث قوي الساعدين أبي

جاسوا ديار الأعادي وهي حافلة

فأصبحت مثل ربع دارس خرب

يردها «هند برغ» من هنا وهنا

كأنها كرة في ساحة اللعب

ته يا جمال إذا ما شئت مفتخرا

على الزمان بمعنى جيشك اللجب

لم يحو جيش كما يحويه جيشك من

قوى الكفاح وفضل العلم والأدب

يختال في الزرد المسرود تحسبه

ليوث غاب وقد باتت على سغب

ينحو القناة ولم يبرح ينازلها

حتى تخر العدى جثيّا على الركب

أذكرتنا زمن الفاروق من قدم

كلاكما ناصر الإسلام في الحقب

١٦٦

وأنت لله ما أحلاك من بطل

يا قائد القول قول الفيلق الحرب

أنت الجمال لجيش الله فارم به

جيش العدو لدى استحكامه تصب

يا واهب الذهب الإبريز من كرم

هذي هباتك عني قط لم تغب

وضعتها (١) عند قلبي حيث أنت به

كيما تكون بمرأى منك عن كثب

دقاتها في سماعي من لطافتها

أحلى من العود بين الزهر والحبب

في كل ساعة وقت دار عقربها

لابد أنظر فيها نظرة الطرب

لا رغبة في حلي الدنيا وزخرفها

لكن لحبك عندي فهو مطلبي

وكي أرى الهبة لممدوح واهبها

واسم العظيم العلي المنقوش بالذهب

فاسلم ودم زينة الدنيا وبهجتها

وقائد الشعب تنجيه من العطب

قصيدة الشيخ سليم اليعقوبي اليافي

في بطل الإسلام أنور باشا

هذي فلسطين فازت عربها بكم

يا «أنور» الناس من ترك ومن عرب

واصلتها اليوم ، فافترت مباسمها

كالخود ، تفتر يوم الوصل عن شنب

أنت الذي لم نجد في خلقه عوجا

ومن كأنور في خلق وفي أدب

لك المروءة خلقا ، والتقى خلقا ،

والمرء بالخلق لا بالدر والذهب

لو لا تقاك وما أوتيت من شمم

لمزقتنا بنو الأوثان والنصب

يمناك فيها ـ وحسبي باليمين هدى ـ

يراع حزم ، وفي يسراك ذو شطب

عما قريب ، بفضل الله تسعفنا

«بفتح مصر» وما في الفتح من ريب

__________________

(١) يشير الناظم إلى الساعة الذهبية التي أهداه إياها بطل العثمانيين أنور باشا لما كان من جملة الوفد العلمي السوري الفلسطيني في دار الخلافة.

١٦٧

آياته ظهرت بالحزم فابتسمت

لها الثغور ، ابتسام القلب بالطرب

حسبي وحسبك ، إن «الروس» في فشل

والإنكليز ومن «والاه» في هرب

باءوا بذل كما شئنا ، وخزيهم

في «الدردنيل» دليل غير ذي كذب

إني رأيتهم ـ والحرب قائمة ـ

ما بين مضطرم منهم ومضطرب

أودى بهم بمواض غير مغمدة

جيش ابن عثمان جيش المجد والحسب

يا نعم جيشا ، يهز الدهر صارمه

والجيش إن صال هز الدهر بالقضب

هو الذي لم يدع في الحرب من أحد

من العداة ، بلا قتل ولا سلب

ذو عدة لست أحصيها ، وأي فتى

يحصي النجوم بأفق غير ذي سحب

يممت ساحاته في الدردنيل ، فما

ألفيت فيها كميّا غير ذي أهب

آساده لا تهاب الموت يوم وغى

بالمرهفات ، ولا تخشى من الوصب

قوية الجأش لم تعبأ بمرتفع

من البغاة ولم تحفل بمنتصب

فازت بآمالها في الدردنيل وفي

أرض العراق وفي قفقاس بالأرب

روحي فداء لتلك الأسد ما صحبت

في ساحة الحرب قلبا غير مكتئب

تطوى لها الأرض طيّا في الحروب وكم

تطوى لها الأرض من بيد ومن كثب

الله يعلم أني لست أكذبكم

في وصفها القول في شعري وفي خطبي

أنعم بجيش أعز الملك فانطلقت

بمدحه ألسن الأقلام والكتب

لله «أنوره» المقدام من شهدت

بحزمه الخلق من نجب ومن نجب

ذاك الذي صغت شعري في شمائله

والشعر في مثله ضرب من الضرب

ومدح أنور فرض لست أجحده

أيجحد الواجبات الشاعر العربي؟؟

هل مثل في ربوع الحزم من رجل

أصمى العداة بشهب الويل والحرب؟؟

كلا فأنور ثاني اثنين حزمهما

كالشمس رأد الضحى في الأفق لم تغب

١٦٨

بطل الوخ ن جمال باشا

أما «جمال» وحسبي أن أصوغ به

آيات شعري فذو مجد وذو حسب

ليث العرين نصير الملك «أحمده»

ومن كأحمد رب البيض واليلب

يسدي لنا الخير والخير الجميل إذا

أسداه أودى بليل البؤس والعطب

شهم بسالته في الشرق ناطقة

بأنه خير شهم غير ذي لغب

أعاد للعلم ـ دورا ـ بعدما سلبت

في القدس والناس في لهو وفي لعب

ومدّ من سوريا ـ خط الحجاز ـ إلى

قرب العريش بأيدي جيشه اللجب

وأنشأ السبل في بيروت محتسبا

وفي دمشق وفي يافا وفي حلب

وأرخص العيش للشرقي في زمن

فيه بنو الغرب في بؤس وفي سغب

«جمال» أنت أخو جيش لبانته

صد العداة ورد الشهب بالشهب

للنيل فيك على رغم العدى أمل

وللقنال رجاء فيك لم يخب

بالله «أحمد» أنجز ما وعدت به

من فتح مصر وأخذ النيل عن كثب

فالإنكليز أهان المسلمين وفي

تلك الديار سقاهم أكؤس النوب

وجدد العدل في عهد «الرشاد» بها

فالعدل مطلب المصري ومطلبي

ووطد الأنس فيها والسرور وخذ

بضبع قوم أضاعوا الملك بالنشب

والله يوليك «فتحا» تستعيد به

في «مصر» مجد الكرام الترك والعرب

١٦٩

هذا هو الخطاب الذي ألقاه جميل بك النيال مدير الكيلة الصلاحية

وأوقاف القدس

في الضيافة التي أقامتها بلدية تلك المدينة

للناظرين العظيمين في فندق فاست قالها بلسان البلدة

محترم باشا حضرتلري (١)

تشريفكزله ، قدس ، إلى الابد اونو تامايجغي بر فخر وشرفه نائل بيورمكزدن طولايى اهاليسنك تشكراتني بواقشام عرض وابلاغه برازاول بنده كزى توسيط ايتديلر. سزك كبى بيوك ونامدار سزك كبى بلند وممتاز بر صاحب عزم وهمتك شرفياب تلطيفي اولمق ، اعتماد بيوريكزكه قدسك إلى الأبد اونوتاما يه جغي بر شرف ، اهاليسنك إلى الابد نقش خاطرهء تبجيل ايله جكي بر سعادتدر. اوج ياشنده بر ياورودن آق صقاللي بربير سالخورده يه قدر كذر كاهكزه بوتون قدس اهاليسنك يوزنده بو سعادتك التماعاتي روشنادر. فقط

__________________

(١) قال جميل بك في هذه الخطبة بعد أن رحب بالقائدين العظيمين ، وذكر عواطف أهل القدس نحوهما : إن القائدين هما منقذا الدولة ومحيياها ، ولو لم يكونا على رأسها ما نجت هذه الدولة العظيمة القديمة حامية الإسلام الوحيدة ، ولسقطت في ورطة الاضمحلال ، وإن الجيش هو الذي ربته الدولة وافتخرت به منذ قامت بالأمر ، وإن جميع تاريخها غاص بحوادث هذا الجيش العثماني ومقدرته وحماسته وشرفه ، وإن علم شوكتها بفضل هذا الجيش قد خفق على الشرق والغرب من سفوح النيل إلى بلاد القريم ، ومن أذربيجان إلى فينا ، وكان خفوقه مقرونا مدة عصور بالشرف والمكانة بفضل بسالته وشهامته ، ولكن تأثير أعوام المصائب المشئومة قد حرم هذا الجيش الباسل من هذا الميراث الثمين الذي أتاه من أجداده الطاهرين ، فكانت له هذه الصفات والقوى ، لو لم يتداركه عزمكم الشديد وهمتكم العالية ، وتبثوا فيه حياة جديدة ، وختم خطابه بقوله : إن أهل القدس عامة من أجل هذا تضطرب أفئدتهم سرورا لمرآكم ، وتعقد الرجاء على نصركم وتوفيقكم ، وتنادي بلسان واحد : ليحي أنور باشا وجمال باشا ، ولتحي الدولة التي أنجياها ، ولتحي حليفتاها دولتا ألمانيا والنمسا والمجر الفخيمتين.

١٧٠

اونلر سزه بو سعادتك التماعاتني كوسترمك ايجون دكل ، محضا سزى كورمك ايجون كجه جككز يرلره قوشوشيورلر. اسمكزى ورسمكزى قلبلرينك اك درين يرنده صاقلايان بو خلق سنه لردن برى الك محترم برشى اوله رق صاقلا دقلرى بو كوزل اسم ورسم صاحبنك كوزل يوزينى كوره رك اونك نوريله كوكللرينى شنلديرمك ورونقلنديرمك ايستيورلر. بو امل ايله قوشوشدقلرى صره ده سزك قدر يكزه لايق تظاهر اتده بولنه ميورلر ايسه بونى اونلرك صيميتنه باغشلايا رق عفو بيوريكز.

باشا حضرتلري

وقوعات عالمك ميزان انتقادي تاريخ ايسه وقايع جاريه نك معيار تدقيقي ده انتقادات تاريخيه ايله بيرايه دار اولان اذهان منوره در. بر مؤسسهء عرفانك سركارنده بولنان ناجيز بر تعقيبكار حادثات امم صفتيله تاريخك سزه ويره جكي عنواني دوشونيور وبوكون ايلك دفعه اوله رق سزه ومواجههء اجلا لكزده بولنان بيوك جمال باشا حضرتلري ايله ايكي اوج رفيق ممتاز يكزه تاريخك ويره جكي عنوان ايله بو دولتك محيي ومنجيسي صفتيله خطاب ايتمك ايتسيورم. وبونكله ، بو خطاب ايله اك صميمي قناعت عرفانمي تجلى ايتدير يورم.

اوت محيي ومنجئ دولت ، جونكه سزاولماسه يديكز ، سزاك باشده اورته يه اتلمسه يديكز بو دولت قورتولامازدى بو بيوك بو عصر ديده دولت بو يكانه إسلام حكومتي ورطهء اضمحلاله دوشيوردي سزيثتشديكز عزم وهمتكزله ، دميردن الكزله اونى طوتديكز وانشا لله قورتارديكز.

١٧١

بو دولتك بوتون ماضيسنده شرفني طاشيديغي برشي واردي : اردوسي. بوتون تاريخي بواردوسنك حماست وقدرتنه عائد شانلى ، شرفلي داستانلرله طولوايدي. بوتون شرق وغرب علم شوكتني ، نيل اتكلرندن قريم ايللرينه ، اذربايجاندن ويانه اوكلرينه قدر امتدا ايدن رساحهء فسيحه ده عصر لرجه شان وشرفله تموج ابتديرمش اولان بواردونك تقدير خوان بسالت وشهامتي ايدي.

فقط فلاكتلى سنه لرك مشئوم تأثيرلرى بو قهرمان اردويى اجداد باكنك اك قميتلي بر ميراث شرفي اولان وقدرت ومزيتدن ده محروم ايديوردي. ينه سز يتشديكز دميردن عزم وهمتكزله بورا دويه يكيدن جان ويرديكز.

منافعنك استلزام ايتديكى قوانيني وضع وتشريع ايليه مين ، عدالتي توزيع ، احكام ومقرراتني اجرا وتنفيذ ايده مين خلاصه حق موجوديتنك تضمن ايلديكى بر صلاحيتله حدود ملكيه سي داخلنده فرمان فرماي اولامايان بر دولتك دولتلكنده تقصان واردر. بزبر بجق سنه اولنه قدر قدرت وشوكت دولتك اك قاهر بولنديغي زمانلرده ويريلن بر طاقم امتيازات مشئومه ايله بو حالده ايدك درت يوزسنه دن برى دوام ايدن بوا امتيازاتي روحكزده بو يوك بر قوت وقدرته دلالث ايدن عزم وهمتكزله قوبارد يكز وآتديكز. دولتك استقلال سياسي وتشريعيسني استقلال اداري مالي وعدليسني استكمال بيورديكز.

ساحهء سياستده اكتساب ايديلن بو ظفري ، جهان حربنك اك بارلاق مظفر يتلريله ده تتويج بيورديكز عثمانليلره لايق ولد قلرى ، فقط جوقدن برى طاديني طاتمادقلري بو مسرتلي كونلري طاتديرديكز وبونكله هر قلبه شرفله ياشامق ايجون جاريان بريورك بخش ايتديكز. يوره كنده بو مسعود هيجاني

١٧٢

طويان ، بو لذت حياتي الآن هر عثمانلي بوني محترم كنج حكومتنه واونك اك بارز وسويملى بررعضوى اولان ذات فخيمانه لرينه مديون اولديغني بيلير ، سزلرك نامكزى قلبنك اك درين يرنده اك محترم برشى اوله رق صاقلار واونلرله او كونور.

ايشته بونك ايجوندر كه بوتون قدس اهالسنك سزك ايجون تيتره ين سزك نصرت وموفقيتكز ايجون تمنيلرده بولنان قلبي ايله يكزبان اوله رق با غير يورم : ياشاسون أنور وجمال باشا حضراتي. ياشاسون قورتاردقلري دولت ، ياشاسون بو دولتك صميمي متفقلري ألمان واوستريا ومجارستان دول فخيمه سي.

خطاب حكمت أفندي

من صغار خ لبة كلية صلاح الدين في القدس

أمام كل من أنور باشا وجمال باشا

اي بو معظم كليه نك محترم مؤسنس وحاميسي :

اي قهرمان اردومزك شانلى قوماندانلرى :

اي دولت ابد مد تمزك ركن قويم مفخرتي :

حرمت سزه ، نصرت سزه ، موفقيت سزه

سزا ولماسه يديكز بو مدرسه الينماز ، بو كليه اجيلماز ، اسلامك اسقتبالنه رفعت وانتباه وعد ايدن بو تجدد وجوده كلمزدى هزاران شكر ومنت سزه.

دها بو كونه قدر صلاحيه اسمنى طاشيان فقط دونه قدر ايمان يرينه بغي وعصيان طويوران بو مدرسه نام بر احترامني طاشيديغي مجاهدنا مدارك

١٧٣

روحني تعذيب ايدييودي بويوك بر دار العلوم اوله رق تأسيس ايلديكي بو مدرسه نك التي يوز بو قدر سنه مقر هدايت عرفان اولد قد نصكره مركز مبشرين ضلال وطغيان اولان بر مؤسسه يه انقلاب ايتمش اولمسي اوني مزارنده راحت ياتيرميوردي سز بو خطه يه سعادت كتيرن قدومكز له شرفبخش اولد يغكز اونك معلا تربه سني زيارت ايلديككز زمان اونك روحي سزى كنديسنه ياقين بولمش ، بو راز اضطرابي سزه اجمش ايدي وسزاي بيوك وشانلي قوماندان ، جامع امويده اونك تربه سي جوارنده ايراد بيورديغكز ايلك مهم خطبه كزده اونك نامني حرمتلر له اكاركن خاطر لمق صانكه اوكا بو خصوصده تأمينات ويرمش ايديكز. بو رايه كلنجه بو مدرسه يى كشاد ايتديكز اونك روحيله برابر بوتون عالم إسلامي دلشاد ايتديكز.

او ، مصردن كلوب بو دياري تخليص ايتمش ايدي. سز بورادن كيدوب او ديار مغدوري استخلاص ايليه جكسكز. جناب الله اوكا بخش ايلديكي نصرت وموفقيتي سزه ده ياور ايله سين اوراده اسلامك اك شهر تشعار بر دار العلوم مظلومي اولان ازهر وار. ازهره كليه كزك تحفهء تعظيماتني كوتوريركن دييكز وتأمين ايدكز كه حيات معرفتده يكي طوغان بو برادرلري سماي ترقيده بو عصرك خاطفة السيريله طي مراحل ايتمك وكنديلرينه يتشمك عزمنده در.

بز صلاحيه ليلر ايجون بيوك صلاح الدين ايوبينك نامي بيوك جمال باشا نك ناميله قارشمشدر هر ايكيسي بو مدرسه نك تاج ابتهاجي هر ايكسي قلوب عامهء اسلامك سراج وهاجيدرلر. بريني رحمت ديكريني خير وحرمتله هر كون ياد ايتمك مدرسه مزك دأب اصليسيدر. صلاحيه بويوك ناملرله ياشاياجق اونلرك نجاة وترقى وعدايدن جناح صيانت وشهرتي التنده اعتلا

١٧٤

ايدرك اونلريده ياشاتمغه جاليشه جقدر بز بو غايه ايله حياته كيردك ، سزك بيوك نامكزه لايق بر صلاحيه لي اولمق مفكوره مز غايهء املمزدر جناب الله املمزى خائب قيلمسون.

بويوككي دنيانك هر طرفنده طاننمش بويوك وبر نور نامي يابديغي ايشلر ايله برابر شرق وغربك هر كوشه سنده تقديرلر وحمتلرله يادايدلمكده بولنمش اولان معظم باش قومندان وكيلمزك بو كون كليه مزه شرفيخش اولملري مفكوره مزه نائل اوله جغمزه بر فال خير در. في الحقيقه دها برنجي سنه سنده قدوملريله بكام اولمق ايجون إلى الابد تأثيري حسن اولنه جق بر شرف بر عامل ترقيدر.

نام بر احترامني هر فرد ملت كبي يوركنك اك معزز يرنده ذاتا صلاقلايان صلاحيه ليلر بوند نصكره كنديلريني بويوك نامك دها يقيندن مربوطي بيله جكلر در بونك ايجون صلاحيه ليلر ، هب براغزدن بغير الم : ياشاسون أنور وجمال باشالر حضراتي.

تعريب خطاب حكمت أفندي الموما إليه

أمام أنور باشا وجمال باشا

يا حامي هذه الكلية ، ومؤسسها المحترم :

أيها القائدان العظيمان لجيشنا الباسل :

يا مفخر الأركان القويمة للدولة الأبدية القرار :

١٧٥

احترامنا لكم ، والنصر معقود بلوائكم ، والتوفيق متوقع على أيديكم ، لو لا صنيعكم أنتم ما أخذت هذه المدرسة ، ولا فتحت هذه الكلية ، وما ظهر إلى عالم الوجود هذا التجديد المنتظر للإسلام من مستقبل رفيع يحوي في مطاويه اليقظة والنهوض. فألف شكر ومنة لكم.

كانت ذكرى هذه المدرسة التي تدعى إلى اليوم باسم الصلاحية تعذب روح صاحبها المجاهد الشهيد ؛ لأنها كانت إلى أمس تلقن البغي والعصيان بدل اليقين والإيمان ، أسست هذه المدرسة دار علوم كبرى منذ زهاء ستمائة سنة ، وبعد أن كانت دار إرشاد وعلم تحولت إلى مركز مبشرين بالضلالة والعماية ، فكان صلاح الدين يضطرب في قبره للذي وقع لمدرسته.

أنتم لما قدمتم هذه البلاد وجلبتم السعادة معكم ، وزرتم مرقده الشريف رأى روحه قريبة من روحكم ، فعرض لديكم جملة حاله ، وشكت مدرسته مما نالها من الاضطراب ، وأنتم أيها القائد المبجل ، لما ألقيتم خطبتكم الأولى المهمة في الجامع الأموي قرب قبر صلاح الدين ذكرتم اسمه بأنواع الاحترام ، كأنكم تعهدتم له تعهدات في هذا الشأن حتى إذا شخصتم إلى هنا أنشاتم هذه المدرسة ، فأدخلتم بصنيعكم السرور على روحه ، كما أدخلتموه على العالم الإسلامي أجمع.

جاء صلاح الدين من مصر ، فأنقذ هذه الديار ، وأنتم ستذهبون من هنا لتخليص ذاك القطر التعس. فنسأل الحق تعالى الذي منحه النصر والتوفيق أن يجعلهما رفيقيكما.

١٧٦

متى انتهيتم إلى أشهر دور علوم الإسلام ؛ وأعني به : الأزهر المظلوم ، احملوا إليه تعظيماتنا ، وقولوا له قولا لا شائبة فيه : إن إخوانكم الأحداث الذين ولدوا في الحياة العلمية يقطعون اليوم المراحل في سماء الترقي بالسير السريع على ما يقتضيه حال هذا العصر ، وهم عقدوا العزم أن يلحقوا بكم ويتتبعوا خطاكم.

جمع طلبة الصلاحية بين اسم صلاح الدين الأيوبي العظيم ، وبين اسم جمال باشا العظيم ، فكلاهما تاج ابتهاج لهذه المدرسة ، وكلاهما سراج وهاج في قلوب أهل الإسلام كافة ، ولقد آلت مدرستنا على نفسها أن تذكر الأول كل يوم بالرحمة والترضي ، والثاني بالخير والاحترام ، ستعيش الصلاحية بفضل هذه الأسماء الكبرى كما ستخلد لهذه الأسماء شهرة حسن الأثر ، نحن قد دخلنا في مضمار الحياة ، وهذه غايتنا ومنتهى رجائنا أن يتخرج طلبة يلقبون باسمكم العالي ، فإلى الله نتوسل ألا يخيب أملنا.

استبشرت كليتنا بأن أولاها الشرف اليوم بزيارته هذا العظيم وكيل القائد الأعظم الذي عرفت الأرض عظم نفسه ، واشتهر اسمه اللامع بما قام به من الأعمال المجيدة في أكثر أرجاء الشرق والغرب ، وكلما ذكر يذكر بالإعجاب والاحترام. لا جرم أن قدومه ـ والكلية في سنتها الأولى ـ يوفر لها السعد والسعادة ، وسيكون تأثير زيارته إلى الأبد عاملا من عوامل الارتقاء والشرف.

إن طلبة الصلاحية سيجعلون اسمه المحترم في أعز مكان من قلوبهم ، كما جعل ذلك كل فرد ، بل أمته برمتها ، ويعرفون أنفسهم بعد الآن أن لهم ارتباطا بهذا الاسم العظيم عن أمم ، ولذلك فلنهتف كلنا معاشر الصلاحيين من فم واحد :

ليحي حضرة أنور باشا وحضرة جمال باشا.

١٧٧

قصيدة الشيخ علي ريماوي القدسي

أرسلها بعد العودة لروح الأمة أنور باشا المعظم

أبا النور والدستور يا أنور العلى

عليك سلام الله والبركات

سلاما وتعظيما وألف تحية

من الشعب تهديها لك الأسرات

عن القدس عن سورية وبلادها

ومن ضمت الأمصار والفلوات

إلى باعث الدستور بعد مماته

وقد كان لا ترجى إليه حياة

سلاما وتعظيما لأعظم قائد

تزاهى به الإسلام والغزوات

عليه من التقوى صلاحا علائم

ومن رونق الدين الحنيف سمات

تباهت بيمناه السيوف وأشرقت

بيسراه في محرابه السجات

أبا النور يا نور الفضائل والذي

تجلت عن الدنيا به الظلمات

أتعلم أن الشعب يهواك كله

وتفديك من أبنائه المهجات؟

وصلت إلى القدس الشريف وفي الحشا

لبعدك أنفاس بها زفرات

وفي المسجد الأقصى خطبت فهللت

مصلون وانهالت لك الدعوات

وبشرت بالنصر المبين فصفقت

أكف وسالت عندها العبرات

سرورا وأفراحا فدم خير قائد

تزان بك الإسلام والصلوات

١٧٨

١٧٩

١٨٠