الرّحلة الآنوريّة إلى الأصقاع الحجازيّة والشاميّة

محمّد كرد علي

الرّحلة الآنوريّة إلى الأصقاع الحجازيّة والشاميّة

المؤلف:

محمّد كرد علي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مكتبة الثقافة الدينية
الطبعة: ١
ISBN: 977-341-344-6
الصفحات: ٢١٥

أحيا الصحراء والسهول والوديان والجبال التي لم تعرف طعما لهذه الحياة السعيدة ؛ بما أوجده فيها من الخطوط الحديدية وتسهيل المواصلات ، خفف عن الجيش عبء ثقيلا بما أبداه من المعجزة في إنجاز الخطوط الحديدية ، وتسيير القطارات في طريق مصر التي تنتظر قدومه السعيد.

هذا هو الجمال الذي عاد اليوم إلينا ، وأشرق نور جماله في ربوعنا ، فأهلا بك يا بطل الإسلام ، ومرحبا بقدومك يا رب الشجاعة والإقدام ، نصرك الله وهيأ لك فتح مصر التي تناديك : أغثني يا جمال الدين وخلصني من الظلم والاعتساف. وادخلها بسلام حيث ترى الأمة الإسلامية رافعة فوق رأسها لاستقبالك علما نقشت عليه الآية الكريمة : (سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوها خالِدِينَ) منير المدور.

وقالت جريدة أبابيل :

أنور باشا

وكيل القائد الأعظم وناظر الحربية الجليلة

من هو أنور باشا؟

إن أنور باشا هو ذلك الرجل الذي تغذى من لبان الديانة الإسلامية ، ونشأ في حجر التقى والصلاح ، فتجسمت في جثمانه روح الحمية المحمدية ، وسرى في عروقه دم الشهامة الهاشمية ، فأصبح معدن المروءة العثمانية ، وينبوع الغيرة الوطنية.

رأى ـ حفظه الله وأبقاه ـ مع إخوانه أبطال الدستور وحماة الحرية والوطن أن الحكومة الاستبدادية لا تنطبق مع روح الشريعة الإسلامية السمحاء ومحجة

١٤١

الشورى البيضاء ، فنهضوا جميعا نهضة الأسود من عرينها ، فسلوا سيوفهم ، ومزقوا حجب الاستبداد التي كانت متلبدة في سماء العثمانية ، وقوضوا عروش الاستبداد ، ودكوا صروح الجور ، وزلزلوا طود الاعتساف ، فخلصوا الأمة الإسلامية والرعية العثمانية من براثن الظلم ومخالب العبودية ، وشادوا معاقل العدل وحصون السلام ، وأذاقوها لذة العدل وطعم المساواة.

إن أنور باشا هو ذلك البطل المقدام الذي كان ـ ولم يزل ـ يواصل ليله بنهاره في سبيل نصرة الدين وإحياء معالم الشريعة السمحاء وشعائر الديانة الإسلامية الغراء وحفظ بيضة الخلافة المحمدية والممالك العثمانية.

مرّ على هذا البطل العظيم ردح من الزمن ، وهو صارف قصارى جهده لإعلاء كلمة الله حتى جعلها هي العليا ، وكلمة أعدائها السفلى ، وناهيك بالحرب الطرابلسية التي فارق بسببها راحته ، والحرب البلقانية التي كابد فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ، والحرب الضروس الحاضرة ، وما أظهره فيها مع إخوانه أبطال الدستور وحماة الدين والوطن من خوارق العادات ؛ حيث عادت فيها رءوس الدول المعادية ، ولا سيما إنكلترا وفرنسا بخفي حنين ، وآبت فيها تجارتهم بصفقة المغبون ، فرلزوا أقدامهم وفوضوا صاصيهم وقلاعهم ودوارعهم وطياراتهم وأفنوا رجالهم ، وأسكتوا مدافعهم ، وفلوا جموعهم ، وأعادوا بقية سيوفهم إلى حيث ... واغتنموا عددهم ، ورفعوا مجد الأمة الإسلامية في الأقطاب الأربعة بدفاعهم المجيد عن باب الخلافة المحمدية ؛ بما أظهروه من الخوارق التي سطرها لهم التاريخ ، بأحرف من نور على جبهة الدهور.

١٤٢

هذه نبذة من أعمال وكيل قائدنا العظيم العام ، نسطرها اليوم لنزين بها صفحات جريدتنا أبابيل ؛ تخليدا لذكره وإقرارا بفضله.

يحق للبلاد السورية أن تباهي مدن العالم بزيارة هذا البطل العظيم لربوعها.

تموجي أيتها الأعلام العثمانية فرحا وسرورا ، واخفقي أيتها الألوية طربا وحبورا ، وصفقي أيتها القلوب مكان الأيدي بهجة واستبشارا بقدوم سيف الإسلام القاطع ، صاحب الدولة أنور باشا وزير حربيتنا الجليلة.

وقالت أبابيل أيضا :

من هو أحمد جمال باشا

«أعاظم الرجال تعرف عند الشدائد»

عند حدوث الانقلاب الدستوري حركت المقاصد النفعية بعض أرباب الشرور ، فأثاروا اختلالا في أطنة فرّقوا به بين العناصر العثمانية ، وسببوا به إراقة الدماء ، فيتمت الأطفال وترملت النساء ، وبدأت بعض الدول حينئذ تتحفز للوثوب على الحكومة العثمانية ، أعدت هذا الأمر شركا تصيد به ما تقصده ، وتستحوذ على ما تتمناه ، وحارت الأستانة عند ذلك الأمر ، وضاق بأهل العقد والحل نطاق التدبير من أجل إطفاء تلك الفتنة ، فلم يروا بدّا من انتخاب رجل ذي تدبير ومضاء عزيمة ، ذي فطنة نقادة وعقل راجح غيور على مصالح الدولة ، فانتخبوا ذلك الرجل العسكري «أحمد جمال باشا» واليا لأطنة ، فأخمد نار الفتنة ، واستأصل جذور الثورة ، وآخى بين العناصر ، وأرجع الأمن إلى نصابه ، فعلم العثمانيون حينئذ أن لهم رجلا قديرا على مهام الأمور ، نابغة في سرعة الوصول إلى المقاصد الجليلة ، وهو «أحمد جمال بك» ذلك اليوم.

١٤٣

قبل أن يتولى «أحمد جمال بك» ولاية بغداد كان الأمن فيها مضطربا ، والتآخي مفقودا ، فبوصوله أوجد أمنا وتآخيا عرفه له الخاص والعام.

تآمر بعض الأشرار على انقلاب الحكومة ، وبدءوا بإجراء ما يضمرون ، فأدموا قلب الأمة ، وقتلوا المرحوم محمود شوكت باشا الصدر الأعظم ، حارت الحكومة ولم تدر كيف تقبض على المتهمين والجانين ، فنهض «أحمد جمال بك» ذلك اليوم «اليوم الذي ترتعد له الفرائص» ، ونظم ثلة من الشرطة ، وبحث بنفسه عن الجناة ، وطاردهم ، وقبض عليهم ، وزجهم بالسجن ، وأفهم الناس أن العزم والحزم لا يبرحان جنبيه ، وأن التدبير والتوفيق يرافقانه ، وبما اعتاده من الجد حينئذ وفّق لإعلاء شأن الحكومة في أعين الشعب وأوربا معا ، فقد قالت جرائد أوربا عنه ذلك اليوم : إن أحمد جمال بك هو حياة للعثمانية ؛ لأنه خلصها من الفوضى ، بل من الموت المحقق. زد على ذلك ، خدمته في الحرب البلقانية ، فقد كان أول من دعا لفكرة استرداد أدرنة بالقلم والسيف معا ، وأول من اهتم بهذا الأمر.

ومن مناقبه العديدة التي لا تحصى ؛ إصلاح نظارة النافعة بعدما عرف من عدم ترتيبها وتنسيقها ، وإصلاح البحرية وتنسيقها ، كل ذلك بهمة أحمد جمال باشا ناظر البحرية وقائد الجيش الرابع العام ، فقائد مجيد ذو خلق حميد ورأي سديد وعلم ومعارف وتجارب أثبتت للملأ أنه سيقود جيشنا المظفر ليرويه من ماء النيل ، وليكتب على رايات ذلك الجيش : ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين. وعلى قلوب الشعب النصر حليفنا إن شاء الله ، إن قائدنا اليوم صاحب الدولة «أحمد جمال باشا» الموفق والمظفر بعون الله وعنايته سيخلد له التاريخ أعماله المجيدة بأحرف من نور ، ولا بدع فإن أعاظم الرجال تعرف عند الشدائد ، نسأله

١٤٤

تعالى أن يوفق رجال دولتنا العلية لإعلاء شأن الملة بظل خليفتنا المعظم أمير المؤمنين وحامي حمى الملة والدين ، اللهم آمين.

هذا ، وللقارئ الكريم بعض أعماله في سورية :

ما كادت تطأ قدما هذا الرجل العظيم مدينة دمشق إلا وقبض على زمام الأمور ، وأحاط علما بكلياتها وجزئياتها ، فاستفز الهمم ، وحرك العواطف ، فأحيا الشعور الإسلامي الكامن في نفوس الجيش ، إلى غير ذلك مما يطول شرحه.

أما ما أتاه من الخوارق في إنشاء الطرق العديدة والشوارع الكثيرة ، فحدّث عنه ولا حرج ، وناهيك بفرع سكة حديد مصر التي لم يمض عليها زمن يسير إلا ووصلت إلى بئر السبع ، وعما قريب ستصل إلى الحفير ، ذلك الفرع الذي سيكون له في عالم السياسة والتجارة شأن عظيم ، نسأله تعالى أن يوفق رجال دولتنا العلية لما فيه عمران البلاد وراحة العباد ، إنه كريم جواد.

وقالت جريدة سورية الرسمية :

(محتشم بر استقبال واونوديلماز بركون)

شام بيكلرجه سنه لك موجوديت ذي شان وشرفنه مستثنا بر شرفلى بر كون قيد ايتمشدر كه اوده ٨ شباط سنه ١٣٣١ تاريخنه مصادف اولان بازار ايرتسى كونيدر. تاريخك سطور زرين ايله صحيفه مفخرتنه قيد ايده جكى بو روز مبجل ، بو وطنك اك بيوك بر اولادى ، عثمانليلق واسلاميتك سرمايهء محض مباهاتى اولان أنور باشا حضرتلرينك شام شريفي شرف يمن قدوملريله بر توبار ايلدكلرى يوم مباركدر.

١٤٥

بزه ميمنتلى بر كون توليد ايده جك اولان شامك افق أنورى سعادت كونشلريله يالديزلنير كن خلق سرور واشتياق حسلريله جير بينان قلبلرينك صميمي الهاملرينه مطاوعتله استقبال حاضر لقلريله قوشوشيوري.

تاريخ عمثانينك شانلى شرفلي صحيفه لريني تتويج ايدن نام عاليسي صوقوللولره ، سنانلره يوليونلره رشك آور اوله جق درجه ده خارقه لرله يوكسلن سوكيلي ومحترم باش قوماندان وكيلمزك شامي تشريف ايده جكي بو يوم مسعدت توأمده شهرك مبانئ رسميه وخصوصيه سي سرابا عثمانليلرك شان وشوكتنه براعت استهلال اولان رايات ظفر آيات ايله لمعه باش اوليورهر جهره ده نور شوق وشادى باره لا يوردي بو كون شام بشقه بر كسوهء سعد وبختياري يه بر ونمشدى.

قلبلري عثمانليلق حسيله جار بان بتون افراد ملت فوج فوج بو قوماندان عاليشانك وانك بيك غير منفكي اولان دردنجي اردوي همايون قومانداني جمال باشا حضرتلرينك نوراني جهره لريني تماشا ايتمك واحتساسات صميميه لريني اظهار ايلمك اوزره تعيين اولنان كذر كاهده اخذ موقع ايتمكه شتابان اوليورلردى ...

وهذا تعريب ما قالته جريدة سورية الرسمية :

«استقبال خطير محتشم ويوم مسرة لا ينسى»

تباهت دمشق ، وضمت على شأنها يوما مشهودا ما حصل مثله منذ ألوف من السنين ، وهذا اليوم هو يوم الاثنين ، المصادف ٨ شباط سنة (١٣٣١ ه‍).

١٤٦

هذا اليوم هو عيد مبجل يضم على تاريخها ؛ وأعني اليوم المبارك الذي شرف به حضرة أنور باشا أكبر أولاد الوطن وأجلهم ، وزار دمشق ، فأحيا ربوعها ، وأظهر شأنها الإسلامي والعثماني ، فكان قدومه ووطء أقدامه في دمشق فخرا لها وإسعادا.

إن أفق الحاضرة الذي يمنحنا يوما ميمونا قد كانت فيه قلوب العامة والخاصة مملوءة بالمسرات منذ لمعت شمسه ، والأهلون استقبلته استقبالا مهمّا ، فكانت تسعى في إعداد الوسائل التي تليق به إجابة لنداء الإلهام القلبي.

إن يوما كان له شأن وشرف عظيم توجت به صحف التاريخ العثماني ، ورفعته إلى مقام يميز عن تاريخ صوقوللي باشا وسنان باشا ونابوليون هو يوم شرف به وكيل الحضرة السلطانية المحبوب منا والمحترم عندنا ، وزار فيه مباني بلدة دمشق الرسمية والخصوصية ورايات الظفر تلمع براعة استهلال لشأن العثمانيين وشوكتهم.

كل طلعة كانت مشرقة بالسرور لامعة بالأشواق والأفراح ، اليوم لبست دمشق لباس سعد وهناء ، وجاء أفراد الأمة وقلبهم يخفق بالعثمانية ، وشاهدوا نور طلعة القائد العالي الشأن ، ونور طلعة حضرة جمال باشا قائد الجيش الرابع ، وساعده الأقوى ، ولأجل إظهار شعورهما الصحيح قد جلسا في صدر الموقع في ذلك النادي الفسيح ...

١٤٧

قصيدتان تركيتان لخيري بك وقعه نويس من مجاهدي المولوية

إحداهما لأنور باشا والثانية لجمال باشا

باش قوماندان وكيل جليلي وحربيه ناظر مبجلي

دولتلو «أنور باشا» حضرتلرينه

أي شمس ازل أنور ايوان خلافت

شير شجعان برور ميدان خلافت (١)

سردار جلادت ور حريت إسلام

تابان كهر افسر سلطان خلافت

مشعل كش وادئ كمالات وحميت

سالار ظفر مظهر يزدان خلافت

حامئ بلند شرف ومجد حكومت

ركن أزلى جوهر ديوان خلافت

شانلى وطنك شانلي بر اولاد كزيني

بي شائبه بر زيور بنيان خلافت

شمشير كبي خامه ك ايدر عالمه تأثير

خامه ك بيله شمشير فرافشان خلافت

اسمك كبى فكرك وير ييور شعشعه ملكه

فكرك نه بديع خاور تابان خلافت

حريت ملت ايجون آه طاغلره جيقدك

أي خارقهء از هر وجدان خلافت

هر رتبه يى عزمك ايله فانك ايله آلدك

آثارك ايله مفخر اركان خلافت

هرآن كورينان نجدتك شاكري امت

شايان سكااك أكبر شكران خلافت

سعيكده ، ثباتكده كمالكده فريدسك

وجدانك ايله دلبر جانان خلافت

اك صعب امور رام كمال وهنر كدر

فضلك ايله بر سرور عدنان خلافت

هرعرصهء جنكى طولاشير سك اسد آسا

تشجيع اولنور لشكر شادان خلافت

__________________

(١) ذكر الشاعر التركي في هذه القصيدة ، وهو خير الدين بك وقعه نويس ((أي كاتب الوقائع أو مؤرخ)) ومن مجاهدي المولوية طرفا من صفات أنور باشا العالية ، وقال بلسان بليغ يخاطبه : إن العدو لم يكن يعرف أن على رأس عساكر المسلمين قائدا عظيما مثلك ، وإنه ما كان يأمل أن يكون سيف الخلافة المسلول على هذه الصورة من الصقال والمضاء.

١٤٨

طبعكدن آلير قوت فياضي عساكر

طبعك نه بهين مصدر عرفان خلافت

غالب كليور هر طرفه جند شهنشاه

هو بر نفرك آثر در عمان خلافت

بيلمزدى عدو قدرت ايمان جيوشي

بيلمزدى كه دين مغفر بنهان خلافت

بيلمزدى كه وارسن كبى سالارى باشنده

بيلمزدى نه در خنجر عريان خلافت

قهر اولدى جناق قلعه ده دساس ورياكار

بي دين ومهين لشكر دشمان خلافت

كوردي نه در ايمان رها كار موحد

كوردي نه ايمش ششبر جنبان خلافت

مقهور اوله جق بسبتون اعداى سيهرو

بزده قاله جق مصر درخشان خلافت

طغراى شهنشاه ايله مسعود اوله جقدر

قافقاسيه كه بر همسر توران خلافت

جهد كله تمايز ايدييور عالم اسلام

نورلر صاجيور منبر ديان خلافت

نامك ابدى صدر وطنده متلامع

سنسك بزه بالاتر احسان خلافت

كورمشمىعجب سنكبى براريوجه بايه ك

كيم جد ايله صيقل كربيشان خلافت

يكتاسك افندم يم بهناى حميت

فكر واملك كوثر عمران خلافت

سنسك او وطن برور جاويد شرافت

سنسك او بيوك داور خاقان خلافت

كيم برق اورييور طبعك ايله نجم وهلالي

تختك كه يوجه ياور جيران خلافت

نمسه ، آلمانه ايدرز متفقا حرب

شان آلمه ده در معشر ياران خلافت

سنسك بو مهم بر لكه جوال مؤثر

فكر كله شرفبار سليمان خلافت

ير كنجسك ايدر فكريكي تبجيل أعاظم

بر كنج فقط بير نكهبان خلافت

قاموس بلاغتده بو لنماز سكا عنوان

وصفكده فحول كمتر تبيان خلافت

اسمكله منير اولمسه بو شعر بليغم

اولماز ايدي زيب آور ديوان خلافت

ممدوح جهانسك دخى ممدوح سلاطين

مداحك اولور مهر سخندان خلافت

كافى قلم معجزه برداز بلاغت

توصيف اولنماز كهر كان خلافت

١٤٩

خوش كلدك ايا ناظر حربيهء خنكار

محسود امم صفدر بر شان خلافت

باكيزه قدومكله دمشق اولدي شرف ياب

وار اول ، ياشا أي محور دوران خلافت

ناييله ، قدوميله حضوركده كسر باش

خيل ازلى دلبر سلطان خلافت

غازى شهمز ، أنور مز دائما اولسون

بر نير وبر بدر سما آن خلافت

برق اورسون اقاليم جهانده متمادى

أضواء ظفر كستر عنوان خلافت

أي شانلى قوماندان غضنفر سير وطور

حيدر شيم وبيكر درمان خلافت

خورشيد جمالك ايدييور ملتى بر نور

صدر كهر كدر سبرشان خلافت

بر كلدى شو تاريخ كهرسن كبى يكتا :

«مجدك ايله قالنيرايوان خلافت» ١٣٣٤

شمشير كه مغلوب اوله اعداى سيه قلب

اولد قجه حكمران فر قرآن خلافت

مجاهدين مولويه وقعه نويسي

خير الدين

بحريه ناظر موقري ودردنجي اردوي همايون قوماندان غضنفر

بيكرى دولتلو «جمال» باشا حضرتلرينه :

حاكم ابحار ايدى شوكت نما بحريه مز

عهد«قانونى»ده ملكه شانفزا بحريه مز (١)

حفظايدوبطورمشايدييللرجهمجد وبطشنى

سير اريدردى بى محابا جابجا بحريه مز

__________________

(١) يقول الشاعر ، وهو خير الدين بك من مجاهدي المولوية : إن أسطولنا العظيم الذي بهر قديما أعظم الدول بآثار أنوار الإسلام في الشرق والغرب أيام كان يقوده أمثال بربروس وطورغود قد استعاد في عهد ناظره حضرة جمال باشا قوته السابقة برمتها ، وهو اليوم بمثل تلك القدرة والشوكة يحارب الحرب الضروس في البحر الأسود وجناق قلعة ، فأسطولنا قد استوفى بك حظه من الكمال ، وما دمت أيها القائد العظيم قد عزمت على أن تسترجع مصر فسيرى أسطولنا متجولا في أكناف القنال وأعطافه أيضا.

١٥٠

 بارباروس طروغود كبى شانلى قوماندانلر

اك قوى دولتلر دهشت رسا بحريه مز

نور فياض هلالي شرق وغربه نشرايدر

ايتديرردى صيت تختى اعتلا بحريه مز

دورهء سلطان(عزيز)ده بك تكمل ايلمش

غبطه بخش افق مجد أوروبا بحريه مز

قدرت عثمانيان انديشه افزاي ملوك

دهره سطوت بار ايدي آهن لقا بحريه مز

ناكهان تخت مراده كلدى شاه نا مراده

باشلادى ادباره نجم بر ضيا بحريه مز

حبس اولندى نيم عصر محروم انوار كمال

دوشدى قوتدن او غايت معتنا بحريه

اويله كيم اسمى بيله نسياناولنمشدى اسف

قالدى بيكس ، بر يتيم بى غدا بحريه مز

ينجه بيداد استبداد ايله اغلارطورر

سلطنت بيرا او شكل دى بها بحريه مز

ملتك فريادينى كوش ايلمزدى بادشاه

وهمه قربان اولدى قالدى جانربا بحريه مز

غيرة الله طوقوندى عاقبت احوال شاه

((اتحاد)) فيضيله بولمشدر رها بحريه

خلع اولندى خسرو بى قيد اقبال وطن

اولدى انوار كماله ملتجا بحريه مز

فيض حريتله مشبوع جسم وجانى دمبدم

يوكسه لير نورله صاجار مهر انجلا بحريه

قدرتي جان بخش ملتدر بوكون بى

فخر ايدر بر جسم ايله فوز انتما بحريه مز

ناظر يدر بروجود شير طبع وبر وقار

كيم جماليله سراسر روشنا بحريه مز

فكر جالا كيله ذهن بار عيله آن بان

بولمه ده بر قدرت بى انحنا بحريه مز

نام وشانى زيور نوار ملك وسلطنت

ناظر سطوت رسانله مرتقا بحريه مز

رأسكاره كلديكى كوندنبرى اولباك زاد

شوق صهباى شرفله بر صفا بحريه مز

جيزديكي بروغرام ايله ماضيده كي اقبالنه

مظهر اولمقده خدا شكران سكا بحريه مز

حربحاضرده قوى موسقوفلرى بر باد ايدر

نام قانوني يى محيي آثاردها بحريه مز

بحر اسودده جناق قلعه محيطنده بوكون

ايلر اظهار جلادت جان فدا بحريه مز

بار لاتير نجم وهلالي مثل خورشيد فلك

افسر اورنك خاقان سرورا بحريه مز

١٥١

سنسكاك فعال عضوىمغزروح شبهه سز

سنله بولمش بو كمالى مطلقا بحريه مز

سنسك اى محبوب ملت جاره ساز هرامل

ايشته برهان جلائل احتوا بحريه مز

عزم نجدت بروركله غالب وشوكت

بروقتلر قهرا يجنده بسته با بحريه مز

نعمت يكتاسك اى صفدر بو ملك وملته

عز طبعكله تحياته سزا بحريه مز

ايلمز شعر وبلاغت وصف ذات ياككى

ترز بان فطرتك فرمانروا بحريه مز

مصدر اجلال ملتسك ، سبهر اتحاد

انجم وخورشيد وماهك ذى قوا بحريه

روح اجداد وسلاطين شاكري افعالكك

نقشبند جودتك قدر آشنا بحريه مز

خسرو غازى امام المسلمين سنله بكام

حامد ذى منتك صبح ومسا بحريه مز

مصرى استرداده عازمسك قوماندان فخيم

سير ايدر بر كون قنالده دلربا بحريه مز

بحر وبرده يكه تاز بى مدانيسك بيوك

نامكى اعلا ايدر هيبتنما بحريه مز

بر جمال أنوره مالك بوكون شاه وطن

كيم ويرر اجلالنه روح بقا بحريه مز

بيك ياشا سلطانمزله ، ناظر علوى

هم زباندر بو ترانه مله باشا بحريه مز

ملتك اميدى واثقدر دييور صبح ومسا :

مصرى غرق نور ايدر مهر هدا بحريه مز

سايه كزده مستقر اولسون الهى دين بناه

حارس تخت ووطن سطوت فزا بحريه

قلب خيري دن سما بيما شو تاريخ كهر

 غالب اول دائم جمال كله ياشا بحريه مز

١٣٣٤ مجاهدين مولويه وقعه نويسي

خير الدين

١٥٢

قالت «أبابيل» في عدد لها بالتركية :

أنور ، جمال باشا حضراتي (١)

بوكون آفاق إسلاميةده فروزان اولان انوار شوكت وسطوتك طلعتمناي كمال اولمسنه عامل مؤثر ايكي شمشير جهان كيردركه جوهر باكيزه فطرتلريني تقدير ايتمكه ناطقهء بشريه فوقنده بولنان خيال بيله مقتدر اوله ماز. ايكي هلال علوي جمالك متقابلا تلاحقندن بر بدر ذي نور واجلال تكون ايده بيله جكي كبي بوايكي سيف ساطعك متناظرا تعانقندن ده دائرهء منجيهء دولتك تكمل ايتديكني تخيل ايتمك دكل ، حقيقت اوله رق بيلمك عالم إسلام ايجون لابد در.

اوت! وطن وملتك ، دولت وحكومتك وإسلاميتك بتون سعادات وكمالاتني قدرت ازليه بو ايكي صمصمامهء تابنا كك محيط فياضنه وضع ايلمشدر كه قبضهء فاتحانه لرى بو ايكى شير زادك دست بولا دنده يولينور. برى سيماى أنوريله ، ديكرى جمال ازهر يله سينهء وطني ، جبههء ملتى تنوير وتزهير ايدييور. سماده ايكى كونشك كورولديكى يوقدر. فقط خاك وطنده ايكى مهر درخشانك تاج حضرت خليفه يه فروغ افشان شوكت وشان اولد

__________________

(١) خلاصة ما قالته الجريدة : إنه لم يعهد في السماء شمسان ، ولكن أهالي سورية يمتعون اليوم أنظارهم بشمسين مضيئتين طلعتا في أرض الوطن ، وهما الشمسان اللتان أنارتا تاج الخلافة أنور وجمال ، فالعالم اليوم قد امتلأت صدورهم مسرة وحبورا ، وقد جاء أنور باشا وجمال باشا وأملهما واحد وفكرهما واحد ومهمتهما عظيمة ، وإنهما شخصا إلى دمشق التي تشرفت بأن دفن في تربتها مثل المجاهد صلاح الدين الأيوبي ، والعارف بالله تعالى الشيخ الأكبر محيي الدين بن عربي.

١٥٣

يغنى عالمله برابر ايشته بوكون اهل سوريه ده كورييور ومسرتندن كوكسى قبارييور.

أنور ، جمال باشا حضراتنك يك فكر ويك امل ويك آهنك حميت اوله رق وطني بيوك بر وظيفه ايله هر قبضهء خاكنده برر مجاهد وفاضلك ، سلالهء طاهرهء حضرت رسول اللهدن برر ركن جليل وكاملك محترم عظامي موجود وحامئ دين وشريعت ، غازئ ذي نصرت صلاح الدين أيوبي ، فخر الكملين شيخ أكبر محيي الدين عربي حضراتتك تربهء مباركه لريله شرافت نمود اولان شام جنت مشامي زيارت بيورملري مفكورهء نزيهه لريني عزم مجاهدانه لريني بتون عظمت دينداريسيله جهان اسلامه تجلى ايتديرر بر حركت مبجله در.

ملتك ، اتحاد إسلامك انتباه وانكشافني مغز حميتلريله ، عزم وجلادتلريله ، عرفان وبصيرتلريله حصوله كتيرن وتخت وتاج سلطنت وخلافتي ظفر ونباهت الماسلريله زينتلنديرن بو ايكي داهئ معظم وقوماندان مفخم حضراتني ((ابابيل)) صميم روحيله سلاملار ايكن مسافرين خالصة لرينه ده عرض احترام ايدر وجناب ناصر حقيقيدن قطعي غالبيتلر نياز ايلر اه.

١٥٤

١٥٥

في فلسطين

تتمخض الأيام في كل عصر وحين ، وتلد من النوابغ من يحلون جيد أمتهم وبلادهم ، فيتجدد أو يزيد بهم رونقهما بهاء ورواء ، ولكنها لا تجود في كل وقت وزمن بالنوابغ الأفراد الذين يدهشون زمانهم ، وقد يمر الحين بعد الحين ولا تلد فردا منهم ؛ وأعني بهؤلاء الأفراد : الذين امتازوا بالأعمال النادرة ، أو وقفوا موقفا عظيما في حادث عظيم ، أو رزقوا موهبة مدهشة مثل : أبي بكر في محنة الردة ، وعمر في الفتوحات ، وصلاح الدين في علو الهمة ، وبونابرت في كبر النفس ، وواشنطون في قيادة الجيوش ، ولوثيروس في الثبات على المبدأ ، وأنور وجمال في النهضة والأعمال.

ومن يجهل ذلك العمل العظيم الذي قام به أنور باشا وزملاؤه العظام من إحياء الدستور وتأييده ، بل إحياء الأمة بأسرها ونهضتها ، بل إحياء الإسلام كله ، ومن لا يعرف جهاده بنفسه ومفاداته بكل شيء في سبيل حياة الأمة وسعادتها فقد كادت لو لا نهضته النادرة تتلاشى ، وتندمج في غيرها كما اندمج غيرها من الأمم والشعوب الضعيفة.

إن عمل أنور باشا وزملائه لمن الآيات البينات ، والأعمال العظيمة النادرة التي طبقت الأرض شهرتها فهو ولا أبالغ من الأعمال الصديقية والفاروقية والصلاحية ، وفوق عظمة أعمال نابليون وواشنطون ، إذا لا حظنا الزمان والمكان فوجود أمثال هؤلاء الناس من النوادر الخوارق التي لا تسخو بها الأيام في كل وقت وحين.

١٥٦

فإن صحّ الأثر المشهور : «إن الله يبعث على رأس كل مائة سنة من يجدد لهذه الأمة أمر دينها» فأنور وجمال من هؤلاء المجددين هذا من جهة الأعمال ، أما هما من جهة الأخلاق الفاضلة فليست أعمالهما أعظم من أخلاقهما ، فقد عرف السوريون والفلسطينيون جمالهم وقائدهم ، وقد عرفوا أنور بثباته وإقدامه ومفادته ، عرفوا أنه روح الأمة ومؤسس سعادتها ، عرفوه في مركزه العالي وذروة مجده الشاهقة ، ولكنهم ما عرفوه في أخلاقه الاجتماعية والدينية ، حتى تفضل فزارهم هذه الزيارة ، التي يعدونها أعظم أعيادهم ومبدأ لتاريخ حياتهم الجديدة.

زار حلب وسورية وسمعنا وقرأنا ما قام به سكان تلك الجهات من الاحتفالات الباهرة ، والبهرجة النادرة ، ولا عجب فإنهم يستقبلون محبوبهم وفاديهم ، يستقبلون مخلص الأمة الذي احتفلت له القلوب بين ضلوعها ، وكادت تغرق المقل فرحا بمياه دموعها «من عظم ما قد سرني أبكاني».

زار سورية وما كان لبيخل وهو الكريم النفس والخلق ، بزيارة شقيقتها فلسطين التي تطايرت نفوس أهليها وألقت أشعتها اللطيفة على الخطوط القطارية في طريقه انتظارا لقدومه الجميل ، فزار أولا يافا صباح اليوم الثاني عشر من شهر شباط ، على الحساب الشرقي سنة (١٣٣١ ه‍) فكان له ولجمالنا وزملائهما من الاستقبال الحافل أحسن استقبال.

لم تكن زيارة مدينة يافا داخلة في خطة سفر القائدين العظيمين صاحبي الدولة أنور باشا وكيل القائد العام ، وناظر الحربية ، جمال باشا قائد الجيش الرابع وناظر البحرية ، ولكن قائد الموقع حسن بصري بك الجابي تجاسر على دولتيهما ودعاهما باسم البلدة فلبيا دعوتها فقابلته بكل ما لديها من وسائط

١٥٧

الاحتفاء والزينات الباهرة التي فاقت على مثلها في غير بلدان بشهادة من كان فيه معية دولتهما ، فقد كانت الزينات التي أقامها أبناء يافا واللد والرملة في ذلك اليوم من أجمل ما رأى ثغر يافا.

وصل قطار الوزيرين الخاص إلى محطة الرملة الساعة الخامسة من صباح الجمعة فكان في انتظاره جميع من في القضاء من مأمورين عسكريين وملكيين ، وأعيان القوم ، وأفاضلهم ولما وطئا الأرض

دوى الفضاء بأصوات التصفيق والهتاف ، فسارا بين جماهير الخلق إلى سرادق فخيم نصب هناك بعد أن مرّا تحت قوس نصر زين بأحلى زينة ، وبعد أن تناولا الفطور في محطة سكة الحجاز أقلتهما السيارات إلى مكان استعرضا فيه الفرقة المرابطة في تلك الأنحاء ، ومن هناك أخذا طريق يافا والتوفيق قائدهما ، فوصلاها الساعة الحادية عشرة ، وكان دخولهما من شارع جمال باشا الجديد الذي أنشئ على أحدث طراز ، وهناك ترجلا بإزاء قناصل الدول والرؤساء الروحيين وأشراف البلدة ووجوهها الذين كانوا بانتظار بزوغ شمس طلعتهما ، فأسكرا الناس بلطفهما المشهور ، وابتسامهما الخلاب.

ولما كان هذا الشارع لم يفتح بعد رسميّا كلف صاحبه دولة جمال باشا دولة أنور باشا أن يفتحه بيده الكريمة ، فتنازل دولته وقطع شريطا من الحديد كان يمنع مدخله ، ونحرت وقتئذ القرابين ، وتلا فضيلة مفتي يافا دعاء أمّن عليه الجميع ، وسار بعد ذلك الضيفان الكريمان مشيا على الأقدام ، فمرا تحت قوس نصر مزدوج أقيم على عرض الشارع البالغ ٣٠ مترا ، فكان منظرا لم تقع العين على أجمل منه ، ولما توسطا الشارع ركبا سياراتهما ، ومرا تحت قوسين آخرين من

١٥٨

بديع الصنع وجميل الهندسة إلى أن وصلا إلى منزل هرنك ؛ حيث أعد المجلس البلدي لدولتهما مأدبة تليق بمقامهما.

وبعد الطعام ركبا إلى دار الحكومة ، فكانت ألوف الخلق تحييهما على الجانبين ، وهناك في البهو الكبير تصدرا بدرين منيرين ، وأخذ قائد الموقع يقدم لهما وجهاء البلدة وأعيانها واحدا واحدا ، فأبديا التفاتا خاصّا للخواجه فريديرك مراد الذي تبرع بأكثر أرض شارع جمال باشا وأرض جامع الجابي الجديد الذي أنشأه قائد الموقع باسمه.

ثم قدم لهما طبق من فضة عليه تمثال هرم كبير من الحلوى ، فابتسما لمغزاه ، واستل القائد خنجره ، وقدمه لهما ، فأخذ كل منهما قطعة منه ، وأدير على الحاضرين ، ثم نزلا إلى ساحة السراي ، فأخذ المصورون رسم الحفلة ، وأنشد الشيخ أحمد الطريفي بعض أبيات بصوت رخيم ، ثم ركبا السيارات محفوفين باليمن والإقبال ، ووجتهما ببيت المقدس ، فمرا أيضا تحت أقواس نصر أخرى جمعت خلاصة الفن والأبهة.

ومما يذكر أن دولة أنور باشا تبرع بمبلغ لفقراء البلدة ، وأنه أعجبه برتقال يافا الشهير ، فأوقف سيارته أمام أحد البساتين في طريقه إلى القدس ، ودخل مع دولة جمال باشا ، وقطع بيده مقطفا من البرتقال ، ونفح خادم البستان بضع ليرات عثمانية تلقاها هذا بالدعاء ، ولا عجب بهذه الأخلاق الرضية والجود والكرم ، فالعظيم عظيم في كل أمر.

وبينما كان أنور وجمال بيافا بين دقات القلوب سرورا ، وابتهاج النفوس فرحا كان أهل القدس منتشرين في جهة بزوغها إلى مكان مقرهما ، مقر الجيش

١٥٩

المظفر مائة ألف أو يزيدون ، وبينا نحن في السرادق المضروب لاستقبالهما إذا بضجة صعدت للسماء وهتاف بصوت واحد : ليحي أنور وجمال. فهرع القوم جميعا ، وإذا بالبدرين قد بزغا من مطلع الأفق على سيارتهما ، وعرجا على السرادق هنيهة ، ثم استأنفا السير بين أقواس النصر وصفوف الأهلين على اختلاف عناصرهم ومذاهبهم رجالا ونساء وأطفالا وطلبة مدارس على طبقاتها ومشاربها ، والأعلام بأيديهم يحيون أعظم من يحبون. مرت سيارتهما ورفاؤهما تخترق الطريق بين تصفيق الرجال ، وهتاف الأطفال ، وزغاريد النساء ، حتى وصلا إلى المقر العسكري العالي.

لم يقم الأهالي بهذا الاحتفال النادر خوفا أو رياء ، ولكنه الإحساس الوطني الحي ، والقلوب والنفوس التي تعشق أنور وجمالا عشقا عذريا ، ومن لا يعشق النور والجمال؟! ومن لا يحتفل بمحيي حريته ومؤسسي سعادته؟! ولقد رأيت بنفسي امرأة قروية جاءت مندهشة هائجة تخترق الصفوف ، وهي تزغرد وتقول : «أروني أنور ، أروني أنور ، أروني ولدي وحبيبي ، إنني سامحته في أولادي الموجودين تحت السلاح ، فليموتوا فداء له وللوطن» قال الراوي : فبكيت ، وأنا والله شهيد.

ورأيت قروية أخرى فاتتها مشاهدة أنورنا تتأسف ، وتعض يديها ندما لعدم حضورها ملاقاة هذا البطل ورؤيته ، كأنها فاقدة أنجح أبنائها. هذا لعمري هو الإخلاص الحقيقي والشعور الصحيح والحب الخالي من التصنع والمداجاة ؛ لأنه شعور قروي طبيعي ، لا أقول : إنه الوفاء العربي ، ولكنه الإخلاص العثماني الخالص.

١٦٠