الرّحلة الآنوريّة إلى الأصقاع الحجازيّة والشاميّة

محمّد كرد علي

الرّحلة الآنوريّة إلى الأصقاع الحجازيّة والشاميّة

المؤلف:

محمّد كرد علي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مكتبة الثقافة الدينية
الطبعة: ١
ISBN: 977-341-344-6
الصفحات: ٢١٥

كدت أمسي بامتهاني عدما

فمتى تصبح أوقاتي غرر

أنور الباهي المحيا يا عزيز

بجمال أنت لي حصن حريز

هل أرى يوما رءوس الإنكليز

تترامى تحت أقدامكما

ويقادون إلى قعر سقر

وأرى سعدي زها مبتسما

وهلالي فيكما يمسي قمر

أنا مصر العالم بل أم البلاد

أنا عثمانية بنت رشاد

يا حماة الدين هبوا فالفؤاد

كاد يقضي في أساه ألما

من بغاة أو قعوني في ضجر

أين من يحفظ عرضي كرما

ويلبي مصر في جيش الظفر

أنت يا أنور يا مولى جليل

وجمال العصر ليثا كل جيل

أنجداني في سيوف الدردنيل

وانصفاني من عدو ظلما

ورمى قومي بأنواع الضرر

لم أرد غير كمالي حكما

أسعفاني اليوم في نيل الوطر

ها أنا يا قومنا منتظرة

لسيوف منكمو مشتهرة

يا أسودا في الوغى مقتدرة

أسرعوا لا تشمتوا بي الأمما

واثأروا ممن تعدى وغدر

فمتى أنظر جمالي هجما

أكسر القيد لكي أجني الثمر

١٢١

أنت يا أهرام لا تيئس فقد

جاءنا أنورنا الشهم الأسد

وجمال النصر وافى بالمدد

يدخلن مصر العلا مبتسما

بسيوف لا معات بالظفر

ونرى النيل غدا يجري دما

والثرى تمسي لأعدائي حفر

خطاب رئيس بلدية دمشق

السيد علي رضا باشا الركابي قاله بالتركية

تعلن دمشق سرورها بقدوم الناظرين وتنازلهما لحضور المأدبة ، إن الأعمال التي أعلت شأن الملة والصفات التي تعلو عن كل مدح ووصف دعت الأمة أن تحفظ في صدرها الشفاف الزجاجي اسمهما وشخصيهما وسمياءهما النزيهة من كل شائبة.

عندما نقرأ التاريخ نبجل من ذكرهم بالخير ، فهؤلاء العظماء وعظمتهم كانت على مقتضى الزمان ، وعلى حسب الأحوال واستعداد الشعوب الداخلية والخارجية ، وأما هاتان الناصيتان النزيهتان فمع عدم مساعدة الزمان لهما فإنهما لما رأيا الدواعي تحفزا لاستحصال الحرية واستخلاص الأمة من ربقة الظلم والاستبداد عزما أن يحتقرا في سبيلها حياتهما ، فاستخلصاها من غاصبيها ، وكانت الأمة وصلت إلى حالة الاحتضار حينما أصابتها ضربة الذل التي نالتها من حرب البلقان المشئومة مما أوسع مجال الظنون بأن الأمة قد فقدت قابليتها واستعدادها لكل رقي ، وقد قام أعداء الدين والوطن للاستفادة من هذه الحالة ، فحكموا علينا بالموت الأبدي ، وقاموا يتشبثون بالقضاء المبرم على كياننا المادي والمعنوي.

١٢٢

وبينا كانت الأمة على هذه الحال لم يعتر الرجلين المشار إليهما فتور ، وقد رسما على خريطة مستقبل الأمة ، متوكلين على الله ، متوسلين بروحانية رسول الله طرق السعادة والسلامة ، وللوصول إلى هذه الغاية قد اتبعا السياسة الإلهية بقوله تعالى : (لا يَنْهاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ* إِنَّما يَنْهاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ قاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ وَظاهَرُوا عَلى إِخْراجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) واكتشفا بها أصدقاء الملة الإسلامية والدولة العثمانية ، فعقدا معهم اتفاقا مؤسسا على المنافع المتقابلة المشتركة ، وبذلك قد أنقذا الأمة والوطن من حضيض الذل والهوان ، وأعلياهما إلى أوج الرقي والعز.

فلسان التاريخ الذي يبجل أولئك العظماء لا شك أنه يعجز عن تبجيل هذين الوزيرين الخطيرين ؛ لأنهما أثبتا بأعمالهما المادية أنهما أكبر وأعظم من أولئك ، فإن الأمة التي أدركت جهادكما السامي والهدف المقدس الذي ترميان إليه قد اطمأنت بالظفر والنصر بأن يكونا حليفيكما ، والذل والهوان نصيب أعداء الدولة والدين ، فأداء للشكر ترى من الواجب عليها أن تكون منقادة لأول إشارة تصدر من فمكما بصفة نفر عسكري في الجيش. وهأنذا بصفتي رئيس البلدية ، وباعتباري عسكري قديم أترجم عواطف مواطني الكرام ، وأعرب عن ضميري ، والله أسأل أن يجعل التوفيق رفيقكما.

١٢٣

خطاب صاحب المقتبس

مؤلف هذا الكتاب

في مأدبة البلدية

سادتي وإخواني :

لا عجب إذ رأينا السوريين على اختلاف طبقاتهم يرحبون بمقدم رجل الدولة أنور باشا وكيل القائد الأعظم وناظر الحربية الجليلة ، فإنه أدام الله توفيقه محبوب الأمة العثمانية جمعاء تحبه محبتها لروحها ؛ لأنه بذل حياته الكريمة في سبيل خلاصها من براثن الاستبداد المطلق وأنقذها هذه المرة أيضا من مخالب الاستعباد الاستعماري.

كان همّ النظار السابقين أن ينزلوا القصور ويغالوا في اقتناء النفائس ويظهروا للأمة بمظهر العظمة والكبرياء والرفاهية والبذخ ، ولكن النظار الذين يتولون شأن الأمة لعهدنا أعادوا للدولة شبابها بإطراحهم تلك المظاهر الخلابة ، وتعلقهم باللباب اللازم لحياة ملتهم ، ونظرهم في داخلية البلاد وخارجها وحدودها وأطرافها كما فعل أحمد جمال باشا قائد الجيش الرابع وناظر البحرية الجليلة ، فإنه بعد أن أصلح من هذه الديار ما اختل من شئونها ذهب إلى دار الخلافة يفاوض وكيل صاحب الخلافة الأعظم أنور باشا في المسائل العامة ، وعاد بالعز والإقبال ، ولما قارب أن يلتقي الجمعان ونزحف على مصر ، وكان هذا القطر في حاجة شديدة إلى جيش يحمي حماه ، وجيش يهاجم أعداءنا ، وكانت هناك مسائل لا تفي بشرحها الرسائل قام دولة أنور باشا وفارق مركزه ومقره ، وجاء يلاقي أخاه البطل أحمد جمال باشا لإعادة الزيارة وتقوية أوصال الجيش وتفقد المصالح العامة والنظر في سرائر مكنونة مهمة للدولة والملة.

١٢٤

وأظنكم ـ أيها الإخوان ـ تتصورون مركز ناظر الحربية ومبلغ اهتمام مثل حضرة أنور باشا بشئون الأمة الموكول إليها النظر في مجموع أمرها ومستقبلها ، ولا جرم مناط سيوف جيوشها التي ينظر في الدقيق والجليل منها هذا الرجل العظيم الذي تتمتع أعينكم الآن بمحياه البهيج.

إن التوفيق الذي أحرزته جيوشنا المنصورة في جناق قلعة يعزى في الدرجة الأولى لهذا القائد الكريم الذي أحيا وطنه بعد أن كان يضمحل بسلطة المستبدين في الداخل وهيمنة المستعبدين من الغربيين من الخارج ، فرد أعداءنا عن حمى دار الخلافة بعد أن بذلوا كل وكدهم عشرة أشهر لاستباحته ، فهذا الانتصار هو ثمرة تنظيمات هذا الرجل وتنسيقاته ، فإن روحه القوية التي سرت في الأعصاب من أكبر قائد في الجيش إلى أصغر جندي يخدم فيه ، وذلك القانون المطبق المفاضل على الكافة هو الذي كان منه هذا النصر الباهر ، الذي لم يسبق في تاريخ العثمانيين مثله ، اللهم إلا فتح محمد الفاتح لمدينة القسطنطينية.

جيشنا المنصور زاحف الآن إلى مصر يخلصها من مخالب إنكلترا الظالمة ، فهلا تعتقدون اعتقادا جازما بأنه سيعيدها إلى أمها الدولة العثمانية ، وينقذ ثلاثة عشر مليونا من إخواننا المسلمين؟ يترقبون الساعة التي يشرف بها عليهم أول جندي عثماني ، والجيش متشبع بالروح العالية التي بثها فيه وكيل القائد الأعظم ، فكان من أثره ما نلناه وسنناله من التوفيق.

لا شبهة في أن الجيش الذي قهر إنكلترا وفرنسا وروسيا في الدردنيل والبوسفور ، وهن في مبدأ قوتهن يسهل عليه بحول الله وقوته ومدد الرسول عليه الصلاة والسلام أن يسترجع حقّا لنا مغصوبا من حكومة إنكلترا الخداعة ،

١٢٥

فنفرق بسيف جمال الفعال ومن ورائه سيف أنور الماضي الحد جموع أولئك الغاصبين المتلاعبين.

يحق لكل عثماني ، بل لكل مسلم أن يفاخر بمثل هذا الحزب السياسي القابض على زمام الحكم اليوم ؛ لأن من أعضائه المبجلين أمثال بطل الإسلام أنور باشا ، وأنا على مثل اليقين بأن جمعية فيها مثل هذا المخلص لوطنه تنجح في كل عمل وطني وجهت وجهتها إليه ، وعلى نسبة قوة نوابغ الأمة واستماتتهم في خدمة أمتهم يرهب تلك الأمة عدوها ، ويرغب في صداقتها صديقها.

كان أنور باشا واسطة العقد بين إخوانه في الحكومة التي إليها يرجع الفضل في تحالف دولة الخلافة مع إمبراطوريتي ألمانيا والنمسا والمجر ، ويعلم الله لو لا فضل هذه المحالفة المباركة كيف كانت حال هاتين الإمبراطوريتين مع أعدائهما في هذه الحرب العامة ، وكيف كانت حالنا وحدنا أيضا في هذا العراك العالمي الشديد ، فأنور باشا ـ أدام المولى تأييده ـ هو الذي درس هذه المسألة درس تحقيق وعيان ، فكان له الفضل الأول في اتحادنا مع ألمانيا أرقى دولة في العالم بعلمها وجيشها ، تلك الدولة التي لم يعهد لها يوما أن أرادت الشر بالممالك الإسلامية.

فحريّ بنا أن نقدر عمله المجيد حق قدره ؛ لأنه اهتدى إلى وجه الصواب ببديهة مقرونة بالروية ، وكان أول من ظاهره في هذه الفكرة السامية ذلك الرجل الشهم ذو الوزارتين البصير بالسياسة وفنون الحرب قائدنا العام أحمد جمال باشا ، فالأمة الإسلامية تسير بهديهما على صراط من نور وجمال ، لا فرّق الدهر بينهما ، وإني بلسان أهل دمشق أرحب بوكيل القائد الأعظم ، داعيا في الختام لصاحب الخلافة العظمى بالنصر ودوام الصحة ، ولرجاله وأمناء دولته بالتوفيق

١٢٦

والسعادة ، صارخا ليحي أنور الأمة وليحي جمالها ، ولتحي الجيوش العثمانية وجيوش حلفائنا الألمانيين والنمسويين والمجريين.

تحية الوزيرين

هي القصيدة التي ألقاها الشيخ مصطفى الغلاييني في مأدبة البلدية

إكراما للوزيرين الخطيرين أنور باشا وأحمد جمال باشا

«جمال» التهاني في سما الشام أزهر

وبدر المعالي في حمى العرب «أنور»

وروض المنا فينا أريض ، وعوده

بزهر الأماني الغرريان مثمر

عشقنا «جمال» الترك وهو محجب

فلما بدا زاد الهيام المسعر

و «أنورها» قد كان في القلب حبه

ضميرا ، به سر المحبة مظهر

فلما تجلى والجلال يحوطه

شدونا : قفوا ، هذا الكمال المصور

تجلى بأخلاق النبي محمد

فأشرق بدر بالفضيلة مقمر

وجلت معالي الفضل ، فيه فأثمرت

معاني لم يبلغ حماها التصور

فخلت بنات الشعر حيرى بما رأت

تهيم ، فمعناه أجل وأكبر

إذا وردت يوما معين كماله

فليس لها عن مورد الفضل مصدر

وكيف تطيب النفس عن ورد فضله

وموردها ، وهي الظميئة ، كوثر

بك الدين ، دين الله يزهى ، وركنه

يعز ، وهامات المكارم تفخر

تسنمت دست الأمر ، والخطب فادح

فروعته ، والذعر كالغيث يهمر

فأصلحت ما أثأت يد الجهل جاهدا

فعاد رداء المجد وهو مطهر

وجاهدت حتى عاد للدين عزه

وباء عدو الله بالخزي يعثر

برزت إليه والأسنة شرّع

وخطب الرزايا للمنايا مشمر

فأوقع فيه سيفك العضب محنة

ستذكر حتى يحشر الناس محشر

١٢٧

يزين بها التاريخ صدر حياته

كما زان أجياد الكرائم جوهر

فإن تك فيك الشام تزهى ربوعها

فإنك للإسلام والشرق مفخر

تركت «بوانكاره» تكرّ همومه

عليه ، «وجورج» هام حزنا وقيصر

وأنزلت فيهم كل رعب ، فأوجفوا

حذار الردى ، والهول كالبحر يزخر

فهاموا يرومون النجاة كأنهم

قطّا راعها في واسع الجو أنسر

سيلقون في مصر العزيزة مثلما

لقوا في «فروق» شدة لا تقدر

فآسادنا في واسع التيه زؤر

وخيل وغانا للإغارة ضمر

فهيا إلى مصر ، ففيها عصابة

تجور وأهلوها على الخسف صبر

يذوقون من بأس العدى كل مرة

وليس لهم إلا «جمال» و «أنور»

درر التهاني

قصيدة حسين أفندي حبال صاحب جريدة أبابيل

في مدح القائد الأعظم

روض المسرة أينعا

بالقادمين وأمرعا

أهلا بأكرم معشر

حيوا فأحيوا الأربعا

قوم بحد سيوفهم

نالوا المقام الأرفعا

سادوا فشادوا بالعلى

للدين حصنا أمنعا

وبسيف «أنور» فرقوا

شمل العدى المجتمعا

وبعزمه وبحزمه

طود الخطوب تصدعا

وبحلمه وببأسه

ملك القلوب وروعا

النصر من أنصاره

يسعى له أنى سعى

أكرم بأكرم ناظر

حاز الفضائل أجمعا

١٢٨

لا زال بالعيش الرغ

يد منعما وممتعا

بشرى لسوريا فقد

عزت بأنور مربعا

أمجوهر التاريخ صغ

بيتا وأنشد مبدعا

«يا أنور بك أشرقت

بيروت والدنيا» معا

٦٠ ٢ ٨٠ ٤١٢ ٦٠ونظمتأيضا بيت شع

ر بالجواهر رصعا

«بشرى لسوريا فقد

شرفت بأنور» مطلعا

٣١٢ ١٠ ١٨٠ ٧٨٠ ٥٢

عقد التهاني

قصيدة لحسين أفندي حبال أيضا تليت في مأدبة البلدية

طير الهنا والأنس غرد

بقدوم ناظرنا المؤيد

وبأفق سوريا بدا

قمران في آن وفرقد

قمر السعادة «أنور»

والبدر «أحمدنا» الممجد

والفرقد الوضاء «عزمي»

داموا بتوفيق مخلد

يا رب مكن سيفهم

بطلي عداة الدين سرمد

يا رب أيد جيشنا

وانصر خليفتنا محمد

وارفع لنا أعلامنا

بالفتح في عزّ وسؤدد

وإليكم بيتا غدا

من جوهر التاريخ مفرد

بشرى لسوريا فقد

شرفت بأنورها وأحمد

٣١٢ ١٠ ١٨٠ ٧٨٠ ٥٢

سنة (١٣٣٤ ه‍).

١٢٩

خطاب العلامة أسعد أفندي الشقيري

في مأدبة البلدية

إن الأعداء المحاربين ألقوا من طياراتهم أوراقا ورسائل منوعة مملوءة بالأوهام والأباطيل ، وكان من أهمها أن المسلمين يقلدون تقليدا أعمى كل الحكومات ظهرت عليهم وقبضت على زمام إدارتهم ، فهذا وهم ؛ لأن المسلمين لا يقلدون ولا يخضعون إلا لكتاب الله المنزل على محمد بن عبد الله بن عبد المطلب ، وهذا الكتاب فيه بيان لمعتقداتهم وأحكامهم وسياستهم الداخلية والخارجية وأحوال من قبلهم من الأمم وجميع ما يلزمهم مما ظهر للوجود وما لم يظهر بعد ، ولربما خطر على بال الأعداء أن تأليف الأحزاب والخلع والانقلاب وإدارة الحكومة بهذه الصورة لم يكن في صدر الإسلام ولم يذكر في الكتاب ولا في كلام السلف ، ولو اطلعوا على قوله تعالى في كتابه من أن (كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ) وعلى ما في سورة الأحزاب من الآيات وعلى التفريق في القرآن بين حزب الله وبين حزب الشيطان لعلموا علم اليقين أن كل حزب بنى مسلكه على أساس شريعة سماوية كان حزبا منسوبا لله ، ومن ابتدع واخترع ولم ينتسب لشريعة ربانية فهو حزب الشيطان.

وقد ثبت عند المسلمين كافة أن الحزب السياسي الذي يدير هذه الحكومة الإسلامية كان عنده قوة عظيمة ، ودخل دار الخلافة عنوة بجيش الحركة ، وكان عنده مجلس من النواب والأعيان يوافقه على فكره ، إلا أنه ما تعرض لخلع الخليفة وننزع السلطة عنه إلا بعد أن استحصل على الفتوى من مشيخة الإسلام ، وتمسك بشريعة سيد الأنام ، وكذلك فعل في إعلان النفير العام والحرب ، فلم يقدم عليها إلا بعد الفتوى الدينية ، ولما أثبت هذا الحكم تمسكه بكتاب الله وشريعة رسول الله أقره المسلمون وعلماؤهم ، وظاهروه على مبادئه

١٣٠

المشروعة ، ولم يكن ذلك منهم عن خوف وخشية أو تأثير ، وإنما كان ذلك عن قناعة بأمور موافقة لمعتقداتهم ، وقد ترك الجيش الإسلامي بعد الانقلاب الحرية المطلقة للحكومة الملكية والأهالي ، فتعددت الأحزاب وكثرة الأندية ، وتصادمت الأفكار ، وزاد الاختلاف والاضطراب إلى أن وفق الله أسود الجيش الإسلامي ورجال الدولة العظام لتلافي الأمر ، ولإزالة ذلك الاختلاف والاضطراب.

وبعد أن بحث فيما تولد في بلاد الأرناءوط من الجدال والقيل والقال تكلم فيما كان في سورية والأراضي المقدسة من المناقشة والمجادلة واجتهاد الوزارة التي سقطت في إزالة سوء التفاهم والإصلاح وسوء الإدارة ، ولم يكن لها التوفيق رفيقا لا في تشخيص المرض والعلة ، ولا في الأدوية والمعالجات إلى أن قيض الله لهذه البلاد دولة أحمد جمال باشا ، فعين قائدا عامّا للجيش السلطاني الرابع ، فنقل مسألة فلسطين وسورية من طور إلى طور ، ومن حال إلى حال ، وكشف مرضهما المزمن الذي كان مستعصيا ، ونوع له المعالجة في صور مختلفة ، وعقاقير منوعة ؛ حتى زال المرض بحول الله وقوته ، وقال : إنه يعتقد أن أكثر رجال هذا الحزب السياسي لا يقدرون على مسلكه ومتانته وحكمته التي سلك بها هذا المسلك العجيب.

ثم تكلم في نفرة دولة أنور باشا من مدح الشعراء وثناء الجرائد وأهل الخطب ، وقد قسم الفرح بالمدح والثناء إلى قسمين ؛ أحدهما مذموم إن دخله الغرور والزهو والكبر والفخر ؛ كقوله تعالى (لا تَفْرَحْ إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ) وإن كان الفرح بما أنعم الله به تعالى من الأخلاق العظيمة كحسن الاعتقاد والشجاعة والإقدام والثبات والعزم في الأمور ، فالفرح مطلوب ؛ تحدثا بنعمة

١٣١

الله تعالى كما في القرآن (قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ).

وتكلم بعد هذا في اختلاف البشر وبين مراتبه ، فقال : إن الناس من حيث العموم في هلاك ما داموا في الجهل المطبق ، كما جاء في الحديث النبوي الشريف : «الناس هلكى». ومن أخذ حظه من علم مخصوص ، فقد دخل في الاستثناء الوارد في الحديث بقوله : «إلا العالمون» والعالم لا ينجو من الهلاك إلا إذا عمل بما علمه ، فماذا يفيد الزارع والصانع والمدرس والفقيه علمه مع قعوده عن العمل؟ ومن عمل بما علم فقد دخل في الاستثناء الوارد في الحديث بقوله : «إلا العاملون» فإن من عمل لرياء وسمعة ، وحرص على مدح في جريدة ، أو لبس ذهب وقصب ، أو نيل رتبة أو حمل وسام ، فقد باع العمل بلذة مؤقتة لا تصحبه حال الموت ولا بعده.

ومع ذلك فقد صرح سيد الأنام بأن المخلص في عمله أيضا على خطر عظيم ؛ لما يطرأ على النفوس في بعض الأحيان من الزهو والغرور. وذكر بعد ذلك أن أنور باشا فارق المناظر الزاهرة في دار الخلافة ، وذهب إلى طرابلس الغرب ، توسد فيها التراب ولبس أخشن الثياب ، وقد فعل ذلك بدافع الإخلاص لدينه ووطنه ، وكان أكثر المدعين للإخلاص نائمين على فرش الهناء ، لا يعلمون من طرابلس إلا اسمها ، ولم يشاهدوا في الخريطة إلا رسمها.

إلى أن ختم خطابه بقوله : إن جميع المسلمين فرحون لتشريف وكيل القائد الأعظم لزيارة أراضيهم المقدسة ، وقد اقتفى ـ حفظه الله ـ أثر سلفه الصالح سلطان المجاهدين مولانا صلاح الدين الأيوبي ، وقد ابتهل الجميع إلى الله تعالى

١٣٢

بتأييد مقام الخلافة ، والإحسان بالنصر ، والفوز للجيش الإسلامي وأسطوله ، وحفظ البلاد العثمانية من جميع الآفات الكونية. اه.

١٣٣

أقوال صحف دمشق والشعراء

جاء في المقتبس بقلم أحد محرريه شقيقنا أحمد كرد علي

إجلال الأبطال

يقول أحد فلاسفة الغرب :

«فضيلة إجلال الأبطال هي الصخرة الراسخة التي تمنع الدول من السقوط».

وعلى هذا ، فإذا كان حلفاؤنا الألمان يجلون أبطالهم أمثال غليوم وهند نبورغ ، والنمسويون يجلون ، ومن ماثلهما من الأبطال العظام في الحرب الحاضرة ، والعثمانيون ـ لا بل المسلمون ـ يجلون أبطال الإسلام أمثال أنور باشا وجمال باشا ؛ يخدمون بإجلالهم دولتهم ووطنهم ؛ إذ إن الدولة هي ذاك العرش المعنوي المقدس بلسان كل وطني وقلبه ، لا بد له من أبطال يحمون ذماره ، ويدفعون عنه عوادي من يحاولون إيذاءه من أعدائه اللئام ، فإذا أجل الناس الأبطال فإنهم يجلون تلك القوة العظيمة ، تلك القوة المحبوبة ، التي دفعت عنهم وتدفع هجمات العدو المداهم لهم ، وهتك عرضهم وترميل نسائهم وتيتيم أطفالهم ولا يفعل العدو هذا الفعل إلا ليبني لأبناء جنسه مجدا من هتك شرفنا وعزنا ، وسعادة من تدمير بيوتنا واستصفاء أرضنا ومرتعا من أزهاق أرواحنا ، يريد الأعداء أن يقتلونا ويجلونا عن بلادنا ؛ ليتمتعوا هم أنفسهم بهوائها البليل ومائها العذب ، يريدون امتلاك أراضينا ؛ ليأكلوا هم ما تنبته الأرض من الخيرات ، وما تحمله أشجارنا من يانع الأثمار.

١٣٤

وعليه فإننا إذا أجللنا أبطالنا ، وقدمنا لهم كل ما في طاقتنا من التكريم ، فإننا نخدم دولتنا ووطنا ؛ لأن ما نفعله يثير روح العمل والنشاط في النفوس الخاملة ، فتظهر مزاياها فتخدم وطنها ، ويتألف منها مجموع كامل يخدم البلاد ؛ فترقى إلى أوج السعادة والعلاء والمجد ، فتنال المكانة التي يؤهلها إليها تاريخها المجيد.

حدا بنا إلى كتابة هذه السطور ما رأيناه وسمعنا به من ضروب التكريم ، وما أقيم من معالم الزينة في حلب ودمشق وبيروت ويافا وغيرها من المدن السورية والفلسطينية التي حلت بها ركاب بطلي الإسلام العظيمين ، صاحبي الدولة أنور باشا وجمال باشا ناظري البر والبحر ، فقلنا في أنفسنا : الحمد لله تعالى ؛ إذ قد نشطت الأمة من ، عقالها فازدادت فيها الروح الوطنية قوة ، فأدركت معنى الفروسية والفرسان ، وأخذت تكرمهم لأنهم فدوا مصلحتهم الذاتية في سبيل المصلحة الوطنية العامة ، وسلبوا راحة أنفسهم بأنفسهم في سبيل راحة أبناء وطنهم المستقبلة ، حرموا أنفسهم لذيذ النوم لينام الأهلون في سعادة وهناء ، حرموا أنفسهم لذيذ الإقامة في مسقط رأسهم ؛ كي تهنأ الأمة بالمقام في بلادها وتقر عيونها برؤية فلذات أكبادها.

وبعد هذا ، فلا عجب إذا رأينا الأمة من أولها إلى آخرها في هذه الديار وغيرها من بلاد دولة الخلافة تقيم معالم الزينة ، وتنظم القصائد ، وتحبر المقالات ، وترتل الأناشيد في استقبال البطلين العظيمين أنور باشا وجمال باشا في كل بلد يؤمانها ، وفي كل بلدة يغادرانها ؛ تكريما للمزايا الرفيعة والخصال العالية.

١٣٥

وقالت الرأي العام :

يا مرحبا بالقادم الكريم

(أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ)

«قرآن كريم».

أهلا بك يا سيف الإسلام ، ومرحبا بطلعتك يا رافع لوائه ، لو بسطنا لك القلوب لتطأ عليها بأقدامك السعيدة التي لم تطأ بلدا إلا وأحيته لكان ذلك قليلا ، لقد ملئت أفئدتنا شغفا بأعمالك العظيمة التي لم يسبقك بها الأولون ، ورفعت شأن هذه الأمة من حضيض الذل والهوان إلى أوج العز والرفعة بين المتمدنين ، ملأت أبصارنا دهشة بأنوارك الباهرة ، وكسوت أجسادنا أثوابا من المجد فاخرة.

هنيئا لك يا سورية ، بل هنيئا لكم يا أبناء يعرب وعدنان بالقادم الكريم ، أجل ، لقد نلنا ما تمنيناه من أمد بعيد من مشاهدة هذه الأنوار التي أشرقت على العالم الإسلامي ، فأضاءته وأحيته.

بشراك يا سورية بالسعد القادم ، فقد سبق وعلم الخلق بأجمعه بأن أنورنا المحبوب لم تطأ قدماه أرضا إلا وأصلحها ، ولا مدينة إلا وعمرها ، ولا ساحة حرب إلا وانقضت جيوشه بها على العدو فأحلت به الدمار وخذلته وقهرته ، ولا غرو فإنه من عباد الله الصالحين ، وممن نزلت بحقهم الآية الكريمة (أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ).

١٣٦

إن القلم ليعجز عن تعداد فضائله التي هي أكثر من أن تحصى ، لقد خلقه الله ووهبه حكمة بالغة ، وسعة صدر عجيبة ، فكان منذ نعومة أظفاره يجد وراء حياة هذه الأمة ، وإعلاء شأن الدين ، نهض نهضة الأسد ، ومزق حجب الأوهام والاستبداد ، وهيأ للأمة مستقبلا سعيدا ، وألقى بنفسه في مهالك عظيمة لنجاة هذا الدين الحنيف ، ورفع لواء الإسلام ، ولقد نجاه الله ووهبه السعد والإقبال ليخدمه ؛ إذ قال جل وعلا : (وَكانَ حَقًّا عَلَيْنا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ).

جاهد بعد إعلانه الدستور لإيجاد روح شاب الإسلام في المملكة ، وجدّ وراء ارتباط العالم الإسلامي بأجمعه من المشرق إلى المغرب حتى طبق ذكره الخافقين ، وأضحى الصيني والهندي والأفغاني والتونسي والعربي يتلظى شوقا لرؤية محياه ، ويدعو الله في صلاته وصيامه بطول عمره وبقائه.

أدهش الغربيين باقتداره وذكائه ، أعجب الأحباء منهم بأعماله ونياته ، أوجد للدولة العلية الإسلامية قوة وعظمة ، ودبّ في روح أبنائها الحياة الحقيقية ، وبه فهموا معناها حتى أضحت به تضاهي الدول العظمى قوة وعلما وسياسة ، وببرهة وجيزة دوخت الأعداء ، وطربت لها قلوب المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها.

تولى حفظه الله نظارة الحربية ، فرأى حالة الجيش محزنة ، فواصل ليله بنهاره لجعله جيشا تهابه الأسود وتخشى سطوته بلاد الأعداء ، ولا غرو فالتاريخ يعيد نفسه ، فما هي إلا عشية وضحاها حتى ظهر الجيش الإسلامي كما تظهر الأسود من عرينها ، ظهر جيشا عرمرما كامل العدة والعدد ، منظما أجل التنظيم ، أوجد في قلبه إيمانا لا يتزعزع ، علمه كيف يجب أن يعيش لإحياء دين الله ، وقد ظهرت في هذه الحروب الضروس نتيجة عمله العظيم.

١٣٧

رأى ـ أمد الله بحياته وحياة زملائه العظام ـ أن دول الفسق والفجور اللواتي أردن محو الإسلام وسحق أبنائه قد عزمن على تنفيذ مآربهن ، فتذكر قوله تعالى : (فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ) فرفع علم الجهاد المقدس ، ونادى بالمسلمين : حي على الفلاح.

لقد حقت إرادة الله جل وعلا بنصر المؤمنين ، وأجاب نداء عباده الصالحين ، وها أن النصر والظفر مرسومان على محيا هذا البطل الكبير الذي خصه الله بكل مزية عالية ، ووهبه كل وصف حميد.

هذا هو سيف الإسلام القاطع الذي شرف هذه الربوع ، فأهلا بك يا خير قادم ، ومرحبا بنورك أيها الوزير العظيم ، ها أن قلوبنا خافقة محبة لك ، وأعيننا تسيل دمعة الفرح والسرور بالنظر إلى نورك ، وألسنتنا تلهج بالتوسل إليه جل وعلا أن يحرسك بعين عنايته ؛ لتظل للعالم الإسلامي حصنا حصينا ودرعا منيعا ، وأنتم يا أبناء يعرب وعدنان والهلال طيبوا نفسا ، وقروا عينا بالسعد القادم ، واهتفوا جميعا بلسان واحد : عاش أنور ، عاش جمال ، وعاش الإسلام بهما ، وساد السلام.

يا جمال الدين!

(سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوها خالِدِينَ)

«قرآن كريم».

لقد انتعشت القلوب بقدومك الميمون ، وعم الفرح وساد السرور بنور جمالك الباهر ، يا بطل الإسلام وحامي بنيه ، حللت ربوعنا فأزهرتها ، ونهضت

١٣٨

بها من الذل والخمول إلى العز والعمران ، أوجدت لدولة الإسلام قوة متينة كانت له سندا وعضدا. يحار القلم بماذا يصف أعمالك الخارقة وحسناتك الباهرة ، فشكرا وألف شكر لجلالة خليفتنا المقدس الذي أرسلك إلينا ؛ لننعم بالا ، وتقر أعيننا بشمائلك.

أحمد جمال باشا ، ومن ذا الذي لم يتلظ شوقا لرؤية جماله؟! لقد أعجب بسمو أفكاره وعلو مداركه العدو ، فضلا عن الملايين من المسلمين العاشقين له ؛ أوجد في الإسلام روحا شريفة ، نهض بدولة الخلافة بعد أن مزق ستار الأوهام ، وهيأ لأبنائها ما كانوا ينتظرونه من السعد والإقبال ، تولى ـ أطال الله عمره ـ نظارة البحرية فوجدها بحالة يرثى لها ، فشمّر عن ساعد الجد والعمل حتى جعلها في أيام قليلة لا تقل وصفا ـ بإدارة الأمور ـ عن أهم نظارة بحرية أوربية ، أوجد للدولة العلية أسطولا ضخما تهابه أساطيل الأعداء ، تكاتف مع زملائه العظام لرفع شأن الإسلام والنهوض به وتخليص أبنائه من ظلم الأغيار ، فخدمه السعد ، ووهبه الله النصر والظفر ، وأعطاه الحكمة البالغة ، ومنحه شجاعة ما فوقها شجاعة ، وبسالة لم توجد بأحد البسلاء ، ولما رأى ـ حفظه الله وأبقاه ـ دول النفاق الائتلافي تزأر لمحو الإسلام ـ وهو أحد أركانه الناهضين لإحيائه ـ أبت نفسه الشريفة الصبر على هذا الضيم ، فكان أول من استل سيف الجهاد وأصدر أمره لأسطوله المظفر بسحق العدو ، الذي جاء بأسطوله لأبواب دار الخلافة من جهة الدردنيل ، وكان ذلك حيث حقت كلمة الله جل وعلا ، وتمثلت بوجهه الصبوح (الم* غُلِبَتِ الرُّومُ) وبعد أن بطش الأسطول العثماني الذي أوجده جمالنا العظيم تلك البطشة الكبرى ، وفاز باللذة التي لم يفز بها غير الجسور ، صاح بالمسلمين : حي على الجهاد ، حي على الانتقام.

١٣٩

ولما كان قد أخذ على نفسه تخليص البلاد الإسلامية من الأسر والاستعباد ، والنهوض بالعالم الإسلامي إلى العز والافتخار ، فقد تقلد ـ أعانه الله ـ بنفسه قيادة الجيش الرابع ، وآلى على نفسه أن يخلص مصر وإفريقية من مخالب الفسق والفجور ، ويجعل تلك الأراضي المقدسة ، الآهلة بالمسلمين ترفل بحلل السعادة والهناء ، فأمده الله بقوة عظيمة من المعونة الإلهية ، وشرف قدومه السعيد إلى هذه الربوع التي أحياها بعد مماتها.

سورية ، لم تكد تطأ أقدامه هذه البلاد حتى انقلبت فجأة من حال إلى حال ، ولا غرو ، فذلك سر من أسرار الله يهبه لمن يشاء من عباده المخلصين.

أوجد في سورية جيشا عرمرما ، وحياة له طيبة ، طهرها من الفساد ، وزرع فيها حب الإسلام ، وعلم أبنائها كيف يجب أن يعيشوا لإحياء دينهم ، مثل في أعماله الرجال الأولين ، وفاق عنهم بمراحل بما أتاه من المعجزات ، كان يواصل الليل بالنهار يشتغل في إدارة شئون هذه المناطق حتى عمّ ذكره الخافقين ، والتحقت به أبناء هاشم وعدنان.

كان يجد وراء إعمار هذه البلاد ، وبالوقت نفسه كان يسير الأسطول العثماني كيفما يشاء ، ويلهمه الله لكل أمر فيه الخير والنفع العام ، ظهر الخير والبشر في هذه الأنحاء على يده ، وكان قدومه الكريم أكبر مساعد لتحقيقه ، فلم يبق صغير ولا كبير إلا وهو يتوسل ليلا ونهارا لرافع السماء ، وباسط الأرض بأن يمد في حياته ؛ ليعلو شأن الإسلام به ؛ أغنى الفقير ، ورحم الغني ، وساعد المتوسط ، وأشفق على الكبير والصغير حتى امتلك القلوب.

١٤٠