بهجة النفوس والأسرار - ج ٢

الشيخ أبي محمّد عفيف الدين عبد الله بن عبد الملك المرجاني

بهجة النفوس والأسرار - ج ٢

المؤلف:

الشيخ أبي محمّد عفيف الدين عبد الله بن عبد الملك المرجاني


المحقق: محمّد عبد الوهاب فضل
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الغرب الإسلامي ـ بيروت
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٣٠
الجزء ١ الجزء ٢

وولد صلى‌الله‌عليه‌وسلم بمكة المشرفة ليلا.

قال الزبير بن بكار (١) : ولد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، في الدار التي صارت لمحمد بن يوسف ـ أخي الحجاج بن يوسف ـ وقيل : إنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ولد في شعب بني هاشم (٢).

وروي أنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ولد في الدار التي كانت في الزقاق المعروف بزقاق المولد ، وكانت الدار في مهاجر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في يد عقيل بن أبي طالب ، ثم في أيدي ولده ، لأن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، لم يعرض للدار بعد أن فتح مكة ، ثم أن محمد بن يوسف الثقفي ـ أخا الحجاج ـ اشترى تلك الدار من ولد عقيل ، فأدخل البيت في دار بناها وسماها البيضاء ، وهي تعرف بدار ابن يوسف ، فكان البيت في الدار إلى أن حجت الخيزران ، فأخرجت البيت وجعلته مسجدا يصلي الناس فيه رجاء بركته صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وموضع مسقطه صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، في هذا المسجد معروف إلى الآن (٣).

قالت أم عثمان بن أبي العاص (٤) : «شهدت ولادة آمنة برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وكان ليلا فما شيء أنظر إليه من البيت إلا نور ، وإنني لأنظر إلى النجوم تدنو وإني أقول لتقعن عليّ ، ولما وضعته تركت عليه في ليلة ولادته جفنة فانقلبت عنه ، فكانت من آياته» (٥).

__________________

(١) الزبير بن بكار ، أبو عبد الله الأسدي المدني ، قاضي المدينة ، كان ثقة ت ٢٥٦ ه‍.

انظر : ابن حجر : التقريب ص ٢١٤.

(٢) انظر : الطبري : تاريخ الرسل ٢ / ١٥٦ ، ابن الجوزي : الوفا ١ / ٩١ ، ابن كثير : البداية ٢ / ٢٤٣.

(٣) انظر : الأزرقي : أخبار مكة ٢ / ١٩٨ ، الطبري : تاريخ الرسل ٢ / ١٥٦ ، ابن الجوزي : المنتظم ٢ / ٢٤٧ ، ابن كثير : البداية ٢ / ٢٤٣ ، ابن الضياء : تاريخ مكة ص ٧٨.

(٤) أم عثمان بن أبي العاص الثقفي ، روى عنها ابنها عثمان أنها شهدت ولادة آمنة.

انظر : ابن عبد البر : الاستيعاب ٤ / ١٩٤٧.

(٥) كذا ورد عند الطبري في تاريخه ٢ / ١٥٦ ، والماوردي في أعلام النبوة ص ١٩٥ ، وابن الجوزي في المنتظم ٢ / ٢٤٧.

٢١

ويروى : أنه ولد صلى‌الله‌عليه‌وسلم مرجلا ، فخرجت رجلاه أولا ، وفي بعض الروايات :أنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ولد مختونا مقطوع السرة نظيفا ما به قذر (١).

يروى أن ثلاثة عشر نبيا ولدوا مختونين : آدم ، وشيث ، ونوح ، وإدريس ، وسام ، ولوط ، ويوسف ، وموسى ، وشعيب ، وسليمان ، ويحيى ، وعيسى ، ومحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم وعليهم أجمعين (٢).

وقال محمد بن حبيب الهاشمي (٣) : «هم أربعة عشر ، فذكر المذكورين ، إلا إدريس ، وسام ، ويحيى ، وذكر هود ، وصالح ، وزكريا ، وحنظلة بن صفوان نبي أصحاب الرّس».

وقال ابن عباس رضي‌الله‌عنهما : أن عبد المطلب ختن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، يوم سابعه ، وجعل له مأدبة ، وسماه محمدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم (٤).

وروي عن فاطمة أنها كانت تختن ولدها يوم السابع ، وأنكره مالك ، وقال : ذلك من عمل اليهود ، وقال الليث : يختن الصبي ما بين تسع إلى عشر.

وكان صلى‌الله‌عليه‌وسلم يدفن سبعة أشياء من الإنسان : الشعر ، والظفر ، والدم ، والحيض ، والسن ، والقلفة ، والبشمة (٥).

__________________

(١) راجع هذه الروايات عند ابن سعد في طبقاته ١ / ١٠٣ عن ابن عباس ، وعياض في الشفا ١ / ٤٢.

(٢) أوردها ابن الجوزي في تلقيح فهوم ص ٦.

(٣) ورد عند ابن حبيب في المحبر ص ١٣١ ، ونقله عنه : ابن الجوزي في المنتظم ٢ / ١٤٦ وفي تلقيح فهوم ص ٦.

ومحمد بن حبيب الهاشمي ، صاحب كتاب المحبر ، كان عالما بالنسب وأخبار العرب ثقة ت ٢٤٥ ه‍. انظر : الخطيب البغدادي : تاريخ بغداد ٢ / ٢٧٧ ، ابن الجوزي : المنتظم ١١ / ٣٣٥.

(٤) قول ابن عباس ذكره البيهقي في الدلائل ١ / ١١٤ ، وابن كثير في البداية ٢ / ٢٤٦ وقال : في صحته نظر.

(٥) جزء من حديث أخرجه ابن عدي في الكامل ٤ / ١٥١٨ عن ابن عمر.

٢٢

وأصبحت أصنام الدنيا كلها يوم مولد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، منكوسة وأصبح عرش ابليس قد سقط.

عن يحيى بن عروة (١) ، عن أبيه أن نفرا من قريش ، منهم ورقة بن نوفل (٢) ، وزيد بن عمرو بن نفيل (٣) ، وعبيد الله بن جحش (٤) ، وعثمان بن الحويرث كانوا عند صنم لهم قد اجتمعوا إليه يوما ، اتخذوا ذلك اليوم عيدا في كل سنة يعظمونه / وينحرون عنده الجزور ، فرأوه مكبوبا على وجهه ، فأنكروا ذلك وردوه إلى حاله ، فانقلب انقلابا عنيفا ، فردوه ، فانقلب ثالثا ، فقال عثمان بن الحويرث :

أيا صنم العيد الذي صف حوله

صناديد وفد من بعيد ومن قرب

__________________

(١) يحيى بن عروة بن الزبير ، أبو عبد الله الأسدي المدني ، كان محدثا ثقة من السادسة.

انظر : ابن حجر : التقريب ص ٥٩٤.

(٢) ورقة بن نوفل الأسدي ، ابن عم خديجة رضي‌الله‌عنها ، ترك عبادة الأصنام وتنصر ، اختلفوا في إسلامه ، وصرح ابن القيم بإسلامه ، وأرخ ابن فهد وفاته في السنة الرابعة من البعثة النبوية.

انظر : ابن القيم : زاد المعاد ٢ / ٤٨ ، ابن حجر : الاصابة ٣ / ٦٣٣ ، ابن فهد : اتحاف الورى ١ / ٢١٠.

(٣) زيد بن عمرو بن نفيل القرشي العدوي ، كان يطلب الدين وكره النصرانية واليهودية وعبادة الأصنام ، اعتزل قومه وما كانوات يعبدون ، خرج من مكة وأتى الموصل ، ثم أقبل نحو الشام يسأل عن الحنيفية ، وفي طريقه إلى مكة قتل بأرض لخم.

انظر : ابن هشام : السيرة ١ / ٢٢٤ ، ٢٣١ ، ابن الجوزي : المنتظم ٢ / ٣٣٠ ، ابن كثير : البداية ٢ / ٢٢١.

(٤) عبيد الله بن جحش الأسدي ، أسلم وهاجر إلى الحبشة مع زوجته أم حبيبة ، تنصر بأرض الحبشة ، ومات بها نصرانيا لإسرافه في شرب الخمر.

انظر : ابن سعد : الطبقات ٨ / ٩٦ ، ابن عبد البر : الاستيعاب ٤ / ١٨٤٤.

٢٣

تنكست مقلوبا فما ذاك قلنا

بغاك سفيه أو نكوست بالعتب

فإن كان من ذنب أتينا فإننا

نبوء بإقرار ونلوي عن الذنب

وإن كنت مغلوبا نكوست صاغرا

فما أنت في الأوثان بالسيد الرب

ثم ردوا الصنم على حاله ، فهتف بهم هاتف بصوت جهير وهو يقول :

ترد المولود أنارت لنوره

جميع فجاج الأرض بالشرق والغرب

وخرت له الأوثان طرا فأرعدت

قلوب ملوك الأرض طرا من الرعب

ونار جميع الفرس باخت واظلمت

وقد بات شاه الفرس في أعظم الكرب

وصارت عن الكهان بالغيب جنها

فلا مخبر منهم بصدق ولا كذب

فيا لقصي ارجعوا عن ضلالكم

وهبوا إلى الإسلام والمنزل الرحب

فلما سمعو ذلك خلصوا نجيا ، وخرجوا يضربون في الأرض يبتغون دين

٢٤

الحنيفية ـ دين إبراهيم عليه‌السلام ـ فأما ورقة : فتنصر وقرأ الكتب ، وأما عثمان بن الحويرث : فصار إلى قيصر وتنصر ، وأما زيد بن عمرو : فخرج حتى بلغ الرقة من أرض الحيرة ، فلقي بها راهبا ، فأخبره أنه أظل زمان نبي يخرج من مكة يبعث بدين الحنيفية ، فرجع يريد مكة ، فعدت عليه لخم فقتلوه (١).

ولما كانت الليلة التي ولد فيها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وكان بمكة يهودي ، فحضر مجلس قريش وقال : ولد في هذه الليلة نبي بين كتفيه علامة فيها شعرات متواترات كأنها عرف وثن ، فوجدوا قد ولد لعبد المطلب غلاما سموه محمدا ، فأخبروا اليهودي ، فأتى ونظره وقال : ذهبت النبوة من بني إسرائيل يا معشر قريش ، والله ليسطون بكم سطوة يخرج خبرها من المشرق إلى المغرب ، وكان في القوم هشام بن المغيرة ، والوليد بن المغيرة ، وعبيدة بن الحارث ، وعتبة بن ربيعة فعصمه الله تعالى منهم (٢).

وسمع هاتف من الجن يهتف على جبل الحجون [وهو يقول شعرا :](٣)

فأقسم ما أثنى من الناس أنتجت

ولا ولدت أنثى من الناس واجده

كما ولدت زهرية ذات مفخر

مجنه لوم للقبائل ماجده

__________________

(١) الخبر أورده ابن هشام في السيرة ١ / ٢٢٢ ـ ٢٢٥ ، ٢٣٥ ، وابن عبد البر في الاستيعاب ٢ / ٦١٦ ـ ٦١٧ ولم يذكر الشعر ، وابن كثير في البداية ٢ / ٢٢١ ـ ٢٢٢ ولم يذكر الشعر.

(٢) كذا ورد عند الماوردي في أعلام النبوة ص ١٥٣ عن هشام بن عروة ، وابن الجوزي في المنتظم ٢ / ٣٤٢.

(٣) سقط من الأصل والاضافة من (ط).

٢٥

وارتجس إيوان كسرى ، فسقطت منه أربعة عشر شرافة ، وكتب له صاحب اليمن يخبره أن بحيرة ساوة (١) غاضت تلك الليلة ، وكتب إليه صاحب الشام أن وادي السماوة (٢) انقطع تلك الليلة / وكتب إليه صاحب طبرية أن الماء لم يجر في بحيرة طبرية تلك الليلة ، وكتب إليه صاحب فارس ان النيران خمدت تلك الليلة ، ولم تخمد قبل ذلك بألف سنة ، فقال الموبذان لكسرى : وأنا قد رأيت في مثل هذه ليلا إبلا صعابا ، تقود خيلا عرابا قد قطعت دجلة وانتشرت في بلادنا ، فقال : أي شيء يكون هذا يا موبذان؟ قال : حادثة تكون من ناحية العرب ، فكتب إلى النعمان بن المنذر (٣) : أن ابعث إليّ رجلا عالما أسأله ، فوجه [إليه](٤) عبد المسيح بن عمرو بن بقيلة الغساني ، فلما قدم أخبروه ، فقال : علم ذلك عند خال لي يسكن مشارف الشام ، يقال له : سطيح ، فجهزوه إليه ، فلما قدم عليه وجده قد احتضر ، فسلم عليه ، فلم يرد جوابا ، فقال عبد المسيح [شعرا :](٥)

أصم أم يسمع غطريف اليمن

يا فاضل الخطة أعيت من ومن

أم فاز فازلمّ به شأو العنن

أتاك شيخ الحي من آل سنن

__________________

(١) ساوة : بعد الألف واو مفتوحة بعدها هاء ساكنة ، مدينة حسنة بين الري وهمذان.

انظر : ياقوت : معجم البلدان ٣ / ١٧٩.

(٢) السماوة : بفتح أوله ، ماء بالبادية ، وبادية السماوة هي التي بين الكوفة والشام.

انظر : ياقوت : معجم البلدان ٣ / ٢٤٥.

(٣) النعمان بن المنذر اللخمي ، أبو قابوس ، من أشهر ملوك الحيرة ، نقم عليه كسرى فعزله إلى أن مات ، وذلك قبل المبعث بتسعة أشهر.

انظر : ابن حبيب : المحبر ص ٣٦٠ ، ابن الجوزي : المنتظم ٢ / ٣٣٢.

(٤) و (٥) سقط من الأصل والاضافة من (ط).

٢٦

وأمه من آل ذئب بن جحش

أزرق ممهى الناس صرار الأذن

أبيض فضفاض الرداء والبدن

رسول قيل العجم يسرى للوسن

فرفع سطيح رأسه ، وأخبر عبد المسيح بما اتفق وبرؤيا الموبذان ، ثم قال : يا عبد المسيح إذا كثرت التلاوة ، وبعث من تهامة صاحب الهراوة (١) ، وفاض وادي السماوة ، وفاضت بحيرة ساوة ، وخمدت نار فارس ، فليس الشام لسطيح شاما ، يملك منهم ملك وملكات بعدد الشرفات ، وكل ما هو آت آت ، ثم قضى سطيح ، ورجع عبد المسيح إلى كسرى ، وأخبره بقول سطيح ، فقال :إلى أن يملك منا أربعة عشر ملكا قد كانت أمور ، فملك منهم عشرة ملوك في أربع سنين ، وزال ملكهم عند يزدجرد الرابع عشر بعد إثنتى عشرة سنة (٢).

وذكر المسعودي : «أن سطيح نبيا أضاعه قومه فانظروه» وقال في تاريخه «مروج الذهب» (٣) : «سطيح هو : ربيع بن ربيعة بن مسعود بن مازن ابن غسان ، يدرج سائر جسده كما يدرج الثوب ، لا عظم فيه إلا جمجمة رأسه ، وكانت إذا لمست باليد أثرت للين عظمها».

__________________

(١) في الأصل «المراوة» وما أثبتناه من (ط).

(٢) خبر سقوط إيوان كسرى وما يتعلق به أورده الطبري في تاريخه ٢ / ١٦٦ ـ ١٦٨ ، والماوردي في أعلام النبوة ص ١٦٤ ـ ١٦٦ ، وابن الجوزي في المنتظم ٢ / ٢٥٠ ـ ٢٥٢ ، والبيهقي في الدلائل ١ / ١٢٦ ـ ١٣٠ ، والسيوطي في الخصائص ١ / ١٢٧.

(٣) ورد عند المسعودي في مروج الذهب ٢ / ٤٨٤ ، وابن كثير في البداية ٢ / ١٥٠.

٢٧

إشارة على قصة أصحاب الفيل المتقدم ذكرها : (١)

وذلك أن أبرهة بن الصباح ، بنى بصنعاء كنيسة (٢) للنصارى ، ليعدل بالعرب عن حج الكعبة إليها ، فدخل إلى هيكلها بعض بني كنانة من قريش (٣) ، فأحدث فيها ليلا ، فبعث إلى النجاشي يمده بالفيل والجيش ليغزو قريشا ويهدم الكعبة ، وقيل : أن تجارا من قريش نزلوا بفناء بيعة للنصارى وأوقدوا نارا ، فاحترقت البيعة ، فأنفذ النجاشي جيشه ، والفيل مع أبرهة بن الصباح ، وأبي مكسوم ، وحجر بن شراحيل ، والأسود بن مقصود (٤) ، وكان النجاشي هو الملك ، وأبرهة صاحب جيشه على اليمن ، وأبرهة هو الأشرم (٥) ، فبرك منهم الفيل بالمغمس (٦) / ومات أبو رغال بالمغمس ، وهو قائد الفيل (٧).

__________________

(١) تقدم ذلك في الفصل الخامس من الباب الرابع.

(٢) بنى أبرهة كنيسة في صنعاء لم ير مثلها ، وسماها القليس لارتفاع بنائها ، ولم تزل قائمة إلى زمن السفاح أول خلفاء بني العباس ، فبعث جماعة من أهل العزم والعلم فنقضوها.

انظر : الأزرقي : أخبار مكة ١ / ١٣٧ ، الطبري : تاريخ الرسل ٢ / ١٣٠ ، ابن الجوزي : المنتظم ٢ / ١٢١ ، ابن كثير : البداية ٢ / ١٥٨.

(٣) أحد بني فقيم بن عدي بن عامر بن ثعلبة بن الحارث بن مالك بن كنانة.

انظر : ابن هشام : السيرة ١ / ٤٣ ، الطبري : تاريخ الرسل ٢ / ١٣٠ ، ابن الجوزي : المنتظم ٢ / ١٢٢.

(٤) كان أبو مكسوم وزيرا للنجاشي ، أما حجر بن شراحيل والأسود بن مقصود فكانا من قواد النجاشي.

انظر : الماوردي : أعلام النبوة ص ١٩٠.

(٥) سمي أبرهة الأشرم ، ذلك أن أرياط ضرب أبرهة بالحربة يريد يافوخه ، فوقعت الحربة على جبهة أبرهة فشرمت حاجبه وعينه وأنفه وشفتيه ، فبذلك سمي أبرهة الأشرم.

انظر : ابن هشام : السيرة ١ / ٤٢ ، الأزرقي : أخبار مكة ١ / ١٣٧ ، الطبري : تاريخ الرسل ٢ / ١٢٩.

(٦) المغمس : بالضم ثم الفتح وتشديد الميم وفتحها ، موضع قرب مكة في طريق الطائف.

انظر : ياقوت : معجم البلدان ٥ / ١٦١.

(٧) كذا ورد عند الماوردي في أعلام النبوة ص ١٩٠.

٢٨

قيل : كانت الفيلة إثنى عشر ، وقيل : ثمانية ، وأقبل عليهم الطير من ناحية البحر (١) يوم الإثنين ، فألقت على القوم حجارة فأهلكتهم ، ورجع أبرهة إلى اليمن إلى أن دخل صنعاء ، وسقط عليه حجر فمات (٢).

ثم أخذ بنوا عبد المطلب أموالهم ، فكانت أول أموال عبد المطلب (٣).

قال الله تعالى : (تَرْمِيهِمْ بِحِجارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ)(٤) قال ابن قتيبة :معناه بالفارسية : حجارة من طين (٥). وقال ابن عباس : سجيل آجر ، وسجين جبس ، وكان على كل حجر اسم صاحبه ، وكانت على قدر العدس ، وقيل :على قدر رأس الرجل (٦).

ثم إن النجاشي آمن بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم واسمه أصحمه بن أبحر ومعناه عطية (٧).

__________________

(١) أرسل الله تعالى عليهم طيرا من البحر أمثال الخطاطيف ، مع كل طائر ثلاثة أحجار يحملها ، حجر في منقاره وحجران في رجليه مثل الحمص والعدس ، لا تصيب منهم أحدا إلا هلك ، وما يقع حجر على رأس رجل إلا خرج من دبره ، ولا يقع على شيء من جسده إلا خرج من الجانب الآخر.

انظر : ابن هشام : السيرة ١ / ٥٣ ، الطبري : تاريخ الرسل ٢ / ١٣٦ ، الماوردي : أعلام النبوة ص ١٩٢ ، ابن كثير : البداية ٢ / ١٦٠.

(٢) أصيب أبرهة في جسده ، وخرجوا به معهم تسقط أنامله أنملة أنملة ، كلما سقطت منه أنملة أتبعتها منه مدة تمث قيحا ودما ، حتى قدموا به صنعاء ، وهو مثل فرخ الطائر ، فما مات حتى انصدع صدره عن قلبه.

انظر : ابن هشام : السيرة ١ / ٥٤ ، الطبري : تاريخ الرسل ٢ / ١٣٦ ، الماوردي : أعلام النبوة ص ١٩٢.

(٣) كذا عند الماوردي في أعلام النبوة ص ١٩٢.

(٤) سورة الفيل آية (٤).

(٥) قول ابن قتيبة ورد عند الجواليقي في المعرب ص ٢٢٩.

(٦) انظر : القرطبي : الجامع ٢٠ / ١٩٦ ، ١٩٨ ، ابن كثير : البداية ٢ / ١٦٢ ، السيوطي : الدر المنثور ٨ / ٦٣١.

(٧) أصحمة : بفتح الهمزة وسكون الصاد المهملة وفتح الحاء والميم بوزن أربعة. ومعناه بالعربية العطية. كان عبدا صالحا لبيبا ، هاجر المسلمون إليه ، وأسلم حين أرسل له الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم

٢٩

والنجاشي لقب كمثل تبع لملك اليمن (١) ، والحنشو لملك الهياطلة ، والأفشين لملك أشروسنة ، والأخشيد لملك مصر ، وخاقان للترك ، وكسرى لفارس (٢) ، وقيصر للروم معناه : الكبير واسمه هرقل (٣) ، وفرعون للقبط (٤) ، والفنس للنصارى ، والفرنسيس للإفرنج ، وقيل : النجاشي اسم لكل من ملك الحبشة ، وكسرى اسم لكل من ملك فارس ، وبطليموس اسم لكل من ملك اليونان ، وقيطوراء اسم لكل من ملك اليهود ، والجالوت اسم لكل من ملك البربر.

والنجاشي : بفتح النون ، وقال الأخفش : بكسرها (٥) ، مات بالحبشة ٦ ، وخرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، إلى البقيع وصلى عليه صلاة الغائب في الساعة

__________________

كتابا يدعوه فيه إلى الإسلام ، وله الأفعال الحميدة والإعانة للمسلمين.

انظر : ابن سعد : الطبقات ١ / ٢٥٨ ، الطبري : تاريخ الرسل ٣ / ١٢٢ ، ابن الجوزي : المنتظم ٣ / ٣٧٥ ، ابن حديدة : المصباح المضي ٢ / ١٨ ، ٣٤ ـ ٣٥ ، السيوطي : رفع شأن ص ٢١٩ ، ٢٢٨ ، ٢٣٤.

(١) النجاشي اسم لكل من ملك الحبشة ، والتتابعة بأرض اليمن واحدهم تبع ، وكانت العرب تسمي كل من ملك اليمن مع الشحر وحضرموت تبعا.

انظر : ابن حديدة : المصباح المضي ٢ / ٢٣٠ ، القلقشندي : صبح الأعشى ٥ / ٤٨٠ ، السيوطي :رفع شأن ص ٢٢٢.

(٢) كانت العرب تسمي من ملك الفرس كسرى ، وكان يدعى بشاشاه.

انظر : الجواليقي : المعرب ص ٢٧١ ، ابن كثير : البداية ٢ / ١٤٧ ، ابن حديدة : المصباح المضي ٢ / ١٧.

(٣) كانت العرب تسمى من ملك الشام مع الجزيرة قيصرا ، واسم قيصر مشتق في لغتهم من القطع لأن أحشاء أمه قطعت.

انظر : الجواليقي : المعرب ص ٢٧١ ، القلقشندي : صبح الأعشى ٥ / ٤٨٢.

(٤) كانت العرب تسمي من ملك مصر فرعونا. انظر : الجواليقي : المعرب ص ٢٩٤.

(٥) انظر : ابن حديدة : المصباح المضي ٢ / ١٨ ، ابن منظور : اللسان مادة «نجش».

٣٠

التي توفي فيها (١).

سؤال : إن قيل : كيف منع أصحاب الفيل من الكعبة قبل مصيرها قبلة ومنسكا ، ولم يمنع الحجاج من هدمها (٢) ، وقد صارت قبلة ومنسكا حتى أحرقها ونصب المنجنيق عليها؟

فالجواب : إن فعل الحجاج كان بعد إستقرار الدين ، فاستغنى عن آيات تأسيسه ، وأصحاب الفيل كانوا قبل ظهور النبوة فجعل المنع آية لتأسيس النبوة ومجيء الرسالة ، على أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قد أنذر بهدمها (٣) ، فصار الهدم آية بعدما كان المنع آية (٤)

__________________

(١) توفى النجاشي في رجب سنة تسع من الهجرة.

انظر : خليفة : تاريخ خليفة ١ / ٥٧ ، الطبري : تاريخ الرسل ٣ / ١٢٢ ، ابن الجوزي : المنتظم ٣ / ٣٧٥ ، السيوطي : رفع شأن ص ٢٣٤.

أخرجه مالك في الموطأ ١ / ٢٢٦ عن أبي هريرة ، والبخاري في صحيحه كتاب الجنائز بال الرجل ينعي إلى أهل الميت بنفسه عن أبي هريرة برقم (١٢٤٥) ٢ / ٩٠ ، ومسلم في صحيحه كتاب الجنائز باب التكبيرة على الجنازة برقم (٦٢) ٢ / ٦٥٦ ، والترمذي في سننه عن عمران برقم (١٠٣٩) ٣ / ٣٥٧.

(٢) كان أهل الحجاز بايعوا عبد الله بن الزبير بالخلافة سنة ٦٤ ه‍ ، ولما تولى عبد الملك بن مروان الخلافة أرسل قائده الحجاج إلى الحجاز لضرب ابن الزبير في ذي القعدة سنة ٧٢ ه‍ ، وما زال الحجاج يحصره حتى هدموا الكعبة.

انظر : الطبري : تاريخ الرسل ٦ / ١٨٧ ـ ١٩٢ ، ابن الجوزي : المنتظم ٦ / ٢٣ ، ١٢٤ ـ ١٢٧.

(٣) فقد أنذر الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم بهدمها في آخر الزمان ، وروى الحديث بطرق متعددة ، فأخرجه أحمد في المسند ٢ / ٢٢٠ عن ابن عمرو ، والبخاري في صحيحه كتاب الحج باب قول الله تعالى (جَعَلَ اللهُ الْكَعْبَةَ) عن أبي هريرة برقم (١٥٩١) ٢ / ١٩٣ ، ومسلم في صحيحه كتاب الفتن عن أبي هريرة برقم (٥٧) ٢ / ٢٢٣٢ ، والحاكم في المستدرك ٤ / ٤٥٣ عن أبي هريرة.

(٤) كذا ورد عند الماوردي في أعلام النبوة ص ١٩٣.

قلت : قول المؤلف : «إن فعل الحجاج كان بعد استقرار الدين ، فاستغنى عن آيات تأسيسه ، وأصحاب الفيل كانوا قبل ظهور النبوة فجعل المنع آية لتأسيس النبوة» هو الجواب الذي اكتفى به المحققون في تعليل منع الله بيته وحمايته من كيد أعدائه قبيل نبوة رسول الله ليكون ذلك إرهاصا يؤذن ببعثته ويمهد للتصديق برسالته صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

٣١

المنجنيق (١) : أول من استخرجه إبليس كما استخرج المنشار حين قتل زكريا عليه‌السلام.

وقد عاصر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، في زمان نبوته وبعد هجرته جماعة شاهدوا الفيل منهم : حكيم بن حزام (٢) ، وحويطب بن عبد العزى (٣) ، ونوفل بن معاوية (٤) ، لأن كل واحد من هؤلاء عاش مائة وعشرين سنة ، منها ستين في الجاهلية ، وستين في الإسلام (٥) ، فأما حكيم بن حزام فإنه ولد في جوف الكعبة ٦.

__________________

أما قول المؤلف «فصار الهدم آية بعد ما كان المنع آية» : فهو غير مطرد ، باعتبار أن إعلام النبي بهدم الكعبة في قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم «كأني أنظر إلى ذي السويقتين من الحبشة يهدم الكعبة وينقضها حجرا حجرا ...» فهذا صريح في كون إعلام النبي بهدم الكعبة إعلام ببعض فتن آخر الزمان.

وعلى هذا فالنبي لم يخبر بهدم الحجاج للكعبة ، والحجاج تابعي معظم للكعبة ولم يقم بهدم الكعبة ولم يقصد ذلك ، وإنما رمى ابن الزبير بالمنجنيق ، فنتج عن ذلك تصدع الكعبة ، فلما ظفر بابن الزبير نقض الكعبة في إجلال وتعظيم وأعاد بنائها كما كانت في عهد النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

(١) المنجنيق : بفتح الميم وكسرها ، آلة ترمى بها الحجارة.

انظر : الجواليقي : المعرب ص ٣٥٤.

(٢) حكيم بن حزام بن خويلد ، أبو خالد القرشي الأسدي ، هو ابن أخي خديجة رضي‌الله‌عنها ، وهو من مسلمة الفتح ، توفي بالمدينة سنة ٥٤ ه‍ وهو ابن مائة وعشرين سنة.

انظر : ابن عبد البر : الاستيعاب ١ / ٣٦٢.

(٣) حويطب بن عبد العزي القرشي العامري ، كان من مسلمة الفتح ، مات في خلافة معاوية وهو ابن مائة وعشرين سنة.

انظر : ابن عبد البر : الاستيعاب ١ / ٣٩٩.

(٤) نوفل بن معاوية الديلي ، أول مشاهده مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فتح مكة ، توفى بالمدينة في زمن يزيد بن معاوية.

انظر : ابن عبد البر : الاستيعاب ٤ / ١٥١٣.

(٥) ذلك أن أمه دخلت الكعبة مع نسوة من قريش وهي حامل فضربها المخاض ، فأتيت بنطع فولدت حكيم بن حزام عليه.

انظر : ابن عبد البر : الاستيعاب ١ / ٣٦٢.

٣٢

الفصل الرابع

في ذكر أسماء النبي الأسنى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وما خصه الله به من أسمائه الحسنى

اعلم أن أسماءه ـ عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام وأكمله وأتمه ـ حازت أوائلها حروف المعجم ما خلا اللام ، ومنها معرب ومعجم.

عن محمد بن جبير بن مطعم (١) / عن أبيه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم :«لي خمسة أسماء : أنا محمد ، وأنا أحمد ، وأنا الماحي الذي يمحو الله بي الكفر ، وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي ، وأنا العاقب» (٢).

وقد سمى الله تعالى أمته في كتب أنبيائه بالحمادين فحق له أن يسمى محمدا وأحمدا (٣).

وخص لفظة أحمد فيما بشره عيسى عليه‌السلام ، تنبيها على أنه أحمد منه ومن الذين كانوا [من](٤) قبله قال الله تعالى : (وَإِذْ قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يا بَنِي إِسْرائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْراةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ)(٥).

__________________

(١) محمد بن جبير بن مطعم بن عدي القرشي إمام وفقيه ، مات في خلافة عمر بن عبد العزيز.

انظر : ابن سعد : الطبقات ٥ / ٢٠٥ ، ابن حجر : التهذيب ٩ / ٩١.

(٢) حديث محمد بن جبير : أخرجه البخاري في صحيحه كتاب المناقب باب ما جاء في أسماء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم برقم (٣٥٣٢) ٤ / ١٩٦ ، ومسلم في صحيحه كتاب الفضائل باب في أسمائه صلى‌الله‌عليه‌وسلم برقم (١٢٥) ٢ / ١٨٢٨ ، ومالك في الموطأ ٢ / ١٠٠٤ ، والترمذي في سننه ٥ / ١٢٤ كتاب الأدب باب أسماء النبي.

(٣) كذا ورد عند عياض في الشفا ١ / ١٤٥.

(٤) سقط من الأصل والاضافة من. ط).

(٥) سورة الصف آية (٦). وما قبل الآية كذا ورد عند عياض في الشفا ١ / ١٤٥.

٣٣

وحمي سبحانه أن يتسمى أحد قبل زمانه بأحمد أو محمد ، فأما أحمد قطعا ، وأما محمد فلم يسم به أحد من العرب ولا غيرهم إلا بعد أن شاع قبيل وجوده صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أن نبيا يبعث اسمه محمد ، فسمي قوم قليل من العرب أبنائهم بذلك رجاء أن يكون أحدهم وهم : محمد بن أجيحة بن الجلاح الأوسي ، ومحمد بن مسلمة الأنصاري ، ومحمد بن براء البكري ، ومحمد بن سفيان بن مجاشع ـ وهو أول من تسمى محمدا ـ ومحمد بن حمران الجعفي ، ومحمد بن خزاعي السلمي ، ومحمد بن سعادة ، وقيل : أول من تسمى محمدا : محمد بن اليحمد من الأزد (١).

وقد سماه الله تعالى أحمد في كتاب شعيا بن أموص ، من أنبياء بني إسرائيل ، فقال في الفصل السادس عشر منه : «لتفرح لك البادية العطشى ولتبتهج البراري والفلوات ولتسر وتزهو مثل الوعل فإنها ستعطي بأحمد على كتفه محاسن لبنان ، ويكمل أحسن الدساكر والرياض وسترون جلال الله تعالى بها الأنبياء». قال شعيا : «وسلطانه على كتفه» يريد علامة نبوته ، وهذه صفة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ويأويه الحجاز (٢).

وكذلك أتى اسمه في التوراة فقال : «أسدده لكل جميل وأهب له كل خلق كريم ، وأجعل السكينة لباسه ، والبر شعاره ، والتقوى ضميره ، والحكمة مقولة ، والصدق والوفاء طبيعته ، والعفو والمعروف خلقه ، والعدل سيرته ، والحق شريعته ، والهدى أمامه ، والإسلام ملته ، وأحمد اسمه أهدى به بعد الضلالة ، وأعلم به بعد الجهالة ، وأرفع به بعد الخمالة ، وأسمى به بعد النكرة ،

__________________

(١) كذا ورد عند عياض في الشفا ١ / ١٤٥ ، وابن كثير في البداية ٢ / ٢٤١ نقلا عن القاضي عياض.

(٢) كذا ورد عند الماوردي في أعلام النبوة ص ١٢٩ ما جاء في كتاب شعيا من البشارة بنبوة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

٣٤

وأكثر به بعد القلة ، وأغنى به بعد العيلة ، وأجمع به بعد الفرقة ، وأولف به بين قلوب مختلفة وأهواء مشتتة وأمم متفرقة ، وأجعل أمته خير أمة أخرجت للناس. واسمه في الإنجيل أحمد وفي التوراة حامد» (١).

قال أهل التاريخ : وأول من تسمى بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أحمد : أحمد أبي الخليل (٢) ، وأول من تسمى بعده محمدا : محمد بن حاطب الجمحي تسمى بذلك في حياته صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وتوفى بمكة سنة أربع وسبعين (٣).

قوله عليه الصلاة والسلام : «وأنا الماحي الذي يمحو الله بي الكفر» :يعني محو الكفر مما / زوى له من الأرض ووعد أنه يبلغه ملك أمته ، وقيل :يمحو عاما بمعنى الظهور والغلبة واسمه صلى‌الله‌عليه‌وسلم في التوراة الماحي (٤).

قوله : «وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي وعلى عقبي» : أي على زماني ليس بعدي نبي (٥).

وسمي عاقبا : لأنه عقب غيره من الأنبياء ومعناه : آخر الأنبياء (٦).

وقوله عليه‌السلام : «لي خمسة أسماء» : قيل إنها موجودة في الكتب المتقدمة (٧).

__________________

(١) كذا ورد عند الماوردي في أعلام النبوة ص ١٢٨ ـ ١٢٩ بشارة موسى عليه‌السلام في التوراة بالنبي محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

(٢) انظر : القفطي : انباه الرواة ١ / ٣٤٤ ، ابن الجوزي : المنتظم ٦ / ٣٩.

(٣) انظر : ابن عبد البر : الاستيعاب ٣ / ٣٦٨ ، ابن الجوزي : المنتظم ٦ / ١٤٦.

(٤) انظر : الطبري : تاريخ الرسل ٣ / ١٧٨ ، عياض : الشفا ١ / ١٤٦.

(٥) انظر : عياض : الشفا ١ / ١٤٦.

(٦) انظر : الطبري : تاريخ الرسل ٣ / ١٧٨ ، عياض : الشفا ١ / ١٤٦.

(٧) كذا ورد عند عياض في الشفا ١ / ١٤٦.

٣٥

وروي عنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لي عشرة أسماء ، ذكر منها : طه ، ويس». حكاه السلمي ، عن الواسطي وجعفر بن محمد (١). وذكر غيره : «لي عشرة أسماء ـ فذكر الخمسة المتقدمة ـ قال : وأنا رسول الرحمة ، ورسول الراحة ، ورسول الملاحم ، وأنا المقفي قفوت النبيين ، وأنا قيم» (٢). والقيم : الجامع الكامل.

قال القاضي عياض (٣) : «كذا وجدته ولم أروه ، وأرى أن صوابه :قثم بالمثلثة كما ذكرناه عن الحربي وهو أشبه بالتفسير ، وقد وقع في كتب الأنبياء ، قال داود عليه‌السلام : اللهم ابعث لنا محمدا مقيم السنة بعد الفترة ، فقد يكون القيم بمعناه ، وروى النقاش عنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم : لي في القرآن سبعة أسماء : محمد ، وأحمد ، ويس ، وطه ، والمدثر ، والمزمل ، وعبد الله».

وفي حديث [عن](٤) جبير بن مطعم : هي ستة : «محمد ، وأحمد ، وخاتم ، وحاشر ، وعاقب ، وماح» (٥).

وعن أبي موسى الأشعري : أنه كان عليه‌السلام يسمي لنا نفسه أسماء فيقول : «أنا محمد ، وأحمد ، والمقفّي ، والحاشر ، ونبي التوبة ، ونبي الملحمة ، وفي رواية : «ونبي الملاحم» ، ويروى [«المرحمة](٦) والراحة»

__________________

(١) حديث جعفر بن محمد : أخرجه عياض في الشفا ١ / ١٤٦.

(٢) رواية «لي عشرة أسماء» ذكرها ابن سعد في الطبقات ١ / ١٠٤ ، وأحمد في المسند ٤ / ٨١ ، ٨٤ ، ٣٩٥ ، ٥ / ٤٠٥ ، والبيهقي في الدلائل ١ / ١٢٥ ، ١٥٧ ٤ / ٣٣٨ ، وعياض في الشفا ١ / ١٤٦.

(٣) ورد عند القاضي عياض في الشفا ١ / ١٤٦.

(٤) سقط من الأصل والاضافة من (ط).

(٥) حديث جبير بن مطعم : أخرجه ابن سعد في الطبقات ١ / ١٠٥ ، وعياض في الشفا ١ / ١٤٧.

(٦) سقط من الأصل والاضافة من (ط).

٣٦

[وكل صحيح (١).

قال القاضي عياض (٢) : «معنى المقفي ، معناه : العاقب ، وأما نبي الرحمة ، والتوبة ، والمرحمة ، والراحة](٣) فقال تعالى : (وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ)(٤) وقال : (وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَواصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ)(٥) وأما رواية : نبي الملحمة فإشارة إلى ما بعث به عليه‌السلام من القتال والسيف ، والملاحم من الحرب أيضا ، وفي رواية الحربي أنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : أتاني الملك فقال :أنت قثم والقثوم الجامع للخير ، وقيل : اسمه هو في بيت آله صلى‌الله‌عليه‌وسلم معلوم ، وقيل : القثم كثير العطاء».

وقد سماه الله تعالى في اية واحدة سبعة أسماء ، فقال تعالى :(يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً وَداعِياً إِلَى اللهِ بِإِذْنِهِ وَسِراجاً مُنِيراً)(٦) يعني : شاهدا على أمتك وعلى جميع الأمم ، ومبشرا لمن آمن بك ، ونذيرا لمن كفر بك ، وداعيا إلى طاعة الله وسراجا منيرا نورا وضياء لمن آمن بك (وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللهِ فَضْلاً كَبِيراً)(٧) وهي الجنة (٨).

__________________

(١) حديث أبي موسى : أخرجه مسلم في صحيحه كتاب الفضائل باب في أسمائه صلى‌الله‌عليه‌وسلم برقم (١٢٦) ٤ / ١٨٢٨ ، وابن سعد في طبقاته ١ / ١٠٤ ، والطبري في تاريخه ٣ / ١٧٨ ، وعياض في الشفا ١ / ١٤٧ ، وابن الجوزي في الوفا ١ / ١٠٣.

(٢) ورد عند القاضي عياض في الشفا ١ / ١٤٧ ، وابن الجوزي في تلقيح فهوم ص ٩.

(٣) سقط من الأصل والاضافة من (ط).

(٤) سورة الأنبياء آية (١٠٧).

(٥) سورة البلد آية (١٧).

(٦) سورة الأحزاب آية (٤٥ ـ ٤٦).

(٧) سورة الأحزاب آية (٤٧).

(٨) انظر : البيهقي : الدلائل ١ / ١٦٠ ، والقرطبي : الجامع ١٤ / ١٩٩ ـ ٢٠٠ ، السيوطي : الدر المنثور ٦ / ٦٢٥.

٣٧

قيل : إن الله تعالى ذكر نبيه صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، في القرآن في ألف موضع ـ رواه ابن جملة ـ منها : المزمل ، والمدثر ، وأحمد ، وأبطحى ، وامام ، وأول ، وآخر ، وأمين ، وأمي ، والمذكر ، وأذن ، وبار ، وبيان ، وبرهان ، وباطن ، وبشير ، والرسول ، ونبي ، وشاهد ، ومبشر ، ونذير ، وسراج ، ومنير ، ورؤف ، ورحيم ، ومحمد ، وحامد ، ومحمود ، وقاسم ، وعاقب ، وحاشر ، وهادي ، ومهتدي ، وطس ، وحم ، وصفي ، ومصطفى ، ومرتضى ، ومجتبى ، وناصر ، وقائم ، وحافظ ، / وشهيد ، وعادل ، وحكيم ، وحجة ، ومؤمن ، وعليم ، ومطيع ، وواعظ ، وصادق ، وقرشي ، وهاشمي ، ومكي ، ومدني ، وعزيز ، وحريص ، ويتيم ، وعائل ، وغني ، وجواد ، وعالم ، وفتاح ، وطاهر ، ومطهر ، وخطيب ، وفصيح ، ومتقي ، وسابق ، ومقتضى ، ومهلل ، وشفيع ، ومشفع ، وطيب ، ومطيب ، وطاهر ، وحليم ، وشكور ، ورقيب ، ومبين ، وولي ، وحرمي ، وزكي ، ومهدي ، وكليم ، وتام ، وحافظ ، ومذكور ، وناطق ، ومصدوق ، ورشيد ، ومرشد ، ومصدق ، وسلام ، ومنذر ، وعبد ، وكريم ، ومحلل ، ومحرم ، وواضع ، ورافع ، ومجيد ، وثاني اثنين ، ومنصور ، وخير ، ونقيب ، وعلي ، ومهاجر ، وعامل ، ومبارك ، ورحمة ، وناهي ، ومتوسط ، وشفاء ، وفصيح ، وشافع ، وتقي ، وقريب ، ومنيب ، وفاتح ، وعظيم (١).

__________________

(١) راجع ما ورد منها عند القاضي عياض في الشفا ١ / ١٤٨.

قلت : الذي ثبت من أسماء الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم ما ورد في صحيح البخاري ومسلم وموطأ مالك قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم «لي خمسة أسماء : أنا محمد وأنا أحمد وأنا الماحي ... وأنا الحاشر ... وأنا العاقب».

انظر : صحيح البخاري كتاب المناقب باب ما جاء في أسماء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم برقم (٣٥٣٢) ٤ / ١٩٦ ، وصحيح مسلم كتاب الفضائل باب في أسمائه صلى‌الله‌عليه‌وسلم برقم (١٢٥) ٢ / ١٨٢٨ ، وموطأ مالك ٢ / ١٠٠٤.

٣٨

ومن ألقابه صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وسماته في القرآن عدة كثيرة حسبما ذكرنا.

وقال أبو بكر ابن العربي : ومن أسمائه عليه الصلاة والسلام : قائد الغر المحجلين ، وحبيب الله ، وخليل الرحمن ، وصاحب الحوض المورود ، والشفاعة ، والمقام المحمود ، وصاحب الوسيلة ، والفضيلة ، والدرجة الرفيعة ، والرأفة ، والرحمة ، وصاحب التاج ، والمعراج ، واللواء ، والقضيب ، وراكب البراق ، والناقة ، والنجيب ، وصاحب الحجة ، والسلطان ، والخاتم ، والبرهان ، وصاحب الهراوة ، والنعلين ، وروح الحق ، وقدم الصدق ، ورحمة للعالمين ، ونعمة الله ، والعروة الوثقى ، والصراط المستقيم ، والنجم الثاقب ، وداعي الله ، وأبي القاسم ، ورسول رب العالمين ، والمصلح ، والمهيمن ، وسيد ولد آدم ، وسيد المرسلين ، وإمام المتقين ، والحق المبين ، وخاتم النبيين ، والرؤف الرحيم ، والنبي الأمي (١).

ومعنى صاحب القضيب : أي صاحب السيف ، وقع مفسرا في الإنجيل قال : معه قضيب من حديد يقاتل به وأمته كذلك ، ويحتمل أنه القضيب الممشوق ، وقيل : العصا المذكورة في حديث الحوض (٢) : «أزود الناس عنه بعصاي».

قاله : القاضي عياض (٣).

والهراوة : هي في اللغة العصا ، والتاج : العمامة ولم تكن حينئذ إلا للعرب (٤) ، ونهى صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن الإقتعاط وأمر بالتلحي. والإقتعاط : أن يدير العمامة

__________________

(١) كذا ورد عند عياض في الشفا ١ / ١٤٨.

(٢) حديث الحوض : أخرجه مسلم في صحيحه كتاب الفضائل باب اثبات حوض نبينا صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن ثوبان برقم (٣٧) ١٧٩٩ ، وراجع أحاديث الحوض عند ابن الجوزي في الوفا ٢ / ٨١٦ ، وابن كثير في النهاية ٢ / ٣٠ ـ ٦٧ ، والهيثمي في مجمع الزوائد ١٠ / ٣٦٣ ـ ٣٧٠.

(٣) ورد عند القاضي عياض في الشفا ١ / ١٤٩.

(٤) كذا ورد عند عياض في الشفا ١ / ١٤٩ وأضاف «والعمائم تيجان العرب».

٣٩

ويترك التحنك (١) ، وصاحب الحجة والسلطان ، وخاتم النبوة وسلطانه على كتفه (٢).

ومن أسمائه صلى‌الله‌عليه‌وسلم في الكتب الإلهية : المتوكل ، والمختار ، ومقيم السنة ، والمقدّس ، وروح الحق ومعناه : البارقليط في الإنجيل. حكاه عياض (٣).

وقال ثعلب (٤) : البارقليط الذي يفرق بين الحق والباطل ، والمتوكل هو اسمه صلى‌الله‌عليه‌وسلم في التوراة (٥).

عن عطاء بن يسار قال : لقيت عبد الله بن عمرو بن العاص (٦) ، قلت :أخبرني عن صفة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قال : «أجل ، إنه والله الموصوف في التوراة ببعض صفته في القرآن : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً)(٧) وحرزا للأميين ، أنت عبدي ورسولي سميتك : المتوكل لست بفظ ، ولا سخاب في الأسواق ، ولا يدفع السيئة بالسيئة ، ولكن يعفو

__________________

(١) الإقتعاط هو أن يعتم بالعمامة ولا يجعل منها شيئا تحت ذقنه ، ويقال للعمامة : المقعطة وهي ما تعصب به رأسك.

انظر : ابن الأثير : النهاية في غريب الحديث ٤ / ٨٨.

(٢) انظر : عياض : الشفا ١ / ١٤٩ ، ومعني سلطانه على كتفه كما ذكر الماوردي في أعلام النبوة ص ١٣٠ : «يريد علامة نبوته على كتفه».

(٣) ورد عند القاضي عياض في الشفا ١ / ١٤٨.

(٤) أحمد بن يحيى ، أبو العباس ثعلب ، امام الكوفيين في النحو واللغة ت ٢٩١ ه‍.

انظر : الخطيب البغدادي : تاريخ بغداد ٥ / ٢٠٤ ، القفطي : انباه الرواة ١ / ١٣٨ ، ابن الجوزي :المنتظم ١٣ / ٢٤ ، ياقوت : معجم الأدباء ٥ / ١٠٢.

(٥) قول ثعلب ورد عند عياض في الشفا ١ / ١٤٨.

(٦) عبد الله بن عمرو بن العاص ، أبو محمد السهمي ، كان محدثا ثقة ، ت ٦٥ ه‍.

انظر : ابن سعد : الطبقات ٤ / ٢٦١ ، ابن عبد البر : الاستيعاب ٣ / ٩٥٦.

(٧) سورة الأحزاب آية (٤٥ ـ ٤٦).

٤٠