بهجة النفوس والأسرار - ج ٢

الشيخ أبي محمّد عفيف الدين عبد الله بن عبد الملك المرجاني

بهجة النفوس والأسرار - ج ٢

المؤلف:

الشيخ أبي محمّد عفيف الدين عبد الله بن عبد الملك المرجاني


المحقق: محمّد عبد الوهاب فضل
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الغرب الإسلامي ـ بيروت
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٣٠
الجزء ١ الجزء ٢

ألحق الرجل فبشره أن الله عزوجل قد غفر له بشفاعتي (١).

وقد خمس هذين البيتين الشيخ محمد بن أحمد بن أمين الأفشهري ـ رحمه‌الله تعالى فقال :

خير المزار لدينا ثم أعظمه

وخير من سر عرش الرب مقدمه

ناديته بمقول وهو أقومه

يا خير من دفنت في التراب أعظمه

فطاب من طيبهن القاع والأكم

طوبى لجاركم طابت مساكنه

جار يجاور جار الربع آمنه

قول إذا قلت تشفيني محاسنه

نفسي الفداء لقبر أنت ساكنه

فيه العفاف وفيه الجود والكرم (٢)

__________________

(١) الخبر والشعر أورده ابن النجار في الدرة الثمينة ٢ / ٣٩٩ عن محمد بن حرب ، المراغي في تحقيق النصرة ص ١١١ ، ابن الضياء في تاريخ مكة ص ٢٦٣ ، النهرواني في تاريخ المدينة (ق ٢٥٥ ـ ٢٥٦).

وقد علق الاستاذ سعود بن ابراهيم الشريم على الحكاية في كتابه «المنهاج للمعتمر والحاج» ص ١١٣ بقوله : «وهذه الحكاية لا يحتج بها عند أهل العلم ، فإسنادها مظلم ، وهي حكاية منكرة ، ولو كانت ثابتة لم يكن فيها حجة على المطلوب ، ثم أن المنامات ليست حجة في الأحكام فكيف بالعقائد؟».

(٢) راجع تخميس الأفشهري عند ابن الضياء في تاريخ مكة ص ٢٦٤ ، النهرواني في تاريخ المدينة (ق ٢٥٦ ـ ٢٥٧).

٣٢١

الباب العاشر

في ذكر بقيع الغرقد ، وفضله وكيفية زيارته والحض على زيارة

القبور مطلقا ، وذكر من يعرف به من أهل البيت والصحابة وغيرهم

رضوان الله تعالى عليهم أجمعين

وفيه خمسة فصول :

الفصل الأول

في أصله وفضله

أصل البقيع في اللغة : المكان المتسع ، وقال قوم لا يكون بقيعا إلا وفيه شجر ، وبقيع الغرقد كان ذا شجر ، فذهب الشجر ، وبقي الإسم ، وهو مقبرة المدينة من شرقيها ، وتسمى المقبرة بلدا لكونها موطنا للأموات ، وكذلك المفازة لكونها موطنا للوحش (١).

عن محمد بن كعب القرظي ، أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «من دفناه في مقبرتنا هذه شفعنا له ـ أو شهدنا له» (٢).

وعن حكّام بن عبد الله الشامي ، عن أبي عبد الملك ، أنه حدثه حديثا يرفعه إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «مقبرتان تضيئان لأهل السماء كما يضيء

__________________

(١) راجع أصل الكلمة عند ياقوت في معجم البلدان ٤ / ١٩٤ ، الفيروز ابادي في المغانم ص ٦١ ، ابن منظور في اللسان مادة «بقع» ، السمهودي في وفاء الوفا ص ١١٥٤.

(٢) حديث محمد بن كعب : أخرجه ابن شبة في تاريخ المدينة ١ / ٩٧ ، ابن النجار في الدرة الثمينة ٢ / ٤٠٢ ، المطري في التعريف ص ٤٥ ، المراغي في تحقيق النصرة ص ١٢٥ ، السمهودي في وفاء الوفا ص ٨٨٩.

٣٢٢

الشمس والقمر لأهل الدنيا : [مقبرتنا](١) بالبقيع ، بقيع المدينة ، ومقبرة بعسقلان» (٢).

وعن كعب الأحبار قال : «نجدها في التوراة كفتة (٣) محفوفة بالنخيل وموكل بها ملائكة ، كلما امتلأت أخذوا بأطرافها فكفوها في الجنة» (٤).

وعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن رسول الله تعالى عليه وسلم قال : «أنا أول من تنشق عنه الأرض ، فأكون أول من يبعث ، فأخرج أنا وأبو بكر وعمر إلى أهل البقيع ، فيبعثون ، ثم يبعث أهل مكة ، فأحشر بين الحرمين» (٥).

[وعن سالم بن عبد الله ، عن أبيه قال : قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم : «أنا أول من تنشق عنه الأرض ، ثم أبو بكر ، ثم عمر رضي الله تعالى عنهما ، فنحشر ـ أو نبعث ـ فنذهب إلى البقيع فيحشرون معي ، ثم أنتظر أهل مكة فيحشرون معي ، فنبعث بين الحرمين» (٦).](٧)

__________________

(١) الإضافة للضرورة من الدرة الثمينة ٢ / ٤٠٢.

(٢) حديث حكام بن عبد الله : أخرجه ابن النجار في الدرة الثمينة ٢ / ٤٠٢ ، وذكره المراغي في تحقيق النصرة ص ١٢٥ ، السمهودي في وفاء الوفا ص ٨٨٩ وعزاه لابن زبالة عن أبي عبد الملك يرفعه.

(٣) كفتة : بالفتح ثم السكون ، سميت مقبرة البقيع بذلك لأنها تكفت الموتى أي تحفظهم وتحرزهم.

انظر : ياقوت : معجم البلدان ٤ / ٤٦٨.

(٤) الأثر أخرجه ابن النجار في الدرة الثمينة ٢ / ٤٠٢ عن كعب الأحبار ، وعن كعب : ذكره المطري في التعريف ص ٤٥ ، المراغي في تحقيق النصرة ص ١٢٥ ، السمهودي في وفاء الوفا ص ٨٨٩ وعزاه لكعب الأحبار.

(٥) حديث أبي هريرة : أخرجه ابن النجار في الدرة الثمينة ٢ / ٤٠١ ، وذكره المطري في التعريف ص ٤٥ ، المراغي في تحقيق النصرة ص ١٢٥ ، السمهودي في وفاء الوفا ص ٨٨٨.

(٦) حديث سالم بن عبد الله : أخرجه الإمام أحمد في فضائل الصحابة ١ / ٣٥١ ، الحاكم في المستدرك ٢ / ٤٦٥ ، الفاكهي في أخبار مكة ٣ / ٧٠ ، محب الدين الطبري في الرياض النضرة ١ / ١٤٥ ، السمهودي في وفاء الوفا ص ٨٨٨ وعزاه لابن رزين.

(٧) سقط من الأصل والاضافة من (ط).

٣٢٣

وعن أبي هريرة رضي‌الله‌عنه ، عنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ، وأول من ينشق عنه القبر ، وأول شافع ، وأول مشفع» (١).

وذكر الشيخ عبد الجليل في شعب الإيمان قال : ووجدنا / بالخط القديم أن الناس يحشرون على هذه الصفة [في شعب](٢) صورة شكل محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم «محمد». وقيل : أول من تنشق عنه الأرض بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم نوح عليه‌السلام ، وهو أول من يسأل من الرسل ، وأول من يساق للحساب أسرافيل ، ثم جبريل ، ثم الرسل.

وعن يحيى بن سعيد قال : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم جالسا ، وقبر يحفر بالمدينة ، فاطلع رجل في القبر وقال : بئس مضجع المؤمن ، فقال النبي صلى الله تعالى عليه وسلم : «بئس ما قلت» ، فقال : إني لم أرد هذا يا رسول الله ، إنما أردت القتل في سبيل الله ، فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم : «لا مثل ـ أو لا شبه ـ للقتل في سبيل الله ، ما على الأرض بقعة هي أحب إليّ أن يكون قبري منها». ثلاث مرات (٣).

وفي معنى ذلك يقول أبو عبد الله بن أبي الخصال في أثناء قصيدته ، والتخميس لابن حبيش :

__________________

(١) حديث أبي هريرة : أخرجه مسلم في صحيحه كتاب الفضائل باب تفضيل نبينا محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم على جميع الخلق برقم (٣) ٤ / ١٧٨٢ ، أحمد في المسند ٢ / ٥٤٠ ، أبو داود في سننه ٤ / ٢١٨ ، البيهقي في الدلائل ٥ / ٤٧٦.

(٢) سقط من الأصل والاضافة من (ط).

(٣) حديث يحيى بن سعيد : أخرجه عنه مالك في الموطأ ٢ / ٤٦٢ ، وذكره المطري في التعريف ص ١٨ ، المراغي في تحقيق النصرة ص ١٨.

٣٢٤

لقد فاز من أمضى القضاء اعتزامه

فطنب في دار الرسول خيامه

وطيب محياه بها وحمامه

وان امرء وارى البقيع عظامه

لفي زمرة تلقا سهل ومرحب

أجل بلاد الله مبدا ومحضرا

بها اختار للمختار قبرا ومنبرا

فمن مات بها بالشهادة بشرا

وفي ذمة من خير من وطيء الثرا

ومن يعلقه حبله لا يعذب

وعن داود بن خالد (١) ، عن المقبري (٢) أنه سمعه يقول : «قدم مصعب بن الزبير حاجا ـ أو معتمرا ـ ومعه [ابن](٣) رأس الجالوت ، فدخل المدينة من نحو البقيع ، فلما مر بالمقبرة قال ابن رأس الجالوت : إنها لهي ، قال مصعب : وما هي؟ قال : إنا نجد في كتاب الله صفة مقبرة شرقيها نخل ، وغربيها بيوت يبعث منها سبعون ألفا كلهم على صورة القمر ليلة البدر ، فطفت مقابر الأرض

__________________

(١) داود بن خالد الليثي ، أبو سليمان العطار ، صدوق من السابعة.

انظر : ابن حجر : التقريب ص ١٩٨.

(٢) أبو سعيد المقبري ، اسمه كيسان مولى بني ليث ، كان نزوله عند المقابر فقالوا له : المقبري ، توفى بالمدينة في خلافة الوليد بن عبد الملك.

انظر : ابن عبد البر : الاستيعاب ٤ / ١٦٧٣.

(٣) سقط من الأصل والاضافة من (ط).

٣٢٥

فلم أر تلك الصفة ، حتى رأيت هذه المقبرة» (١).

وعن عبد الحميد بن جعفر (٢) ، عن أبيه قال : «أقبل ابن رأس الجالوت ، فلما أشرف على البقيع قال : هذه التي نجدها في كتاب الله كفتة لا أطؤها ، قال : فانصرف عنها إجلالا لها» (٣).

وعن سعد بن زياد أبو عاصم (٤) قال : زعم مولاي قال : حدثتني أم قيس بنت محصن (٥) قالت : لو رأيتني ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، آخذ بيدي في سكة المدينة حتى أتى إلى البقيع ـ بقيع الغرقد ـ فقال : يا أم قيس ، فقلت : لبيك يا رسول الله وسعديك ، قال : ترين هذه المقبرة؟ قلت : نعم يا رسول الله ، قال : «يبعث الله منها يوم القيامة سبعين ألفا على صورة القمر ليلة البدر يدخلون الجنة بغير حساب» (٦).

__________________

(١) الأثر أخرجه ابن شبة في تاريخ المدينة ١ / ٩٣ عن محمد بن المنكدر ، ابن النجار في الدرة الثمينة ٢ / ٤٠٢ عن المقبري ، وذكره السمهودي في وفاء الوفا ص ٨٨٩ وابن رأس الجالوت غير معروف وخبره منكر.

(٢) عبد الحميد بن جعفر بن عبد الله الأنصاري ، صدوق ربما وهم ، مات في سنة ١٥٣ ه‍.

انظر : ابن حجر : التقريب ص ٣٣٣.

(٣) الأثر أخرجه ابن النجار في الدرة الثمينة ٢ / ٤٠٢ عن عبد الحميد بن جعفر ، وذكره السمهودي في وفاء الوفا ص ٨٨٩.

(٤) سعد بن زياد ، أبو عاصم مولى بني هاشم ، روى عن سالم ونافع ، ليس بالمتين وثقه ابن حبان.

انظر : الذهبي : لسان الميزان ٣ / ١٥ ، ميزان الاعتدال ٢ / ١٢٠.

(٥) أم قيس بنت محصن الأسدية ، أسلمت بمكة قديما ، وبايعت وهاجرت إلى المدينة مع أبيها ، روت عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

انظر : ابن سعد : الطبقات ٨ / ٢٤٢ ، ابن عبد البر : الاستيعاب ٤ / ١٩٥١.

(٦) حديث أم قيس : أخرجه ابن شبة في تاريخ المدينة ١ / ٩١ ، الحاكم في المستدرك ٤ / ٦٨ ، ابن النجار في الدرة الثمينة ٢ / ٤٠١ ، وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد ٤ / ١٦ وعزاه للطبراني في الكبير وقال : «وفيه من لم أعرفه». وفيه ألفاظ منكرة.

٣٢٦

تنبيه :

يظهر أن سبعين ألفا تكون جملة من بالبقيع منذ بعث عليه الصلاة والسلام إلى آخر القرن / الثامن ، وذلك أن من الهجرة النبوية إلى آخر الثمانمائة بحساب التدقيق والتحقيق بعد الانتداب إلى تصحيح خمسة وعشرون عاما أسا للحساب بما يتخللها من زيادة الشهور ونقصها ، فكانت ثمانية آلاف يوم وثمانمائة وتسعة وخمسين يوما ، فتكون الثمانمائة عام مائتي ألف وثلاثة وثمانون ألف يوم وأربعمائة يوم وثمانية وثمانون يوما ، ربعها سبعون ألفا وثمانمائة واثنان وسبعون يوما. فهذا مقدار مناسب يؤيده نفي من لم يكن على السنة وإبراز الشهداء هذه الطائفتان لا تدخل في هذا المعنى. والله تعالى أعلم.

نقل الشهرستاني : «أن مدة الدنيا من ابتداء خلق العالم إلى انقضائه وفنائه سبعة آلاف ، على ما جاءت به توراة موسى ، وذكره أنبياء بني إسرائيل ووافق عليه من قال بتسيير الكواكب السبعة مسيرة كل كوكب منها ألف سنة» (١).

وقد روي عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أنه قال : «الدنيا سبعة آلاف سنة أنا في آخرها ألفا» (٢).

وقال : «بعثت أنا والساعة كهاتين» (٣) وجمع بين إصبعيه الوسطى

__________________

(١) كذا ورد عند الطبري في تاريخه ١ / ١٠ ، ٥٧ ، والماوردي في أعلام النبوة ص ٣٩.

(٢) الحديث رواه الطبري في تاريخه ١ / ١٦ عن ابن عباس ، والماوردي في أعلام النبوة ص ٣٩ عن أبي رحاب الجهني ، وابن الجوزي في المنتظم ١ / ١٢٧ وعزاه للطبري وقال : «روى الطبري هذا الحديث وفي صحته نظر وإن لم يثبت صحة الرواية فهو الظاهر والله أعلم» ، وذكره المتقي في كنز العمال برقم (٣٨٣٣٣) وعزاه للطبراني بالكبير والبيهقي بالدلائل عن الضحاك بن زمل.

(٣) الحديث أخرجه البخاري في صحيحه عن أنس بن مالك كتاب الرقاق باب قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم

٣٢٧

والسبابة ـ يعني الباقي منها كزيادة الوسطى على السبابة (١).

قال الشيخ ناصر الدين : «فإذا تقرر ذلك وأن الدنيا مقدرة بسبعة آلاف سنة ، كان الماضي منها إلى ابتداء الهجرة محمولا على ما قدمناه من اختلاف أهل التوراة ، فيكون على القول الأول المأخوذ عن الأحبار الناقلين لها إلى اليونانية ستة آلاف سنة ومائتين وست عشر سنة ، والباقي من عمر الدنيا [على](٢) قولهم بعد الهجرة سبعمائة وأربعة وثمانون سنة ، ويكون الماضي منها على القول الثاني المأخوذ عن التوراة العبرانية أربعة آلاف وثمانمائة وإحدى وأربعون سنة ، والباقي على هذا القول بعد الهجرة ألفان ومائة وتسعة وخمسون سنة ، وقيل : قالوا ذلك ليكون رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، في خامسها ألفا ، فيدفعون بنقصان التاريخ عن صفته في التوراة أنه مبعوث آخر الزمان ، ويكون الماضي منها على القول الثالث في توراة السامرة خمسة آلاف ومائة [وسبعا](٣) وثلاثين سنة ، والباقي منها على هذا القول بعد الهجرة ألفا وثمانمائة [وثلاثا](٤) وثلاثون سنة ، ليكون رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، في سادسها ألفا لما قيل من سنيه» (٥).

السامرة : قوم من بلاد المشرق سموا بذلك ، لأن تفسيره بالعربية الحفظة ، وهم لا يقبلون من كتب الأنبياء إلا التوراة وحدها (٦). والقول الأول أشبه من غيره.

__________________

بعثت أنا والساعة كهاتين برقم (٦٥٠٤) ٤ / ٢٤٤ ، مسلم في صحيحه عن أنس كتاب الفتن باب قرب الساعة برقم (١٣٣ ، ١٣٥) ٤ / ٢٢٦٨ ، أحمد في المسند ٣ / ١٢٤ عن أنس بن مالك.

(١) كذا ورد عند الطبري في تاريخه ١ / ١٢ ، الماوردي في أعلام النبوة ص ٣٩ ، ابن الجوزي في المنتظم ١ / ١٢٧.

(٢) و (٣) إضافة تقتضيها الضرورة من أعلام النبوة للماوردي ص ٤٩.

(٤) إضافة تقتضيها الضرورة من أعلام النبوة للماوردي ص ٥٠.

(٥) و (٦) كذا ورد عند الماوردي في أعلام النبوة ص ٤٩ ، ٥٠.

٣٢٨

/ تفصيل الماضي من عمر الدنيا : (١)

__________________

(١) صفة الجدول الذي أثبته المؤلف عن تفصيل الماضي من عمر الدنيا على طريقة الكرسي ، وقد أثبته للتدقيق والمقارنة.

٣٢٩

وكان هذا الجدول على التربيع عن مولاي الاستاذ الشيخ أبو الطيب رحمه‌الله يقول : لو وجدت من له فطنة حتى يختصره ، فاختصرته في هذا الكرسي ، وإنما هو في تاريخ صاحب حماة (١) مربع ، وليس هو على هذا الترتيب ، لكن هذا نصف جدوله الذي استقرحه ، والجدول الثاني الذي هذه صفته (٢). /

__________________

(١) وهو كتاب «المختصر في أخبار البشر» المعروف بتاريخ أبي الفداء ١ / ٧.

(٢) صفة الجدول الذي وضعه المؤلف عن تفصيل الماضي من عمر الدنيا ، وقد أثبته كما وضعه المؤلف للتدقيق والمقارنة وهو على طريقة الدائرة.

٣٣٠

قلت : وقد تقدم في كتابنا هذا ما ذكره الشهرستاني من التاريخ (١) ، وجذان الجدول على ما صححهما إسماعيل بن علي بن محمود بن عمر بن شاهان شاه بن أيوب ، صاحب حماة عماد الدين في تاريخه (٢). وهذا هو الجدول(٣)

__________________

(١) سبق أن ذكره المؤلف في هذا الفصل (١) من الباب العاشر (ق ٢٨٠).

(٢) صاحب حماه هو : الملك المؤيد عماد الدين إسماعيل بن الأفضل علي بن محمود بن عمر بن شاهنشاه بن أيوب بن شادي ، العالم العلامة الشافعي السلطان ، اشتغل بالعلورم وتفنن فيها ، وصنف التاريخ «المختصر في أخبار البشر» المعروف بتاريخ أبي الفداء ، ولي مملكة حماه في سنة ٧٢٠ ه‍ إلى أن توفى في المحرم سنة ٧٣٢ ه‍.

انظر : ابن كثير : البداية ١٤ / ١٦٦ ، ابن تغري : النجوم الزاهرة ٩ / ٢٩٢ ـ ٢٩٣ ، ابن العماد : شذرات الذهب ٦ / ٩٨.

(٣) الجدول الكرسي الذي وضعه أبو الفداء عن تفصيل الماضي من عمر الدنيا ، وذلك في كتابه المختصر في أخبار البشر ١ / ٧ وقد أثبته هنا للمقارنة به وبين ما ذكره المؤلف.

٣٣١

وأول من خوطب في في الإسلام بشاه شاه : بويه بن تمام الحسن بن كوسي (١).

قال النووي : «ويحرم تحريما غليظا أن يقال للسلطان ، وغيره من الخلق : شاه شاه ، لأن / معناه : ملك الملوك ، ولا يوصف بذلك غير الله سبحانه وتعالى» (٢).

وقال ابن عيينة : «ملك الأملاك ، مثل شاهان شاه» (٣).

وفي الصحيحين (٤) : عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه ، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «إن أخنع اسم عند الله تعالى ، [رجل](٥) تسمى : ملك الأملاك» وفي رواية (٦) : أخنى بدل أخنع ، ومعناهما : أوضع وأذل وأرذل (٧).

__________________

(١) فنا خسرو بن الحسن بن بويه بن تمام ، أبو شجاع الملقب «عضد الدولة» صاحب العراق وفارس ، كان بطلا شجاعا وأديبا غاليا في التشيع ، وهو أول من خوطب في الاسلام بالملك «شاهنشاه» ، توفى في شوال سنة ٣٧٢ ه‍.

انظر : ابن الجوزي : المنتظم ١٤ / ٢٩٠ ، الذهبي : سير أعلام ١٦ / ٢٤٩.

(٢) يقول ابن حجر في فتح الباري ١٠ / ٥٩٠ «وقد استدل بحديث ـ إن أخنع الأسماء ـ على تحريم التسمي بهذا الإسم لورود الوعيد الشديد».

(٣) قال مسلم في صحيحه بعد روايته لحديث ـ أخنع الأسماء ـ «قال الأشعثي قال سفيان بن عيينة : ملك الأملاك مثل شاهنشاه».

انظر : صحيح مسلم كتاب الآداب باب تحريم التسمي بملك الأملاك برقم (٢٠) ٣ / ١٦٨٨ ، ابن حجر : فتح الباري ١٠ / ٥٨٨ ـ ٥٨٩.

(٤) حديث أبي هريرة : أخرجه البخاري في صحيحه كتاب الأدب باب أبغض الأسماء إلى الله برقم (٦٢٠٥) ٧ / ١٥٥ ، مسلم في صحيحه كتاب الآداب باب تحريم التسمي بملك الأملاك برقم (٢٠) ٣ / ١٦٨٨ ، الترمذي في سننه ٥ / ١٢٣ كتاب الأدب باب ما يكره من الأسماء ، أبو داود في سننه برقم (٤٩٦١) ٤ / ٢٩٠.

(٥) سقط من الأصل والاضافة من (ط).

(٦) رواية «أخنى» أخرجها البخاري في صحيحه كتاب الأدب باب أبغض الاسماء إلى الله برقم (٦٢٠٥) ٧ / ١٥٥ عن أبي هريرة.

(٧) أخنى : من الخنا بفتح المعجمة وتخفيف النون مقصور ، وهو الفحش في القول ، وأخنع هو المشهور في رواية سفيان بن عيينة ، وهو من الخنوع والذل ومعناه : أوضع.

انظر : ابن حجر : فتح الباري ١٠ / ٥٨٩.

٣٣٢

عن حذيفة بن أسيد الغفاري (١) قال : أشرف علينا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، من علية ونحن نتذاكر أمر الله ، فقال : ما كنتم تتذاكرون؟ قلنا : قيام الساعة ، قال : «إن الساعة لن تقوم حتى يكون قبلها عشر ساعات ، قال : لا ندري بأيهن بدأ طلوع الشمس من مغربها ، والدجال ، ودابة الأرض ، ونزول عيسى ابن مريم ، وخروج يأجوج ومأجوج ، وثلاثة خسوف : خسف بالمشرق ، وخسف بالمغرب ، وخسف بجزيرة العرب ، وآخر ذلك نار تخرج من قبل اليمن ـ أو من عدن ـ تطرد الناس إلى محشرهم» (٢).

جزيرة العرب :

قال أبو عبيدة معمر بن المثنى : هي ما بين حفر أبي موسى الأشعري إلى أقصى اليمن طولا ، وفي رواية عنه : ما بين حفر أبي موسى إلى أطراف الشام إلى أقصى تهامة [في](٣) الطول ، وأما في العرض فما بين رمل بكر يبرين إلى منقطع السماوة. والسماوة بادية في طريق الشام إلى ما وراء مكة (٤) ، وما كان دون ذلك إلى أرض العراق فهو نجد ـ بفتح النون وتسكين الجيم ـ والعرب تقول : نجد بضم النون والجيم ، ونجد البلد المرتفعة ، وتهامة المنخفضة ، وتهامة اسم واقع على جزيرة العرب (٥).

وقال الأصمعي : هي إلى أقصى عدن ، إلى أطراف اليمن ، حتى تبلغ إلى

__________________

(١) حذيفة بن أسيد الغفاري ، أبو سريحة ، صحابي من أصحاب الشجرة ، مات في سنة ٤٢ ه‍.

انظر : ابن عبد البر : الاستيعاب ١ / ٣٣٥ ـ ٣٣٦ ، ابن حجر : التقريب ص ١٥٤.

(٢) ذكره الماوردي في أعلام النبوة ص ٥٠ ـ ٥١ عن حذيفة بن أسيد.

(٣) سقط من الأصل والاضافة من (ط).

(٤) انظر : الهمداني : صفة جزيرة العرب ص ٥٨ ـ ٥٩ ، ياقوت : معجم البلدان ٢ / ١٣٧.

(٥) انظر : ياقوت : معجم البلدان ٥ / ٢٦١ ـ ٢٦٢.

٣٣٣

أطراف (١) بوادي الشام ، وهذا قريب مما ذكر الخليل بن أحمد ، فإنه قال : جزيرة العرب معدنها ومسكنها ـ يعني العرب ـ ولعلها سميت جزيرة : لانقطاعها عن معظم البر ، وقد اكتنفتها البحار والأنهار من أكثر الجهات ، كبحر البصرة ، وعمان إلى بركة بني إسرائيل حيث أهلك الله فرعون ، وبحر الشام ، والنيل ، والفرات ، ودجلة ، والقدر الذي يتصل بالبحر فقد انقطع بالقفار والرمال عن العمران (٢).

وقال مالك : جزيرة العرب مكة ، والمدينة ، واليمن ، وهذا القول لا يخالف ما ذكرناه.

وقال ابن الأعرابي (٣) : هي من حفر أبي موسى من خمس مراحل من البصرة ببطن خليج أبي العنبر ، إلى حضرموت ، إلى العذيب ، ومن جدة وسواحل البحر عرضا إلى أطراف الشام (٤).

قال الأصمعي أيضا : هي من أقصى عدن أبين ، فهي من حد أبين إلى ريف العراق طولا ، وأما في العرض فمن جدة وما والاها من ساحل البحر إلى أطراف الشام (٥).

وقيل : في كلام أبي عبيدة نظر ، لأن اليهود كانوا قارين في اليمن غير مجلين في أيام عمر رضي‌الله‌عنه / ولو كان كما قال ما أجلاهم عن اليمن.

وقال صاحب كتاب ذخر المستفيد : جزيرة العرب ما بين العذيب إلى حضرموت ـ ومكة من تهامة ـ وتهامة إلى عزل اليمن ، إلى أسياف البحر ، إلى الجحفة وذات عرق ونجد المدينة ، إلى الطائف ، إلى العذيب ، إلى

__________________

(١) أطراف : واد في بلاد فهم بن عدوان.

انظر : ياقوت : معجم البلدان ١ / ٢١٨.

(٢) انظر : الهمداني : صفة جزيرة العرب ص ٥٧ ، ياقوت : معجم البلدان ٢ / ١٣٧ ـ ١٣٨.

(٣) محمد بن زياد أبو عبد الله ابن الأعرابي ، لغوي ونحوي ونسابة راوية القبائل ت ٢٣١ ه‍.

انظر : الخطيب : تاريخ بغداد ٥ / ٢٨٢ ـ ٢٨٥ ، ياقوت : معجم الأدباء ١٨ / ١٨٩ ـ ١٩٦.

(٤) و (٥) انظر : ياقوت : معجم البلدان ١٧٢ ، ١٣٨.

٣٣٤

السماوة ـ سماوة كلب ـ والحجاز ما حجز فيما بين نجد واليمن ، وبين تهامة والعرض (١).

والعرض أرض اليمامة ، إلى البحرين ، وسميت سراة لارتفاعها ، وأرض العراق والطور والجزيرة والعبر ما بين الفرات إلى أرض العرب (٢).

والعرب :

جيل من الناس ، وهم أهل الأمصار والأعراب ، منهم سكان البادية ، وليس الأعراب جميعا للعرب ، وإنما العرب اسم جنس (٣).

والعرب العاربة هم الخلص منهم ، والعرب المستعربة هم الذين ليسوا بخلص (٤).

والعرب والعرب واحد ، والعربي إذا قيل له : يا أعرابي غضب ، والمهاجرون والأنصار عرب لا أعراب (٥).

وقال محمد بن السائب : العرب العاربة : عاد وعبيد ابنا عوص بن رام

__________________

(١) انظر : ياقوت : معجم البلدان ٢ / ١٣٧ ـ ١٣٨.

(٢) انظر : ياقوت : معجم البلدان ٣ / ٢٠٤ ، ٤ / ١٠٢.

وساتيد ما : جبل معروف قرب الموصل والجزيرة.

انظر : ياقوت : معجم البلدان ٣ / ١٦٩.

والعبر : بكسر أوله وسكون ثانيه ، ما أخذ على غربي الفرات إلى برية العرب يسمى العبر ، وإليه ينسب العبريون.

انظر : ياقوت : معجم البلدان ٤ / ٧٨.

(٣) انظر : القلقشندي : نهاية الأرب ص ١١.

(٤) انظر : الطبري : تاريخ الرسل ١ / ٢٠٤ ، ابن كثير : البداية ١ / ١١٣ ، ٢ / ١٤٥ ، القلقشندي :نهاية الأرب ص ١١.

(٥) انظر : القلقشندي : نهاية الأرب ص ١١ ، ابن منظور : اللسان مادة «عرب».

٣٣٥

ابن سام بن نوح ، وثمود وجديس ابنا عاثان بن آدم ، وطسم وعمليق ، وجاسم ، وأميم بنو [بلغم](١) بن عابر بن أسليخا بن لوذ بن سام بن نوح (٢).

وحضرموت ، والسلف ، وأنموذ بنو يقظان بن عابر بن شالخ بن أرفخشد بن سام بن نوح ، وجرهم بن سبأ بن يقظان بن عابر.

والعرب كلهم بنو إسماعيل بن الخليل الأربع قبائل : السلف ، والأرواع ، وحضرموت ، وثقيف.

وقال العزيزي يقال : رجل أعرابي : إذا كان بدويا ، وإن لم يكن من العرب ، ورجل عربي : منسوب إلى العرب ، وإن لم يكن بدويا ، ويقال رجل أعجم وأعجمي : إذا كانت في لسانه عجمة ، وإن كان من العرب ، ورجل عجمي : منسوب إلى العجم ، وإن كان فصيحا (٣).

وعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال : قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم : «يخرج الدجال في الثمانين ، فإن لم يخرج ففي ثمانين ومائتين ، فإن لم يخرج ففي ثلثمائة وثمانين ، فإن لم يخرج ففي أربعمائة وثمانين» (٤).

وقد خرج الشيخ علاء الدين [أبو الحسن](٥) الباجي في «شرائط الساعة» حديثا يرفعه إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم أنه قال :

__________________

(١) سقط من الأصل والاضافة من (ط).

(٢) انظر : الطبري : تاريخ الرسل ١ / ٢٠٤ ، ابن كثير : البداية ١ / ١١٣ ، ٢ / ١٤٥.

(٣) انظر : ابن منظور : اللسان مادة «عرب».

(٤) حديث أبي هريرة : ذكره الماوردي في أعلام النبوة ص ٥١ ، ابن كثير في النهاية ١ / ٦٢ وهو خلاف الواقع مما يدل على وضعه.

(٥) سقط من الأصل والاضافة من (ط).

٣٣٦

«أمتي سبع طبقات إلى سبعمائة ، الطبقة الأولى أنا ومن معي أهل علم وعمل والطبقة الثانية : أهل تواضع وتراحم ، والطبقة الثالثة : أهل هرج ومرج ، والطبقة الرابعة : أهل تقاطع وتدابر ، والطبقة الخامسة : أهل بدع وترك سنة ، والطبقة السادسة : أهل تكاثر وتفاخر ، والطبقة السابعة : أهل بغي وحسد ، فإذا تمت السبعمائة سنة يكون في العشر الأول خسف وقذف ويموت العلماء حتى لا يبقى في العشرة الأول أحد ، وفي العشرين يكثر دواب البحر حتى لا يقدر أحد يركبه وينقطع نبات الأرض في أكثر البلاد ، وفي الثلاثين يكثر الربا في الأسواق / وفي الأربعين يكون النساء كالبغال الدهم حتى لا يكفي المرأة الرجل الواحد ، وفي الخمسين تتأخر الشمس عن مطلعها مقدار ثلاث ساعات ويموت من الإنس والجن خلق كثير وتمطر السماء الحجارة كأمثال البيض ويهلك فيها المواشي والزروع والخلق ما شاء الله ، وفي السبعين يرتفع القرآن وتطلع الشمس من مغربها ويغلق باب التوبة حتى لا تقبل لأحد توبة لقوله تعالى : (يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً)(١) ، وفي الثمانين يخرج الدجال والدابة من الأرض فيقسم الناس مؤمنا وكافرا ، وينزل عيسى عليه‌السلام ، ويملك الأرض بعد ذلك ويقضي الله ما شاء وهو على كل شيء قدير» (٢).

قال القرطبي : «وللدابة ثلاث خرجات ، آخرهن من بين الركن والمقام ،

__________________

(١) سورة الأنعام آية (١٥٨).

(٢) أخرجه ابن ماجة في سننه ٢ / ١٣٤٩ برقم (٤٠٥٨) عن أنس مرفوعا ، وأورده ابن الجوزي في الموضوعات ٣ / ١٩٦ ـ ١٩٧ من عدة طرق وقال : «هذه الأحاديث لا أصل لها فحديث أنس المتهم به عباد وحديث ابن عباس المتهم به يحيى بن عنبسة وهو كذاب» ، وأورده السيوطي في اللآليء ٢ / ٣٩٤ وقال : «وقد أورد ابن حجر في عشارياته حديث أنس وقال : هذا حديث ضعيف وعباد ضعيف وله شواهد كلها ضعاف» ، وذكره ابن عراق في تنزيه الشريعة ٢ / ٣٤٨.

٣٣٧

وذكر البغوي عن ابن عمر أنها تخرج من صدع من الكعبة بحجري الفرس ثلاثة أيام لا يخرج ثلثها ـ وحكاه القرطبي ـ وفي الركن العراقي من البيت صدع مستطيل ، فلعله المشار إليه ، واختلف من أي بقعة تخرج ، فقيل : من تهامة ، أو جبل الصفا ، أو من الطواف ، أو من مسجد الكوفة من حيث فار تنور نوح عليه‌السلام ، أو من الطائف ، وهي في السحاب وقوائمها في الأرض ، أو تخرج من جياد ، أو من بين الركنين ، أو من بعض أودية تهامة ، أو من صخرة في شعب جياد ، أو من عين سدوم ، فيها أجناس الدواب : الثور ، والخنزير ، والفيل ، وايل ، وأسد ، ونمر ، وهر ، وكبش ، وبعير ، بين كل مفصل منها اثنا عشر ذراعا بذراع آدم عليه‌السلام ، قيل : هي فصيل ناقة صالح عليه‌السلام ، وقيل : هي الحية التي كانت مشرفة على جدار الكعبة التي اقتلعها العقاب حين أرادت قريش عمارة البيت ، وقيل : لها ذنب ، وقيل : لها وبر وريش ، وقيل : هي على خلقة الآدميين معها عصا موسى وخاتم سليمان عليهما‌السلام» (١).

وذكر ابن الجوزي : أن أول الآيات طلوع الشمس من مغربها.

وقوله يغلق باب التوبة : يعني على المكلفين خاصة ، وأما غيرهم من الولدان الغير مكلفين في ذلك الوقت فعملهم مقبول يجازوا عليه ، وباب التوبة مفتوح في حقهم.

وقد جرت بيننا مباحثات في ذلك سنة تسع وأربعين وسبعمائة ، وطلعت في ذلك إلى سيدي الشيخ الإمام محمد بن عبد الرحمن المالكي ، إمام المالكية بالحرم الشريف المكي ، فوافقني على ذلك وأجاب بمثل ما ذكرت / وأنكر

__________________

(١) ورد قول القرطبي في كتابه الجامع ١٣ / ٢٣٤ ـ ٢٣٦ ، ابن كثير في النهاية ١ / ١٦٢.

٣٣٨

عليّ المنكر ، فبحثوا عن ذلك فلم يجدوا نص المسألة إلا في تفسير الطّبسي (١) رحمه‌الله تعالى وحصلت الموافقة من المنصفين.

والمنجمون عن آخرهم ينكرون طلوع الشمس من مغربها ، ويقولون غير كائن.

ذكر القرطبي في تفسير قوله تعالى : (ما أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ)(٢) فقوله : (ما أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) ردا على المنجمين ، إذ قالوا أن الأفلاك تحدث في الأرض وبعضها في بعض الأرض ردا على أصحاب الهندسة ، حيث قالوا أن الأرض أكرية والأفلاك تجري تحتها والناس ملصقون عليها وتحتها ، (وَلا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ)(٣) ردا على الطبائعيين حيث زعموا أن الطبائع هي الفاعلة في النفوس» (٤).

وعن الشيخ ناصر الدين محمد بن محمد بن علي الكناني ، شيخ الكنانية ورئيسهم بالحرم النبوي ، أنه رأى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ، في المنام ، وهو يقول : أنا أول من تنشق عنه الأرض في سنة ستين وثمانمائة أكون مصليا للمصلين ومستغفرا للمستغفرين.

وقد قدمنا أن الإسكندر كتب على باب السد : [يفتح](٥) في سنة أربع وستين وثمانمائة.

__________________

(١) محمد بن أحمد أبو الفضل الطبسي ، شيخ ثقة له تصانيف مفيدة ، درس بالنظامية ، مات في رمضان سنة ٤٨٢ ه‍.

انظر : الذهبي : سير أعلام ١٨ / ٥٨٨ ، العبر ٣ / ٣٠١ ، ابن العماد : شذرات الذهب ٣ / ٣٦٧.

(٢) سورة الكهف آية (٥١).

(٣) سورة الكهف آية (٥١).

(٤) ورد قول القرطبي في كتابه الجامع ١١ / ١ ـ ٢.

(٥) سقط من الأصل والاضافة من (ط).

٣٣٩

وقال الثعلبي : خلق الله ألف أمة ، ستمائة في البحر ، وأربعمائة في البر ، أول ما يهلك منها الجراد ، ثم تتتابع مثل النظام إذا قطع سلكه (١).

قال الأوزاعي : كان ببيروت رجل رأى رجلا راكبا على جرادة ، عليه خف طويل ، فبلغنا أن ذلك ملك الجراد ، في صدر الجرادة مكتوب : جند الله الأعظم.

وقال قتادة : على جناحيه اسم الله الأعظم ، وقال ابن المسيب : بقي من طينة آدم بقية ، فخلق منها الجراد (٢).

وعن مكحول قال : كنا بالطائف على مائدة لابن عباس رضي‌الله‌عنهما فوقعت جرادة ، فأخذها عكرمة ، فقال ابن عباس : ابصر جناحها ، فإذا فيه سواد ، فقال ابن عباس لمحمد بن الحنفية : يا أخي حدثني أبي ، عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «هذه النقط السود بالسريانية فيها : أنا الله لا إله إلا الله ، أنا قاهر الجبابرة ، خلقت الجراد وجعلته جندا من جنودي أهلك به من أشاء من عبادي» (٣).

وقال مجاهد : الجراد على سبعة أجناس ، جنس منها في كبر العقاب والنسور ، وقد وكل الله بها من يعرف أجناسها.

وقال جعفر بن محمد : إن لله جرادا في كبار الوحش ، لم يرهم إلا سليمان بن داود عليهما‌السلام ، ولقد أرسله الله على فرعون وقومه ساعة ، فأكل أربعين فرسخا ، [ولقد](٤) حبس إلى سليمان سبعين ألف جنس من

__________________

(١) انظر : القرطبي : الجامع ٧ / ٢٦٩.

(٢) انظر : القرطبي : الجامع ٧ / ٢٦٩.

(٣) ذكره المتقي في كنز العمال برقم (٣٨٣٦) عن محمد بن الحنفية عن أبيه عن علي بن أبي طالب.

(٤) سقط من الأصل والاضافة من (ط).

٣٤٠