بهجة النفوس والأسرار - ج ٢

الشيخ أبي محمّد عفيف الدين عبد الله بن عبد الملك المرجاني

بهجة النفوس والأسرار - ج ٢

المؤلف:

الشيخ أبي محمّد عفيف الدين عبد الله بن عبد الملك المرجاني


المحقق: محمّد عبد الوهاب فضل
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الغرب الإسلامي ـ بيروت
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٣٠
الجزء ١ الجزء ٢

ما جاء في تخصيصه صلى‌الله‌عليه‌وسلم ،

بتبليغ صلاة من صلى عليه أو سلم من الأنام صلى‌الله‌عليه‌وسلم

عن أبي هريرة رضي‌الله‌عنه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من صلى عليّ عند قبري سمعته ، ومن صلى عليّ نائيا أبلغته» (١).

عن عبد الله رضي‌الله‌عنه عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «إن لله عزوجل ملائكة سياحين يبلغوني عن أمتي السلام» (٢).

وعن أبي هريرة رضي‌الله‌عنه ، عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «ما من أحد يسلم عليّ إلا رد الله عليّ روحي حتى أرد عليه‌السلام» (٣).

وعن الحسن رضي‌الله‌عنه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أكثروا عليّ من الصلاة يوم الجمعة فإنها تعرض عليّ» (٤).

وعن أبي هريرة رضي‌الله‌عنه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لا تجعلوا

__________________

(١) حديث أبي هريرة : أخرجه البيهقي في شعب الإيمان ٢ / ٢١٨ برقم (١٥٨٣) وفي إسناده محمد بن مروان السدي ، متهم بالكذب ، وذكره عياض في الشفا ٢ / ٦٣ ، ابن الجوزي في الموضوعات ١ / ٣٠٣ ، ابن النجار في الدرة الثمينة ٢ / ٣٩٨ ، والسيوطي في الخصائص ١ / ١٤٦ ، المتقي في الكنز برقم (٢١٦٥ ، ٢١٩٧) وعزاه للبيهقي في شعب الإيمان عن علي والخطيب وأبو الشيخ عن أبي هريرة.

(٢) حديث عبد الله بن مسعود : أخرجه أحمد في المسند ١ / ٣٨٧ ، النسائي في سننه ٣ / ٤٣ ، الطبراني في المعجم الكبير ١٠ / ٢٧١ ، والبيهقي في شعب الإيمان ٢ / ٢١٧ ـ ٢١٨ برقم (١٥٨٢) ، وذكره عياض في الشفا ٢ / ٦٤ ، ابن النجار في الدرة الثمينة ٢ / ٣٩٨.

(٣) حديث أبي هريرة : أخرجه أبو داود في سننه ٢ / ٢١٨ كتاب المناسك باب زيارة القبور ، ابن النجار في الدرة الثمينة ٢ / ٣٩٨ ، وذكره القاضي عياض في الشفا ٢ / ٦٣ ، السيوطي في الخصائص ٣ / ٤٠٥ وعزاه لأبي داود.

(٤) حديث الحسن : ذكره القاضي عياض في الشفا ٢ / ٦٤ ، والمتقي في الكنز برقم (٢١٧٩) ، (٢٣٣٥) من رواية أبي مسعود الأنصاري.

٢٨١

قبري عيدا فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم» (١).

وعن عمران بن حميري (٢) قال : قال لي عمار بن ياسر : يا عمران ألا أحدثك حديثا حدثنيه نبي الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يا عمار بن ياسر : «إن الله أعطى ملكا من الملائكة أسماع الخلائق وهو قائم على قبري إلى أن تقوم الساعة ، ليس أحد من أمتي يصلي عليّ صلاة إلا قال : يا أحمد فلان بن فلان ـ باسمه واسم أبيه ـ صلى عليك كذا وضمن الرب عزوجل أن من صلى عليّ صلاة ، صلى الله عليه عشرا ، وإن زاد زاده الله» (٣).

وعن أبي هريرة رضي‌الله‌عنه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ما من مسلم يسلم عليّ في شرق ولا غرب إلا أنا وملائكة ربي نرد عليه‌السلام ، فقال له قائل : يا رسول الله فما بال أهل المدينة؟ فقال له : وما يقال لكريم في جيرته وجيرانه مما أمر به في حفظ الجوار وحفظ الجيران» (٤).

وعن معاذ بن جبل قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إن الله عزوجل أعطاني ما لم يعط غيري من الأنبياء : فضلني عليهم ، وجعل لأمتي في الصلاة عليّ

__________________

(١) حديث أبي هريرة : أخرجه أبو داود في سننه ٢ / ٢١٨ كتاب المناسك باب زيارة القبور ، النسائي في سننه ٣ / ٩١ بنحوه ، وذكره القاضي عياض في الشفا ٢ / ٥٢ ، ٦٤.

(٢) عمران بن حميري ، عن عمار بن ياسر ، ولا يعرف حديثه. قال البخاري : لا يتابع عليه.

انظر : ابن حجر : لسان الميزان ٤ / ٣٤٥ ، الذهبي : ميزان الاعتدال ٣ / ٢٣٦.

(٣) حديث عمار بن ياسر : أخرجه البزار في كشف الأستار ٤ / ٤٧ برقم (٣١٦٢ ، ٣١٦٣ ، ٣١٦٤) ١ / ١٦٢ وفيه نعيم بن ضمضم ، ضعفه البعض ، والهيثمي في مجمع الزوائد ١٠ / ١٦٤ وقال :«رواه البزار وفيه من لم أعرفهم» ، وذكره ابن القيم في جلاء الأفهام ص ٨٤ ، الأشخر اليمني في بهجة المحافل ٢ / ٢١٤ ، السيوطي في الخصائص ٣ / ٤٠٣ وعزاه للبخاري في تاريخه والأصبهاني عن عمار.

(٤) حديث أبي هريرة : ذكره القاضي عياض في الشفا ٢ / ٦٣ ، أبو نعيم في الحلية ٦ / ٣٤٩.

٢٨٢

أفضل الدرجات ، ووكل بقبري ملكا يقال له منطروس رأسه تحت العرش ورجلاه في تخوم الأرضين السابعة السفلى ، وله ثمانون ألف جناح ، في كل جناح ألف ريشة ، تحت كل ريشة ثمانون ألف زغبة ، تحت كل زغبة لسان يسبح الله عزوجل ، ويحمده ويستغفر لمن يصلي عليّ [من](١) أمتي ، من لدن رأسه إلى بطن قدميه أفواه وألسن وريش وزغب ليس فيه موضع شبر إلا وفيه لسان يسبح الله ويستغفر لمن يصلي حتى يموت» (٢).

وعن كعب الأحبار قال : «ما من فجر يطلع إلا نزل سبعون ألفا من الملائكة حتى يحفوا بالقبر يضربون بأجنحتهم ويصلون على النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، حتى إذا أمسوا عرجوا وهبط مثلهم وصنعوا مثل ذلك ، حتى إذا انشقت الأرض خرج في سبعين ألفا من الملائكة يوقرونه» (٣) وفي رواية يزفونه.

واعلم أن حضرة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، معمورة بثلاثة عمار : أحدها : وجوده صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، الثانية : بهذه السبعين ألف من الملائكة ، الثالثة : بالرجال ، فإنه لا يخلو نفس من الأنفاس إلا والرجال هناك بأبدانهم.

وكان / عمر بن عبد العزيز رضي‌الله‌عنه يبرد بالبريد من الشام

__________________

(١) سقط من الأصل والإضافة من (ط).

(٢) الحكاية واضحة الوضع.

(٣) الأثر ذكره ابن النجار في الدرة الثمينة ٢ / ٣٩٨ وعزاه لكعب الأحبار.

وكعب الأحبار تابعي مخضرم أدرك النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وتعمد تأخير إسلامه لإيهام أبيه بأن محمدا ليس بنبي ، وقد قبض النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأبو بكر ، وتولى عمر وفتح الله عليه فارس والروم فتيقن من إظهار الله دين الإسلام على سائر الأديان كما وعد في التوراة ، فأسلم في زمان عمر ، وصار يحكي عن بني إسرائيل بما يطابق تعاليم الاسلام ، وقد أسند إليه بعض غلاة الصوفية إسرائيليات فيها مبالغات ، ومعلوم أن أمور الغيب لا يحل القول فيها إلا بآية محكمة أو حديث صحيح.

والخبر غريب جدا.

٢٨٣

يقول : سلم لي على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم (١).

وروى ابن بشكوال (٢) أن سفيان الثوري وجد شابا لا يرفع قدما ولا يضع أخرى إلا وهو يقول : اللهم صل على محمد وعلى آل محمد ، فسأله عن ذلك قال : كنت حاجا ومعي والدتي ، فأدخلتها البيت ، فوقعت وتورم بطنها واسود وجهها ، فجلست عندها حزينا ، فإذا برجل عليه ثياب بيض ، فدخل البيت فأمّر بيده على وجهها فابيض وعلى بطنها فسكن الورم ، فتعلقت بثوبه ، فقلت من أنت؟ قال : أنا نبيك محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قلت يا رسول الله ، فأوصني ، قال : لا ترفع قدما ولا تضع قدما إلا وتقول : اللهم صل على محمد وعلى آل محمد.

وبإسناده أيضا إلى عبد الواحد بن زيد قال : صحبني رجل في الحج ، فكان لا يتحرك إلا صلى على النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قال : فسألته ؛ فقال : خرجت منذ سنيات إلى مكة [المشرفة](٣) ومعي أبي ، فبينما أنا نائم أتاني آت فقال لي : قم فقد مات أبوك واسود وجهه ، فقمت فكشفت الثوب عن وجهه ، فإذا هو ميت مسود الوجه ، فاغتممت وغلبتني عناي ، وإذا بأربعة سودان معهم أعمدة من حديد ، إذ أقبل رجل يمشي حسن الوجه بين ثوبين أخضرين ، فقال لهم : تنحوا ، فرفع الثوب عن وجهه ، فمسح وجهه بيديه ، ثم أتاني فقال : قم قد بيض الله وجه أبيك ، فقلت : من أنت بأبي أنت وأمي؟ فقال : أنا محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فكشفت

__________________

(١) الأثر ذكره القاضي عياض في الشفا ٢ / ٧٠ ، ابن النجار في الدرة الثمينة ٢ / ٣٩٨ ، ابن الضياء في تاريخ مكة ص ٢٥٢.

(٢) خلف بن عبد الملك ، أبو القاسم الأنصاري القرطبي المعروف بابن بشكوال ، محدث الأندلس ومؤرخها ، مات في سنة ٥٧٨ ه‍.

انظر : ابن العماد : شذرات الذهب ٤ / ٢٦١ ـ ٢٦٢.

(٣) سقط من الأصل والاضافة من (ط).

٢٨٤

الثوب عن وجهه ، فإذا هو أبيض الوجه فدفنته. وفي رواية فقال : إن والدك كان مسرفا على نفسه ، ولكن كان يكثر الصلاة عليّ (١).

وروي أيضا عن محمد بن سعيد بن مطرف الخياط قال : كنت جعلت على نفسي كل ليلة عند النوم عددا معلوما أصلي على النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فرأيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم في بعض الليالي وقال : هات هذا الفم الذي يكثر الصلاة عليّ أقبله ، فكنت استحي أن أقبله في فيه فاستدرت بوجهي فقّبل في خدي ، فانتبهت فزعا من فوري وأنبهت صاحبتي ، وإذا بالبيت يفوح مسكا ، وبقيت رائحة المسك من قبلته في خدي نحو الثمانية أيام.

وحكي عن الشبلي (٢) قال : مات رجل من جيراني ، فرأيته في المنام ، فسألته عن حاله ، فقال : ارتج عليّ عند السؤال ، فقلت في نفسي من أين أتى عليّ ألم أمت على الإسلام؟ فنوديت هذه عقوبة اهمالك لسانك ، فلما هم بي الملكان جاء رجل جميل الشخص ، فذكرني حجتي ، فذكرتها ، فقلت من أنت يرحمك الله؟ فقال : أنا شخص خلقت بكثرة صلاتك على محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وأمرت أن أنصرك في كل كرب.

ورئي أبو العباس أحمد بن منصور بعد موته في حالة حسنة ، فقيل له بما أوتيت هذا؟ قال : بكثرة صلاتي على النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

ورئي الحسن بن رشيق (٣) بعد موته في المنام في حالة / حسنة ،

__________________

(١) رؤيا عبد الواحد بن زيد لا غبار عليها ، لأنها رؤيا منامية! أما خبر سفيان الثوري فلعله رؤيا منامية أيضا ، فالحكاية باطلة.

(٢) دلف بن جحدر ، أبو بكر الشبلي ، كان زاهدا برع في مذهب مالك ، مات ببغداد في سنة ٣٣٤ ه‍.

انظر : الخطيب : تاريخ بغداد ١٤ / ٣٨٩ ، ابن الجوزي : المنتظم ١٤ / ٥٠ ، ابن العماد : شذرات الذهب ١١ / ٢١٥.

(٣) الحسن بن رشيق ، أبو علي القيرواني ، أحد الأفاضل البلغاء ، مات في سنة ٤٥٦ ه‍.

انظر : ابن العماد : شذرات الذهب ٣ / ٢٩٧.

٢٨٥

فقيل له : مما أتيت هذا؟ قال : بكثرة صلاتي على النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

وأوحى الله تعالى إلى موسى أتريد أن أكون أقرب من كلامك إلى لسانك ، ومن وسواس قلبك إلى قلبك ، ومن روحك إلى بدنك ، ومن نور بصرك إلى عينيك؟ قال : نعم يا رب ، قال : فأكثر الصلاة على محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

وكان أبو سعيد الخياط الزاهد لا يختلط بالناس ، فداوم على حضور مجلس ابن رشيق ، فسئل عن ذلك فقال : رأيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم في المنام فقال : احضر مجلسه ، فإنه يكثر فيه الصلاة عليّ (١).

الفصل السابع

في كيفية الصلاة والسلام على النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم

عن أبي حميد الساعدي أنهم قالوا : يا رسول الله كيف نصلي عليك؟

فقال : «قولوا اللهم صل على محمد وأزواجه وذريته كما صليت على إبراهيم [وعلى آل إبراهيم](٢) وبارك على محمد وأزواجه وذريته كما باركت على إبراهيم إنك حميد مجيد» (٣).

وعن علي رضي‌الله‌عنه قال : عدّهن في يدي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وقال :

__________________

(١) حكايات ومنامات وخيالات لا حجة في شيء منها.

(٢) سقط من الأصل والاضافة من (ط).

(٣) حديث أبي حميد الساعدي : أخرجه البخاري في صحيحه كتاب الدعوات باب هل يصلى على غير النبي رقم (٦٣٦٠) ٤ / ٢٠٢ ، مسلم في صحيحه كتاب الصلاة باب الصلاة على النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعد التشهد برقم (٦٩) ١ / ٣٠٦ ، مالك في الموطأ ١ / ١٦٥ ، أحمد في المسند ٥ / ٤٢٤ ، أبو داود في سننه ١ / ٢٥٧ ، النسائي في سننه ٣ / ٤٩ ، وذكره القاضي عياض في الشفا ٢ / ٥٤ ، القرطبي في الجامع ١٤ / ٢٣٣.

٢٨٦

«عدّهن في يدي جبريل ، وقال : هكذا أنزلت من عند رب العزة : اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد ، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد ، اللهم وترحم على محمد وعلى آل محمد كما ترحمت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد ، اللهم وتحنن على محمد وعلى آل محمد كما تحننت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد ، اللهم وسلم على محمد وعلى آل محمد كما سلمت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد» (١).

وأما السلام :

فهو ما جاء في التشهد : «السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته» (٢) ، وجاء في التشهد : «اللهم اغفر لمحمد» (٣).

وذهب ابن عبد البر وغيره : أنه لا يدعى للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالرحمة ، وإنما يدعى له بالصلاة والبركة التي تختص به ، ويدعى لغيره بالرحمة والمغفرة (٤).

__________________

(١) حديث علي بن أبي طالب : أخرجه الحاكم في معرفة علوم الحديث ص ٣٢ ـ ٣٣ ، والبيهقي في شعب الإيمان ٢ / ٢٢١ ـ ٢٢٢ برقم (١٥٨٨) وقال : «وإني لا أحكم لبعض هذه الأسانيد بالصحة». حديث موضوع لا يصح في إسناده عمرو بن خالد الكوفي كذاب وضّاع ، ويحيى بن مساور كذبه الأزدي ، وحرب بن الحسن الطحان أورده الأزدي في الضعفاء وقال ليس حديثه بذاك ، وذكره عياض في الشفا ٢ / ٥٥ ، والقرطبي في الجامع ١٤ / ٢٣٤.

(٢) كذا ورد عند عياض في الشفا ٢ / ٥٨ ، وراجع حديث التشهد عند : أبي داود في سننه ١ / ٢٥٤ ، والترمذي في سننه ٢ / ٨١ ، والنسائي في سننه ٣ / ٤١.

(٣) انظر : عياض : الشفا ٢ / ٥٨ حديث تشهد عليّ.

(٤) انظر : عياض : الشفا ٢ / ٥٨ ـ ٥٩.

٢٨٧

ما جاء في ذم من لم يصل على النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم :

قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «البخيل الذي إذا ذكرت عنده فلم يصل علي صلى‌الله‌عليه‌وسلم» (١).

وعن جعفر بن محمد ، عن أبيه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من ذكرت عنده فلم يصل عليّ أخطيء به طريق الجنة» (٢).

وفي رواية : «من نسي الصلاة عليّ نسي طريق الجنة» (٣).

وعن أبي هريرة رضي‌الله‌عنه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «رغم أنف رجل ذكرت عنده فلم يصل عليّ» (٤). الإرغام والترغيم : الإذلال.

قال القاضي عياض (٥) : «أهل الفقه متفقون على جواز الصلاة على غير النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه لا تجوز الصلاة على غير النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وقال : لا تنبغي الصلاة على أحد إلا النبيين وقال سفيان : يكره أن يصلي إلا على نبي».

قال القاضي أبو الفضل (٦) : «ووجدت بخط بعض شيوخي مذهب مالك لا يجوز أن يصلي على أحد من الأنبياء سوى محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قال : وهذا غير معروف من مذهبه ، وقال مالك في المبسوط : أكره الصلاة على غير الأنبياء ،

__________________

(١) أخرجه أحمد في المسند ١ / ٢٠١ ، وأبو يعلى في المسند ٢ / ١٤٧ برقم (٦٦٧٦) ، والحاكم في المستدرك ١ / ٤٥٩ وهو حديث صحيح ، ابن السني : عمل اليوم ص ١٤٧ عن علي بن الحسين.

(٢) حديث جعفر بن محمد : ذكره عياض في الشفا ٢ / ٦٢ ، والهيثمي في مجمع لزوائد ١ / ١٦٤ وقال :«رواه الطبراني وفيه بشير بن محمد الكندي وهو ضعيف». وفيه غرابة ونكارة.

(٣) الرواية ذكرها عياض في الشفا ٢ / ٦٣ وفيها غرابة ونكارة.

(٤) حديث أبي هريرة ذكره القاضي عياض في الشفا ٢ / ٦٢ ، ابن القيم الجوزية في جلاء الأفهام ص ٤٥ ، الأشخر اليمني في بهجة المحافل ٢ / ٤١٢.

(٥) و (٦) قول القاضي عياض ورد عنده في الشفا ٢ / ٦٥ ، ابن حجر : فتح الباري ١١ / ١٦٩ ـ ١٧٠.

٢٨٨

وما ينبغي لنا أن نتعدى غير ما أمرنا به قال يحيى بن يحيى : / لست آخذ بقوله ولا بأس بالصلاة على الأنبياء كلهم وعلى غيرهم واحتج بحديث ابن عمر رضي‌الله‌عنهما وبما جاء في حديث تعليم النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم الصلاة عليه وفيه : وعلى أزواجه وعلى آله ، وقد وجدت معلقا عن أبي عمران الفاسي روى عن ابن عباس رضي‌الله‌عنهما كراهة الصلاة على غير النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قال أبو عمران الفاسي : وبه نقول ، ولم يكن يستعمل فيما مضى ، وقد روى عبد الرزاق ، عن أبي هريرة رضي‌الله‌عنه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : ـ صلوا على أنبياء الله ورسله فإن الله بعثهم كما بعثني (١) ـ وقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : ـ اللهم صل على آل أبي أوفى (٢) ـ وكان إذا أتاه قوم بصدقتهم قال : ـ اللهم صل على آل فلان ـ وفي حديث الصلاة : ـ اللهم صل على محمد وعلى أزواجه وذريته ـ وفي آخر : وعلى آل محمد وآله. قيل : أتباعه ، وقيل : أمته ، وقيل : آل بيته ، وقيل : الأتباع والرهط والعشيرة ، وقيل : آل الرجل ولده ، وقيل : قومه ، وقيل : أهله الذين حرمت عليهم الصدقة ، وفي رواية أنس : سئل النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم من آل محمد؟ قال : «كل تقي». ويجيء على مذهب الحسن أن المراد بآل محمد : محمد نفسه ، ، فإنه كان يقول في صلاته على النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : اللهم اجعل صلواتك وبركاتك على آل محمد. يريد نفسه».

__________________

(١) رواية عبد الرزاق عن أبي هريرة تابعه لقول عياض في الشفا ٢ / ٦٥ وأضاف القاضي عياض في الشفا : «قالوا والأسانيد عن ابن عباس لينة ، والصلاة في لسان العرب بمعنى الترحم والدعاء وذلك على الإطلاق حتى يمنع منه حديث صحيح أو إجماع وقد قال تعالى : (هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ ...) الآية وقال : (خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها وَصَلِّ عَلَيْهِمْ) الآية وقال : (أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ.)

(٢) الحديث تابع لقول القاضي عياض في الشفا ٢ / ٦٦ وجزء من حديث أخرجه البخاري في صحيحه كتاب الدعوات باب قول الله تعالى (وَصَلِّ عَلَيْهِمْ) عن ابن أبي أوفى برقم (٦٢٣٢) ٧ / ١٩٦ ، أحمد في المسند ٤ / ٣٥٣.

٢٨٩

وعنه عليه الصلاة والسلام : «معرفة آل محمد براءة من النار وحب آل محمد جواز على الصراط والولاية لآل محمد أمان من العذاب» (١).

وقيل : في قوله عليه الصلاة والسلام : «أنشدكم الله وأهل بيتي» قيل لزيد من أهل بيته؟ قال : آل علي ، وآل جعفر ، وآل عقيل ، وآل العباس (٢).

والآل : ميل الأكثرين إلى أن أصله أهل ، قلبت الهاء ألفا (٣).

والآل في القرآن على أربعة أوجه (٤) : أحدها أهل دين الرجل : (وَأَغْرَقْنا آلَ فِرْعَوْنَ)(٥) ، الثاني أهله ملته : (مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسى وَآلُ هارُونَ)(٦) ، والثالث ذرية الرجل : (وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ)(٧) ، الرابع أهل بيت الرجل المكتنفين بنسبه : (فَلَمَّا جاءَ آلَ لُوطٍ)(٨).

والصحيح أنه لا يصلى على غير الأنبياء ويذكر غيرهم بالغفران والرضا ،

__________________

(١) الحديث ذكره القاضي عياض في الشفا ٢ / ٣٧ وأضاف : «قال بعض العلماء : معرفتهم هي معرفة مكانهم من النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وإذا عرفهم بذلك عرف وجوب حقهم وحرمتهم بسببه» ، والديلمي في الفردوس برقم (١٦٩٢).

(٢) الحديث وقول زيد : ذكره القاضي عياض في الشفا ٢ / ٣٧ ، والمتقي في الكنز برقم (٣٧٦١٩).

(٣) اختلف في «آل» فقيل : أصله «أهل» فقلبت الهاء همزة ، بدليل ظهور ذلك في التصغير ، وهو يرد الأشياء إلى أصلها ، وهذا قول سيبويه والجمهور ، وقيل : أصله «أول» من آل يئول إذا رجع.

انظر : ابن حجر : فتح الباري ٦ / ٤٦٩.

(٤) وردت هذه الوجوه بتمامها عند ابن الجوزي في نزهة الأعين ص ١٢٢ ـ ١٢٣.

(٥) سورة البقرة آية (٥٠).

(٦) سورة البقرة آية (٢٤٨).

(٧) سورة آل عمران آية (٣٣).

(٨) سورة الحجر آية (٦١).

٢٩٠

وإنما ذكر الصلاة على الآل والأزواج مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بحكم التبع والاضافة إليه لا على التخصيص ، وصلاة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم على من صلى عليه مجراها مجرى الدعاء. وهذا اختيار الاسفرائيني وأبو عمرو عبد الله ، والسلام هو في معنى الصلاة لا يفرد به غير الأنبياء ، فلا يقال : عليّ عليه‌السلام ، ومن قال : الترضي مخصوص بالصحابة فليس كما قال (١).

ما جاء في كيفية السلام على النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم حال الزيارة :

قال الشيخ جمال الدين (٢) : «حدثني أبو محمد عبد الله بن عمران البسكري : أن الشيخ الإمام أبا الحسن بن عبد الله بن عبد الجبار الشاذلي كان وقوفه تجاه الحجرة الشريفة / للسلام على سيدنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، كما أخبره بعض الفقراء ممن كان معه يقول : السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته ، صلى الله عليك يا رسول الله أفضل وأزكى وأنمى وأعلى صلاة صلاها على أحد أنبيائه وأصفيائه ، أشهد يا رسول الله أنك بلغت ما أرسلت به ، ونصحت أمتك ، وعبدت ربك حتى أتاك اليقين ، وكنت كما نعتك الله في كتابه [بقوله تعالى :](٣)(لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ)(٤) ، فصلوات الله وملائكته وأنبيائه ورسله وجميع خلقه من أهل سمواته وأرضه عليك يا رسول الله ، السلام عليكما يا صاحبي رسول الله يا أبا بكر ، ويا عمر ورحمة الله وبركاته ، فجزاكم الله عن الإسلام وعن أهله أفضل ما جزى به وزيري نبي في حياته ،

__________________

(١) كذا ورد عند عياض في الشفا ٢ / ٦٦.

(٢) قول جمال الدين المطري ورد عنده في التعريف ص ٢٦ ، ونقله عنه : المراغي في تحقيق النصرة ص ١٠٩.

(٣) سقط من الأصل والاضافة من (ط).

(٤) سورة التوبة آية (١٢٨).

٢٩١

وعلى حسن خلافته في أمته بعد وفاته ، فلقد كنتما لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وزيري صدق في حياته ، وخلفتماه بالعدل والإحسان بعد وفاته ، فجزاكما الله عن ذلك مرافقته في جنته وإيانا معكما برحمته إنه أرحم الراحمين ، اللهم إني أشهدك وأشهد رسولك ، وأبا بكر وعمر ، وأشهد الملائكة النازلين على هذه الروضة الكريمة والعاكفين عليها ، إني أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأن محمدا عبده ورسوله ، وأشهد أن كل ما جاء به من أمر أو نهي وخبر عما كان ويكون ، فهو حق لا كذب فيه ولا افتراء ، وإني مقر إليك يا إلهي بجنايتي ومعصيتي في الخطرة والفكرة والإرادة والغفلة ، وما استأثرت به علي مما إذا شئت أخذت به ، وإذا شئت عفوت عنه مما هو متضمن للكفر والنفاق ، أو البدعة ، أو الضلالة ، أو المعصية ، أو سوء الأدب معك ومع رسولك ومع أنبيائك وأوليائك من الملائكة والجن والإنس وما خصصت من شيء في ملكك ، فقد ظلمت نفسي بجميع ذلك ، فاغفر لي وامنن عليّ بما مننت به على أوليائك ، فإنك أنت المنان الغفور الرحيم» (١).

وقال نافع (٢) : «كان ابن عمر رضي‌الله‌عنهما يسلم على القبر ، رأيته مائة مرة وأكثر يجيء إلى القبر فيقول : السلام على النبي ، السلام على أبي بكر ، السلام على أبي حفص ثم ينصرف» (٣).

وينبغي أنه إذا سلم على عمر رضي‌الله‌عنه [أن](٤) يرجع إلى موقفه

__________________

(١) هذا القول والدعاء والسلام المنقول عن أبي الحسن الشاذلي ـ نقلا عن المطري في التعريف ص ٢٦ ـ لا دليل عليه ، ويكتفى بما نقل عن الصحابة والتابعين والسلف الذين هم القدوة.

(٢) نافع مولى عبد الله بن عمر ، كان من كبار التابعين ومن المحدثين الثقات ، توفى سنة ١١٧ ه‍.

انظر : البخاري : التاريخ الكبير ٨ / ٨٤ ، ابن حجر : التهذيب ١٠ / ٤١٢.

(٣) قول نافع كذا ورد عند القاضي عياض في الشفا ٢ / ٧٠ ، المراغي : تحقيق النصرة ص ١١١.

(٤) سقط من الأصل والاضافة من (ط).

٢٩٢

الأول ، فيحمد الله تعالى ويشكره ويمجده ، ثم يصلى على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ويدعو بما أحب ، ثم يختم بالصلاة على النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ثم ينصرف (١).

قال أبو المكارم : «والذي يظهر بالمدينة ترجيح السلام على الصلاة ، والتحرز مما يفعله بعض الجهلة من الطواف بقبره صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وأكل التمر الصيحاني في الروضة ، وإلقاء النوى بها ، وقطع الشعر وإلقاؤه في القنديل الكبير».

وكان السلف الصالح يحبون لمن أتى المساجد الثلاثة أن يختم فيها القرآن.

الفصل الثامن

ما جاء في التوسل (٢) به إلى الله عزوجل

حكى مكي ، والسمرقندي وغيرهما : «أن آدم عليه‌السلام ، عند معصيته قال : اللهم / بحق محمد اغفر لي خطيئتي ، ويروى : وتقبل توبتي ، فقال

__________________

(١) انظر : النهرواني : تاريخ المدينة (ق ٢٥٢). ومن المعلوم أن الدعاء عند القبر غير مشروع ، بل هو بدعة منكرة ووسيلة مفضية إلى الشرك.

(٢) «التوسل إلى الله تعالى بدعاء المقبورين مرفوض باتفاق العلماء ، فإن مناجاة ولي في قبره وعرض الحوائج عليه رجاء قضائها شرك. وما الذي يمنع هؤلاء العوام من سؤال الله تعالى وهو أقرب إليهم وأقدر على إجابتهم؟ إن الإنحراف عن الله إلى غيره عمى وضلال مبين ، والغريب أن ناسا يرسلون شكاواهم شفاهة وكتابة إلى ضريح فلان متذللين يطلبون منهم ما هو من خصائص رب العالمين ، ومن المعروف أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ما جاء داعيا لعبادة قبره أو التوسل به أو طلب لحاجة منه ، وإنما جاء بالتوحيد الخالص لله عزوجل وهو معنى شهادة أن لا إله إلا الله».

انظر : سعود بن إبراهيم الشريم : المنهاج للمعتمر والحاج ص ١١٣.

٢٩٣

الله تعالى له : من أين عرفت محمدا؟ قال : رأيت [في](١) كل موضع من الجنة مكتوبا : لا إله إلا الله محمد رسول الله ، ويروى : محمد عبدي ورسولي ، فعلمت أنه أكرم خلقك عليك ، فتاب الله عليه وغفر له قبل وجوده ، فكيف الآن» (٢).

عن أبي أمامة [بن سهل بن حنيف ، عن عمه عثمان](٣) بن حنيف (٤) أن رجلا كان يختلف إلى عثمان رضي‌الله‌عنه ، في حاجته ، فكان عثمان لا يلتفت إليه ولا ينظر في حاجته ، فلقي عثمان بن حنيف ، فشكى ذلك إليه ، فقال له عثمان بن حنيف : ائت الميضأة ، فتوضأ ، ثم ائت المسجد فصلي ركعتين ثم قل : اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، نبي الرحمة يا محمد ، إني أتوجه بك إلى ربي فتقضي لي حاجتي ، وتذكر حاجتك ، فانطلق الرجل فصنع ذلك ، ثم أتى باب عثمان بن عفان ، فجاء البواب فأخذ بيده فأدخله على عثمان ، فأجلسه معه على الطنفسية ، فقال له : ما حاجتك؟ فذكر له حاجته ، فقضاها ، ثم قال له : ما فهمت حاجتك حتى كانت الساعة أنظر ما كانت لك من حاجة ، ثم إن الرجل خرج من عنده فلقي عثمان بن حنيف [فقال له : جزاك الله خيرا ، ما كان ينظر في حاجتي ولا يلتفت إليّ حتى كلمته ، فقال عثمان بن حنيف :](٥) ما كلمته ، ولكني سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ،

__________________

(١) سقط من الأصل والاضافة من (ط).

(٢) كذا ورد عند القاضي عياض في الشفا ١ / ١٠٤ ، المراغي في تحقيق النصرة ص ١١٣ وهو خبر موضوع.

(٣) سقط من الأصل والاضافة من (ط).

(٤) عثمان بن حنيف الأنصاري ، عمل لعمر ثم لعلي ، سكن الكوفة ، ومات في خلافة معاوية.

انظر : ابن عبد البر : الاستيعاب ٣ / ١٠٣٣ ، ابن حجر : الصابة ٤ / ٤٤٩.

(٥) سقط من الأصل والاضافة من (ط).

٢٩٤

وجاءه ضرير ، فشكى إليه ذهاب بصره ، فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : أو تصبر ، فقال : يا رسول الله إنه ليس لي قائد ، وقد شق عليّ ، فقال له النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : ائت الميضأة فتوضأ ، ثم صلي ركعتين ثم قل : اللهم إني أتوسل وأتوجه إليك بنبيك محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، نبي الرحمة ، يا محمد ، إني أتوجه بك إلى ربي فتجل لي بصري ، اللهم شفعه فيّ وشفعني في نفسي. فقال عثمان بن حنيف : والله ما تفرقنا وطال بنا الحديث ، حتى دخل عليّ الرجل كأن لم يكن به ضرر قط. رواه أبو داود والترمذي ، وصححه الحاكم في المستدرك (١).

وروى البيهقي أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «على ساق العرش مكتوب أربعة أسطر : من دعاني أجبته ، ومن سألني أعطيته ، ومن لم يسألني لم أنسه ، ومن سألني بحق محمد أجبته وغفرت له ذنوبه ولو كانت مثل زبد البحر».

وكذلك عقبة بن عامر الصحابي رضي الله تعالى عنه شهد فتوح الشام ، وكان البريد إلى عمر بفتح دمشق (٢) ، ووصل المدينة في سبعة أيام ، ورجع منها إلى الشام في يومين ونصف ، بدعائه عند قبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وتشفعه في تقريب طريقه. وهذا مقصور على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، لأنه سيد ولد آدم ، ولا

__________________

(١) حديث عثمان بن حنيف أخرجه الترمذي في سننه كتاب الدعوات باب أداء صلاة الحاجة برقم (٥٧٨) ٥ / ٥٣١ ، وقال أبو عيسى : «هذا حديث صحيح غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه» ، الحاكم في المستدرك ١ / ٣١٣ وقال : «هذا حديث حسن صحيح على شرط الشيخين لم يخرجاه» ، البيهقي في الدلائل ٦ / ١٦٦ ، وذكره القاضي عياض في الشفا ١ / ٢١٢ ولكن من غير القصة ولا حجة فيه لدعاء النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعد وفاته.

(٢) شهد عقبة بن عامر الجهني الفتوح ، وكان هو البريد إلى عمر بفتح دمشق ، سكن مصر وكان واليا عليها ، توفي في سنة ٥٨ ه‍.

انظر : ابن عبد البر : الاستيعاب ٣ / ١٠٧٣ ، ابن حجر : الاصابة ٤ / ٥٢١.

٢٩٥

يقسم على الله تعالى بغيره من الأنبياء والملائكة والأولياء ، لأنهم ليسوا في درجته (١).

التفضيل العالي بين أهل الرتب والعوالي :

المشهور من مذهب أهل السنة تفضيل الأنبياء على الملائكة ، ولم يشمل الخلاف فيه إلا عن القاضي أبي بكر ، وأبي عبد الله الحليمي ، وقال البيهقي : ذهب ذاهبون إلى أن الرسل من النبيين أفضل من الرسل / من الملائكة ، والأولياء من البشر أفضل من الأولياء من الملائكة (٢) ، وذهب آخرون إلى أن الملأ الأعلى مفضلون على سكان الأرض ، واختار الحليمي تفضيل الملائكة ، والأكثرون على القول الأول.

وعن ابن عباس رضي‌الله‌عنهما أن الله تعالى «فضل محمدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، على أهل السماء وعلى سائر الأنبياء ، فهو صلى‌الله‌عليه‌وسلم أفضل من الملائكة وأفضل خلق الله تعالى.

وكره مالك أن يقال زرنا قبر (٣) النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، واختلف في ذلك ، فقيل :

__________________

(١) هذه الحكاية موضوعة ، ومن المقرر عند الصحابة والتابعين أنه لا يدعى عند القبر ولا يقسم على الله بأحد من خلقه ، فإن هذا سوء أدب مع الله جل شأنه.

(٢) راجع قول البيهقي في شعب الإيمان ١ / ٢٥.

(٣) ينبغي للزائر أن ينوي زيارة مسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، لا زيارة القبر ، لأن شد الرحال على وجه التعبد لا يكون لزيارة القبور ، وإنما يكون لزيارة المساجد الثلاثة : المسجد الحرام ، والمسجد النبوي ، والمسجد الأقصى ، ولو كان شد الرحل لقصد قبره صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أو قبر غيره مشروعا لدل الأمة عليه وأرشدهم إلى فضله ، لأنه لا يجوز في حقه صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أن يؤخر البيان عن وقت الحاجة ، ولأنه أفصح الناس وأعلمهم بالله وأشدهم خشية لله ، فمن سافر لزيارة مسجده صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، والصلاة فيه فهذا هو الذي عمل العمل الصالح ، ومن قصد السفر لمجرد زيارة قبره صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ولم يقصد الصلاة في مسجده فهذا مبتدع مخالف لسنة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

انظر : سعود بن إبراهيم الشريم : المنهاج للمعتمر والحاج ص ١٠٧ ـ ١٠٨.

٢٩٦

كراهة الاسم لقوله عليه الصلاة والسلام : «لعن الله زوارات القبور» (١) ، وهذا يرده قوله عليه الصلاة والسلام : «نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها» (٢) ، وقوله عليه الصلاة والسلام : «من زار قبري وجبت له شفاعتي» (٣) فقد أطلق اسم الزيارة ، وقيل ذلك لما قيل : إن الزائر أفضل من المزور ، وهذا أيضا ليس بشيء لأنه ليس على العموم (٤).

وقال أبو عمران : «إنما كره [مالك](٥) أن يقال : طواف الزيارة ، وزرنا قبر النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، لاستعمال الناس ذلك بينهم فكره تسوية النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم مع الناس بهذا اللفظ وأحبّ أن يخص بأن يقال : سلمنا على النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وأيضا فإن الزيارة مباحة بين الناس ، وواجب شد المطي (٦) إلى قبره صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، يريد بالوجوب هنا وجوب ندب وترغيب.

__________________

(١) الحديث أخرجه الترمذي في سننه ٣ / ٣٧١ ـ ٣٧٢ عن أبي هريرة برقم (١٠٥٦) وقال أبو عيسى : هذا حديث حسن صحيح ، وقد رأى بعض أهل العلم أن هذا كان قبل أن يرخص النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم في زيارة القبور ، فلما رخص دخل في رخصته الرجال والنساء ، وقال بعضهم إنما كره زيارة القبور للنساء لقلة صبرهن وكثرة جزعهن» ، وأخرجه أبو داود في سننه ٣ / ٢١٨ عن ابن عباس بلفظ «زائرات القبور» برقم (٣٢٣٥).

(٢) الحديث أخرجه مسلم في صحيحه عن بريدة كتاب الجنائز باب استئذان النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ربه في زيارة قبر أمه برقم (١٠٦) ٢ / ٦٧٢ ، أبو داود في سننه ٣ / ٢١٨ عن بريدة ، النسائي في سننه ٤ / ٨٩ عن بريدة ، الترمذي في سننه عن بريدة برقم (١٠٥٤) ٣ / ٣٧٠ وقال أبو عيسى : «حديث بريدة حسن صحيح ، والعمل على هذا عند أهل العلم لا يرون بزيارة القبور ، وهو قول ابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق».

(٣) الحديث ذكره القاضي عياض في الشفا ٢ / ٦٨ عن ابن عمر ، والسمهودي في وفاء الوفا ص ١٣٣٦ ، والهيثمي في مجمع الزوائد ٤ / ٢ ، وعزاه للبزار عن ابن عمر.

(٤) كذا ورد عند القاضي عياض في الشفا ٢ / ٦٨ وأضاف : «إذ ليس كل زائر بهذه الصفة وليس عموما».

(٥) إضافة للضرورة من الشفا ٢ / ٦٩.

(٦) شد الرحال والمطي على وجه التعبد لا يكون لزيارة القبور ، وإنما يكون لزيارة المساجد الثلاثة :المسجد الحرام والمسجد النبوي والمسجد الأقصى ، كما جاء في الحديث الصحيح.

٢٩٧

والأولى أن كراهته له لاضافته إلى القبر ، ولو أنه قال : زرنا النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم لم يكره ، لقوله عليه الصلاة والسلام : «اللهم لا تجعل قبري وثنا يعبد بعدي» (١).

ويستحب للزائر إذا قضى زيارته أن يقصد الآثار والمساجد التي صلى فيها النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وعلى فعل هذا واستحبابه أجمع المسلمون (٢).

قال القاضي عياض (٣) : «من إعظام النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وإكباره اعظام جميع أسبابه وإكرام مشاهده وأمكنته من مكة والمدينة ومعاهده وما لمسه عليه الصلاة والسلام ، أو عرف به وذكر الآثار في ذلك». ثم قال (٤) : «وحدثت أن أبا الفضل الجوهري لما ورد المدينة وقرب من بيوتها ، ترجّل ومشى باكيا منشدا :

ولما رأينا رسم من لم يدع لنا

فؤادا لعرفان الرسوم ولا لبا

نزلنا عن الأكوار نمشي كرامة

لمن بان عنه أن نلم به ركبا»

__________________

(١) كذا ورد عند القاضي عياض في الشفا ٢ / ٦٨ ـ ٦٩ وأضاف : «فحمى إضافة هذا اللفظ إلى القبر والتشبه بفعل أولئك قطعا للذريعة وحسما للباب».

(٢) انظر : المراغي : تحقيق النصرة ص ١١٣ وحكايته الإجماع على استحباب زيارة الآثار غير صحيح ، بل إن الصواب أن ذلك غير مشروع فضلا عن الاستحباب.

(٣) قول القاضي عياض ورد عنده في الشفا ٢ / ٤٤.

(٤) القول هنا للقاضي عياض في الشفا ٢ / ٤٥ وأورد الشعر ، وانظر : ابن الضياء : تاريخ مكة ص ٢٥٥ ـ ٢٥٦ قلت : إعظام النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وإكرامه بالتزام شرعه وإخلاص العبادة لله تعالى وسد منافذ الشرك والبدع وتتبع هذه الآثار سبب مفض إلى الشرك ووسيلة من وسائله كما ذكر الله ذلك في قصة انحراف قوم نوح عليه‌السلام وعبادتهم ودا وسواعا ويغوث ويعوق ونسرا ، فإنهم أسماء رجال صالحين ، فلما ماتوا جعلوا لهم صورا للذكرى ، ثم أفضى الأمر إلى عبادتهم من دون الله كما قال ابن عباس رضي‌الله‌عنه.

٢٩٨

قال (١) : «وحكي عن بعض المريدين لما أشرف على مدينة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم جعل يقول متمثلا :

رفع الحجاب لنا فلاح لناظر

قمر تقطع دونه الأوهام

وإذا المطيّ بنا بلغن محمدا

فظهورهن على الرجال حرام

قربتنا من خير من وطيء الثرى

فلها علينا حرمة وذمام»

/ قال القاضي أبو الفضل رحمه‌الله (٢) : «وجدير لمواطن عمرت بالوحي والننزيل ، وتردد بها جبريل وميكائيل ، وعرجت منها الملائكة والروح ، وضجت عرصاتها بالتسبيح والتقديس ، واشتملت تربتها على جسد سيد البشر ، وانتشر عنها من دين الله وسنة رسوله ما انتشر ، مدارس آيات ومساجد وصلوات ومشاهد الفضائل والخيرات ، ومعاهد البراهين والمعجزات ، ومناسك الدين ومشاعر المسلمين ، ومواقف سيد المرسلين ، ومتبوأ خاتم النبيين حيث انفجرت النبوة وحيث فاض عبابها ، ومواطن مهبط الرسالة ، وأول أرض مس جلد المصطفى ترابها أن تعظم عرصاتها وتنتسم نفحاتها وتقبل ربوعها

__________________

(١) القول هنا للقاضي عياض في الشفا ٢ / ٤٥ وأورد الشعر.

(٢) قول القاضي عياض ورد عنده في الشفا ٢ / ٤٥ ـ ٤٦ وأورد الشعر ، ونقله عنه : ابن الضياء في تاريخ مكة ص ٢٦٥ ، النهرواني في تاريخ المدينة (٢٥٧ ـ ٢٥٨). مراد القاضي عياض تقبيل الأماكن التي ثبت أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم باشرها ، وما عدا ذلك فإنه من التبرك غير المشروع.

٢٩٩

وجدرانها ، وأنشد [يقول :](١)

يا دار خير المرسلين ومن به

هدى الأنام وخص بالآيات

عندي لأجلك لوعة وصبابة

وتشوق متوقد الجمرات

وعليّ عهد إن ملأت محاجري

من تلكم الجدرات والعرصات

لأغفرن مصون شيبي بينها

من كثرة التقبيل والرشفات

لولا العوادي والأعادي زرتها

أبدا ولو سحبا على الوجنات

لكن شاهدي من حفيل تحيتي

لقطين تلك الدار والحجرات

أزكى من المسك المفتق نفحة

تغشاه بالآصال والبكرات

وتخصه بزواكي الصلوات

ونوامي التسليم والبركات»

__________________

(١) سقط من الأصل والاضافة من (ط).

٣٠٠