بهجة النفوس والأسرار - ج ٢

الشيخ أبي محمّد عفيف الدين عبد الله بن عبد الملك المرجاني

بهجة النفوس والأسرار - ج ٢

المؤلف:

الشيخ أبي محمّد عفيف الدين عبد الله بن عبد الملك المرجاني


المحقق: محمّد عبد الوهاب فضل
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الغرب الإسلامي ـ بيروت
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٣٠
الجزء ١ الجزء ٢

يوسف أبو المظفر المستنجد :

ولي في رجب سنة خمس وخمسين وخمسمائة ، مدتها عشر سنين وتسعة شهور (١).

الحسن أبو محمد المستضيء :

ولي في ربيع الآخر سنة ست وستين وخمسمائة ، مدتها تسع سنين وسبعة أشهر (٢).

أحمد أبو العباس [الناصر لدين الله :](٣)

ولي في ذي الحجة سنة خمس وسبعين وخمسمائة ، مدتها ست وأربعون سنة وستة أشهر (٤).

محمد أبو نصر الظاهر :

ولي في شعبان سنة إثنتين وعشرين وستمائة ، مدتها عشرة شهور ، وقيل : ثمانية شهور (٥).

منصور أبو جعفر المستنصر :

ولي في ربيع الآخر سنة ثلاث وعشرين وستمائة ، مدتها سبع عشرة سنة وثمانية شهور (٦).

__________________

(١) انظر : ابن الجوزي : المنتظم ١٨ / ١٣٩ ، ١٩٥.

(٢) انظر : ابن الجوزي : المنتظم ١٨ / ١٩٠ ، وتلقيح فهوم ص ٩٨.

(٣) سقط من الأصل والاضافة للضرورة من تلقيح فهوم ص ٩٩.

(٤) انظر : الذهبي : العبر ٣ / ٦٧ ، ١٨٥ ، السيوطي : تاريخ الخلفاء ص ٤٤٨.

(٥) انظر : الذهبي : العبر ٣ / ١٩١ ، السيوطي : تاريخ الخلفاء ص ٤٥٨.

(٦) انظر : الذهبي : العبر ٣ / ٢٣٩ ، السيوطي : تاريخ الخلفاء ص ٤٦٠.

١٨١

عبد الله أبو أحمد المستعصم :

ولي في جمادى الأولى سنة أربعين وستمائة ، مدتها خمس عشرة سنة وتسعة شهور (١).

/ انتهى المقصد.

رجعنا إلى ما نحن بسببه :

ذكر محمد بن جرير الطبري (٢) : «أن اليهود سمت أبا بكر في أرزّة ، وقيل : أكل هو والحارث بن كلدة جذيذة ، أهديت لأبي بكر ، فقال الحارث :

ارفع يدك ، إن فيها سم سنة ، وأنا وأنت نموت في يوم واحد ، فماتا في يوم واحد عند انقضاء سنة».

وقيل : توفي من لدغة الحريش (٣) ليلة الغار ، وقيل : كان به طرف من السّل. قاله الزبير بن بكار (٤).

ومرض خمسة عشر يوما ، وكان في داره التي قطع له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وجاه دار عثمان رضي الله تعالى عنه (٥).

توفي رضي‌الله‌عنه بين المغرب والعشاء من ليلة الثلاثاء لثمان ليال بقين

__________________

(١) انظر : الذهبي : العبر ٣ / ٢٨٠ ، السيوطي : تاريخ الخلفاء ص ٤٦٤.

(٢) قول الطبري ورد في تاريخه ٣ / ٤١٩ ، وانظر : ابن النجار : الدرة الثمينة ٢ / ٣٨٨ ، محب الدين الطبري : الرياض النضرة ١ / ٢٣٦ ، النهرواني : تاريخ المدينة (ق ٢٠٣).

(٣) الحريش : هي الأفعى الرقطاء خشنة الجلد.

انظر : ابن منظور : اللسان مادة «حرش».

(٤) انظر : محب الدين الطبري : الرياض النضرة ١ / ٨٩ ، ٢٣٥ ، النهرواني : تاريخ المدينة (ق ٢٠٤).

(٥) انظر : الطبري : تاريخ الرسل ٣ / ٤٤٠ ، محب الدين الطبري : الرياض النضرة ١ / ٢٣٦ ، النهرواني : تاريخ المدينة (ق ٢٠٤).

١٨٢

من جمادى الآخرة [سنة ثلاث عشرة من الهجرة ، وهو الأشهر (١).

وقال ابن إسحاق : توفى يوم الجمعة ، لسبع ليال بقين من جمادى الآخرة ،](٢) وقيل : توفى في جمادى الأول ـ حكاه الحاكم (٣) ـ وقيل : يوم الإثنين لليلتين بقيتا من جمادى الآخرة (٤).

وكانت خلافته سنتين وثلاثة أشهر وخمس ليال ، وقيل : وثمانية أيام ، وقيل : وسبعة عشر يوما (٥).

استوفى بخلافته سن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم (٦).

ولما ولي الخلافة : استعمل عمر بن الخطاب رضي‌الله‌عنه على الحج (٧) ،

__________________

(١) انظر : ابن سعد : الطبقات ٣ / ٢٠٢ ، الطبري : تاريخ الرسل ٣ / ٤٢٠ ، ابن عبد البر : الاستيعاب ٣ / ٩٧٧ ، ابن النجار : الدرة الثمينة ٢ / ٣٨٨.

(٢) سقط من الأصل والاضافة من (ط) ، وقول ابن إسحاق ورد عند ابن عبد البر في الاستيعاب ٣ / ٩٧٧ ، ومحب الدين الطبري في الرياض النضرة ١ / ٢٣٤.

(٣) قول الحاكم ورد في المستدرك ٣ / ٦٣.

(٤) انظر : ابن عبد البر : الاستيعاب ٣ / ٩٧٧ ، النهرواني : تاريخ المدينة (ق ٢٠٤).

(٥) والقول الأول أقرب إلى الصواب حيث أجمعت عليه المصادر.

انظر : ابن سعد : الطبقات ٣ / ٢٠٢ ، الطبري : تاريخ الرسل ٣ / ٤٢٠ ، ابن عبد البر : الاستيعاب ٣ / ٩٧٧ ، ابن الجوزي : المنتظم ٤ / ١٣٠ ، ابن النجار : الدرة الثمينة ٢ / ٣٨٨ ، محب الدين الطبري : الرياض النضرة ١ / ٢٣٨.

(٦) فقد أخرج مسلم في صحيحه ٤ / ١٨٢٥ كتاب الفضائل باب كم سن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم قبض ، عن أنس بن مالك قال : «قبض رسول الله وهو ابن ثلاث وستين ، وأبو بكر وهو ابن ثلاث وستين ، وعمر وهو ابن ثلاث وستين».

وانظر : ابن سعد : الطبقات ٣ / ٢٠٢ ، الطبري : تاريخ الرسل ١ / ٤٢٠ ، البيهقي : الدلائل ٧ / ٢٣٩ عن ابن عباس.

(٧) في سنة إحدى عشر حج بالناس عمر بن الخطاب.

انظر : الطبري : تاريخ الرسل ٣ / ٣٤٢ ، ابن الجوزي : المنتظم ٤ / ٨٨ ، محب الدين الطبري : الرياض النضرة ١ / ٢٠٩.

١٨٣

ثم حج من قابل (١) ، ثم اعتمر في رجب سنة اثنتي عشرة (٢).

وتوفى أبو بكر قبل أبي قحافة ، فورث أبو قحافة منه السدس ورده على ولد أبي بكر ، ومات أبو قحافة في المحرم سنة أربع عشرة من الهجرة ، وهو ابن سبع وتسعين سنة (٣).

وغسل أبا بكر رضي‌الله‌عنه زوجته أسماء بوصية منه ، وابنه عبد الرحمن يصب عليها الماء (٤).

وحمل على السرير الذي حمل عليه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وصلى عليه عمر رضي‌الله‌عنه وجاه المنبر ، ودفن إلى جنب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بوصية منه ، وألصق لحده بلحد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ودخل قبره عمر ، وعثمان ، وطلحة ، وعبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله تعالى عنهم (٥).

أسماء امرأة أبي بكر رضي‌الله‌عنه ، أسلمت بمكة قديما ، وبايعت ، وهاجرت إلى الحبشة مع زوجها جعفر بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه ، فولدت

__________________

(١) وحج بالناس أبو بكر في سنة اثنتي عشرة.

انظر : الطبري : تاريخ الرسل ٣ / ٣٨٦ ، ابن الجوزي : المنتظم ٤ / ١١٢ ، محب الدين الطبري : الرياض النضرة ١ / ٢٠٩.

(٢) فدخل مكة ضحوة وأتى منزله ، فسلم على والده فقبله وهو يبكي بقدومه.

انظر : ابن الجوزي : المنتظم ٤ / ١١١ ، محب الدين الطبري : الرياض النضرة ١ / ٢٠٩.

(٣) انظر : الطبري : تاريخ الرسل ٣ / ٤٢٧ ، ابن عبد البر : الاستيعاب ٣ / ١٠٣٦ ، ابن الجوزي :المنتظم ٤ / ١٣١ ، محب الدين الطبري : الرياض النضرة ١ / ٢٣٨.

(٤) انظر : مالك : الموطأ ١ / ٢٢٣ عن عبد الله بن أبي بكر ، ابن سعد : الطبقات ٣ / ٢٠٣ ، الطبري :

تاريخ الرسل ٣ / ٤٢١ ، ابن عبد البر : الاستيعاب ٣ / ٩٧٧ ، محب الدين الطبري : الرياض النضرة ١ / ٢٣٥.

(٥) كذا ورد عند ابن سعد في الطبقات ٣ / ٢٠٨ ، والطبري في تاريخه ٣ / ٤٢٢ ، وابن عبد البر في الاستيعاب ٣ / ٩٧٧ ، وابن النجار في الدرة الثمينة ٢ / ٣٨٩.

١٨٤

هناك عبد الله ، ومحمدا ، وعونا ، ثم قتل عنها (١) ، فتزوجها أبو بكر فولدت له محمدا ، ثم توفي عنها ، ثم تزوجت عليا رضي‌الله‌عنه ، فولدت له يحيى ، وعونا ثم توفيت سنة ثمان وثلاثين (٢). جملة ما روت ستون حديثا (٣).

وجملة ما روى أبو بكر رضي‌الله‌عنه مائة حديث وإثنان وأربعون حديثا ، أخرج له منها في الصحيحين ثمانية عشر المتفق عليها ستة ، وانفرد البخاري بإحدى عشر ، ومسلم بواحد (٤).

وجملة من في الصحابة اسمه عبد الله مائتان وعشرون ، ليس فيهم عبد الله ابن عثمان سوى أبو بكر وآخر من بني أسد لم يرو شيئا (٥).

وكان قاضيه عمر بن الخطاب رضي‌الله‌عنه ، وكاتبه عثمان ، وزيد بن ثابت ، وعبد الله بن الأرقم (٦).

وأولاده جملة منهم : أسماء ذات النطاقين ، وعائشة رضي‌الله‌عنهما ، وعبد الرحمن وهو شقيق عائشة ، وعبد الله أمه وأم أسماء من بني عامر بن

__________________

(١) قتل عنها جعفر بن أبي طالب بمؤته شهيدا في جمادى الأولى سنة ثمان.

انظر : ابن سعد : الطبقات ٨ / ٢٨١.

(٢) انظر : ابن الجوزي : المنتظم ٥ / ١٥٤ ، وعن زواحها وأولادها. انظر : ابن سعد : الطبقات ٨ / ٢٨٠ ـ ٢٨١ ، ابن عبد البر : الاستيعاب ٤ / ١٧٨٥ ، ابن حجر : الاصابة ٧ / ٤٨٩.

(٣) انظر : ابن الجوزي : تلقيح فهوم ص ٣٦٥.

(٤) انظر : ابن الجوزي : تلقيح فهوم ص ٣٦٤ ، ٣٩٤ ، كذا قال المصنف ، وفي تحفة الأشراف للمزي ٥ / ٢٨٣ وما بعدها ذكر له من حديث رقم ٦٨٥٠ إلى ٦٦٠٢ اتفق فيها البخاري ومسلم على ٤ وانفرد البخاري ب ٥ ومسلم ب ٢.

(٥) وهو عبد الله بن عثمان الأسدي ، من بني أسد بن خزيمة ، حليف لبني عوف من الخزرج ، قتل يوم اليمامة شهيدا.

انظر : ابن عبد البر : الاستيعاب ٣ / ٩٤٧ ، ابن الأثير : أسد الغابة ٣ / ٣٠٨.

(٦) انظر : الطبري : تاريخ الرسل ٣ / ٤٢٦.

١٨٥

لؤي (١) ، وأم كلثوم ـ مات وهي حملا ، ومحمد (٢) ، قتله معاوية (٣) بن حديج ، وطيف برأسه وهو أول من طيف به في الإسلام.

نبذة من بعض فضائله [اى فضائل ابى بكر] رضي‌الله‌عنه :

هو أول من جمع القرآن (٤) ، وتنزه عن شرب الخمر في الجاهلية والإسلام (٥) ، وشهد جميع المشاهد مع / رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم (٦) ، وأسلم على يديه من العشرة خمسة : عثمان ، وطلحة ، والزبير ، وسعد ، وعبد الرحمن (٧).

وهو أول الناس إسلاما. قاله ابن عباس رضي‌الله‌عنه واستدل بقول حسان رضي‌الله‌عنه :

إذا تذكرت شجوا من أخي ثقة

فاذكر أخاك أبا بكر بما فعلا

__________________

(١) تزوج أبو بكر في الجاهلية قتيلة بنت عبد العزى من بني عامر بن لؤي ، فولدت له أسماء وعبد الله ، وتزوج أيضا في الجاهلية أم رومان بنت عامر من بني مالك بن كنانة ، فولدت له عبد الرحمن وعائشة ، وتزوج في الإسلام أسماء بنت عميس ، فولدت له محمدا ، وتزوج من الأنصار حبيبة بنت خارجة من بني الحارث بن الخزرج ، فولدت له بعد وفاته أم كلثوم.

انظر : ابن سعد : الطبقات ٣ / ١٦٩ ، الطبري : تاريخ الرسل ٣ / ٤٢٦.

(٢) راجع أولاده رضي‌الله‌عنه عند محب الدين الطبري في الرياض النضرة ١ / ٢٤٢.

(٣) في الأصل «معاوش بن حديج» وما أثبتناه من ترجمة معاوية بن حديج عند ابن عبد البر في الاستيعاب ٣ / ١٤١٣.

(٤) أول من جمع القرآن الكريم بين اللوحتين أبو بكر الصديق ، وذلك بعد أيام من معركة اليمامة واستشهاد عدد كبير من حفظة القرآن في هذه المعركة ، فطلب أبو بكر من زيد بن ثابت جمع القرآن ، فلما جمعه زيد كان عند حفصة.

انظر : ابن شبة : تاريخ المدينة ٣ / ٩٩١ ـ ٩٩٢ ، محب الدين الطبري : الرياض النضرة ٢ / ١٣٥.

(٥) انظر : ابن عبد البر : الاستيعاب ٣ / ٩٧٨ ، محب الدين الطبري : الرياض النضرة ١ / ١٦٤.

(٦) انظر : محب الدين الطبري : الرياض النضرة ١ / ١٦٤.

(٧) انظر : ابن هشام : السيرة ١ / ٢٥٠ ، الطبري : تاريخ الرسل ٢ / ٣١٧ ، البيهقي : الدلائل ٢ / ١٦٥ ، ابن عبد البر : الاستيعاب ٣ / ٩٦٦ ، محب الدين الطبري : الرياض النضرة ١ / ٧٧.

١٨٦

خير البرية أتقاها وأعدلها

بعد النبي وأوفاها بما حملا

الثاني التالي المشهور مشهده

وأول الناس حقا صدق الرسلا (١)

وهو قول محمد المنكدر ، وربيعة بن عبد الرحمن ، وصالح بن كيسان ، وسعد بن إبراهيم ، وعثمان بن محمد الأخنسي ، وهو قول أسماء ابنة أبي بكر ، وإبراهيم النخعي ، [وجابر وزيد بن أسلم (٢).

وقيل : علي رضي‌الله‌عنه أول الناس إسلاما](٣) وبلال بعده ، قاله : زيد بن أرقم ، وأبي ذر ، والمقداد ، وجابر ، وزيد بن أسلم ، وأبو عبد الله الحاكم (٤).

وقيل : أول الناس إسلاما خديجة رضي‌الله‌عنها قاله الزهري ، وقتادة ، وابن إسحاق (٥) ، وروي عن ابن عباس.

__________________

(١) قول ابن عباس وشعر حسان بن ثابت ورد في ديوانه ص ٢٤٠ ، وعند الطبري في تاريخه ٢ / ٣١٤ ، وابن عبد البر في الاستيعاب ٣ / ٩٦٤ ، والماوردي في أعلام النبوة ص ٢٣٠ ، ومحب الدين الطبري في الرياض النضرة ١ / ٧٢.

(٢) وردت هذه الأقوال عند الطبري في تاريخه ٢ / ٣١٥ ، وابن عبد البر في الاستيعاب ٣ / ٩٦٥ ، وابن الجوزي في تلقيح فهوم ص ١٠٤ ، ومحب الدين الطبري في الرياض النضرة ١ / ٧٥.

(٣) سقط من الأصل والاضافة من (ط).

(٤) وردت هذه الأقوال عند الحاكم في المستدرك ٣ / ١١١ عن ابن عباس ، والطبري في تاريخه ٢ / ٣٠٩ ـ ٣١٢ ، وابن عبد البر في الاستيعاب ٣ / ١٠٩١ ـ ١٠٩٢ ، ١٠٩٥ ، ٤ / ١٨٢٠ ، ومحب الدين الطبري في الرياض النضرة ١ / ٧٥.

(٥) وردت هذه الأقوال عند الطبري في تاريخه ٢ / ٣٠٦ ـ ٣٠٧ ، وابن عبد البر في الاستيعاب ٤ / ١٨١٩ ـ ١٨٢٠ ، ومحب الدين الطبري في الرياض النضرة ١ / ٧٥.

١٨٧

وادعى الثعلبي اتفاق العلماء على ذلك ، وقال : إنما اختلفوا فيمن أسلم بعدها (١).

وقيل : أول من أسلم وصلى أبو بكر قاله ابن عباس : وأبو أمامة الباهلي (٢).

وقيل : أولهم إسلاما زيد بن حارثة ، وذكر معمر نحو ذلك عن الزهري ، وهو قول سليمان بن يسار ، وعروة بن الزبير ، وعمران بن أنس (٣).

وقيل : أول من أسلم من الرجال : أبو بكر ، ومن الصبيان : علي ، ومن الموالي : زيد ، ومن العبيد : بلال ، ومن النساء : خديجة ، ومن الأنصار : جابر ابن عبد الله رضي‌الله‌عنهم (٤).

روي عن ابن عباس رضي‌الله‌عنهما أن أبا بكر رضي‌الله‌عنه لما كان مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم في الغار [عطش فشكى ذلك إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : اذهب إلى صدر الغار](٥) فاشرب ، قال أبو بكر : فانطلقت إلى

__________________

(١) راجع اختلاف السلف فيمن اتبع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وآمن به وصدقه على ما جاء به من عند الله من الحق بعد زوجته خديجة رضي‌الله‌عنها ، عند الطبري في تاريخه ٢ / ٣٠٩ ، والماوردي في أعلام النبوة ص ٢٢٩ ، وابن عبد البر في الاستيعاب ٣ / ١٠٩٤ وسيأتي بعد قليل في الحاشية توفيق محب الدين الطبري في الرياض النضرة ١ / ٧٥ بين أقوال العلماء في أول من أسلم.

(٢) كذا ورد عند الماوردي في أعلام النبوة ص ٢٣٠ ، وانظر : الطبري : تاريخ الرسل ٢ / ٣١٤ ، ٣١٥ ، ابن عبد البر : الاستيعاب ٣ / ٩٦٤ ، محب الدين الطبري : الرياض النضرة ١ / ٧٢.

(٣) وردت هذه الأقوال عند الطبري في تاريخه ٢ / ٣١٦ ، والماوردي في أعلام النبوة ص ٢٣٠.

(٤) ذكر ذلك محب الدين الطبري في الرياض النضرة ١ / ٧٥ ، وجمع بين الأحاديث المختلفة وأقاويل العلماء في أول من أسلم فقال : «والأولى التوفيق بين الروايات كلها وتصديقها فيقال : أول من أسلم مطلقا خديجة بنت خويلد ، وأول ذكر أسلم علي بن أبي طالب وهو صبي لم يبلغ وكان مستخفيا بإسلامه ، وأول رجل عربي بالغ أسلم وأظهر إسلامه أبو بكر بن أبي قحافة ، وأول من أسلم من الموالي زيد بن حارثة ، وهذا متفق عليه لا خلاف فيه ، وعليه يحمل قول علي وغيره أول من أسلم من الرجال أبو بكر أي البالغين».

(٥) سقط من الأصل والاضافة من (ط).

١٨٨

صدر الغار فشربت ماء أحلى من العسل ، وأبيض من اللبن ، وأزكى رائحة من المسك ، ثم عدت إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقال : أشربت؟ فقلت : بلى شربت يا رسول الله ، فقال : ألا أبشرك؟ فقلت : بلى فداك أبي وأمي يا رسول الله ، قال : إن الله أمر الملك الموكل بأنهار الجنة أن يخرق يخرق نهرا من [الجنة](١) ـ جنة الفردوس ـ إلى صدر الغار ليشرب منه أبو بكر ، قال أبو بكر : أولي عند الله هذه المنزلة؟ قال : نعم ، وأفضل والذي بعثني بالحق نبيا لا يدخل الجنة مبغضك ولو كان له عمل سبعين نبيا» (٢). خرجه الشيخ أبو عبد الله بن النعمان في «مصباح الظلام» (٣).

وعن أنس رضي‌الله‌عنه قال : «لما كانت ليلة الغار قال أبو بكر : يا رسول الله دعني أدخل قبلك ، فإن كان فيه حية أو شيء كانت بي قبلك قال : ادخل ، فدخل أبو بكر وجعل يتلمس بيده فكلما رأى جحرا قال بثوبه هكذا فشقه فألقمه الجحر ، حتى فعل ذلك بثوبه أجمع قال : فبقي جحر فوضع عقبه عليه ، ثم دخل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فلما أصبح قال له النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : وأين ثوبك يا أبا بكر؟ فأخبره بالذي صنع ، فرفع النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يديه وقال : اللهم اجعل أبا بكر معي في درجتي يوم القيامة ، فأوحى الله عزوجل إليه :

__________________

(١) سقط من الأصل والاضافة من (ط).

(٢) حديث ابن عباس ذكره محب الدين الطبري في الرياض النضرة ١ / ٩٥ وعزاه الملاء في سيرته ، وابن الضياء في تاريخ مكة ص ٨٨ ، والسيوطي في الدر المنثور ٤ / ٢٠١ وعزاه لابن عساكر عن ابن عباس.

(٣) محمد بن موسى ، أبو عبد الله شمس الدين بن النعمان القيرواني ، من فقهاء المالكية ، مات في الاسكندرية سنة ٦٨٣ ه‍.

انظر : الذهبي : العبر ٣ / ٣٥٤ ، ابن تغري : النجوم ٧ / ٣٦٤ ، ابن العماد : الشذرات ٥ / ٣٨٤.

وله من الكتب «مصباح الظلام» مخطوط في شستربتي رقم ٣٦٧٧.

انظر : حاجي خليفة : كشف الظنون ٢ / ١٧٠٦ ، الزركلي : الاعلام ٧ / ١١٨.

١٨٩

إن الله قد استجاب لك» (١).

وروى الزهري بسنده أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال لحسان : هل / قلت في أبي بكر شيئا؟ فقال : نعم ، فقال : قل وأنا أسمع فقال :

وثاني اثنين في الغار المنيف وقد

طاف العدو به إذ صعد الجبلا

وكان حب رسول الله قد علموا

من البرية لم يعدل به رجلا

فضحك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، حتى بدت نواجذه ثم قال : صدقت يا حسان هو كما قلت (٢).

ونقل عن الإمام أبي الحسين أحمد بن محمد الزبيري في كتابه «معالي الفرش إلى عوالي العرش» عن أبي هريرة رضي‌الله‌عنه قال : اجتمع المهاجرون والأنصار عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال أبو بكر : وعيشك يا رسول الله لم أسجد لصنم قط ، فغضب عمر بن الخطاب وقال : يقول ذلك وقد كان في الجاهلية كذا وكذا سنة ، فقال أبو بكر : إن أبا قحافة أخذ بيدي وانطلق بي إلى مخدع فيه الأصنام ، فقال : إن هذه آلهتك الشم العلا فاسجد لها ، وخلاني وذهب ، فدنوت من الصنم وقلت : إني جائع فاطعمني ، فلم يجبني ، وأنا عار

__________________

(١) حديث أنس بن مالك : أخرجه أبو نعيم في حلية الأولياء ١ / ٣٣ ، وذكره ابن الجوزي في صفة الصفوة ١ / ٢٤٠ وفي الوفا ١ / ٢٣٧ ، محب الدين الطبري في الرياض النضرة ١ / ٨٩ ـ ٩٠ وعزاه لابن الجوزي.

(٢) حديث الزهري وشعر حسان بن ثابت : ذكره ابن سعد في طبقاته ٣ / ١٧٤ ، وابن عبد البر في الاستيعاب ٣ / ٩٦٤ ، ومحب الدين الطبري في الرياض النضرة ١ / ٧٢ ، وابن الضياء في تاريخ مكة ص ٩٢.

١٩٠

فاكسني ، فلم يجبني ، فأخذت صخرة فقلت : إني ملق عليك هذه الصخرة فإن كنت إلها فامنع نفسك ، فلم يجبني ، فألقيت عليه الصخرة فخر لوجهه ، وأقبلت إلى [أبي](١) فقال : ما هذا يا بني؟ فقلت : هذا الذي ترى ، فانطلق بي إلى أمي فأخبرها ، فقالت : دعه هذا الذي ناجاني الله عزوجل فيه ، فقلت : يا أماه وما الذي ناجاك به؟ فقالت : ليلة أصابني المخاض لم يكن عندي أحد ، فسمعت هاتفا يهتف وهو يقول : يا أمة الله ـ على التحقيق ـ أبشري بالولد العتيق اسمه في السماء الصديق ، لمحمد صاحب ورفيق ، فلما انقضى كلامه نزل جبريل على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : صدق أبو بكر ، فصدقه ثلاث مرات (٢).

وقد شبهه صلى‌الله‌عليه‌وسلم بميكائيل رأفة ورحمة ، وبإبراهيم عفوا ووقارا ، وكان عنده يوم أسلم أربعون ألفا أنفقها على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم (٣).

وقال عليه الصلاة والسلام : «أبو بكر مني وأنا منه ، وأبو بكر أخي في الدنيا والآخرة» (٤).

وقال عليه الصلاة والسلام : «أبو بكر عتيق في السماء ، عتيق في الأرض» (٥).

__________________

(١) سقط من الأصل والاضافة من (ط).

(٢) الخبر ليس له إسناد يعتمد عليه ، وفيه ألفاظ منكرة.

(٣) انظر : ابن سعد : الطبقات ١ / ١٧٢ ، محب الدين الطبري : الرياض النضرة ١ / ١١٦.

(٤) ذكره الديلمي في الفردوس ١ / ٤٣٧ برقم (١٧٨٠) من حديث عائشة رضي‌الله‌عنها ، والسيوطي في الجامع برقم (٥٦) ورمز إلى ضعفه ، وقال المناوي في فيض القدير ١ / ٩١ «وليس يكفي منه ذلك بل كان ينبغي حذفه إذ فيه عبد الرحمن بن عمرو بن جبلة قال عنه الذهبي في الضعفاء :كذبوه» ، وذكره محب الدين الطبري في الرياض ١ / ١١٥ عن أنس بن مالك.

(٥) ذكره الديلمي في الفردوس ١ / ٤٣٨ برقم (١٧٨٤) من حديث عائشة رضي‌الله‌عنها.

١٩١

وقال عليه الصلاة والسلام : «حب أبي بكر وشكره واجب على كل مسلم» (١).

وقال عليه الصلاة والسلام : «خلق الله الأرواح قبل الأجساد بألفي عام ، وأمرت بالطاعة لي ، فأول روح آمن بي وصدقني ، روح أبي بكر ، وأول روح آمن بي وسلم عليّ من النساء عائشة» (٢).

وقال عليه الصلاة والسلام : «رأيت ليلة أسري بي حول العرش مكتوبا آية الكرسي إلى قوله (الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ)(٣) محمد رسول الله قبل أن يخلق الشمس والقمر بألفي عام ، وأبو بكر على أثره» (٤).

وقال عليه الصلاة والسلام : «قلت لجبريل وهو راكب على فرسه حيزوم : ماذا أقول إذا رجعت إليهم ـ يعني قريش ـ قال : يا محمد [تخبرهم](٥) بما عاينت ، قلت : يا جبريل إذا يكذبوني / ولا يصدقوني ، قال : حدثهم ، فإن كذبوك ، فإن أبا بكر يصدق قولك [فإنه](٦) مكتوب عند الله صديقا» (٧).

__________________

(١) ذكره الخطيب في تاريخ بغداد ٥ / ٤٥٢ عن سهل بن سعد ، ومحب الدين الطبري في الرياض ١ / ١١٣ وعزاه للخطيب.

(٢) ذكره الديلمي في الفردوس ٢ / ١٨٧ برقم (٢٩٣٧) عن عليّ.

(٣) سورة البقرة آية (٢٥٥).

(٤) ذكره الديلمي في الفردوس ٢ / ٢٥٥ برقم (٣١٨٨) من حديث أبي سعيد الخدري ، ومحب الدين الطبري في الرياض ١ / ١٤٨ من حديث أبي الدرداء ، والسيوطي في اللآليء ١ / ٢٩٨ وعزاه للديلمي في مسند الفردوس.

(٥) سقط من الأصل والاضافة من (ط).

(٦) سقط من الأصل والاضافة من (ط).

(٧) ذكره الديلمي في الفردوس ٣ / ٢٢٥ برقم (٦٦٦٢) من حديث معاذ بن جبل ، وذكر نحوه المتقي الهندي في كنز العمال حديث (٣٢٦١١) وعزاه لابن سعد عن أبي وهب مرسلا ، وبرقم (٣٥٦٧٢) وعزاه للزبير بن بكار عن محمد بن كعب مرسلا.

١٩٢

وقال عليه الصلاة والسلام : كل الناس يحاسبون إلا أبا بكر الصديق» (١).

وقال عليه الصلاة والسلام : «لكل نبي رفيق ، وإن [رفيقي](٢) في الجنة أبو بكر الصديق».

وقال عليه الصلاة والسلام : «لو كنت متخذا خليلا من أمتي لاتخذت أبا بكر خليلا [ولكن](٣) أخي في الدين وصاحبي في الغار وصاحبكم خليل الله» (٤). الخليل : هو الصديق (٥).

وقال عليه الصلاة والسلام : «لما كانت الليلة التي ولد فيها أبو بكر رضي‌الله‌عنه أقبل ربكم على جنة عدن فقال : وعزتي وجلالي لا أدخلك إلا من أحب هذا المولود» (٦).

وقال عليه الصلاة والسلام : «لما أن عرج بي إلى السماء ، فوقفت بين يدي رب العزة ، فقال لي : يا أحمد على من تركت أهل أرضي ، فقلت : على أبي بكر الصديق ، فقال : إنما هو أحب العباد إليّ بعدك فاقرءه مني السلام» (٧).

__________________

(١) ذكره الديلمي في الفردوس ٣ / ٢٢٦٦ برقم (٤٧٩٠) ، ابن الجوزي في العلل ١ / ١٨٥ ، المتقي الهندي في كنز العمال حديث (٣٢٦٣٥) وعزاه لأبي نعيم عن عائشة.

(٢) و (٣) سقط من الأصل والاضافة من (ط).

(٤) الحديث أخرجه مسلم في صحيحه عن ابن مسعود كتاب فضائل الصحابة باب من فضائل أبي بكر حديث (٣) ٤ / ١٨٥٥ ، والبخاري في صحيحه عن ابن عباس كتاب فضائل الصحابة حديث (٣٦٥٦) ٤ / ٢٣١ ، والترمذي في سننه عن أبي سعيد حديث (٣٦٦٠) ٥ / ٥٦٨ ، وأحمد في المسند ١ / ٣٧٧ عن ابن مسعود وفي فضائل الصحابة ١ / ٣٧٨ عن عائشة.

(٥) عن معنى الخليل واشتقاقه. راجع ما ذكره القاضي عياض في الشفا ١ / ١٣١.

(٦) ذكره الديلمي في الفردوس ٣ / ٤٢٥ برقم (٥١٠٦) عن ابن عمر ، ابن عراق في تنزيه الشريعة ١ / ٣٤٣ وعزاه للخطيب في تاريخه عن ابن عمر وفيه محمد الهروي وفيه مجاهيل ، محب الدين الطبري في الرياض ١ / ١٨٤ وقال : «خرجه علي بن نعيم البصري ، وهو غريب من حديث الزهري عن نافع ، وخرجه الملاء في سيرته».

(٧) ذكره الديلمي في الفردوس ٣ / ٤٢٩ برقم (٥٣٤) من حديث أبي هريرة.

١٩٣

وقال عليه الصلاة والسلام : «لما عرج بي سألت ربي أن يجعل الخليفة من بعدي علي بن أبي طالب ارتجت [السموات وهتف بي](١) الملائكة فقالوا : يا محمد إن الله تعالى يفعل ما يشاء الخليفة من بعدك أبو بكر الصديق» (٢).

وقال عليه الصلاة والسلام : «إن الله تعالى أمر الملائكة أن تتخلل في السماء كما تخلل أبو بكر بالعبادة في الأرض».

وقال عليه الصلاة والسلام : «يا أبا بكر ألا أبشرك إن الله عزوجل يتجلى لك يوم القيامة خاصة وللناس عامة» (٣).

وقال عليه الصلاة والسلام : «يا أبا بكر إن الله أعطاني ثواب من آمن بي منذ خلق الله آدم ، وأعطاك ثواب من آمن بي منذ بعثني إلى أن تقوم الساعة» (٤).

وكان نقش خاتمه رضي‌الله‌عنه : نعم القادر الله ، وقيل : سجد عبد ذليل لرب جليل (٥).

قلت : وقد اتصل جدي وسيدي أبو محمد عبد الله المرجاني بشعرات من لحية جدي الأكبر أبي بكر الصديق رضي‌الله‌عنه وبقطعة من قصعة أنس بن مالك التي أعطاها النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم له ، منحهما اياه السلطان الشهيد المرحوم

__________________

(١) الاضافة للضرورة من الموضوعات ١ / ٣١٦.

(٢) الحديث أخرجه ابن الجوزي في الموضوعات ١ / ٣١٦ من حديث أبي سعيد وابن عباس مرفوعا.

(٣) الحديث أخرجه ابن الجوزي في الموضوعات ١ / ٣٠٦ عن جابر بن عبد الله مرفوعا وابن المنكدر مرسلا.

(٤) رواه الامام أبو حنيفة كذا بجامع المسانيد للخوارزمي ٢ / ٨٢ وألفاظه منكرة.

(٥) انظر : الطبري : تاريخ الرسل ٣ / ٤٢٧ ، ابن عبد البر : الاستيعاب ٣ / ٩٧٧.

١٩٤

سيف الدين الملك المنصور قلاوون الصالحي (١) ، وأعرض عليه مالا جزيلا وأغصبه على أخذه فقال : قبلته ، ولكن أودعه لي في بيت مال المسلمين إلى وقت الحاجة إليه ، فكتب عليه : «وداعة المرجاني» وحمل ، وأحضرت أم السلطان الملك الناصر ولدها محمد ، وشكت إليه ضعفه دون أخوته ، فقال لها : هذا ولدي وأخبرها بأنه هو المتولي للملك بعد أبيه ، فلما مات الملك المنصور ، وتولى الملك الناصر محمد ـ المذكور ـ وهوب إلى الكرك (٢) ونهبت مصر ، رجع الملك الناصر إلى مصر ودخلها على غفلة من أهلها (٣) ، ولم يفتحها إلا بوداعة المرجاني المذكورة (٤).

توفي رحمه‌الله عشية يوم الجمعة الحادي والعشرين من ربيع الآخر من

__________________

(١) السلطان المنصور سيف الدين ، أبو المعالي قلاوون التركي الصالحي ، تولى حكم مصر سنة ٦٧٨ ه‍ ، وتوفي بالقاهرة سنة ٦٨٩ ه‍.

انظر : الذهبي : العبر ٣ / ٣٧٠ ، ابن تغري : النجوم الزاهرة ٧ / ٣٨٦ ، ابن العماد : شذرات الذهب ٥ / ٤٠٩.

(٢) الكرك : بفتح الكاف وسكون الراء ، قرية في أصل جبل لبنان.

انظر : ياقوت : معجم البلدان ٤ / ٤٥٢.

(٣) السلطان الناصر محمد بن قلاوون الصالحي ، ولي السلطنة في مصر لأول مرة لمدة سنة وعمره تسع سنين من سنة ٦٩٣ ـ ٦٩٤ ه‍ ، وعزل وولي مكانه الملك العادل كتبغا المنصوري ، ومن بعده السلطان لاجين في سنة ٦٩٦ ه‍ ، وقام السلطان لاجين بإخراج الناصر محمد من مصر إلى الكرك ، فأقام بها إلى أن قتل لاجين في سنة ٦٩٨ ه‍ ، وأعيد الناصر محمد ثانيا ، فأحضر من الكرك ، في يوم السبت رابع جمادى الأولى سنة ٦٩٨ ه‍ ، وظل الناصر محمد في ولايته الثانية عشر سنين من سنة ٦٩٨ ـ ٧٠٨ ، ثم تسلطن للمرة الثالثة من سنة ٧٠٩ ـ ٧٤١ ه‍ حيث مات في سنة ٧٤١ ه‍.

انظر : الذهبي : العبر ٣ / ٣٧٩ ـ ٣٨١ ، ابن تغري : النجوم الزاهرة ٨ / ٤١ ـ ٥٠ ، ١١٥ ، ١٨٨ ، ابن العماد : شذرات الذهب ٥ / ٤٢٢ ، ٤٤٠ ، ٦ / ١٨ ، ١٣٤.

(٤) هذا تجاوز غير مقبول فالفضل أولا وآخرا لله سبحانه وتعالى وقد قال (وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ) الحديد آية ٢٩ ، وقال أيضا (قُلِ اللهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ) آل عمران آية ٢٦.

١٩٥

شهور سنة تسع وتسعين وستمائة بتونس (١) / ودفن يوم السبت بعد صلاة الظهر ، وقد صلى عليه إمام الجامع الأعظم عبد الملك بن أحمد بن علي القيسي ، عرف بالعز عاز ، ودفن بالجبل المعروف بالزلاج قبل تونس (٢).

قيل له يوما وأولاده مجتمعون بين يديه ما هذا إلا عش ، فقال : ومن بعد ذا العش عش ، ومن بعد العش عش ، وإني قد أمنت منهم ، بيعت حوائجه بعد موته وهي الثياب ، والإبريق ، والمسبحة بتسعة عشر ألف مثقال ، ووضعت في صندوق ، ووضعت عند قاضي تونس ، فسرقت تلك الليلة ، وأرسل إلينا بمكة عمي محمد بن عبد الله ـ المذكور ـ كتابا من تونس صورة ما فيه تقرر عندنا من مسعود خادم الشيخ أنه ذكر عن الوالد رحمه‌الله قال : لقيت رجلا بمكة ـ شرفها الله تعالى ـ وأظنه قال أنه جاء من اليمن ، فأحسن إليه سيدنا الوالد إحسانا كثيرا ، فلما سافر قال مسعود للوالد رحمه : يا سيدي رأيتك عملت مع هذا الرجل عملا ما رأيتك عملته مع أحد ، فقال له الوالد رحمه‌الله : هذا ابن عمتي نلتقي معه في ثالث جد ـ أو قال في رابع جد ـ وما قمت له بحق ، وهو من ذرية عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق رضي‌الله‌عنه ، ثم قال رحمه : وقد اجتمعت بجماعة من الشرفاء ، وأن سيدي قال لهم : أنا منكم ، فقال بعضهم : يا سيدي كيف أنت منا؟ فقال : والدتي شريفة ، وهي من ذرية الحسن بن علي رضي‌الله‌عنهما ، فجمع والحمد لله بين القرب والقرابة ، فإنه جاء عن عمر بن الخطاب رضي‌الله‌عنه في الصديق : هو أقرب قربة إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وقال في علي رضي‌الله‌عنه : هو أقرب قرابة إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ،

__________________

(١) تونس : بالضم ثم السكون ، مدينة كبيرة بافريقية على ساحل البحر ، وهي قصبة بلاد إفريقية.

انظر : ياقوت : معجم البلدان ٢ / ٦٠.

(٢) انظر : ابن الملقن : طبقات الأولياء ص ٤٤١ ، ابن العماد : شذرات الذهب ٥ / ٤٥١.

١٩٦

قال : والقربة روح ونفس ، والقرابة لحم ودم.

وكذلك اتصل جدي أبو محمد بسكين ضربت من سيف خالد بن الوليد رضي‌الله‌عنه وذلك أن بعض أجدادنا القدماء ـ إما الرابع وإما الخامس شك والدي رحمه‌الله تعالى ـ كان إمام جامع الزيتونة (١) ، وجدوا حوضا من حجر في منارة الجامع فيه سيف مكتوب عليه : هذا سيف خالد بن الوليد الذي اشتراه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بستة عشر درهما لخالد بن الوليد ، فرفع خبره إلى السلطان في ذلك الوقت ، فأمر أن تضرب منه ثلاثة ، سكاكين ، أحدها : أخذها السلطان ، والثانية : علقت في الجامع ، والثالثة : أرسلت لجدنا إمام الجامع ، فانتقلت إلى أن وصلت لسيدي أبو محمد ، ثم كانت بعده عند والدي رحمه‌الله ، فسرقت منه (٢). انتهى.

حضر خالد بن الوليد مائة زحف (٣) ، ومات على فراشه بحمص ، ودفن بقرية على ميل من حمص سنة إحدى وعشرين ، وقيل : اثنتين وعشرين (٤) ، جملة ما روي اثنى عشر حديثا (٥).

__________________

(١) الزيتونة مدينة بافريقية على مرحلة من سفاقس وبها عين ماء.

انظر : ياقوت : معجم البلدان ٣ / ١٦٣.

(٢) استطراد ودعاوي تحتاج إلى إثبات.

(٣) يروى أن خالد بن الوليد لما حضرته الوفاة قال : «لقد شهدت مائة زحف أو زهاءها ، وما في جسدي موضع شبر إلا وفيه ضربة أو طعنة أو رمية ، ثم ها أنا ذا أموت على فراشي كما يموت البعير ، فلا نامت أعين الجبناء».

انظر : ابن عبد البر : الاستيعاب ٢ / ٤٣٠ ، ابن الأثير : أسد الغابة ٢ / ١١١.

(٤) انظر : ابن عبد البر : الاستيعاب ٢ / ٤٣٠ ، ابن الأثير : أسد الغابة ٢ / ١١١.

(٥) ذكره ابن الجوزي في تلقيح مفهوم ص ٣٦٨ في أصحاب الثمانية عشر ، وفي تحفة الأشراف للمزي ٣ / ١١١ له ٦ أحاديث.

١٩٧

/ حمص بلدة بالشام أصح بلاد الشام بين دمشق وحماة ، وهي من أعمال دمشق ، ليس بها عقارب ولا حيات ، أحجارها سود كلها ، وهي صغيرة جدا (١). رأيتها في سنة سبع وخمسين وسبعمائة.

الفصل العاشر

في ذكر وفاة عمر رضي‌الله‌عنه

هو الفاروق (٢) أبو حفص عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى بن رباح ابن عبد الله بن قرط بن رزاح بن عديّ بن كعب ، القرشي العدوي (٣).

أسلم سنة ست من النبوة (٤). أمه حنتمة بنت هاشم بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم (٥).

__________________

(١) يذكر ياقوت في معجم البلدان ٢ / ٣٠٣ عن حمص عكس ما ذكره المؤلف عنها فيقول : «ومن عجيب ما تأملته من أمر حمص فساد هوائها وتربتها اللذين يفسدان العقل حتى يضرب بحماقتهم المثل».

(٢) سماه بهذا الاسم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقد روي عن أيوب بن موسى قال. قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : إن الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه وهو الفاروق فرق الله به بين الحق والباطل.

انظر : ابن سعد : الطبقات ٣ / ٢٧٠ ـ ٢٧١ ، ابن شبة : تاريخ المدينة ٢ / ٦٦٢ ، الطبري : تاريخ الرسل ٤ / ١٩٥ ، محب الدين الطبري : الرياض النضرة ١ / ٢٤٥.

(٣) راجع عمود نسبه عند ابن سعد في الطبقات ٣ / ٢ ، الطبري في تاريخه ٤ / ١٩٥ ، ابن شبة في تاريخ المدينة ٢ / ٦٥٤ ، ابن عبد البر في الاستيعاب ٣ / ١١٤٤.

(٤) أسلم في ذي الحجة سنة ست من النبوة وهو ابن ست وعشرين سنة. راجع قصة إسلامه عند ابن هشام في السيرة ١ / ٣٤٢ ، ابن سعد في الطبقات ٣ / ٢٦٧ ، ابن شبة في تاريخ المدينة ٢ / ٦٥٦ ، الطبري في تاريخه ٤ / ٢٠٠.

(٥) انظر : ابن سعد : الطبقات ٣ / ٢٦٥ ، ابن شبة : تاريخ المدينة ٢ / ٦٥٤ ، ابن عبد البر : الاستيعاب ٣ / ١١٤٤ ، ابن الجوزي : المنتظم ٤ / ١٣١ ، محب الدين الطبري : الرياض النضرة ١ / ٢٤٥.

١٩٨

ولد بعد الفيل بثلاث عشرة سنة ، ومولده معروف بمكة من أسفلها على الجبل الذي بين كداء وكدي (١). وهو من المهاجرين الأولين (٢).

خرج يطوف بالسوق ـ بعد حجته (٣) ـ فلقيه أبو لؤلؤة فيروز الفارسي ، غلام المغيرة بن شعبة ، وكان نصرانيا ـ وقيل : مجوسيا (٤) ـ فقال : أعدى عليّ المغيرة بن شعبة ، فإن عليّ خراجا كثيرا ، قال : فكم خراجك؟ قال : درهمان في كل يوم ، قال : فأيش صناعتك؟ قال : نقاش ، نجار ، حداد ، قال : فما أرى خراجك كثيرا على ما تصنع من الأعمال ، ثم قال له : وبلغني أنك قلت : لو أردت أعمل رحا تطحن بالريح لفعلت ، قال : نعم ، قال : فاعمل لي رحا ، قال : لئن سلمت لأعملن لك رحا يتحدث بها من بالمشرق والمغرب ، ثم انصرف ، فقال عمر رضي‌الله‌عنه : لقد توعدني العلج آنفا ، ثم أتى عمر منزله ، فجاءه كعب الأحبار فقال : يا أمير المؤمنين أعهد ، فإنك ميت في ثلاثة أيام ، فقال : وما يدريك؟ فقال : أجده في كتاب الله التوراة ، فقال عمر : الله إنك لتجد عمر بن الخطاب في التوراة؟ قال : اللهم لا ، ولكن أجد صفتك وحليتك ، وأنه قد فنى أجلك. فلما كان من الغد جاءه كعب فقال : يا أمير المؤمنين ذهب يوم وبقي يومان ، ثم جاءه بعد ذلك فقال : ذهب يومان وبقي

__________________

(١) انظر : ابن سعد : الطبقات ٣ / ٦٩ ، الطبري : تاريخ الرسل ٤ / ١٩٧ ، ابن عبد البر : الاستيعاب ٣ / ١١٤٥.

(٢) عن قصة هجرة عمر رضي‌الله‌عنه. انظر : ابن سعد : الطبقات ٣ / ٢٧١ ، ابن عبد البر :الاستيعاب ٢ / ١١٤٥ ، محب الدين الطبري : الرياض النضرة ١ / ٢٥٨ ـ ٢٥٩.

(٣) في سنة ثلاث وعشرين حج عمر رضي‌الله‌عنه بأزواج النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وهي آخر حجة حجها بالناس.

انظر : الطبري : تاريخ الرسل ٤ / ١٩٠ ، ابن الجوزي : المنتظم ٤ / ٣٢٧.

(٤) روى ابن عبد البر بإسناد له عن علي بن مجاهد قال : اختلف علينا في شأن أبي لؤلؤة ، فقال بعضهم كان مجوسيا ، وقال بعضهم كان نصرانيا.

انظر : ابن عبد البر : الاستيعاب ٣ / ١١٥٥ ، محب الدين الطبري : الرياض النضرة ٢ / ٩٢.

١٩٩

يوم وليلة ، وهي لك إلى صبيحتها (١) ، فلما كان الصبح خرج عمر إلى الصلاة ، ودخل أبو لؤلؤة في الناس ، في يده خنجر له رأسان نصابه في وسطه ، فضرب عمر ست ضربات ، إحداهن تحت سرته ، وهي التي قتلته ، وسقط عمر ، وظهر العلج لا يمر على أحد يمينا أو شمالا إلا طعنه حتى طعن ثلاثة عشر رجلا مات منهم سبعة ـ وقيل : ستة ـ فطرح عليه رجل من المسلمين برنسا واحتضنه من خلفه ، فنحر العلج نفسه ، وأخذ عمر بيد عبد الرحمن بن عوف ، فقدمه ، فصلى بالناس ب : (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) ، و (قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ) وحمل عمر إلى منزله ودخل عليه المهاجرون والأنصار يسلمون عليه ، ودخل / في الناس كعب فلما نظر إليه عمر أنشأ يقول :

وأوعدني كعب ثلاثا أعدها

ولا شك أن القول ما قاله كعب

وما بي حذار الموت إني لميت

ولكن حذار الذنب يتبعه الذنب (٢)

طعن يوم السبت غرة المحرم سنة أربع وعشرين ، بعد حجته تلك السنة ، وقيل : طعنه يوم الإثنين لأربع ليال بقين من ذي الحجة سنة ثلاث وعشرين ، وقيل : لثلاث ليال بقين من ذي الحجة ، وبقي ثلاثة أيام بعد

__________________

(١) قول كعب الأحبار هذا لا أظن صحة إسناده إليه ، وفيه من النكارة معرفة أجل عمر ، وهذا مما اختص الله بعلمه ، فإن الآجال غيب اختص الله بعلمها.

(٢) الخبر والشعر كذا ورد عند ابن الضياء في تاريخ مكة ص ٢٣٥ ـ ٢٣٦ ، النهرواني في تاريخ المدينة (ق ٢٠٥ ـ ٢٠٧).

وانظر : ابن شبة : تاريخ المدينة ٣ / ٨٩٣ ـ ٨٩٥ ، الطبري : تاريخ الرسل ٤ / ١٩٠ ـ ١٩٣ ، ابن عبد البر : الاستيعاب ٣ / ١١٥٤ ، ابن الجوزي : المنتظم ٤ / ٣٢٩ ، محب الدين الطبري : الرياض النضرة ٢ / ٩٠.

٢٠٠