بهجة النفوس والأسرار - ج ٢

الشيخ أبي محمّد عفيف الدين عبد الله بن عبد الملك المرجاني

بهجة النفوس والأسرار - ج ٢

المؤلف:

الشيخ أبي محمّد عفيف الدين عبد الله بن عبد الملك المرجاني


المحقق: محمّد عبد الوهاب فضل
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الغرب الإسلامي ـ بيروت
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٣٠
الجزء ١ الجزء ٢

يا جاعلا سنن النب

ي شعاره ودثاره

متمسكا بحديثه

متتبعا أخباره

سنن الشريعة خذ بها

متوسما آثاره

وكذا الطريقة فاقتبس

في سبلها أنواره

هو قدوة لك فاتخذ

في السنتين عياره

قد كان يقري ضيفه

كرما ويحفظ جاره

ويجالس المسكين يؤ

ثر قربه وجواره

الفقر كان رداءه

والجوع كان شعاره

يلقي بغرة ضاحك

مستبشرا زواره

بسط الراء كرامة

لكريم قوم زاره

ما كان مختلا ولا

مرحا يجر إزاره

قد كان يركب بالرد

يف من الخضوع حماره

في مهنة هو أو صلا

ة ليله ونهاره

فتراه يحلب شاة منز

له ويوقد ناره

ما زال كهف مهاجر

يه ومكرما أنصاره

برا لمحسنهم مقي

لا للمسيء عثاره

يهب الذي تحوي يدا

ه لطالب ايثاره

زكى عن الدنيا الد

نية ربه مقداره

جعل الإله صلاته الأ

زكى عليه نثاره

فاختر من الأخلاق ما

كان الرسول اختاره

لتعد سنيا بل ويو

شك أن تبوأ داره /

١٢١

الفصل الثامن

في ذكر وفاته صلى‌الله‌عليه‌وسلم

قال الله تعالى : (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ)(١) حكى أبو معاذ (٢) عن النحويين الأولين : أن الميت ـ بالتخفيف : الذي فارقه الروح ، وبالتشديد :الذي لم يكن مات بعد ، وهو يموت (٣).

فأخبره تعالى أنه ميت إشارة إلى قوله : (كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ)(٤).

ثم إن الله تعالى خيره بين البقاء واللقاء ، فاختار اللقاء (٥) ، ثم إنه تعالى خيره أيضا ، حين بعث إليه ملك الموت (٦) ، على أن يقبض روحه أو ينصرف ، ولم يخير قبله نبي ، ولا رسول ، ألا ترى إلى موسى عليه‌السلام حين قال له ملك الموت : أجب ربك ، فلطمه ففقأ عينه ، ولو أتاه على وجه التخيير لما بطش به ، وقول ملك الموت حين رجع : إنك أرسلتني إلى عبد لا يريد الموت (٧).

__________________

(١) سورة الزمر آية (٣٠).

(٢) سليمان بن أرقم ، أبو معاذ البصري ، ضعيف من السادسة.

انظر : ابن حجر : التقريب ص ٢٥٠.

(٣) كذا ورد عند القرطبي في الجامع ١٥ / ٢٥٤ وعزاه للحسن والفراء والكسائي وقال : وهذا خطاب للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أخبره تعالى بموته وموتهم.

(٤) سورة الرحمن آية (٢٦).

ومن أول الفصل كذا ورد عند ابن الضياء في تاريخ مكة ص ٢٢٧ ،. والنهرواني في تاريخ المدينة (ق ١٩٢).

(٥) سيأتي بيان الحديث في (ق ٢١٠) من المخطوط «الأمر بسد الأبواب اللافظة».

(٦) سيأتي بيان الحديث في (ق ٢١١) من المخطوط.

(٧) كذا ورد عند ابن الجوزي في الوفا ١ / ٧٨٢ ، وابن الضياء في تاريخ مكة ص ٢٢٧ ، والنهرواني في تاريخ المدينة (ق ١٩٢).

١٢٢

قال الإمام أبو إسحاق الثعلبي : «وقصة موسى وملك الموت لا يردها إلا كل مبتدع ضال يؤيده قوله عليه الصلاة والسلام : إن ملك الموت كان يأتي الناس عيانا ، حتى أتى موسى ليقبضه ، فلطمه ففقأ عينه ، فجاء ملك الموت بعد ذلك خفية. وكذلك قصته مع داود عليه‌السلام : حين غلقت عليه أبوابه ، فرأى ملك الموت عنده ، فقال له : ما أدخلك داري بغير إذني؟ فقال : أنا الذي أدخل على الملوك بغير إذن ، فقال : فأنت ملك الموت؟ قال : نعم ، قال : جئت داعيا أم ناعيا؟ قال : بل ناعيا ، قال : فهلا أرسلت إلى قبل ذلك لأستعد للموت؟ فقال : كم أرسلت إليك فلم تنتبه ، قال : ومن كان رسلك؟ قال : يا داود أين أبوك أين أمك أين أخوك؟ قال : ماتوا ، قال : أفما علمت أنهم رسلي ، وأن النوبة تبلغك (١).

قال محمد بن عبد الله الكسائي : مسكن ملك الموت سماء الدنيا اسمه عزرائيل ، له من الأعوان على عدد الخلائق ، رجلاه في تخوم الأرض ، ورأسه في السماء عند آخر الحجب ، ووجهه في اللوح المحفوظ ، له ثلثمائة وستون عينا ، في كل عين ثلاثة أعين ، ومثلها ألسن ، ومثلها أيد ، ومثلها أرجل ، وله أربعة أجنحة ، قال الله تعالى : (أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ)(٢).

قال البغوي : منهم من له جناحان ، ومنهم من له ثلاثة أجنحة ، ومنهم

__________________

(١) قول الثعلبي بشأن موسى وداود عليهما‌السلام مع ملك الموت : كذا ورد عند ابن الضياء في تاريخ مكة ص ٢٢٧ ، والنهرواني في تاريخ المدينة (ق ١٩٢).

وقصة موسى مع ملك الموت أخرجها البخاري في صحيحه كتاب الأنبياء باب وفاة موسى عن أبي هريرة برقم (٣٤٠٧) ٤ / ١٥٧ ، ومسلم في صحيحه كتاب الفضائل باب فضائل موسى عن أبي هريرة برقم (١٥٨) ٤ / ١٨٤٣ ، وذكرها الطبري في تاريخه ١ / ٤٣٤ ، وابن الجوزي في المنتظم ١ / ٣٧٥ ، وابن كثير في البداية ١ / ٢٩٥.

(٢) سورة فاطر آية (١).

١٢٣

من له أربعة أجنحة (١).

ورأى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم [جبريل في خلقته الأولى له ستمائة جناح (٢).

وقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم :](٣) دخلت الجنة ، فرأيت جعفرا يطير مع الملائكة وجناحاه مضرجان بالدم (٤).

فلذلك سمي جعفر الطيار ، وجعفر ذو الجناحين ، وكان قتل في غزوة مؤته ، فقطعت يداه ثم قتل ، وجد فيه نيف وتسعون طعنة (٥).

قال الشيخ أبو المكارم : «وكونهم مضرجان بالدم ، أي مصبوغ القوادم (٦) ، وفي الجناح عشرون ريشة ، أربع قوادم ، وأربع مناكب ، وأربع أباهر ، وأربع خواف ، وأربع كلا نسقا واحدا من أول الجناح إلى آخره».

قال السهيلي (٧) : «ليسا كأجنحة الطير ، وريشه ، ولكنها عبارة عن صفة ملكية / وقوة روحانية أعطيها جعفر كما أعطيتها الملائكة وقد قال

__________________

(١) انظر : القرطبي : الجامع ١٤ / ٣١٩.

(٢) حديث رؤية النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم لجبريل عليه‌السلام في صورته الأولى عند سدرة المنتهى أخرجه البخاري في صحيحه كتاب التفسير باب تفسير سورة النجم عن عائشة برقم (٤٨٥٥) ٦ / ٥٩ ، ومسلم في صحيحه كتاب الإيمان باب ذكر سدرة المنتهى عن ابن مسعود برقم (٢٨٠ ، ٢٨١ ، ٢٨٢) ١ / ١٥٨ ، والبيهقي في الدلائل ٢ / ٣٧٢ عن ابن مسعود ، والقرطبي في الجامع ١٤ / ٣١٩.

(٣) سقط من الأصل والاضافة من (ط).

(٤) أخرجه ابن سعد في الطبقات ٤ / ٣٩ عن علي بن أبي طالب ، والسهيلي في الروض ٧ / ٣٧ عن ابن عباس ، وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد ٦ / ١٦١.

(٥) عن سبب تسمية جعفر بن أبي طالب بذي الجناحين.

راجع : ابن هشام : السيرة ٢ / ٣٧٧ ـ ٣٧٨ ، ابن سعد : الطبقات ٤ / ٣٨ ـ ٣٩ ، ابن عبد البر :الاستيعاب ١ / ٢٤٣.

(٦) والمعنى يوافق ما ذكره ابن سعد في طبقاته ٤ / ٣٨.

(٧) قول السهيلي ذكره في الروض ٧ / ٣٨ ـ ٣٩ ، وذكره القرطبي في الجامع ١١ / ١٩١ ، وابن حجر في الفتح ٧ / ٥١٣.

١٢٤

الله تعالى لموسى : (وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلى جَناحِكَ)(١) فعبر عن العضد بالجناح إلى آخره ، وليس ثم طيران ، فكيف بمن أعطي قوة الطيران ، إنما هي صفات لا تنظر بالفكر ولا ورد أيضا في بيانها خبر فيجب الإيمان بها».

قال العلماء (٢) :

وابتدأ برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وجعه يوم الخميس ، في ليال بقين من صفر ، وقيل : في أول ربيع الأول ، في السنة الحادية عشر من الهجرة ، ومدة مرضه اثنى عشر يوما ، وقيل أربعة عشر ، وكان مرضه بالصداع ، واشتد وجعه في بيت ميمونة ، فدعي نساءه ، واستأذنهن في أن يمرض في بيت عائشة ، فأذن له ، فخرج يمشي بين رجلين من أهل بيته ، الفضل بن العباس وعلي بن أبي طالب رضي‌الله‌عنهما ، وخرج للخطبة نهار الخميس ، فصلى على أصحاب أحد ، واستغفر لهم ، ثم أمر بسد الأبواب اللافظة في المسجد إلا باب أبي بكر (٣).

قالت عائشة رضي‌الله‌عنها : «اضطجع في حجري ، فدخل عبد الرحمن ابن أبي بكر (٤) ، وفي يده سواك أخضر ، قالت : فنظر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في يده نظرا ، عرفت أنه يريده ، قالت : فقلت يا رسول الله أتحب أن أعطيك هذا السواك؟ قال : نعم ، قالت : فأخذته فمضغته له حتى لينته ، ثم أعطيته إياه ،

__________________

(١) سورة طه آية (٢٢).

(٢) راجع قول العلماء عند ابن سعد في الطبقات ٢ / ٢٠٥ ، ٢٣١ ـ ٢٣٢ ، والطبري في تاريخه ٣ / ١٨٤ ـ ١٨٩ ، وابن الجوزي في المنتظم ٤ / ٢٥ ـ ٢٦ ، والنهرواني في تاريخ المدينة (ق ١٩٣).

(٣) انظر : ابن هشام : السيرة ٢ / ٦٤٩ ، ابن سعد : الطبقات ٢ / ٢٢٧ ـ ٢٢٨ ، الطبري : تاريخ الرسل ٣ / ١٩٠ ـ ١٩١.

(٤) عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق القرشي التيمي ، أسلم في هدنة الحديبية ، ت ٥٣ ه‍.

انظر : ابن عبد البر : الاستيعاب ٢ / ٢٢٤ ، ابن الأثير : أسد الغابة ١ / ٢٤٢.

١٢٥

قالت : فاستن به ، كأشد ما رأيته استن بسواك قط ، ثم وضعه ، ووجدت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يثقل في حجري ، فذهبت أنظر في وجهه ، فإذا بصره قد شخص وهو يقول : بل الرفيق الأعلى في الجنة ، فقلت : خير ما اخترت والذي بعثك بالحق» (١). قيل : كان هذا السواك المذكور جريدة خضراء.

وروى ابن أبي مليكة (٢) قال : «لما كان يوم الإثنين خرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، عاصبا رأسه إلى صلاة الصبح ، وأبو بكر يصلي بالناس ، فلما خرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم تفرج الناس ، فعرف أبو بكر أن الناس لم يصنعوا ذلك إلا لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فنكص عن مصلاه ، فدفع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في ظهره ، وقال : صل بالناس ، وجلس رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى جنبه ، فصلى قاعدا عن يمين أبي بكر ، فلما فرغ من صلاته أقبل على الناس وكلمهم رافعا صوته ، حتى خرج صوته من باب المسجد ، يقول : يا أيها الناس ، سعّرت النار ، وأقبلت الفتن كقطع الليل المظلم ، وإني والله ما تمسكون عليّ بشيء ، أني لم أحل إلا ما أحل القرآن ، ولم أحرم إلا ما حرم القرآن. فلما فرغ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من كلامه قال أبو بكر : يا نبي الله أراك قد أصبحت بنعمة الله وفضل كما نحب ، واليوم يوم ابنة خارجة (٣) / أفاتيها؟ قال : نعم ، ودخل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ،

__________________

(١) حديث عائشة رضي‌الله‌عنها : أخرجه البخاري في صحيحه كتاب المغازي باب مرض رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم برقم (٤٤٣٨) ٥ / ١٦١ ، وأحمد في المسند ٦ / ٤٩ ، وابن سعد في طبقاته ٢ / ٢٣٣ ، والبيهقي في الدلائل ٧ / ٢٠٦.

(٢) عبيد الله بن أبي مليكة ، أبو بكر التيمي المكي ، روى عن عائشة ، وذكره ابن حبان في الثقات.

انظر : ابن حجر : التهذيب ١٢ / ٣٢.

(٣) وهي : حبيبة بنت خارجة بن زيد ، من بني الحارث بن الخزرج ، من الأنصار ، زوجة أبي بكر الصديق.

انظر : ابن سعد : الطبقات ٣ / ١٦٩ ، ابن عبد البر : الاستيعاب ٤ / ١٨٠٧.

١٢٦

وخرج أبو بكر إلى أهله بالسّنح» (١).

وخرج علي رضي‌الله‌عنه من عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقال المسلمون : «يا أبا حسن ، كيف أصبح رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم؟ قال : أصبح بحمد الله بارئا ، قال : فأخذ العباس بيده ، ثم قال : يا علي أنت والله عبد العصا (٢) بعد ثلاث ، أحلف بالله لقد عرفت الموت في وجه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كما كنت أعرفه في وجوه بني عبد المطلب ، فانطلق بنا إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فإن كان هذا الأمر فينا عرفناه ، وإن كان في غيرنا أمرناه فأوصى بنا الناس ، فقال : والله لا أفعل ، والله لئن منعناه لا يوتيناه أحد بعده ، فتوفي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حين اشتد الضحى من ذلك اليوم» (٣).

قيل : إن الصلاة التي صلاها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وهو جالس عن يمين أبي بكر أنها صلاة الظهر (٤). قاله ابن وضاح وأبو عبد الله بن عتاب.

وذكر ابن الجوزي (٥) : «أن جبريل عليه‌السلام أتى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قبل

__________________

(١) حديث ابن أبي مليكة أخرجه البيهقي في الدلائل ٧ / ٢٠١ ، وابن هشام في السيرة ٢ / ٦٥٣ ، والطبري في تاريخه ٣ / ١٩٨ ، وابن النجار في الدرة ٢ / ٣٨٤.

والسنح : بالضم ثم السكون ، أطم لجشم وزيد ابني الحارث ، وهي منازل بني الحارث من الأنصار بعوالي المدينة على ميل من المسجد النبوي.

انظر : الفيروزابادي : المغانم ص ١٨٧ ، السمهودي : وفاء الوفا ص ١٢٣٧.

(٢) عبد العصا : هو كناية عمن يصير تابعا لغيره ، والمعنى أنه يموت بعد ثلاث وتصير أنت مأمورا عليك ، وهذا من قوة فراسة العباس رضي‌الله‌عنه.

انظر : ابن حجر : فتح الباري ٨ / ١٤٣.

(٣) أخرجه عن ابن عباس : البخاري في صحيحه كتاب المغازي باب مرض النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ووفاته برقم (٤٤٤٧) ٥ / ١٦٣ ، وابن هشام في السيرة ٢ / ٦٥٤ ، وابن سعد في الطبقات ٢ / ٢٤٥ ، والطبري في تاريخه ٣ / ١٩٣ ، والبيهقي في الدلائل ٧ / ٢٢٤ ، وابن النجار في الدرة ٢ / ٣٨٤.

(٤) كذا ورد عند ابن الضياء في تاريخ مكة ص ٢٢٩ ، والنهرواني في تاريخ المدينة (ق ١٩٦).

(٥) قول ابن الجوزي ذكره في المنتظم ٤ / ٣٦ ـ ٣٧ ، وفي الوفا ٢ / ٧٨٦ ـ ٧٨٧.

والحديث أخرجه ابن سعد في طبقاته ٢ / ٢٥٨ ـ ٢٥٩ ، والبيهقي في الدلائل ٧ / ٢١٠ ـ ٢١١ عن محمد بن علي مرسلا ، وذكره النهرواني في تاريخ المدينة (ق ١٩٦).

١٢٧

موته بثلاثة أيام ، فقال : يا أحمد إن الله تعالى أرسلني إليك يسألك عما هو أعلم به منك ، يقول لك : كيف تجدك؟ فقال : أجدني يا جبريل مغموما ، وأجدني يا جبريل مكروبا ، وأتاه في اليوم الثاني ، فأعاد السؤال ، فثنى الجواب ، ثم قال في اليوم الثالث مثل ذلك ، وهو يجيب كذلك ، فإذا ملك الموت يستأذن ، فقال : يا أحمد هذا ملك الموت يستأذن عليك ، ولم يستأذن على آدمي قبلك ، ولا يستأذن على آدمي بعدك ، فقال : إئذن له ، فدخل فوقف بين يديه فقال : إن الله أرسلني إليك ، وأمرني أن أطيعك في كل ما تأمرني ، فإن أمرتني أن أقبض نفسك قبضتها ، وإن أمرتني أن أتركها تركتها ، قال : وتفعل يا ملك الموت؟ قال : كذلك أن أطيعك ، فقال جبريل : يا أحمد إن الله قد اشتاق إليك ، قال : امض لما أمرت به يا ملك الموت ، فقال جبريل : السلام عليك يا رسول الله هذا آخر موطيء الأرض ، إنما كنت حاجتي من الدنيا».

فتوفي صلى‌الله‌عليه‌وسلم مستندا إلى ظهر عائشة ، في كساء ملبد ، وإزار غليظ (١) ، وتوفي صلى الله عليه وسلم عن أثر السم ، لقوله عليه الصلاة والسلام في وجعه الذي مات فيه : «ما زالت أكلة خيبر تعاودني فالآن أوان قطع أبهري» (٢).

قال ابن إسحاق : «إن كان المسلمون ليرون أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم مات

__________________

(١) انظر : ابن سعد : الطبقات ٢ / ٢٦١ ، ابن الجوزي : الوفا ٢ / ٧٨٩ ، النهرواني : تاريخ المدينة (ق ١٩٧).

(٢) أخرجه البخاري في صحيحه كتاب المغازي باب مرض النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن عائشة برقم (٤٤٢٨) ٥ / ١٥٨ ، وأحمد في المسند ٦ / ١٨ عن أم مبشر ، والبيهقي في الدلائل ٧ / ١٧٢ عن عائشة ، وذكره عياض في الشفا ١ / ٢٠٩.

ومعنى أبهري : يقصد عرق الأبهر ، وهو عرق في الظهر يقال هو الوريد في العنق ، وإذا انقطع لم تكن معه حياة ومات صاحبه.

انظر : ابن منظور : اللسان مادة «أبهر».

١٢٨

شهيدا مع ما أكرمه الله تعالى به من النبوة» (١).

وذلك أن يهودية أهدت (٢) للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بخيبر شاة مصليّة ، سمتها فأكل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وأكل القوم ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ارفعوا أيديكم فإنها أخبرتني أنها / مسمومة» (٣) ، فمات بشر بن البراء (٤) ، وأمر باليهودية فقتلت ، وقيل : لم يقتلها ، والأول أصح (٥).

واختلف أئمة أهل النظر في هذا الباب : «فقيل هو كلام يخلقه الله تعالى في الشاة الميّتة ، أو الحجر ، أو الشجر ، وحروف وأصوات يحدثها الله فيها ويسمعها منها دون تغيير أشكالها ونقلها عن هيئتها ، وهو مذهب الشيخ أبي الحسن ، والقاضي أبي بكر ، وذهب قوم آخرون إلى إيجاد الحياة [بها أولا ثم الكلام بعده ، وحكي هذا عن الشيخ أبي الحسن وكل مجتهد إذ لم

__________________

(١) قول ابن إسحاق ورد ذكره عند : ابن هشام في السيرة ٢ / ٣٣٨ ، وابن سعد في طبقاته ٢ / ٢٠٠ ، والطبري في تاريخه ٣ / ١٦ ، والبيهقي في الدلائل ٤ / ٢٥٩.

(٢) أهدت له زينب بنت الحارث ، امرأة سلام بن مشكم شاة مصلية ، فأكثرت السم في الذراع.

راجع خبرها عند : ابن هشام في السيرة ٢ / ٣٣٨ ، وابن سعد في طبقاته ٢ / ١٠٧ ، والطبري في تاريخه ٣ / ١٥.

(٣) أخرجه ابن هشام في السيرة ٢ / ٣٣٨ ، وابن سعد في الطبقات ٢ / ١٠٧ ، ٢٠١ ، والطبري في تاريخه ٣ / ١٥ ، والبيهقي في الدلائل ٤ / ٢٦٣ عن ابن شهاب الزهري ، وعياض في الشفا ١ / ٢٠٩ من حديث أبي هريرة.

(٤) بشر بن البراء بن معرور الأنصاري ، شهد مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم خيبر ، وأكل معه من الشاة المسمومة ، ماطله وجعه سنة ثم مات منه.

انظر : ابن سعد : الطبقات ٣ / ٥٧١.

(٥) قال عياض : «أجمع أهل الحديث على أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قتل اليهودية التي سمته ، وفي رواية ابن عباس أنه دفعها لأولياء بشر بن البراء فقتلوها».

وقال البيهقي : «يحتمل أنه لم يقتلها في الابتداء ، ثم لما مات بشر بن البراء أمر بقتلها ، لأنه بموته يتحقق وجوب القصاص بشرطه».

انظر : البيهقي : الدلائل ٤ / ٢٦٢ ، عياض : الشفا ١ / ٢٠٩.

١٢٩

يجعل الحياة](١) شرطا لوجود الحروف والأصوات ، إذ لا يستحيل وجودها مع عدم الحياة بمجردها ، فأما إذا كانت عبارة عن الكلام النفسي فلا بد من شرط الحياة [لها](٢) لأنه لا يوجد كلام النفس إلا من حي». حكاه القاضي عياض (٣).

توفي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم الإثنين ، حين اشتد الضحى لإثنتي عشرة ليلة خلت من ربيع الأول ، وقيل لليلتين خلتا منه ، ودفن ليلة الأربعاء (٤). وقيل : ليلة الثلاثاء ، وكانت وفاته صلى‌الله‌عليه‌وسلم في [سنة](٥) تسعمائة وثلاث وثلاثين من [سني](٦) ذي القرنين ـ [حكاه المسعودي في مروج الذهب (٧) ـ](٨) وقد بلغ من العمر ثلاثا وستين سنة ، وقيل خمسا وستين ، وقيل : ستين ، والأول أصح (٩) ، روى الثلاثة مسلم (١٠) ، والثلاثة صحيحه ، فقول من قال

__________________

(١) و (٢) سقط من الأصل والاضافة من (ط).

(٣) أورده عياض في الشفا ١ / ٢١٠.

(٤) كذا ورد عند محب الدين الطبري في خلاصة سير ص ١٦٩ ، وابن الضياء في تاريخ مكة ص ٢٣٠ ، والنهرواني في تاريخ المدينة (ق ١٩٨).

(٥) و (٦) سقط من الأصل والاضافة من (ط).

(٧) بمراجعة مروج الذهب للمسعودي ١ / ٧٥٣ نجد أنه أشار إلى هذا التاريخ فيما يتعلق بالمهجر وليست وفاته صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، حيث يقول المسعودي : «كانت سنة إحدى من الهجرة وهي سنة اثنتين وثلاثين من ملك كسرى أبرويز ، وسنة تسع من ملك هرقل ملك النصرانية ، وسنة تسعمائة وثلاث وثلاثين من ملك الاسكندر المقدوني».

(٨) سقط من الأصل والاضافة من (ط).

(٩) أورد الأقوال الثلاثة كل من : ابن سعد ، والطبري ، والبيهقي ، وابن الجوزي ، ولكنهم أجمعوا على أن القول الأول هو الراجح والأصح.

انظر : طبقات ابن سعد ٢ / ٣٠٨ ، تاريخ الطبري ٣ / ٢١٥ ، دلائل البيهقي ٧ / ٢٤١ عن ابن حنظلة ، الوفا لابن الجوزي ٢ / ٧٩٢.

(١٠) حديث مسلم أخرجه في صحيحه كتاب الفضائل باب كم سن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم قبض عن أنس برقم (١١٤ ، ١١٥) ٤ / ١٨٢٥ وباب كم أقام النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بمكة والمدينة عن ابن عباس برقم (١١٤ ، ١١٥ ، ١١٩ ، ١٢٢) ٤ / ١٨٢٧.

١٣٠

[ثلاثا](١) وستين : فهو على أصله ، ومن قال ستين : فقد أسقط الكسر فإنهم كانوا في ذلك الزمان لا يذكرون الكسر ، وقول من قال خمسة وستين : حسب السنة التي ولد فيها صلى‌الله‌عليه‌وسلم والتي توفي فيها (٢).

قال الحاكم : اختلفت الرواية في سن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ولم يختلفوا أنه ولد عام الفيل ، وأنه بعث وهو ابن أربعين سنة ، وأنه أقام بالمدينة عشرا ، وإنما اختلفوا في مقامه بمكة بعد البعث ، فقيل : عشرا ، وقيل : [اثني عشر ،](٣) وقيل : ثلاثة عشر ، وقيل : خمسة عشر (٤).

وسجي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ببرد حبرة ، وقيل : إن الملائكة سجته (٥).

وكذّب بعض أصحابه بموته دهشة ، منهم عمر بن الخطاب ، وأخرس بعضهم فما تكلم إلا بعد الغد ، منهم عثمان بن عفان ، وأقعد آخرون ، منهم علي بن أبي طالب رضي‌الله‌عنهم (٦).

__________________

(١) سقط من الأصل والاضافة من (ط).

(٢) كذا ورد عند محب الدين الطبري في خلاصة سير ص ١٦٩ ، والنهرواني في تاريخ المدينة (ق ١٩٨).

(٣) سقط من الأصل والاضافة من (ط).

(٤) قول الحاكم كذا ورد عند ابن الضياء في تاريخ مكة ص ٢٣٠ ، والنهرواني في تاريخ المدينة (ق ١٩٨).

وفيما يتعلق بقضية اختلاف السلف في مدة بقاء مقام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بمكة بعد نزول الوحي.

سبق أن حققت هذه المسألة في (ق ٢٠٥) من المخطوط.

(٥) انظر : ابن سعد : الطبقات ٢ / ٢٦٤ ، محب الدين الطبري : خلاصة سير ص ١٧٠ ، النهرواني : تاريخ المدينة (ق ١٩٩).

(٦) عن موقف الصحابة رضوان الله عليهم من وفاة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : أخرجه البخاري في صحيحه كتاب المغازي باب مرض النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ووفاته عن ابن عباس برقم (٤٤٥٤) ٥ / ١٦٥ ، وابن هشام في السيرة ٢ / ٦٥٥ ، وابن سعد في الطبقات ٢ / ٢٦٧ ، والبيهقي في الدلائل ٧ / ٢١٦ عن عائشة ، وابن الجوزي في الوفا ٢ / ٧٩٠.

١٣١

قلت : «والحكمة في ذلك ، أنه لما كان عمر أبلغ الناس نظرا ، وأعلاهم فراسة ، صحيح تخيل الفكر ، عظيم قياسه ، أدهش حتى لم يتخيل بموت المختار عليه الصلاة والسلام ، ولما كان عثمان حوى اتقان الفصاحة ، وله في القول على من سواه رجاحة ، أخرس بانطلاق [حجب](١) الأستار ، ولما كان عليّ سيف الله القاطع ، وعليه اسم القوة واقع ، أقعد عن مد خطوات الأقدار ، ولم يكن أثبت من العباس وأبي بكر رضي‌الله‌عنهما» (٢).

وبقي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في بيته يوم الإثنين ، وليلة الثلاثاء ، فلما كان يوم الثلاثاء أقبل لناس على جهاز رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فسمعوا من باب الحجرة حين ذكروا غسله : لا تغسلوه ، فإنه طاهر مطهر ، ثم سمعوا / بعده : غسلوه ، فإن ذلك إبليس وأنا الخضر.

وقال : إن في الله عزاء عن كل مصيبة ، وخلفا من كل هالك ، ودركا من كل فائت ، فبالله فثقوا ، وإياه فارجعوا ، فإن المصاب من حرم الثواب ، ثم كلمهم مكلم من ناحية البيت : غسلوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وعليه ثيابه (٣).

وكانوا قد اختلفوا في ذلك فغسلوه صلى‌الله‌عليه‌وسلم في قميصه ، وكانوا لا يريدون أن يقلبوا منه عضوا إلا انقلب بنفسه ، وإن معهم لحفيفا كالريح يصوت بهم :

__________________

(١) سقط من الأصل والاضافة من (ط).

(٢) قول المؤلف نقله عنه : ابن الضياء في تاريخ مكة ص ٢٣١ ، والنهرواني في تاريخ المدينة (ق ١٩٩).

(٣) كذا ورد عند محب الدين الطبري في خلاصة سير ص ١٧٠ ، والنهرواني في تاريخ المدينة (ق ٢٠٠).

وحديث الخضر أخرجه ابن سعد في طبقاته ٢ / ٢٦٠ ، ٢٧٥ عن علي بن أبي طالب ، والبيهقي في الدلائل ٧ / ٢٦٨ ، بلفظ مغاير عن عباد بن عبد الصمد عن أنس وقال البيهقي : «عباد بن عبد الصمد ضعيف وهذا منكر بمرة».

١٣٢

ارفقوا برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم [فإنكم](١) ستكفونه (٢).

وتولى غسله عليّ ، والعباس ، والفضل وقثم ابنا العباس يقلبونه معه ، وأسامة بن زيد وشقران موليا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يصبان الماء ـ وسيأتي ذكر مواليه صلى‌الله‌عليه‌وسلم آخر هذا الفصل ـ وأوس بن خولى الأنصاري ، ممن حضر غسله صلى‌الله‌عليه‌وسلم (٣).

يروى عن عليّ رضي‌الله‌عنه قال : أوصاني النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لا يغسله غيري ، فإنه لا يرى أحد عورتي إلا طمست عيناه» (٤).

وسطعت منه صلى‌الله‌عليه‌وسلم ريح لم يجدوا مثلها قط (٥).

وكفن صلى‌الله‌عليه‌وسلم في ثلاثة أثواب بيض سحولية من كرسف ، ليس فيها قميص ولا عمامة (٦).

الكرسف : القطن ، وسحول : بضم السين وفتحها بلدة معروفة (٧).

__________________

(١) سقط من لأصل والاضافة من (ط).

(٢) انظر : ابن هشام : السيرة ٢ / ٦٦٢ ، ابن سعد : الطبقات ٢ / ٢٧٦ ، الطبري : تاريخ الرسل ٣ / ٢١٢ ، البيهقي : الدلائل ٧ / ٢٤٢ ، الحاكم : المستدرك ٣ / ٥٩ عن عائشة.

(٣) انظر : ابن هشام : السيرة ٢ / ٦٦٢ ، ابن سعد : الطبقات ٢ / ٢٧٧ ، ٢٧٩ ـ ٢٨٠ ، ٣ / ٥٤٢ ، الطبري : تاريخ الرسل ٣ / ٢١١ ـ ٢١٢ ، ابن الجوزي : المنتظم ٤ / ٤٤ ـ ٤٥.

(٤) حديث علي رضي‌الله‌عنه أخرجه ابن سعد في الطبقات ٢ / ٢٧٨ ، والبيهقي في الدلائل ٧ / ٢٤٤ عن محمد قيس ، وذكره عياض في الشفا ١ / ٤٣ ، وابن كثير في البداية ٥ / ٢٦١ ، والسيوطي في الخصائص ٣ / ١٤٣.

(٥) انظر : ابن سعد : الطبقات ٢ / ٢٨٠ ، عياض : الشفا ١ / ٤١ ، النهرواني : تاريخ المدينة (ق ٢٠١).

(٦) أخرجه البخاري في صحيحه كتاب الجنائز باب الثياب البيض للكفن عن عائشة برقم (١٢٦٤) ٢ / ٩٤ ، ومسلم في صحيحه كتاب الجنائز باب الكفن عن عائشة برقم (٤٥) ٢ / ٦٤٩ ، والترمذي في سننه كتاب الجنائز باب كفن النبي عن عائشة برقم (٩٩٦) ٣ / ٣٢١ ، ابن سعد : الطبقات ٢ / ٢٨٢.

(٧) سحول : قرية من قرى اليمن ، يحمل منها ثياب بيض تدعى السحولية.

انظر : ياقوت : معجم البلدان ٣ / ١٩٥

١٣٣

وكان في حنوطه صلى‌الله‌عليه‌وسلم المسك ، ثم وضع على سريره في بيته ، ودخل الناس يصلون عليه أرسالا أفذاذا ، الرجال ، ثم النساء ، ثم الصبيان (١).

ولم يؤمهم أحد بوصية منه صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال فيها : «أول من يصليّ خليلي وحبيبيّ جبريل ، ثم ميكائيل ، ثم أسرافيل ، ثم ملك الموت مع ملائكة كثيرة» (٢).

قيل : فعل ذلك صلى‌الله‌عليه‌وسلم : ليكون كل منهم في صلاة ، وقيل : ليطول وقت الصلاة ، فيلحق من يأتي من حول المدينة (٣).

واختلفوا في مكان الدفن ، فقائل يقول : بالبقيع ، وقال قائل : عند منبره ، وقال قائل : في مصلاه ، فجاء أبو بكر رضي‌الله‌عنه فقال : إن عندي من هذا خبرا وعلما ، سمعت النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «ما قبض نبي إلا دفن حيث توفي» ، فحول فراشه ، وحفر له موضعه (٤) ، وكان بالمدينة أبو عبيدة بن الجراح يضرح كحفر أهل مكة ، وكان أبو طلحة يلحد لأهل المدينة ، فبعث العباس خلفهما رجلين وقال : اللهم خر لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فجاء أبو طلحة ، فلحد لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم (٥).

__________________

(١) انظر : ابن هشام : السيرة ٢ / ٦٦٣ ، ابن سعد : الطبقات ٢ / ٢٨٨ ـ ٢٩١ ، البيهقي : الدلائل ٧ / ٢٥٠ ، ابن الجوزي : المنتظم ٤ / ٤٧.

(٢) هذه الوصية أوردها ابن سعد في الطبقات ٢ / ٢٥٦ ، والطبري في تاريخه ٣ / ١٩١ عن ابن مسعود ، والبيهقي في الدلائل ٧ / ٢٣٢ ، وابن الجوزي في الوفا ٢ / ٧٨٤ والمنتظم ٤ / ٣٤.

(٣) كذا ورد عند ابن الضياء في تاريخ مكة ص ٢٣٢ ، والنهرواني في تاريخ المدينة (ق ٢٠١).

(٤) كذا ورد عند محب الدين الطبرى فى خلاصة سير ص ٢٧١ والنهروانى فى تاريخ المدينة (ق ١٠٢) والحديث الذي رواه أبو بكر الصديق : أخرجه مالك في الموطأ ١ / ٢٣١ ، وابن هشام في السيرة ٢ / ٦٦٣ ، وابن سعد في الطبقات ٢ / ٢٩٢ ، والطبري في تاريخه ٣ / ٢١٣.

(٥) أخرجه مالك في الموطأ ١ / ٢٣١ عن عروة بنحوه ، وابن ماجة في سننه عن ابن عباس برقم (١٦٢٨) ١ / ٥٢٠ ، والطبري في تاريخه ٣ / ٢١٣ ، والبيهقي في الدلائل ٧ / ٢٥٢ عن ابن عباس.

١٣٤

ودفن صلى‌الله‌عليه‌وسلم من وسط الليل ، ليلة الأربعاء ، ونزل قبره صلى‌الله‌عليه‌وسلم : علي ، والعباس ، وقثم ، والفضل ابنا العباس ، وشقران مولى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وأوس بن خولى ، وبسط شقران تحته في القبر قطيفة حمراء كان يفرشها صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وقيل : كان يتغطى بها ، وقيل : أن عبد الرحمن بن الأسود نزل معهم ، وكذلك عبد الرحمن بن عوف ، وأطبق أسامة على قبره صلى‌الله‌عليه‌وسلم سبع لبنات نصبن نصبا (١).

/ ولما دفن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، جاءت فاطمة رضي‌الله‌عنها ، فوقفت على قبره ، وأخذت قبضة من تراب القبر الشريف ، فوضعته على عينها وبكت ، وأنشأت تقول :

ماذا على من شم تربة أحمد

أن لا يشم مدى الزمان غواليا

صبت عليّ مصائب لو أنها

صبت على الأيام عدن لياليا (٢)

وتوفيت بعده صلى‌الله‌عليه‌وسلم بستة أشهر ، قاله : جعفر بن محمد ، وقيل : ثمانية أشهر ، وقيل : ثلاثة أشهر ، وقيل : سبعون يوما (٣) ، وكان صلى‌الله‌عليه‌وسلم أخبرها :

__________________

(١) انظر : ابن هشام : السيرة ٢ / ٦٦٤ ، ابن سعد : الطبقات ٢ / ٢٩٩ ـ ٣٠٠ ، الطبري : تاريخ الرسل ٣ / ٢١٣ ـ ٢١٤ ، البيهقي : الدلائل ٧ / ٢٥٣ ، ٢٦٠.

(٢) الخبر والشعر كذا ورد عند ابن النجار في الدرة ٢ / ٣٨٧ ، والنهرواني في تاريخ المدينة (ق ٢٠٣).

(٣) الراجح في خبر وفاة فاطمة رضي‌الله‌عنها ما رواه جعفر بن محمد.

انظر : ابن عبد البر : الاستيعاب ٤ / ١٨٩٨ ، البيهقي : الدلائل ٦ / ٣٦٥ ، ابن النجار : الدرة ٢ / ٣٨٧ ، النهرواني : تاريخ المدينة (ق ٢٠٣).

١٣٥

«أنها أول أهله لحوقا به» (١) ، فكان كذلك.

وقبض صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن مائة ألف وأربعة وعشرين ألفا من الصحابة ، رضوان الله تعالى عليهم أجمعين ، قاله أبو موسى ، وقال أيضا : شهد مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حجة الوداع أربعون ألفا من الصحابة ، ممن روي عنه ، وسمع منه ، وشهد معه تبوك سبعون ألفا (٢).

قال القرطبي : المعروف من طريقة أهل الحديث أن كل مسلم رأى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فهو من الصحابة ، وكذلك قال البخاري (٣).

وعن سعيد بن المسيب : أنه كان لا يعد الصحابي إلا من أقام مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم سنة أو سنتين ، وغزا معه غزوة أو غزوتين (٤).

والتابعي : من صحب الصحابي (٥) ، وقد قيل : اسم التابعين ينطلق على من أسلم بعد الحديبية (٦) ، كخالد بن الوليد وعمرو بن العاص ـ وهو أحد رسل النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ورسله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إحدى عشر ، كما سيأتي في آخر الفصل ـ ومن دانى خالد بن الوليد وعمرو بن العاص من مسلمة الفتح ، لما ثبت أن

__________________

(١) جزء من حديث أخرجه البخاري في صحيحه كتاب فضائل الصحابة باب مناقب قرابة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن عائشة برقم (٣٧١٥ ، ٣٧١٦) ٤ / ٢٥٢ ، ومسلم في صحيحه كتاب فضائل الصحابة باب فضل فاطمة بنت النبي عن عائشة برقم (٩٧ ، ٩٩) ٤ / ١٩٠٤ ، وأحمد في المسند ٦ / ٢٨٢ عن عائشة ، والترمذي في سننه برقم (٣٨٧٢) ٥ / ٦٥٧ عن عائشة.

(٢) قول أبي موسى الأشعري كذا ورد عند ابن الضياء في تاريخ مكة ص ٢٣٣ ، والنهرواني في تاريخ المدينة (ق ٢٠٣).

(٣) انظر : ابن الجوزي : تلقيح فهوم ص ١٠١.

(٤) كذا ورد عند ابن الجوزي في تلقيح فهوم ص ١٠١ وقال : «وعموم العلماء على خلاف قول ابن المسيب ، ويعدون الصحابي من كان صاحبا في مجالسة أو مماشاة ولو ساعة».

(٥) انظر : الحاكم : معرفة علوم الحديث ص ٤٢.

(٦) ذكرهم الحاكم في معرفة علوم الحديث ص ٢٤ تحت اسم الطبقة العاشرة.

١٣٦

عبد الرحمن بن عوف شكى إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم خالد بن الوليد ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم لخالد : «دعوا إليّ أصحابي فو الذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم كل يوم مثل أحد ذهبا ما بلغ مدّ أحدهم ولا نصيفه» (١).

ومن العجب عدّ الحاكم أبا عبد الله النعمان وسويداء ابني مقرن المزني في التابعين ، عندما ذكر الإخوة من التابعين ، وهما صحابيان شهدا الخندق (٢).

وأول طبقات الصحابة : «قوم أسلموا بمكة مثل أبي بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلي رضي‌الله‌عنهم.

* الطبقة الثانية : أصحاب دار الندوة.

* الطبقة الثالثة : المهاجرة إلى الحبشة.

* الطبقة الرابعة : أصحاب العقبة.

* الطبقة الخامسة : أصحاب العقبة الثانية.

* الطبقة السادسة : أول المهاجرين الذين وصلوا إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو بقباء قبل أن يدخل المدينة.

* الطبقة السابعة : أهل بدر.

* الطبقة الثامنة : الذين هاجروا بين بدر والحديبية.

__________________

(١) جزء من حديث أخرجه الإمام أحمد في المسند ٣ / ٥٤ عن أبي سعيد بنحوه ، وذكره القرطبي في الجامع ١٦ / ٢٩٧.

(٢) ذكر الحاكم في المستدرك ٣ / ٢٩٢ ـ ٢٩٥ النعمان بن عمرو بن مقرن المزني ، وكان هو وستة أخوة له ـ من بينهم سويد ـ شهدوا الخندق ، فلم يشر الحاكم أنهما كانا من التابعين. وعندما تحدث الحاكم عن طبقات التابعين في كتابه معرفة علوم الحديث ص ٤١ لم يذكرهما من قريب أو بعيد.

١٣٧

* الطبقة التاسعة : أهل بيعة الرضوان.

* / الطبقة العاشرة : المهاجرة بين الحديبية والفتح.

* الطبقة الحادي عشرة : الذين أسلموا يوم الفتح.

* الطبقة الثانية عشرة : صبيان وأطفال رأوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم الفتح وفي حجة الوداع ، وعدادهم في الصحابة منهم : السائب بن يزيد ، وعبد الله بن ثعلبة ، وأبو الطفيل ، وأبو جحيفة (١).

وانقرض عصر الصحابة فيما بين تسعين إلى مائة. قاله إبراهيم الفيروزآبادي.

وأفضل التابعين : الفقهاء السبعة ـ المتقدم ذكرهم (٢) ـ وعلقمة الأسود ، وقيس ، وأبو عثمان ، ومسروق ـ وكان قد سرق فسمي مسروقا ـ وسيد التابعين من النساء : حفصة بنت سيرين ، وعمرة بنت عبد الرحمن ، وأم الدرداء (٣).

وعن الحاكم قال (٤) : «طبقة تعد في التابعين ، ولم يصح سماع أحد منهم من الصحابة ، منهم : إبراهيم بن سويد النخعي ـ وليس بإبراهيم بن يزيد النخعي الفقيه ـ وبكير بن أبي السمط ، وبكير بن عبد الله الأشج ،

__________________

(١) كذا ورد عند الحاكم في معرفة علوم الحديث ص ٢٢ ـ ٢٤ حيث أشار إلى طبقات الصحابة بقوله :«النوع السابع من معرفة أنواع الحديث : معرفة الصحابة على مراتبهم».

ثم أورد طبقاتهم الإثنى عشر. وأضاف في قوله عن أبي الطفيل وأبي جحيفة : «فإنهما رأيا النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم في الطواف وعند زمزم ، وقد صحت الرواية عن رسول الله أنه قال : لا هجرة بعد الفتح وإنما هو جهاد ونية».

(٢) تقدم ذكرهم في الفصل الأول من الباب الرابع.

(٣) انظر : الحاكم : معرفة علوم ص ٤٢.

(٤) قول الحاكم ورد في معرفة علوم الحديث ص ٤٥.

١٣٨

قال (١) : وطبقة عدادهم عند الناس في أتباع التابعين ، وقد لقوا الصحابة منهم : أبو الزناد عبد الله بن ذكوان لقي عبد الله بن عمر ، وأنسا ، وهشام بن عروة وقد أدخل على عبد الله بن عمر ، وجابر بن عبد الله وموسى بن عقبة وقد أدرك أنس بن مالك ، وأم خالد بنت خالد بن سعيد» (٢).

وفي الصحابة طبقة تسمى بالمخضرمين (٣) : وهم الذين أدركوا الجاهلية وحياة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وأسلموا ولا صحبة لهم وهم : أبو رجاء العطاردي ، وأبو وائل الأسدي ، وسويد ، وأبو عثمان النهدي وغيرهم (٤).

قال الحاكم (٥) : «قرأت بخط مسلم بن الحجاج ذكر من أدرك الجاهلية ولم يلق النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ولكن صحب الصحابة بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، منهم : أبو عمرو الشيباني سعد بن إياس ، وسويد بن غفلة الكندي ، وشريح بن هانيء الحارثي ، ويسير بن عمرو ، وعمرو بن ميمون الأودي ، والأسود بن يزيد النخعي ، والأسود بن هلال المحاربي ، والمعرور بن سويد ، وعبد خير بن يزيد الخيواني ، وشبيل بن عوف ، ومسعود بن حراش ، ومالك بن عمير ، وأبو عثمان النهدي ، وأبو رجاء العطاردي ، وغنيم بن قيس ، وأبو رافع الصائغ ،

__________________

(١) أي الحاكم أبو عبد الله في كتابه معرفة علوم الحديث ص ٤٥ ـ ٤٦.

(٢) خطأ من الحاكم أن عدّ «أم خالد بنت خالد» في عداد التابعين ، لأنها صحابية رأت النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وألبسها بيده الكريمتين الخميصة السوداء وهي أمة بنت خالد ، مشهورة بكنيتها ، ولدت بأرض الحبشة ، وتزوجها الزبير بن العوام.

انظر : ابن سعد : الطبقات ٨ / ٢٣٤ ـ ٢٣٥ ، ابن عبد البر : الاستيعاب ٤ / ١٧٩٠.

(٣) المخضرم : اشتقاق من أهل الجاهلية كانوا يخضرمون آذان الإبل أي يقطعونها ، لتكون علامة لإسلامهم إن أغير عليها أو حوربوا.

انظر : الحاكم : معرفة علوم الحديث ص ٤٥.

(٤) كذا ورد عند الحاكم في معرفة علوم الحديث ص ٤٤.

(٥) قول الحاكم ورد في معرفة علوم الحديث ص ٤٤ ـ ٤٥.

١٣٩

وأبو الحلال العتكي ، وخالد بن عمير العدوي ، وثمامة بن حزن القشيري ، وجبير بن نفير الحضرمي» (١).

«وآخر من مات بمكة من الصحابة : عبد الله بن أبي أوفى سنة ثمانين ، وآخر / من مات بالمدينة من الصحابة : سهل بن سعد الساعدي سنة إحدى وتسعين [وقيل : ثلاث وتسعين](٢) وقيل : ست وتسعين ، وقيل : ثمان وتسعين. وآخر من مات بالشام : عبد الله بن بشر سنة ثمان وثمانين ، وآخر من مات بالبصرة : أنس بن مالك سنة إحدى وتسعين وقيل : ثلاث وتسعين ، وآخر من بقي بالكوفة : أبو جحيفة ، وآخر من بقي بمصر : عبد الله بن الحارث بن جزء. حكاه الواقدي (٣).

وقال ابن الجوزي (٤) : «آخر من مات بمكة : عبد الله بن عمر رضي‌الله‌عنهما ، وقيل : آخر من مات بها ممن رأى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : أبو الطفيل عامر بن واثلة ، وقيل هو آخر من مات ممن رأى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم مطلقا ، وأول من مات بالكوفة : خباب ـ وجميع من في الصحابة خباب خمسة أنفس ـ وآخر من مات بها : عبد الله بن أبي أوفى ، وآخر من مات بخراسان من الصحابة : بريدة ابن الحصيب سنة ست وستين».

وعن عبد الله بن بريدة (٥) ، عن أبيه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : ما من

__________________

(١) وأضاف الحاكم في معرفة علوم الحديث ص ٤٥ : «فبلغ عدد من ذكرهم مسلم رحمه‌الله من المخضرمين عشرين رجلا».

(٢) سقط من الأصل والاضافة من (ط).

(٣) حكاه الحاكم في معرفة علوم الحديث ص ٤٣.

(٤) قول ابن الجوزي ورد في المدهش ص ٤٤ وفي تلقيح فهوم ص ٤٤٥.

(٥) عبد الله بن بريدة بن الحصيب الأسلمي ، أبو سهل المروزي ، قاضي مرو ، مات بها سنة ١١٥ ه‍.

انظر : ابن حجر : التهذيب ٥ / ١٥٧.

١٤٠