بهجة النفوس والأسرار - ج ٢

الشيخ أبي محمّد عفيف الدين عبد الله بن عبد الملك المرجاني

بهجة النفوس والأسرار - ج ٢

المؤلف:

الشيخ أبي محمّد عفيف الدين عبد الله بن عبد الملك المرجاني


المحقق: محمّد عبد الوهاب فضل
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الغرب الإسلامي ـ بيروت
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٣٠
الجزء ١ الجزء ٢

قالوا : وهذا لا يصح ، لأن حمزة ـ رضي‌الله‌عنه ـ أسن من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بأربع سنين ـ أو سنتين ـ فتكون أرضعتهما في زمانين ، وأرضعت معه أبا سلمة عبد الله بن عبد الأسد المخزومي بلبن إبنها مسروح (١).

وقيل : أرضعته ثويبة أياما قبل أن تقدم حليمة [وكانت أرضعت قبله حمزة ، وأرضعت بعده أبا سلمة ـ المذكور ـ ثم أرضعته](٢) حليمة ، وردته بعد سنتين وشهرين ، وقيل : أرضعته حليمة خمس سنين ويومين ، ثم بقي عند والدته سنة ، ثم حملته إلى المدينة ، وقيل : أرضعت معه أبا سفيان بن الحارث (٣).

وحليمة هي : بنت عبد الله بن الحارث السعدية من بني سعد بن بكر بن هوازن بن عكرمة بن خصفة بن قيس بن عيلان بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان (٤).

وحضنت / رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أم أيمن الحبشية حتى كبر ، فأعتقها (٥) صلى‌الله‌عليه‌وسلم ،

__________________

(١) ويؤيد ذلك قول الطبري في تاريخه ٢ / ١٥٨ «وكانت قد أرضعته قبله حمزة بن عبد المطلب ، وأرضعت بعده أبا سلمة بن عبد الأسد المخزومي» ، ويؤيده أيضا قول ابن عبد البر في الاستيعاب ١ / ٣٦٩ «وكان حمزة أسن من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بأربع سنين ، وهذا لا يصح عندي ، لأن الحديث الثابت أن حمزة وعبد الله بن عبد الأسد أرضعتهما ثويبة مع رسول الله ، إلا أن تكون أرضعتهما في زمانين».

(٢) سقط من الأصل والاضافة من (ط).

(٣) كذا ورد عند ابن الجوزي في تلقيح فهوم أهل الأثر ص ١٣.

(٤) أورد الطبري وابن عبد البر عمود نسبها كاملا ، قدمت على النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وقد تزوج خديجة فأعطاها الكثير ، وقدمت إليه عقب حنين فقام إليها وبسط رداءه فجلست عليه ، روت عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وروى عنها عبد الله بن جعفر.

انظر : ابن سعد : الطبقات ١ / ٥٣ ، البلاذري : أنساب الأشراف ١ / ٩٣ ، الطبري : تاريخ الرسل ٢ / ١٥٧ ، ابن عبد البر : الاستيعاب ٤ / ١٨١٢ ـ ١٨١٣ ، البيهقي : الدلائل ١ / ١٣٢.

(٥) أعتقها الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، حين تزوج من خديجة ، فتزوجت من عبيد بن زيد فولدت له أيمن.

انظر : ابن الجوزي : صفة الصفوة ٢ / ٥٤ ، السيوطي : رفع شأن الحبشان ص ٣١٤.

١٠١

وزوجها زيد بن حارثة (١) ، فولدت أسامة ، وكان ورثها من أبيه (٢) ، واسمها :بركة (٣).

روت عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم خمسة أحاديث ، ولم يخرج لها في الصحاح شيء (٤).

وهي التي شربت بول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقال لها : «لن تشتكي وجع بطنك أبدا» (٥) ، وكذلك شرب مالك بن سنان ، دمه صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، يوم أحد ،

__________________

(١) زوجها الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم زيد بن حارثة الكلبي بعد عبيد بن زيد الخزرجي ، فولدت له من زيد أسامة بن زيد ، وكان زيد أول الموالي إسلاما ، مات شهيدا في مؤته سنة ثمان.

انظر : البلاذري : أنساب الأشراف ١ / ٤٧٢ ، ابن الجوزي : صفة الصفوة ١ / ٣٧٨ ـ ٣٨٢.

(٢) كانت وصيفة حبشية لأبي النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ورثها بعده.

انظر : ابن قتيبة : المعارف ص ١٤٤ ، ابن الجوزي : صفة الصفوة ١ / ٥٢.

(٣) كذا ورد عند محب الدين الطبري في خلاصة سير ص ١٤ ـ ١٥.

وبركة ـ بفتح الباء والراء ـ وهي بركة بنت محصن بن ثعلبة بن عمرو بن حصين بن مالك بن سلمة ابن عمرو بن النعمان الحبشية.

انظر : ابن سعد : الطبقات ١ / ١٠٠ ، النووي : تهذيب الأسماء ٢ / ٣٥٧ ، ابن حجر : التهذيب ١٢ / ٤٥٩.

(٤) انظر : ابن الجوزي : تلقيح فهوم أهل الأثر ص ٣٧٢ ، وأخرج لها ابن ماجة في سننه ٢ / ١١٠٧ عن يعقوب بن حميد حديثا واحدا «أنها غربلت دقيقا فصنعته للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم رغيفا» وليس لها في كتب الصحاح شيء إلا هذا الحديث عند ابن ماجة كما ذكر السيوطي في رفع شأن الحبشان ص ٣١٨.

(٥) الحديث ذكره عياض في الشفا ١ / ٤١ ، والسيوطي في رفع شأن الحبشان ص ٣١٥ ، وأضاف السيوطي : «وقيل بل هي بركة جارية أم حبيبة بنت أبي سفيان» ولعل الوهم الذي وقعت فيه المصادر من رواية المرأة التي شربت بول النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ناشيء من الخلط والاشتباه في اسم بركة التي شربت البول هل هي بركة أم أيمن جارية النبي أم بركة جارية أم حبيبة؟ والصواب أن التي شربت البول هي بركة جارية أم حبيبة جاءت معها من أرض الحبشة كما جزم السيوطي بذلك في رفع شأن الحبشان ص ٣٢١ وأخرج حديث البول عن حكيمة بنت رقيقة عن أمها.

انظر : ابن عبد البر : الاستيعاب ٤ / ١٧٩٤ ، ابن حجر : الاصابة ٧ / ٥٣١.

١٠٢

فقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لن تصيبه النار» (١).

ومات أبو النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بيثرب ، وذلك أنه لما حملت آمنة برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، بعث به عبد المطلب يمتار تمرا منها ، فمات بها (٢). وقيل : مات بموضع يعرف بالأبواء بين مكة والمدينة. والأبواء : بالباء الموحدة مقصور ، بينه وبين الجحفة خمسة فراسخ أو ستة ، سمي بذلك لأن السيول تبوء به ، وهو من المدينة على ثلاثين ميلا. وقيل : مات عبد الله بمكة ـ حكاه الشهرستاني ـ وقيل : مات والنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، حملا في بطن آمنة ، وقيل : بعد أن أتى عليه صلى‌الله‌عليه‌وسلم ثمانية وعشرون شهرا ، وقيل : سبعة أشهر ، وقيل : شهران ـ والأول أصح ـ ومات عبد الله وعمره خمسا وعشرين سنة. حكاه ابن الجوزي (٣).

فلما بلغ صلى‌الله‌عليه‌وسلم أربع سنين ، وقيل : ستا ماتت أمه ، وذلك أنه بقي عند آمنة سنة بعد أن أحضرته حليمة ، ثم حملته إلى المدينة لزيارة أخواله من بني عدي بن النجار ، ومعه حاضنته أم أيمن ، فنزلت في دار النابغة ـ رجل من بني النجار ـ فأقامت شهرا ، ثم انصرفت به إلى مكة (٤).

وقيل : بقي معها بالمدينة ستة أشهر ، ثم رجعت به إلى مكة ، فتوفيت

__________________

(١) الحديث ذكره عياض في الشفا ١ / ٤١ ، وروى ابن هشام في السيرة ٢ / ٨٠ ما لقيه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم أحد ، وأن مالك بن سنان مص الدم عن وجه رسول الله ، ثم ازدرده ـ ابتلعه ـ فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : من مس دمي دمه لم تصبه النار.

وقال عياض في الشفا ١ / ٤١ معقبا على حديث شرب بركة بول النبي وشرب مالك بن سنان دم النبي يوم أحد وتسويغه صلى‌الله‌عليه‌وسلم ذلك ، واستدل به على نظافة جسمه وطيب ريحه وعرقه ونزاهته عن الأقذار ، وأن الله تعالى خصه بخصائص لم توجد في غيره ، وأنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم لم يكن منه شيء يكره ولا غير طيب.

(٢) كذا ورد عند محب الدين الطبري في خلاصة سير ص ١٥ ـ ١٦.

(٣) ذكره ابن الجوزي في المنتظم ٢ / ٢٤٣ ـ ٢٤٥ وفي تلقيح فهوم أهل الأثر ص ٧ ، وانظر : محب الدين الطبري : خلاصة سير ص ١٦.

(٤) كذا ورد عند محب الدين الطبري في خلاصة سير ص ١٦.

١٠٣

بالأبواء ، فنقلته جدته أم أمه إلى مكة بعد موت أمه بخمسة أيام (١). ونقل الشهرستاني أن أمه آمنة ماتت بالمدينة.

وعن ابن بريدة (٢) ، عن أبيه قال : «كنت مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، إذ وقف على عسفان (٣) ، فنظر يمينا وشمالا ، فأبصر قبر أمه آمنة ، فتوضأ ، ثم صلى ركعتين ...» الحديث (٤) ... وفيه : «واستأذنت ربي أن أستغفر لها ، فزجرت ، ثم ركب راحلته ، فما [سار](٥) إلا هنيئة حتى قامت الناقة بثقل الوحي ، فأنزل الله تعالى : (ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كانُوا ...)(٦) الآية».

وقد روى الشيخ الحافظ مفتي الحرمين ، أعلم العلماء محب الدين أبو جعفر أحمد بن عبد الله بن محمد بن أبي بكر الطبري المكي الشافعي ، في اختصار السيرة له (٧) : بإسناده إلى هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة

__________________

(١) انظر : ابن هشام : السيرة ١ / ١٦٨ ، ابن شبة : تاريخ المدينة ١ / ١١٧.

(٢) سليمان بن بريدة بن الحصيب الأسلمي ، روى عن أبيه وعائشة رضي‌الله‌عنها ، وكان محدثا ثقة ت ١٠٥ ه‍. انظر : ابن حجر : التهذيب ٤ / ١٧٤.

(٣) عسفان بضم أوله وسكون ثانيه ، منهلة من مناهل الطريق بين الجحفة ومكة ، وهي على مرحلتين من مكة على طريق المدينة.

انظر : ياقوت : معجم البلدان ٤ / ١٢١.

(٤) حديث ابن بريدة : أخرجه ابن سعد في طبقاته ١ / ١١٧ ، وابن شبة في تاريخ المدينة ١ / ١١٨ ، والبيهقي في الدلائل ١ / ١٨٩ ، وذكره ابن الجوزي في الوفا ١ / ١١٨ ، وفي المنتظم ٢ / ٢٧٣ ، والسهيلي في الروض ٢ / ١٨٥ ، وابن كثير في البداية ٢ / ٢٨٠ ، وقال : غريب لم يخرجوه.

(٥) سقط من الأصل والاضافة من (ط).

(٦) سورة التوبة آية (١١٣).

(٧) رواية محب الدين الطبري ذكرها في مختصر سير سيد البشر ص ٥ ، ونقلها القسطلاني في المواهب ١ / ١٧١ ـ ١٧٢ وقال : «في إسناده مجاهيل وأنه حديث منكر جدا» ، وقال السيوطي في اللآليء ١ / ٢٦٦ ـ ٢٦٧» الصواب الحكم عليه بالضعف ، وقد جمع طرقه في رسالة سماها نشر العلمين المنيفين في إحياء الأبوين الشريفين».

١٠٤

رضي‌الله‌عنها أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «نزل الحجون كئيبا حزينا ، فأقام به ما شاء الله عزوجل / ثم رجع مسرورا ، قال : سألت ربي عزوجل ، فأحيا لي أمي فآمنت بي ثم ردها».

وروى السهيلي (١) : أن الله تعالى أحيا له أبويه فآمنا به ثم عادا (٢).

ولم يزل صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، في حجر جده عبد المطلب بعد موت أمه ، حتى بلغ ثمان سنين وشهرين وعشرة أيام ، فتوفي جده عبد المطلب ، فوليه عمه أبو طالب ، وكان أخا عبد الله لأبويه (٣).

فلما بلغ صلى‌الله‌عليه‌وسلم إثنتي عشرة سنة وشهرين وعشرة أيام ، خرج مع عمه أبي طالب إلى الشام في تجارة له ـ وقيل : خرج معه وهو ابن تسع سنين ـ فلما بلغ بصرى ، فرآه بحيرى الراهب (٤) ـ بفتح الباء الموحدة وكسر الحاء المهملة ـ فعرفه بصفته ، فجاء وقال : هذا رسول رب العالمين ، وقال : انكم

__________________

(١) عبد الرحمن بن عبد الله ، أبو زيد ـ أبو القاسم ـ السهيلي ، برع في العربية والأخبار ، ت ٥٨١ ه‍.

انظر : السيوطي : بغية الوعاة ٢ / ٨١ ، ابن العماد : شذرات الذهب ٤ / ٢٧١.

(٢) رواية السهيلي ذكرها في الروض الأنف ٢ / ١٨٧ ـ ١٨٨ ، وذكرها السيوطي في اللآليء ١ / ٢٦٦ نقلا عن السهيلي وعزاها للخطيب في السابق واللاحق وابن شاهين في الناسخ والمنسوخ عن عائشة وقال : حديث ضعيف.

(٣) كذا ورد عند محب الدين الطبري في خلاصة سير ص ١٦ ، وأم عبد الله وأبو طالب : فاطمة بنت عمرو بن عائذ.

انظر : ابن هشام : السيرة ١ / ١٧٩ ، الطبري : تاريخ الرسل ٢ / ٢٢٩ ، ابن الجوزي : المنتظم ١ / ٢٨٠.

(٤) بحيرى الراهب : كان راهبا إليه علم أهل النصرانية ، وكان يسكن في قرية يقال لها الكفر ، بينها وبين بصرى ستة أميال ، ويقال لها : دير بحيرى.

انظر : ابن هشام : السيرة ١ / ١٨٠ ـ ١٨١ ، الطبري : تاريخ الرسل ٢ / ٢٧٧ ، ابن الجوزي :المنتظم ٢ / ٢٩٢ ـ ٢٩٣.

١٠٥

حين أقبلتم من العقبة لم يبق حجر ولا شجر إلا سجد له ولا يسجد إلا لنبي ، وإنا لنجده في كتبنا ، وقال لأبي طالب : لئن قدمت به إلى الشام لتقتلنه اليهود ، فردّ به صلى‌الله‌عليه‌وسلم (١).

ويروى أن بحيرى التفت ، فإذا سبعة نفر قد أقبلوا من الروم ، فاستقبلهم ، وقال : ما جاء بكم؟ قالوا : جئنا فإن هذا النبي خارج في هذا الشهر ، فلم يبق طريق إلا بعث إليه ناس ، ونحن آخر من بعث إلى طريقك هذا ، فقال لهم :هل خلفتم خلفكم أحدا هو خير منكم؟ قالوا : لا ، فقال : أفرأيتم أمرا أراد الله تعالى أن يقضيه هل يستطيع أحد من الناس رده؟ قالوا : لا ، قال :فارجعوا فرجعوا (٢).

ثم بعد ذلك بإثنتي عشرة سنة وتسعة أشهر وستة أيام ، سافر صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، بتجارة خديجة رضي‌الله‌عنها إلى الشام مع ميسرة (٣) غلام خديجة ، ونزلا تحت شجرة ، فنظر إليهم راهب ، وقال : ما نزل تحت هذه الشجرة قط إلا نبي ، وهو نسطور الراهب (٤).

ثم باع صلى‌الله‌عليه‌وسلم واشترى ، ورجع بعد ذلك بشهرين وأربعة وعشرين يوما (٥).

__________________

(١) كذا ورد عند محب الدين الطبري في خلاصة سير ص ١٧ ، والماوردي في أعلام النبوة ص ١٥٥ ـ ١٥٦.

(٢) كذا ورد عند الطبري في تاريخه ٢ / ٢٧٨ ـ ٢٧٩ ، والماوردي في أعلام النبوة ص ١٥٦.

(٣) ميسرة غلام خديجة رضي‌الله‌عنها ، كان يخدم النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم في رحلة التجارة لخديجة وحكى بعض أدلة نبوته ، لم نقف على رواية صريحة بأنه بقي إلى البعثة.

انظر : ابن حجر : الاصابة ٦ / ١٤٩.

(٤) كذا ورد عند محب الدين الطبري في خلاصة سير ص ١٨ ، والماوردي في أعلام النبوة ص ١٦٠ ، وابن الجوزي في المنتظم ٢ / ٣١٤.

(٥) كذا ورد عند محب الدين الطبري في خلاصة سير ص ١٩.

١٠٦

وتزوج خديجة رضي‌الله‌عنها ، وكان عمره خمسا وعشرين سنة ، وقيل :إحدى وعشرين ، وقيل : ثلاثين ، وقيل : أربعين ، وأصدقها إثنتي عشرة أوقية ذهب ، فبقيت عنده قبل الوحي خمسة عشر سنة ، وبعده إلى ما قبل الهجرة بثلاث سنين ، وقيل : بأربع ، وقيل : بخمس ، فماتت ولرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم تسع وأربعين سنة وثمانية أشهر ، ولم يصل عليها (١).

ولما بلغ صلى‌الله‌عليه‌وسلم خمسا وثلاثين سنة ، جددت قريش بنيان الكعبة بعد أن خطفت الحية التي كانت بها (٢).

وأول من ابتدأ في هدمها عند العمارة : الوليد بن المغيرة ، وتحاضنت قريش الكعبة ، فكان شق البيت لبني عبد مناف وزهرة ، ، وما بين الركن الأسود والركن اليماني لبني مخزوم وتيم وقبائل من قريش ، وكان شق الحجر ـ وهو الحطيم ـ لبني جمع وبني / سهم (٣).

وبنوا وتنازعوا فيمن يضع الحجر في موضعه ، وجعلوا أمرهم لأول من يدخل عليهم من باب المسجد ، فدخل النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فوضعه في ثوب ، وأخذت كل قبيلة بناحية من الثوب ، ورفعوه ، ثم وضعه صلى‌الله‌عليه‌وسلم بيديه الكريمتين ،

__________________

(١) كذا ورد عند محب الدين الطبري في خلاصة سير ص ٢١ ـ ٢٢ ، والماوردي في أعلام النبوة ص ١٦١.

وتوفيت خديجة رضي‌الله‌عنها على الراجح في شهر رمضان من السنة العاشرة من البعثة النبوية بعد وفاة أبي طالب ودفنت بالحجون.

انظر : ابن هشام : السيرة ١ / ٤١٦ ، ابن سعد : الطبقات ٨ / ١٨ ، ٢١٧ ، الطبري : تاريخ الرسل ٢ / ٣٤٣ ، ابن عبد البر : الاستيعاب ٤ / ١٨٢٥.

(٢) انظر : ابن هشام : السيرة ١ / ١٩٢ ، الطبري : تاريخ الرسل ٢ / ٢٨٣ ، البيهقي : الدلائل ٢ / ٥٧ ـ ٦٠ ، ابن الجوزي : المنتظم ٢ / ٣٢١ ، الفاسي : شفاء الغرام ١ / ٩٥.

(٣) انظر : ابن هشام : السيرة ١ / ١٤٦ ، الطبري : تاريخ الرسل ٢ / ٢٨٨ ـ ٢٩٠ ، البيهقي : الدلائل ٢ / ٦٠ ، ابن الجوزي : المنتظم ٢ / ٣٢٥ ـ ٣٢٧.

١٠٧

وعمره إذ ذاك خمسا وثلاثين سنة ، وكان ذلك بعد عام الفجار بخمس عشرة سنة (١).

فأول من بنى البيت العتيق الملائكة ، وذلك قبل آدم بألفي عام ، وذلك حين قالوا : (أَتَجْعَلُ فِيها ...)(٢) الآية ـ حكاه المحب الطبري ـ ثم بناه آدم عليه‌السلام وحواء تعينه ـ حكاه وهب ـ ثم بناه شيث بالحجارة والطين ، ثم بناه إبراهيم وإسماعيل عليهما‌السلام (٣).

ثم غلبت عليه جرهم بعد نابت بن إسماعيل ، وانهدم فبنته العماليق ، ثم بنته جرهم بعد العماليق (٤) ثم بناها قصي بن كلاب بن مرة ، وقيل : أنه أول من جددها بعد إبراهيم عليه‌السلام (٥) ، ثم بناها عبد المطلب (٦) ، ثم بنتها قريش هذا البناء المذكور.

ثم بناها عبد الله بن الزبير سنة أربع وستين بعد الهجرة ، وأدخل الحجر فيها ، وجعل لها بابين ، وذلك حين حاصر الحصين بن نمير السكوني (٧)

__________________

(١) عن اختصام قريش في مسألة الحجر الأسود ، وتحكيم الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم في هذه المسألة.

انظر : ابن هشام : السيرة ١ / ١٩٦ ـ ١٩٧ ، ابن سعد : الطبقات ١ / ١٤٦ ، الطبري : تاريخ الرسل ٢ / ٢٨٧ ـ ٢٩٠ ، البيهقي : الدلائل ٢ / ٦٠ وكان الفجار في سنة أربع عشر من مولده صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

انظر : ابن هشام : السيرة ١ / ١٨٤ ، ابن الجوزي : المنتظم ٢ / ٢٩٦.

(٢) سورة البقرة آية (٣٠).

(٣) انظر : ابن الضياء : تاريخ مكة ص ٣٦ ـ ٣٧ ، الفاسي : شفاء الغرام ١ / ٩١ ـ ٩٢.

(٤) انظر : الفاسي : شفاء الغرام ١ / ٩٣.

(٥) انظر : الفاسي : شفاء الغرام ١ / ٩٤.

(٦) كذا ورد عند الفاسي في شفاء الغرام ١ / ٩١ وقال : «وجدت بخط عبد الله بن عبد الملك المرجاني أن عبد المطلب جد النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بنى الكعبة بعد قصي وقبل بناء قريش ، ولم أر ذلك لغيره ، وأخشى أن يكون وهما والله أعلم».

(٧) الحصين بن نمير السكوني ، قائد من قواد بني أمية ، تولى قيادة جيش يزيد بن معاوية لقتال ابن الزبير في آخر المحرم ٦٤ ه‍.

انظر : الطبري : تاريخ الرسل ٥ / ٤٩٦ ـ ٤٩٨ ، ابن الجوزي : المنتظم ٦ / ٢١ ـ ٢٢.

١٠٨

عبد الله بن الزبير ، ، وقذفوا البيت بالمنجنيق (١).

ثم هدمها الحجاج بالمنجنيق ، وبناها ، وأخرج الحجر منها ، وذلك سنة أربع وستين ، فهي الآن على ما بنى الحجاج (٢).

وأما الركنان فعلى قواعد إبراهيم لم يغيرا ، وطولها في السماء سبعة وعشرون ذراعا ، ومن الحجر الأسود إلى الركن العراقي خمس وعشرون ذراعا ، ومن العراقي إلى الغربي أحد وعشرون ، ومنه إلى اليماني خمس وعشرون ، ومنه إلى الحجر الأسود عشرون ذراعا (٣).

فلما بلغ صلى‌الله‌عليه‌وسلم أربعين سنة ويوما ، وقيل : وعشرة أيام ، بعثه الله تعالى بشيرا ونذيرا ، وأتاه جبريل بغار حراء ، ثم أخبر ورقة بن نوفل بذلك فقال :هذا الناموس الذي أنزل على موسى (٤).

واختلف في إيمان ورقة ، فقيل : لم يحصل له إيمان ، لأنه لم يبلغ زمن الرسالة ، وقيل : بل حصل له بالإقرار بالرسالة وهذا الذي يمكنه في ذلك الوقت (٥).

__________________

(١) انظر : الطبري : تاريخ الرسل ٥ / ٥٨٢ ، ابن الجوزي : المنتظم ٦ / ٣٠ ، الفاسي : شفاء الغرام ١ / ٩٧.

(٢) أعادها الحجاج على بنائها الأول إمعانا منه في القضاء على كل أثر لابن الزبير.

انظر : الطبري : تاريخ الرسل ٦ / ١٩٥ ، ابن الجوزي : المنتظم ٦ / ١٤٢ ، الفاسي : شفاء الغرام ١ / ٩٩.

(٣) انظر : الفاسي : شفاء الغرام ١ / ١٠٧.

(٤) انظر : ابن هشام : السيرة ١ / ٢٣٨ ، الطبري : تاريخ الرسل ٢ / ٣٠٢ ، الماوردي : أعلام النبوة ص ٢٢٦.

(٥) اختلفوا في إسلامه ، وعده ابن حجر في الصحابة ، وصرح ابن القيم بإسلامه ، وأرخ ابن فهد وفاته في السنة الرابعة من البعثة.

انظر : ابن القيم : زاد المعاد ٢ / ٤٨ ، ابن حجر : الإصابة ٦ / ٦٠٧ ، ابن فهد : اتحاف الورى ١ / ٢١٠.

١٠٩

وأمر صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالإنذار يوم الإثنين من شهر رمضان ، قيل : كان الثامن عشر من رمضان ، وقيل : الرابع والعشرين ، وهو ابن أربعين سنة (١) ، وقيل :ابن ثلاث وأربعين لعشرين سنة مضت من ملك كسرى ، وقيل : لست عشر مضت من ملكه (٢).

ثم نزل عليه جبريل ثاني النبوة ، فأراه الطهور ، فتوضأ ، وصلى جبريل ، وصلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بصلاته ، وخديجة أول من توضأت بعده صلى‌الله‌عليه‌وسلم (٣).

ولم يشرع من العبادات بمكة إلا الطهارة والصلاة ، وأول ما فرض من العبادات بالمدينة صيام رمضان في شعبان من السنة الثانية من الهجرة (٤).

ولما أتم الله أمر نبوته صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، كان لا يأتي على حجر ولا شجر إلا سلم عليه : السلام عليك يا رسول الله ، وهذا نظير قوله تعالى لداود عليه‌السلام :(يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ)(٥).

وعن جابر بن سمرة قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إن بمكة الآن لحجرا كان يسلم عليّ ليالي بعثت إني لأعرفه الآن» (٦).

قيل : هو الحجر الأسود ركن البيت العتيق ، وقيل : الحجر المستطيل

__________________

(١) انظر : ابن سعد : الطبقات ١ / ٣٤٨ ، الطبري : تاريخ الرسل ٢ / ٢٩٣ ، الماوردي : أعلام النبوة ص ٢٢٩ ، ابن الجوزي : المنتظم ٢ / ٣٤٨.

(٢) كذا ورد عند الماوردي في أعلام النبوة ص ٢٢٩.

(٣) كذا ورد عند الماوردي في أعلام النبوة ص ٢٢٩.

(٤) كذا عند الماوردي في أعلام النبوة ص ٢٣٢.

(٥) سورة سبأ آية (١٠).

(٦) حديث جابر بن سمرة : أخرجه الترمذي في سننه ٥ / ٥٥٣ كتاب المناقب باب إثبات نبوة النبي ، ومسلم في صحيحه كتاب الفضائل باب فضل نسب النبي برقم (٢) ٢ / ١٧٨ ، وأحمد في المسند ٥ / ١٠٥ ، وذكره عياض في الشفا ١ / ١٠٢ ، ومحب الدين الطبري في خلاصة سير ص ٢٥.

١١٠

بباب دار أبي سفيان بزقاق الحجر (١).

قلت : وهذا الحجر على الدار باق إلى اليوم.

وكان الوحي يوم الجمعة السابع والعشرين / من شهر رجب ، وذلك بعد بناء الكعبة بخمس سنين ، وقيل : كان نبوته صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، يوم الإثنين لثمان خلون من ربيع الأول (٢).

وبعد الوحي بخمس سنين كان حصار الشّعب (٣) ، وذلك أنه لما صدع بالنبوة ، شدت القوم حتى حصروه وأهل بيته ، وخرج صلى‌الله‌عليه‌وسلم من الحصار وله تسع وأربعون سنة (٤).

وبعد خروجه من الحصار بثمانية أشهر وأحد وعشرون يوما ، مات عمه أبو طالب ، وكان موت خديجة بعده بثلاثة أيام (٥).

وبعد ذلك بثلاثة أشهر وستة أيام سافر صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى الطائف ، ومعه مولاه زيد بن حارثة رضي‌الله‌عنه فأقام بالطائف ثمانية وعشرون يوما ، ورجع إلى مكة (٦).

ولما بلغ إحدى وخمسين سنة وتسعة أشهر ، أسري به من بين زمزم والمقام إلى بيت المقدس ، ثم عرج به إلى السماء ، وذلك بعد الطائف بسنة وتسعة أشهر وستة أيام (٧).

__________________

(١) و (٢) كذا ورد عند محب الدين الطبري في خلاصة سير ص ٢٥.

(٣) عن حصار الشّعب راجع : ابن هشام : السيرة ١ / ٣٥٠ ، ٣٧٦ ، ابن سعد : الطبقات ١ / ٢٠٨ ـ ٢١٠ ، الطبري : تاريخ الرسل ٢ / ٣٣٥ ، ٣٤٢.

(٤) و (٥) كذا ورد عند محب الدين الطبري في خلاصة سير ص ٢٦.

(٦) كذا ورد عند محب الدين الطبري في خلاصة سير ص ٢٧.

وعن خروجه إلى الطائف راجع : ابن هشام : السيرة ١ / ٤١٩ ، ابن سعد : الطبقات ١ / ٢١١ ، الطبري : تاريخ الرسل ٢ / ٣٤٤ ـ ٣٤٧ ، ابن الجوزي : المنتظم ٣ / ١٢ ـ ١٥.

(٧) كذا ورد عند محب الدين الطبري في خلاصة سير ص ٢٧.

١١١

فكانت إقامته بمكة بعد النبوة : عشر سنين ، وقيل : إثنا عشر سنة ، وقيل : ثلاثة عشر ، وقيل : خمسة عشر ، وهاجر صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى المدينة وعمره ثلاثا وخمسين سنة (١).

وقيل : أتي بالبراق وهو أبيض طويل فوق الحمار ودون البغل ، يضع حافره عند منتهى طرفه ، فركبه ثم أتي بيت المقدس ، ثم صلى ركعتين ، ثم عرج فوجد آدم في سماء الدنيا ، ووجد عيسى ويحيى بالسماء الثانية ، ثم وجد يوسف عليه‌السلام بالسماء الثالثة ، ووجد إدريس في الرابعة ، ووجد هارون في الخامسة ، ثم وجد موسى بالسادسة ، ووجد إبراهيم عليه‌السلام بالسابعة ، ثم ذهب به إلى سدرة المنتهى ، فأوحى الله إليه ما أوحى ، وفرض عليه خمسون صلاة ، ثم سأل الله التخفيف على أمته ، فجعلها خمسا (٢).

وكان الإسراء بالجسد وفي اليقظة ، وهو قول ابن عباس ، وجابر ، وأنس ، وحذيفة ، وعمر ، وأبي هريرة ، ومالك بن صعصعة ، وأبي حبة البدري ، وابن مسعود ، والضحاك ، وابن جبير ، وقتادة ، وابن المسيب ، وابن شهاب ، وابن زيد ، والحسن ، وإبراهيم ، ومسروق ، ومجاهد ، وعكرمة ، وابن جريج ، وهو دليل قول عائشة ، وهو قول الطبري ، وابن حنبل ، وهو قول أكثر المتأخرين

__________________

(١) كذا ورد عند محب الدين الطبري في خلاصة سير ص ٢٨ ، وذكر الطبري الأقوال الثلاثة ، وحاول التوفيق بين من قال عشر سنين ، ومن قال ثلاث عشرة بقوله : «لعل الذين قالوا كان مقامه بمكة بعد الوحي عشرا عدوا مقامه بها من حين أتاه جبريل بالوحي وأظهر الدعاء إلى توحيد الله ، وعد الذين قالوا كان مقامه بمكة ثلاثة عشرة سنة من أول الوقت الذي استنبيء فيه».

انظر : الطبري : تاريخ الرسل ٢ / ٢٨٣ ، ٣٨٧.

(٢) كذا ورد عند محب الدين الطبري في خلاصة سير ص ٢٨ ، وراجع حديث المعراج وسدرة المنتهى عند : ابن هشام في السيرة ١ / ٤٠٣ ـ ٤٠٨ ، وعياض في الشفا ١ / ١٠٦ ـ ١٠٧ ، والبيهقي في الدلائل ٢ / ٣٨٢ ، وابن الجوزي في المنتظم ٣ / ٢٧ ـ ٢٩.

١١٢

من الفقهاء والمحدثين والمتكلمين والمفسرين. ذكره القاضي عياض (١).

وعن ابن عباس رضي‌الله‌عنهما : أنه رأى ربه بعينه (٢).

وقال الماوردي : «قيل إن الله تعالى قسم كلامه ورؤيته بين موسى ومحمد ، فرآه محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم مرتين ، وكلمه موسى مرتين» (٣).

وكان الحسن يحلف بالله : لقد رأى محمد ربّه ، وسأل مروان أبا هريرة : هل رأى محمد ربّه؟ قال : نعم (٤).

وحكى النقاش عن أحمد بن حنبل أنه قال : أنا أقول بحديث ابن عباس بعينه رآه رآه حتى انقطع نفسه نفسه ـ يعني نفس أحمد (٥). وقاله : أبو الحسن الأشعري (٦) وجماعة من أصحابه (٧).

وقال القاضي عياض (٨) : «ووقف بعض مشائخنا في هذا القول ، وقال :ليس عليه دليل واضح ، ولكنه جائز أن يكون».

__________________

(١) ورد قول عياض في الشفا ١ / ١١٤ ، وذهب معظم السلف إلى أنه إسراء بالجسد وفي اليقظة ، واستعرض هذه الآراء القرطبي في الجامع ١٠ / ٢٠٨ ـ ٢٠٩ ، وابن كثير في البداية ٣ / ١١٠ ـ ١١١.

(٢) رواية ابن عباس ذكرها عياض في الشفا ١ / ١٢٠ ، والهيثمي في مجمع الزوائد ٧ / ١١٧.

(٣) قول الماوردي ذكره عياض في الشفا ١ / ١٢٠.

(٤) قول الحسن وأبي هريرة ذكره عياض في الشفا ١ / ١٢٠.

(٥) قول أحمد بن حنبل ذكره عياض في الشفا ١ / ١٢٠.

(٦) علي بن إسماعيل أبو الحسن الأشعري ، كان من المتكلمين ، درس مذهب الإعتزال ، ثم رجع عنه وجاهر بخلافهم ، ت ٣٢٤ ه‍.

انظر : الذهبي : العبر ٢ / ٣٢ ، ابن العماد : شذرات الذهب ٢ / ٣٠٢.

(٧) كذا ورد عند عياض في الشفا ١ / ١٢١.

(٨) قول عياض ذكره في الشفا ١ / ١٢١.

١١٣

ثم هاجر صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى المدينة وعمره ثلاثا وخمسين سنة ، فكانت مدة إقامته بالمدينة الشريفة بعد الهجرة تسع سنين وأحد عشر شهرا وعشرين يوما (١) ، فاتفق فيها ما اتفق من ذكر الغزوات وغيرها مما تقدم ذكره (٢) ، وهذا تنبيه على بعض ذلك أنموذجا ، وجميع ما ذكرته في كتابي هذا أنموذجا مختصرا لمن يبني على مثاله وينسخ على منواله. /

__________________

(١) فقد ذكر ابن سعد في طبقاته ٢ / ٣١٠ عن ابن عمر وابن عباس وأنس قالوا جميعا : أقام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، بالمدينة عشر سنين.

(٢) تقدم ذكر الغزوات في الفصل الخامس من الباب الرابع.

١١٤

الفصل السابع

فيما ورد في صفته (١) صلى‌الله‌عليه‌وسلم

عن الحسن بن علي رضي‌الله‌عنهما قال : سألت خالي هند بن أبي هالة (٢) ـ وأبي هالة هو زوج خديجة رضي‌الله‌عنها ـ عن حلية رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وكان وصّافا وأنا أرجو أن يصف لي منها شيئا أتعلق به قال : «كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فخما مفخما ، يتلألأ وجهه تلألؤ القمر ليلة البدر ، أطول من المربوع ، وأقصر من المشّذب ، عظيم الهامة ، رجل أشعر ، إن انفرقت عقيقته فرق وإلا فلا ، يجاوز شعره شحمة أذنيه إذا هو وفّره ، أزهر اللون ، واسع الجبين ، أزجّ الحاجبين ، سوابغ من غير قرن (٣) ، بينهما عرق يدره الغضب ، أقنى العرنين ، له نور يعلوه ويحسبه من لم يتأمله أشمّ ، كثّ اللحية ، أدعج سهل الخدين ، ضليع الفم ، أشنب ، مفلج الأسنان ، دقيق المسربة ، كأن عنقه جيد دمية (٤) ، في صفاء الفضة ، معتدل قامة الخلق ، بادنا متماسكا ، سواء البطن والصدر (٥) ، مسيح الصدر ، بعيد ما بين المنكبين ، ضخم الكراديس ،

__________________

(١) سوف أفسر بعض المفردات التي لم يفسرها المؤلف.

(٢) هند بن أبي هالة الأسيدي التميمي ، ربيب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أمه خديجة رضي‌الله‌عنها ، كان فصيحا بليغا ، قتل مع علي يوم الجمل.

انظر : ابن عبد البر : الاستيعاب ٤ / ١٥٤٤ ، ابن حجر : الاصابة ٦ / ٥٥٧.

(٣) القرن : أن يطول الحاجبان حتى يلتقي طرفاهما.

انظر : البيهقي : الدلائل ١ / ٢٩٣.

(٤) جيد دمية : الجيد العنق ، والدمية الصورة ، شيهها في بياضها بالفضة.

انظر : البيهقي : الدلائل ١ / ٢٩٤.

(٥) سواء البطن والصدر : يريد أن بطنه غير مستفيض ، فهو مساو لصدره ، وصدره عريض فهو مساو لبطنه.

انظر : البيهقي : الدلائل ١ / ٢٩٤.

١١٥

أنور المتجرّد (١) ، موصول ما بين اللّبة والسرة بشعر يجري كالخيط ، عاري الثديين مما سوى ذلك ، أشعر الذراعين والمنكبين وأعالي الصدر ، طويل الزّندين رحب الراحة ، شثن الكفين والقدمين ، وسائر الأطراف ـ أو قال :سائل الأطراف ـ سبط القصب ، خمصان الأخمصين ، مسيح القدمين ينبو عنهما الماء ، إذا زال زال تقلعا ، ويخطو تكفّيا ، ويمشي هونا ، ذريع المشية إذا مشى كأنما ينحط من صبب (٢) ، وإذا التفت التفت جميعا ، خافض الطّرف ، نظره إلى الأرض أطول من نظره إلى السماء ، جلّ نظره الملاحظة ، يسوق أصحابه (٣) ، ويبدأ من لقيه بالسلام. قلت : صف لي منطقه ، قال : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، متواصل الأحزان ، دائم الفكرة ، ليست له راحة ، ولا يتكلم في غير حاجة ، طويل السكوت ، يفتتح الكلام ، ويختمه بأشداقه (٤) ، ويتكلم بجوامع الكلم ، فضلا لا فضول فيه ولا تقصير ، دمثا (٥) ليس بالجافي ولا المهين (٦) ، يعظم النعمة وإن دقّت (٧) ، ولا يذم شيئا لم يكن يذم ذواقا ولا

__________________

(١) أنور المتجرد : المتجرد ما جرد عنه الثوب من بدنه ، يريد أنه شديد البياض.

انظر : البيهقي : الدلائل ١ / ٢٩٤.

(٢) من صبب : الصبب هو الإنحدار.

انظر : البيهقي : الدلائل ١ / ٢٩٥.

(٣) يسوق أصحابه : يريد أنه إذا مشى مع أصحابه قدمهم بين يديه ومشى من ورائهم.

انظر : البيهقي : الدلائل ١ / ٢٩٥.

(٤) يختمه بأشداقه : وذلك لرحب شدقيه ، وأما ما جاء عنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم في المتشادقين ، فإنه أراد به الذين يتشادقون إذا تكلموا فيميلون بأشداقهم يمينا وشمالا ويتنطعون في القول.

انظر : البيهقي : الدلائل : ١ / ٢٩٤.

(٥) دمثا : يعني سهلا لينا.

انظر : البيهقي : الدلائل ١ / ٢٩٦.

(٦) ليس بالجافي ولا المهين : يريد أنه لا يجفو الناس ولا يهينهم ، ليس بالفظ الغليظ ، ولا الحقير الضعيف.

انظر : البيهقي : الدلائل ١ / ٢٩٦.

(٧) يعظم النعمة وإن دقت : أي لا يستصغر شيئا أوتيه وإن كان صغيرا لا يستحقره.

انظر : البيهقي : الدلائل ١ / ٢٩٦.

١١٦

يمدحه (١) ، ولا يقام لغضبه إذا تعرض للحق بشيء حتى ينتصر له ولا يغضب لنفسه ولا ينتصر لها ، إذا أشار بكفه كلها ، وإذا تعجب قلبها ، وإذا تحدث اتصل بها فضرب بإبهامه اليمنى راحته اليسرى ، وإذا غضب أعرض وأشاح ، وإذا فرح غض طرفه ، جل ضحكه التبسم ويفتر (٢) عن مثل حب الغمام» (٣).

تفسير غريب هذا الحديث :

* قوله المشذّب : أي البائن الطول في نحافة (٤).

* ورجل الشعر : الرّجل هو الذي كأنه مشط فتكسر قليلا ليس بسبط ولا جعد (٥).

* والعقيقة : شعر الرأس (٦).

* أزهر اللون : نيره ، وقيل حسنه (٧).

* والحاجب الأزج : / المقوّس الطويل الوافر الشعر (٨).

__________________

(١) لا يذم ذواقا ولا يمدحه : يريد أنه كان لا يصف الطعام بطيب ولا بفساد وإن كان فيه.

انظر : البيهقي : الدلائل ١ / ٢٩٦.

(٢) ويفتر : أي يبتسم.

انظر : البيهقي : الدلائل ١ / ٢٩٦.

(٣) حديث هند بن أبي هالة في صفة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أخرجه ابن سعد في الطبقات ١ / ٤٢٢ ، والبيهقي في الدلائل ١ / ٢٨٥ ـ ٢٨٨ ، وذكره عياض في الشفا ١ / ٩١ ـ ٩٣.

(٤) انظر : البيهقي : الدلائل ١ / ٢٩٢ ، عياض : الشفا ١ / ٩٥.

(٥) انظر : البيهقي : الدلائل ١ / ٢٩٢ ، عياض : الشفا ١ / ٩٥.

(٦) يريد أنه كان لا يفرق شعره إلا أن يفترق هو ، وكان هذا في صدر الإسلام ثم فرق.

انظر : البيهقي : الدلائل ١ / ٢٩٣.

(٧) يريد أبيض اللون مشرقه ، ومنه سميت الزهرة لشدة ضوئها.

انظر : البيهقي : الدلائل ١ / ٢٩٣.

(٨) انظر البيهقي : الدلائل ١ / ٢٩٣ ، عياض : الشفا ١ / ٩٦.

١١٧

* والأقنى : السا

ئل الأنف المرتفع وسطه (١).

* والأشّم : الطويل قصبة الأنف (٢).

* والأدعج : الشديد سواد الحدقة (٣).

* والضليع : الواسع (٤).

* والشّنب : رونق الأسنان وماؤها (٥).

* والفلج : فرق بين الثنايا (٦).

* والمسربة : خيط الشعر الذي بين الصدر والسرة (٧).

* وبادن : ذو لحم (٨).

* ومتماسك : معتدل الخلقة يمسك بعضه بعضا (٩).

* ومسيح : لعلها بالسين المهملة وفتح الميم يعني عريض (١٠).

* الكراديس : رؤس العظام (١١).

* شثن الكفين والقدمين : لحمهما (١٢).

__________________

(١) ـ (٢) انظر البيهقي : الدلائل ١ / ٢٩٣ ، عياض : الشفا ١ / ٩٦.

(٣) انظر البيهقي : الدلائل ١ / ٢٩٣ ، عياض : الشفا ١ / ٩٦.

(٤) أي عظيمه ، وكانت العرب تحمد ذلك وتذم صغير الفم ، وهو في صفة فم النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ذبول شفتيه ورقتهما وحسنهما.

انظر : البيهقي : الدلائل ١ / ٢٩٤.

(٥) وهو تحدد أطرافها.

انظر : البيهقي : الدلائل ١ / ٢٩٤.

(٦) ـ (١٠) انظر : البيهقي : الدلائل ١ / ٢٩٤ ، عياض : الشفا ١ / ٩٦.

(٧) انظر : البيهقي : الدلائل ١ / ٢٩٤ ، عياض : الشفا ١ / ٩٦.

(٨) انظر : البيهقي : الدلائل ١ / ٢٩٤ ، عياض : الشفا ١ / ٩٦.

(٩) انظر : البيهقي : الدلائل ١ / ٢٩٤ ، عياض : الشفا ١ / ٩٦.

(١١) ويريد الأعضاء.

انظر : البيهقي : الدلائل ١ / ٢٩٤ ، عياض : الشفا ١ / ٩٦.

(١٢) يريد أنها إلى الغلظ والقصر.

انظر : البيهقي : الدلائل ١ / ٢٩٥ ، عياض : الشفا ١ / ٩٦.

١١٨

* طويل الزندين : عظيم الذراعين (١).

* وسائل الأطراف : أي طويل الأصابع (٢).

* ورحب الراحة : أي واسعها (٣).

* خمصان الأخمصين : أي متجافي أخمص القدم وهو الموضع الذي لا تناله الأرض من وسط القدم (٤).

* مسيح القدمين : أي أملسهما (٥).

* والتقلع : رفع الرجل بقوة (٦).

* يخطو تكفيا : الميل إلى سنن الممشى (٧).

* والهون : الرفق والوقار (٨).

* والذريع : الواسع الخطو (٩).

__________________

(١) الزند من الذراع ما انحسر عنه اللحم.

انظر : البيهقي : الدلائل ١ / ٢٩٥ ، عياض : الشفا ١ / ٩٦.

(٢) و (٣) انظر : البيهقي : الدلائل ١ / ٢٩٥ ، عياض : الشفا ١ / ٩٦ ، ٩٧.

(٤) وأنه ليس بأزج وهو الذي يستوي باطن قدمه حتى يمس جميعه الأرض.

انظر : البيهقي : الدلائل ١ / ٢٩٥ ، عياض : الشفا ١ / ٩٧.

(٥) و (٦) انظر : البيهقي : الدلائل ١ / ٢٩٥ ، عياض : الشفا ١ / ٩٧.

(٧) يريد أنه يميد إذا خطا.

انظر : البيهقي : الدلائل ١ / ٢٩٥ ، عياض : الشفا ١ / ٩٧.

(٨) أي يمشي في رفق غير مختال.

انظر : البيهقي : الدلائل ١ / ٢٩٥ ، عياض : الشفا ١ / ٩٧.

(٩) يريد أنه مع هذا الرفق سريع المشية.

انظر : البيهقي : الدلائل ١ / ٢٩٥ ، عياض : الشفا ١ / ٩٧.

١١٩

* ويفتتح الكلام ويختمه بأشداقه : أي لسعة فمه (١).

* وأشاح : مال وانقبض (٢).

* حب الغمام : البرد (٣).

وعن النعمان السني ـ وكان من أحبار يهود اليمن ـ قدم على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقال له : «كان أبي يختم عليّ سفر يقول لي : لا تقرأه على يهود حتى تسمع بنبي خرج من يثرب ، قال : ففتحته ، فإذا فيه : إنك خير الأنبياء وأمتك خير الأمم اسمك أحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأمتك الحمادون قربانهم دماؤهم وأنا جيلهم صدورهم لا يحضرون قتالا إلا وجبريل معهم يتحنن الله عليهم كتحنن النسر على فراخه ، قال : ثم قال لي : إذا سمعت به فأخرج إليه وآمن به وصدقه».

والنعمان هذا : هو الذي قتله الأسود العنسي (٤) ، وقطّعه عضوا عضوا وهو يقول : أشهد أن محمدا رسول الله وأنك كذاب مفتري على الله.

وأنشد الأمير العاصمي (٥) لنفسه شعرا :

__________________

(١) انظر : عياض : الشفا ١ / ٩٧.

(٢) وقوله «أعرض وأشاح» : يقال أشاح إذا جد ، ويقال : أشاح إذا عدل بوجهه ، وهذا معنى الحرف في هذا الموضع.

انظر : البيهقي : الدلائل ١ / ٢٩٦ ، عياض : الشفا ١ / ٩٧.

(٣) شبه ثغره به.

انظر : البيهقي : الدلائل ١ / ٢٩٦ ، عياض : الشفا ١ / ٩٧.

(٤) الأسود العنسي ، واسمه عيهلة بن كعب ، كان كاهنا ساحرا ، ارتد عن الإسلام قبل وفاة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ظهر في مذحج باليمن وطرد عمال النبي وغلب على صنعاء ، أرسل إليه الرسول نفرا من الأبناء فقتلوه ، فأخبر النبي بمقتله قبل أن يصل الخبر من اليمن ، وكان من أول خروج الأسود إلى أن قتل أربعة أشهر. الطبري ٣ / ٢٢٧ ، ابن الجوزي : المنتظم ٤ / ١٧ ـ ٢٠.

(٥) عاصم بن الحسن ، أبو الحسين العاصمي ، البغدادي الشاعر ، صاحب الأشعار الرائقة المستحسنة ، ت ٣٨٢ ه‍.

انظر : ابن الجوزي : المنتظم ١٦ / ٢٨٦ ، الذهبي : سير أعلام ١٨ / ٥٩٨ ـ ٦٠٠ ، ابن العماد :شذرات الذهب ٣ / ٣٦٨.

١٢٠