خطط الشام - ج ٤

محمّد كرد علي

خطط الشام - ج ٤

المؤلف:

محمّد كرد علي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: مكتبة النوري
الطبعة: ٢
الصفحات: ٢٧٦

وخرّج مئات من الطلاب الذين كان أقل ما ثقفوه فيها تعلم مبادئ لغتهم ومبادئ اللغات الأجنبية.

ولما احتل البريطانيون مصر وزاد الضغط على الصحافة العربية في الشام ، هبط مصر كثير من نبهاء الكتاب الشاميين من أرباب الصحف ومن المترجمين وغيرهم ، وأنشأوا جرائد ومجلات ومنها إلى اليوم جريدتا الأهرام والمقطم ومجلات المقتطف والهلال وغيرها من الجرائد والمجلات التي نشرها الشاميون وعاشت مدة ثم احتجبت. وكلها أبلت بلاء حسنا في خدمة الأفكار ونشر الآراء العلمية والتهذيبية والأدبية والدينية. وقد نشرت في الشام وفي مصر بأقلام الشاميين أنفسهم صحف ومجلات كثيرة لم يكتب لها البقاء ، وإن كان بعض القائمين بها على حصة موفورة من العلم والأدب ، وقضي عليها لقلة القراء ، أو لوفاة أصحابها كمجلة الضياء والمنار ولم يأت من يخلفهم في موضوعهم. وأخرى أن المجلات المفيدة لم تجد من الحكومات والجمعيات معاضدة فعلية.

ظلت الصحف السياسية والمجلات العلمية مستندة إلى قوى أصحابها فقط ، ولو كان في القوم أناس يحبون حقيقة معاضدة الآداب لألفوا شركات برؤوس أموال كبيرة لإنشاء بضع صحف ومجلات تخدم الخدمة اللازمة ، ولا تسف إلى تناول ما يسد بعض عوزها من الحكومات أو من أفراد أو من أرباب المظاهر يعطون المجلات أو الجرائد ما تيسر حتى تسبح بحمدهم وتنشر محامدهم وصورهم فالجرائد والمجلات بذلت الجهد إذا في نشر الأفكار والتهذيب في الشام على قلة الوسائط ، وكان صوتها يسمع أكثر مما سمع لو بذلت الأمة العناية بتعهدها أكثر مما بذلت ، نعم كانت خير معلم وأجمل مدرسة للناس ، ترشدهم في جميع ما تشتد إليه حاجتهم من المعارف ، وتغرس في نفوسهم روحا وطنيا لا تقوم الأمم بغيره، وتلقن الجمهور على اختلاف نزعاته تربية سياسية صالحة في الجملة لأمة لم تستقر حالتها السياسية.

دخل منذ ثمانين سنة كثير من النبهاء في الصحافة ، ولكن المتوسطين الذين خاضوا غمارها كانوا أوفر عددا ، فأفسد المتوسطون عمل الذين كان يرجى من أقلامهم رفع مستوى المعارف. ومع كل الضعف الذي تجلت أعراضه في كل أدوار الصحافة الشامية كان منها أن علمت الناس ما لم يكونوا يعلمونه ، (٤ ـ ٦)

٨١

علمتهم أن وراء حياتهم المادية حياة معنوية. لا تبقي لهم مادياتهم بدون الأخذ بحظ وافر منها، علمتهم بسائط من التاريخ وحال الأمم وسياسات السياسيين وقوانين المشرعين واستعمار المستعمرين وتدليس المدلسين ، وأن أمتهم كانت شيئا مذكورا فيما مضى ، ولا حياة للأحفاد بدون الأخذ من سيرة الأجداد ، والاقتباس من المدنية الحديثة كل ما لا ينزع منهم مشخصاتهم ومقدساتهم ، وأصبح بعض العامة ممن أدمنوا تلاوة الصحف وتفهمها. أرقى عقلا من كثير ممن كانوا يسمونهم بالخاصة منذ مئة أو مئين من السنين. علمتهم أن لا قيام لأمرهم إلا بالقومية العربية ، وأن نغمة الدين وحدها لا تنجيهم مما هم فيه لأن التساهل بأمور الدنيا يذهب بالدين والدنيا معا. علمتهم أن الغرب لا يريد خيرا للشرق ، والشرق شرق والغرب غرب ، وأن الأقليات التي كانت تصرفها أوربا بحسب أميالها السياسية لا تعيش إلا بالاندماج في الأكثريات ، وتوحيد المقاصد الوطنية. وكل أمة تحكم برأي السواد الأعظم من أبنائها.

علم معظم الناس ، إلا أناسا مأخوذين بتعصبات مذهبية ونعرات طائفية ، أن الغرب لتحقيق أغراضه يفادي بكل من يمتون إليه بصلة من صلات القربى المذهبية ، وأن الاعتبار عنده للمصلحة كيفما كانت وكان السبيل إلى الحصول عليها ، وقاعدتهم كلهم الغاية تبرر الواسطة. ولقد عرفت الحكومات التي استولت على هذه الديار منذ نشأة الصحافة الشامية كيف تستفيد من هذه القوة ، فكانت تحتال في أول دور أن تشرّف صاحب الجريدة برتبة لها ووسام ، ومن خالف الصدع بأمرها تكسر قلمه وتشرده وتسجنه وتنزل عليه غضبها ، وقد تجلى ذلك في الثلث الأخير من الدور الحميدي ، فلما أعلن القانون الأساسي أخذ الأتراك الذين قبضوا بعده على زمام المملكة يتوسعون في هذا المبدإ مبدإ السير بقوة الصحافة إلى الغرض الذي يرمون إليه ، فصانعوا بعض أربابها وضحكوا من بعضهم بإكرامهم وإعطائهم مالا. ولما جاءت الحكومات المنتدبة وهي من أعرف الأمم بتأثير الصحافة في الأفكار لم تقصر في اتخاذ هذه النظرية على طريقة جمعت أيضا بين الرغبة والرهبة والعطاء والمنع. ولم تخل الشام في كل دور من أناس باعوا في خدمة صاحب القوة ضمائرهم. شأن كل أمة جديدة في الحياة السياسية ، ولكن ظهر ذلك جليا في صحافتنا لأن الدعاة للقوة ضعاف ،

٨٢

حتى في فهم ما انتدبو إليه ، فكانت تنكشف أعمالهم منذ أول يوم يسبحون بحمد من استهووهم.

وبعد فالصحافة العربية في الشام تحتاج إلى أربع أو خمس صحف وبضع مجلات على النمط العالي من نوعها في أمم الحضارة ، تصدر في أمهات حواضر الشام (القدس وبيروت ودمشق وحلب) وترجع في شؤونها إلى شركات منظمة تدير ماليتها ، أو أحزاب سياسية ثابتة تدير حركتها ، ويوكل أمرها إلى كفاة ينسجون فيها على أحسن منوال نسجته صحافة أوربا وأميركا ، ونحن لا نتطال إلى أن يكون للشام اليوم صحافة كصحافة بريطانيا العظمى بوفرة مادتها ، وصدق لهجتها لأمتها ، وسرعة تناولها الأخبار ، وتنويع أساليب التعليم والتفهيم ، بل نرجو أن تكون لنا صحافة متناسبة مع ماضينا وحاضرنا ، بحيث لا تكون الشام أحط من مصر في هذا الشأن على الأقل. الصحافة عنوان ارتقاء الأمة ، وليس ما يمنع من إبرازها في قوالب مقبولة لجميع الأذواق ، وهذا لا يتم إلا إذا وسدت أعباء الصحافة للعارفين.

قلنا في سنة ١٣٢٨ ه‍ (١٩١٠ م) من مقالة (المجلد السادس من مجلة المقتبس) : وقد رأينا هذا التهالك على إنشاء الصحف والمجلات حتى كان لنا منها نحو مئة صحيفة في هذا القطر الصغير ، نأسف لأكثرها على الورق الذي تطبع فيه والوقت الذي يصرف عليها، وهي خلو من الفوائد اللازمة ، ولو لا بضع جرائد ومجلات لا بأس بها في الجملة ، لقلنا إننا بعد اشتغال ستين سنة في الصحافة لا نزال في حالة ابتدائية ، قلنا : إن للنجاح في الأعمال أسبابا كثيرة ، منها ما هو مادي ومنها ما هو معنوي ، إذا اختل أحدها تعذر النهوض بالشق الآخر. وإنشاء الجرائد والمجلات لا يخرج عن هذا الحد المقرر. وهل في الأرض عمل لا يحتاج إلى علم وتجارب ومال واستعداد؟ ولطالما رأينا مصر في الثلاثين سنة الأخيرة ، والشام في عهدها الدستوري وغيرهما من الأقطار والأمصار التي يتكلم أهلها بالعربية ، تتجرأ على إصدار الصحف بدون حساب ولا روية ، وأدركنا العامة أجرأ من الخاصة على اقتحام هذا المركب الصعب ، وليس لديهم في الأغلب من وسائط النجاح كبير أمر ، فلا يلبث ما ينشئون أن يظهر إلى الوجود حتى يختفي اضطرارا لا اختيارا. وهذا هو السبب في تعدد الجرائد وقصر أعمارها واشمئزاز

٨٣

الناس منها ، إذ توهموها بما تمثل لهم من حال بعض من أقدموا عليها آلة للتكسب والتدجيل لا أداة للوعظ والإرشاد والتعليم.

«ما رأينا صناعة من الصناعات استسهل الناس أمرها كالصحافة ، فلم يعهد معلم في النجارة أو الحدادة أو البناء أو الهندسة يحترف هذه الحرف بدون سابق ممارسة ويتصدر للاعتياش منها وهو لا يعرف من أسرارها سرا ، ولكن فن الصحافة في هذه الديار الذي يتوقف النجاح فيه على أسباب كثيرة أهمها العلم والتجربة والمال ، قد رأينا أناسا من الأغمار يدّعونه بدون خشية وأكثرهم لا يعرفون قراءة الجرائد والمجلات دع تأليفها وإصدارها.

«كان جمهور الناس إلى عهد قريب يشارك الأطباء في طبهم ، فترى الكبير والصغير إذا عرض لهما مريض من خاصتهما ومعارفهما لا يتوقفان في وصف علاج يشفيه ، مدعين أن ذلك من مجرباتهما أو مجربات أصحابهما ، ولما كثر الأطباء واستنارت الأمة بعض الشيء خفت هذه العادة في التعدي على الأطباء في طبهم إلا عند الطبقة الجاهلة. أما الصحافة فيدخل فيها بالفعل أناس ليسوا منها وليست منهم ، ويصفون للأمة أدوية تقيها الأسواء والأرزاء ، ويعترضون على العالمين والحاكمين والسلاطين بلا خشية ولا حياء ، كأن طب الأرواح ليس أصعب من طب الأشباح ، أو كأن الصحافة من العلوم اللدنية لا الكسبية ، يتعلمها المرء بالذوق وتوحى إليه إيحاء.

«من أجل هذا احتقرت الأمة الصحافة لما رأت من ضعف بعض أدعيائها في أخلاقهم ومعارفهم وقد شانوا اسمها وعبثوا بجمالها ، تذرعا إلى مطمع ينالونه ، وصيت بالباطل يحصلونه ، ومقام عال ينزلونه. نعم لم نشهد العطار بيطارا ، ولا الإسكاف نجارا ، ولا الحطاب رساما ، ولا الفحام نظاما ، ولا الجوهري حجاما. ولكن شهدنا الفلاح صحافيا، والمتشدق مؤلفا ، والثرثار محاميا ، والمكثار خطيبا. كما نشهد الأغبياء قد يحاولون مجاراة الأذكياء ، والفقراء يقلدون الأغنياء.

«بيد أن سنن الفطرة التي لا تغالب ، ونظام هذا الكون البديع الذي قلما اختل. يعاقبان المعتدي على ما لا يعلم بما جنته يداه ، كما قيل في الأمثال الإفرنجية كل خطاء يحمل عقوبته فيه. وندر جدا في الناجحين من تيسر لهم الوصول إلى ما وصلوا إليه إلا باتخاذ الذرائع المنجحة ، ونسج حلل مجدهم بأيديهم.

٨٤

رأينا كثيرا ولا سيما في مصر والشام التصقوا بالصحافة وأنفقوا ثرواتهم في سبيلها فلم ينجحوا، ورجعوا بعد العناء الطويل وخسارة المال صفر الأيدي خائبين ، لأن مائدة العلم لا يجلس إليها طفيلي ، ولأن التمويه إن صعب في عمل فهو في الأعمال العلمية أصعب ...

«ولقد شاهدنا عيانا أن معظم الصحف التي كتب لها البقاء في هذين القطرين الشقيقين خاصة هي التي قام بأعبائها أناس متعلمون تخرجوا في الكتابة وتدربوا في السياسة وتذوقوا لماظة من العلوم التي لا يسع صاحب جريدة ومجلة جهلها. ومعظم من لم يخادنهم التوفيق أخفقوا لأسباب ناشئة من ضعفهم وقلة معارفهم في صناعة يلزمها ما يلزم لكل صانع من الأدوات إن لم نقل إنها تتوقف على أدوات أكثر. ولو كان قومنا يبالغون في انتقاء الرجال للأعمال ، لوضع في قانوننا بند يلزم كل من تصدّر لمعاناة صناعة القلم ، أن يمتحن في الفن الذي يخوض عبابه ، كما يمتحن المتطببون والصيادلة ، فإنشاء الصحف إن لم يكن أحق بالعناية من معرفة الأمراض والعلل والعقاقير ، فلا أقل من أن يكون على مستواها ، فكم من جاهل قتل نفسا زكية ، ومن صحافي جرع قراءه السم الزعاف ، على حين ينتظر منه الترياق النافع».

هذا ما قلناه ونزيد عليه أن الإخصاء أو الاختصاص العلة الأولى في نجاح الغرب في صحافته يجب أن يكون له في صحفنا المقام المحمود ، وفي اليوم الذي أصبحت فيه توسد في مصر أعمال الصحافة إلى أمثال هؤلاء من الحقوقيين والكتاب والسياسيين دخلت مصر في حياة جديدة ، وهذا قريب المنال على الشام التي كان لبعض أبنائها خدمة تشكر في تاريخ الآداب والصحافة. ومن أهم مجلاتنا التي تصدر في الشام «المشرق» «مجلة المجمع العلمي العربي» «المجلة الطبية» «مجلة المعهد الطبي» ومن المجلات المحتجبة «الرئيس» «الطبيب» «المقتبس» «الآثار» «الكلية» «الحارس» «الخدر» «المرأة الجديدة» ومن صحفنا اليومية «لسان الحال» «الأحرار» «القبس» «ألف باء» «فتى العرب» «الرأي العام» «البلاغ» «الاستقلال» «الجوائب» «فلسطين» «العهد الجديد» «البرق» «الأحوال» «النهار» «النضال» «الكفاح» «الأيام» إلى ما هنالك من جرائد أسبوعية ومنها الجدي والهزلي المصوّر وغير ذلك.

٨٥

وبعد فالواجب على الصحافي قبل كل شيء أن يحسن الكتابة العربية كأحسن منشئيها ، وأن يكون قادرا على النقل والاحتذاء من أفكار الغربيين ، أي عارفا بلغة أو لغتين من لغات السياسة والعلم ، وأن يكون ممن عانى البحث ملما بالقوانين الدينية والزمنية وتاريخ الأمة ولا سيما تاريخ هذا القطر عارفا الاقتصاد والاجتماع وحياة الأمم وتاريخها وثوراتها ونهضاتها ونقاباتها وألوان أحزابها وأوضاعها كل هذه المسائل أقل ما يجب للصحافي المشاركة التامة فيه. أما المباحث المالية والزراعة والتجارة والفنون والأدب والشعر والآثار والتاريخ وغيرها مما يجعل من الصحيفة مدرسة تامة الأدوات لإنارة الأفكار وبث الصحيح منها ، فيجب أن يوكل شأنها لأهل الإخصاء من العارفين بها. وبذلك يصح أن يقال إن لنا صحافة راقية ، وما دامت الصحيفة الواحدة ينشئها واحد أو اثنان أو ثلاثة على الأكثر ، تضطر الصحف إلى أن تكون ناقلة ضعيفة في مادتها وأخبارها وأفكارها وإذا زاد عليها خدمة غرض سياسي لا يحسن صاحبها التصرف فيه ، فهناك البلاء الذي يحول دون الرقيّ.

الطباعة والكتب :

لم يصل إلينا فن الطباعة الحديث أفضل اختراع تم في أوائل النصف الثاني من القرن الخامس عشر للميلاد ، إلا في القرن السابع عشر ، ومن أوائل الكتب العربية التي طبعت في رومية في القرن الخامس عشر الإنجيل الشريف وقانون ابن سينا ، وقام بتأسيس مطبعة في الشوير من لبنان عبد الله زاخر الراهب الماروني سنة (١١٤٥) وطبعت هذه المطبعة ٣٤ مؤلفا خلال ستين سنة وأكثرها ديني وهي مطبعة يدوية على الحجر ، وقد طبعت مطبعة الشوير المزامير سنة (١٦١٠ م) ، ودخلت الطباعة الاستانة سنة (١١٣٥ ه‍) وأول مطبعة أنشئت في بيروت مطبعة القديس جاورجيوس في أواسط القرن الثامن عشر ، بل إن فن الطباعة بهذه الحروف المتعارفة لم تثبت قدمه إلا بمجيء الإرساليات والرهبنات الدينية من الغربيين ، وإلى اليوم لا تزال المطبعتان العظيمتان في بيروت بل في الشام كله هما لتلك الجمعيات (الأميركانية أسست سنة ١٨٣٤ م واليسوعية ١٨٤٨ م) التي كان الغرض الأول منها نشر الكتب المقدسة والدعاية إلى إنجيل المسيح في هذا الشرق

٨٦

القريب بين أبناء العرب ، ثم خدمة التهذيب والثقافة الإنكليزية والفرنسية وبعد ذلك تعليم شيء من العربية. والكتب العلمية الحديثة التي ظهرت في هذه المطابع باللغة العربية شاهد عدل على أنه لا يتأتى نشر المبدإ الذي يريدونه قبل أن يخدموا القطر بلغته.

ربما بلغ عدد المطابع في الشام ثمانين مطبعة من أهمها المطبعة الأدبية في بيروت ، وقلّ جدا فيها المطابع التي طبعت الكتب النافعة ولاحظت نفع جمهور الناس قبل منفعتها الخاصة. طبعت قصصا معربة وأشعارا ودواوين قديمة وحديثة وكتبا دينية ورسائل علمية في المعارف العامة وقليلا من كتب العرب التي لا يزال ألوف منها محفوظا في خزائننا وخزائن الغرب مما يقبل الغريب على طبعه ويجود العناية به من حيث التصحيح والتعليق. ونحن قلما كتب لمطابعنا أن تتأسى بهم وتتعلم منهم. ولو لا ألوف من كتبنا طبعت في مصر والإستانة والهند وأوربا لما وجدنا بين أيدينا من تركة السلف الصالح ما فيه الغناء في العلوم والآداب القديمة ، ذلك لأن بعض من يرجى منهم خدمة الطباعة بنشر الكتب النافعة لا يجدون من يطبع لهم ما يريدون إحياءه من كتب القدماء ، أو ما يؤلفونه هم على النمط الحديث ، لأن الطابعين ينظرون إلى أرباحهم أولا ، وأرباحهم موقوفة على كثرة ما ينصرف من مطبوعاتهم ، والجمهور بالطبع كما هو في كل بلد لا يقبل على الجد إقباله على الهزل ، ولا يقدر أن المنفعة له في الصعب قبل السهل ، وأكبر الظن أن كثيرا من أرباب المطابع هم من العامة أو يقربون منهم في الفكر والتعلم.

ولقد شاهدنا أناسا من الغير على العلم طبعوا مصنفاتهم بأنفسهم فافتقروا إذ لم يعرفوا تصريفها ، والمؤلف غير التاجر ، ثم هم لم يجدوا في الأغنياء والحكومات من يناصرهم ولو بابتياع نسخ معدودة من كتبهم. ورأينا أناسا طبعوا كتبا سخيفة من تأليفهم فروّجوها هم أو أحبابهم بالتجبية والقحة فدرّت عليهم أرباحا لا يستهان بها. فلا عجب إذا أصبح الطابعون والمصنفون يهتمون لمنافعهم الخاصة ولو كان في الطابعين من يخاطرون بطبع كتب العلم والأدب التي لها قراء مخصوصون لزاد عدد الراغبين في المسائل الجدية أكثر من الآن ولارتفع ميزان العقل أكثر مما ارتفع.

نعم لم يطبع كثير من الكتب الخالدة سواء كانت للمعاصرين أو لمن قبلهم في عهد ارتقاء العلم في العرب ، وقل أن طبع كتاب بذاك الإتقان الذي تطبع

٨٧

به الكتب في أرض المدنية اللهم إلا في بضع مطابع لا يهتم أهلها ربحت أم خسرت لأنها لجماعات لا لأفراد. وما عدا عشرات من الكتب التي طبعها في بيروت خاصة علماء المشرقيات أو من أخذوا عنهم طرائقهم في الطبع والنشر. لم يكد يطبع في سائر مدن الشام كتاب يعد نموذجا في إتقانه ووضعه وتأليفه. وغاية ما نشروه كتب قصص وكتب مدارس ابتدائية أو أشعار أناس تهجموا على التأليف تهجما ، ولما يستعدوا له الاستعداد الكافي ، ولم يجوّدوا مصنفاتهم بإنضاجها بالبحث والتنقيب ، وإيراد الطريف من المباحث.

فالشام مقصر في هذا الشأن من وجوه كثيرة ، ولو لا مئات من المجلدات خلفها لنا أجدادنا ، وما زالت تطبعها مطبعة ليدن في هولاندة منذ أكثر من ثلاثة قرون بمعرفة أفاضل علماء المشرقيات في الغرب ، ولو لا ما طبعته جمعيات المستشرقين في ممالك أوربا وأميركا لفاتنا الوقوف على أمور كثيرة في مدنية العرب وتاريخهم ، وإلى اليوم لم تبلغ مصر على كثرة ما يطبع فيها من الكتب ، وبعضها باتقان زائد في الطبع ، كمطبوعات المطبعة الأميرية ودار الكتب المصرية ومطبعة جمعية التأليف والترجمة والنشر مبلغ مطبعة ليدن وليبسيك في الإجادة، ولا سيما في الفهارس والشروح والهوامش والأمانة في النقل الذي أصبحوا به قدوتنا وعنهم يجب أخذه

تأملنا مليا فيما تصدره المطابع من الكتب فرأيناها مصنفات هوائية موقتة إلا قليلا ، تخدم فكرا خاصا ولا يتوقع منها إلا الشهرة على الأغلب لا عموم الفائدة ، ومعظم من يعدونهم من المؤلفين هم في الحقيقة مترجمون ، ومنهم من لا يجيد الترجمة ، وكم من تأليف نظرت فيه فانقبضت نفسك مما في تضاعيفه من ضعف التأليف ورداءة الطبع. ومع هذا كان الناس يؤلفون على عهد النهضة الأدبية الأولى أي في أواخر القرن الماضي أكثر من اليوم ، ولقد تسربت روح التفرنج إلى طائفة ممن تلقنوا اللغات الأجنبية ، وغدوا لا يهتمون إلا بالأخذ من كتب اللغة التي يحسنونها من لغات الغرب ، وفي الغالب تكون الفرنسية أو الإنكليزية وقلما رأينا رجلا كفوءا من هؤلاء الذين لا يعتمدون على غير كتب الإفرنج أن نقل ، لمن حرموا معرفة اللغات الغربية من بني قومه ، موضوعا نافعا لهم في اجتماعهم وصناعتهم وتمدنهم ، لأن الأثرة زادت بزيادة المدنية.

٨٨

وقد زاد في رداءة التآليف المطبوعة كون المؤلفين ، ومنهم الوسط في علمه وتأليفه ، يخافون نقد الناقدين عليها ، وكون بعض الصحف والمجلات تصانع في الأكثر هؤلاء الذين وضعوا أنفسهم موضع المؤلفين ، وتدهن دهانا عجيبا لمن كان من أهل دين صاحب الجريدة والمجلة أو على مشربه السياسي!. أو يكون ممن يتوقع منه أن يكتب له ذات يوم مقالة أو يعاونه أدنى معاونة مادية. ولذلك استشرى الفساد وظن كل من طبع شيئا أنه خدم الأمة خدمة صالحة. والنقد الذي هو من أهم الذرائع في السير نحو الكمال إلى بحابح المدنية مما لا يؤبه له ، وربما تعرض صاحبه لمقت هؤلاء الطابعين والمؤلفين. قسم السيد أسعد داغر من يعرضون في سوق الأدب بضاعتهم من ترجمة وتأليف وتصنيف إلى فريقين فريق المحترفين وفريق الهواة ، فالمحترفون هم الذين يعملون بالقلم ليتقوا شر المتربة ، ويعيشوا من شق تلك القصبة ، والهواة هم الذين يشتغلون بالعلم والأدب لأن لهم فيهما حفاوة صحيحة مجردة عن المآرب ، ورغبة حقيقية منزهة عن حب الأرباح والمكاسب ، ومعظم هؤلاء هواة كانوا أم محترفين يشق عليهم أن تنقد كتبهم ومؤلفاتهم وينظرون إلى الانتقاد والمنتقد بعين الشانئ الكاشح.

ليس في كل ما طبعته المطابع الشامية منذ النصف الأول من القرن التاسع عشر ، وهو عصر النهضة عندنا ، سوى كتب قليلة تستحق العناية وتستوقف القارئ للأخذ منها مثل كتب محمد عابدين ، أحمد فارس ، فانديك ، ورتپات ، پوست ، پورتر ، لامنس ، شيخو ، مشاقة ، إبراهيم اليازجي ، إبراهيم الحوراني ، طاهر الجزائري ، عبد الرحمن الكواكبي، سعيد الشرتوني جمال الدين القاسمي ، رفيق العظم ، شبلي شميل ، شكيب أرسلان ، نجيب الحداد ، يعقوب صروف ، عيسى المعلوف ، إسعاف النشاشيبي ، إبراهيم الأحدب ، يوسف الأسير ، بطرس وسليمان وعبد الله البستاني ، أحمد حمدي الخياط ، مرشد خاطر ، جميل الخاني ، شفيق جبري ، سليم الجندي ، خليل مردم بك ، أمين الريحاني ، خليل سعادة وأضرابهم ممن أبرزوا تآليف منقحة ، وفي بعضها إبداع وإيجاد ، وذلك لأنهم هضموا العلوم التي عرفوا بها ، وجاءوا بالجديد ، وفيها أفكار علمية أو مدنية أو دينية صحيحة.

٨٩

الفنون الجميلة

تعريف الفنون الجميلة :

الفنون الجميلة أو الصنائع النفيسة ، وأسماها بعضهم نواضر الفنون وقيل إن العرب أطلقوا عليها اسم «الآداب الرفيعة» هي الصنائع التي من شأنها إدخال السرور بجمالها وجلالها على النفوس البشرية ، وتربي ملكة الذوق والشعور ، وهي سبعة أقسام : الموسيقى ، الغناء ، التصوير ، النقش ، البناء ، الشعر والفصاحة ، الرقص. وأرجعها بعضهم إلى ثلاثة فروع فقط : التصوير والشعر والموسيقى.

ولقد كان لهذه الديار حظ كبير من هذه الفنون بقدر ما ساعدتها بقعتها وطاقتها ، وربما تم فيها أشياء لم تصلنا أخبارها ، أما الدول التي تعاقبت على الشام بعد الإسلام ، فإن ما وصلنا من أنباء هذه الفنون فيها قد تعرّض له كاتبوه بالعرض كأن يكون المشتغل بالموسيقى أو التصوير مثلا ذا مشاركة في فنون أخرى من أدب وشعر ، وطب وفلك ، وحديث وفقه ، أو أن القوم دوّنوا عامة سير الموسيقيين والمغنين والمصورين والنقاشين مثلا فضاع ما دونوه في جملة ما ضاع من أخبار حضارتنا.

الموسيقى والغناء :

نشأت الموسيقى مع البشر ولازمتهم في جميع ما عرف من أدوارهم في حياتهم الخاصة والعامة ، وفي مظاهر سلمهم وحربهم ، وسعادتهم وشقائهم ، وأفراحهم وأتراحهم ، وسفرهم وحضرهم ، وتعبهم وراحتهم ، ودينهم ودنياهم والمرء من طبعه أن لا يستغني عن رفع صوته ، ليطرب نفسه وجليسه ، وقلبه

٩٠

يصبو بالفطرة إلى سماع أوتار تهزه وتطربه. فالموسيقى تجمع الحواس وتنشط لها النفوس ، وبها يجسر الجبان ، ويعطف اللئيم ، ويرقّ الكثيف ، ويلين القاسي ويقوى الضعيف ، ويكف الظالم ، ويعتدل المائل ، فهي مدعاة السرور ، مجلبة الطرب ، مسلاة الحزين ، مفرّجة الكروب ، مهوّنة الخطوب ، عنوان الحياة الداخلية ، مظهر الأخلاق القومية ، مصورة الانفعالات النفسية ، أصدق عامل على التحمس ، أقوى دافع إلى النهوض والتحسس ، معلمة أنفع الدروس الشريفة مذكرة بالمطالب العالية ، فيها يتجلى العقل البشري بإشارات وحركات ، تعمل عملها في الأفئدة والوجدانات.

ولقد ثبت أن العنصر السامي من أكثر العناصر ولوعا بالطرب والخيال ، وقيل : إن الحثيين من أقدم شعوب الشام كانوا أقل عناية بالموسيقى والغناء من جيرانهم البابليين والأشوريين والآراميين ، ومع هذا كان لهم من الغناء ما ابتدعوه بفطرتهم ، ومنه ما أخذوه من مجاوريهم. وكان الآراميون مولعين بالغناء والضرب بالإيقاع على آلات لهم يبوّقون بها ويزمرون، ويطرّبون بها فيطربون ، وهي بالطبع على حالة ابتدائية على مثال الشعوب التي سبقتهم إلى سكنى هذا القطر. ومثل هذا يقال في الفينيقيين الذين اقتبسوا مدنية الفراعنة ، وهم من أصل سامى ، فإنهم كانوا يعرفون الموسيقى ، ومنها ما نقلوه عن المصريين لتمازج مدنية السلائل المصرية بمدنية فينيقية الصغيرة ، وإذ كان للمصريين عناية فائقة في معابدهم بالموسيقى على ما ظهر من تماثيلهم التي مثلت بها الضاربين والمغنين ، تعلم جيرانهم أهل فينيقية بعض هذه العناية ، ولكن على طريقة الاحتذاء لا إبداع فيها ، ويقال ذلك في الكنعانيين والإسرائيليين فقد أولعوا بها وظهرت آثارها في معابدهم وبيعهم ، وأمام أربابهم ومعبوداتهم ، وفي حروبهم وغاراتهم وأعيادهم ومآتمهم واجتماعاتهم ، على ما فهم من نصوص التوراة. ومزامير داود مشهورة مذكورة ، والآلات التي اشتهرت عند الشعوب القديمة وعانت استعمالها ، ترجع في الأكثر إلى شبابة وبوق وصنج وطبل ودف.

ولقد دلت بعض النقوش التي عثر عليها في وادي موسى وجرش وتدمر أن العمالقة والنبط والعرب لم يكونوا أقل من الشعوب التي سبقتهم إلى نزول هذه الديار ولوعا بالتلحين والإيقاع والضرب على القيثار والنفخ بالمزمار ، وقد

٩١

نقل اليونان والرومان إلى هذا القطر موسيقاهم وأصول غنائهم على الأرجح كما نقلوا أربابهم، واقتبسوا أربابا مع أربابهم ، وإذ طال عهد دولتيهم كثيرا تأصلت موسيقاهم ، وثبتت مصطلحاتهم ، وربما نقلوا بعض مصطلح الأمة التي حكموا عليها في غنائها وموسيقاها. ولما انتشرت النصرانية في الشام في القرن الثالث للميلاد عني منتحلوها بالموسيقى في كنائسهم عناية اليهود بها من قبل في بيعهم ، وإذ اقتبست النصرانية كثيرا من عادات الروم ومصطلحاتهم لم تقصر في اقتباس الموسيقى والتلحين والغناء لثبوت فوائدها الروحية.

ولما جلت بعض القبائل العربية إلى الشام يوم سيل العرم وقبله وبعده ، حملت معها ما ألفت أن تفزع إليه من اللحون ، وتضرب عليه من الآلات ، حتى إذا كان الإسلام ، وكانت مدنية الفاتحين إلى السذاجة والفطرة ، وكان غناؤهم لا يتعدى الحداء والإنشاد يوم الغارة والحفل ، وفي ظل الخيام والآطام ، أخذت موسيقاهم تقتبس من الموسيقى الشامية الرومية كما تقتبس من الموسيقى الفارسية. وقال بعض العارفين : كان اقتباسها من الموسيقى الفارسية فقط. وزعم بعضهم أن أخذها كان من الرومية أكثر. ولا يعقل أن يتأخر العرب في نقل الموسيقى إلى القرن الأول للهجرة واستعدادهم لها كاستعدادهم لغيرها من الفنون ، ولهم من فطرتهم ومناخ أرضهم أعظم دافع للولوع بها ، وهم المعروفون بحب الارتحال وكانت لهم صلات مع جيرانهم من الأمم الأخرى منذ الزمن الأطول «ولم تكن أمة من الأمم بعد فارس والروم أولع بالملاهي والطرب من العرب».

ومع هذا فنحن مضطرون أن نشايع القائلين بأن أول من غنى هذا الغناء العربي بمكة ابن مسجح ، نقل غناء الفرس إلى غناء العرب ، ثم كثر الموالي من الفرس فكانوا يتعلمون في مكة والمدينة ، ومنها ينتقلون إلى الشام والعراق ومصر وغيرها من الأصقاع التي استظلت براية الإسلام. وفي الأغاني أن سعيد ابن مسجح أبو عثمان مولى بني جمح وقيل إنه مولى بني نوفل بن الحارث بن عبد المطلب ، مكي أسود مغن متقدم ، من فحول المغنين وأكابرهم ، هو أول من وضع الغناء منهم ، ونقل غناء الفرس إلى غناء العرب ، ثم رحل إلى الشام ، وأخذ ألحان الروم.

وقيل : إن أول من أخرج الغناء العربي جرادة ، جارية ابن جدعان وفيه نظر

٩٢

فإن الغناء معهود من عهد عاد ، حتى كان من جملة مغنياتهم الجرادتان اللتان يضرب بهما المثل فيقال غنته الجرادتان. وكان النضر بن الحارث بن كلدة أول من ضرب على العود أخذه عن الفرس وعلمه أهل مكة فانتشر في الحجاز وكان يتغنى أيضا.

وفي القصة التي ساقها صاحب الأغاني في الدعوة التي دعي إليها حسان بن ثابت في آل نبيط وقد أتوا بجاريتين إحداهما رائقة والأخرى عزة فجلستا وأخذتا مزهريهما وضربتا ضربا عجيبا وغنتا بقول حسان :

انظر خليلي بباب جلق هل

تبصر دون البلقاء من أحد

ورواية حسان نفسه أنه كان في الجاهلية مع جبلة بن الأيهم ، وقد رأى عنده عشر قيان : خمس يغنين بالرومية بالبرابط (الأعواد) وخمس يغنين غناء أهل الحيرة ، أهداهن إليه إياس بن قبيصة وكان يفد إليه من يغنيه من العرب من مكة وغيرها. في ذلك كله إشارة إلى أن الغناء العربي في الشام أقدم من الإسلام.

موسيقى كل أمة ملازمة لها كروحها ، وهي مظهر من مظاهر حياتها ، فلا يعقل أن تخلو أمة من روح حتى تجيء أمة أخرى فتقبسها روحها. ولكن الأمة إذا اختلطت بأخرى ، وكان عند الثانية فضل على الأولى في شيء ، وفي الثانية طبيعة الاقتباس ومرونة على الاحتذاء والتشبه ، قد تحمل الأولى إلى الثانية ما ينمي فيها ذاك الروح فتعدله على أسلوبها ومناحيها.

ولقد زعم بعضهم أن الإسلام لم يحلّ الموسيقى محلها اللائق بها ، وادعى بعضهم أنه حرمها ، فكان الحظر أسهل من الإطلاق في نظرهم ، بيد أن الإسلام وهو دين الفطرة لا يخرج عن حد قيود العقل ، إلا أنه لا يقول بالإفراط في شيء حتى ولا بالعبادة ، لأنه يكون قد دعا إذ ذاك إلى البطالة واللهو ، وهما مخالفان للشرع ، وبذلك تكون الموسيقى وبالا على من يأخذ نفسه بها ، ومصيبة على من ينصرف إلى سماعها ، ولو صح ما قالوا فلماذا رأينا جلّة من الصحابة والتابعين لحنوا وتغنوا ، وسمعوا الألحان وطربوا لها ، ولو لم يجزها الشارع الأعظم في أوقات معينة وحوادث وقعت ، هل كان يجرأ أحد من أصحابه ومن بعدهم على الجلوس في مجالس الطرب ، والدين غض والعهد بصاحبه غير بعيد ، قال عبد الله بن قيس : كنت فيمن يلقى عمر مع أبي عبيدة مقدمه الشام ، فبينما عمر يسير إذ لقيه المقلّسون من أهل أذرعات بالسيوف والرّيحان فقال عمر :

٩٣

امنعوهم فقال أبو عبيدة : يا أمير المؤمنين هذه سنتهم ، أو كلمة نحوها ، وإنك إن منعتهم منها يروا أن في نفسك نقضا لعهدهم فقال : دعوهم. والتقليس الضرب بالدف والغناء واستقبال الولاة عند قدومهم المصر بأصناف اللهو. وقيل المقلس هو الذي يلبس القالس أو القلنسوة وهي أشبه بقبعات الروم.

ولما استقر الملك لأمية في الشام ودخلت الحضارة كان في جملة ما دخل إليه الغناء على صورة لا خنا فيها ولا تبذل ، ولقد روى المبرّد أن معاوية استمع على يزيد ذات ليلة فسمع من عنده غناء أعجبه ، فلما أصبح قال ليزيد : من كان ملهيك البارحة فقال له يزيد: ذاك سائب خاثر ، قال : إذا فأخثر له من العطاء. وقالوا : إن معاوية قال لما دخل على ابن جعفر يعوده فوجده مفيقا وعنده جارية وفي حجرها عود : ما هذا يا ابن جعفر؟ فقال: هذه جارية أروّيها رقيق الشعر فتزيده حسنا بحسن نغمتها قال : فلتقل ، فحركت عودها وغنت وكان معاوية قد خضب.

أليس عندك شكر للذي جعلت

ما ابيض من قادمات الريش كالحمم

وجددت منك ما قد كان أخلقه

ريب الزمان وصرف الدهر والقدم

فحرك معاوية رجله فقال له ابن جعفر : لم حركت رجلك يا أمير المؤمنين قال : كل كريم طروب.

ورأينا بعض خلفاء بني أمية في دمشق وأمراءهم وساداتهم ، يضعون ألحانا ويسمعون الغناء ويولعون بالموسيقى ، ويجيزون أربابها ويواسونهم من غير نكير : ومنهم عمر بن عبد العزيز ، وناهيك به من كامل ، في جميع الفضائل. فقد دوّنت له صنعة في الغناء أيام إمارته على الحجاز سبعة ألحان يذكر سعاد فيها ، وكان أحسن خلق الله صوتا. قال أبو الفرج : وأما الألحان التي صنعها فهي محكمة لا يقدر على مثلها إلا من طالت دربته بالصنعة وحذق في الغناء. وممن صنع في شعره غناء يزيد بن عبد الملك الأموي وممن غنى وله أصوات صنعها مشهور وكان يضرب بالعود ويوقع بالطبل ويمشي بالدف على مذهب أهل الحجاز ، الوليد بن يزيد. وقد ذكروا أنه كان للخلفاء من بني العباس غناء ، ومنهم من كان يضرب بالعود ، ومن خلفاء العباسيين السفاح والمنصور والواثق وابن المعتز والمعتضد وكثير غيرهم من أبناء الخلفاء ، دع سائر الطبقات من أهل

٩٤

الرفاهية والسعة ، ممن كانوا في كل زمان ينشطون إلى سماع الأغاني ، ويبرون الرجال والنساء من أرباب الموسيقى والغناء ، ويغالون بابتياع الجواري اللائي حذقن الغناء ، وبرعن في الموسيقى وشدون شيئا من الأدب.

وكانت تغلو في العادة قيمة مثل هذه الطبقة من الجواري. والسواذج منهن أي غير المثقفات دون من عني أولياؤهن بثقافتهن في الرتبة والقيمة مهما بلغ من جمالهن ، والموسيقى والشعر في مقدمة ما كان يطلب منهن. وذكر المسعودي أن كثيرا من الجواري اشتهرن بالغناء بالمدينة ، وكان يقصدهن بعض الناس من بغداد ، وربما وافى الواحدة وجوه أهل المدينة من قريش والأنصار وغيرهما ، ومنهن القارئة القوّالة ، ولم تكن محبة القوم إذ ذاك لريبة ولا فاحشة. وكان لبعض الموسيقيين والموسيقيات والمغنين والمغنيات من أرباب النباهة والفضل ، يد في إصلاح بعض الأحوال وتخفيف النوازل عند العظماء ، ولطالما ارتجلوا ألحانا وأبياتا ظاهرها طرب وغرام وسلوى ، وباطنها وعظ وعبرة وتعريض ، ذلك لأن الموسيقى عندهم كانت على الأغلب مرافقة للشعر والأدب ، وكم من شاعر تدفقت الحكمة على قلبه ، وجاش بها صدره ، فهذّب نفسا بل نفوسا بأبيات يقولها.

جاء أبو النصر الفارابي الفيلسوف إلى الشام على عهد سيف الدولة بن حمدان فأدهشه ومن عنده من الموسيقيين على إتقانهم لها ، وأقام في دمشق ومات فيها ، قال ابن أبي أصيبعة : إن الفارابي المعلم الثاني وصل في علم صناعة الموسيقى وعملها إلى غاياتها ، وأتقنها إتقانا لا مزيد عليه ، وإنه صنع آلة غريبة يسمع عنها ألحانا بديعة ، يحرّك بها الانفعالات ، ويحكى أن القانون الذي كان يضرب عليه للطرب هو من وضعه ، وأنه كان أول من ركّب هذه الآلة تركيبها المعهود اليوم. وقد ذكر المؤرخون من تنافس سيف الدولة بن حمدان مع الوزير المهلبي للاستئثار بمغنية أديبة مشهورة اسمها الجيداء ما يدلّ على ولوع القوم بالموسيقى ، وكان لجيداء في مجالس سيف الدولة من ارتجال الألحان والأدب البارع ما اشتهر أمره ، وفي عصره اشتهرت في انطاكية المغنية المشهورة «بنت يحنا».

ولم تبرح الشام تخرج من رجال الموسيقى والغناء رجالا كانوا بهجة

٩٥

عصورهم ، ومنهم أبو المجد بن أبي الحكم من الحكماء المشهورين من أهل القرن السادس ، كان يعرف الموسيقى ويلعب بالعود ، ويجيد الإيقاع والغناء والزمر وسائر الآلات ، عمل أرغنا وبالغ في إتقانه (١) وحاول أيضا عمل الأرغن واللعب به أبو زكريا يحيى البياسي من أطباء الناصر صلاح الدين.

وكان من البارعين في هذا الفن من العلماء قسطا بن لوقا البعلبكي وعبد المؤمن بن فاخر ونجم الدين بن المنفاخ المعروف بابن العالمة وفخر الدين الساعاتي. وكان رشيد الدين بن خليفة أعرف أهل زمانه بالموسيقى واللعب بالعود ، وأطيبهم صوتا ونغمة حتى إنه شوهد من تأثير الأنفس عند سماعه مثل ما يحكى عن أبي نصر الفارابي ، فكثر إعجاب المعظم به جدا وحظي عنده. ومنهم علم الدين قيصر أخذ الموسيقى عن الفيلسوف كمال الدين بن يونس في الموصل.

وكان أحمد بن صدقة طنبوريا مقدما حاذقا حسن الغناء ومحكم الصنعة ، وكان ينزل في الشام فاستدعاه المتوكل إلى بغداد وأجزل صلته. وكان خلفاء بني العباس كلما سمعوا بنابغة في هذا الفن حملوه من القاصية وأغدقوا عليه الهبات ذكرا كان أم أنثى ، ولهم في ذلك نوادر إن لم تصحّ كلها ففي بعضها إشارة إلى ما كانوا فيه من حب هذا الفنّ.

ومنهم الجمال البستي كان يلعب بالجغانة (الأصل الصغانة وهي القيثارة) ولي خطابة جامع التوبة بدمشق على عهد الملك الأشرف ، فلما توفي تولى موضعه العماد الواسطي الواعظ وكان يتهم باستعمال الشراب ، وصاحب دمشق يومئذ الصالح عماد الدين إسماعيل. فكتب إليه عبد الرحيم المعروف بابن زويتينية الرحبي أبياتا ، يعرّض بها بالرجلين ويرجو أن يعاد جامع التوبة إلى ما كان عليه محله من قبل ، وهو خان للفسق والفجور ، لأن حظه حتى بعد أن صار جامعا أن يتولاه موسيقار ، وشرّيب عقار ، فقال :

__________________

(١) الأرغانون آلة لليونانيين والروم تعمل من ثلاثة زقاق كبار من جلود الجواميس يضم بعضها إلى بعض ، ويركب على رأس الزق الأوسط زق كبير ثم يركب على هذا الزق أنابيب صفر لها قصب على نسب معلومة ، يخرج منها أصوات طبيعية مطربة مشجية على ما يريد المستعمل (الخوارزمي).

٩٦

يا مليكا أوضح الحقّ

لدينا وأبانه

جامع التوبة قد

قلّدني منه أمانه

قال قل للملك الصا

لح أعلى الله شانه

يا عماد الدين يا من

حمد الناس زمانه

كم إلى كم أنا في ضّر

وبؤس وإهانه

لي خطيب واسطي

بعشق الشرب ديانه

والذي قد كان من قب

ل يغني بجغانه

فكما نحن فما زل

نا ولا أبرح حانه

ردّني للنمط الأوّ

ل واستبق ضمانه

وكان محمد بن علي الدهان المتوفى سنة ٧٣١ شاعرا موسيقيا ملحنا قانونيا دهانا ، وكان الكمال القانوني من المشهورين في عصره بقانونه ، وصفه عبد الرحمن بن المسجف (٦٣٥) الدمشقي فقال :

لو كنت عاينت الكمال وجسّه

أوتار قانون له في المجلس

لرأيت مفتاح السرور بكفه ال

يسرى وفي اليمنى حياة الأنفس

وذكر ابن حجر في أخبار سنة (٧٧٩) أن دنيا بنت الاقباعي المغنية الدمشقية اشتهرت بالتقدم في صناعتها ، فاستدعاها الناصر حسن على البريد إلى مصر فأكرمها ، ثم وفدت على الأشرف فحظيت عنده ، وهي كانت من أعظم الأسباب في إسقاط مكس المغاني ، سألت السلطان في ذلك فأجابها إليه ، واستمر إبطاله في الدولة. واشتهرت في القرن الثامن بدمشق فرحة بنت المخايلة المغنية كما اشتهرت المغنية المعروفة بالحضرمية وهي التي كانت مع عرب آل مرا يوم وافوا دمشق لحرب التتر في زهاء أربعة آلاف فارس ، فكانت تغنيهم من الهودج سافرة وكانوا يرقصون بتراقص المهاري وتقول :

وكنا حسبنا كل بيضاء شحمة

ليالي لاقينا جذاما وحميرا

ولما لقينا عصبة تغلبية

يقودون جردا للمنية ضمّرا

(٤ ـ ٧)

٩٧

فلما قرعنا النبع بالنبع بعضه

ببعض أبت عيدانه أن تكسرا

سقيناهم كأسا سقونا بمثله

ولكنهم كانوا على الموت أصبرا

ومنذ الزمن الأطول إلى أيامنا ما خلت الشام من عوادة وطنبورية وكراعة وربابية وصناجة ورقاصة وزفانة. ولم يخل عصر بعد زهو الشام على عهد الأمويين والعباسيين ومن بعدهم من المماليك وغيرهم من مبرزين في الغناء والموسيقى. واشتهر في دمشق بضرب القانون وكان أستاذا فيه أحمد التلعفري (٨١٣) كان كاتب المنسوب. ومن النابهين ابن القاطر الدمشقي من أهل القرن الحادي عشر كانت له شهرة عند أرباب هذا الفن فإذا حضروا معه مجلسا عظّموه وتراخوا في العمل حتى يشير إليهم ، ذكر ذلك المحبي وترجم له ولرجب بن علوان الحموي وقال : إن هذا كان يعرف الموسيقى على اختلاف أنواعها وهو أعرف من أدركه وسمع به ، وله أغان صنعها على طريقة أساتذة هذا الفن. ومنهم برسلوم الحلبي رئيس أطباء الدولة العثمانية ونديم السلطان محمد بن إبراهيم كان حسن الصوت عارفا بالموسيقى. واشتهرت أسرة بني فرفور في القرنين الماضيين بدمشق بالشعر والآداب وقد أخرجت رجلين من أبنائها عارفين بالموسيقى وهما جمال الدين وعبد الرحمن.

وفي تراجم أهل الغناء الذي كتبه الكنجي المتوفى سنة ١١٥٠ ه‍ ترجمة ستة وعشرين مغنيا من معاصريه في دمشق وفيهم المؤذن والمنشد في الأذكار والمغني على الآلات الموسيقية، مما يدل على الإقبال على الموسيقى حتى في أعصر الظلمات فإذا كانوا في عصره على هذا القدر في دمشق فقط فكم كان في حلب وغيرها من المدن ، وحلب مشهورة من القديم بغرام أبنائها بالموسيقى منذ عهد سيف الدولة بن حمدان ، دع الموسيقيات والمغنيات ممن غفل المؤرخون عن ذكرهم أمثال علوة محبوبة البحتري في حلب التي ذكرها كثيرا في شعره الخالد.

ومن الموسيقيين من كانوا يمارسون الموسيقى للتكسب وهم المحترفون ، ومنهم من كان يخدم هذا الفن المهمّ حبا به وهم الهواة ، ومن هؤلاء طبقة من الرجال والنساء لا يستهان بها ولكنها كانت ولا زالت متكتمة ، ومنهم من تستعمل من الموسيقى أو تسمع منها ما لا يعبث بوقارها إن كانت من أرباب

٩٨

المظاهر الدينية أو الدنيوية مخافة أن ترمى بما يثلم الشرف ، لأن بعض الفقهاء شددوا على الغناء والموسيقى ، وكان بعضهم يعد ساقطا من العدالة كل من يغني بأجرة من الموسيقيين والمغنين ، ويتسامحون مع من يغني في جماعة من أصحابه ، ويعدون الغناء فنا يفقر صاحبه ، وجاء في الأمة مثل شيخ الإسلام عبد العزيز ابن عبد السلام (٦٦٠) وكان على نسكه وورعه يحضر السماع ويرقص ويتواجد والناس تقول في المثل «ما أنت إلا من العوام ولو كنت ابن عبد السلام». وصناعة الغناء كما قال ابن خلدون : آخر ما يحصل في العمران من الصنائع لأنها كمالية ، وأول ما ينقطع من العمران عند اختلاله وتراجعه.

ولقد أدركنا وأدرك أجدادنا أن الشام كلها كانت لا تخلو معظم طبقاتها من موسيقيين ، وكل مجلس من مجالسهم أو سهرة من سهراتهم ، أو نزهة من نزهاتهم ، كانت تضم أناسا أتقنوا هذا الفن حتى صار لهم ملكة ، فكان السرور يملأ القصور والدور ، والموسيقى والإنشاد من الأمور المألوفة لا يستغنى عنها بحال ، أما في القرى والبوادي فكان لهم الغناء والحداء ، وضرب الرباب والقيثارة والمزمار والدف والكوبة ، أي أن لهم ما يطرب آذانهم وترتاح إليه أرواحهم وتسهل معاناته وممارسته ، ومن مشاهير الموسيقيين في النصف الأول من القرن الماضي محمد السؤالاتي الدمشقي أخذ عنه أرباب الموسيقى في عصره من المصريين والشاميين ذكره في سفينة الملك.

ومن أهل المظاهر الذين عرفوا بالموسيقى في أوائل هذا القرن الشيخ أبو الهدى الصيادي من حلب وعبد الرزاق البيطار من دمشق وكانا من أساتذة هذا الفن الجليل ، ومنهم من عنوا بالموسيقى فبرزوا فيها من أبناء هذه الديار مثل محمود الكحال. أحمد السفرجلاني. علي حبيب. عمر الجراح. عبد القادر الحفني. محيي الدين كرد علي. سامي الشوا. رحمون الحلبي. توفيق الصباغ. علي الدرويش. باسيل الحجار. محمد الشاويش. نجيب زين الدين. مصطفى سليمان بك. شفيق شبيب. محمد علي الأسطه. رضا الجوخدار. مصطفى الصواف حمدي ملص. رجب خلقي. يوسف الزركلي. محمد الأنصاري ، محمد محمود الأتاسي. ميشل الله ويردي. مدحت الشربجي. اليكسي بطرس. اليان نعمة. إسكندر معلوف. بولس صلبان. نصوح الكيلاني. تحسين يوقلمه جي. عباد الحلو. طلعت شيخ الأرض. حسن التغلبي. جميل البربير ، أحمد التنير. أمين

٩٩

النقيب. محيي الدين بعيون. وديع صبرا. عزت الصلاح. قسطندي الخوري. أحمد الشيخ. محمد الجراح. إبراهيم شامية. فريد الأطرش. وغيرهم ممن جعلوا الموسيقى حرفة أو للتسلية في خلواتهم ومنهم من كانوا صلة بين الموسيقى القديمة والموسيقى الجديدة. ومن المنشدات المطربات فريدة مخيش. رمزية. جمعة. خيرية السقا. نادرة. سارينا. فيروز. أسمهان الأطرش. ماري جبران. ماري عكاوي. لور دكاش.

ولقد أنبغت بيروت وحلب كثيرين من المغنين والغالب أن في هاتين المدينتين خاصية حسن الصوت. سألت صديقنا الشيخ كامل الغزي من أساتذة حلب عن المغنين والموسيقيين في بلده فكتب لي رسالة قال فيها :

إن حلب لا تخلو في أكثر أوقاتها من الشداة والمترنمين الذين يعدون بالمئات ويعرف عند الحلبيين من يأخذ على غنائه أجرة باسم ابن الفن ، ومن رجال أواسط القرن الماضي مصطفى يشبك ، فتح ناديا لممارسة الفنون الموسيقية دعاه بقاعة بيت مشمشان ، كان يختلف إليه في أوقات معينة كثير من المولعين بالموسيقى ليتلقوها عن أستاذها. وما زال الحلبيون يضربون المثل بالمكان الذي تتوفر فيه دواعي الطرب فيقولون : (ولا قاعة بيت مشمشان). ومن رجال أواسط القرن الماضي عبد الله البويضاتي ومن رجال القرن الماضي وأوائل القرن الحالي محمد بن عبده. إسماعيل السيخ. جبرا الأكشر. آجق باش. طاهر النقش. محمد الوراق. الدرويش صالح قصير الذيل. محمد غزال. باسيل حجار. أحمد سالم. أحمد بن عقيل. وممن أخذ عن هذا بعض فصول الرقص المعروف بالسماح السيد أحمد أبو خليل القباني الممثل الموسيقار الدمشقي والسيد عبده الحمولي المطرب المصري وهما من المشاهير. ومن تلامذته امرأة قنصل إيطاليا في حلب كانت تقول إن السيد أحمد بن عقيل يقل نظيره في هذا الفن حتى في أوربا قال : ومن الأحياء في حلب عبده بن محمد عبده وشرف الدين المعري ومن قينات القرن الماضي وأوائل القرن الحالي الحاجة عائشة المسلمينية.

وقال : إن العود المعروف بالبربط لم يكن معروفا في حلب في القرن الماضي حتى جاء حلب سنة (١٢٩٣ ه‍) رجل من أهل دمشق اسمه سعيد الشامي فأخذ

١٠٠