خطط الشام - ج ٤

محمّد كرد علي

خطط الشام - ج ٤

المؤلف:

محمّد كرد علي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: مكتبة النوري
الطبعة: ٢
الصفحات: ٢٧٦

في البقاع وغيره من المعادن في الشام. فأضر إهمال الحمّر بأرباب الكروم فتصاعدت أثمانه وهو يستعمل كل سنة عند تأبيرها فلحقته الدودة من أجل ذلك وقلت مداخيله. وفي التاس بين حمص وتدمر معدن للحمر يكاد يوازي معدن حاصبيا بصفائه. وفي المقارن بين درعا وسمخ مناجم كلس ممزوج بحمر ، وكذلك في أرباض تدمر وفي الصلت ووادي اليرموك. قال المقدسي : إن في الشام جبال حمر يسمى ترابها الصمغة وهو تراب رخو وجبال بيض تسمى الحوارة فيه أدنى صلابة يبيض به السقوف ويطين به السطوح. ومعدن الحديد كثير في قضض لبنان وأتربته ، وعلى سطح الجبال وبطون الأودية ، لا سيما في أرجاء البترون وكسروان والمتن وفي قرية دومة وبيت شباب وفي عكار ومشغرة والفرزل ومجاري الأنهار مثل نهر الكلب ونهر إبراهيم. ومن هنا كانت تؤخذ مواد المسابك لمعامل الحديد التي كانت في تلك الأرجاء ، والمانع من استثمارها اليوم قلة الوقود أي الفحم الحجري ، والحطب لا يفي بهذا الغرض على نحو ما كان الحال إلى عهد قريب.

وأهم مناجم الحديد في برمانا وبحمدون ووادي النهر الكبير حجر الصفار (الكروم) وفي جبال اللاذقية معادن حديد كثيرة وفيها رصاص ممزوج بالفضة وخشب فحمي ونيكل وكان في القديم في ناحيتي باير وبوجاق معدن حجر الصفار يستخرج منه في السنة ٢٥٠٠ طن ولم يبق له أثر ، ويوجد حجر الصفار على شواطىء بحيرية طبرية ومن نوع البيريت واللنيت في برتي وكفر سلوان ومرجبا وفي راشيا وسفح جبل الشيخ الغربي وجنوبي حاصبيا وفي عين اللبوة وعين عطا وشوايا وعين قني والروج والكفير.

والنحاس في قرية اهمج في كسروان وفي الجنوب الغربي من حلب وكان منه في عين جر فأكدى لكثرة ما استخرج منه ، وكان النحاس الأحمر يحمل من جبل جوشن على قيد غلوة من حلب. وذكر كاتب چلبي أن في بيت حبرون معدن زجاج يستخرج منه فيحمل إلى الأطراف فيباع ويحمل إلى السودان والحبشة من أسورته ويقايض عليها بالتبر.

واستثمر معدن الفحم الحجري في مرجيليا في لبنان أثناء الحرب الكبرى (٤ ـ ١١)

١٦١

لوقود السكك الحديدية واستخرج منه (١٩١٦) ما يقارب ١٣٠٠ طن. وذكروا أن الطبقات الفحمية في لبنان وجدت في نيحا ، المراح ، كركبا ، زحلتا ، عبيه ، عرمون ، جمهور ، عين تراز ، بحمدون ، القرية ، رأس الحرف ، مرجيليا ، بتبيات ، مارحنا ، الكنيسة ، عين موفق ، قرنايل ، جورة أرصون ، بزبدين ، رأس المتن ، ترشيش ، جوار الجوز ، حيطورا ، عين تدجورا، عين زحلتا ، صيدنايا ، قيتولة ، بكاسين ، جزين ، حمصية ، مشغرة ، قرطبا ، حدث الجبة ، مزرعة بيت ابن صعب ، الديمان ، القنيات. ومنه الرديء الذي لا بال له.

وفي جهات أبو فياض على ٨٠ كيلومترا من حلب فحم حجري رديء من اللنيت كما أن منه في جهات حوران وفي قرية عرنة من إقليم البلان معدن الفحم الحجري قيل : إنه لم ينضج وفي حضر من إقليم البلان معادن أخرى براقة. وفي جبال الكرك كثير من أنواع المعادن قصدها مؤخرا كثير من معدّني الإنكليز لتحليلها ومعرفة أنواعها. والبترول (زيت الكاز) حول البحر الميت. وفي أرسوس على عشرين كيلومترا من الإسكندرونة وفي وادي صقلاب من أعمال الكورة في شرقي الأردن وفي المزيريب من عمل حوران وفي أرجاء الإسكندرونة معدن غاز سائل جرى تعدينه فلم يأت بفائدة. وفي أرجاء طرابلس معدن المغرة ونوع من الصبغ الأصفرOcre jaune.

ويوجد الكبريت بكثرة في جهات الباروك وفي قرية عنجرة من جبل عجلون وفي أرجاء البحر الميت وبالقرب من حمة عفرة في الطفيلة معادن الكبريت والقصدير والبترول والنحاس وفي رأس العين من عمل الزور وفي أماكن جبلية عديدة ولا يصلح للاستعمال لامتزاجه بمواد غريبة فحمية وحديدية. ويوجد الزاج في حارم ، والنيكل ومنه الفاخر في جبل الأقرع ، والفوسفات في جبال السرو بين الصلت وعمان حسبت نفقات استثماره فرأوا أنها لا تفي بها وارداته فترك وشأنه. والفوسفات موجود في شمالي يبرود وبعض جهات فلسطين. والبوتاس حول البحر الميت والاسفلت في جبل الأكراد على ثلاثين كيلومترا من اللاذقية (في قرى كفرية وقصاب وخربة السولاس) ويقال : إنه أغنى منجم عرف من نوعه. وكان في مقاطعة جرش في أرض تسمى تلول الذهب معدن ذهب جاء في الكتاب المقدس أن سليمان عليه‌السلام كان يستخرج الذهب منها. وفي

١٦٢

الجنوب الشرقي من تدمر وفي أرجاء أنطاكية معادن ذهب ولكنها شحيحة. وتكثر الفضة في جبال اللاذقية وشمالي بعلبك ومصياف وعلى ضفاف العاصي فيما يلي أنطاكية معدن ذهب ومعدن رصاص فضي ومعدن إثمد وحجر الكحل ومعدن فحم ومعدن الطفال المعروف بالبيلون في أرجاء كلز وأنطاكية ، وفي جبال قره موط إحدى نواحي أنطاكية عدة معادن تستعمل للصبغ وفي جبل بارسال من أعمال كلز معدن مرمر أصفر.

وكان في قرية يعفور من عمل دمشق معدن فضة قاله شيخ الربوة ، وبأرض حدث من جبل لبنان جوسية فوق كرك نوح يلتقط حجارة زلطية تكسر مرقشيشا وكل معدن مائل باللونية إلى لون ما هو قسمه ، وعد الخوارزمي المارقشيشا من عقاقيرهم فقال : ومنها مربع ومدور وقطع كبيرة غير محدودة الشكل وهي ضروب فمنها أصفر يسمى الذهبي وأبيض يسمى الفضي وآخر يسمى النحاسي. ويوجد الملح في مواضع كثيرة ولا سيما في جهات تدمر وجيرود وحماة والخليل وحوالى البحر الميت. وملح جيرود فيه مرارة وأجوده ملح الجبول. وفي حلب عدة ملاحات وأعظمها ما كان في جوار قرية جبول على شكل مخروطي عظيم لا تطاف أطرافها في أقل من ثماني عشرة ساعة يجمد ماؤها في شهر أيار إلى تشرين الثاني فيكون في هذه الفترة ملحا ، ويسمى هذا النهر نهر الذهب يجري من ناحية باب بزاعا إلى أن ينتهي إلى سبخة الجبول في مساكب يعملها أهل الجبول والقرى المجاورة لها ، وكانوا يقولون إن هذا النهر سمي نهر الذهب لأن أوله بالقبان وآخره بالكيل ، أي أنه تزرع في أوله الحبوب كالحبة السوداء والأنيسون والكراويا وأنواع الفواكه مما يباع بالرطل ، وآخره الملح الذي يباع بالكيل.

ويوجد الزئبق في أرض أنطاكية وغيرها ، قال شيخ الربوة : إن معدن الملح الأندراني كان يستخرج من أرض سدوم عند بحيرة لوط وكيف ما تكسرت حجارته ما تكسرت إلا فصوصا مربعات الزوايا. ويوجد النحاس في ناحية الصور على نهر الخابور ومعدن السوديوم في البصيرة والصور والشدادي والقصبي ويعرف باسم بارود القصبي. والرصاص في أنطاكية والمغرة في جهات حلب وعمان والجبص (الجبسين) في جهات جيرود وصافيتا وعكار وطرابلس.

١٦٣

والرخام الأصفر في جبل الجرمق من عمل صفد وعلى ساعتين من مادبا جبلان أصفر وأحمر والحجارة الكلسية على كثرة في جميع الأرجاء ، وأهم أنواع الحجارة الكلسية الرملية الحوارى والرخام السماقي والجنس المدعو «شحم بلحم» وأجمل المقالع ما كان في جوار حلب وفي جبل باريشا من عمل حارم وهو رخام أصفر ومن أجملها الحجر المزي وهو يضرب إلى الصفرة يستخرج من مقلع المزة قرب دمشق والحجر المعرباني وهو أحمر يستخرج من مقلع معربا في قلمون كما يستخرج من مقالع تلفتا حجر هش وهو شديد البياض يعتمدون عليه اليوم في البناء بدمشق لسهولة نحته وتكثر مقالع الحجر الرملي في منحدرات لبنان السفلي وعلى الشواطئ البحرية ولونه أصفر. وجميع البنيان من صور إلى طرابلس مبنية بحجره وهو سريع التفتت سهل النحت لدى خروجه من المقلع ويتصلب في الهواء ويصلح للملاط أكثر من الحجارة الكلسية الجميلة. والحجارة الكلسية ذات تقاطيع زجاجية في المواضع المنحوتة حديثا ولونها أبيض كامد تتحول بمرور الزمان بفعل أشعة الشمس إلى شيء من الصفرة الذهبية ولذلك كانت أبنية حلب وبيروت بهذا الحجر الجميل من أجمل أبنية الشام ، واشتهرت الداروم في القديم برخامها قال الرحالة ناصر خسرو : «والرخام كثير جدا في الرملة وجدران معظم الأبنية والدور مغشاة بصفائح من الرخام مرصعة بإتقان ومغشاة بنقوش ورسوم ويقطع الرخام بمنشار لا أسنان له وبرمل تلك الديار ، وبالمنشار تقطع قطع من الرخام بقدر طول السواري والعمد كما تقطع الدفوف من شجره. ولقد رأيت في الرملة رخاما من كل جنس ومنه المجزع (المبقع) والأخضر والأحمر والأسود والأبيض وبالجملة من مختلف الألوان ا ه».

هذا أهم ما في بطن الشام من المعادن ومهما كانت حالها فهي وافية نجاجة أهلها ولكنها لا تمون أمما غيرنا كالمعادن المشهورة في العالم بذهبها وفحمها وغير ذلك ، ومعادننا تجزئنا إذا استثمرناها بعض الشيء.

الحمّات الشامية :

الحمة (بفتح الحاء وتشديد الميم) العين الحارة يستشفي بها الأعلاء والمرضى ،

١٦٤

وفي الحديث : العالم كالحمة يأتيها البعداء ويتركها القرباء ، فبينما هي كذلك إذ غار ماؤها ، وقد انتفع بها قوم وبقي أقوام يتفكّنون أي يتندمون. فالحمة هي ما يعرف اليوم بالحمامات المعدنية تكثر في أرض الشام البعيدة عن الساحل ، وأهمها حمامات طبرية على شاطئ البحيرة ، تنفع النساء في الأمراض التناسلية وتشفي الأوجاع الحادة المزمنة وأمراض الرثية والنقرس والبول السكري وأمراض أعضاء التناسل والمرة السوداء والتهاب قصبة الرئة المزمن وبعض الأمراض الجلدية وغيرها.

قال أبو القاسم في وصف حمة طبرية : وفيها عيون ملحة حارة وقد بنيت عليها حمامات فهي لا تحتاج إلى الوقود تجري ليلا ونهارا حارة وبقربها حمة يغتمس فيها الجرب ا ه. ويجري الماء إلى الحمامات من أربع عيون حارة وأهمها ما بناه إبراهيم باشا المصري وهو في الشمآل ويعرف باسمه وهو عبارة عن حوض كبير تحيط به عمد قديمة من الرخام وعليه قبة عظمى ، وهي مثقوبة بثقوب أسطوانية يخرج منها البخار ودرجة حرارة الماء ٦٢ بالميزان المئوي وهو صاف براق في الجملة ملح الطعم مرّ مهوّع وتنبعث منه رائحة شديدة من حامض الكبريت أو رائحة بيض فاسد ، وهذه الحمامات ملك الحكومة تؤجرها وموسم الاستحمام فيها من أول كانون الثاني إلى آخر حزيران.

ومنها «الحمة» حمة جدر في وادي اليرموك على الخط الحديدي عند الكيلومتر ٩٣ و ٩٥ تنفع في أمراض الجلد وغيرها وهي مياه معدنية حارة تنبجس غزيرة وتجري إلى نهر الشريعة وهي ثلاث حمامات يبعد بعضها عن بعض بضع دقائق يدعى أحدها «المقلى» أو «حمام سليم» درجة حرارته ١١٩ والآخران «حمام الجرب» وحرارته ١٠٨ ، أو «حمام الريح» وحرارته ٨٢ بميزان فارنهيت وعندها آثار الحمامات الرومانية وبقربها ملعب عظيم وهو ملعب جدر المشهورة في الجاهلية والإسلام قال أحد واصفيها : «ولا أبالغ إذا قلت إن معدل قاصديها في شهر نيسان لا يقل عن عشرين ألفا يقيمون أياما تحت حر الشمس وهبوب الريح لا بيت يؤويهم ولا نزل يكنهم ، فإن كان قاصدوها يبلغون هذا العدد وهي قفراء خربة في شهر واحد فكم يكون عددهم لو تهيأت لهم حمامات منتظمة وأبنية وفنادق وما به تستتب لهم الراحة فيه أأبالغ إذا قلت إنهم يزيدون على المائتي ألف؟».

١٦٥

وحمة زرقا معين في شرقي الأردن تبلغ درجة حرارتها ١٤٢ بميزان فارنهيت والمالح في قرية تياسير في غور الأردن من أرجاء نابلس درجة حرارته ٩٨ ف وحمة أبي ذابلة بجانب فحل وحمة أبي سليم في المهدّ من أرض صنمة ، بقرية سحم الكفارات وحميمة بزور النيص من أرض صنمة أيضا ودرجة حرارتها فوق ١٠٠ ف أما حمامات طبرية فدرجة حرارتها ١٤٤ ف وماء حمة جدر عذب جيد الطعم يشرب سخنا وباردا بخلاف طبرية.

وحمة أبي رباح من عمل ناحية القريتين في حمص تنفع في الأمراض العصبية وتصلب الأعضاء والتشنج خاصة. وحمة ضمير في جبل قلمون كبريتية ، وحمة أرك في جهات تدمر ، وحمة أنطاكية وهي كبريتية وفيها مغنيزيا أيضا. وحمة إسكندرونة بين حلب وإسكندرونة على الطريق. وحمة جسر الشغر وحمة زرقا معين في الكرك وهي ثلاثة حمامات يستحم المستحمون ببخارها ويقصدها السياح من الفرنج كما يقصدون حمة عفرة من بحيرة لوط. وحمام النبي داود في وادي الحسا. وذكر ابن الشحنة أن في السخنة من أعمال قنسرين خمسة حمامات ينتفعون بها من البلغم والريح والجرب. وبناحية العمق حمة أخرى. وبكورة الجومة من أعمال قنسرين عيون كبريتية تجري إلى الحمة والحمة قرية يقال لها جندراس يأتيها الناس من الآفاق فيسبحون بها للعلل التي تصيبهم. قال الغزي : إن في أطراف حمام العمق عدة عيون كبريتية حارة لو جمعت إلى حوض لكانت حماما عظيما. وفي سنة (١٣٠٠) بنت بلدية حلب على بعض هذه العيون خلوة وصارت تؤجرها.

وذكر شيخ الربوة أن بين حمص وسلمية كهفا في جبل يخرج منه بخار أشد من الضباب المتراكم فإذا دخل الإنسان ذلك الكهف خيل إليه أنه في الحمام لشدة الوهج وكثرة قطر الماء من البخار المتصاعد من البئر الذي في وسط الكهف ويسمع غليان الماء بقعر البئر ولا يمكن النظر فيه لشدة البخار الصاعد من البئر ومن نظر فيه يشيط من الحرارة. ولعله يقصد بذلك حمام أبي رباح. وظهر مؤخرا على كيلومترين من قرقخان من عمل إسكندرونة نبع ماء معدني درجة حرارته ٤٣ فتهافت الناس على الاستحمام به.

١٦٦

هذه أهم حمّات أو حمامات الشام المعدنية وأكثرها كما رأيت لا ينتفع بها الانتفاع المطلوب ، وحالتها كما عرفت منذ القديم لا نظام فيها ولا أبنية للمستحمين حواليها. وقد عرف من تاريخ الرومان أنهم كانوا يعنون من وراء الغاية بالحمامات المعدنية ، فكانوا يبنون عليها أبنية بحسب مصطلحهم ، ولكن لم نر أن العرب في هذه الديار عنوا بشيء من هذا القبيل اللهم إلا إذا كان ضاع عنا خبره لقلة التدوين. ولو أنها وقعت العناية اليوم بحماتنا على النحو الذي تنتفع به بعض الأصقاع التي تنبجس فيها مياه معدنية من إقامة المستحمات والمنازل لنزول طلاب الاستحمام وتدبيرها تدبيرا جديدا مرفها صحيا لكان منها منافع كثيرة لأبناء الشام ومورد أرباح لها تأتي من ألوف من الغرباء والقرباء يقصدونها للانتفاع بها ويصرفون في جوارها أياما وشهورا يجعلون عليها مقاصير للتغميز والتمسيد ، وأخرى للتعريق ، وغيرها للتبريد ، وفنادق فيها شروط المدنية الحديثة ، وحدائق وغابات تغرس بالقرب منها تحسن المناخ وتجمل المناظر الطبيعية

نظرة في الفلاحة الشامية الحديثة (١).

أقاليم الشام :

أولا ـ لا تقل حرارة غور الأردن عن مثلها في بعض الممالك العربية الحارة كالعراق ومصر. ففي إحدى السنين كان معدل الحرارة السنوي في طبرية ٧٠ / ٢١ درجة وهو لا ينقص عن ٥ / ٢١ درجة وقد يبلغ أكثر من ٢٢ درجة لا سيما في مناطق الغور الجنوبية. ولما كانوا يحسبون معدل الحرارة السنوي في القاهرة ٥ / ٢١ درجة وفي بغداد ٨ / ٢٢ درجة كانت حرارة الغور كافية لنمو كثير من الزروع والأشجار التي أغنت مصر وستغني العراق وأعظمها شأنا القطن. ويفضل إقليم الغور أقاليم مصر والعراق في أن أمطاره قلما ينقص ارتفاعها في السنة عن ٣٠٠ ميليمتر ولهذا يمكن زرع الحبوب الشتوية فيه عذيا ، على حين لا يستطاع ذلك في مصر وفي معظم العراق لقلة الأمطار فيهما.

__________________

(١) كتب الفصل التالي الأمير مصطفى الشهابي.

١٦٧

ثانيا ـ ليست سواحل الشام أنقص شأنا من الغور من الوجهة المذكورة فمعدل الحرارة في حيفا ويافا وبيروت قلما يقل عن ٥٠ ، ٢٠ درجة ولهذا يجود في الساحل كثير من النباتات التي تتطلب حرارة عظيمة كالقطن مثلا لكنه لا بد من إسقائه في كلا الإقليمين.

أما السهول ففي بعضها من الحرارة ما يكفي لنجاح القطن وهي التي لا تعلو كثيرا عن سطح البحر مثل مرج ابن عامر وسهل الغاب شمالي حماة وسهل العمق وإدلب ، ويجب الري إلا في إدلب والعمق. أما في السهول المرتفعة كالغوطة وحوران والبقاع فالقطن ينتج محصولا متوسطا إلا أنه لا يجد من الحرارة ما يكفي لتفتح كل ثماره. ولهذا قد لا يأتي زرعه فيها بفائدة من الوجهة الاقتصادية والواجب أن لا يحل القطن مكان القنب في الغوطة مطلقا. هذا ومن العبث البحث في زرع الأقطان في إقليم الجبال كسهل الزبداني وسفوح سنير وغيرها لأن نصف ثماره لا يتفتح هنالك لقلة الحرارة. هذا ومن العبث أيضا البحث في تعميم زرعه في سهول البلقاء وحوران ووادي العجم وحمص وحماة وحلب الشرقية في البعل من الأرض ، لقلة الأمطار السنوية واختلاف مجموعها بين سنة وأخرى وإن نجحت زراعته بلا ري في بعض قرى حوران كقرية الحراك في وادي الزيدي ضربت مثلا بها لأنها مجتمع مياه أرضية وحالة كهذه لا تصلح للقياس.

ثالثا ـ ليست مقادير الأمطار واحدة في مختلف مناطق الشام. فأغزرها في السواحل دائما. فقد دلتنا قوائم رصد الجو في مرصد الجامعة الأميركية في بيروت على أن ارتفاع الأمطار السنوية فيها لا يقل عن ٧٠٠ ميليمتر في أكثر السنين وأنه يبلغ ٩٠٠ ميليمتر أحيانا وهو رقم كبير. وتثبت أن ارتفاع الأمطار في حيفا ويافا يزيد على ٥٥٠ ميليمتر في أكثر السنين. وهكذا في باقي سواحل الشام ، وفي المناطق القريبة من الساحل. أما السهول الداخلية وهي أعظم المناطق شأنا وأغناها تربة وأوسعها مساحة ، فارتفاع أمطارها يختلف بين ٢٠٠ و ٥٠٠ ميليمتر في السنين العادية. ولما كان ارتفاع المطر الضروري لتكوين محصول متوسط من الحبوب الشتوية لا يقل عن ٢٥٠ ميليمتر اتضح أن منتوجات الحبوب في تلك السهول تختلف اختلافا كبيرا من سنة إلى أخرى ، تبعا لمقادير المطر المنهمر ولتواريخ هطله في خلال السنة. وأمطار غوطة دمشق قليلة ، فقد قستها

١٦٨

بنفسي خلال عشر سنين متتابعة فرأيت أنها لا يبلغ ارتفاعها ٢٥٠ ميليمترا في أكثر هذه السنين ، وكان ارتفاعها دون مائتي ميليمتر في ثلاث سنين. فالغوطة إذن كالواحة كادت تكون صحراء لا تصلح للزرع ، لو لا بردى والأعوج ومشتقاتهما التي قلبتها جنة ناضرة.

رابعا ـ لا يسقط الثلج في إقليم الغور ولا تهبط الحرارة إلى الصفر. ويندر هبوطها إلى الصفر في السواحل. أما في السهول الداخلية فلا تهبط لأوطأ من عشر درجات تحت الصفر في السنين الاعتيادية ويندر هبوطها إلى هذا الحد. لكن لكل قاعدة شواذّ ففي شتاء سنة (١٩٢٤ ـ ١٩٢٥) وكانت سنة قرّ شديد هبطت الحرارة إلى ١٥ درجة تحت الصفر في دمشق و ٢٠ درجة تحت الصفر في سلمية. ودام الصقيع عدة أيام فأتلف الأسباناخ والملفوف والسلق والمقدونس والبيقية والحلبة والفول وغيرها من البقول كما أتلف براعم التين والرمان وأغصان الليمون والبرتقال وبعض ورق الزيتون. وباد كثير من الأزهار والرياحين وأشجار التزيين كالمنثور والكافور والسنط والفلفل الكاذب والخروع والكزورينا وغيرها. أما الحنطة والشعير والمشمش والتفاح والكمثرى والدراق والخوخ والصنوبر والسرو والازدارخت والصفصاف والزيزفون والورد فقد قاومت فلم يمسها الصقيع بأذاه.

وأضر مما ذكر هبوط درجة الحرارة إلى ما تحت الصفر بضعة أيام في أوائل نيسان من سنة ١٩٢٥ فتلف أكثر من نصف محصول المشمش في الغوطة ، واسودت أفنان الجوز ، وبادت نباتات الخيار والكوسى والبنادورى البكيرة ، فعاد الزراع إلى بذر بذورها ثانية. ولقد ذكرت هذه الأحداث لأن الطاعنين في السن من أرباب الفلاحة لم يرو شبيها لها منذ ثلاثين سنة ونيف.

خامسا ـ ليس لبناء التربة في الشام كبير تأثير في إمكان غرس الشجر أو عدمه في إحدى المناطق ، بل العامل الأقوى هو الإقليم وذلك أن الأمطار تهطل في الشام خلال شهور معلومة ثم يعقب المطر يبوسة تدوم بضعة شهور. وتكون الرياح شديدة ، والحرارة زائدة ، في شهور اليبوسة ، ومهما كان ارتفاع المطر السنوي كبيرا حتى في سواحل الشام فكثير من أشجار الفاكهة لا يعيش بهناء عذيا ، بل لا بد من إسقائه كالبرتقال والليمون والتفاح والكمثرى والمشمش

١٦٩

والخوخ. وليس السبب في ذلك قلة مجموع الأمطار السنوية بل انحباسها منذ أواخر الربيع وطول فصل الصيف وأوائل الخريف. فأمطار باريز مثلا لا تزيد في السنة على أمطار بيروت أو أمطار طرابلس لكن المطر في باريز يهطل في كل شهور السنة تقريبا فتنمو الأشجار المذكورة دون ري على العكس من حالتها في الشام.

ومن الشجر ما يعيش بلا إسقاء في جميع مناطق الشام الغربية كالزيتون والكرمة واللوز والتين والرمان والفستق والآس والزعرور والعناب. أما مناطقها الشرقية فمنها ما يصلح دون ري للكرمة واللوز والزيتون كشرقي العاصي إلى جبال الشومرية وكالجولان وحوران وجبل حوران وعجلون والبلقاء. ومنها ما أمطاره من القلة بحيث أن الأشجار عموما لا تنجب فيه بلا ري ، كالغوطة والمرج وشرقي سنير (منطقة القريتين) وبادية الشام. وينمو الكرم واللوز بلا ري بعد أن يكبر في القرى الشرقية من منطقة سلمية والحمراء. أي أن المطر في تلك المنطقة وحالة المياه الأرضية هما بحيث لوسقي الكرم سنتين أو ثلاثا حتى تضرب جذوره في التراب ، لأمكن بعدها أن يعيش بلا ري.

واختلاف الأقاليم في الشام يجعل هذا القطر صالحا لزرع زروع متنوعة ، وغرس أشجار شتى ، فالغور والساحل للقطن والنخل والموز والقشطة والبرتقال والليمون والزيتون. والسهول للحبوب والزيتون واللوز والمشمش والخوخ والكرمة. والجبال للتفاح والكمثرى والكرز. وتقل الأصقاع التي تحوي كالشام أقاليم عديدة في مساحات ضيقة. وليس في العالم بلد غيرها يستطيع فيه الإنسان أن يصعد إلى ارتفاع ٢٨٠٠ متر فوق سطح البحر بعد أن يكون في أعمق من مائتي متر من هذه السوية وذلك بقطع مسافة لا تزيد على ٦٥ كيلومتر، هذا شأن الذي يكون في البطيحة أو التابغة على شواطئ بحيرة طبرية مثلا ويريد الصعود إلى قمة جبل الشيخ فهو يعتلي ثلاثة آلاف متر بقطع تلك المسافة الصغيرة.

أتربة الشام :

كثيرا ما نسمع أن الشام قطر زراعي محض وأن تربتها من أخصب الأتربة

١٧٠

فما معنى ذلك وما هو مبلغه من الصحة؟ أما كون الشام محض أرض زراعيّة فلأنها لا كبير منتوج فيها سوى منتوجات الأرض فهي إذا لم تقس بغيرها تعد قطرا زراعيا ذا شأن كبير. أما إذا قسناها ببعض الممالك الأوربية حيث الأرض خضراء دائما ، والمحاصيل كبيرة بسبب كثرة الأمطار في كل فصول السنة ، أو لو قايسنا بينها وبين بعض الأقطار التي فيها أنهار عظيمة تسقي بمياهها ملايين من الهكتارات كمصر اليوم وعراق الغد ، إذن لوجدنا أن الشام ليس لها شأن عظيم حتى من وجهة الزراعة لأنها ما برحت ولن تبرح أرض حبوب شتوية كالحنطة والشعير تنتج بالقليل من المطر الذي يهطل فيها. أما الأشجار المثمرة والأقطان والخضر فمقامها في الدرجة الثانية لما تتطلبه من الري على حين لا تروي أنهار الشام مساحات واسعة على ما سيجيء ذكره. ونقول لمن جعلوا ديدنهم التنويه بأن الشام من أعظم الأقطار التي تنتج أقطانا أنهم مدفوعون إلى دعايتهم هذه بعوامل سياسية ، لأن القطن في الشام لا يمكن أن يكون له المقام الأول بين الزروع ما دامت معظم سهول هذا القطر لا تروى إلا بما تجود به السماء من المطر القليل الذي يكاد لا يكفي لحياة الحنطة والشعير. ويجب أن لا يتخذ القطن الإدلبي مثلا لأن صنفه من أردإ الأصناف ، ولأن منطقة إدلب وأشباهها ليست سوى جزء صغير من سهول الشام الواسعة الأرجاء. وقولي هذا لا ينفي كون زرع القطن مفيدا اقتصاديا في كل مكان يستطيع أن ينجب فيه. فمما تعنينا معرفته أن الأمكنة التي يستطيع أن ينجب فيها صغيرة إذا قيست بمجموع أراضي الشام الزراعية :

ولئن لم تجعل الطبيعة للشام حظا كبيرا من المطر والأنهار التي تستطيع أن تروي مساحات واسعة ، فلقد جادت عليه بتربة من أجود الأتربة. وهاك خلاصة ما تجب معرفته :

أولا ـ تراب أهم سهول الشام طيني كلسي (أكثر قرى حوران والغوطة وسهول سلمية وحمص وحماة وبساتين حارم الخ ...) وتراب بعضها طيني رملي (بعض قرى الغور والبقاع الخ). وتراب بعض آخر رملي طيني (بعض قرى الساحل والسهول الشرقية القريبة من البادية). ومن المعلوم أن بناء هذه الأنواع الثلاثة يعد جيدا لا سيما الأول منها.

١٧١

أما من حيث غنى أتربة الشام بالعناصر الغذائية. فقد كشف التحليل عن أن معظمها غني بالحامض الفصفوريك والبوطاس. أما الآزوت (نيتروجين) فمقداره كبير في بعض المناطق كالغور مثلا ، وكاف في أكثرها ، وقليل في بعض المناطق التي أنهكها الزرع المتتابع دون مدّ الأرض بالسماد.

ويفيد أن أذكر كلمتين في الطبقات والأدوار الجيولوجية التي تنتسب إليها أهم المناطق الزراعية فأقول :

الأرض البركانية : إن أتربة حوران وجبل حوران واللجاة والجولان والبطيحة وجبل المانع والصفا وغربي العاصي بين حمص وحماة الخ هي أرض بركانية (بزالتية) متكوّنة من اندفاعات البراكين.

الأرض الطباشيرية : هي أوسع الأرضين في الشام وإليها تنتسب معظم جبال لبنان وسنير وحرمون وعجلون والكرك والصلت وسهول البلقاء وجبل نابلس وتدمر الخ.

الأراضي المنسوبة للدور الثلاثي : منها معظم جبل العلا الواقع بين حماة وسلمية ، ومنها جنوب البقاع بدءا من مجدل عنجر وسهل متسع حوالى حلب وسواحل فلسطين وقمة جبل قاسيون في دمشق مع امتداده نحو قرية القطيفة ، وقسم كبير من قلمون وقسم من الجبل الأبيض بالقرب من تدمر ، ومساحة واسعة حول شواطئ الفرات بعد الراسبات الرباعية الخ.

الأراضي المنسوبة للدور الرباعي : في الشام كثير من الطبقات الأساسية سترت براسبات من الدور الرباعي وأكثر ما تكون الرواسب في السهول كالبقاع والغوطة والمرج ومرج ابن عامر وسهل الرملة ولدّ وسهل عكار وعلى طول الفرات الخ.

حراج الشام :

إذا رجع المرء إلى كتب الأقدمين يرى أنه كان للحراج في الشام شأن وأي شأن. وأهم أشجار هذه الحراج ومواقعها ومساحتها لعهدنا هذا ، على وجه التقريب :

أشجار الحراج : أعظمها شأنا أشجار البلوط وهي على قسمين قسم يظل

١٧٢

مكتسيا أوراقه في الشتاء وآخر تسقط أوراقه فيه. فمن الأول السنديان والبلوط الأخضر وهي أشجار صعبة المراس جبارة تعيش في الساحل وتعلو مع مختلف المناطق إلى ألف متر عن سطح البحر. ومن الثاني الملول والبلوط المسمى عفصا.

ولأشجار الصنوبر شأن لا يفوقه سوى شأن البلوط. وأهمها الصنوبر المثمر وهو يشاهد في الساحل وفي المناطق التي لا يزيد علوها على ألف متر عن سطح البحر. ويغرس في لبنان (حمانا ، برمانا ، بيت مري ، بكفيا الخ) لأن خشبه وثماره مرغوب فيها. ويليه الصنوبر الحلبي وهو الأكثر شيوعا يعيش في كافة الأقاليم الزراعية حتى في ارتفاع ١٥٠٠ متر عن سطح البحر. ومنه حراج ملتفة في عكار والضّنّية وقزل طاغ ويستخرج منه القطران ويستعمل في الدباغة.

ومن أشجار الفصيلة الصنوبرية التي تشاهد في غابات الشام السرو والتنوب أو الشوح وهو يكثر في الجبال الشامخة حيث يختلط بالأرز ثم العرعر والدفران والأرز وجميعها تعيش في الجبال العالية.

وكثيرا ما يعثر المرء في غابات الشام على أشجار مثمرة برية مثل الكمثرى والزعرور والخوخ والسدر والزيتون والخروب وغيرها. كما يشاهد أشجارا مختلفة كالبطم في البلعاس والدلب على شواطئ الأنهار واللبنة أو الأبهر في لبنان ووادي التيم والعجرم وهو مبذول والغار في غور الأردن الخ.

مواقع الحراج : إذا سرنا اليوم من شمال الشام إلى جنوبها نرى الغابات الآتية :

(أ) حراج السفح الممتد بين سلسلتي جبال اللكام مساحتها نحو ٠٠٠ ، ١٠ هكتار (الهكتار عشرة آلاف متر مربع) وأهم أشجارها البلوط والصنوبر الحلبي ويليهما الأبهر والأشجار المثمرة البرية. وفي منحدرات الجبال مثل هذه المساحة تقريبا مكسوة بالشجر لكن حالة شجرها سيئة.

(ب) حراج كرد طاغ وتمتد من راجو إلى الحمام ، ومساحة الشجر الملتف فيها ألف هكتار تقريبا وأشجارها السنديان والصنوبر الحلبي. ويلحظ أن فأس المحتطبين لا تكفّ عن العمل بها ، وأن أضعاف هذه المساحة كانت فيما مضى حراجا جميلة.

(ج) حراج رأس الخنزير (قزل طاغ). أهم شجرها الصنوبر الحلبي وأنواع البلوط. تبلغ مساحة ما تلتف أشجاره منها نحو ٠٠٠ ، ١٥ هكتار إلا أن

١٧٣

ضعفي هذه المساحة كانت غابات ملتفة فإذا هي اليوم جرداء أو فيها أشجار حقيرة متفرقة. ويصنع القطران من صنوبر هذه الحراج في أرسوس وأنطاكية.

(د) حراج الأردو والباير والبسيط : مساحة القسم المكتسي بالشجر اليوم ٠٠٠ ، ١٠ هكتار تقريبا. وأهم شجرها الصنوبر الحلبي وأنواع البلوط ويليها الدلب فيما انخفض من الأرض. ويجب الاحتفاظ بهذه الغابات من عيث الماشية لأن بعض أشجارها بدأت تتلف.

(ه) حراج العمرانية : شجرها السنديان والملول وقليل من الصنوبر الحلبي ومساحتها ٠٠٠ ، ٢٠ هكتار تقريبا ، ويلاحظ أن أكثر أشجارها الباسقة قطعت إلا في المواقع الكبيرة الانحدار التي يشق الوصول إليها ، فإن أشجارها لا تزال باسقة. ومن المؤسف أن القطع لا يزال متواصلا في هذه الحراج لنقل الحطب أو لصنع الفحم ونقله إلى حماة وحمص.

(و) حراج عكار والضنية : هي من أجمل الغابات وأهم شجرها السنديان والملول ويليهما الصنوبر الحلبي والسرو والعرعر والأرز. ومساحتها ٠٠٠ ، ١٠ هكتار على وجه التقريب.

(ز) حراج الهرمل وإهدن وتنورين. تبلغ مساحتها نحو ٠٠٠ ، ٥ هكتار.

(ح) حراج الصنوبر في لبنان : زرع اللبنانيون كثيرا من بزور الصنوبر المثمر وغرسوا كثيرا من غراسه فتكوّن منها حراج جميلة تشاهد في كثير من قرى لبنان. أما حراج الأرز القديمة فقد أتت عليها أيدي الجهل وبعض بقاياها في الباروك.

(ط) حراج البلعاس : يقع جبل البلعاس على نحو خمسين كيلومترا شرقي سلمية وفيه أشجار قديمة من البطم. لعبت بها أيدي البدو والمحتطبين الذين يأتون بمركباتهم كل يوم من سلمية إلى البلعاس فيقطعون الشجر ويبيعون الحطب في سلمية وحمص وحماة على بعد المسافة. وقد أكد بعضهم من بدو وحضر وبعض الضباط الذين اخترقوا البلعاس مرارا أن مساحته تبلغ ٠٠٠ ، ٣٠ هكتار تقريبا ، وأن الشجر متفرق في أكثر أقسامه لكنه يلتف في بعض المواقع.

(ي) حراج عجلون : هي من أوسع حراج الشام وأجملها. أشجارها السنديان والملول والصنوبر والحلبي وغيرها. وفيها مواضع أشجارها ملتفة وأخرى أنهكها القطع.

١٧٤

هذه هي أهم غابات الشام وثمة غابات ومحتطبات لا كبير شأن لها اليوم لما لحقها من الأذى بسبب انكباب الإنسان على قطعها أو عيث الماشية بها ، مثل غابات بعلبك وسنير وجبل الشيخ والقنيطرة وصفد والناصرة والكرمل والصلت وغزة وغيرها. وكانت الحكومة التركية خلال الحرب الكبرى (١٩١٤ ـ ١٩١٨) تأمر بقطع الشجر بلا روية لاستعماله بدلا من الفحم الحجري الذي كان يعوزها.

الري في الشام :

يروى اليوم في الشام (عدا فلسطين وشرقي الأردن) مساحة تقدر بنحو ٠٠٠ ، ٧٧ هكتار على وجه التقريب وأهم المناطق التي تروى هي الغوطة والمرج اللذان يسقيان من بردى والفيجة والأعوج ومشتقاتهما ومن قني موضعية. وتقدر المساحة التي تروى من هذا السهل الواسع بنحو ٠٠٠ ، ٢٥ هكتار ويسقى في وادي العجم من نهر الأعوج نحو ٠٠٠ ، ٥ هكتار. ويسقى في حمص بمياه القناة التي تشتق من بحيرة حمص بساتين واسعة. وفي الزبداني سهل يبلغ ١٢٠٠ هكتار يروى من أنهار صغيرة وينابيع. ويسقى في القنيطرة والزوية نحو ٢٠٠٠ هكتار لا سيما في البطيحة وشمالي بحيرة الحولة إلى الشرق. وفي حماة نواعير لا يقل عددها اليوم عن ثمانين ناعورة تبدأ بين حمص وحماة وتمتد شمالا إلى العشارنة وتسقي نحو ١٥٠٠ هكتار. وفي سلمية والقرى التي في تلك المنطقة قنوات عديدة قديمة دائرة أخذ الأكارون منذ بضع سنوات يكرونها ويعيدونها إلى سالف عهدها وفي جيرود والنبك ويبرود ودير عطية والقرى المجاورة لها قنوات وينابيع تسقي ٢٥٠٠ هكتار تقريبا.

وفي لبنان نحو عشرة آلاف هكتار من الأرض التي تروى ، أهمها ١٢٠٠ هكتار تقريبا فيها من شجر الليمون والبرتقال في طرابلس. ويتلوها بساتين واسعة حول بيروت وصيدا وصور ورأس العين والهرمل وبعلبك وبعض قرى البقاع الخ.

ومما يسقى سهل عكار والبقيعة وحول اللاذقية وبعض أرض العمق وأرباض

١٧٥

أنطاكية ومدينة حلب والإسكندرونة. أما في جنوب الشام (فلسطين) فأعظم الأرض شأنا ما يسقى شمالي بحيرة الحولة حيث تهر الحاصباني والبانياسي واللّدان أي أصل الأردن. ثم الغوير ومجدل طبرية ثم بيسان وما حولها مما يسقى من نهر الجالوت ثم سهل عكا ثم ضواحي مدينة يافا حيث يسقى نحو ٢٠٠٠ هكتار من شجر البرتقال والليمون بواسطة آبار ترفع مياهها بالمحركات.

ومما يستطاع إسقاؤه من الأرض في المستقبل إذا وجد رأس المال الكافي للقيام بأعمال عظيمة للري. حتى لتبلغ مساحته ضعفي المساحة التي تسقى اليوم وربما إلى ثلاثة أضعافها ، الأراضي الواقعة حول النهر الأسود عند مصبه وحول نهر عفرين وسهل العمق (نحو ٠٠٠ ، ٢٠٠ هكتار) وسهل الغاب الممتد شمالي قلعة شيزر (سيجر) (نحو ٠٠٠ ، ٦٠ هكتار) والسهل الواقع شرقي جسر الشّغر والسهل الممتد بين صيدا وصور وحول بحيرة الحولة وأرض واسعة في الغور بين بحيرة طبرية وبحيرة لوط الخ.

زروع الشام وأشجارها :

نذكر هنا بإيجاز أهم ما يزرع في الشام من الحبوب والبقول والنباتات الصناعية وما يغرس من الشجر المثمر ، ثم ما ينبت لنفسه من النباتات الطبيعية المفيدة.

الحبوب : أهمها الحنطة فالشعير فالذرة الصفراء والبيضاء فالأرز فذرة المكانس.

الحنطة : أعظم الزروع شأنا وأغزرها محصولا وأعمها انتشارا. يقدر ما نتج منها في (سنة ٩٢٢) ب ٨٠٠ ، ٣٤٥ طن (الطن أربعة قناطير) في الشام عدا فلسطين وشرقي الأردن وأشهر أصنافها الحورانية والبياضية واليبرودية والبقاعية والحمارية والنورسية وحنطة عين غرة والدوشانية والشلمونية والهيتية. فالحورانية تعرف بساق متوسطة الطول وسنبلة غليظة كثيفة مربعة ذات سفا لونها إلى سمرة وحب سمين قاس إلى حمرة. وهي أجود الأصناف وأعمها. تزرع في حوران ووادي العجم وفلسطين والبلقاء وحلب ، وبالاختصار في كل أنحاء الشام على درجات متفاوتة. أما موطنها الأصلي فحوران. وللحنطة البياضية سنبلة بيضاء

١٧٦

طويلة وبرة نصف فرقة ذات سفا ، وحب أبيض سمين مكسره نصف دقيقي وهذا الصنف يزرع في الغوطة والمرج ووادي العجم خاصة.

وللقمح اليبرودي ساق طويلة صلبة ثخينة نصف فارغة ، وسنبلة مستطيلة كثيفة ذات سفا ، وحبات ضاربة إلى بياض مكسرها قرني. وهذا الصنف يزرع في دومة وقلمون. وللحنطة البقاعية سنبلة دكناء إلى سواد ، وحب إلى سمرة وهي تزرع في البقاع. أما القمح الحماري فهو يزرع في حمص وحماة وما جاورهما. وأما النورسي فيزرع في فلسطين وهو يعرف بسنبلة مستطيلة ذات سفا ، وحبات مستطيلة حنطية إلى حمرة.

وقمح عين غرة أشهر الأنواع في الغوطة ، وله ساق طويلة فارغة. وسنبلة سمراء متوسطة الكثافة ذات سفا إلى سواد ، وحب سمين طحيني اللون. أما الدوشاني فله سنبلة فرقة طويلة لا سفا لها ، وحب أبيض ثخين ، وهو يزرع في البقاع وبعلبك وفي الغوطة على الندور. ويزرع السلموني في الأمكنة الجبلية ويعرف بسنبلة مستطيلة فرقة ذات سفا ، وحب مستطيل ذي مكسر دقيقي. والقمح الهيتي من الأصناف التي تزرع في الكرك والبلقاء ، وسنبلته ذات سفا ، وحبه حنطي إلى حمرة. وقد جرب على القمح الطلياني في الغوطة فأتى بأحسن محصول.

الشعير : هو في الشام أشهر الزروع بعد الحنطة وأكثرها منتوجا ، وقد قدرت غلاته في سنة (١٩٢٢) بنحو ٥٠٠ ، ١٨٢ طن في الشام عدا فلسطين وعبر الأردن. وهو على صنفين العربي والرومي. فالعربي ساقه قصيرة فارغة وسنبلته على صفين وهي مستطيلة ذات سفا طويل. وحباته أقل غلظة من حبات الشعير الرومي. ينضج قبل الرومي وهو أشهر منه ولا يتطلب مثله أرضا غنية. أما الشعير الرومي فسوقه غليظة فارغة يتخللها عقد ملآنة وسنبلته على ستة صفوف ، وهي متوسطة الطول كثيفة ذات سفا. يكثر هذا الصنف في الغوطة والمرج وهو يتطلب أرضا غنية مسمدة.

وتزرع الذرة الصفراء في أنحاء الشام في الأرض التي تسقى ، أما الذرة البيضاء فتزرع عذيا في أنحاء فلسطين وفي عجلون لا سيما في مرج ابن عامر. وأما الأرز (٤ ـ ١٢)

١٧٧

فيزرع في الحولة وهو قليل الشأن. ومن حبوب الفصيلة القرنية الشائعة ما تعلفه الماشية كالبيقية والجلبان والكرسنة والحلبة. ومن الكلإ الفصفصة وهي ذائعة في الأماكن التي تسقى.

البقول : لا تعيش أكثر الخضر والأبازير بلا ري في أقاليم الشام كافة.

ولهذا يستدل من وجودها في أرض على كونها مما يمكن إسقاؤه. وأنواع الخضر التي تزرع كثيرة جدا وكلها تستهلك في القطر.

الزروع الصناعية : أشهرها القنب والقطن والسمسم. أما الكتان والنيلة والحناء والخشخاش والخروع فليست ذات بال في الشام. فالقنب يزرع في الغوطة وفي حلب ، لكنه في الغوطة أعظم شأنا ، إذ تقدر فيها مساحة الأرض التي تزرع قنبا بنحو ألف هكتار في كل سنة ، أما في حلب فقلما تزيد على مائتي هكتار. وزراعة القنب رابحة لأسباب شتى أهمها كون هذا النبات لا يتطلب عنايات غير التعطين بعد قلعه ، وكونه في مأمن من الأمراض والحشرات حتى إن الماشية لا تأكل ورقه. وقد ألف إقليم الغوطة الوسطى وصار من زروعها الأساسية التي لا يرجح عليها سوى أشجار الفواكه. ومن الغلط الفاحش أن يقوم بعضهم فيبحث في استبدال القطن به ، لأن للقطن أقاليم غير إقليم الغوطة ، ولأنه تصيبه عاهات لا تصيب القنب. هذا عدا العنايات التي تستلزمها زراعة القطن مما لا لزوم له في زرع القنب.

القطن : يمكن زرع القطن بلا ري في الشمال كمنطقة إدلب ودانة وريحا حيث قدر ما ينتج منه سنة (١٩٢٣) بنحو ٠٠٠ ، ١٣ بالة. وقد علمت أنه نتج هنالك وفي باقي المناطق التي يزرع القطن فيها نحو ٠٠٠ ، ١٥ بالة في سنة (١٩٢٥). ولكن للقطن الذي ينتج في البعل من أرض منطقة إدلب شعر غليظ مجعد وهو لا يصلح إلا للمنسوجات الغليظة ، ولهذا لا يباع إلا بنحو نصف ثمن القطن المصري عادة. أما الأقطان المصرية فلا تنجب إلا في الأرض التي تسقى.

السمسم : زرع السمسم شائع في فلسطين وعجلون ولا سيما في مرج ابن عامر حيث ينجب في الأرض البعل كالذرة البيضاء. ويزرع منه قليل في الغوطة ووادي العجم وهناك يكون زرعا مسقيا. والغاية من زرعه استخراج زيت الشيرج المعروف من بزوره وتتكوّن أثناء عصر هذه البزور مادة الطحينة المعلومة.

١٧٨

المنتوجات الطبيعية : تنبت الطبيعة في بعض الأرجاء نباتات طبيعية لها شأن في اقتصاديات البلاد مثل السوس والكمأة. فالسوس ينبت في سهل العمق وجسر الشغر حيث أجود عروقه ، ثم في أنطاكية والباب ومنبج ودير الزور والسويدية وكلها في الشمال. وينبت أيضا في الغوطة والمرج. ويقدر ما يقتلع من عروق السوس في الشمال بنحو عشرة آلاف طن كل سنة ، وكلها تنقل إلى إسكندرونة حيث تسحق وتشحن إلى أميركا خاصة. أما في الغوطة والمرج فيقتلع نحو ألف طن سنويا. وفوائد عرق السوس عظيمة وهو يضاف إلى عدد كبير من الأدوية ويصنعون منه في دمشق شرابا سكريا لذيذا يزيد الإدرار.

وليس للكمأة مكانة السوس وهي لا تكثر إلا في السنين الغزيرة الأمطار. وتنبت في قلمون وجيرود وكثير من القرى الشرقية القريبة من البادية. ويختلف مقدار ما يرد منها إلى المدن باختلاف السنين.

الأشجار المثمرة :

أسماها مكانة الزيتون فالكرم فالبرتقال فالليمون فالمشمش فالتين فالفستق فالجوز. أما باقي الأشجار فتأتي في الدرجة الثانية وأنواعها كثيرة مثل التفاح والكمثرى والخوخ واللوز والرمان والدراق والسفرجل والموز والنخل والآس والصبار والتوت والعناب والخروب الخ.

الزيتون : أفضل الشجر وأعمه في مختلف المناطق. وهو يكثر في جزين والمختارة والشويفات وزغرتة والكورة ، وفي الغوطة والمرج ، وضواحي طرابلس وفي طرطوس وصافيتا وجبلة واللاذقية والباير وفي أرباض أنطاكية ، وفي السويدية والقصير وكردطاغ ، ويقل حول حلب والباب وسلقين وإدلب. وقد اشتهر في الجنوب زيت الرامة كما اشتهر زيتون جبال نابلس والقدس وسهول لدّ والرملة. وينجب الزيتون في البعل من الأرض ولا يسقى إلا في الغوطة والمرج وفي القرى القريبة من البادية. وأصنافه كثار أشهرها في دمشق الدان والأخضر (أو المصعبي) والجلط والتفاحي. وأشهرها في لبنان الصوري والشامي والمصري والشتوي والعيروني وبيض الحمام والبلدي. وأعمها في اللاذقية الخضيري والطمراني وقلب الطير. وفي الإسكندرونة القرماني والخلخالي والرماني والتفاحي الخ.

١٧٩

فالدان أنفع الأصناف بدمشق وأغناها زيتا (١٨ ـ ٢٠ في المئة) يستخرج الزيت منه وقلما يؤكل أخضر أو مكبوسا. يبلغ طول ثمرته ٢٠ ميليمترا وعرضها ١٣ ميليمترا وهي تسودّ بعد أن تنضج. وشجرة الزيتون الأخضر أو المصعبي كبيرة أحد طرفيها حاد يبلغ طولها ٣٢ ميليمترا وعرضها ٢٤ ميمليترا ، وهي تقطف خضراء وتكبس ولا تعصر لاستخراج زيتها. وثمرة الجلط كبيرة مستطيلة سوداء تشبه ثمرة البلح شكلا طولها ٣٥ ميليمترا وعرضها ٢٥ ميليمترا وهذا الصنف أغلى الأصناف وأجودها مكبوسا ويندر عصره لاستخراج زيته منه.

الكرم : الكرم شائع كثير في الشام ، وتقدر مساحة الكروم بنحو ستين ألف هكتار (عدا فلسطين وشرقي الأردن). وأوسع الكروم اليوم في الصلت ودومة وداريا بالقرب من دمشق وفي زحلة وبحمدون وحمص وتلبيسة بالقرب من حمص وفي حلب الخ. ولا تخلو قرية من قرى لبنان ووادي التيم وجبال النصيرية وقلمون من قليل من الكروم. والكرمة تعيش في البعل من الأرض لا يسقى من الكروم إلا ما كان منها في الغوطة والمرج وفي أرجاء سلمية. وتؤكل الأعناب أو تصنع زبيبا أو دبسا أو خلا أو عرقا أو نبيذا. والكرم أصناف عديدة ، أشهرها الزيني والبلدي والأحمر والأحمر الداراني والدربلي والحلواني والأسود في دمشق والغوطة، والفضي والقاصوفي والشقيفي والقمحاني والمريمي والخانقي وبيض الحمام والزحلاوي في وادي التيم والبقاع ، والجحافي والبياضي في سلمية. وعنب الشيخ واصبع الست في الإسكندرونة الخ.

وقضبان الزيني طوال سلامياتها متوسطة وعناقيده ضخمة نصف كثيفة وورقه كبار مشرحة بشقوق عميقة حافاتها مسننة وثمرته مستطيلة قشرتها بيضاء غليظة ولبها مائع. تؤكل ثمار هذا الصنف ولا يصنع منها زبيب أو خمر وهي من أجود الأعناب.

وعناقيد البلدي رهلة وثمرته أسطوانية طويلة بيضاء إلى خضرة ، ذات قشرة ملتصقة باللب واللب لحمي قاس لذيذ. وثمار هذا الصنف كالسابق تؤكل ولا يصنع منها شيء. وليس العنب الأحمر من الأعناب اللذيذة ويصنع منه زبيب ودبس وخمر وعرق. أما الأحمر الداراني فثمرته قليلة الحمرة مستديرة مع شيء من الاستطالة لبها نصف لحمي لذيذ وهي تؤكل ويصنع منها زبيب ومسكرات

١٨٠