خطط الشام - ج ٤

محمّد كرد علي

خطط الشام - ج ٤

المؤلف:

محمّد كرد علي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: مكتبة النوري
الطبعة: ٢
الصفحات: ٢٧٦

(٥) إقليم الصحراء وتتناول ما نسميه بادية الشام أي الأصقاع الواقعة شرق المعمور من دمشق تنبت فيه بعض النباتات والأعشاب منها ما يزول في الربيع ومنها ما يبقى في الصيف. وليس في هذا الإقليم سكان إلا البدو الضاربون في أرجائه.

من الذين أدخلوا الطرق الجديدة :

أدخل ثلاثة أصناف من الناس في الشام روحا جديدا في زراعتها ، ومنهم مهاجر وقافقاسيا وغيرهم ممن سكنوا قرى كثيرة في عمل حلب ودمشق وعمّان ، فإن هؤلاء أدخلوا أصول الزراعة على طريقتهم وهي أرقى من طريقة من نزلوا عليهم في حمص والبلقاء والجولان مثلا. ثم إن الألمان الذين أقاموا لهم مستعمرات في حيفا ويافا منذ (١٨٦٨ م) قد كانوا مثال الفلاح النشيط ، وكان على فلاحنا المجاور لهم أن يتعلم منهم ويعتبر بما يأخذه الفلاح الجرماني من وافر الغلات ، ويتعلم منه تنظيم داره وإصطبله وحديقته ومزرعته وتعليم أولاده وغير ذلك مما يعود عليه بالنفع والراحة. وأهم من أدخلوا التجدد في الزراعة في ربوع الشام الصهيونيون من مهاجرة ألمانيا ورومانيا وروسيا وبولونيا وغيرهم ، فإنهم والحق يقال قد أنشأوا بأموال روتشلد وبركم وفيرو وفيتيفيوري وغيرهم من أغنياء الإسرائيليين الذين ابتاعوا الأراضي في فلسطين لأبناء نحلتهم ، وأمدوهم بالمال ليتوفروا على استثمارها ، مزارع حرية بأن تكون نموذجات الحقول ، وقد قامت الجمعيات الصهيونية مثل الجمعيات الصهيونية اليهودية وجمعيات ايكا وفاعوليم والأليانس وغيرها بأعمال مهمة لنشل أبناء دينهم من سقطتهم ، وأنشأوا لهم قرى كسارونا وزمارين والخضيرة وملبس والجاعونة والشجرة وغيرها هي كالقرى الأوربية بإتقان أعمالها الزراعية. وممن ساعد على إنجاح الزراعة بعض مهاجري اللبنانين الشرقي والغربي فإن منهم من وضع مما اقتصد من المال أمواله في الزراعة وأدخل طريقة الأميركان في أرضه.

درس الزراعة :

وكان من أثر مدرسة الزراعة العملية في نيتر قرب يافا التي أسست منذ نحو خمسين سنة ، وكان يتخرج فيها في السنة على الأقل عشرون تلميذا يستطيع

١٤١

تطبيق علمه الزراعي على العمل ـ أن نشرت أصول الزراعة الحديثة بين أبناء إسرائيل ، وغدا فيهم الكفاة للقيام على الحرث والتسميد والبذر والغرس والتعهد والتقليم والتطعيم ، وأصبحت مستعمراتهم تخرج أصنافا جيدة من الخمور واللوز وغيرها لا تخرجها القرى المجاورة لها.

ومن مدارس الزراعة التي نفعت بعض أبناء سورية وفلسطين مدرسة اللاطرون بين يافا والقدس أنشأها الآباء البيض. ومدرسة تعنايل بين بيروت ودمشق أنشأها الآباء اليسوعيون. وقد أنشأت الحكومة السابقة مدرسة زراعية في سلمية لكنها ضعيفة في تلقين العمليات والنظريات ، وقد ألغتها مؤخرا بحجة أن تلاميذها لم يعملوا في الصناعة التي اختصوا بها ، وآثروا التوظيف في أعمال الحكومة ، وذلك على شرط أن تؤسس مدارس عملية أخرى ومشاتل في كل قصبة فلم يتم شيء من ذلك.

ومن الغريب أن الزراعة وهي تكاد تكون في هذا القطر المحبوب مورد عيشه الأول ، لم يدرسها إلى اليوم سوى أفراد قلائل ، ولا أذكر سوى بضعة شبان ممن يملك آباؤهم مزارع واسعة تعلموا فن الزراعة على الأصول في مدارس فرنسا وإنكلترا وتونس ومصر والإستانة ، وجاءوا فعنوا بتطبيق ما تعلموه ، وكان الواجب أن يكون لكل بضع قرى مهندس زراعي ، يعلمها من علمه ويمدها بتجاربه ويدير شؤونها كما يدير أهل البصر في الغرب مزارعهم.

نقص كبير :

إلى اليوم لم تدخل على ما يجب أرضنا الأدوات الزراعية الحديثة التي تقلل عمل الأيدي وتزيد النماء كآلة الحرث والبذر والدرس والتذرية دع غيرها ، وما أبقاه لنا بعض علماء العرب من الكتب الزراعية التي طبع بعضها بلغتنا في أوربا دليل كبير على ترقي هذا الفن أيام لم يكن في الأرض من يحسنه. سبق العرب الغرب في كل شيء ، وسبقهم هو اليوم ويا للاسف في كل شيء ، والدهر دول يوم لك ويوم عليك.

سبق الأجداد في كل شيء ، وتأخر الأحفاد في كل شيء ، والفلاحة التي هي أشرف الأعمال وضيعة في نظر كثيرين حتى إن بعضهم قال وقد رأى

١٤٢

السكة في دار : ما دخلت هذه السكة دار قوم إلا ذلوا ، ولو قال : ما خلت هذه السكة من دار قوم إلا ذلوا لكان أقرب إلى الصواب. شعار الغرب اليوم «الأرض هي الوطن ومن توفر على تحسينها يخدم وطنه» وإذا كانت الفلاحة عندنا ينظر إليها نظر احتقار فمن باب أولى أن ينظر إلى الفلاح كذلك وهو خادم الوطن الحقيقي. وإذا كان الفلاح كالسلطان في مزرعته عند الأمم الممدنة ، فهو هنا عبد رقّ لصاحب الأرض وللحكومة وللمرابي.

وبينا نرى أرباب المزارع في الممالك الراقية ، ومصر منها ، يعنون براحة فلاحيهم وتعليم أبنائهم وبناتهم ، وتوفير قسطهم من الصحة والهناء ، ويجعل لهم حتى في قراهم مدارس ومعابد ودور تمثيل وصور متحركة للتسلية ، نجد أكثر المزارعين هنا يجدّون في أن يبقوا فلاحيهم جهلاء أغبياء حتى يخضعوا لهم بزعمهم أبد الدهر خضوعا أعمى ، وقلّ أن سمعت بأن مزارعا أنشأ لفلاحيه عندنا مدرسة بسيطة أو مسجدا وأتاهم بخطيب يعلمهم أو بطبيب يطبهم ، ولذلك تجد القرى التي يملكها أفراد صفرا من هذه الوجهة ، لأن صاحب القرية لا يهتم إلا لتكثير الدخل السنوي وإرهاق فلاحه ، وابن البادية والقائمون على الزرع والضرع أقل الأمة ويا للأسف حظا من التفكر بسعادتهم ، كأنهم ليسوا مادة الثروة ، إذا اختل نظامهم تطرق الخلل إلى سائر مذاهب المعاش ، ومقومات الحضارة ومظاهر الرخاء والهناء.

ولا يزال يدور على الألسن في وصف الفلاحين أنهم «غبر الوجوه إذا لم يظلموا ظلموا» ولكن تثقيف أودهم بالتربية قلما يخطر ببال ، وقطع الجرثومة من أساسها لا نراه دواء عاجلا!

التحسين الأخير :

على أن من الواجب أن يقال أيضا : إنه استفادت كثير من قرى الغوطة والمرجين ووادي العجم والبقاع وبعلبك والحولة وجبال عامل وعكار والحصن ونابلس وعكا والخليل وغزة وسهول حمص وحماة وحلب وأنطاكية وإسكندرونة والسوبدية عمرانا منذ ثمانين سنة بفضل بعض طبقة الأعيان ، لأنهم استطاعوا أن يحموها من عيث البادية وعبث الظلمة من العمال ، وأن يمدوها بالمال وقت

١٤٣

العسرة. فغرّموا على تحسينها أموالا ، وصرفوا قواهم إلى الانتفاع بها ما أمكن. وكان العربان يداهمون حتى القرى القريبة من الحواضر ، ويطلبون منها «الخوة أو الخاوة» وهي مبلغ من المال يتقاضونه من الفلاحين البائسين يؤدونه لصعاليك البدو صاغرين ، وإذا استنكفوا عن أداء ما يطلب منهم ، محتجين بضيق ذات اليد أو رداءة الموسم ، نهبوا دورهم وحرقوا عروضهم وغلاتهم واعتدوا على أرواحهم. وقد كانت معظم الأرياف مأوى الأشقياء وعصابات قطاع الطرق ، فما كان الفلاح يجسر أن ينتقل من قرية إلى أخرى ، أو يحمل محاصيله إلى المدن ، ولا أن يعمل في حقله البعيد قليلا عن القرية أو المزرعة.

فلما طبق قانون الولايات سنة (١٢٨١ ه‍) ثم أنشئت المحاكم النظامية كان من أثرها القضاء على عصابات من أرباب الدعارة ، وقلّت الشقاوة ، فانصرف الفلاحون كلهم إلى العمل ، لأن الأسعار بدت بالارتفاع ، فبعد أن كان الحوراني ينقل غلاته على الجمال إلى بيروت أو عكا فلا يتحصل منها غير أجرة النقل ، أصبح الفلاح يحمل غلاته إلى المواني البحرية ولا سيما غزة ويافا وحيفا وبيروت وطرابلس واللاذقية والإسكندرونة فتأتيه بأرباح طائلة ، لأن الحبوب كالثمار ، أصبحت تسافر في البحار ، ويدفع في ثمنها النضار.

وانتبه الفلاح لحاله بكثرة اختلاطه بابن المدن فعرف بؤسه ، فلم يكن على ما كان منذ سبعين سنة مملوكا لجهله الطبيعي. ولظالميه من المرابين وغيرهم من أدوات التخريب. وكان من تأسيس المصارف الزراعية ، وإن كانت قليلة رؤوس الأموال ، ويجب أن يكون فيها التسهيل كثيرا ، أن أنزلت معدل الربا إلى سبعة في المئة ، فخففت من غلواء المرابين والصيارفة. ولو زيد في ترقية المصارف الزراعية وأنشئت مصارف عقارية تقرض أرباب العقارات أيضا بفائدة معتدلة لزادت المنافع المطلوبة للزراعة.

وصادف أن قلت آفات الزراعة في العهد الأخير ، فأصبحت الأوبئة في البشر والبقر لا تفعل فعلها الشديد كما كانت في الأدوار السالفة ، وردمت بعض المستنقعات الصغيرة التي كانت بجوار بعض القرى ، وعني ديوان الصحة بفتح مستوصفات في القصبات ومستشفيات في المدن ، فتحسنت الصحة بعض الشيء ، وأصبح الفلاح يدرك فائدة التطبب ، وإن أعوزه الطبيب أحيانا ، وفتحت وزارة

١٤٤

المعارف مدارس ابتدائية في بعض القرى الكبيرة فدخلت المدنية قليلا وزادت النفوس زيادة محسوسة ، وربما زادت عما كانت عليه منذ سبعين سنة سبعة أضعاف. وهذه الزيادة أفادت الزراعة أيضا. ولم تصب بعض الأصقاع الزراعية بالضعف إلا مدة الحرب الأخيرة ، وقد كلب عمال الترك فاستلبوا من الفلاح ابنه وبقره وغنمه وخيله وحميره وبذاره وحطبه وقطنه وصوفه وقشره ، ولو طالت الحرب سنة أخرى لحصد الوباء البقري الأبقار من أكثر أنحاء الشام ، لأن ما بقي سالما منها كانت الحكومة تأخذه للنقل أو للذبح ، فتعطل بعضهم عن الحرث ، ولكن من نجوا من هذه الغوائل ولو قليلا استفادوا من ارتفاع الأسعار أرباحا طائلة ، فوفوا ديونهم وخرجوا وقد أغنتهم الحرب ولم تفقرهم.

وما زلت أعتقد أن أصحاب الحوانيت مقصرون جدا في تعليم الفلاح ، وتحسين حالته المعاشية والمنزلية والصحية ، حتى كاد يصبح بطول الزمن شقيق البهائم لا يفرق عنها إلا أنه ناطق ، وهذا النقص يحمل عليهم وعلى الحكومة. فقد تجتاز إلى اليوم القرية والقريتين في الأرجاء البعيدة ولا تجد رجلين أو ثلاثة من أهلها يقرأون ويكتبون على ما يجب ، فكيف لهم أن يعرفوا ما لهم وما عليهم من الحقوق والواجبات. ولا يستقيم للزراعة حال فيما أرى إلا إذا علّمت كل أسرة يأتيها رزقها من الزراعة أحد أبنائها هذا الفن الجليل ، ولا تمضي بضع سنين حتى تدخل الشام في طور الأقطار الزراعية الراقية ، وعندها تتضاعف الثروة مرتين أو ثلاثا ، وينقطع دابر الهجرة ويعمر الغامر كما يزيد عمران العامر. ويعتقد الناس أن العز والغنى معقود بالأرض ، وأن الشرف يستمده المرء من عمله الحر الحلال.

عناية الأقدمين بالزراعة :

إن ما انتهى إلينا من الكلام القليل على الزراعة الشامية لا يشفي غلة الباحثين اليوم، لأنه مجمل يحتاج إلى تفصيل كثير. وإذا عرضنا له هنا فللاستئناس به في تاريخ الزراعة في الجملة ، فقد علمنا أن الإسرائيليين كانوا يريحون الأرض سبع سنين ثم يزرعونها فتأتي غلاتهم مخصبة نامية. وعلمنا أن النبطيين وهم (٤ ـ ١٠)

١٤٥

العرب الرحل في أرجاء البتراء في الجنوب كان من المحظور عليهم أن يزرعوا الحنطة ويغرسوا الأشجار المثمرة ويبنوا البيوت إذ كانوا يعتبرون أن الاحتفاظ بهذه الخيرات يحتاج إلى أن يفادي المرء بحريته. وعرفنا أن الفينيقيين كانوا لا يعنون بالزراعة عنايتهم بالتجارة ، فكانوا يجلبون من الداخل ومن السواحل القريبة منهم ما يلزمهم في غذائهم. حتى إذا جاء العرب وأبدوا ما أبدوا من حب التحضر كان قانونهم من أحيا أرضا مواتا فهي له واطرد ذلك منذ الفتح. واغتبط العرب بما وجدوه من الخصب في هذه الربوع بعد قحولة الحجاز وبواديه المحرقة فقال زياد بن حنظلة في فتح عمر مدينة إيليا من قصيدة :

وألقت إليه الشام أفلاذ بطنها

وعيشا خصيبا ما تعد مآكله

حتى إذا تربعت أمية في دست الخلافة وأخذ آلهم ورجالهم يقتنون المزارع ، ويبالغون في اتخاذ الغروس والزروع المثمرة المغلة ، جعلوا القرى مستغلات لهم ونزلوها وعنوا بعمرانها ، وتنافسوا في ذلك. فقد ذكر المنبجي أن هشام بن عبد الملك اتخذ المستغلات الكبيرة في أكثر المدن التي في سلطانه ، والخانات والحوانيت والحجر والضياع والمزارع ، وهو أول من اتخذ الضياع لنفسه من العرب ، واشتق أنهارا كثيرة غزيرة ، وهو الذي استخرج النهر الذي فوق الرقة ، وغرس غرسا كثيرا بالجزيرة والشامات ، فبلغت غلته أكثر من خراج مملكته.

ولطالما عني الخلفاء بأن لا تبقى أرض شاغرة لا تستغل ، فقد أنزل معاوية قوما من الفرس في طرابلس ، وكان الرشيد لما انتشر ذاك الطاعون الجارف في فلسطين على عهده وكان ربما أتى على جميع أهل البيت فتخرب أرضوهم وتعطل ، قد وكل بهذه الأرضين من عمرها فكان يتألف الأكرة والمزارعين إليها فصارت ضياعا للخلافة.

وما زالت العناية بتعهد الأرض متوفرة حتى اغتى العرب الذين استغلوا هذه الديار بذكائهم وبعد نظرهم. والعرب كما ـ قال أحد علماء الإفرنج ـ عمال زراعة ورجال براعة ، برعوا في سقي الجنائن واخترعوا النواعير العجيبة بل ووطنوا النباتات والأشجار الإفريقية والآسياوية في أوربا كالنخل والبرتقال والتوت والقطن وقصب السكر والذرة والأرز والحنطة السوداء والزعفران والهندباء

١٤٦

والخرشوف والسبانخ والباذنجان والطرخون والبصل والياسمين الخ وينسب إليهم اختراع طواحين الهواء ونواعير الماء. وقال ميشو : ما من دار في أوربا إلا وتعرف اليوم البصل Echalote الذي جاء اسمه وأصله من عسقلان. ومعلوم أن الأندلس ابنة الشام فتحها الشاميون ونقلوا إليها مدنيتهم. وهذه الصنوف من الزراعة التي انتشرت في الأندلس ثم في سائر أوربا تكاد تكون خاصة بأرض الشام في تلك القرون.

لا جرم أن الحضارة التي أوجدها العرب كان من أول دعائمها الزراعة فاحتاجت الدولة والأمة إلى الاستكثار من الغروس واستجادة الزروع من وراء الغاية. قيل لإسحاق بن يحيى الختلي من ولاة دمشق (٢٣٥) لم سكنت دمشق وفلحت أرضها ، وأكثرت فيها من الغروس من أصناف الفاكهة ، وأجريت المياه إلى الضياع وغيرها؟ فقال : لا يطيق نزولها إلا الملوك قيل له : وكيف ذلك؟ قال : ما ظنكم ببلدة يأكل فيها الأطفال ما يأكله في غيرها الكبار!. ولطالما دهش العرب بغوطة دمشق لأنها كانت أول ما يقع عليه نظرهم من عمران الشام فيعجبون للأشجار والزروع المنوعة التي لا يعرف أكثرها في شبه جزيرة العرب ويدهشون للخصب والمياه الدافقة من كل جهة.

أصناف الزروع والأشجار :

ذكر المهلبي أنه تجلب من كور حلب وضياعها ما يجمع جميع الغلات النفيسة فإن بلدة معرة مصرين وجبل السماق بلد التين والزيتون والزبيب والفستق والسماق والحبة الخضراء. وقال ابن شداد : وفي بعض ضياع حلب ما يجمع عشرين صنفا من الغلات. وقال ياقوت : ويزرع في أراضيها القطن والسمسم والبطيخ والخيار والدخن والكروم والذرة والمشمش والتين والتفاح عذيا لا يسقى إلا بماء المطر ، ويجيء مع ذلك رخصا غضا رويا ، يفوق ما يسقى بالمياه والسيح وقال : إن أكثر مستغل ضياع الغور السكر ومنها يحمل إلى الآفاق ، وفي عسقلان نخل كثير وصنوف من التمور والرمان يحمل إلى كل بلد بحسبه ، وإنها معدن الجميز كثيرة المحارس والفواكه. واشتهرت نواز في جبل السماق بتفاحها الكبير المليح. وتل أعرن في حلب بعنبها الأحمر المدور. وقال ابن جبير : في بلاد المعرة وهي سواد كلها بشجر الزيتون والتين والفستق وأنواع الفواكه ويتصل

١٤٧

التفاف بساتينها وانتظام قراها مسيرة يومين. وقال ابن حوقل : وما حول معرة نسرين من القرى أعذاء ليس بجميع نواحيها ماء جار ولا عين ، وكذلك أكثر ما بجميع جند قنسرين أعذاء ومياههم من السماء. وقالوا : اشتهرت الفرزل في البقاع بزبيبها الجوزاني ، وكان يعمل به الملبن المسمى بجلد الفرس وهو من خصائصها ، وأن بعلبك معدن الأعناب والحولة معدن الأقطان والأزهار ، واشتهرت بيسان بالنخيل الكثير كما اشتهرت بيروت وآبل بقصب السكر ، يطبخ بها السكر الفائق ، وعراق الأمير بسفرجلها ، والناعمة بخرنوبها الفائق. وقال المقدسي : إن عسقلان معدن الجميز وأريحا معدن النيل والنخيل كثيرة الموز والأرطاب والريحان. ومعان معدن الحبوب والأنعام ، ويبنى معدن التين الفائق الدمشقي. وأن أشجار جبال فلسطين زيتون وتين وجميز وسائر الفواكه أقل من ذلك. وقال : خير العسل ما رعى السعتر بإيليا وجبل عاملة وأجود المري ما عمل بأريحا ، وأن عنب القدس خطير وليس لمعنقتها نظير.

وذكر ابن حوقل أن أهل زغر يلقحون كرومهم وكروم فلسطين كما يلقح النخل بالطلع الذكر وكما يلقح أهل المغرب تينهم بأذكارهم. وقالوا : إن لبنان كثير الأشجار والثمار المباحة يتعبد فيه أقوام قد بنوا لأنفسهم بيوتا من القش يأكلون من تلك المباحات ، ويرتفقون بما يحملون منها إلى المدن من القصب الفارسي والمرسين وغير ذلك.

وقال شيخ الربوة : ولجبل لبنان ولا سيما بقضيبه وأذياله نحو من تسعين عقارا ونباتا نافعا مباحا بلا ثمن وله قيمة جيدة وثمن يكتفي به الجابي الجامع طول سنته له ولأهله ، ومن ذلك الكثيراء والريباس والبرباريس والقاوينا وهو عود الصليب والقيسه والبقس والقبقب الذي يعملون منه المرامل والملاعق والآلات المموهة بالذهب والفضة ويحمل إلى سائر البلاد والأقاليم ، وليس عملا ألطف منه ولا أحسن ، ومن النباتات أيضا شجر المحمودة والاشتوان والزراوند والحماما التي لا توجد إلا في إقليم دمشق وهو معلق في شقيف عال ما يقدرون على جنيه إلا أن يدلوا جانبه بحبال من رأس جبل عال ، كما يدلى الدلو في البئر ، وهي لأجل الترياق الفاروق والراوندان واللوز المر والحلو والأبهل والقراصيا والزيزفون ، وأما الفواكه فكثيرة جدا بلبنان ا ه.

١٤٨

وذكر الثعالبي أن التفاح اللبناني موصوف بحسن اللون وطيب الرائحة ولذاذة الطعم يحمل منه في القرابات إلى الآفاق ، وكان يحمل إلى الخلفاء في بغداد منه من خراج أجناد الشام ثلاثون ألف تفاحة. وقال المقدسي في الرملة : إنه ليس أطيب من حوارى الرملة ولا ألذ من فواكهها ، أطعمة نظيفة وأدمات كثيرة وأنها جمعت التين والنخل وأنبتت الزروع على البعل وحوت الخيرات والفضل. وقال : إن ماء فلسطين من الأمطار والطل وأشجارها أعذاء وزروعها كذلك لا تسقى إلا نابلس فإن فيها مياها جارية. وقال ياقوت : إن ياسوف من قرى نابلس توصف بكثرة الرمان.

وقال أبو الفدا : إن جبال فلسطين وسهلها زيتون وتين وخرنوب وسائر الفواكه أقل من ذلك. وذكر المقدسي أن على نحو نصف مرحلة من كل جانب من حبرون قرى وكروم وأعناب وتفاح يسمى جيل نضرة لا يرى مثله ولا أحسن من فواكهه عامتها تحمل إلى مصر وتنشر. وقال ابن حوقل في زغر : إن بها بسرا يقال له الانقلاء لم ير بالعراق ولا بمكان أغرب ولا أحسن منظرا منه لونه كالزعفران ولم يغادر منه شيئا ويكون في أربع منه رطل ، وبها النيل الكثير المقصر عن صباغ نيل كابل ، وفيه لهم تجارة كبيرة واسعة ومقصد كبير. وقال الظاهري: إن غزة كثيرة الفواكه. وقال ابن بطلان في أنطاكية : إن أرضها تزرع الحنطة والشعير تحت شجر الزيتون. وقال ياقوت : وبدمشق فواكه جيدة فائقة طيبة تحمل إلى جميع ما حولها من البلاد من مصر إلى حرّان وما يقارب ذلك فتعم الكل. ولقد ذكروا في باب خصب أريحا أن الجفنة التي عمرها ٤٢ سنة تكون استدارتها على سطح الأرض مترين وثلاثين سنتيمترا وتحمل في السنة ١٥٠٠ كيلو من العنب وأنه يضرب المثل بورودها وأزاهيرها ويخرج منها الزقوم والسدر وهو أشبه بالزيتون الكبير يستخرجون منه زيتا للجروح. وكذلك النبق وهو بمقام الصبار والزيزفون في بلاد أخرى يستعمل حيطانا للحوائط أي للبساتين.

وذكر الثعالبي أن زيت الشام يضرب به المثل في الجودة والنظافة وإنما قيل له الزيت الركابي لأنه كان يحمل على الإبل من الشام وهي أكثر بلاد الله زيتونا

١٤٩

وفيه ما فيه من البركة والمنفعة. وقال شيخ الربوة في نابلس : وقد خصها الله تبارك وتعالى بالشجرة المباركة وهي الزيتون ويحمل زيتها إلى الديار المصرية والشامية وإلى الحجاز والبراري مع العربان ويحمل إلى جامع بني أمية منه في كل سنة ألف قنطار بالدمشقي ، ويعمل منه الصابون الرقي يحمل إلى سائر البلاد التي ذكرناها وإلى جزائر البحر الرومي ، وبها البطيخ الأصفر الزائد الحلاوة على جميع بطيخ الأرض. والظاهر أن هذه الشجرة المباركة شجرة الزيتون آخذة بالاضمحلال قياسا مع حالها في القديم ، فقد قلّ عدده في فلسطين بعد الحرب العامة واستعيض عن بعضه بما بذلته الحكومة هنا من الجهد لغرس الزيتون والكرمة ، أما في أرباض دمشق فهو آخد بالقلة منذ اشتهرت الفواكه وهي هينة العمل سريعة الغلة ، وكان في حمص على ما تبين من الحفريات التي أجريت زيتون كثير بدليل ما وجد من معاصره التي لم يبق لها زيتون تعصر منه ولا تجد الزيتون اليوم في أرجاء حمص إلا في بقعة أو بقعتين. واشتهر في القديم زيتون الطفيلة والشوبك اشتهارهما بمشمشهما وكمثراهما ورمانهما. سألنا أحد شيوخ الصلت عن السبب في إحجام القوم هناك عن غرس شجر الزيتون مع أنه يجود كل الجودة فقال : لا تذكرنا بغباوتنا فقد حملنا سعيد باشا شمدين أحد متصرفي البلقاء على أن نغرس في هذه الأودية التي تراها مئة ألف زيتونة فوقع في أنفسنا أن في الأمر دسيسة من الحكومة تريد بها وضع الضرائب الفاحشة على أملاكنا وتسجيل أراضينا على صورة لا نعود معها ملاكها الحقيقيين فصدعنا بالأمر بالظاهر ، وغرسنا ألوفا من شجر الزيتون ، ولكن أتدري كيف تخلصنا منه بعد؟ كان أحدنا يجيء الى الغرسة فيحركها حتى لا يطلع جذعها وهكذا لم يبق من كل ما غرسه الصلتيون إلا ما تشاهده اليوم في جوار القصبة وقليل ما هو. قلنا : وعجيب تبدل تصورات الناس فرجال الحكومة بالأمس كانوا يحملون الناس على زرع الأشجار. ويزينون لهم اقتناء الأراضي للزراعة ، واليوم يطلب الأهلون في هذا العمل وفي غيره الأرض الموات ليحيوها ولا يعطون طلبتهم! هكذا رأينا أهل الشراة والطفيلة ومعان ، على حين يقضي قانون الأراضي بأن كل من يحيي أرضا مواتا تبعد عن القرى والدساكر مقدار ما يسمع الصوت فيها من أقصى العامر فهي له. ولقد رأينا كثيرا من

١٥٠

أهل القرى استأصلت أشجار التين والكرمة وغيرها لأن العشارين كانوا يتقاضون منهم عشرها فاحشا أثمرت أم لم تثمر ، فعدمت بعض القرى شجرها المثمر بهذا الظلم!.

وما قيل في كثرة الزيتون يقال في كثرة الأعناب واشتهرت بلدان كثيرة بذلك ، وقد أكثر شعراء العرب من ذكر خمر بيت رأس ولبنان وغزة وجدر وصرخد وأذرعات والأندرين وبنات مشيع وبيسان ولدّ ومآب والخمر المقديّة وخمر الأحصّ وقاصرين (في أرجاء حمص وحلب) وكان يقال لجبل بيت المقدس جبل الخمر لكثرة كرومه. واشتهرت حلبون في جبل سنير بخمرها وكثرة كرومها. ويظهر أن الزعفران كان كثيرا ما يجود في الشام لأنه كان يدخل في الأطعمة والأشربة كثيرا ، ومزارع الزعفران التي كان يطلّ عليها من دير مرّان في السفح الغربي من قاسيون جبل دمشق مشهورة ، والغالب أنها كانت في أرض النيرب ، وكان الزعفران يجود في جادية في قرى البلقاء والجادي هو الزعفران. ولم تكن عنايتهم بالنخيل أقل من عنايتهم بالزيتون والكرم مثلا ولا سيما في جنوب الشام وشرقه.

ولا أثر اليوم لبعض الثمار مثل القراصيا والكستانة والبندق والبيسيم (المشمولة) وكانت كثيرة مبذولة هي والكراز حتى القرن الحادي عشر وكان القطن يجود في ضواحي دمشق وحماة وحلب. ذكر القلقشندي زروع الشام وفواكهه ورياحينه فقال : إن غالب زروعه على المطر قال في مسالك الأبصار : ومنها ما هو على سقي الأنهار وهو قليل وفيه من الحبوب من كل ما يوجد في مصر من البرّ. الشعير. الذرّة. الأرز. الباقلاء. البسلّة. الجلبان. اللوبياء. الحلبة. السمسم. القرطم. ولا يوجد فيه الكتان والبرسيم. وبه من أنواع البطيخ والقثاء ما يستطاب ويستحسن. وكذلك غيرها من المزروعات كالقلقاس. الملوخيا. الباذنجان. اللفت. الجزر. الهليون. القنّبيط. الرّجلة. البقلة اليمانية ، وغير ذلك من أنواع الخضروات المأكولة ، وقصب السكر في أغواره إلا أنه لم يبلغ في الكثرة حد مصر.

وأما فواكهه ففيه من كل ما يوجد في مصر كالتين. العنب. الرمان. القراصيا. البرقوق. المشمش. الخوخ ـ وهو المسمى بالدراقن ـ والتوت

١٥١

والفرصاد ، ويكثر بها التفاح والكمثرى والسفرجل مع كونها أكثر أنواعا وأبهج منظرا ، ويزيد عليه فواكه أخر لا توجد بمصر ، وربما وجد بعضها في مصر على الندور الذي لا يعتدّ به كالجوز. البندق. الإجّاص. العنّاب. الزعرور ، والزيتون فيه الغاية في الكثرة ، ومنه يعتصر الزيت وينقل إلى أكثر البلدان وغير ذلك. وبأغوارها أنواع المحمضات كالأترج. اللّيمون. الكباد. النارنج. ولكنه لا يبلغ في ذلك حد مصر. وكذلك الموز ولا يوجد البلح والرّطب فيه أصلا. قال في مسالك الأبصار : وفيه فواكه تأتي في الخريف وتبقى في الربيع كالسفرجل والتفاح والعنب.

وأما رياحينه ففيه كل ما في مصر من الآس والورد والنرجس والبنفسج والياسمبن والنسرين ، ويزيد على مصر في ذلك خصوصا الورد حتى إنه يستقطر منه ماء الورد وينقل منه إلى سائر البلدان. قال في مسالك الأبصار : وقد نسي به ما كان يذكر من ماء ورد جور ونصيبين.

وبعد فقد دخلت الشام في العهد الحديث عدة ضروب من الزروع والغراس لم تكن له فيه من قبل مثل الشوح. الأوكالبتس. الأكاسيا. المشمش الهندي. البندورة (الطماطم أو القوطة) والبطاطا فكان منهما فائدة جلى وأصبحت البندورة والبطاطا من أهم أنواع التغذية، وسرعان ما انتشر الغرام بهما وعمت القاصية والدانية زراعتهما.

الأشجار غير المثمرة :

كانت الشام مشهورة بسروها وصنوبرها وأرزها ، ويقول الشجارون : إنه كان في غوطة دمشق ألوف من أشجار السرو انقرضت ، وأدرك الغزي في حلب من شجر السرو الهرمي والصيواني أشجارا قليلة ثم فقد عن آخره ، وكان يوجد منها بكثرة ، وأحسن الجبال في الشام التي احتفظت بغاباتها بعض الشيء جبل لبنان ، فإن الصنوبر والأرز فيه كثير. وقد أكثر القدماء والمحدثون من الكلام على تاريخ الأرز لورود ذكره في الكتاب المقدس مرات ، ولأن من خشبه بني قصر داود وهيكل سليمان والهيكل الثاني الذي جدد في أيام زربايل وسقف الهيكل المجدد في عهد هيرودوس وقبة القبر المقدس وسقف الكنيسة

١٥٢

في بيت لحم ، وقالوا : إن الأشوريين والبابليين والفرس والمصريين استعملوه في قصورهم وبناء هياكلهم واستعمله الإسكندر المقدوني في السد الذي أقامه بين الجزيرة والشاطئ من مدينة صور وكذلك السلاقسة أدخلوه في بناء دورهم. وكانت أخشابه تحمل إلى طرابلس وصيدا وصور وبيروت وتعمل منها السفن وفيها عمل معاوية أساطيله لغزو الروم. وما برح كثير من المتدينين بالنصرانية يتبركون بشجر الأرز ويحملون من غصونه قطعا ينقلونها من مملكة إلى أخرى. وهو عطر الرائحة إذا وضع في النار ويحسن في المشم إذا مسسته بيدك ، ولونه أصفر فاقع مشرب بخطوط حمراء لا تعبث به الأرضة ولا يفعل فيه السوس. والغالب أن الحكومات السالفة في لبنان كانت تحتكر أربعة أشكال من الشجر تستثمرها لخزينتها وهي السرو والعرعر والأرز والصنوبر وتسمح باحتكار غيره وبدأ النقص في هذه الأشجار منذ خمسة قرون وقد احتاج اللبنانيون إلى الاحتطاب للدفء والعمارة ، وكانوا يسمون رزق الرجل أشجاره ، وإذا غضب الحاكم على أحدهم يقطع شجره فيقولون في أمثالهم الدارجة (الله يقطع رزقه) أي شجره كما يقولون (الله يخرب زوقه) أي بيته ، وربما أسرع اللبنانيون في احتطاب شجر الأرز وغيره لئلا تصدعهم الدولة العثمانية كما أن كثيرا من القرى في القاصية كانت أيام الأعشار تقطع التين والكرم وغيره من مثمر الشجر لتخلص من ظلم العشارين الذين يتقاضون العشر من الشجر أثمر أم لم يثمر على ما تقدم.

ولم يبرح شجر الأرز مشاهدا في عدة أماكن من لبنان على كثرة ما انتابه من البوائق فبالقرب من معاصر الفخار على مقربة من بيت الدين غابة منه فيها نحو ٢٥٠ شجرة يسمونها الأبهل ، وأخرى فوق قرية الباروك غير ملتفة وضعيفة النمو ، لكثرة الأمطار والثلوج والعواصف في تلك الأرجاء ، ومنها ما غرس حديثا ، وثالثة فوق قرية عين زحلتا ، وكان أحرق أكثرها لاستخراج القطران منه ، ورابعة بين أفقا والعاقورة في جرد جبيل من جبل كسروان ، وخامسة بين قرية تنورين وبشرّي صغيرة الشجر وعدد شجيراتها نحو عشرة آلاف ، وسادسة بالقرب من بشري على علو ١٩٢٥ مترا عن سطح البحر وهي مقصد السياح وفيها أضخم أشجار الأرز ويبلغ عددها ٣٩٧ وقيل ٦٨٠ شجرة منها ١٢ كبرى

١٥٣

وأكبرها شجرتان دائرة جذع كل منهما نحو خمسة عشر مترا وارتفاع طولهما خمسة وعشرون مترا وقدروا عمرهما بثلاثة آلاف سنة. وفي تسريح الأبصار أنه لا أثر اليوم في الشام لشجر الأرز إلا في أعالي سير بالضنية في وادي النجاص ففيه كثير من شجر الأرز على ارتفاع ١٩٠٠ متر عن سطح البحر. وبين سير ونبع السكر وفي الغابة الواقعة خلف وادي جهنم ويسمى عند أهله تنوب Sapin على أن في جبال قره مورط إحدى شعاب جبل اللكام من عمل أنطاكية غابات من الأرز وغيره من فصيلته. ولو توفرت العناية بأمثال هذه الأشجار وقضت الحكومة على كل فلاح أن يغرس ويتعهد عشر شجرات منها ، إذا لما مضى خمسون سنة حتى تصبح الشام كسويسرا بأشجارها الغضة الملتفة ، تحسن المناظر والمناخ ويكون منها عموم النفع ، كلما وقع القطع منها في ثلاثين سنة كما تجري فرنسا في غابة فونتينبلو وغيرها من غاباتها البديعة المشهورة. ولا تكون في جمالها أقل من شجر الأرز الذي يكسو نجاد جبال طوروس (الدروب) ووهادها فترى فيها تلعة مستطيلة إلى جانبها تلعة هرمية وأخرى ذات شكل بيضوي وغيرها المحدودب والمربع أو قائم الزوايا ومنفرجها وكلها مزينة بالأشجار.

يقول كاتب چلبي من أهل القرن الحادي عشر : إن غابات الشام كثيرة أشهرها غابة عسقلان وهو حرج كبير يمتد إلى نواحي الرملة. ومن الغابات غابة أرسوف بالقرب من نهر العوجا تمتد إلى عكا وكان يقال له غاب قلنسوة وهذا الحرج يمتد من قاقون إلى عيون التجار ، ومن الحراج حرج القنيطرة ، وفي أطراف حلب عدة غابات وخصوصا الغاب الكبير ويقال له الزور وأكثر شجره التوت ا ه. ولقد ثبت أن الغابات كانت في القرون السالفة أكثر من اليوم وأن معظم جبالنا التي نراها اليوم جرداء كانت خضراء وأن التجريد من الغابات وقع في أدوار مختلفة فقد ذكر ابن حوقل أن جبل قلمون وجبل المانع وجبل الشيخ المحيطة بدمشق كانت منذ القرن الرابع مجردة من أشجارها قال : إنك إذا كنت في دمشق ترى بعينك على فرسخ وأقل جبالا قرعاء من النبات والشجر وأمكنة خالية من العمارة.

وتجريد الشام من غاباته دعا إلى زيادة مساحة عدد البطائح والمستنقعات وتأليف صحار من الرمال فقد قالوا : إن الظلال كانت تمتد شرقي قيسارية على ستة أو

١٥٤

ثمانية كيلومترات فأصبحت اليوم عبارة عن كثبان من الرمل. وهكذا سواحل فلسطين بل معظم سواحل الشام طمت عليها مياه البحر فأبقت فيها الرمال وألّفت منها بطائح ومغايض وأفسدت الأراضي العامرة. ولهذا النظر قلّ ولا شك مساحة المزروع من أرض الشام سنة عن سنة والمستنقعات معروف ضررها بحياة الفلاح وإن كانت أقلّ من الكثبان والحرار. وضرر المستنقعات يتناول الأنفس لما ينبعث عنها من الحميات التي كثيرا ما رأيناها تقفر قرى برمتها من سكانها. وقد قال الزراعي أرنزون : إن أهم الآفات التي ابتليت بها الغابات ثلاث: الرعي المتبادل وحق المرعى في الأراضي الخالية والحيوانات الصغيرة ولا سيما الماعز وفأس الحطابين. ونسب خراب الغابات في فلسطين ـ وسائر الشام تتصرف عليها ـ إلى إصدار الخشب والتبن والسماد إلى الخارج ، وقال : إن الربح من إصدارها لا يوازي خراب الغابات وقلة غذاء الحيوانات وبوار الأراضي بقلة السماد والسباخ.

الأشجار المثمرة وغيرها :

وكانوا يتفننون بتسمية الفواكه والبقول والورود. قال البدري : والعنب في دمشق فقط أصناف : البلدي. خناصري. عاصمي. زيني. بيتموني. قناديلي. إفرنجي. مكاحلي. بيض الحمام. حلواني. بوارشي. جبلي. قصيف. ابزاز الكلبة. قشلميش. كوتاني. عبيدي. شحماني. جوزاني. دراقني. مخ العصفور. عرايشي. رومي. شبيهي. ينطاني. عصيري. رناطي. ورق الطير. سماقي. حرصي. مجزع. شعراوي. دربلي. قاري. علوي. عينوني. مورق. مشعر. مسمط. مرصص. مجضر. مقوس. حمادي. تفاحي. رهباني. زردي مبرد. مخصل. مغاربي. شحمة القرط. وقسم المشمش إلى أحد وعشرين صنفا وهي : حموي. سندياني. أويسي. عربيلي. خراساني. كافوري. بعلبكي. لقيس. لوزي. دغمشي. وزيري. كلابي. سلطاني. حازمي. أيدمري. سنيني. برديّ. ملوّح. قرط البخاتي. جلاجل القلوع. الخ. ووصف العماد الكاتب المشمش الدمشقي فقال : طلعت في أبراج الأطباق كأنها كرات من التبر مصوغة ، وبالورس مصبوغة ، صفر كأنها ثمر الرايات الناصرية ، حلا

١٥٥

منظرا وذوقا ، ولو نظم جوهره لكان طوقا ، كأنما خرط من الصندل ، وخلط بالمندل ، وجمد من الثلج والعسل ، وتصاحب هو والسلطان في الركوب والجلوس ، والتناجي بما في النفوس.

وقال البدري : ومن خصوصيات دمشق «الطرخون» من بقول المائدة وكان يخرج فيها السذاب والرشاد وبقلة الحمقاء والماش والهندباء والكراويا والتوت الأسود والشامي. وكان يكثر فيها الكراز والوشنة وهو فيها سبعة أنواع. وذكر أن الورد جنس تحته ستة أنواع بدمشق ومنه الجوري والنسريني ، والنرجس جنس تحته أنواع منها اليعفوري والبري ، والمضعف وذكر منثورها وزنبقها وآذريونها وآسها وحبه وريحانها ونيلوفرها وبانها وحيلانها وزنزلختها وتمر حنائها وقراصياها وكمثراها (ثلاثة وعشرون صنفا) وتفاحها ودراقها (ستة عشر صنفا) وخوخها (ثلاثة عشر صنفا) إلى غير ذلك مما كان في القرن التاسع.

الصناعات الزراعية القديمة :

وكانت الزهور والورود من أهم فروع الزراعة ، وللطيوب والعطور ومستقطرات الزهور ، شأن وأي شأن منذ الأزمان المتطاولة. وكان للأقدمين على ما يظهر غرام شديد بالملاب العطر المائع والكباد اليابس ، ويستعملون المسك والعنبر والزعفران كثيرا ، ويولعون بالعرف والأريجة ، وكان لهم طيب يقال له الغالية وهي مسك وعنبر يعجنان بالبان قال ابن سيده : ويقال إن الذي سماها غالية معاوية بن أبي سفيان وذلك أنه شمها من عبد الله بن جعفر بن أبي طالب فاستطابها فسأله عنها فوصفها له فقال : هذه غالية. وقد حفظ لنا شيخ الربوة من أهل القرن الثامن شيئا من الإشارة إلى كثرة الورد والزهر في دمشق فقال : إن العطر وغيره كان يستخرج في المزة من ضواحي دمشق من زهورها وورودها حتى إن حراقته تلقى على الطرقات وفي دروبها وأزقتها كالمزابل فلا يكون لرائحته نظير ويكون ألذّ من المسك إلى مدة انقضاء الورد. وذكر صفة إخراجه في الكركات والأنابيق ورسم صورها ـ والقرع والأنبيق آلتان لصنع ماء الورد السفلى هي القرع والعليا على هيئة المحجمة هي الأنبيق ـ قال : وغير هذه الكركة كركة أخرى يستخرج منها الماورد وغيره من المياه بلا ماء بوقود الحطب وذلك

١٥٦

بعد حشو القرع بالورد وبلسان الثور وبزهر النوفر أو البان أو زهر النارنج والشقيق والهندباء أو بورق القرنفل المزروع بدمشق.

قال : ويحمل الورد المستخرج بالمزة إلى سائر البلاد الجنوبية كالحجاز وما وراء ذلك وكذلك يحمل زهر الورد المزي إلى الهند وإلى السند وإلى الصين وإلى ما وراء ذلك ويسمى هناك الزهر. ومما أرخوه إنه كان لقاضي القضاة الحنفية ولأخيه الحريري قطعة بأرض تسمى شور الزهر طولها مائة وعشر خطوات وعرضها خمس وسبعون خطوة باع منها عشرين قنطارا باثنين وعشرين ألف درهم وذلك سنة خمس وستين وستمائة وهذا لم يسمع بمثله ا ه.

وكانت حلب في القديم مختصة بماء الورد النصيبي الذي يستخرج بالباب من أعمالها قال ابن الشحنة : إنه لا يقاربه شيء مما يجلب إلى الديار المصرية من الشام ولا يدانيه مع أن المجلوب من دمشق عند المصريين في غاية العظمة بحيث يصفه أطباؤهم للمرضى فيقولون ماء ورد شامي. وينبت في أرض حلب زهر القرنفل وكان يستقطر ماؤه. واشتهرت في القديم زهور لبنان وما إليه من الجبال كجبل الشيخ فإنها كثيرة مبذولة في الربيع شأنها في مراعي الجولان والعمق والبقاع والبقيعة كما اشتهرت طيوب البلقاء وصموغه وكانت تحمل إلى مصر. وقلّ اليوم من يلتفت إلى هذه الصناعات الزراعية.

ومن صناعاتهم الزراعية في القديم السكّر وكان يعمل في القديم على ضفاف الأردن ولا تزال معامله في جنوبي الغور تدعى إلى اليوم مطاحن السكر ، وكان السكر أكثر مستغل تلك الناحية يحمل إلى الشرق والغرب. وكان يصنع السكر في أنطاكية وطرابلس وعكا ويافا ويحمل منها إلى الآفاق. قال القلقشندي من أهل القرن التاسع : في الشام يعمل السكر الوسط والمكرر. وكانت زيوت الشام كخمورها تصدر إلى القاصية. ويعصر السليط أي دهن السمسم في دياف من حوران وبه اشتهرت. وكان الصابون الحلبي والنابلسي وغيره مما يفيض عن حاجة القطر يباع منه في الأقطار الأخرى. وكان الجبن الكركي مشهورا يصدر إلى مصر.

وقد قامت الحكومة العثمانية إبان الحرب العامة بعمل بعض المحفوظات والمرببات في دمشق فتعمل الحساء ذرورا ثم يذاب في ماء حار وقت الاستعمال فيأتي كأنه طبخ الساعة واستخرجوا من العظام مرقا معقما. وأخذوا يعملون

١٥٧

من الثمار والبقول مجففات ومحضرات على طريقة لا تنقص من تغذيتها وتكون عند الاستعمال كأنها طرية حديثة عهد بالقطف من الشجرة أو المسكبة. وبلغ عدد البقول المرببة عشرة أنواع كان يتناولها الجندي في كل وقت كأنه على مقربة من الحدائق والمباقل والمقاتي. واستخرجوا في معامل الفيلق بدمشق أشربة كثيرة من ماء الزهر وماء الورد وشراب قشر الليمون وقشر البرتقال تجعل أرواحها في زجاجات وتكفي القطرة منها كأس ماء لتكون حلوة ذات نكهة تستعمل في أشربة الجيش ولا سيما في مستشفيات البادية. وبالجملة فقد كان لتعقيم السوائل واستخراج الأشربة وتجفيف الثمار والبقول وخبز الأخباز بالآلات الكهربائية الصحية شأن لم يعهد في الشام ثم تنوسي بعدهم.

ومن صناعاتهم العسل وكانوا يغالون بأكله كثيرا واشتهر عسل سنير وجبل الثلج كما اشتهر دبس بعلبك وجبنها وزيتها ولبنها ، قال ياقوت : ليس في الدنيا مثلها يضرب بها المثل. وكانت بيسان توصف بكثرة النخل ، والنخيل مما يجود في الأغوار وكان كثيرا في القديم والشاميون يعنون بتعهده من وراء الغاية.

ويظهر أن العسل والزعفران والدبس والقنود والتمور كانت مما يعول عليه في الأطعمة والحلواء أكثر من اليوم. ولدينا وثيقة في بعض المأكولات ذكرها أبو القاسم الواساني من شعراء اليتيمة الدمشقيين نظمها منذ نحو ألف سنة في وصف جماعة زاروه في قرية جمرايا على مقربة من الهامة في غربي دمشق ، ومما جاء فيها ما أكلوه من الأطعمة وفيه إشارة إلى كثرة أنواع التمر :

أكلوا لي من الجرادق ألفي

ن ببنّ (١) تشتاقه العارضان(٢)

أكلوا لي أضعافها غير مشطو

ر (٣) ومالوا إلى سميذ (٤) الفران

أكلوا لي من الجداء ثلاثي

ن قريصا بالخل والزعفران

أكلوا ضعفها شواء وضعفي

ها طبيخا من سائر الألوان

أكلوا لي تبالة (٥) تبلت عق

لي بعشر من الدجاج السمان

__________________

(١) البن : ضرب من الكوامخ وهي المخللات تستعمل لتشهي الطعام.

(٢) العارضان : شقا الفم.

(٣) المشطور : الخبز المطلي بالكامخ.

(٤) السميذ : بإعجام الدال وإهمالها هو الحوارى أي الدقيق الأبيض.

(٥) التبالة : ضرب من أطعمتهم والتابل ج التوابل أبراز الطعام. وتبلت عقلي أسقمته.

١٥٨

أكلوا لي مضيرة (١) ضاعفت ض

ري بروس الجداء والعقبان

أكلوا لي كشكية (٢) قرحت قل

بي وهاجت لفقدها أشجاني

أكلوا لي سبعين حوتا من النه

ر طريا من أعظم الحيتان

أكلوا لي عدلا من المالح المش

ويّ ملقى في الخل والأنجدان (٣)

أكلوا لي من القريشاء (٤) والبر

نيّ والمعقلي والصرفان (٥)

ألف عدل سوى المصقر (٦) والبر

دي واللؤلؤي والصيحاني

أكلوا لي من الكوامخ (٧) والجو

ز معا والخلاط (٨) والأجبان

ومن البيض والمخلل ما تع

جز عن جمعه قرى حوران

ومن صناعاتهم الزراعية صناعة الصابون وكانت من أنجح الصناعات القديمة ومصابنه في حلب وكلز وإدلب وأنطاكية ودمشق ونابلس وطرابلس واللاذقية وحيفا ورام الله وبعض قرى لبنان. وخير الصابون وأشهره اليوم الصابون النابلسي فيه على ما يظهر خاصية ليست بغيره أو أن السر في جودته إتقانه بدون غش. ومنذ أفلتت الصناعات من رؤساء لها تشرف على أعمال أهلها انحطت في دمشق صناعة الصابون فقد كانت له أماكن خاصة لتجفيفه وكانوا لا يبيعونه إلا بعد ثلاث سنين من صنعه ويصدر إلى أقطار العالم وثمنه يزيد خمسين في المئة على سائر أنواع الصابون وكنت إذا غسلت به الثياب تجد من رائحتها ما ينعش قلبك

__________________

(١) المضيرة : مريقة تطبخ باللبن المضير أي الحامض وهي أشبه باللبنية أو لبن أمه أو الشاكرية اليوم.

(٢) الكشكية : طعام يعمل من الكشك (بفتح الكاف) والعامة تكسر كافه يعمل من جريش الحنطة واللبن الحليب ويترك أياما حتى يختمر فيكون منه ذرور يعمل كالحساء ويطبخ باللحم أو بالزيت وقالوا فيه :

لكشك شيء خبيث

محرك للسواكن

الأصل در وبر

نعم الجدود ولكن

(٣) الأنجدان (بإعجام الدال وإهمالها) : ورق شجرة الحلتيب.

(٤) الجبن القريش كأمير : أي اليابس الشديد كما في التاج والذي نعرفه أن القريشاء والقريش يعمل من الدر ويختمر ويبقى طريا كالزبد والقشدة.

(٥) البرني والمعقلي والصرفان والبردي واللؤلؤي والصيحاني : ضروب من التمر.

(٦) المصقر : المدبس.

(٧) الكوامخ : المخللات.

(٨) الخلاط : ضرب من المشهيات والمخلوطة طعام من أنواع شتى.

١٥٩

من الروائح الذكية ، والآن يبيعون الصابون الدمشقي أخضر بدون تجفيف ويزاحمه في عقر داره الصابون الغربي لرخصه وهو مركب من زيوت صناعية على الغالب ليس من الزيت الخالص ، وعسى أن يرسل صناع الصابون في نابلس وطرابلس ودمشق وحلب وعكا وحيفا إلى أوربا من يدرسون المادة التي تدخل الصابون الغربي فتزيد رغوته أخضر كان أو يابسا ، يعيدون إلى الصابون البلدي رونقه السالف ويخلصون من النكهة الخبيثة في الصابون الغريب.

معادن الشام وحمّاتها :

وخليق بنا وقد انتهى بنا نفس الكلام على ما حوى سطح الأرض من الخيرات الطبيعية إلى هذا الحد ، أن لا نغفل الكلام على ما حوى بطنها من المعادن والأمواه النافعة. فقد أجمع المتقدمون أنه كان فيها معادن حديد في لبنان كان قدماء المصريين يحملونها إلى قطرهم ، وأجمع المحدثون الذين بحثوا عن طبقات الأرض وتركيبها على أن الشام خالية من الفحم الحجري وما وجد منه لا يوازي ثمنه ما يصرف في تعدينه ، وفي لبنان طبقات القضّةGres فيها فحم خشبي متحجر (لنيت) يمكن استثمارها وفي قرطبا وميروبا والمنيطرة مناجم من هذا الحجر الخشبي وأشهر طبقاتها الفحم الخشبي المتحجر في قرنايل ، وقد صار الاعتناء باستخراجه من سنة (١٨٣٥ إلى ١٨٣٨ م) ، ومن مناجم هذا الحجر منجم مارشينا وفالوغا وبزبدين وجزين وزحلتا وعين التغرا وحيطورة ويجوز استخدام هذه المناجم للمعامل الصناعية الصغيرة والحاجات البيتية للوقود.

والفحم الحجري ونظنه من نوع الفحم الخشبي في جبل البشر وأبي فياض شرقي حلب وذكر ياقوت أن في جبل البشر ويمتد إلى الفرات من أرض الشام من جهة البادية أربعة معادن : القار ، والمغرة ، والطين الذي يعمل منه بواتق لسبك الحديد ، والرمل الذي يعمل منه في حلب الزجاج وهو رمل أبيض كالاسفيداج.

وللحمّر مناجم في عينبل وحريقة في جبل عامل وفي أرجاء مرجعيون ، وأشهرها منجم حاصبيا ، كان يستخرج منه في اليوم ٨٠ صندوقا وزن كل واحد منها ١٠٠ كيلو وكان السلطان عبد الحميد الثاني يستثمره لنفسه ، وبعد انحلال دولته أهملته الحكومة لقلة اليد العاملة واضطرت أن تهمل معدن سحمر

١٦٠