خطط الشام - ج ٣

محمّد كرد علي

خطط الشام - ج ٣

المؤلف:

محمّد كرد علي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: مكتبة النوري
الطبعة: ٢
الصفحات: ٢٧٠

على أقاليم تعد جزءا من أملاك الدولة المنتدبة. فجعلت الشام من الصنف الأول من الانتداب أي إنه اعترف باستعدادها للاستقلال إذا دربت عليه زمنا.

قال الرئيس ويلسون رئيس جمهورية الولايات المتحدة في شروطه الأربعة عشر : أما الأمم الأخرى التي هي تحت النير التركي فيكفل لها كيان آمن ويمكّن لها حتى ترتقي في استقلالها من غير ممانعة ، ولم يسمع أن أحدا من أهل السلطات الأجنبية في الشام قال إنها غير مستقلة منذ سقطت في أيدي الحلفاء ، وقال أحد كبار رجالهم : إن ما عملته فرنسا في الجزائر في القرن الماضي يتعذر جدا عمله في هذا القرن والناس هنا غيرهم هناك ، والأحوال في الشام غير الأحوال في الجزائر.

وفي المادة الأولى من نص الميثاق الوطني التركي الذي تبايع الأتراك على العمل به بعد سقوط الدولة العثمانية ما نصه : «إن الأقطار التي تسكنها أكثرية عربية من أرض المملكة العثمانية وهي التي كانت تحتلها الجيوش المحاربة حين عقد الهدنة في ٣٠ تشرين الأول ١٩١٨ ينبغي أن تعين مصيرها بنفسها وذلك باستفتاء الرأي العام فيها استفتاء حرا. وهكذا كان كرم الأتراك مع إخوانهم العرب أجازوا لهم أن يعلنوا استقلال الشام عند آخر ساعة من سقوط عاصمة الشام بيد الحلفاء ، ورخصوا لهم أن يعينوا مصيرهم بأنفسهم في ميثاقهم الوطني وهم يومئذ لم يكونوا يملكون لأنفسهم حولا ولا طولا ، ولما عرضت المسائل العثمانية على بساط البحث في مؤتمر لوزان لم يجر ذكر الشام إلا من حيث الحدود التي تم الاتفاق عليها بين فرنسا وتركيا بصورة لا تزال سرية عرف منها أنه اقتطع جزء عظيم من التخوم الشمالية في الشام أضيفت إلى آسيا الصغرى بدون حق. هذا والأتراك كانوا ظافرين بأعدائهم اليونان الذين كانوا استولوا على معظم ولايات أدرنة وإزمير وبروصة بعد الحرب العامة فقويت جمهورية تركيا التي جعلت مقرها في أنقرة بدلا من الإستانة وهزمت جيش اليونان شر هزيمة (آب ١٩٢٢) وكان ظفرا داوى به الأتراك جراحهم بعد هزائمهم في الحرب العالمية.

وقد نصت المادة ٩٤ و ٩٥ من معاهدة الصلح التي عقدت في مدينة سيفر يوم ١٠ آب ١٩٢٠ بين الحلفاء والمشتركات معهن من الدول وبين الدولة

١٨١

العثمانية أن المتعاقدين على اتفاق بأن الشام والعراق وفلسطين ، عملا بالفقرة الرابعة من المادة الثانية والعشرين من الجزء الأول (عهد جمعية الأمم) ، معترف بها موقتا دول مستقلة على شرط أن تبذل لها النصائح والمعونة من دول منتدبة عليها تقودها في إدارتها إلى الزمن الذي يستطعن أن يسرن فيه بأنفسهن وأن المنتدب على فلسطين يكون مسؤولا عن تنفيذ التصريح الذي صرحت به حكومة بريطانيا يوم ٢ تشرين الثاني ١٩١٧ ووافقت عليه الدول المحالفة بشأن تأسيس وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين ، على أن لا تمس فيها الحقوق المدنية والدينية للطوائف غير اليهودية ، ولا تمس الحقوق والأنظمة السياسية التي يستفيد منها اليهود في كل بلد. وكان الحلفاء تفاوضوا مرات بشأن الشام فرأوا أن تكون فلسطين دولية ، ولكن الأتراك لما هاجموا ترعة السويس زاد الإنكليز معرفة بمكانة هذا القطر الحربية فرأوا أن يجعلوها منحدرا لمصر بالفصل بين عرب هذه وعرب الشام فأخذوا يطالبون بحيفا وعكا ثم بفلسطين كلها وتعهدوا لليهود أن يجعلوها لهم وطنا قوميا ، وتعهد الحلفاء تعهدات مبهمة بشأن الشام حتى يعاونهم برجاله ونفوذه.

تأثر الحورانيين بعوامل الفيصليين ومقتل وزيرين وقتل اليهود في فلسطين :

غادر الملك فيصل دمشق في زمرة من عماله وأكثرهم من السوريين ، وخرج من الجنوب غداة جاء الجيش الفرنسي من الغرب ، فطفقت الحكومة المحتلة تجمع السلاح منالبادية والحاضرة ، ووضعت على المدن الأربع غرامة حربية قدرها مئتا ألف ليرة عثمانية ذهبا ، ولكن أهل حوران لم يخضعوا للأمر ومردوا على الحكومة وبث فيهم بعض أعوان الملك فيصل فكر الثورة ، فرأى رئيس الوزارة علاء الدين الدروبي أن يذهب بنفسه لإلقاء النصائح عليهم مستصحبا معه وزيرين من وزارته أحدهما عبد الرحمن اليوسف رئيس مجلس الشورى أكبر أعيان دمشق ، فهاجمهم بعض الحوارنة في محطة خربة الغزالة وأنزلوهم من القطار وقتل الدروبي واليوسف ، وقتل بعض ركاب القطار ، مع أن رئيس الوزارة كان عارفا بأفكار الحوارنة من جهة حكومة دمشق ، ووصمهم لها بالخيانة لأنها سلمت سورية للأجانب. وانجلت وقعة

١٨٢

حوران عن جمع غرامة قدرها مئة وعشرون ألف ليرة عثمانية ذهبا منها دية الوزيرين لكل من أسرتهما عشرة آلاف ليرة وحكم على بعض المتهمين بمقتل الوزيرين فزادت حوران خرابا فوق خرابها.

وفي آب ١٩٢٠ زار المندوب السامي في فلسطين السر هربرت صموئيل الشرق العربي ومما قاله في خطاب له في الصلت : إن الحكومة الفرنسية كررت تأكيداتها بأنها لا تريد أن تتدخل بأي شكل كان في شؤون هذه المقاطعة ، وبما أن الحكومة الفرنسية قد عززت نفوذها في دمشق فقد أصبح من الضروري فصل هذه المقاطعة عن إدارة دمشق. تسألونني عن نوع المساعدة التي تريد إنكلترا ان تقدمها لكم فأجيبكم إنها لا تريد أن تضمكم إلى الإدارة الموجودة الآن في فلسطين ، بل تنشىء لكم إدارة منفردة تساعدكم على أن تحكموا أنفسكم بأنفسكم ، وسترسل إليكم عددا قليلا من الضباط ورجال القضاء محنكين عارفين باللغة العربية وأحوال الشعب العربي فيسكنون البلدان الكبرى في هذه المقاطعة ، وأنتم تعرفون أكثرهم شخصيا وسيساعدونكم في تنظيم الدفاع تجاه أي هجوم خارجي وفي تنظيم الشرطة لصيانة الأمن في الداخل وترقية التجارة وتأييد العدالة وإنفاق ما تدفعونه من الضرائب بأمانة تامة على مصالحكم واحتياجاتكم ويستشيرونكم في الغاية التي تدفع لأجلها الأموال وإصلاح الطرق وترميمها وإنشاء المدارس وتقديم المعاونات الصحية. إلى أن قال : وستكون التعليمات العمومية التي ترسلها الحكومة البريطانية إلى موظفيها هنا مبنية على قاعدة مساعدة الأهالي ليحكموا أنفسهم بأنفسهم ، فمراعاة هذه المبادىء المؤسسة على العدل والشرف اللذين تمتاز بهما الإدارة البريطانية في جميع أنحاء العالم هي الأسس الصالحة لكل حكومة صالحة .. ا ه.» وفي كتاب «عامان في عمان» : وقد قوبل هذا البيان من أهالي المنطقة بفتور دل عليه أن زعماءهم جمدوا بعد أن سمعوه جمود الحيرة لا يدرون أشر أريد بهم أم أراد بهم ربهم رشدا ... ولما سئلوا عما يجول في نفوسهم وقف أحدهم وقال : يظهر أن أوربا عدلت عن فكرة اعتبار الكفايات في الأمم ورجعت إلى القرعة فهي بينما تمنع سورية ولبنان وفلسطين الاستقلال تعترف به لشرقي الأردن ...!

واشتد الهياج بين الصهيونيين وأعدائهم من السكان في حيفا في نيسان

١٨٣

١٩٢٠ ونشبت الفتنة في القدس سفكت فيها الدماء ونهبت مخازن اليهود ولو لا مهارة الإدارة البريطانية لامتد لهيب العداء إلى سائر مدن فلسطين لما ملئت به النفوس من الغيظ من الصهيونية والصهيونيين.

تقسيم الشام وخرابها واستقلال لبنان والعلويين ومجلس فلسطين ودولة

شرقي الأردن ودولة جبل الدروز :

وفي أول أيلول ١٩٢٠ أعلن استقلال لبنان في حرج بيروت بحضور الجنرال غورو ، وأضيف إلى لبنان الأصلي الذي عرف بحدوده بعد سنة الستين جبل عامل ووادي التيم والبقاع وبعلبك وطرابلس وعكار والحصن وصافيتا فاحتج فريق من أهالي بيروت وطرابلس مع بقية البلدان المنضمة من الداخل إلى متصرفية جبل لبنان قائلين إن هذا الضم جرى بدون رضى الأهالي وبغير استفتاء ، وإن ذلك مخالف لتصريحات وزارة الخارجية في فرنسا وبريطانيا القائلة بأن الأقاليم التي انسلخت عن الدولة العثمانية مستقلة وللأهالي الحرية التامة في تقرير مصيرهم وتأسيس حكوماتهم الوطنية ، وأن الحلفاء لا يرغمون السكان على قبول نظام معين.

وجعل للبنان حاكم إفرنسي ، لأن فرنسا رأت أن الاختلاف بين طوائفه لا يمكن معه إرضاؤهم كلهم ، إذا عين أحد أبناء الطوائف الأخرى حاكما ، فعادت نغمة الطائفية إلى الجبل بصورة أشد مما كانت على عهد الترك ، وقسمت مقاعد الحكم على الطوائف ، وأقيم للبنان الذي دعي لبنان الكبير مجلس نيابي تنفذ المفوضية العليا للجمهورية الفرنسية في سوريا ولبنان ما تراه صالحا من مقرراته ، وقسم لبنان إلى ألوية وأقضية يدير شؤونها موظفون وطنيون ، ويدير الحكومة المركزية في بيروت عدة مديرين أو وكلاء أو وزراء يتقلد زمامها الوطنيون ، ولكل مدير منهم مستشار إفرنسي. وتمت للموارنة في لبنان أمنيتهم التي طالما نشدوها من حكم فرنسا لهم ، ونجت الشام من تهديد بطريركهم وكانت انتدبته طائفته إلى مؤتمر الصلح لينظر في استقلال لبنان ، فقال وقد هدد بأن لبنان يبقى محصورا في حدوده القديمة إذا أصر على الرفض : «إننا نفضل الموت جوعا في ظل صخورنا على أن نكون تابعين لدمشق!»

واقتطعت جبال النصيرية وأصبح يقال لها أرض العلويين جعلت حاضرتها

١٨٤

اللاذقية وحاكمها إفرنسي وإدارتها أشبه بانتداب الدرجة الثانية مما رمز له بحرف (ب) ، وكان تقسيم القطر على هذا المنوال مبدأ خرابها الاقتصادي فاضطر إلى تأليف عدة وزارات ومجالس وإدارات ومنها ما لا عمل له في الواقع ونفس الأمر إلا قبض الرواتب من مال المكلفين ، وشوهد الإسراف في أموال الحكومة وقد حاولت الحكومات غير مرة أن تقتصد وما برحت الأموال تصرف في الأمور المستهلكة أكثر من الأمور المستحصلة ، ولا نسبة بين رواتب كبار الموظفين وصغارهم.

وفي تشرين الأول ١٩٢٠ انتخب في فلسطين مجلس شورى مؤلف من عشرين عضوا نصفهم من الموظفين والنصف الآخر نصبتهم الحكومة ، وهم أربعة من المسلمين وثلاثة من المسيحيين وثلاثة من الإسرائيليين ، ووظيفة هذا المجلس استشارية فقط. فقامت فلسطين مسلموها ونصاراها محتجين على هذا المجلس. وفي تشرين الثاني ١٩٢٠ قدم إلى عمان الأمير عبد الله بن الحسين لاسترجاع دمشق من فرنسا وإرجاعها إلى السلطة الشريفية فأرضته بريطانيا بأن جعلته أميرا على عبر الأردن على أن لا يمس أراضي الانتداب الفرنسي ، وقد حدثت بعض حوادث على التخوم بين حوران والبلقاء ، وتألفت هناك عصابات لغزو الأراضي التي جعلت تحت الانتداب الفرنسي وبعد أن قصدت إحدى العصابات اغتيال الجنرال غورو المفوض السامي في ٢٣ حزيران ١٩٢١ على ٤٠ كيلومترا من دمشق في طريق القنيطرة ، ولم ينالوه بأذى وقتل أحد ضباطه ، طوي بساط العصابات والمؤامرات ، وكان أمر هذه العصابات مما دبر في الشرق العربي.

وفي الخامس والعشرين من حزيران (١٩٢١) أعلن استقلال جبل الدروز وكان من قبل بين عاملين العامل البريطاني والعامل الفرنسي ، فلما جاء الجيش الفرنسي إلى دمشق كان من أهل الجبل من يرحبون بالفرنسيين فنالوا استقلالهم (٥ نيسان ١٩٢١) وأصبح جبلهم وهو نحو مائة وخمس عشرة قرية دولة برأسها جعلت السويداء عاصمتها ، ونصب على الجبل أمير من أهله ومستشار إفرنسي ، فانتزع أيضا من حكومة دمشق التي جعلت دولة لها حاكم ، وذلك بعد أربعة أشهر من استلام الفرنسيين زمام الأمر ، وجعل لهذه الدولة مديرون

١٨٥

بدلا من وزراء وجعل علم خاص لكل من دولة لبنان الكبير ودولة العلويين ودولة حلب ودولة دمشق ودولة جبل الدروز الواقعة تحت الانتداب الفرنسي ويحمل كل علم في مطاويه العلم الفرنسي المثلث الألوان ، ولم يجعل لفلسطين علم خاص وبقي العلم فيها انكليزيا واقتصر شرقي الأردن على العلم العربي ، وبذلك أصبحت الشام سبع دول وكانت على آخر عهد الأتراك ثلاث ولايات (دمشق وبيروت وحلب) وثلاثة ألوية مستقلة (القدس ـ لبنان ـ دير الزور).

متاعب لبريطانيا وفرنسا واعتداءات :

وفي شباط ١٩٢١ عقد مؤتمر في حيفا مؤلف من رجال فلسطين مسلميهم ونصاراهم نظم احتجاجات على وعد بلفور وطلب تأليف حكومة وطنية وانتخاب جمعية تأسيسية ينتخبها السكان العرب. وفي ١٥ آذار خرج الزعيم فؤاد سليم من إربد في مائة وعشرين فارسا للقبض على بعض الأشقياء من عرب الشقيرات وعلى بعض زعماء الكورة في جبال عجلون فأحاطت بالقوة العسكرية أهالي ست قرى بقيادة كليب الشريدي وابنه وساعدتهم الغابات ووعورة الأراضي وسقط ربع الجنود بين قتيل وجريح وفقد ثلث الخيل ثم استسلم الباقون للعرب الثائرين الذين سلبوا الضباط والعسكر عتادهم وأسلحتهم وألبستهم.

وألقى المندوب السامي في فلسطين في ١٨ نيسان ١٩٢١ خطابا في عمان قال فيه : إن الحكومة البريطانية تقدر الخدمات التي قدمتها جيوش العرب في الحرب وترغب في أن تتوطد في زمن السلم دعائم التحالف الذي بني في خلال الحرب وقال : يساعد الضباط البريطانيون منذ شهر آب الماضي في إدارة شؤون الأقاليم الواقعة وراء نهر الأردن وسيواصلون العمل بصفتهم مستشارين بالنيابة عني للأمير عبد الله وموظفيه في الأنحاء المختلفة. وقال : إن الضباط البريطانيين الذين يقومون بهذه المهمة في جميع أنحاء المنطقة يعطفون على السكان وعلى آداب اللغة العربية وإن الحكومة البريطانية عولت على ألا تكون البلدان الواقعة فيما وراء نهر الأردن مركزا للعداء على فلسطين أو سورية.

وفي أول أيار ١٩٢١ نشبت فتنة بين الصهيونيين والوطنيين في يافا انجلت عن قتل ٤٨ رجلا من العرب وجرح ٧٣ منهم وقتل من اليهود ٤٧ شخصا

١٨٦

وجرح ١٤٦. وفي سنة ١٩٢١ دخل الأتراك عينتاب وأخرجوا الكتائب الفرنسية منها وباغت عربان الزور الفرقة الفرنسية السورية وقتلوا بعض ضباطها فحلّ بهم العقاب ، فتخلت فرنسا عن قلقية بأجمعها وانحصرت قوتها بالشام من حدود كليس في الشمال ، وتألفت عصابات من أبناء حارم وكفر تخارين وإدلب وجبل الزاوية والمعرة وصهيون وجرت بينها وبين الجيش الفرنسي معارك قتل فيها كثير من الفريقين ، وكان بعض رؤساء تلك العصابات من الأتراك. وقد فقدت فرنسا من جندها في سورية وعلى حدودها بضعة ألوف. وقال الجنرال ويغاند المفوض السامي للجمهورية الفرنسية في حفلة إزاحة الستار عن النصب التذكاري الذي أقيم لقتلى جيش الشرق في بيروت سلخ ذي القعدة ١٣٤٢ (حزيران ١٩٢٤) : بعد الهدنة سكت المدفع في أوربا إلا من الشام ، وكانت الأمهات الفرنسيات يعتقدن بأنهن سيشاهدن أولادهن إلى جنبهن فاضطرت فرنسا إلى إرسال أولادها إلى ساحات القتال في مرعش وأورفة وميسنون حيث تم تحرير سورية بقيادة سلفي الجنرال غورو وقد بلغ عدد القتلى نحو تسعة آلاف و ٢٥٠ ضابطا فيمكن أن تذكروا أولادكم وأولاد أولادكم بذلك ا ه. ولم يقتل هذا العدد في أرض الشام بل معظم من قتل في قلقية.

توحيد حكومات سورية وعدم رضى الأهلين :

لم يرتض أهل الداخل وفريق عظيم من سكان الساحل هذا التمزيق الذي حلّ بالشام، فكثر الناقمون والناقدون ، وزعم بعض ولاة الأمر من المنتدبين أن هذا التقسيم كان برضى الأهلين ، ونزلت فرنسا على رغائبهم ، وبعد التجربة الأولى رأت المفوضية العليا أن تعيد المدن الأربع إلى جمعها بعد الشتات فأعلن الجنرال غورو في اليوم العشرين من حزيران ١٩٢١ في دمشق أساس الوحدة السورية بإنشاء مجلس اتحادي لها مؤلف من دول العلويين وحلب ودمشق فقط ، على أن يكون أساسا للوحدة وألقى خطابا مثل خطاب دمشق في مدينة حلب يوم ٢٨ منه بحضور مندوبي الدول الثلاث ومما قال فيه : وكان العمل الأول الذي قامت به فرنسا لتوطيد اتحادكم وحريتكم الوطنية تأسيس الحكومات المستقلة ، وكانت الغاية من ذلك مراعاة النزعات الخاصة ووضعها في قالب يتألف منه مجموع متناسب الأجزاء. قال : ولم يفتني قط وجوب إحكام

١٨٧

الصلات بين هذه الدول التي ينبغي أن يؤلف مجموعها سورية المستقلة أي سورية التي طالما رغبت فرنسا في إنشائها قال : والواجب أولا تنظيم هذه الدول ومنحها قسطا أوفر من الحرية، وتأسيس صلة اتحاد بينها ، ولا أذكر لبنان بين دول الاتحاد لأن تقاليده الخصوصية تقضي عليه بالسعي على انفراد وراء التقدم وبمشاركة قليلة في الاتحاد السوري لا تتناول إلا الوجهة الاقتصادية دون سواها ، إلى أن يقرر من تلقاء نفسه الدخول في هذا الاتحاد.

وبدىء من قابل بجعل بعض فروع الإدارة اتحادية كالبريد والبرق والعدلية والمعارف العالية والتمليك ، وجعل للاتحاد مجلس مؤلف من خمسة عشر عضوا خمسة عن كل دولة ، واجتمع المجلس في حلب في السنة الأولى وفي السنة التالية نقل مقره إلى دمشق بصورة دائمة ، ويختار هؤلاء عضو رئيسا من بينهم فعين لهذا الغرض السيد صبحي بركات الخالدي واختار لدوائر الاتحاد مع العرب جماعة من الأتراك والأرمن والروم فتأثر الوطنيون لذلك ، لأن اللغة العربية لم ترع لها حقوقها وحرم الوظائف بعض الوطنيين وتولاها بعض من ليس لهم بهذه الأرض صلة ، ولا بالعرب والعربية قرابة.

وفي ١٧ أيار عزمت بريطانيا العظمى أن تعترف باستقلال شرقي الأردن وأن يجعل أميرها عبد الله بن الحسين وتنشأ فيها حكومة دستورية وتعقد معه اتفاقا على أن تتعهد حكومته بالاعتراف بالحقوق الدولية. وأنشأت هذه الحكومة تمنح لقب باشا لمن تريد تشريفهم أو تأليف قلوبهم من المشايخ وغيرهم ، فمنحت هذا اللقب للصعاليك وأسرفت في منحها والتف حول أمير تلك الكورة بعض جماعات من الوطنيين الذين كانوا اشتغلوا مع أخيه الملك فيصل في دمشق ولم يلبثوا أن انفضوا من حوله بطرق اتخذتها حكومته ، وكان يتقاضى لها معاونة سنوية من بريطانيا ١٥٠ ألف جنيه ولنفقاته الخاصة ٣٥ ألفا من الجنيهات ثم أنزلت المعاونة إلى ٨٠ ألفا ومخصصاته إلى عشرين ألفا.

وفي صيف سنة ١٩٢٣ اعتدى بعض دروز الشوف على النصارى من جيرانهم واغتيل بعضهم ، فقابلهم المعتدى عليهم بالمثل ، واختل الأمن في أواسط لبنان وكاد يتعدى إلى بعلبك ، فعنيت حكومة الانتداب بجمع السلاح من الأيدي وعاقبت الفاعلين ، ووضعت غرامات على بعض القرى التي خالفت أوامر

١٨٨

الحكومة. وفي سنة ١٩٢٣ و ١٩٢٤ كثر إغلاق الحوانيت في دمشق وحمص وحماة احتجاجا على كثرة الضرائب ، وتقريب بعض أشخاص من الحكومة المنتدبة يوسعون مجال الخلف بين المنتدبين والمنتدب عليهم ، ويسودون الناس بوشاياتهم للاحتفاظ بكراسيهم وأغلقت دمشق خمسة عشر يوما متتابعة احتجاجا صامتا على انتخاب أعضاء المجلس التمثيلي بالإكراه واستعمال الحكومة وسائط الإرهاب في المدن والقرى.

صك الانتداب وموافقة الدول الكبرى عليه وأشكال جديدة من الإدارة :

جاء في معاهدة لوزان (٣٠ شباط و ٢٤ تموز ١٩٢٣) التي عقدت بين الدول وبين تركيا أن الحدود التركية السورية قد ذكرت في المادة الثامنة من الوفاق الفرنسي التركي المؤرخ بيوم عشرين تشرين الأول ١٩٢١ ـ والغالب أن هذا الاتفاق المعروف باتفاق فرانكلين بويون ، لم ينشر خلافا لما ادعته السياسة في العهد الحديث بعد الحرب ، من أنه لا تعقد بين الدول محالفات سرية بعد الآن ـ أن مجلس جمعية الأمم أثبت في جلسته المنعقدة يوم ٢٩ أيلول ١٩٢٣ أن الانتداب على الشام (سورية ولبنان) والانتداب على فلسطين قد دخلا كلاهما في دور التنفيذ ، وقد جاء في المادة الأولى من هذا الصك أن الدولة المنتدبة تضع نظاما أساسيا لسورية ولبنان في خلال ثلاث سنوات تبتدىء من تاريخ الشروع بتطبيق الانتداب ، ويعد هذا النظام الأساسي بالاتفاق مع السلطات الوطنية ، وينظر فيه بعين الاعتبار إلى حقوق جميع الأهلين في الأراضي المذكورة وإلى مصالحهم وأمانيهم ، وينص فيه على اتخاذ التدابير التي من شأنها أن تسهل لسورية ولبنان سبيل النمو والتقدم المتوالي لدولتين مستقلتين ، وتسير إدارة سورية ولبنان طبقا لروح هذا الانتداب ريثما يشرع في تنفيذ النظام الأساسي ، وتؤيد الدولة المنتدبة الاستقلال الإداري المحلي فيهما ، بكل ما تسمح به الأحوال.

وجاء في المادة الثانية أنه يمكن للدولة المنتدبة أن تبقي جنودها في الأراضي المار ذكرها لأجل الدفاع عنها ، ويمكنها أيضا ، إلى أن ينفذ النظام الأساسي ويعاد الأمن إلى نصابه ، أن تنظم القوات المحلية اللازمة «المعروفة بالميليس» للدفاع

١٨٩

عن تلك الأراضي ، وأن تستخدمها في هذه السبيل وفي حفظ النظام ، ولا يجند أفراد القوات المذكورة إلا من أهل تلك الأصقاع وبعد ذلك تصبح تلك القوات تابعة للسلطة المحلية مع الاحتفاظ بما يجب أن يبقى للدولة المنتدبة من حق السلطة والمراقبة عليها ، ولا يجوز استخدامها لغايات غير التي تقدم ذكرها إلا بإذن الدول المنتدبة. وما من شيء يمنع سورية ولبنان من الاشتراك في الإنفاق على القوة العسكرية النازلة في أراضيها من قوات الدولة المنتدبة ، ويحق للدولة المنتدبة كل حين أن تستخدم المواني والخطوط الحديدية ووسائل المواصلات في سورية ولبنان لنقل جنودها وجميع المعدات والمؤن ومواد الوقود. وفي المادة الثامنة أن الدولة المنتدبة تضمن للجميع حرية الضمير التامة كما تضمن حرية القيام بجميع الشعائر الدينية التي تتفق مع النظام العام والآداب ، ولا يجوز أن يتبع شيء من التمييز وانتفاء المساواة بين سكان سورية ولبنان بسبب اختلاف الجنس أو الدين أو اللغة وتقوم الدولة بإنماء التعليم العام باللغات الوطنية الشائعة في أراضي سورية ولبنان.

وصادقت الولايات المتحدة (١٩٢٤ ـ ١٣٤٣) على صك الانتداب الفرنسي في سورية ولبنان الذي وضع موضع التنفيذ منذ ٢٠ أيلول ١٩٢٣ وقد جاء في المادة الخامسة منه للأمير كان الحرية التامة في إنشاء المعاهد والصروح والملاجىء العلمية والدينية والفنية في جميع أراضي الانتداب الفرنسي مع التعليم باللغة الإنكليزية ، ولم تعترف الولايات المتحدة بالانتداب البريطاني إلا في أواخر شباط ١٩٢٥ مشترطة أن يكون للرعايا الأميركيين مثل الحقوق التي للرعايا الإنكليز.

طبقت مواد الاتحاد في حلب ودمشق بعض الشيء مع وجود الدولتين دولة حلب ودولة دمشق ، أما دولة العلويين فلم تتحد بغير الأمور العدلية. وفي يوم ٢٦ حزيران ١٩٢٤ (٤ ذي القعدة ١٣٤٢) أعلن المفوض السامي في حديقة الأمة بدمشق الوحدة السورية وتأليف الدولة العربية السورية من حكومتي حلب ودمشق فقط ، فخرجت دولة العلويين ودولة جبل الدروز كما خرجت دولة لبنان الكبير بالطبع من باب الوحدة ، فأصبح بذلك عدد دول الشام ستا بدلا من سبع أي أن المدن الأربع عادت فألفت حكومة واحدة على نحو ما

١٩٠

كانت زمن الحكومة الفيصلية ، ولكن بتشذيب بعض أطرافها إذ نزع من جسمها دولتا الشرق العربي وجبل الدروز وخطب القائد قائلا : إن هذه الدولة الجديدة الفخورة بماض يحوي أعظم ما نظره الشرق والتي ستضم إليها أهم مدن الإسلام التي كانت منبع الترقي الفكري في جميع الأزمان ... إن مثل هذه الدولة تقدر ويجب أن تكون في الشرق الأوسط مركزا مشعا وجذابا. والسلطة التشريعية تكون بيد مجلس نيابي والسلطة الإجرائية تسلم إلى شخص يدعى رئيس الحكومة السورية بالانتخاب ، ويكون له مجلس وزراء يجتمعون تحت رئاسته يكون كل واحد من هؤلاء الوزراء مسؤولا شخصيا عن دائرته أمام مجلس الأمة.

وفي حزيران ١٩٢٤ (ذي القعدة ١٣٤٢) ألقى أحد رجال بريطانيا بيانا قال فيه : إن مهمة بريطانيا في فلسطين هي إنشاء وطن قومي لليهود من ناحية وصيانة مصالح السكان غير اليهود من ناحية أخرى ، وقد سعت بريطانيا لمعاملة الأهلين على قدم المساواة، ولكنها صادفت متاعب كثيرة بالنظر لعدم تجانسهم ، وأنشأت إدارتين مختلفتين إحداهما في غربي الأردن حيث يوجد الوطن القومي لليهود والآخر في شرقي الأردن حيث للعرب الأغلبية ، ولكنها تسعى دائما إلى التوفيق بين مصالح اليهود والمسلمين.

غزوة النجديين عبر الأردن واستيلاؤهم على مكة وشؤون :

حكومة عبر الأردن أو شرقي الأردن أو الشرق العربي هي بمثابة حاجز يقي فلسطين اعتداء البادية ، وقد كثر اعتداء عرب البلقاء وما إليها مثل عشائر الحويطات وبني عطية على تجار نجد يسلبونهم بضائعهم وجمالهم ، وشكت حكومة الملك عبد العزيز بن سعود صاحب نجد إلى حكومتي الحجاز والشرق العربي فلم يسمع لها شكوى ، فأرسل صاحب نجد نحو ألف وخمسمائة مقاتل من رجاله في ١٠ آب ١٩٢٢ وهاجموا أم العمد في البلقاء ، وقتلوا أهل الطنيب وأعملوا السيف والنار في عرب بني صخر واشترك الأديات من عرب البلقاء في قتال النجديين ، وتلاحقت أفخاذ بني صخر ورجالهم من العيسى والزبن والخريشة، وجاء بعض بني حميدة النازلين إلى الجنوب الشرقي من مادبا حتى

١٩١

وادي الموجب ، واشتركوا في رد هجمات أهل نجد فأزاحوهم إلى بئر عمري وهناك تشردوا في الأودية والتلال ، وقيل إنه قتل منهم نحو ثلثمائة وقتل من أهل الشرق العربي كثيرون ، وقد تأثرت الدبابات الإنكليزية النجديين إلى عمري فعادت وجنودها يزعمون أنهم لم يهتدوا إلى الطريق.

وجاء النجديون ثانية بقيادة درزي بن دغمى السمير زعيم الرولة المتدينة ، وأغاروا على عرب الحويطات في وادي موسى ، وعلى أطراف معان ، ونشبت معركة أبلى فيها الحويطات بلاء حسنا وعاونهم بعض بني عطية النازلين حوالي معان إلى تبوك ، وجاء النجديون في ١٤ المحرم ١٣٤٣ إلى الكاف (قريات الملح) الواقعة على الحدود بين نجد والشام في ٢٢٠٠ ـ ٢٦٠٠ مقاتل كما قدرتهم حكومة الشرق العربي واستولوا في طريقهم على الكاف وأخذوا حاميتها وهي أربعون جنديا وضابطان وقتلوا المفرزة البريطانية النازلة في محطة الطيران في زيزاء وعددها أثنا عشر جنديا وضابط ، ووصل الجيش إلى مضيق رأس العين محلة عمان ، فخرج أهالي الصلت وعمان ومنهم شراكس وششن من النازلين في قرى الناعور وعين صويلح ووادي السير ، اشتركوا مع الجند العربي في القتال من الصباح إلى العصر ، حتى تراجع النجديون إلى محل يبعد ثلاث ساعات عن قصر المشتى إلى الشرق وكان تأثير الطيارات البريطانية في النجديين كثيرا هاجت لأصوات قنابلها إبلهم ، وقد قتل النجديون من قابلهم بالسلاح من أهالي الزيزاء واللبن وأم العمد والطنيب والقسطل ومادبا ويادودة والرجيب وسحاب والموقر وعمان ، وادعت حكومة الشرق العربي أن النجديين خسروا ألف قتيل وجريح على أقل تعديل وأن عدد قتلى عرب المنطقة مادبا وعمان لا يتجاوز المئة والعشرين وأن خسائر الجنود والبدو المرافقين لهم بلغت عشرين رجلا وامرأة ، وقد عزز الجيش البريطاني في فلسطين قوة الشرق العربي بأربع دبابات وستمائة جندي. وقال العارفون من الأهلين : إنه قتل من أهالي المنطقة نحو ستمائة ولم يتجاوز قتلى النجديين المئة وأربعين قتيلا وأن قتلى بني صخر فقط ثلثمائة قتيل. والمقصود من هذه الغزوة عمان وأميرها عبد الله بن الحسين لأن اعتداءاتهم على تجار نجد كثيرة ، وعاونهم العيسي والزبن والخريشة والحديد والعجارمة والدعجة ، وذكروا أنه كان في جملة النجديين كثير من عرب

١٩٢

حرب النازلين بين الحرمين لأنهم مغاضبون لملك الحجاز فالتحقوا بالإخوان نكاية به. وذكر بعض الواقفين على مجرى السياسة أن الجنيهات الإنكليزية وجدت بكثرة في جيوب الإخوان الذين غزوا بلاد الأردن للمرة الأولى وأن حملتهم لم تتقدم نحوها إلا بعد زيارة المستر فيلبي المندوب الإنكليزي في الشرق العربي لبلاد نجد.

وفي اليوم الأول من كانون الثاني ١٩٢٥ (١٣٤٣) أعلنت الوحدة بين دولتي دمشق وحلب فقط وعينت الوزارة برئاسة السيد صبحي بركات الخالدي على أن لا تسأل وزارته أمام مجلس النواب شأن سائر الوزارات في العالم ، ولا تسأل الوزارة عما تفعل ، وتستمد قوتها من المفوضية العليا ، وللمستشارين القول الفصل في كل الأمور ، وهكذا الحال في نظار لبنان الكبير فهم غير مسؤولين إلا عند المفوضية العليا.

وأعلن الجنرال سراي المفوض السامي يوم وصوله إلى بيروت إخراج الحاكم الفرنسي الذي كان يتولى لبنان الكبير وأن يباشر المجلس النيابي اللبناني بانتخاب حاكم وطني ، ولما اختلفت آراء النواب حل المجلس وبوشر بانتخاب جديد ، وأخد التعصب الديني بعض نواب اللبنانيين فآثروا حكم غريب على واحد من قومهم مهما كانت نحلته ، أما حاكم العلويين فقد ظلّ إفرنسيا ، ومن المظاهر الغريبة أن تستحكم اللغة الفرنسية في مجلس لبنان الكبير استحكام اللغة التركية من مجلس وزراء سورية ، وأن يعد بعض أولئك النواب والوزراء التفرنس والتترك من أمارات الظرف والفضل ، في ديار أرضها وسماؤها عربيتان وهي مستقلة بالإجماع ، واللغة أول أداة في أدوات الاستقلال ، وحجر الزاوية في بنيانه.

وفي كانون الثاني ١٩٢٥ (رجب ١٣٤٣) رأى بعض المفكرين في حلب وحماة وحمص ودمشق أن الوقت ملائم لعرض مطالب الشاميين على المفوض السامي الجنرال سراي، فتألفت وفود من الأعيان والمفكرين من المدن الأربع وقصدت إلى بيروت وعرضت مطالب الأمة على المفوض السامي ، وخلاصتها أن الحلفاء اعترفوا باستقلال الشام في ٧ تشرين الثاني ١٩١٨ وأنه يحق لها تقرير

١٩٣

مصيرها وأنه فككت أجزاؤها وأنشئت فيها دويلات صغيرة قضي بها على وحدة البلاد السياسية والاقتصادية والاجتماعية ، وأن القائمين بالأمر أثاروا النعرتين الطائفية والدينية ، ومنحوا المدارس الأجنبية ذات البعثات الدينية المساعدات المالية والمعنوية ، ليفصموا عرى الرابطتين الوطنية والقومية وليتمكنوا بهذا التفريق من القضاء على استقلال القطر ووحدته ، وأن سورية بحدودها الطبيعية وطن واحد بلغتها وقوميتها وعاداتها وأخلاقها وتاريخها فلا مسوغ لتجزئتها وجعلها دويلات عديدة ، وأن أسلاف المفوض السامي اتخذوا اختلاف المذاهب والمساومات السياسية معاول لتقويض بناء الوحدة السورية ، فسلخوا القسم الشمالي منها وأعادوه إلى الحكومة التي أنقذ منها في بادىء الأمر ، ولم تزل طامعة بالاستيلاء على القسم الآخر فحرموا هذا الوطن حدوده الطبيعية وخطوط دفاعه ، والحدود إذا لم تكن عسكرية طبيعية لا سبيل إلى ضمان استقلالها. وأن المنتدبين السابقين لم يكتفوا بأن يحفظوا للبنان الصغير امتيازاته ، بل عمدوا إلى ضم أرجاء أخرى من الداخل والساحل مما يزيد عن مساحته الأصلية مرتين ، ويزيد على عدد سكانه مرة وجعلوه في صورة دولة لبنانية مستقلة ، كما سلخوا جبل الدروز وجبال العلويين وجعلوها دولتين. وطلبوا تأليف لجنة تأسيسية وإعطاء حق التشريع للأمة والحرية الشخصية وحرية الاجتماع والجمعيات والصحافة وإلغاء القرارات الاستثنائية والمحاكم الأجنبية وأن تدار الأوقاف الإسلامية والخط الحجازي الذي هو وقف إسلامي بمعرفة الحكومات الوطنية ، وأن تمنع الهجرة الأرمنية إلى الشام لأن عدد المهاجرين إلى هذا القطر بلغ مائة وثمانين ألفا زاحموا الوطنيين في الأعمال الصناعية والتجارية مزاحمة لا تحتمل إلى غير ذلك من المطالب كالنقد السوري ورفع الحواجز الجمركية وذلك بعقد اتفاقات مع الحكومات المجاورة كما عقد بين سورية وفلسطين للتبادل التجاري ، وطلبوا إلغاء الديون العمومية وإبطال الضمانات الكيلومترية التي تعطى لبعض الخطوط الحديدية لاستغنائها بما تربح عن هذه المعاونة ، وأن توحد النظم الإدارية ، ويلغى قانون العشائر ويجعل حد لتدخل المستشارين في صغار الأمور وكبارها ، وتسند الوظائف إلى أهل الكفاية من بني الوطن الأصليين ويقتصر على استخدام الوطنيين في جميع الوظائف المحلية.

١٩٤

وقد وعد المفوض السامي وفود المدن الأربع بدرس مطالبهم وإنفاذ ما في وسعه ووسع حكومته إنفاذه ، وأشار إلى أن الواجب عليهم أن ينظموا صفوفهم ويؤلفوا أحزابا تسير بعقل وروية لا يتخذها بعض أرباب الأغراض سلما لبلوغ غاياتهم. وقد عاد الجنرال سراي في خطاب له ألقاه في حمص (أيار ١٩٢٥) خاطب به الأعيان بقوله : اعملوا على توحيد كلمتكم قبل اهتمامكم بالاستقلال فإن الاستقلال إنما يحصل عليه من اتحدت آراؤهم ، إلى هذا أوجه نظركم ، اتحدوا أولا فإن الباني إنما يباشر وضع الأساس قبل أن يهتم بالتوريق والدهان ا ه. وبالفعل تأسس في سورية حزبان حزب من جميع طبقات الشعب واسمه حزب الشعب وآخر يناصر الحكومة الحاضرة واسمه حزب الوحدة كما تألفت في لبنان أحزاب.

صاحب الوعد للصهيونيين ومطالب الفلسطينيين والسوريين وكوائن :

وفي يوم ٢٥ آذار ١٩٢٥ (١ رمضان ١٣٤٣) جاء القدس لورد بلفور الوزير البريطاني صاحب الوعد للصهيونيين بجعل فلسطين وطنا قوميا لليهود الذي صرح به في تشرين الثاني ١٩١٧ باسم بريطانيا العظمى ، فاحتج المسلمون والنصارى فيها على مجيئه وأضربوا عن الأعمال إضرابا تاما ، وكان مجيئه للاحتفال بافتتاح الجامعة العبرية في بيت المقدس ، وقد أرسلت برقيات الاحتجاج من أنحاء القطر على من فصل بعمله فلسطين عن أمها الشام ، وجاء مساء يوم ٨ نيسان الى دمشق فأظهر الدمشقيون نفرتهم منه ومن وعده ، وأغلقت المدينة صباح الغد محتجة على وعده وبعد الظهر تجمع جمهور لا يقل عن خمسة آلاف في ساحة الشهداء أراد الدرك منعهم من التجمع بالتهديد والضرب فرشقه بعض الفتيان بالحجارة ، فاضطر الدرك إلى استعمال السلاح في الهواء فجرح عشرون شخصا هلك منهم اثنان واضطرت الحكومة اللورد أن يخرج إلى بيروت فأركب البحر والبيروتيون يحتجون عليه كاحتجاج الدمشقيين ، ولم يستطع أن يرى اللورد من دمشق غير جدران الفندق ، ومن بيروت إلا الطريق إلى السفينة فقط.

وفي ٢٨ أيار (١٩٢٥) أنذرت بريطانيا العظمى الملك حسين بن علي أن يغادر العقبة خلال سبعة أسابيع ـ وكان جاءها بعد أن سقط الحجاز في أيدي جيش الملك عبد العزيز بن سعود ملك نجد ـ لتستلمها حكومة شرق الأردن

١٩٥

وتضمها مع معان إلى الأصقاع التي تديرها لأنها ضمن الانتداب البريطاني ، ولتحافظ عليها من الوهابيين الذين فتحوا مكة والطائف وانتزعوهما من يد الملك حسين ، فأجاب جلالته إنه لا يسعه بالنظر للعهود المقطوعة له من الحلفاء ولا سيما بريطانيا أن يتنازل عن هاتين البلدتين الحجازيتين (العقبة ومعان) وأنه لا يعترف بالانتدابات المخالفة لتلك العهود ، وأبان ما سينجم عن عملها هذا الذي سيدعو إلى هياج عظيم في العالم العربي. وبعد أيام أو عزت إليه انكلترا أن يغادر القطر فحملته إلى قبرص ليقيم فيها. وفي حزيران قتل الأشقياء قائدين افرنسيين في طريق دير الزور كانا يسيران في سيارة فبعثت السلطة طيارات أمطرت عشائر البواسرية التي فقد الضابطان في أرضها وابلا من القذائف ، فهلك منهم أكثر من ثلاثين نفسا وتلف كثير من الخيل والإبل والغنم ، ثم حكمت على خمسة منهم بالقتل. وفيه جاء وفد من أعيان دروز جبل حوران وراجعوا السلطات الفرنسية يطلبون انضمامهم كما كانوا سابقا إلى حكومة دمشق على أن يكون لهم بعض الامتيازات المحلية إذ ثبتت لهم مضرة الانفصال. كما أن وفدا من اللاذقية قابل بعض رجال تلك السلطة وأبانوا له الأضرار التي نشأت من فصل جبال النصيرية عن أمها سورية وطلبوا إرجاعهم إلى حكمها.

وفي شهر نيسان ١٩٢٥ جاء فلسطين وزير المستعمرات البريطانية فقابلته وفود الأمة يتقدمها وفد اللجنة التنفيذية ووفد الحزب الوطني ، وتكلم غير واحد من رجال الوفد معربا عن ظلامة الفلسطينيين وضرر الوطن القومي ، فرد الوزير على أقوالهم ومما قاله : إنه رأى فلسطين أسعد من الأربعين مستعمرة التي يهتم بشؤونها ، وقدمت له الوفود تقريرا هذا ملخصه :

١ ـ قدم عرب فلسطين تقارير كثيرة وأرسلوا وفدهم إلى لندن مرتين وفي كل ما قدموه بينوا التناقض الغريب الذي يظهر في خطة الحكومة الانكليزية في ديارهم على الرغم من أ ـ نص عهد جمعية الأمم. ب ـ العهود المقطوعة للملك حسين. ج ـ البلاغ المنشور من القائد اللنبي قائد الحملة الفلسطينية. د ـ بعض مواد صك الانتداب. ه ـ البيانات الرسمية والشبه الرسمية الصادرة من الوزارات.

٢ ـ جرّت السياسة التي تسير عليها الحكومة في فلسطين إلى حالات

١٩٦

اقتصادية صعبة لا يمكن الاستمرار على تحملها ، ودوام الحال على هذا الشكل دون أن يجد العرب آذانا صاغية عادلة يؤدي حتما إلى سقوط القطر في هوة أشد عمقا من الحالة الحاضرة إذ أنهم. أ ـ يقضي عليهم أداء ضرائب باهظة للإنفاق على ترتيبات واسعة لا يتحملها البلد لتنفيذ السياسة الصهيونية التي لا يمكن أن تتفق مع مصالحهم السياسية والاجتماعية والاقتصادية. ب ـ إنهم حرموا إدارة بلدهم وتمتعهم باستقلال ذاتي على حين ليسوا أقل مستوى من سكان البلدان العربية الأخرى مثل العراق وشرق الأردن التي تتمتع بحكم ذاتي نيابي. ج ـ حرموا حتى مما كانوا يتمتعون به من بلديات ومجالس إدارة ومجالس عمومية منتخبة ومن إرسال أعضاء إلى البرلمان في العهد التركي. د ـ فتحت أرضهم لهجرة يهودية كبيرة تحتوي على كثير من العناصر غير الصالحة لحياة البلاد وتحملها اقتصاديا واجتماعيا. ه ـ قد جعل للعناصر اليهودية أرجحية ظاهرة في الإدارة الرئيسة وفي تسيير المصالح اليهودية القومية والاجتماعية ، هذا وهم أقلية ضئيلة عددا ومصلحة.

٣ ـ ما أراد العرب في فلسطين قط ، وهم يطلبون حقهم في الحكم التشريعي ، أن يغمطوا حقوق اليهود الذين يساكنونهم ، ولكنهم يريدون أن تمتعوا بحقهم باعتبار أنهم أكثرية ساحقة في العدد والمصلحة ، وباعتبار أنهم عدوا بوعود صريحة ، وباعتبار أن عهد جمعية الأمم يخولهم ذلك مع حفظ حق اليهود الوطنيين في الاشتراك معهم في الإدارة والتشريع بحسب نسبتهم.

٤ ـ يعتقد العرب أنهم لن يطمئنوا في ديارهم ولن يروا في الحكومة البريطانية النية الحسنة التي طالما أعلنت أنها تنطوي عليها إذا استمرت في طرز الإدارة والسياسة التي سارت عليها في فلسطين إلى الآن مع أنهم يريدون دائما أن يكونوا على وفاق تام معها في مصالحها النزيهة ، ويعتقدون أنه قد آن للحكومة البريطانية أن تقلع عن تجربتها العقيمة وأن تعيد نظرها بصورة جدية في هذه السياسة التي جعلت القطر وأهله في حالة اضطراب روحي وانحطاط اقتصادي وقلق.

٥ ـ وها نحن أولاء نقدم لها مطالب الأمة بصورة صريحة واضحة رجاء أن تبدل علاقة الانتداب السيئة.

١٩٧

١ ـ تأسيس حكومة وطنية مسؤولة أمام مجلس نيابي منتخب من الأهالي الفلسطينيين بحسب التمثيل النسبي.

٢ ـ تسن جمعية وطنية منتخبة القانون الأساسي الذي يضمن بقاء الأماكن المقدسة بيد أهلها القدماء على أن لا يغير شيء فيها وتحفظ حقوق الأجانب ومصالح الدولة المساعدة المتفقة مع مصالح البلد وتضمن مشاركة اليهود الوطنيين بالحكم والتشريع بنسبة عددهم ويراعى في وضعهما الحالة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية ضمانة التعهدات الدولية التي تحملتها الدولة المساعدة وهي التعهدات الصحيحة وحفظ الآثار وحرية الأديان ونحوها على النمط الوارد في المعاهدة المعقودة بين الحكومة الإنكليزية والعراق ا ه.

تاريخ الصهيونية وعملها الأخير :

ولما كانت الصهيونية من أهم المسائل التي تشغل بال الشاميين عامة وإخوانهم أهل فلسطين خاصة وكان لها مساس بسياسة هذا القطر وتاريخه عهدنا إلى أحد الواقفين على أسرارها (١) فكتب إلينا ما ملخصه : اليهود قبيلة سامية نزحت من العراق إلى فلسطين وسكنت فيها زمنا ، ثم هاجرت إلى مصر فمكثت هناك مدة طويلة وانقلبت إليها ، وفتحتها فتحا عسكريا وتسلطت على بعض شعوبها. وقد أسسوا شبه حكومة ثم ما لبثوا أن دب فيهم الفساد ، فانشطروا إلى قسمين شمالي وجنوبي ، وأمسوا عرضة لغارات حكومات مصر وآشور وبابل لوقوع أرضهم في الطريق الوحيد بين الدول المتزاحمة ، ثم تغلبت تلك الدول عليهم فسبوهم وأخرجوهم من فلسطين ، فبدأت نفوسهم تحن لإعادة مملكتهم القديمة وإحياء قوميتهم ، وقد كبر هذا الرجاء في نفوسهم ، فحاولوا مرات استردادها من أيدي الرومانيين ففشلوا ، وخرب تيطس هيكلهم وشتتهم في أطراف الأرض ، وسرعان ما ثاروا بقيادة باركوخبا ومساعدة الحاخام عقيبا فأخفقوا ، وعجزوا عن الخلاص من حكم الرومانيين الثقيل.

ورغم هذه الصدمات أصبحت فكرة الرجوع إلى فلسطين عقيدة دينية عندهم ، برزت في آدابهم الشعرية والنثرية ، وأظهروا من الحنين إلى فلسطين

__________________

(١) كاتب هذا الفصل السيد عمر الصالح البرغوثي.

١٩٨

والتلهف على زوال مجدهم ، ما خلد ذكرهم في تاريخ الأدب. وقد زعم كثيرون أن المسيح أتاهم مبشرا بالرجوع إلى أرض الميعاد فلم ينجحوا لأن البيئة التي عاش فيها اليهود قرونا حالت دون بلوغهم أمنيتهم وحرمتهم الشعور بالروح القومي ، لو لم تتوال عليهم عواصف الاضطهادات في أوربا التي أيقظتهم ودفعتهم إلى إظهار الصهيونية (١) الحديثة التي أوجدها عاملان «الأول» الشعور بالقومية ، «الثاني» مضادة اليهود العامة. والقصد من الصهيونية عزل الشعب اليهودي عن الشعوب الأخرى ، وجعل فلسطين وطنا خاصا بهم ، يقوم على القومية ويعترف لهم به اعترافا دوليا مضمونا ضمانا شرعيا.

ظهرت الصهيونية بمظهرها الحقيقي سنة ١٨٥٢ م حين حضّ هو لنكسورث الإنكليزي على إقامة حكومة يهودية في فلسطين لحماية طريق الهند البرية. وسافر السر موسى منتفيوري إلى فلسطين وطلب من محمد علي باشا المصري إسكان اليهود في القطر فرفض طلبه. وقام كثيرون من الأدباء والسياسيين واقترحوا اقتراحات مختلفة منها جعل فلسطين حكومة يهودية ، أو عمل خط حديدي في العراق وإسكان اليهود على جانبيه أو إيجاد مأوى لهم في شرق الأردن.

وقد حام كاليشر في كتابه مطلب صهيون حول استعمار فلسطين واستملاك الأرض وإنشاء مدرسة زراعية وتأليف حامية إسرائيلية عسكرية ومزج الفكرة القومية بالروح الديني وصرح أن الخلاص الذي نوه به الأنبياء يأتي متتابعا بمساعدة اليهود أنفسهم. وسافر مرارا لترويج هذه الفكرة ، وألف الجمعية الأولى الاستعمارية في فرنكفورت سنة ١٨٦١ وحمل بعض الحاخامين على الاشتراك معه وأعلن بعضهم أن الاستعمار في فلسطين من الأمور المقدسة فألهبت تقوى اليهود هذه الجملة البراقة ، وألفوا بضع جمعيات استعمارية في الممالك الأوربية وأسست المستعمرة الصهيونية الأولى (عيون قارة) في فلسطين سنة ١٨٧٤.

إلا أن العمل الجدي شرع فيه سنة ١٨٩٧ عند عقد المؤتمر الأول الذي اشترك فيه ممثلو خمسين جمعية صهيونية وبرزت الروح الاستعمارية بشكل جلي فقاومتها الحكومة العثمانية بوضع العراقيل أمام هجرتهم وقيدتهم بقيود

__________________

(١) صهيون جبل جنوب القدس ثم شمل المدينة وأصبح علما عليها. والنسبة إليه تدل على الجماعة الذين يرغبون في الرجوع إلى فلسطين.

١٩٩

جعلت هجرة اليهود إلى فلسطين في حكم المستحيل تقريبا. وكلما كان ينتعش الروح اليهودي القومي يشتد كره الأمم لهم ، وهم لا يعبأون بذلك زاعمين أنها موجة ستضمحل أمام الرقي العلمي المنتشر هناك ، فانتهت عاقبة هذا الرجاء بالفشل وتعرضوا للاضطهاد في الأقطار.

ألف الزعيم الصهيوني الكبير تيودور هرتسل كتابه الوطن اليهودي سنة ١٨٩٥. وقد جاء فيه أن مقاومة اليهود في نمو مستمر ومقاومتهم خطر على العالم بأسره ، لأن اليهود شعب لا يمتزج بغيره والاختلاط الحقيقي يكون بالزواج المتبادل ، واقترح فيه أن يعطى لهم جزء من الأرض في فلسطين أو الأرجنتين ليجتمعوا بها ويقيموا لهم وطنا خاصا بهم ، وإذا سمح لهم بفلسطين فإنهم يرون من الواجب أن تكون محلات العبادة المختصة بالطوائف الأخرى ملكا ممتازا لهم. وأشار بتأليف جمعية تشرف على الأعمال العلمية والسياسية وتأسيس شركة يهودية كالشركات الإنكليزية والفرنساوية الصناعية «الاستعمارية» العظمى يكون رأس مالها ٥٠ مليون ليرة إنكليزية وتتخذ لها مركزا رئيسا في لندن ، ويعهد لهذه الشركة بالأعمال التي تهيئها اللجنة التنفيذية اليهودية وتسعى الطائفة الجديدة لترويج المهاجرة بطريقة منتظمة ، ولم يعبأ هرتسل بقوانين الكنيسة فطلب فصلها عن السياسة.

ولما زار هرتسل بريطانيا العظمى لم يقبل اليهود على دعوته كما أقبل أهالي أوربا الذين ناصروه بالمال والرجال. وأول من اعتقد بصحة مشروع الوطن اليهودي جمعية زيون في النمسا التي طلبت تأليف جمعية يهودية عامة ، واقترحت تأسيسها في لندن ، ثم عرفوا هرتسل أن جمعيتهم قبلت دعوته. وظهر أن الذين استهوت قلوبهم فكرة تأليف الجنسية اليهودية هم الذين اعتبروا هرتسل زعيما ومخلصا لهم. ولكن المتدينين قاوموه عندما عرفوا أن بعض زعماء دعوته لا دينيون. وتصدى له رؤساء الحاخامين في روسيا وألمانيا والنمسا وانكلترا وقالوا : إن الصهيونية حركة بعيدة عن اليهودية وإنها مخالفة لأوامر الله تعالى. وقال الكاتب الشهير لوسيان وولف : إن الصهيونية حماقة ، وقال غايكر : إن الصهيونية تؤدي إلى حرماننا حقوقنا المدنية في الممالك الخارجية. أما بعض نصارى أوربا فقد أظهروا عطفا على الصهيونية وطفقت بعض جرائدهم تحض اليهود على

٢٠٠