خطط الشام - ج ٣

محمّد كرد علي

خطط الشام - ج ٣

المؤلف:

محمّد كرد علي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: مكتبة النوري
الطبعة: ٢
الصفحات: ٢٧٠

العهد الحديث

«من سنة ١٣٣٦ ـ ١٣٤٣»

تجزئة الشام بين فرنسا وانكلترا :

كانت نتيجة الحرب تجزئة الشام بين فرنسا وبريطانيا ، فاستقلت هذه بفلسطين وما إليها ، واستأثرت فرنسا بالساحل من صور إلى ما وراء الإسكندرونة ، وبقيت الداخلية اي الكرك والصلت ومعان وعمان وحوران ودمشق وبعلبك وحمص وحماة وحلب مستقلة بإدارة الأمير فيصل ، والموحون اليه البريطانيون. أما القيادة العامة فكانت بأيدي البريطانيين ودعيت الشام بلاد العدو المحتلة عملا باتفاق سايكس بيكو الذي عقد يوم ٩ أيار ١٩١٦ قاضيا بتقسيم الأقاليم العثمانية غير التركية إلى مناطق نفوذ ومناطق سيادة ، وإنشاء دولة أو دول عربية متحدة في الأصقاع العربية ، وبموجبه تتناول الدول العربية داخلية سورية وقسما من العراق. أما دولة سورية العربية فجعل فيها لفرنسا وجدها حق تقديم المستشارين والموظفين الأجانب ، وذلك إجابة لرغبة الدولة السورية نفسها ، أو دول الاتحاد العربي ، وقد خوّلت بريطانيا العظمى هذا الحق نفسه في دولة العراق ، ويقضي هذا الاتفاق بان تنشىء فرنسا في ساحل سورية وفي قلقية ، وبريطانيا في جنوب العراق وفي جملتها بغداد ، وفي مواني حيفا وعكا ، نظام الحكم الذي تريدانه ، ونوع الإدارة الذي تستحسنانه ، وأن تنشأ في فلسطين حكومة دولية.

وسار الحال على ذلك مدة إلى أن تم الاتفاق (١٥ أيلول ١٩١٩) بين (٣ ـ ١١)

١٦١

الحكومتين الفرنسية والإنكليزية على أن تخرج بريطانيا عساكرها من الشام ، بشرط أن لا تدخل العساكر الفرنسية إلى المدن الأربع منها أي دمشق وحلب وحمص وحماة ، لأن بريطانيا قطعت للعرب عهدا أن تؤلف لهم حكومة عربية ، وهكذا كان فإن الجيش البريطاني تراجع إلى شرقي الأردن وفلسطين. وعينت بريطانيا على فلسطين السير هربرت صموئيل وهو إسرائيلي إنكليزي مفوضا ساميا ، وعينت فرنسا الجنرال غورو مفوضا ساميا على سورية ولبنان ، ويعمل هذا القائد مستقلا باسم دولته ، وكان من قبله من الفرنسيين يعملون حتى في لبنان بقيادة اللورد اللنبي القائد البريطاني العام.

وجاء في هذا الاتفاق أن بريطانيا وفرنسا تضمنان لسكان ما بين جبال طوروس والخليج العجمي ، استقلالا واسعا يأمنون معه على حريتهم ، ويتمكنون من تجديد حضارتهم ، وكانت كل من بريطانيا وفرنسا نشرت بلاغا قالتا فيه : إن السبب الذي من أجله حاربت فرنسا وانكلترا في الشرق تلك الحرب التي هاجتها مطامع الألمان ، إنما هو لتحرير الشعوب التي رزحت قرونا طوالا تحت مظالم الترك ـ تحريرا تاما نهائيا وإقامة حكومات وإدارات وطنية تستمد سلطتها من اختيار الأهالي الوطنيين لها اختيارا حرّا. ولقد أجمعت فرنسا وبريطانيا على أن تؤكدا ذلك بأن تعاونا على إقامة هذه الحكومات والإدارات الوطنية في الشام والعراق ـ وهما المنطقتان اللتان أتم الحلفاء تحريرهما ـ وفي الأراضي التي ما زالوا يجاهدون في تحريرها ، وأن تساعدا هذه الهيئات وتعترفا بها عندما تؤسس فعلا ، وليس من غرض فرنسا وبريطانيا أن تنزلا أهالي هذه المناطق على الحكم الذي تريدانه ، ولكن همهما الوحيد أن يتحقق بمعونتهما ومساعدتهما المفيدة عمل هذه الحكومات والإدارات التي يختارها الأهلون من أنفسهم ، وأن تضمنا لهم عدلا منزها يساوي بين الجميع ، وتسهلا عليهم ترقية الأمور الاقتصادية ، وذلك بإحياء مواهب الأهالي الوطنيين وتشجيعهم على نشر العلم ، ووضع حد للخلاف القديم الذي قضت به السياسة التركية ، تلك هي الأغراض التي ترمي إليها الحكومتان المتحالفتان في هذه الأقطار المحررة ا ه.

١٦٢

فتنة الأرمن واعتداؤهم على العرب :

كانت الدولة العثمانية في السنة الأولى للحرب أجلت من الأناضول إلى الشام عشرات الألوف من الأرمن ، وأعملت فيهم السيف وقتلت منهم مئات الألوف صبرا بطرق مختلفة ، لأن بعض أبناء جنسهم قطعوا خط الرجعة على الجيش العثماني أثناء حربه في جبهة روسيا ، فصدر أمر الحكومة العثمانية أن يقتل الأرمن قتلا عاما ، ويقال : إنه هلك فيه نحو مليون نسمة منهم ومن لم تستطع الدولة قتلهم بعثت بهم إلى ديار العرب ، رجاء أن تجد سبيلا آخر لقتلهم ، ويقال إن الألوف التي جلتها إلى الشام كانت توعز من طرف خفي بقتلها ، ولكن العرب أظهروا من الشمم والكرم ونصرة الضعيف ما فطرت عليه أخلاقهم فلم يمسّ الأرمن بأذى حتى في أقصى الشرق والجنوب من الشام حيث تكثر الجهالة والهمجية.

ولما دخلت جيوش الحلفاء الشام كان في جملة كتائب فرنسا متطوعة من الأرمن ، فوقع في نفوس بعضهم أن ينتقموا من العرب عما جنته أيدي الأتراك على أبناء مذهبهم فقابلوا إحسان العرب إليهم بالإساءة ، وبدأوا ببيروت فأطلقوا بنادقهم على بعض البيروتيين علنا وقتلوا بعض الوطنيين ، ثم أخذوا حيث ينزلون ، يبدون من أمارات الغضب ما يتناول الأبرياء مباشرة ، وقد تمردت هذه الكتائب حتى على الحكومة التي قبلتها متطوعة في صفوفها مثل الكتيبة التي تمردت في الإسكندرونة (١٩١٩) حتى اضطرت القيادة الفرنسية أن تنقلها إلى أذنة ، ولم تقف معاملة الأرمن للعرب بالسوء عند هذا الحد بل تكونت منها أسباب لفتنة أهلية في حلب انتهت بقتل وجرح وأحكام بالقتل وإهانة الأعيان. وقد سألنا صديقنا السيد أمين غريّب وكان في الشهباء قريبا من هذه الوقعة فتفضل وكتب إلينا ما نثبته بنصه ، وقوله ثقة في هذا الباب قال :

كان الجيش الإنكليزي محتلا مدينة حلب وقد وقفت طلائعه في مسلمية وما حولها بسبب الهدنة بين الحلفاء من جهة والدول الوسطى من جهة ثانية. وكانت تركيا بحسب الشروط قد أخذت تسرح جيشها ، فيعود الجنود العرب إلى الشام بطريق أذنة ويمرون بالجنود الأرمن الذين عسكروا في أذنة ونواحيها ، وكان هؤلاء الجنود قادمين مع الحلفاء (وأرجح أن قيادة أمورهم كانت في

١٦٣

أيدي الفرنسيين (فكان كل عربي يمر بالأرمن لابسا ثياب الجيش التركي المنحل يهيج منظره العسكري عاطفة النقمة في قلوب الأرمن إذ يتذكرون فظائع الأتراك بهم وبأهلهم. ولا يعذرونه بأنه عربي ، جاهلين الفرق بين هذا وبين التركي فيعاملونه بخشونة. وكنا في حلب نستقبل كل يوم عشرات ومئات من أولئك العرب مسرّحين وهم مهشمو الوجوه مجروحون مضروبون بأيدي الأرمن فكان هؤلاء الجنود ينتشرون في حلب وينشرون بين أهلها أخبار تعدي الأرمن عليهم انتقاما منهم لما فعل الأتراك بهم ، وكان كثير من هؤلاء الجند من الحلبيين المسلمين ، هذه أول مقدمة لحادثة حلب.

السبب الثاني ـ كان الإنكليز عند دخولهم حلب قد أخذوا الأرمن اللاجئين إليها ووضعوهم في أماكن مخصوصة عنوا فيها بإعاشتهم وترتيب أمورهم وتحسين حالتهم ، فرأى الأرمن من الإنكليز حماة يدفعون عنهم ذلك الشر المستطير والضيم العظيم ، فصاروا كمن انتقل فجأة من الظلمة الحالكة إلى نور كهرباء ساطعة ، وتحولوا حالا إلى جواسيس متطوعين للإنكليز ينقلون إليهم الأخبار المتنوعة ، وجرأهم هذا الانقلاب في حالتهم من تعاسة وشقاء إلى حرية وإكرام فنشأت فيهم غطرسة غير معهودة لدى الحلبيين فقابلها هؤلاء بالاشمئزاز الطبيعي فازدادت نارها اضطراما ، وصارت الخشونة في الحديث على رأس كل لسان أرمني تقريبا ، فتكاثرت الحوادث البسيطة في جميع أنحاء الشهباء.

السبب الثالث ـ الجنيه المصري ، فإن الإنكليز طرحوه في حلب عند قدومهم وقد تناقصت في ذلك الحين قيمته الحقيقية عن قيمته الرسمية ، وكان الأرمن يتناولون الجنيه من دوائر الاعاشة الإنكليزية ويذهبون لصرفه عند الفوّالين وباعة الحمّص مثلا ، فكان الأرمني يأكل صحن فول بغرشين ثم يبرز للفوال ورقة بليرة ويطلب منه حسم الغرشين وإعطاءه الباقي من المال الحجر ، وكانت قيمة الورقة ستين غرشا ، فكان المسكين يضطر إما إلى خسارة كل موجودات محله وهي لا تزيد عن أربعين غرشا وإما إلى مواجهة شرطي كان غالبا يعطف على خصمه الأرمني تنفيذا للقانون ، وتعددت هذه الحوادث وتنوعت حتى امتلأت منها القلوب وغلت من حرارتها الخواطر.

١٦٤

جاء يوم الجمعة في ٢٨ شباط ١٩١٩ وهو يوم السوق التجارية هناك ، فكان مسلم يبيع حمارا وقد ساومه عليه أرمني فاختلفا وتصايحا وتشاتما ثم تلاكما فكانت هذه الشرارة التي شعلت النار في الهشيم. وفي سوق الجمعة وما حولها من الأماكن التي يكثر الأرمن فيها حصل التعدي عليهم وفي أقل من ساعة بلغ عدد القتلى ٥٢ والجرحى مئة ، قتلوا كلهم وجرحوا بالمدى والخناجر وسواطير اللحم لا بالرصاص. وقد اجتهد الأرمن يومئذ اجتهادا عظيما كي يشركوا الحكومة العربية في الجناية عليهم بسبب وجود بعض الجنود والشرطة الأهلية في أماكن التعدي لأنهم لم يصادفوا منهم عونا. أما عدد قتلى المسلمين الحلبيين فلم يرد ذكره أمامي لكنه بحسب ما سمعت لا يتجاوز العشرة.

وقد أقيمت ٩٢ دعوى على المتهمين بهذه الحوادث ، وآخر ما بلغني أن قد حكم على نحو ثلاثين بالقتل فقتلوا في أوقات مختلفة وصدر الحكم على كثيرين بالسجن. أما الثلاثون عينا من أعيان حلب فقد قبض عليهم الإنكليز يومئذ بتهمة تحريض الأهالي على ذبح الأرمن ، لكن هذه التهمة لم تثبت أمام التمحيص الذي أجرته لجنة من المحققين كنت عضوا فيها. ولهذا لم تقع عليهم محاكمة بتاتا ، لكنهم جعلوا قيد التوقيف مدة ريثما سكنت الحال ، وأذكر أن القائد الإنكليزي لما أراد أن يسرحهم ألقى عليهم كلاما ملخصه : إنكم زعماء والزعيم لا يعذر على جهله ما يدور بين جماعته. إننا لم نجد عليكم ما يوجب عقابا قانونيا. لكننا لا نبرئكم من التبعة في وجود أسلحة مع بعض أناس منتمين إلى زعامتكم ، فعليكم كلما علمتم بعد الآن أن تعلمونا بمن يحمل من الأهالي سلاحا على شخصه أو في بيته ، وإلا فنحن نتوخى لكم التحقير حتى لا يبقى في أذهان الناس أثر لاعتقاد الزعامة فيكم» وهلم جرّا.

أعمال الحكومة العربية وحكومة الصهيونيين :

لما جلت الجيوش البريطانية عن المدن الأربع دمشق وحلب وحماة وحمص أخذت الحكومة العربية بإمارة الأمير فيصل بن الحسين تعدّ لها جيشا من الأهلين ، وكانت بريطانيا تؤدي كل شهر لحكومة المدن الأربع مائة وخمسين ألف جنيه

١٦٥

مصري ، لتستعين بها على تنظيم شؤونها ، وكان يصرف من هذا المبلغ جزء مهم على بث الدعوة وتنظيم العصابات ، فأخذت بريطانيا تفكر في قطعها ، ولكن الحكومة الوطنية زادت في معدل الجباية والرسوم حتى تسد العجز يوم انقطاع الإعانة الكبرى ، ودخل في السياسة الوطنية شبان متحمسون ، وأكثرهم من غير أبناء هذه المنطقة الشرقية منطقة المدن الأربع ، وأصبحت لهم منزلة عند الأمير يبرمون وينقضون ، فأبعدوا عنه كثيرا من رجال الحل والعقد ، وأصبح الأمير يعمل هو والشبان ، والمستند في ذلك على طائفة من أرباب الفتوة والعوام ، وكثرت الأحزاب السياسية في دمشق حتى زادت على ثمانية ، وكلها بالطبع تريد استقلال الشام ، ومنها ما يدعو إلى استقلال جميع العرب ، وكثرت المنازع واشتد التنازع بين أبناء الوطن ، وكلهم يريد له الخير ولا يهتدي إلى طريق الصواب. لأن عمال بريطانيا وفرنسا أخذوا يعملون في الشام ، وكل منهم يريد الاحتفاظ بحقوق دولته وإثبات الأرجحية لها وتوطيد أقدامها.

وقد تأفف الناس من السياسة التي جرى عليها الأمير فيصل في الاعتماد على الغرباء عن منطقة المدن الأربع ونزع ثقته من الأعيان والمفكرين من دون سبب ، فأخذوا ينصحون له سرا بالعدول عن هذه الخطة ، وأوفد أعيان الدمشقيين ومفكروهم وفدا يبين له ما يجب السير عليه حرصا على المصلحة فلم يلتفت إلى كلامهم. وقال في بعض مجالسه : إن أولئك الغرباء الذين يعتمد عليهم قد خدموه أكثر من الدمشقيين وأن هؤلاء لا مأرب لهم إلا المال. على أن الأيام أثبتت عكس ما قال ولكن السياسة تسود الأبيض وتبيض الأسود.

وكانت المنطقة الساحلية أي التي دعيت باسم المنطقة الغربية ، قد أقامت لها حاكما إفرنسيا على لبنان لأول عقد الهدنة ، وأخذت فرنسا تحتل السواحل وما إليها إلى قلقية ، ولم تمض على ذلك مدة حتى بدأت العصابات التركية تسيء إلى الجيش الفرنسي في قلقية وشمالي الشام فقتل من الفريقين مئات. وكانت فلسطين منذ رحل الترك عنها في قبضة الجيش البريطاني فلما مضت السنة الأولى للهدنة أصبحت بريطانيا تفي للإسرائيليين الصهيونيين بما وعدهم به وزيرها بلفور مدة الحرب ، إذا عاونوا بريطانيا بأموالهم بأن تجعل لهم من فلسطين وطنا قوميا. فجعلت اللغة العبرية لغة رسمية في فلسطين بمثابة العربية والإنكليزية

١٦٦

وأخذت الوظائف تنتقل من أيدي المسلمين والمسيحيين إلى أيدي الإسرائيليين ، وخص الإسرائيليون بالرعاية على ما لم يكن لهم به عهد ، فشق ذلك على أهل الوطن ، واجتمع المسلمون والنصارى وألفوا جمعية تطالب بريطانيا بالعدول عن هذا الوعد البلفوري ، وكثرت الوفود منهم إلى أوربا وإلى مصر مركز القيادة العامة للجيوش البريطانية ، فشعرت بريطانيا بصعوبات حقيقية في إدارة فلسطين (آب ١٩٢١) وحدثت فتنة في يافا والقدس وغيرها من المدن الفلسطينية وتوقفت الأعمال ، والقوم لا عمل لهم إلا إرادة بريطانيا على الرجوع عن وعدها لليهود ، وقد ملأ أبناء فلسطين من غير اليهود وهم ثمانية أضعافهم العالم صياحا وعويلا ولم ينفس لهم كرب ، ولم يدركوا لهم غاية. وهكذا كان من شبح الصهيونيين ما أخاف المسلمين والنصارى فاتحدوا اتحادا صادقا وجامعتهم في اتحادهم ، وحدة المصلحة على طراز كان فيه شيء من الغرابة.

ولما تركت الحكومة العربية في دمشق وشأنها على أثر انسحاب الجيوش البريطانية الى الخط الذي عينته معاهدة سايكس بيكو في فلسطين ، رأى الأمير فيصل أن يذهب (١ أيلول) إلى لندرا وباريز ليقهم ساستهما حقيقة أماني الأمة السورية ويعرف موقفه من معاهدة بريطانيا وفرنسا المنعقدة في ١ أيلول ١٩١٩ وخلاصتها تسليم قلقية والمنطقة الغربية من أرض العدو المحتلة أي ساحل سورية إلى الإدارة الفرنسية ، فسحبت بموجبها الجيوش البريطانية إلى ما وراء الخط المفروض الذي عين الحدود بين المنطقتين المنوه عنه بمعاهدة سايكس بيكو ، أما المنطقة الشرقية وأرض العدو المحتلة أي المنطقة العربية فتبقى الحكومة بدمشق قابضة على زمامها ، وتقدم لها الدولة الفرنسية المساعدة الضرورية التي نصت عليها معاهدة سايكس بيكو.

ما استطاع رجال بريطانيا أن ينيلوا الأمير فيصلا رغائبه ، وأحالوه على فرنسا لأن الانتداب في الشام أصبح لها دون سواها ، وفي فلسطين تم الانتداب لإنكلترا وكذلك العراق. فبذل الأمير جهده حتى يفهم رجال السياسة في بريطانيا وفرنسا ما هي المسألة السورية ، وبعد الجهد العظيم لم ير إلا الاتفاق مع رئيس الوزارة الفرنسية المسيو كليمانسو وتعهد له أن يكون مع فرنسا ويرضى بانتدابها على الشام ، واعترفت فرنسا لأهل الشام على اختلاف مذاهبهم بالاستقلال

١٦٧

وحكم أنفسهم بأنفسهم ، وذلك في اللائحة التي تم توقيعها بين فرنسا والأمير فيصل يوم ١٦ كانون الأول ١٩١٩ واعترف الأمير بأن السوريين لا يستطيعون في الوقت الحاضر ، لاختلال النظام الاجتماعي الناشىء عن الاضطهاد التركي والخسائر المحدثة أثناء الحرب ، أن يحققوا وحدتهم ، وينظموا إدارة الأمة دون مشورة ومعاونة أمة مشاركة ، وطلب باسم الشعب السوري هذه المهمة من فرنسا وقد جاء في المادة الخامسة من هذه اللائحة أن الأمير فيصلا يتعهد بأن يسهل بالمشاركة مع فرنسا تنظيم دروز حوران بشكل استقلال إداري داخل الدولة تكون مجهزة بأوسع استقلال يلتئم مع وحدة الدولة ، وجاء في المادة السابعة أنه يعترف بالعربية لغة رسمية في الإدارة والتدريس وتعلم اللغة الفرنسية كما تعلم لغة مساعدة وبصورة إجبارية ومختارة.

وتعهد الأمير بأن يقضي على العصابات التي كانت تعتدي على المنطقة الغربية التي يخفق عليها العلم الفرنسي ، وعلق اعترافه بالانتداب الفرنسي جهارا على إدماج لبنان في الشام ، ثم عاد إلى الشام (٣ شعبان ١٣٣٧ ـ أيار ١٩١٩) فاستقبلته السلطتان الفرنسية والبريطانية استقبالا رائعا ، وكان استقباله في دمشق فخما للغاية فخطب في بيروت خطبة رضي عنها الفرنسيون ، ولما جاء دمشق خطب خطبة تخالفها إجمالا وترضي المنادين بالاستقلال التام الناجز ، وبدأ التقلقل في سياسته والتناقض في أقواله ، لأنه كان بين عاملين العامل الفرنسي والعامل الإنكليزي وهذا أشد وأقوى وان لم يكن ظاهرا للعيان ، ومن أشد العوامل في هذا حالة والده ملك الحجاز ، ولأن إنكلترا إذا غضبت تنقطع عنه المعاونة المالية الشهرية ، وبدونها يستحيل القيام بشيء من أعمال المقاومة والدعاية.

المؤتمر السوري ومبايعته فيصلا ملكا على الشام :

كانت الحكومة العربية بدمشق دعت مؤتمرا تألف من أكثر أبناء الشام ومنها فلسطين، لوضع القانون الأساسي وتعيين شكل الحكومة ، فقرر إعلان ملكية الأمير فيصل (١٦ جمادى الثانية ١٣٣٨ ـ ٧ آذار ١٩١٩) فبويع له بالملك على الأصول باسم فيصل الأول ، وأعلن شقيقه الأمير عبد الله ملكا

١٦٨

على العراق ، بايع أهل الحل والعقد الملك الجديد فرحين مغتبطين ، ولم يحضر قنصل بريطانيا حفلة التنصيب وحضرها معتمد فرنسا فرحا مسرورا ، وكان محبا للعرب مجاهرا باستقلالهم ، وتألفت وزارة قالت أولا إنها لا تقبل بالانتداب الفرنسي الذي كان قرره على الشام مؤتمر سان ريمو في ١٦ نيسان (١٩٢٠) فدهش المفكرون لهذا التبدل في السياسة ، وذهبت في ذلك الظنون كل مذهب ، فمن قائل إن الأمير نودي به ملكا بإيعاز إنكلترا لأنها ذكرت خدماته وخدمات والده وإخوته لها في الحرب ، فأرادت أن تكافئهم وتقوم بما وعدتهم به. ومن ذاهب إلى أن فرنسا رأت ذلك من مصلحتها ، لأنها كانت عرضت على الأمير أن يقبل بالانتداب الفرنسي على الشام ما عدا فلسطين وهي تدخل له لبنان في سلك ملكه فلم يقبل. ثم تبين بعد أيام أن المسألة ليست منبعثة إلا عن آراء الأحزاب لأن من أساطينها من كان يذهب منذ حين إلى أن أوربا إذا رأت الشاميين ينادون بالأمير فيصل ملكا عليهم ، لا تنازعهم في ذلك لأنهم أحرار في بلادهم. ويكون ساسة أوربا أمام أمر واقع لا يجرؤون أن ينقضوا ما أبرم!! وفي ١٨ آذار أي بعد البيعة بعشرة أيام أبلغت فرنسا وانكلترا الأمير فيصلا بأنهما لا تعترفان بصحة قرار المؤتمر السوري الذي بايعه ملكا ، ودعي إلى الحضور إلى أوربا لعرض قضيته أمام مجلس عال ، فاعتذر بأن أعمال مملكته الجديدة لا تسمح له بمغادرة الشام ، وأرسل من قبله رسولا إلى لندرا وطلب إلى فرنسا وانكلترا معاونتهما ليعترفا له بالاستقلال. وكان الأمير يرى من معتمد فرنسا لدى حكومته عطفا ومعاونة ، وكذلك من معتمد إيطاليا التي أرسلت إلى دمشق قنصلا برتبة سفير صغير ليحسن تمثيل دولته أمام الدولة السورية الفتية. أما ملكية الملك فيصل فإن انكلترا كانت على ما قيل تميل إلى الاعتراف بها ولكن فرنسا عارضتها في ذلك.

العصابات بين الساحل والداخل :

نشطت العصابات في المنطقة الشرقية فأرسلت الدولة المحتلة في المنطقة الغربية (كانون الثاني سنة ١٩٢٠) كتيبتين من الجند بدلالة بعض نصارى جديدة مرجعيون ودير ميماس والقليعة فضربوا قصر محمود الفاعور أمير عرب

١٦٩

الفضل في الخصاص من أرض الحولة فلما رأى عرب الفضل أنهم المقصودون بالذات حملوا على الجند حملة منكرة كانت فيها لهم الغلبة ، وقتل كثير من الجند الفرنسي وقليل من العرب وعندئذ هجم نحو مئة وخمسين رجلا من العرب وأرباب القرى المجاورة على جديدة مرجعيون فأحرقوا نحو أربعين دارا ونهبوا بعضها وقتلوا نحو عشرين رجلا من أهلها. وادعى العرب أنه قتل من الجند نحو أربعمائة ولم يقتل منهم سوى سبعة أشخاص ، وادعى الفرنسيون أن المهاجمين من العرب كانوا نحو أربعة آلاف معهم ٢٥ مدفعا رشاشا ومدفعان من مدافع الصحراء ، وادعى العرب أنهم ما كانوا أكثر من ثلاثمائة ولا مدافع لهم ولا رشاشات ولم يكونوا ستة إلى واحد كما ادعى الفرنسيس.

وبعد خمسة أشهر (١٥ حزيران) تكررت هذه الحوادث في عين ابل والقليعة والجديدة نفسها ، وضربت الحكومة المنتدبة على أهل جبل عامل مائتي ألف ليرة ذهبا جزاء عن العصابات في جبلهم. وذكر الريحاني أن الجباة الماهرين جمعوا من هذا الجبل أربعمائة وخمسة وثمانين ألف ليرة دفعوا منها تعويضا لأهل الجديدة خمسين ألف ليرة.

ووقعت وقائع كثيرة في بلاد بشارة وأنطاكية وتل كلخ ، كانت العصابات العامل الأقوى فيها ، وحاولت المنطقة الغربية إنشاء عصابات مثل عصابات المنطقة الشرقية لتدفع الشر بالشر ، وأرصدت في بعض الروايات ثلثمائة ألف ليرة ذهبا لهذه الغاية ولكن عصابات المنطقة الشرقية كان عملها أعظم وأفظع واكتفت بها الحكومة المحتلة ولبثت ترتقب نتائج عملها وربما جسمت أمرها وهولت فيه أكثر من الحقيقة. ومما حدث وقائع النصيرية والإسماعيلية (نيسان ١٩١٩ ـ ١٣٣٧) فأغار النصيرية على الإسماعيلية في جبل الكلبية في قرى عقر زيتي وخربة الفرس وجمعه شبه وغيرها من قرى الإسماعيلية ، وفي ناحيتي الخوابي والقدموس ، وسكانهما إسماعيلية ، فنهبت القدموس وخربت بعض بيوتها ، وكانت المعركة دامية بين الطائفتين قدر بعضهم قتلاها بمائتين وزاد آخرون إلى أكثر من ذلك ، فزحفت كتيبة من الجيش الفرنسي على قرية الدويلية فأحرقتها ، وأحرقت قريتي كاف الجوع والسلورية ثم سارت إلى

١٧٠

المريقب مقر صالح العلي زعيم الثورة ومن المعتقدين عند النصيرية ، وكان جمع القلوب حوله بدهائه ، وعشائره تبلغ خمسة آلاف ، ومعهم عشائر المتاورة ، فتألفت كتلة من اثني عشر ألف مقاتل من أهالي جبال النصيرية وتعاهدت على قتال الجيش الفرنسي ، فأحرق الجيش بيوت زعيم الثورة فهاجم هذا الحملة ودامت المعركة بينهما سبع ساعات ، ثم تراجعت الحملة إلى القدموس ومنها إلى بانياس وطرطوس.

ومن الأحداث خلال هذه السنة ما وقع من اختلاف (شباط ١٩١٩) بين مشايخ الإسماعيلية وجماعتهم من الفلاحين انقلب إلى فتنة ، اضطر معها الأمراء أن يستنجدوا بمشايخ النصيرية ليعينوهم على أبناء مذهبهم فعاونوهم حتى انتصروا على جماعتهم ، وأراد الفلاحون من الإسماعيلية بعد كسرتهم أن ينتقموا لأنفسهم فهاجموا قرى النصيرية القريبة من أرضهم ، وارتكبوا أنواع القسوة وحرقوا الدور ونبشوا قبور الأولياء من شيعتهم فاضطرت السلطة كما قال الكولونيل نيجر إلى التدخل واشتعلت نيران الفتنة ولم تخمد إلا في تموز ١٩٢١. قال : وكادت هذه الفتنة تعم الجبل كله ، لو لم يعلن استقلال جبال النصيرية ، وذكر في تقرير له أن المفاوضات كثرت بين جبال النصيرية وأنقرة أي الحكومة التركية ، وانقطعت بعد عقد الصلح بين فرنسا وتركيا ، وأن البنادق التي جمعتها السلطة من الجبل بلغت خمسة عشر ألفا منها ما وزر حديث جدا ومنها إنكليزي ، وكان الشيخ صالح زعيم العلويين يراسل انقرة على الدوام. وفي تاريخ العلويين أن الثوار الأتراك اعتدوا على القرى الساحلية المتحايدة وأحرقوا ستين قرية وقتلوا بعض العلويين ودامت الفتنة ستة أشهر قتل فيها من أهل الجسر وصهيون أكثر مما قتل منهم في الحرب العمومية الكبرى.

ذكر الجنرال غورو في إحدى خطبه أنه اشترك مع عصابات مرجعيون زعيم وخمسة ملازمين و ٣١٧ جنديا عربيا ، وأعانتهم الحكومة العربية بأربع رشاشات ثقيلة وثلاث خفيفة، وخمسين صندوق ذخيرة ، وأن مذابح عين ابل وفتنة العامليين كانت بتحريض من المنطقة الشرقية أي حكومة فيصل في دمشق ، والغالب أن عمال الفرنسيين كانوا يبالغون في أخبار العصابات ويؤكد

١٧١

الخبيرون أن العسكر العربي ما اشترك مع العصابات أصلا ولا في وقعة من الوقائع.

على أن بريطانيا وهي الصديقة المحببة إلى حكومة فيصل لم تخل من اعتداء العصابات عليها ، اعتدت على أطراف سمخ في المنطقة البريطانية ، كما اعتدت على قطار في الشمال يحمل عسكرا بريطانيا. ومما جرى خلال تلك الفترة اتفاق بريطانيا وفرنسا اتفاقا عسكريا على أن تحتل الثانية بعلبك ورياق وحاصبيا وراشيا فزحفت الجنود الفرنسية لاحتلال هذه الأقضية وكانت من عمل الحكومة العربية الفيصلية ، وبعد مناوشة في وادي جريبان دامت أربع ساعات بين الجيش العربي والجيش الفرنسي دخل هذا بعلبك ، ثم سعى فيصل فأخرجهم من تلك المقاطعة ثانية.

ترامت أخبار العصابات إلى الغرب وتجسمت بالطبع على العادة في نقل الأخبار ، وشكا العقلاء من أهل هذه الديار وخافوا عاقبة هذه السياسة ، وأسفوا لتقاتل أبناء الوطن ولتجدد نعرة الدين ، ولم يكن قناصل الدول غافلين عما يتم ، وكانوا ينقلون أخبار الوقائع في الجملة على وجه الصحة ، وأخذت العلائق تتوتر بين الأمير فيصل وحكومة الانتداب في الساحل ، وكانت فاتحة أعمال الجنرال غورو في الشام أن طلب إلى فيصل أن يعطيه البقاع لينقل على الخط الحديدي ما يحتاج إليه الجيش الفرنسي في جهات عينتاب فأبى الأمير إجابة الطلب.

الاستفتاء في الدولة المنتدبة :

زينت بريطانيا للحلفاء إرسال وفد يستفتي أهل سورية ولبنان ، في الحكومة التي يختارونها للانتداب عليهما فجاء الشام (حزيران ١٩١٩) وفد أميركي منتدب من الدول ليدرس حالة الشام ويعرف ما يرضيها من الحكومات ، فبدأ عمله من الجنوب إلى الشمال ، وجاء دمشق فاجتمع إلى العلماء والرؤساء والقادة ، فكانت الكلمة في المدن الأربع مجمعة على طلب الاستقلال التام ورفض المعاونة

١٧٢

الفرنسية وطلب المساعدة الاميركية أو البريطانية فقط ، وكذلك مدن الداخلية ، أما في الساحل فالموارنة والطوائف الباباوية طلبوا فرنسا. ويقول الريحاني : إن الأقلية اللبنانية فقط طلبت الانتداب الفرنسي ولم تشمل هذه الأقلية الطوائف المسيحية كلها. قال : ومما يدعو إلى الأسف أن قد كانت اللجنة الأميركية عاملا آخر من عوامل الشقاق لأنها في طريقة الاستفتاء عززت من حيث لا تدري مبدأ العصبيات الدينية والطائفية.

وقد قالت هذه اللجنة الأميركية إنها زارت ٣٤ مقاطعة من مناطق العرب والإنكليز والفرنسيس ، (فلسطين وساحل سورية وداخلها) فيها ٠٠٠ ، ٣٦٥ ، ٢ من المسلمين و ٥٠٠ ، ٥٨٥ من النصارى و ٠٠٠ ، ١٤٠ من الدروز و ٠٠٠ ، ١١٠ من اليهود و ٠٠٠ ، ٤٥٠ من الطوائف الأخرى. وهو إحصاء تقريبي وأنه بلغ مجموع العرائض التي تلقتها اللجنة ٩١٠٧٩ عريضة وفي كل واحدة خمسون توقيعا على الأقل ، وأن مطالب الأهالي تنحصر بطلب إنشاء مملكة ملكية دمقراطية دستورية لا مركزية.

ولما جاءت اللجنة الأميركية إلى دمشق ، أصدر المؤتمر السوري قرارا فحواه طلب الاستقلال التام لسورية ، والاحتجاج على المادة الثانية والعشرين من قانون جمعية الأمم ، ورفض المساعدة الفرنسية وطلب مساعدة الولايات المتحدة لمدة عشرين سنة ، وإن لم تقبل هذه فبريطانيا العظمى بنفس هذه الشروط ، وأن العزم معقود على تأسيس حكومة ملكية ديمقراطية يرأسها الأمير فيصل ، وتقوم على أسس القومية وتحفظ حقوق الأقلية. وكانت الأكثرية المطلقة في الحكومة العربية بجانب أميركا في مسألة الانتداب ، وفي الساحل كانت لفرنسا. ولما كانت أميركا لا تقبل بأن تنتدب على بلد لا شأن لها فيه فالانتداب يكون لبريطانيا ، وهذا ما كان يريده فيصل لتكون الأصقاع العربية كلها ذات انتداب واحد ، وتكون روحها واحدا وهي الروح البريطاني وخالفه فريق صغير فقال بأن في تعدد الانتدابات فرجا للشام يقرب أيام استمتاعها بحريتها ، ناجية من إشراف الدول المنتدبة ، وقد كانت ثقة الأمير بالإنكليز السكسونيين في القضية السورية عظيمة جدا. كتب إلى صاحب هذه الخطط من باريز يوم ٤ آذار ١٩١٩ كتابا خاصا جاء فيه : «وإذا استثنينا بعض من يريد الاستعمار

١٧٣

فجميع أصوات العالم معنا فلا يشق عليكم ما يبلغكم من بعض الجهات فهي قراقع وضرب دفوف لا خوف منه هذا بشرط أن نكون موحدي الفكر والعمل. الأمة الاميركية والبريطانية معنا وسنصل إلى ما نحن نتمناه».

أفكار فيصل والعبث بالسياسة :

تجلت أفكار الأمير فيصل بمجيء اللجنة الأميركية كل التجلي ، وكانت الدعوة أولا منذ يوم رفع العلم العربي على الأصقاع الداخلية أن الاستقلال تام للولايات العربية تتناول الوحدة الشام والحجاز والعراق وسائر الأقطار العربية في الجزيرة ، وما فتئت الدائرة تضيق حتى أخذوا يدعون إلى الشام بحدوده الطبيعية ، ثم سكتوا عن فلسطين ، لأن العلم البريطاني كان يخفق عليها منذ خروج الأتراك منها ، ثم اكتفوا بالدعوة لاستقلال سورية ، ثم تخلوا عن لبنان واكتفوا بالدعوة إلى استقلال المدن الأربع وهذه أيضا لم تسلم لهم على ما يراد لها. وذكر الريحاني أنه كان لفيصل رأي في تقسيم العمالات إلى مقاطعات وفقا لحالتها الطبيعية والعقلية والتهذيبية صرّح به خصوصا للوفد اللبناني الذي جاء دمشق يهنئه بعودته من باريز ، وليؤكد له أن فريقا كبيرا من اللبنانيين يتمنون الانضمام إلى سورية. وقد أخذت الحكومة العربية بعد أن نودي بالملك فيصل ملكا على الشام تزيد في الضرائب وشرعت بالتجنيد (كانون الأول ١٩١٩) وجعل البدل النقدي عن الخدمة العسكرية ثلاثين ليرة عثمانية لستة أشهر حتى زادت وارداتها من ٠٠٠ ، ٨٠٠ ، ١ جنيه إلى ٠٠٠ ، ٣٠٠ ، ٢ وذلك لتستعين بهذا المال على مقاومة فرنسا ، وقد دفع الناس الأموال تخلصا من الخدمة العسكرية ، وكان بقي معهم نقد كثير من الحرب العامة ، ومنه ما صرفته الحكومتان البريطانية والعربية عقيب الاحتلال ، وكيف يقاوم جيش جديد جيش حكومة كبرى وهو قليل العدد والعدد ، فيه ظواهر ومظاهر لا حقائق يعول يوم البأس عليها ، باتت المسألة أشبه بالهزل منها بالجد.

لما سألت الوزارة أمراء الجيش بحضور الملك فيصل عما عند الجيش العربي من الذخائر والعتاد وفي كم يوم تنفد إذا اشتبكت الحرب ، أجابوا إنها تنفد

١٧٤

في ساعتين وقد لا تنفد في يومين. فسألتهم الوزارة وعلى ماذا تستندون في الحرب بعد نفاد الذخائر؟ فأجاب بعضهم أنهم يأملون في أول ملحمة أن يدحروا الجيش الفرنسي الزاحف ويستولوا على ذخائره وعتاده ، وعلق بعضهم آماله على الجيش العربي في حلب. وقال آخر: إننا ننسحب إلى رؤوس الجبال ، ونعتمد على حصوننا الطبيعية ونحارب حربا دفاعية بالمناوشة. ولما سألتهم الوزارة على ماذا تعتمدون في هذه الحرب ، وعلى أي شيء تتكلون في المقاومة؟ أجابوا على حماسة الأمة ومعاونتها فأجابهم أحد الوزراء : دعونا من البحث في المعنويات فإنا نقدرها مثلكم ، وأخبرونا عن قوتكم الفعلية المادية وقولوا كم تمكنكم المقاومة؟ فقالوا : ست ساعات إذا اشتد لظى الحرب دفعة ، ولم نوفق لدحر العدو وهزيمته.

وهكذا كان الأمناء على مصلحة الأمة يفكرون ويتناقشون قبيل أن ساقت فرنسا جيشها من الساحل إلى الداخل ، أما العامة ومن كان يحمسهم فقدر عن مبلغهم من الخيالات ولا حرج. ولقد قال يوما أحد دعاة العامة ممن أضروا كثيرا بحماستهم قضية الاستقلال في مجلس عقد بدمشق من خاصة القوم ليقرروا الحرب مع فرنسا أو الصلح وتأليف عصابات تغزو المنطقة الغربية : «إن فرنسا عجزت بعد الحرب العامة أن ترسل إلى الشام بضعة أنفار من جيشها ، وليس لديها مال ، وما تهددنا به من قوتها لا تستطيع إنفاذه، فالأولى أن نتكل على الله ونبدهها بالحرب.» فأجاب صاحب هذه الخطط وكان في الجلسة من جملة المدعوين : «لست من أمراء الجيش حتى أعرف ما عنده من القوى المادية، ولكنني أعرف فرنسا وقوتها ولا أكون إلى المبالغة كثيرا إذا قلت إن فرنسا تستطيع أن تكتسح الشام من جنوبه إلى شماله إذا أرسلت علينا عوران حربها الأخيرة فقط ، فيجب علينا يا سادتي أن لا نغش أنفسنا ونتذرع بالمحال».

حملة فرنسا على المدن الأربع :

كانت الحكومة العربية في أيدي العامة والهزائين من أمراء جيشها ، وخطط الأحزاب متضاربة ، وأعضاء كل حزب متعادون متشاكسون بينهم ، وكان الجنرال غورو المفوض السامي في سورية ولبنان يعزز جيشه في الساحل ويستدعي

١٧٥

من فرنسا فرقا من الجند فأرسل يوم ١١ تموز ١٩٢٠ إلى الملك فيصل كتابا مطلعه : بينما كانت السكينة سائدة في سورية أثناء الاحتلال الإنكليزي ابتدأ الفساد يوم حلت جيوشنا محل الجيوش البريطانية ولا يزال آخذا بازدياد منذ داك الوقت. وأرسل إليه أيضا يوم ١٤ تموز ١٩١٩ بلاغا يدور على خمس مواد وهي أن يعطى لفرنسا الخط الحديدي من رياق إلى حلب ، وأن تلغي حكومة فيصل القرعة العسكرية التي أخذت تجمعها ويقبل الانتداب الفرنسي والنقود السورية ويضرب على أيدي الأشقياء. فطلب الملك مهلة أربع وعشرين ساعة فانتهت مدة الأنذار الأول في ١٨ تموز الساعة الحادية عشرة والنصف تقريبا ثم مددت أربعا وعشرين ساعة أخرى ثم مددت ثانية وانتهت يوم ٢٢ تموز. ووقع تأخير في إرسال الجواب بالإيجاب أي بقبول مطالب فرنسا وكان الداعي إليه انقطاع الأسلاك البرقية ، فأمر الجنرال غورو جيشه بالمسير إلى دمشق بقيادة الجنرال غوابيه يوم ٢١ تموز فسار إلى البقاع واحتل رياق وأخذ يصعد أكمات مجدل عنجر ، وكان الجيش العربي اتخذ له حصونا في تلك الأكمات ، وتجمع بعض عامة دمشق وبضع مئات من البدو عسكر البيشة الحجازي وأخذوا يخفون إلى مقابلة الجيش الفرنسي الزاحف فوصلوا إلى جبال ميسنون ، وفي يوم ٢٢ تموز خرجت كتيبة عربية من حمص مغيرة على الجند الفرنسي في تل كلخ فانهزمت الكتيبة وأخذ منها ١٥١ أسيرا بينهم ضابطان وثلاثة مدافع رشاشة.

وفي ٢٢ تموز أعلم الجنرال غورو الملك فيصلا أنه مستعد أن يتوقف عن الزحف إذا قبل بمواد الإنذار وبالشروط التالية (١) تنشر حكومة دمشق منشورا كتب مسودته الفرنسيون وبينوا فيه السبب الذي حملهم على إعطاء الأوامر للجنود بالزحف على دمشق والسبب الذي توقف من أجله ذلك الزحف. (٢) الموافقة على بقاء الجنود الفرنسية حتى نهاية الخط الذي وصلوه وقتئذ ليوم تنفيذ جميع شروط الإنذار. (٣) تسليم خط السكة الحديدية من رياق إلى التكية للفرنسيين وبقاؤه بأيديهم في هذه المدة. (٤) سحب جميع الفصائل الشريفية إلى شرقي هذا الخط وجعل الدرك تحت رعاية الفرنسيين بالمنطقة التي تم احتلالها. (٥) تتوقف حكومة دمشق عن إرسال المعاونات للعصابات المنظمة

١٧٦

التي تعمل في المنطقة الفرنسية. (٦) نزع السلاح من أهالي دمشق ومن الجنود الذين سرحوا. (٧) قبول بعثة إفرنسية بدمشق تقف على صورة تنفيذ شروط الإنذار ، وترسم خطة للمباشرة بتطبيق الانتداب الفرنسي على الشام.

كان الجيش الفرنسي الزاحف على دمشق مؤلفا من عشر كتائب مشاة وست كتائب فرسان وسبع بطاريات من الجنود الإفرنسية والسنغالية والمراكشية والجزائرية ، والجيش العربي مؤلفا من بضعة ألوف سطر عددها على الورق فقط وهو مشتت في حلب وحمص ودمشق، وليس له وحدة في القيادة. وصدر الأمر إلى الجند المرابط في حصون المجدل من الجيش العربي بالتسليم وفض الجيش ، ثم عاد فصدر الأمر ثانية إلى جماعة الحصون أن يبقوا على المقاومة ، ولم يكن عددهم يزيد على مئة وعشرين جنديا. وأصبح الحكم في دمشق للغوغاء الذين كان يحمسهم زعماؤهم ، وهجموا على القلعة لأخذ السلاح منها فنهبوا الذخائر فاضطرت الحكومة لحفظ الأمن أن تستعمل فيهم القوة فقتل منهم نحو مئتي إنسان ، وبات الناس في كرب عظيم. وحدث تبلبل ، فلم تصل برقية الملك فيصل إلى المفوض السامي للجمهورية الفرنسية بقبول شروط فرنسا كلها إلا بعد أن تقدم الجيش الفرنسي ووصل إلى ميسنون من طريق دير العشائر إلى الميماس وقطع خط الرجعة على العرب ، فدارت الحرب في عقبة الطين بين الجيش الزاحف وبين سرايا الجند العربي وجند البدو والمتطوعة ، وكان الجيش العربي أربعمائة جندي ومئتين من الهجانة يصحبهم ويتبعهم من الأهالي والعربان عدد يختلف بين الاربعة والخمسة آلاف على رواية الريحاني ، فقتل في أربع ساعات بقنابل الطيارات وقذائف البنادق والرشاشات كثير من الفريقين ، وفي مقدمة الوطنيين يوسف بك العظمة ناظر حربية الملك فيصل وكان من أكبر القائلين بالمقاومة وعرف أنه غلط في تقدير القوة وسبق السيف العذل بعد صدور أمر الملك بفض الجيش وتراجع القوة المنظمة في الجملة ، فآثر الانتحار في خط النار واستشهد في ساحة الحرب محافظا على شرفه العسكري ، وقد قتل الجيش الزاحف طائفة من الأهالي الذين حاربوه بعد أن سقطوا أسرى في يده لأن قانون الجندية يبيح قتل غير الجند إذا اشتركوا في المعمعة ، وفي رواية (٣ ـ ١٢)

١٧٧

أنهم أجهزوا على الجرحى الوطنيين أيضا وحفروا قبورهم بأيديهم قبل أن يرموا بالرصاص. وترك الجيش العربي في ساحة الحرب ١٥ مدفعا قيل إن بعضها كان معطلا قبل أن ينصب في أماكنه و ٤٠ رشاشا وذخائر كثيرة. حدثني ثقة زار ساحة ميسنون غداة الوقعة رواية عن ضابط سنغالي برتبة وكيل أن قتلى الوطنيين في ميسنون من ١٢٠٠ إلى ١٥٠٠ وأنه قال له الضابط : أقسم بالله أنه لم يلوث أحد السنغاليين يده بدم أحد من الوطنيين. قال محدثي : إن كل من رآهم مجدلين من قتلى الجيش الداخل هم من السنغاليين ليس فيهم أحد من الجنس الأبيض.

وعاد المنهزمون من ساحة الحرب فدخل الجيش الفرنسي من الغد إلى دمشق (٢٥ تموز) وأبلغ رئيس البعثة الفرنسية الكولونيل تولا الملك فيصل أن يغادر دمشق عملا بقرار حكومة الجمهورية بأسرع ما يستطاع في السكة الحديدية الحجازية مع عائلته وبطانته على قطار خاص أعارته إياه فأذعن ، وعين قبيل رحيله علاء الدين الدروبي رئيس وزارة على أن يختار بنفسه من يشاء من الوزراء ، أعطاه تقليد الوزارة قبل سفره ليملأه بالوزراء الذين يختارهم دليل الثقة به. فلم يلبث أن ألف وزارته ومن الغد ألقى خطابا في دار الحكومة حط فيه من كرامة ولي نعمته الملك فيصل فاشمأز أرباب الوفاء من مصانعته ، ولم يلبث أن أرسل إليه برقية يقول فيها : إن السلطة العسكرية تبلغ جلالتكم أنها تطلب خروجكم من حوران وأنها وضعت تحت أمركم قطارا فإن لم تفعلوا ضربت قنابل طياراتها قرى حوران.

سقطت دمشق يوم ٢٤ تموز بعقب وقعة ميسنون ، وسقطت حلب يوم ٢٣ بيد الجنرال دي لا موت عقب مناوشة طفيفة ، وحمص وحماة يوم ٢٨ منه بدون صعوبة فقبضت فرنسا على قياد المدن الأربع وحكم الديوان الحربي الفرنسي على ٥٨ رجلا من الوطنيين أكثرهم من حاشية الملك وبعضهم من أهالي جبل عامل وتركت الحكومة المنتدبة لهم المجال حتى انهزموا ، ومنهم من لحق بالملك ومنهم من سار إلى شرقي الأردن أو فلسطين أو مصر.

لم يسمع للعقلاء رأي قبيل هذه الحوادث ، وكثير منهم كان يكتم فكره لئلا يرمى بضعف الوطنية ، ومنهم من لم يسعهم السكوت فصرحوا وأوذوا

١٧٨

وهجوا ، ونال العامة منهم بإيعاز الزعماء. ولكن كان أهل المصالح الحقيقية يحاذرون التهور ، ويودون لو تتفاهم الحكومة الوطنية مع حكومة الانتداب ، ولطالما نصحوا سرا للقائمين بالدعوة إلى الاستقلال أن يترووا في الأمر ولا يعمدوا إلى المقاومة الفعلية لاعتقادهم مضرة ذلك ، وأن يجعلوا سلاحهم المناقشة بالحسنى لئلا تنزل فرنسا المدن الأربع حربا ، وأن يقبل مستشاروهم وبعض مطالبهم الخفيفة ، وأن يرسل إلى باريز ولندرا وفد من أرباب المكانة والمعرفة يطلب شروطا موافقة للانتداب في الشام وهو واقع لا محالة ، إذ ليس في يد الملك فيصل ولا في يد أبيه الملك حسين عهد وثيق من دول الحلفاء يثبت له أو لأبيه ملكية الشام، وغاية ما ربحه الملك حسين من اتحاده مع الحلفاء في الحرب استئثاره بملك الحجاز. وكان الحلفاء وعدوا أن يمنحوا العرب استقلالهم ويساعدوهم على نيله ، وبهذه الوعود انضم نحو ثمانين ألفا من العرب إلى صفوفهم وقاتلوا معهم الأتراك بقيادة الأمير فيصل الذي كانوا ينظرون إليه نظرهم إلى قائد من قوادهم ، ولكن الحلفاء لما تم لهم الظفر لم يفوا بوعودهم على ما يرضي العرب.

بعد وقعة ميسنون المحزنة فصلت إدارة البقاع وبعلبك وحاصبيا وراشيا عن أحكام المدن الأربع واستقل الجنرال دي لا موت بأحكام حلب ودير الزور والإسكندرونة ، وظلت دمشق وحمص وحماة وحوران دولة ذات ، وزارة وكانت عجلون والصلت وعمان ومعان جعلت حكومة برأسها سموها حكومة شرقي الأردن ثم دعيت حكومة الشرق العربي ، وذلك بإمارة الأمير عبد الله شقيق الملك فيصل ، وهكذا دخلت المدن الأربع في الانتداب الفرنسي كما دخل الساحل لأول عهد دخول الحلفاء. وخطب الجنرال غورو في دار الحكومة بدمشق قائلا إن فرنسا ما جاءت إلى هذه الديار مستعمرة وسترونها أمينة على تقاليدها ، راغبة في أن تضمن استقلالكم في عهد الوصاية الحر ، قال إن العصاة التي كانت تهاجم الجيش الفرنسي لم يكونوا من الأشقياء فقط ، وكان يقودهم ضباط الجيش النظامي ، وتمد بالأسلحة والأعتاد والمال ، ومع أن فتكها لم يكن شديدا في جنود فرنسا فإن أضرارها كانت عظيمة على الطوائف العزلاء إذ دمرت بيوتا وأحرقت قرى ونهبت الأموال والمواشي ، وكانت

١٧٩

أعمال الحكومة الشريفية الرسمية لا تقل بإزاء فرنسا عداء عن أعمال عصاباتها ا ه. وكان غورو نشر منشورا في الطيارات على أهالي سورية قبيل وقعة ميسنون قال فيه : «قيل لكم إن فرنسا ترغب في استعماركم وأنها تريد استعبادكم وما ذلك إلا إفك مبين. إن فرنسا قبلت الانتداب التي عهد به إليها مؤتمر السلم على سورية ، وهي عازمة على أن تدع الموظفين الوطنيين يزاولون أشغالهم بشرط أن لا يعملوا بسلطتهم ضدها فيخونون العهود والمواثيق المقطوعة»

تعريف الانتداب وسياسة الأتراك فيما يتعلق بالشام :

أما الانتداب فلفظ حديث يراد به الإشراف أو الكفالة وهو لا يخرج عن الحماية إلا باعتبارات قليلة. وقد جاء في صك عصبة الأمم في تعريفه أن الشعوب التي جعلت تحت حكم الانتداب المحدد والموقت والذي طلبوه من أنفسهم هم مستقلون وأن المنتدب عليهم هو المرشد الموقت ريثما يصبحون قادرين على حكم أنفسهم بأنفسهم. وقال بوانكاره من ساسة فرنسا : لسنا في الشرق لنضم أقطارا إلينا ولا لنضع حمايتنا وإنما نحن هناك بموجب انتداب تلقيناه من عصبة الأمم تنفيذا لمعاهدة فرسال. وقال ديبوي من علماء القضاء في فرنسا : الانتداب أنفق ما جاءت به سياسة الحرب العظمى هو عبارة عن حماية مستترة. وفي المجلة النيابية أن مدة الانتداب تقسم إلى ثلاثة أدوار ابتدأ الدور الثاني في ٢٩ أيلول ١٩٢٣ وينتهي في ٢٩ أيلول ١٩٢٦ وهذا الدور يسمونه دور تنظيم الانتداب ، وفي انتهاء الدور الثاني يجب أن يكون هناك حكومات وطنية وعندها يدخل الانتداب في دور التصفية ، وبعد انتهاء الدور الثالث للانتداب تعقد معاهدة تحالف موقتة تقوم مقام النظام الحالي ، وتحدد باتفاق مشترك حقوق المنتدبين والمنتدب عليهم وسلطتهم ، وهذا يعد انتهاء للانتداب. ولم يحدد مدة معينة للانتداب في سورية ولبنان وفلسطين.

جعلت معاهدة صلح فرسال (١٩١٨) الانتداب ثلاث طبقات فما رمز له بحرف (أ) هو الانتداب الخفيف مثل انتداب فرنسا في سورية ولبنان والانتداب البريطاني في فلسطين والعراق ، ويقضي على الدولة المنتدبة على هذه الأقطار أن تقصر مهمتها على تقديم مساعدتها لها. ومن الانتداب ما رمز له بحرف (ب) وهو الانتداب ببعض الشروط. ومنه ما رمز له بحرف (ج) وهو انتداب أمة

١٨٠