خطط الشام - ج ٣

محمّد كرد علي

خطط الشام - ج ٣

المؤلف:

محمّد كرد علي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: مكتبة النوري
الطبعة: ٢
الصفحات: ٢٧٠

الصحيح وعلوم السياسة والاجتماع ، لأنها ترقي العقول وتلقح الأذهان ، وأصدر إرادته السرية إلى مديري المعارف في بعض الولايات ومنها الشام أن يوقفوا سير المعارف عند الحد الذي وصلت إليه ، لأن في انتشار المعارف انتشار المفاسد وتمزيق شمل الأمة!! ورأت المطبوعات منه ومن أعوانه الجهلاء من الدنايا ما يكفي في نعتهم أنهم أعداء كل فكر وارتقاء وتجديد ، وأصبح ما يطبع تحت السماء العثمانية في الثلثين الأخيرين من حكمه عبارة عن كتب خرافات وزهد وتلفيق أو أماديح كاذبة له ولأرباب المظاهر ، وأمور عادية لا ترقي عقلا ولا تزيل جهلا ، وحاول أن يرفع من دعاء القنوت لفظ «ونخلع ونترك من يفجرك» لأن فيها لفظ خلع وقلبه ينخلع من هذه اللفظة ، ولأنه رأى مخلوعين قبله ، وأن يسقط من صحيح البخاري أحاديث الخلافة وأن تصادر حاشية ابن عابدين لأن فيها باب الخلع. ورفعت من المعاجم كثير من الألفاظ كالعدل والمساواة والاغتيال والقانون الأساسي والجمهورية ومجلس النواب والخلع والديناميت والقنابل ، وغيّر بعض الأسماء فلا يقال «مراد» بل «مرآة» ولا «عبد الحميد» بل «حامد أو حميد أو حمدي» لأن مراد اسم أخيه وعبد الحميد اسمه ، وأصبحت الصحف في أيامه أبواقا تقدسه وتؤلهه على صورة بلغ فيها السخف إلى غاياته.

وكثرت في أيامه مظاهر التكريم الخلابة من أوسمة ورتب ، وأخذت تباع في آخر عهده بالمزاد بيع العقار والدار ، ولها سماسرة ولها تجار ، يغوي بها السلطان من يريد تشريفه ، ويرفع بها من يهمه رفعه ، وأصبح بعض العقلاء في دار الملك والولايات يتظاهرون بالبلاهة ، أو ينقطعون عن الخدمة ويقنعون بالدون من العيش ، لأن سلطانهم لا يرضيه منهم إلا أن يكونوا على قدمه في كل ما يذهب إليه. ولقد نصح له بعض سفراء الدول في أواخر عهده بالكفّ من شرور بعض العمال ، لأن استرسالهم فيها مما يسقط شأن المملكة ويضر بمستقبلها ، فقال لهم : وماذا أعمل مع من ذكرتم وهم يحبونني ويتفانون في خدمتي! أي أنهم في حلّ من عمل ما أرادوا من عسف الأمة ما داموا يظهرون له الحب ، ويخدمون أغراضه على ما يحب.

كان عبد الحميد من الحسد بحيث يحسد خصيانه ، وأشق ما يبلغه أن يعلم

١٢١

أن في أحد أطراف مملكته عالما ينفع الناس بعلمه ، فيحتال عليه ليأتي به إلى الإستانة ليدفنه حيا ويجعله إلى الخمول بعد الشهرة ، ويخرجه قسرا من عالم النباهة والظهور ، فإن لم يستطع ذلك فلا أيسر من التقول عليه للحط من كرامته ، ويلذه جدا أن يشهد الشقاق مستحكما بين حاشيته ، ويلقي بينهم العداوة والبغضاء ولذلك كان بعضهم عيونا على بعض ، ينال الواحد من رفيقه في غيبته وحضرته ، حتى يتقربوا من قلب سلطانهم الذي يحب الملق ، ويهش للدهان والتزلف. عادة له منذ كان فتى ، فقد ذكر مربيه المستشرق فمبري المجري أنه كان وهو فتى لم يبلغ الحلم يلقي الشقاق بين أفراد الأسرة المالكة في القصر ، وينقل الكلام من أناس إلى آخرين من أهل بيته ، ويتجسس عليهم ويكشف سترهم.

أما إسراف السلطان عبد الحميد فإنه كان أقلّ من إسراف عبد العزيز بقليل ، ولكن طغمة الجواسيس كانت مع نفقات قصره في الربع الأخير من دوره تستنزف جزءا مهما من واردات السلطنة التي عرف كيف يستغلها ، وكيف يصرفها في شهواته على طريقة مستورة ، لم يطلع عليها إلا الخواص من رجاله. فقد ذكر الثقات أن آل عثمان لما أجلتهم جمهورية تركيا من بلادهم في صيف ١٣٤٢ بأجمعهم كان مع بعض سراري السلطان عبد الحميد عقود من الماس والجوهر عرضوها في مصر للبيع فعجز الأغنياء عن أداء قيمها ثم جعلتها بعض المصارف عندها رهنا على مال أسلفته ، فكم كان يا ترى من أمثال هذه الحلي المدهشة عند نساء آل عثمان ، والأمة تهلك وعمالها لا يقبضون رواتبهم. وكلما عقدت قرضا فكرت في آخر بحيث كانت الدولة تعيش بالقروض في آخر أيامها. وأصبح عبد الحميد في عهده الأخير يملك ألوفا من المزارع والقرى ، ويحمل جانبا من أمواله يضعها في المصارف الأجنبية ، يعدها لطارىء يطرأ عليه ، فلما سقط لم تنفعه ، واستولى عليها الاتحاديون كما استولوا على خزائن قصره يلديز ومجوهراته وأعلاقه وجواريه ، ونقضوا كل ما أبرمه ، وفصموا عرى ما أحكمه.

١٢٢

رأي مؤرخ تركي في عبد الحميد وذكر حسناته :

جاء في كتاب عبد الحميد الثاني ودور سلطنته أنه كان يعتقد بالسحر والطلسمات والأرواح والفأل ، ولم يتعلم شيئا حتى إنه كان يغلط بالإملاء التركي ، وله من المزايا الاحتياط المتناهي والبصيرة وحب السعي وبعد النظر ، وأن يعلم ماذا يقال فيه ، ينفر من الحرب ، ويلتزم السذاجة في لباسه وحاجاته ، يحرص على الأمر والقيادة ، ويتحرى من الأصول والمعاملات أكثرها استقامة ، يميل إلى الأخذ بعلم الباطن الذي يأخذ بمجامع قلوب العامة ، وإذ كانت أفكاره كثيرة الجولان أصبحت لا تثبت في مركز واحد ، وإذ كان مبتلى بالسويداء تراه على الدوام حزينا مغموما مغيظا محنقا ، مفرطا في الاحتياط والتدبير لا يعتمد على أحد ، ممسكا لا يعرف الكرم ، عرضة للاضطرابات الذهنية والبدنية لعدم تطابق جملته العصبية. تبدلت حاله لما جلس على سرير الملك فنفعته المحن التي رآها لأول أمره أكثر مما أضرت به ، ولئن كان أذنا يحب أن يسمع ما يقال فيه ، وينظر في الدقيق والجليل من الأمور ، وهو محاط بجماعة من الأشرار ومزاجه عصبي ، فإن كل هذا زاد في ذكائه. وكان إلى السابعة والعشرين يتعاطى المسكرات ويغوص في السفاهات ، فنصح له طبيبه أن يقلع عنها أو يهلك كما هلك بالسل من قبل أبوه وأمه ، فرجع عن عاداته الضارة ونظم حياته ، وكان أول عمل قام به يوم استولى على زمام السلطنة أن سلب جميع ثروة أخيه مراد ، عقارها ومنقولها ، وكان ماهرا في عمليات الجمع والطرح والضرب ، إلا أنه يمتنع أبدا من إجراء عملية الطرح إذا كان فيها ضرر عليه ، ولم يكتف بمصادرة ثروة أخيه بل تصرف بثروة رعيته على ما يشاء ، وأضاف معظم واردات الدولة إلى خزينته الخاصة ، وما كانت الحكومة تتمكن من دفع الرواتب لغير النظار وكبار المقربين بصورة منظمة ، أما سائر الموظفين والجند فإن عبد الحميد ترك لهم واردات يتناولونها راتب شهر أو شهرين في السنة فقط ، وبذلك فتح بابا عظيما من أبواب الرشوة ا ه.

ومما ينبغي أن يدون في أيامه أن بعض الأمة انصرف إلى الزراعة والتجارة أكثر من الأدوار الماضية قبله في الشام ، لأن الأمن استتب أكثر من القرن الماضي ، وطرق المواصلات البحرية والبرية زادت انتظاما ، والناس في الجملة

١٢٣

قويت رغبتهم في تعليم أبنائهم ، ولكن المسلمين مالوا إلى التترك لأخذ الوظائف الجندية والملكية ، والمسيحيين والإسرائيليين مالوا إلى التفرنج لتعلمهم في مدارس الأجانب التي ظهرت تأثيراتها في أيامه ، ومنها الهجرة إلى مصر والسودان والاميركتين ، والزهد في سكنى المملكة العثمانية. وفي عهده زادت الخطوط الحديدية في المملكة ومعظمها خطوط حربية ثبت له غناؤها بعد حرب روسيا الأخيرة ، وفي أيامه اتصلت حلب برياق ودمشق ببيروت ، ودمشق بدرعا ، ويافا بالقدس ، وحيفا بدرعا ، ودمشق بالمدينة ، وطرابلس بحمص ، إلى غير ذلك من الخطوط التي نفعت الشام ولا سيما الخط الحجازي من دمشق إلى المدينة المنورة.

وفي أيامه خفت وطأة الأشقياء إذ كان يقضى عليهم بالسجن الطويل والقاتل منهم يؤبد في السجن ، فاستراحت الشام قليلا وأخذت تدخل في نظام الأمم الأوربية. وكان من سياسته أن لا يستدين من أوربا مالا ولا يعقد قروضا مهما احتاجت الدولة للمال وساءت حالها ، وكان لا يحب إهراق الدماء ، وأبطل الحكم بالقتل فكان القاتل يخلد في سجنه. ففي أيامه اعتدى اليونان على الأرض العثمانية ، فأعلنت الدولة حربا على اليونان وكان الدخول في هذه الحرب مخالفا لإرادته ، وقد جعله الباب العالي أمام أمر واقع فأعلنها كارها ، فانتصرت الدولة لكن أوربا حاولت أن لا تنحي على اليونان ، وما زالت تطاول في عقد الصلح إلى سنة ١٨٩٧ م وكانت نتيجة ذلك أن دفعت اليونان للعثمانية غرامة قدرها أربعة ملايين ليرة ولعلها أول غرامة أخذتها من تغلبها في إحدى الوقائع بعد ذلك العز الباذخ ، وقضى عدل السياسيين بأن تخرج الدولة من تساليا!.

ويقال بالإجمال : إن عبد الحميد نسخة صحيحة من تربية القصور ، وصورة من صور دسائسها وشرورها ، استفاد من تجارب غيره ومحنهم فاحتاط وحذر ، وطالت أيامه وعرف كيف يدخل في روح الأمة ويسخر مشايخها وأرباب الطرق والمظاهر ، يسبحون بحمده ويعددون حسناته بما يقبضون من صلاته ، وخلقوا له مناقب اخترعوها ما كان هو يحلم بها ، وكان كل شيء في أيامه ظواهر ومظاهر ، ومن دهائه النافع معرفته الدخول في عقلية السفراء فكان

١٢٤

يرشيهم ويرشي زوجاتهم بطرق مختلفة يتفنن فيها ، ولم يكد يسلم من هداياه ورشاويه إلا سفير بريطانيا العظمى على ما يقال. فكان إذا أهداه السلطان هدية يقدم له من الغد مثلها أو أحسن منها ، حتى لقد قالت امرأة هذا السفير يوما : لقد أعجزنا أمر عبد الحميد يريد أن يرمينا في شبكته بالجواهر والحليّ كما رمى نساء السفراء قبلي. وكان كثيرا ما يلقي الشغب بين السفراء أنفسهم. وكانت له طرق وله ديوان خاص لإعطاء الصحف الأجنبية مالا حتى تسكت عن خلل الدولة. وبهاتين القوتين قوة السفراء وقوة الصحافيين استطاع يوم ثورة الأرمن في العاصمة وأرمينية وقتل الأتراك والأكراد نحو مئة ألف من الثائرين ، أن يسكت ساسة أوربا عن عمله وعمل عماله ، ومع هذا لم يمنع الحذر من القدر فطوي بساطه وبساط أسرته بما عليه جملة والله وارث الأرض ومن عليها.

الأحداث في أيام محمد رشاد وحرب طرابلس والبلقان وحزب الإصلاح :

تولى محمد رشاد الخامس بعد السلطان عبد الحميد الذي قضى في شهر ذي القعدة ١٣٣٣ ه‍ (١٩١٥ م) وهو ضعيف المدارك لأن أخاه ضيق عليه مدة حكمه الطويل حتى تبلد عقله وكان كأخيه عبد الحميد قليل المعلومات لم يدرس من اللغات الأجنبية شيئا ، بل درس الآداب الفارسية وبرع فيها. وزاد تسلط الاتحاديين عقيب أن ظفروا بمن أوقدوا فتنة ٣١ آذار وقضوا على الارتجاع وغيروا بعض خططهم التي كانت ترمي إلى تفوق الترك على سائر العناصر وخاصة العرب ، فدعت الحال إلى تأسيس حزب الأحرار المعتدلين (١٣٢٩) الذي ظهر بعد ذلك باسم حزب «الحرية والائتلاف» في العاصمة والولايات ، ولم ير الاتحاديون للخلاص من مخالفيهم أحسن من الاعتماد على القوة فاغتالوا بضعة رجال في الإستانة وحاولوا ان يغتالوا في الشام بعض أعدائهم الأشداء من أرباب القلم فلم يفلحوا ، وأقصوا من الخدمة كل من لم يسر على رغائبهم ، وتقاتل الحزبان فكانت الغلبة تكتب أكثر السنين للاتحاديين لأنهم دعاة الحرية الأول وترتيباتهم تامة من أكثر وجوهها ، تشبه ترتيبات جمعية الماسون ، ولا سيما فيما كان من قبضهم على قياد الأعمال وأخذهم بمخنق جميع العمال.

١٢٥

وثارت اليمن سنة ١٣٢٩ فأرسلت الدولة جيشا عظيما على صنعاء والعسير قتل في حربها من أبناء الشام ألوف. كما كانت كل مرة تدفن ألوفا من أبنائها في تلك الولاية القاصية. حدثني عظيم من الأتراك وكان أكبر رجال الشورى العسكرية في الفيلق الخامس بدمشق أن الدولة بحسب إحصاء الجيش كانت تدفن كل سنة من أبناء الشام في اليمن نحو عشرة آلاف جندي يهلكون بالأمراض والفتن والقلة وتغير الهواء ، دامت على ذلك نحو خمسين سنة حتى عقد الصلح بين إمام اليمن يحيى بن محمد حميد الدين وبين قائد الحملة اليمانية عزت باشا ، وبهذا العقد لم يبق للدولة هناك غير سلطان قليل في صنعاء وتعز وما إليهما من السهول والجبال ، وانتقلت جل الأحكام إلى الإمام وذلك في سنة ١٣٢٩ ه‍.

وظهرت أيضا فتن أخرى في كردستان وألبانيا وأذنة ، فلم ترتح المملكة سوى أشهر معدودة بعد إعلان القانون الأساسي. ومنشأ كل فتنة داخلية العمال على الغالب ، ثم تمتد وتنتشر فيصيب الأمة شرها ، ويتولى الأمر الجهلاء ثم يتعذر على العقلاء حل العقد التي يعقدونها ، وكم من مجنون رمى في بئر حجرا فصعب على مئة عاقل إخراجه. ثم نشبت حرب طرابلس بين العثمانية وإيطاليا ، وجاءت إيطاليا بأسطولها إلى سواحل طرابلس وبرقة بدون مسوغ ، وضربت سفينتين عثمانيتين كانتا راسيتين في ميناء بيروت فهلك من أهل المدينة والجند زهاء مائتي نسمة ، وأرسلت الشام جندا ومعاونات نقدية إلى طرابلس ، آخر ما بقي للعثمانيين من الولايات في برّ إفريقية. ولم يعقد الصلح في أوشي من سويسرا بين العثمانية والإيطالية حتى أعلنت دول البلقان المتحدة (بلغاريا والصرب والجبل الأسود واليونان) الحرب على الدولة العثمانية فغلبتها ، وجاء جيش البلقانيين إلى چتالجة من ضواحي الإستانة ، وعقدت الهدنة يوم الثالث من كانون الأول ١٩١٢ بين العثمانيين والبلقانيين ، وعقد مؤتمر في لندرا لإصلاح ذات البين بين الفريقين فلم يفلح ، وعاد المتحاربون إلى النزاع بعد الأزمة الوزارية التي انتهت بسقوط الصدر كامل باشا وقتل ناظم باشا ناظر الحربية بيد أنور بك من ضباط الاتحاديين ودعاة الدستور في الروم ايلي ، وأخذ الاتحاديون بعد هذه الفاجعة يستولون على أزمّة الأمر وظهر أنور بك بمظهر جديد فقبض على عنان الحكومة ، واستؤنفت الحرب بين المتحدين من البلقانيين

١٢٦

الذين انفرط عقد اجتماعهم فزحف العثمانيون على أدرنة فاستعادوها إلى الملك العثماني ، ولم يبق للدولة في أرض أوربا غير ولاية أدرنة وما إليها من ضواحي الإستانة ، وانسلخت عنها هذه المرة ولايات قوصوة وإشقودرة ويانيا ومناستر وسلانيك وعادت الحرب فنشبت بين العثمانيين والبلقانيين في ١٧ تشرين الأول ١٩١٢ وعقد الصلح في ٢٩ أيلول ١٩١٣ وقد فقدت العثمانية في هذه الحرب مئة ألف جندي بين قتيل وجريح وثمانين مليون ليرة ثمن ذخائر وسلاح ، وخرجت من الروم ايلي وكانت صرفت في فتحه خمسين سنة وحكمته خمسمائة سنة ولم توفق إلى نشر لغتها ودينها فيه على ما يجب.

وفي سنة ١٩١٣ اتحد جماعة من السوريين بينهم اللبنانيون النصارى والمسلمون على مطالبة الدولة بإصلاح الشام. وكتب والي بيروت أدهم بك إلى الصدر كامل باشا كتابا قال فيه : (كانون الأول ١٩١٢) تتجاذب القطر عوامل مختلفة ، ولقد ولى قسم عظيم من الأهالي وجهه شطر انكلترا أو فرنسا لإصلاح الحالة التعسة التي هم فيها فإذا نحن لم نأخذ بالإصلاح الحقيقي يخرج من يدنا لا محالة ا ه. فأرسل الصدر إلى الوالي يريد الأهلين على عرض مطالبهم ، فاجتمع المجلس العام في بيروت وانتخب ٩٠ عضوا عقدوا جلستهم الأولى في ١٢ كانون الثاني سنة ١٩١٣ واختارت من أعضائها خمسة وعشرين مفوضا سمتهم اللجنة الدائمة ، وقدمت هذه بيانا بالإصلاحات المنشودة ، واتفق على ذلك أعيان المسلمين والمسيحيين فوضعت اللجنة في بيروت لائحة أهم ما فيها توسيع سلطة المجالس العمومية وتعيين مستشارين أجانب. وفي أوائل الصيف ذهب وفد من البيروتيين وغيرهم إلى باريز وعقدوا هناك مؤتمرا قرر يوم ٢١ حزيران سنة ١٩١٣ أن تضمن للعرب حقوقهم السياسية ، وذلك بأن يشتركوا في الإدارة المركزية للملكة اشتراكا فعليا ، وأن تنشأ في كل ولاية عربية إدارة مركزية تنظر في حاجاتها وعاداتها ، وان تنفذ لائحة الإصلاحات التي نظمت في بيروت القائلة بتوسيع سلطة المجالس العمومية وتعيين مستشارين أجانب ، وأن تعتبر اللغة العربية في مجلس النواب العثماني ، وتكون لغة رسمية في الولايات العربية ، وأن تجعل الخدمة العسكرية محلية في الولايات العربية.

فخاف الاتحاديون العاقبة وبعثوا أناسا من قبلهم وقبض واليهم في بيروت

١٢٧

حازم بك على عدة أعضاء من الإصلاحيين فأغلقت المدينة حوانيتها أياما فأخرجهم من السجن ، وبعث الاتحاديون أناسا من قبلهم إلى باريز وغيرها ، واسترضوا أعضاء الوفد وأطمعوا بعضهم بالوظائف الكبرى ، ووعدوهم أن تجري لهم الحكومة الاتحادية من مطالب الإصلاح ما يمكنها القيام به ، مثل تسليم الأعمال الإدارية إلى السلطات الوطنية طبقا للقانون الخاص بإدارة الولايات ، وأن يكون التعليم الثانوي والابتدائي في المدارس الوطنية بالعربية ، وتستعمل اللغة العربية في بعض أعمال قانونية معينة ، وأن تضاف الصيغة العربية على إعلانات الجلب إلى المحاكم كما تضاف إلى الأحكام المدنية والجنائية ، وتكون العرائض المقدمة للسلطات الرسمية باللغة العربية ، وأن يعين بعض العرب في مجلس الأعيان ومجلس شورى الدولة ومحكمة التمييز ومشيخة الإسلام ودار الفتوى.

وطبق الإتحاديون بعض هذه المواد فرأينا في بعض مراكز الألوية والولايات في الشام مدارس تجهيزية تدرس العلوم بالعربية ، وإلى جانبها المدارس القديمة التركية في كل مظاهرها ، ووضعت الصيغ العربية إلى جانب الصيغ التركية في أوراق الجلب إلى المحاكم ، وأخذت الحكومة تقبل الشكاوي بالعربية من الأهلين ، وعين بعض رجال الشام في وظائف كبرى في العاصمة ، وكان نائب دمشق في مجلس النواب شكري العسلي أول من رفع صوته بهذا الطلب ، طلب إعطاء العرب حقهم من الوظائف وقال : إن أربعة فقط من أبناء العرب موظفون في الإدارة المركزية في جملة بضع مئات من الأتراك ، فنبه أفكار من لم يكن متنبها من أبناء العرب إلى غمط حقوقهم ، وحنق بعض أقحاح الترك عليه وعلى من عاونه على بث هذه الفكرة وعدوها خروجا على الجماعة.

الصهيونية ومنشؤوها :

وكان شكري العسلي أيضا أول من نبه أفكار مجلس النواب إلى الخطر الصهيوني في فلسطين وكان الاتحاديون وفيهم الإسرائيليون أو الصابئون من اليهودية (الدونمة) أمثال جاويد بك ناظر المالية ـ ينوون أن يبيعوا نحو ثلاثة ملايين دونم من الأراضي في فلسطين وسورية من جمعيات الاستعمار الصهيوني

١٢٨

فبطل المشروع لما ظهرت مضرته إلى عالم الوجود وقامت حول المشروع ضجة في الصحف فلم يسع الاتحاديين إلا أن يطووا دفتره. ولكن كان الصهيونيون يؤلفون عدة جمعيات للوصول إلى أغراضهم السياسية منها جمعية أحباء فلسطين انتشرت في أطراف فلسطين وتفرعت منها عدة جمعيات منها جمعية معاونة فلاحي اليهود وصناعهم في فلسطين وسورية وأنشأوا لهاتين الجمعيتين فروعا كثيرة في أمهات مدن فلسطين وبلاد بشارة وحوران وعبر الأردنّ ، وابتاع للإسرائيليين أبناء مذهبهم من كبار أغنياء أوربا أراضي ، وأمدوهم بالمال ليحققوا آمالهم القديمة في استرداد فلسطين ويعيدوا مجدهم إليها ، وهذه الآمال قديمة ترد إلى عهد الرومان ، وغاضت بعد أن شتتهم في الأرض أدريانوس في القرن الثاني بعد المسيح وفرق جامعتهم وأبعدهم عن صهيون أو أورشليم أو القدس عاصمة مملكتهم القديمة ومدينة هيكلهم العظيم ، ولكنها ما لبثت أن ظهرت في صورة التمني وفي عهد قسطنطين الذي أذن لهم بالدنو مرة في السنة من أسوار بيت المقدس ليندبوا مجدهم الزائل ، وما زالوا إلى يومنا هذا يدنون من حائط الحرم الشريف الخارجي المسمى بالبراق ويتذكرون مجد ملوكهم وعظمة هيكلهم ومدينتهم ويطلبون من الله أن يعيد ما خسروه. ولكن رجال النهضة منهم لم يقفوا عند حد التمني فألف الدكتور هارتشل الجمعية الصهيونية التي جعلت همها الوحيد جمع المال وتوحيد كلمة اليهود على اختلاف لغاتهم وبلدانهم وجمعهم في بلد واحد أمين. وعهدت الجمعية الصهيونية إلى الإيكا بالاستعمار التدريجي كما عهد إلى جمعية الاتحاد الإسرائيلي بالتهذيب والتعليم.

وقد كتب شكري العسلي في هذا الصدد يوم قام الإسرائيليون لابتياع سهل يزرعيل ما نصه : إن الجمعية الصهيونية اليهودية ورفيقاتها جمعيات إيكا وفاعوليم والأليانس وغيرها ساعيات في استرجاع فلسطين التي وعدهم بها ربهم في الإصحاح الثاني والثلاثين من أرميا من الكتاب المقدس الباحث في أسر بابل لليهود والذاكر وعد الرب برجوعهم إلى فلسطين بقوله في آخره : «يشترون الحقول بفضة ويكتبون ذلك في صكوك ويختمون ويشهدون شهودا في أرض بنيامين وحوالي أورشليم وفي مدن يهودا ومدن الجبل ومدن السهل (٣ ـ ٩)

١٢٩

ومدن الجنوب لأني أرد سبيهم بقول الرب ا ه». وذلك بعدما سبتهم حكومة الكلدان على أنهم لم يستطيعوا البقاء بعد ذلك لأنهم أصبحوا محل التنازع بين حكومة الرومان في مصر وحكومة الرومان في أنطاكية ثم انقرضوا ولم يبق لهم ملك ولا دولة. والآن عملا بهذه الآية يشترون الأراضي في فلسطين على حساب الفضة ويشرطون البيع على أن يكون الثمن فضة ، ويكتبون الصكوك ويشهدون ، وهكذا تراهم لا يفترون طرفة عين يتجسسون أخبار من تأخرت حالتهم المالية من أهل هذه الديار وهي عبارة عن لواء عكا بأجمعه ولواء القدس ولواء نابلس وقسم من لواء الكرك وبعض قضاء عجلون ، ويطمعون البائع بالثمن الفاحش ويكتبون الصكوك ويشهدون عليها ويسجلونها عند محرر المقاولات وعند بعض القنصليات ، وكانت الحكومة قبلا منعت استعمارهم ولكن بما بذلوه من الدنانير التي تسحر ألباب الخائنين من الحكام والمستخدمين استطاعوا أن يستولوا على ثلاثة أرباع قضاء طبرية وبعض قضاءي صفد ويافا والقدس والقسم المهم من نفس حيفا وبعض قراها ، واليوم يسعون للدخول إلى قضاء الناصرة ليستولوا على سهل شارون ويزرعيل المذكور بالتوراة والمعروف اليوم بمرج بني عامر الذي يشقه الخط الحجازي من الغرب إلى الشرق.

«وهكذا اشتروا الكثير من القرى واستولوا عليها ، وهم لا يخالطون العثمانيين ولا يشترون منهم شيئا ، ولهم بنك أنكلو فلسطين يقرضهم بفائدة لا تتجاوز الواحد في المائة في السنة ، وقد جعلوا كل قرية إدارة فيها مدرسة ، وكل قضاء مديرية ولكل جهة مدير عام ، ولهم راية لونها أزرق وأبيض وفي وسطها ترس أو مجنّ داود وتحته كلمة عبرانية معناها «صهيون» لأنه جاء في التوراة أن أورشليم ابنة صهيون ، ويرفعون هذا العلم مكان العلم العثماني في أعيادهم واجتماعاتهم ، ويترنمون بالنشيد الصهيوني وقد احتالوا على الحكومة فقيدوا أنفسهم عثمانيين في سحل النفوس كذبا وبهتانا ، وهم لا يزالون حاملين الجوازات الأجنبية التي تحميهم وعندما يصيرون إلى المحاكم العثمانية يظهرون جوازاتهم ويدعون الحماية الأجنبية ، ويحلون دعاويهم واختلافاتهم فيما بينهم بمعرفة المدير ولا يراجعون الحكومة ويعلمون أبناءهم الرياضة البدنية واستعمال السلاح وترى بيوتهم طافحة بالأسلحة وفيها كثير من المارتين ولهم طوابع

١٣٠

بريد في قراهم وغير ذلك مما يبرهن على أنهم بدأوا بإنفاذ دعوتهم السياسية».

الحرب العامة والسياسة الألمانية والأخلاق التركية :

خرجت الدولة من حرب طرابلس والبلقان واليمن وكردستان وغيرها من البلدان مجردة من قوتها من المال والرجال ، ولم تكد تفكر في جمع شتاتها حتى قتل ولي عهد النمسا في مدينة سراجيفو من بلاد الصرب وأعلنت الحرب العالمية ، فكان نصيب الدولة العثمانية أن تسير مع ألمانيا والنمسا والمجر محالفة لهن على بريطانيا العظمى وروسيا وفرنسا وغيرهن من الدول ، وكان ذلك بتزيين الاتحاديين وفي مقدمتهم طلعت باشا وأنور باشا وجمال باشا ، وكانت الدولة تميل منذ نحو ثلاثين سنة لألمانيا وقد زار امبراطورها غليوم الثاني المملكة العثمانية مرتين وقال في المرة الثانية (١٣١٦) لما زار القدس ودمشق في خطاب له ألقاه في بلدية دمشق : «أبتهج من صميم الفؤاد بأنني وطئت بلدا عاش فيه من كان أعظم أبطال الأعصر السالفة بأسرها الذي كان بأفعاله يعلم أعداءه أنفسهم كيف يكون الأبطال ، العالي المقدار المشهور السلطان صلاح الدين الأيوبي. قال : وليتأكد حضرة السلطان عبد الحميد خان الثاني صاحب الخلافة العظمى والثلاثمائة مليون من أهل الإسلام المرتبطين بمقام خلافته المنتشرين في جميع أطراف الكرة الأرضية أن امبراطور ألمانيا يبقى صديقا لهم إلى الأبد».

انتهجت ألمانيا السياسة الإسلامية واتخذت لها دعاة من. دهاة رجالها في الإستانة ، فتم لها ما أرادت بعد سنين من الاستعانة بالدولة العثمانية على حرب أعدائها ، واستسلم رجال الدولة لما تم ، مخدوعين بالأقوال المبهرجة مأخوذين بالوعود اللطيفة ، وكان السلطان محمد رشاد وهو لا يعقد ولا يربط في شؤون السلطنة ، بقاوم الذين يريدون إصلاء الحرب في الدولة لعلمه بمضارها ، ولم يوافق عليها بعض الوزراء فخرجوا من الوزارة إلا أنور وطلعت وجمالا وهم الحركة العاملة في الدولة ، أرادوا خوض غمارها متشبعين بالروح الألمانية ولا سيما أنور ، وعلقوا على ألمانيا أمانيهم في إرجاع الدولة إلى عزها أيام سليم وسليمان ، وما كادت تعلن الحرب حتى نفذ الوزراء الأربعة الذين لم يقولوا

١٣١

بدخول الدولة في الحرب ومنهم سليمان أفندي البستاني من أهل الشام خطتهم وقدموا إقالتهم تاركين الحكومة في أيدي الأتراك. أما سعيد حليم باشا الصدر الأعظم الذي كان عزم أن يستقيل فدفعه حبه للفخر والأبهة والعظمة أن يبقى في رأس أعظم منصب في الحكومة التركية ، فلم تك إذا نتيجة دخول الدولة في الحرب إلا توحيد السلطة في المملكة بأيدي رجال الاتحاد والترقي ، وانتهت الثورة التي كانت ترمي إلى جعل تركيا دولة دستورية بجعل تركيا حكومة مطلقة ، رائدها الظلم والاستبداد ، وغاية أفرادها الأول النفوذ والسلطة والكسب على ما قال سفير أميركا في الإستانة لأول الحرب.

وعلى ذلك شرعت الدولة لأول وهلة تعبي جيشها ، وأخذت من الشام سبعا وعشرين قرعة كادت تقف معها حركة العمل وقوفا مريعا ، ولم تلبث الدارعتان الألمانيتان غوبن وبرسلو أن دخلتا في ميناء الإستانة ملتجئتين من مطاردة الأسطول الإنكليزي لهما في عرض البحر المتوسط ، وسلمت قيادتهما بالصورة الظاهرية إلى العثمانيين ، فعدت روسيا هذا العمل من الدولة العثمانية إعلانا لها بالحرب ، وما فتئت أيدي الألمان أن تغلغلت في جميع فروع الإدارة في السلطنة ، وأخذت ألمانيا تغدق الذهب الوهاج على الدولة ، وكان لأنور باشا القائد العام وناظر الحربية قسط عظيم منه لا يسأل فيما أنفقه ، وبدأ الألمان يغرون الأتراك باستعمال الوسائل الوحشية في معاملة الأجانب والعثمانيين معا ، ويضيقون خاصة على غير المسلمين من الأرمن والأروام ونصارى الشام. وزعم سفير أميركا في الإستانة أنه درس أخلاق الأتراك فعلم علم يقين أن أقوى عواطفهم عاطفة الخوف فهم لا يحبون ولا يبغضون بل يخافون ويريدون غيرهم أن يخافهم.

قسط الشام من الحرب وعمل جمال باشا :

دخلت الدولة في الحرب وقاتل أبناء الشام في الجبهات الحربية المختلفة. قاتلوا في چناق قلعة ورومانيا ودبرويجة وقفقاسيا والعراق والسويس وشبه جزيرة سينا فهلك منهم عشرات الألوف ، وقاست الشام أنواع الحرمان

١٣٢

والأمراض فهلك منها ، ولا سيما في لبنان ، من الجوع فقط نحو ١٢٠ ألفا ، ومثل هذا العدد هلك بالحميات ولا يقل الهالكون من أبناء الشام عن ثلاثمائة ألف إنسان مدة أربع سنين.

وفي الحق أنه لم يقع حرب جدية في الشام ، بل كان أبناؤه يساقون كسائر العثمانيين إلى الجبهات الأخرى ، والجبهة الوحيدة التي كانت بجوار الشام جبهة الإسماعيلية فلم تنشب الحرب حتى ندب الاتحاديون أحد كبار رجالهم أحمد جمال باشا ناظر البحرية العثمانية إذ ذاك قائدا على الجيش الرابع ، وكانت منطقته تمتد من أقاصي حدود أذنة إلى المدينة المنورة ، وأخص أعماله أن يشاغل البريطانيين في حدود مصر ليضطروا إلى وضع قوة مهمة من جيشهم في ترعة السويس ، تخفف عن الدولة في چناق قلعة من جيش الحلفاء ، وعن عاتق الألمان في الجبهة الغربية بين الحدود الألمانية والفرنسية ، وهذا تدبير ألماني صرف وقد نجح بمشاغلة البريطانيين وإشغال أذهان قوادهم ، فوضعوا على الترعة وفي حدود سينا جيشا عرمرما اتقاء جيوش الترك والألمان.

وكان بعضهم يعتقدون أن افتتاح مصر والتغلب على البريطانيين في الترعة من الأمور السهلة ، لأن المصريين يقومون في الحال بثورة على البريطانيين عندما تتراءى لهم أعلام العثمانيين المحبوبة في وادي النيل. قال سفير أميركا في مذكراته : وكان جمال باشا ناظر البحرية وأحد الثلاثة الذين يديرون دفة الملك في تركيا ذاهبا إلى الشام ليتسلم قياة الجيش الرابع ، وكان الجيش يحييه ويهتف له بأنه مخلّص مصر ، فأعلن جمال باشا على رؤوس الأشهاد قبل سفر القطار من الإستانة ، أنه عقد النية أنه لا يرجع إلى الإستانة قبل افتتاح مصر. قال : لم أكد أرى ذلك المشهد الفخم حتى رجعت بي مخيلتي تطوي الأعوام والقرون إلى أن استقرت في تاريخ رومية على مشهد يشبه ما رأيته في القرن. العشرين ألا وهي حفلة وداع مرقس أنطونيوس حين غادر رومية ليخضع الشرق ، فكانت تركيا مثل رومية في ذلك الوقت في دور الانحطاط والانحلال ، فرأى جمال باشا أن يبذل جهده لعله يتمكن من أن يصير حاكما على ولاية غنية ، وكان يؤمل أنه إن أفلح بافتتاح مصر ينال شهرة عالمية واسعة ا ه.

جاء جمال باشا إلى الشام وقبض على زمام القوة وأكثر الأحكام فيها ،

١٣٣

وبدأ يهيىء بواسطة الألمان حملته على الترعة فسارت الحملة (٤ شباط ١٩١٥) فرقتين ، فرقة منها اجتازت المسافة من السبع إلى القناة في ستة أيام والأخرى في عشرة ، وقطع الجيش الصحراء التي تبلغ مسافتها ثلاثمائة كيلومتر ، دون أن يقع في معضلة من حيث الماء والتموين، وكشف القسم الواقع بين بحيرة التمساح والبحيرة المالحة من القناة ، وهجم قسم من المفرزات بواسطة الجسور العوامة إلى الساحل المقابل بالحراب على البريطانيين ، فأغرقت المدافع المنبعثة من ست طرادات انكليزية الجسور العوامه ، وقبضوا على من جازوا الساحل الآخر من الجند العثماني وأكثرهم من أبناء الشام ، وقتل في معركة الإسماعيلية بتقدير جمال باشا في مذكراته ١٩٢ قتيلا و ٣٨١ جريحا وأخذ ٧٢٧ أسيرا ومتغيبا ، وقدر البريطانيون ما فقد من الترك بألف قتيل وألفي جريح وستمائة وخمسين أسيرا. وعاد العثمانيون أدراجهم مغتبطين بزعمهم أنهم يستطيعون إن أرادوا بجسورهم العوامة أن يقطعوا الترعة إلى الشق الآخر ويستولوا على مصر. وكان الجيش البريطاني الذي هاجمه الترك على الترعة مؤلفا من جيش هندي قوي وفرقة من الجنود البريطانية وجيش قوي من اوستراليا ونيوزيلندا ، وأربعين ألف رجل من الاحتياطي وراء الخنادق المتقنة التي حفرت حذاء الترعة ، ونحو مليون جندي وعامل مصري استخدموا في خدم ثانوية أفادوا بها الجيش البريطاني فائدة عظيمة.

وأنفق العثمانيون نفقات طائلة على السكك الحديدية حتى وصلت إلى بئر السبع وصرفوا عليها مئات الألوف من الليرات لتحسينها وتحصينها ، أما البريطانيون فأخذوا بعد تلك الحملة العثمانية التي فشلت يتقدمون في الصحراء نحو الشام ، يمدون الخطوط الحديدية في الرمال تحت حماية مدافعهم ، وما زالوا يسرعون في تمديد الخطوط في صحراء الجفار بحيث كان معدل ما ينشئون كيلومترين كل يوم ، وهكذا حتى اقتربوا من العريش فلم يتقدموا خطوة إلى الأمام إلا بحسب طريقتهم المعروفة في فتوحهم أي بقدر مرمى المدافع ، ريثما تتم الخطوط الحديدية وتؤمن السبل.

١٣٤

إهلاك أحرار الشام والسياسة الاتحادية مع العرب :

خطب جمال باشا لأول شخوصه إلى الشام في النادي الشرقي بدمشق (١٣٣٣) قائلا : يجب عليكم يا أبناء العرب أن تحيوا مكارم أخلاق العرب ومجدهم ، منذ شروق أنوار الديانة الأحمدية ، أحيوا شهامة العرب وآدابهم حتى التي وجدت قبل الإسلام ، عضّوا على عربيتكم بالنواجذ ، ودافعوا عنها بكل قواكم ، اعملوا على ترقية العرب والعربية جددوا مدنيتكم ، قوّموا قناتكم ، كونوا رجالا كاملين ـ جهر بهذا على رؤوس الأشهاد وقال مثله لأرباب الأقلام في مجالسه الخاصة ، بيد أنه كان يفكر هو وجماعته من الاتحاديين في الطرق إلى الانتقام من العرب المخالفين ، وإنزال العقوبة بمن رفعوا أصواتهم بالمطالبة بحقوق لأمتهم فعدوهم خائنين للدولة ، وما هم إلا مخالفون على الأغلب ، والمخالفة طبيعية في كل حكومة دستورية بل في كل حكومة ، تظهر وتستتر بحسب الأحوال والدواعي ، وعدّ الائتلافيون أي الداخلون في حزب الحرية والائتلاف خائنين في نظر الاتحاد والترقي ، وكان بعض أعضاء الحزب ينزعون منزعا انكليزيا أي يحبون أن يعملوا بمشورة بريطانيا ، وبعض حزب الاتحاد ينزعون منزعا ألمانيا ، وحسب الاتحاديون من الخائنين أيضا جماعة الإصلاحيين في بيروت أي المطالبون بالإصلاح في ظل العثمانية ، واللامزكزيين أي المطالبون بتوسيع سلطة الحكومات المحلية. وكان هذا الحزب تألف في مصر من الشاميين وأنشئت له فروع في بعض مدن الشام وقصباته ، وتألف حزب فتيان قحطان في الإستانة. وهكذا قل في جمعية العهد العسكرية والجمعيات اللبنانية المختلفة المقاصد في لبنان والمهاجر.

فلما دخلت الدولة في الحرب رأى الاتحاديون أن الفرصة آذنت للقضاء على كل فكرة تخالف ما هم عليه وأصحابهم في سياسة الملك ، وتلقي الرهبة والهول في كل القلوب ، واعتزوا بمحالفة الألمان وبالأموال التي كانت تقرضهم إياها بالملايين ، وليس أحسن ملائمة من هذا الدور لتولي أحد كبار أساطينهم أحمد جمال باشا زمام القوة في الشام ، وهو الذي كان تولى قتل المخالفين في الإستانة من الأتراك أنفسهم ، وقتل حتى صهر السلطان ، فأصبح متمرنا على الانتقام من كل من يخالف مذهبه السياسي ، أو كما قال عن نفسه في آخر

١٣٥

خطاب ألقاه في دار الحكومة بدمشق إن طالعه كان القتل ، ندب لقتال الناشزين من الأتراك كما عهد إليه قتل الناشزين عن الطاعة من العرب.

ولما ندب جمال باشا لقيادة الجيش الرابع حمل معه أضابير التهم والتحقيقات وتقارير الجواسيس الموجهة لمئات من أبناء الشام ، وبينهم أناس من أهل الطبقة العليا وكثير من الشبان المتعلمين. فألقى عصا التسيار في دمشق وشرع بالتحقيق عن زمرة هؤلاء المتهمين ، وألف ديوانا عرفيا في عالية من لبنان فحكم أوائل آب ٣٣١ ش على ١١ رجلا نفذ فيهم حكم القتل صلبا في ساحة البرج في بيروت ، وكانوا متهمين بالدخول في حزب اللامركزية ، ثم شرع بالقبض على طبقة أخرى أكثر علما وتأثيرا ومكانة ، ومدار التهمة الفريق الثاني أو القافلة الثانية أنهم حاولوا سلخ سورية وفلسطين والعراق عن السلطنة العثمانية وجعلها إمارة مستقلة بمؤازرة الدولة البريطانية ، ولكن الحكومة التركية اتهمتهم أنهم كانوا يعملون لإدخال الأجانب (الفرنساويين أو الإنكليز) إلى الشام في حال الحرب. وإذا تفوه به بعضهم لأحد القناصل طمعا في إمارة أو مظهر من المظاهر فلا يسري اعترافه على الجميع. ويقول جمال باشا في مذكراته ردا على من يقول إن الاشخاص الذين أجرموا وظهرت إدانتهم وشنقوا في سورية قد شملهم العفو العام الصادر في سنة ١٩١٣ فمحاكمتهم فيما بعد على التهم نفسها عمل غير قانوني ـ إنه قد بين في الكتاب الأحمر المسمى (حقيقة المسألة السورية) أن أولئك الأشخاص اتخذوا العفو العام وسيلة للقيام بأعمال جنائية جديدة ، وأن إدانتهم ترجع إلى جرائمهم بعد ذلك العفو ، وإذ كانت الوثائق الخاصة بإدانتهم قبل العفو تعتبر قرينة قوية ، بدا للمحكمة أن تفحصها وتنشرها لتبين للملإ مبلغ شناعة خيانتهم ا ه. وبعد أن أورد بعض الوثائق السياسية قال : فمن تمحيص هذه الوثائق يدرك الإنسان بسهولة أن الحكومة الفرنسية بذلت أقصى ما في استطاعتها لتمهيد الطريق للاستيلاء على سورية بحجة حماية العرب. وفي الحق أن أعمال بعض من صلبوا قد ظهرت في أوراق قناصل فرنسا في دمشق وبيروت وحلب وغيرها من مدن الشام ، فإنهم أبقوا أوراقهم في أماكنها بعد دخول الدولة في الحرب فانكشفت بذلك أسرار مهمة ساعدت الاتحاديين على الإبلاغ في عقوبة مخالفيهم. أما قناصل بريطانيا

١٣٦

فقد أحرقوا أوراقهم ومنهم من استظهر الخطط الحربية المتعلقة بالشام ، فنجا بذلك كل من كان له صلة من الأهلين بقناصل بريطانيا العظمى.

وقد حكم الديوان العرفي في عاليه على ٢١ رجلا بالقتل وهم القافلة الثانية فصلبوا في بيروت ودمشق في يوم واحد (٤ رجب ١٣٣٤) صلب سبعة في دمشق والباقون في بيروت ، وكان فيهم الأبرياء الذين ما أرادوا قط خروج الشام عن حكم الترك ، وصلب بعض وجوه الموارنة ورهبانهم لأنه ثبتت عليهم دعوة فرنسا للاستيلاء على الشام. ولما قبض على الرعيل الأول في السنة الأولى للحرب سألت خلوصي بك والي دمشق ، وكان يفيض معي بمسائل الدولة بحرية تامة ، وكان من الأحرار العقلاء في السلطنة ، وهو أعلم تركي وأعقل عامل رأته الشام في الأربعين السنة الأخيرة قائلا : كنتم أمس في بيروت فماذا رأيتم يا سيدي في قضية أولئك المتهمين وما هو وجه تهمتهم يا ترى؟. فأجابني بما تعريبه بالحرف : «سلسلة من التزويرات والتلفيقات عليهم ، قاتلهم الله وأخزاهم» ، أي قاتل الله المزورين والملفقين ويعني بهم الاتحاديين.

ومن الغريب أنه سيق إلى القتل بعض من كان نالهم العفو يوم أغلقت الحسابات القديمة مع الدولة ، كجماعة الإصلاحيين الذين نالوا بعض المطالب بعد مؤتمرهم في باريز ، فاتهموا بمسائل أخرى ارتكبوها ، وأغرب منه أن يتطوع بعض السوريين بالجاسوسية للترك ويشهدوا على رجالهم في الديوان العرفي بما أوصلهم إلى أعواد الصلب ، وأن يتوسع بعض المصلوبين في شهاداتهم واستنطاقاتهم ويدخلوا في زمرتهم عشرات من الشبان وغيرهم حتى تسقط بزعمهم مكانة تلك القضية فيطوى سجلها بما فيه ، ولكن رجال الديوان العرفي كانوا أعقل من أن تغرهم هذه الظواهر ، واكتفوا بإصدار أحكامهم على من ثبتت إدانتهم بحسب الخطة المرسومة أو اقتضت مصلحة الاتحاديين القضاء عليهم من النبهاء ، وهدد جمال باشا بالقتل أعضاء الديوان فيما قيل إن لم يحكموا على المتهمين السياسيين فوافق بعضهم على القتل اضطرارا لا اختيارا.

وقد ذكر الأمير شكيب أرسلان أن خطأ جمال باشا في رأيه وجنايته الكبرى على العرب والترك في فعله هما من الوجوه الآتية :

أولا ـ إن فريقا آخر من الذين قتلهم أبرياء من خيانة الدولة ولم يكن لهم

١٣٧

ذنب سوى وجودهم في الحزب المعارض لجمعية الاتحاد والترقي ، والقانون العثماني لا يعرف الاتحاد والترقي بل السلطنة العثمانية.

ثانيا ـ إن فريقا آخر منهم لم يوجد عليهم وثائق خطية ولا قرائن قطعية تذهب في جزائهم إلى درجة القتل ، وقد برر جمال هذا العمل فيما بلغنا من نفس رئيس الديوان العرفي بأنه من باب «القتل السياسي» مع أنه كان الأولى بهؤلاء أن يتركوا إلى حكم القانون فيحكم عليهم بحبس أو نفي على حسب درجة جرمهم.

ثالثا ـ على فرض غير الواقع ، وهو أن هؤلاء مجرمون أعداء للدولة ، فلم يكن من باب السياسة ولا حسن الرأي ، فتح هذه المسألة أثناء الحرب ومجازاة أناس قد عفي عنهم ونكء القروح التي كانت قد سكنت نوعا ، وإثارة عواطف العرب وحفائظهم وإظهار كون الترك يريدون الانتقام في هذه الفرصة التي سنحت لهم للبطش وتعزيز النزعة الأجنبية بهذه السياسة.

رابعا ـ إن الألوف الذين نفاهم إلى الأناضول مع عيالهم وخرب بيوتهم ، وأمات كثيرين منهم في الغربة لم يكن منهم مائة شخص يدرون ما هي السياسة ، فضلا أن يكونوا خائنين للدولة فكان تغريبهم عن أوطانهم مجرد عذاب وقهر ، بدون أدنى فائدة ، سوى النفور مع تكليف الدولة عليهم ١٥٠ ألف ليرة شهريا فكان خطأ جمال أنه سلح أعداء السلطنة العثمانية ، وأنصار الشقاق بين العرب والترك ، ورواد السياسة الأجنبية الكثيرين في الشرق ، بسلاح من البراهين لم يكونوا يملكونه فيما لو كان الأتراك انصرفوا من بلاد العرب بدون أعمال جمال ... ا ه.

وبعد فقد عمل جمال باشا ما عمل بقرار من جمعيته ، وكان من ورائه أنور باشا يحثه على إهلاك هؤلاء الذين صلبوهم. وقد جاء هذا مرة إلى عاليه من لبنان فقال على صورة الاستنكار : «أما قتلتم بعد هؤلاء الخونة»؟. وكان أنور باشا نمرا مفترسا في صورة حمل وديع ، والدم في نظره ونظر رفاقه طلعت ومدحت وناظم وشركائهم أحلى في المذاق من طيب الشراب خصوصا إذا كان صاحبه غير تركي ، ومساويه ومساوي أصحابه أكثر من أن تحصى ، تجردوا من كل عاطفة ومن كل دين ، وعاطفتهم دهان وتظاهرهم بالدين رياء.

١٣٨

وقبل تنفيذ الأحكام بالجوقة الثانية كان قائد الجيش الرابع ينفي من الشام إلى صميم الأناضول أسرا برمتها ، وفيهم بيوت من صلب رجالهم بالتهم السياسية وممن جلاهم أناس من الغوغاء والقتلة القدماء ، واشترك في هذه النكبة المسلمون والمسيحيون وغيرهم على السواء ، خصوصا من كان لهم صلة بدولة من دول التحالف فرنسا وبريطانيا وروسيا ، ثم طمع الاتحاديون أن يتوسعوا في تأديبهم ، وأعدوا في الأناضول ألوفا من الدور ليجلوا النابهين من سكان الشام إلى تلك الأرجاء ، وكان الاتحاديون قرروا في مؤتمرهم أن يجلوا العرب إلى أرض الترك ، ويستعيضوا عنهم في الشام بأناس من شذاذ الآفاق ، وأن يعاملوا مهاجرة الشام كما عاملوا الأرمن يوم جلوهم عن أقاليمهم أي أن يقتلوهم على بكرة أبيهم في الطرق ، ويغتالوهم بالطرق التي اغتالوا بها أعداءهم الأرمن. وشرع الترك يقبضون على جوقة ثالثة من وجوه الأهلين ومنوريهم ويعذبونهم بتهم سياسية وجهوها إليهم منها أن لهم ضلعا في إنشاء حكومة عربية ومفاوضة شريف مكة بذلك.

خلع شريف مكة طاعة العثمانيين وتأثيره في الأتراك :

كانت البقية الباقية من منوري الشام تخاف سوء المغبة من عمل الاتحاديين خصوصا بعد أن مرنوا على إزهاق النفوس ، ورفعوا حجاب الوهم الذي كان مسدولا فرفعوه وعرفوا ما تحته يوم جسروا على قتل كبراء الأمة ولم ينتطح عنزان. وكادت النوبة تصيب أهل الطبقات الثالثة والرابعة يوم أعلن الشريف حسين بن علي أمير مكة المكرمة استقلاله بملك الحجاز (٩ شعبان ١٣٣٤ ه‍ حزيران ١٩١٦ م) وثار العرب على الترك في مكة ، وقتلوا الحامية التركية وأسروا أكثرها ، وحوصرت المدينة بعربه ، وذلك بتدبير الحلفاء وأموالهم ، فشغل الترك بهذه المصيبة التي لم يكونوا يتوقعونها ، وأخذوا يستميلون إليهم رجالات الشام ويستبدلون اللين بالشدة ، وإذ كانوا على عزم إنفاذ حكم القتل برجال من القافلة الثالثة بعث ملك الحجاز الجديد بواسطة جمهورية أميركا المتحدة ، وكانت على الحياد ، بأن كل منفي عربي أو مسجون إذا أصيب

١٣٩

بأدنى إهانة فهو مستعد أن يعمل أضعافه مع الأتراك الذين في أسره ، فكفّ الاتحاديون عن القتل ، وأطلقوا سراح السجناء مرغمين ، بعد أن عذبوهم أنواع العذاب ، فعدّ ذلك من حسنات الملك حسين ، ولقد آلم الاتحاديون قلوب السوريين بقتل طبقة مهمة من الشبان والكهول والشيوخ ، ونفي النساء والأطفال إلى الولايات التركية ، ومع هذا لم تقصر الشام في تقديم أبنائها للحرب جندا ، ولا أموالها وعروضها لمعاونة الجيش ، ولا أرزاقها وحيواناتها وذخائرها لخدمته ، فحنق على الدولة من كان يريد انتصارها ، وتأصلت العداوة بين الترك والعرب ، وما كانت العداوة في الحقيقة إلا بين دعاة الاتحاديين والمستنيرين من العرب ، حتى لا يبقى بعد الحرب رجال يستطيعون أن يرفعوا أصواتهم بمطالبة الدولة بشيء من الإصلاح.

ومنذ نادى الملك حسين باستقلال الحجاز أخذ الضباط العرب وغيرهم من العراقيين والشاميين واليمانيين ممن وقعوا في أسر دول الحلفاء ، أو كانوا في خدمة الجيش التركي على مقربة من الحجاز أو في الجهات البعيدة كالقفقاس ينضمون إلى جيش الحجاز العربي فألفوا جيشا لا بأس به يرجع إلى نظام في الجملة ، وهذا الجيش هو الذي قاتل الترك في الشام ، وأوقع الشغب في الفيالق التركية ، وفت في عضد الدولة العثمانية في بوادي الحجاز ، وساعده ما كان ينهال من الأموال الإنكليزية التي استمال بها ملك الحجاز والقواد أولاده الأربعة العربان في الشام والحجاز ، وتسرب قسم منها إلى كبار الضباط من أبناء العرب ، وكان لجمعية العهد يد طولى في التحاق ضباط العرب بصاحب الحجاز وهذه الجمعية كانت مؤلفة من ضباط العرب في الدولة كما كان مثل ذلك لجمعية الفتاة العربية التي ألفت في باريز قبل الحرب بنحو خمس سنين من المفكرين من أبناء العرب وخصوصا الشاميين ، وضمت إليها بعض الأعيان والمفكرين وفي مقدمتهم أنجال شريف مكة وأبلغوا والدهم قرارهم وامتدت دعوتهم إلى جبل الدروز.

وقدر بعض الواقفين عدد من انضم من البدو إلى الجيش العربي في جميع الجهات بما يناهز المئة ألف والعسكر النظامي لا يتجاوز الخمسة آلاف. وقال بعضهم : إن البدو لم يتجاوزوا السبعين ألفا يكثرون ويقلون بحسب الحاجة ،

١٤٠