ابو الحسين زيد الشهيد

السيد محسن بن عبد الكريم الأمين

ابو الحسين زيد الشهيد

المؤلف:

السيد محسن بن عبد الكريم الأمين


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ٠
الصفحات: ٩٩

بكرت تخوفني الحتوف كأنني

اصبحت عن عرض الحياة بمعزل

فاجبتها ان المنية منهل

لابد ان اسقى بذاك المنهل

ان المنية لو تمثل مثلت

مثلى ( كذا ) اذا نزلوا بضيق المنزل

فاتني حياءك لا ابالك واعلمي

اني امرؤ سأموت أن لم أقتل

استودعك الله واني اعطي الله عهداً ان دخلت يدي في طاعة هؤلاء ما عشت وفارقه واقبل الى الكوفة فاقام بها مستخفياً ينتقل في المنازل واقبلت الشيعة تختلف اليه تبايعه فبايعه جماعة منهم سلمة ابن كهيل ونصر بن خزيمة ومعاوية بن اسحاق بن زيد بن حارثة الانصاري واناس من وجوه اهل الكوفة.

وفي عمدة الطالب كان هشام بن عبد الملك قد بعث الى مكة فاخذوا زيداً وداود بن علي بن عبد الله بن عباس ومحمد بن عمر ابن علي بن ابي طالب لانهم اتهموا ان لخالد بن عبد الله القسري عندهم مالا مودوعاً وكان خالد قد زعم ذلك فبعث بهم الى يوسف بن عمر الثقفي بالكوفة فحلفهم ان ليس لخالد عندهم مال فحلفوا جميعاً فتركهم يوسف فخرجت الشيعة خلف زيد الى القادسية فردوه وبايعوه.

( رابعها ) ان السبب في ذلك وشاية ابن لخالد الى هشام بان زيدا وجماعة يريدون خلعه فأغلظ له هشام في القول واحرجه فخرج. روى ابن عساكر في تاريخ دمشق ان ابناً لخالد بن عبد الله القسري أقر على زيد وعلى داود بن علي بن عبد الله بن عباس وايوب بن سلمة

٦١

المخزومي ومحمد بن عمر بن علي وسعد بن ابراهيم بن عبد الرحمن ابن عوف انهم قد ازمعوا على خلع هشام بن عبد الملك فقال هشام لزيد قد بلغني كذا وكذا فقال ليس كما بلغك يا امير المؤمنين قال بلى قد صح عندي ذلك قال احلف لك قال وان حلفت فانت غير مصدق قال زيد ان الله لم يرفع من قدر احد ان يحلف له بالله فلا يصدق فقال له هشام اخرج عني فقال له لا تراني الا حيث تكره فلما خرج من بين يدي هشام قال من احب الحياة ذل فقال له الحاجب يا أبا الحسين لا يسمعن هذا منك احد.

( خامسها ) ان السبب في خروجه ان اهل الكوفة كتبوا اليه فقدم عليهم. في تاريخ دمشق قال زكريا بن ابي زائدة لما حجبت مررت بالمدينة فدخلت على زيد فسلمت عليه فسمعته يتمثل بهذه الابيات :

ومن يطلب المال الممنع بالقنا

يعش ماجداً او تحترمه المخارم

متى تجمع القلب الذكي وصارما

وانفا حمياً تجتنبك المظالم

وكنت اذا قوم غزوني غزوتهم

فهل انا في ذا يال همدان ظالم

فخرجت من عنده فمضيت فقضيت حجتي ثم انصرفت الى الكوفة فبلغني قدومه فأتيته فسلمت عليه وسألته عما قدم له فأخبرني عمن كتب اليه يسأله القدوم عليهم فأشرت عليه بالانصراف فلحقه القوم فردوه.

ورواه ابو الفرج في المقاتل بسنده عن زكريا الهمداني نحوه

٦٢

الى آخر الابيات ثم قال فخرجت من عنده وظننت ان في نفسه شيئاً وكان من امره ما كان ويعلم مما مر ويأتي ان الذي دعا زيداً الى الخروج انما هو اباء الضيم والامر بالمعروف والنهي عن المنكر لا طلب ملك وامارة وانه خرج موطناً نفسه على القتل مع غلبة ظنه بانه يقتل فاختار المنية على الدنية وقتل العز على عيش الذل كما فعل جده الحسين عليه‌السلام الذي سن الاباء لكل ابي.

( ما جرى لزيد اراده اهل الكوفة على الخروج وبايعوه )

قال ابو مخنف : واقبلت الشيعة وغيرهم من المحكمة يختلفون اليه ويبايعونه حتى احصى ديوانه خمسة عشر الف رجل من اهل الكوفة خاصة سوى اهل المدائن والبصرة وواسط والموصل وخراسان والري وجرجان والجزيرة. وقيل احصى ديوانه اربعين الفاً. وفي الشذرات كان ممن بايعه منصور بن المعتمر ومحمد بن عبد الرحمن بن ابي ليلى وهلال بن خباب بن الحارث قاضي المدائن وابن شبرمة ومسعود بن كذام وغيرهم وارسل اليه ابو حنيفة بثلاثين الف درهم وحث الناس على نصره وكان مريضاً وحضر معه من اهله محمد بن عبد الله النفس الزكية وعبد الله بن علي بن الحسين. ويأتي بعد ذكر مقتله ما ذكره ابو الفرج من اسماء من عرف ممن خرج معه من اهل العلم ونقلة الآثار والفقهاء وفيهم بعض هؤلاء

٦٣

( صورة البيعة )

قال ابن الاثير وكانت بيعته انا ندعوكم الى كتاب الله وسنة نبيه صلى الله وعليه وسلّم وجهاد الظالمين والدفع عن المستضعفين واعطاء المحرومين وقسم هذا الفيء بين اهله بالسواء ورد المظالم ونصره اهل البيت أتبايعون على ذلك فاذا قالوا نعم وضع يده على ايديهم ويقول عليك عهد الله وميثاقه وذمته وذمة رسول الله صلى الله عليه وسلّم لتفين ببيعتي ولتقاتلن عدوي ولتنصحن لي في السر والعلانية فاذا قال نعم مسح يده على يده ثم قال اللهم اشهد. قال ابو الفرج واقام بالكوفة بضعة عشر شهراً او سبعة عشر شهراً منها شهران بالبصرة والباقي بالكوفة ثم خرج وارسل دعاته الى الآفاق والكور يدعون الناس الى بيعته قال ابن الاثير فشاع امره في الناس على قول من زعم انه اتى الكوفة من الشام واختفى بها يبايع الناس واما على قول من زعم انه اتى الى يوسف بن عمر لموافقة خالد بن عبد الله القسري او ابنه يزيد بن خالد فان زيداً أقام بالكوفة ظاهراً ومعه داود بن علي واقبلت الشيعة تختلف الى زيد وتأمره بالخروج ويقولون انا لنرجو أن تكون انت المنصور وان هذا الزمان هو الذي يهلك فيه بنو أمية فاقام بالكوفة وجعل يوسف ابن عمر يسأل عنه فيقال هو ها هنا ويبعث اليه ليسير فيقول نعم ويعتل بالوجع فمكث ما شاء الله ثم ارسل اليه يوسف ليسير فاحتج بانه يحاكم بعض آل طلحة بن عبد الله لملك بينهما بالمدينة فارسل إليه

٦٤

ليوكل وكيلا فلما رأى جد يوسف في امره سار حتى اتى القادسية وقيل الثعلبية فتبعه اهل الكوفة وقالوا نحن اربعون الفاً لم يتخلف عنك احد نضرب باسيافنا وليس ها هنا من اهل الشام الا عدة يسيرة بعض قبائلنا يكفيكهم باذن الله تعالى وحلفوا بالايمان المغلظة وجعل يقول اني أخاف ان تخذلوني وتسلموني كما فعلتم بابي وجدي فيحلفون له فقال له داود بن علي يا ابن عم ان هؤلاء يغرونك من نفسك أليس قد خذلوا من كان أعز عليهم منك جدك علي بن ابي طالب حتى قتل والحسن من بعده بايعوه ثم وثبوا عليه فانتزعوا رداءه وجرحوه أو ليس قد أخرجوا جدك الحسين وبايعوه ثم خذلوه واسلموه ولم يرضوا بذلك حتى قتلوه فلا ترجع معهم فقالوا ان هذا لا يريد ان تظهر ويزعم انه واهل بيته اولى بهذا الامر منكم فقال زيد لداود ان علياً عليه‌السلام كان يقاتله معاوية بذهبه ( بدهائه ) وان الحسين قاتله يزيد والأمر مقبل عليهم ( ولداود ان يقول له وانت يقتلك هشام وليس بدون يزيد ) فقال داود اني خائف ان رجعت معهم ان لا يكون احد اشد عليك منهم وانت اعلم ومضى داود الى المدينة ورجع زيد الى الكوفة فلما رجع اتاه سلمة بن كهيل فذكر له قرابته من رسول الله (ص) وحقه فاحسن ثم قال له نشدتك الله كم بايعك قال اربعون الفاً قال فكم بايع جدك قال ثمانون الفاً قال فكم حصل معه قال ثلثمائة قال نشدتك الله انت خير ام جدك قال جدي قال فهذا القرن خير ام ذلك القرن قال ذلك القرن قال أفتطمع ان

٦٥

يفي لك هؤلاء وقد غدر اولئك بجدك قال قد بايعوني ووجبت البيعة في عنقي واعناقهم قال أفتأذن لي ان اخرج من هذا البلد فلا آمن ان يحدث حدث فلا أملك نفسي فاذن له فخرج الى اليمامة وكتب عبد الله بن الحسن الحسني الى زيد اما بعد فان اهل الكوفة قبح العلانية جود السريرة هرج في الرخاء جزع في اللقاء يقدمهم ألسنتهم ولا يشايعهم قلوبهم ولقد تواترت الي كتبهم بدعوتهم فصمت عن ندائهم وألبست قلبي غشاء عن ذكرهم يأساً منهم واطراحا لهم ومالهم مثل الا ما قال علي بن ابي طالب عليه‌السلام ان اهملتم خضتم وان جوربتم خرتم وان اجتمع الناس على امام طعنتم وان اجبتم الى مشاقة نكصتم فلم يصغ زيد الى شيء من ذلك فاقام على حاله يبايع الناس ويتجهز للخروج وتزوج بالكوفة ابنة ليعقوب السلمي وتزوج ايضاً ابنة عبد الله بن ابي القيس الازدي وكان سبب تزوجه اياها ان امها ام عمرو بنت الصلت كانت تتشيع فاتت زيدا تسلم عليه وكانت جميلة حسنة قد دخلت في اليمن فلم يظهر عليها فخطبها زيد الى نفسها فاعتذرت بالسن وقالت ان لي بنتاً هي اجمل مني وابيض واحسن دلا وشكلا فضحك زيد ثم تزوجها وكان ينتقل بالكوفة تارة عندها وتارة عند زوجته الاخرى وتارة في بني عبيس وتارة في بني نهد وتارة في بني تغلب وغيرهم الى ان ظهر. انتهى كلام ابن الاثير.

وكان خروجه بالكوفة في ولاية يوسف بن عمر بن ابي عقيل الثقفي العراق لهشام بن عبد الملك في الشذرات ويوسف هذا هو

٦٦

ابن عمر ابوه عم الحجاج بن يوسف.

( اخبار السجاد والباقر والصادق : بقتله قبل وقوعه )

عن فرحة الغري : روي عن ابي حمزة الثمالي قال كنت ازور علي بن الحسين عليهما‌السلام في كل سنة مرة في وقت الحج فزرته سنة فرأيت على ركبته ولداً جالساً ثم نهض الى نحو باب الدار فوقع فجرح رأسه وجرى دمه فقام الامام عليه‌السلام مسرعاً وحمله ومسح الدم عن رأسه وقال يا بني اعيذك بالله ان تكون المصلوب بالكناسة فقلت فداك ابي وامي اي كناسة هذه قال كناسة الكوفة فقلت جعلت فداك هذه الواقعة من المحتوم فقال اي والذي بعث محمد بالحق ان عشت بعدي لترين هذا الغلام في ناحية من نواحي الكوفة مقتولا مدفوناً منبوشاً مسلوباً مسحوباً مصلوباً في الكناسة قال ابو حمزة جعلت فداك ما اسم هذا الغلام فقال زيد ابني ثم بكى قال ابو حمزة والله ما لبثت الا برهة حتى رأيت زيداً بالكوفة في دار معاوية ابن اسحاق فجئت اليه وسلمت عليه وقلت جعلت فداك ما اقدمك هذا البلد قال انتقل الى دور بارق وبني هلال فوالله لقد رأيت زيداً مقتولا ومدفوناً ومنبوشاً ومسلوباً ومسحوباً ومصلوباً ثم احرق وذري رماده في الهواء.

وروى ابو الفرج في المقاتل بسنده عن خالد مولى آل الزبير

٦٧

كنا عند علي بن الحسين فدعا ابناً له يقال له زيد فكبا لوجهه فجعل يمسح الدم عن وجهه ويقول اعيذك بالله ان تكون زيداً المصلوب بالكناسة الحديث. وبسنده عن يونس بن جناب جئت مع ابي جعفر عليه‌السلام الى الكتاب فدعا زيداً فاعتنقه وألزق بطنه ببطنه وقال اعيذك بالله ان تكون صليب الكناسة. وعن كتاب الثاقب في المناقب عن يزيد بن خلف : سمعت ابا عبد الله عليه‌السلام وذكر عنده زيد وهو يومئذ يتردد في المدينة يقول كأني به خرج الى العراق ويمكث يومين ويقتل في اليوم الثالث ثم يدار برأسه في البلاد يؤتى برأسه وينصب ها هنا وأشار بيده الى الموضع قال فسمت اذني من ابي عبد الله عليه‌السلام ورأت عيني ان أتي برأسه حتى أقيم في الموضع الذي اشار إليه.

( اخبار ابن الحنفية بقتله قبل وقوعه )

في امالي الصدوق في الحديث العاشر من المجلس ٥٤ بسنده عن عون بن عبد الله كنت مع محمد بن علي بن الحنفية في فناء داره فمر به زيد بن الحسن فرفع طرفه اليه ثم قال ليقتلن من ولد الحسين رجل يقال له زيد بن علي وليصلبن بالعراق من نظر الى عورته فلم ينصره اكبه الله على وجهه في النار.

وروى ابو الفرج في المقاتل بسنده عن محمد بن الحنفية مر زيد ابن علي بن الحسين على محمد ابن الحنفية فرق له وأجلسه وقال اعيذك بالله يا ابن اخي ان تكون زيداً المصلوب

٦٨

بالعراق الحديث. ومرت احاديث أخرى تتضمن الاخبار بقتل زيد وصلبه وهذه الاحاديث تدل على ان خبر قتل زيد وصلبه كان مشهوراً معروفا عند اهل البيت : قبل وقوعه.

( خروجه ومقتله )

قال ابو الفرج وابن الاثير فلما دنا خروجه امر اصحابه بالاستعداد والتهيؤ فجعل من يريد ان يفي له يستعد وشاع ذلك قال ابو الفرج فانطلق سليمان بن سراقة البارقي فاخبر يوسف بن عمر خبر زيد فبعث يوسف فطلب زيداً ليلا فلم يوجد عند الرجلين اللذين سعي اليه انه عندهما فاني بهما يوسف فلما كلمهما استبان امر زيد واصحابه وامر بهما يوسف فضربت اعناقهما وبلغ الخبر زيداً فتخوف ان يؤخذ عليه الطريق فتعجل الخروج قبل الاجل الذي بينه وبين اهل الامصار وكان قد وعد اصحابه ليلة الاربعاء اول ليلة من صفر سنة ١٢٢ فخرج قبل الاجل فلما خفقت الراية على رأسه قال الحمد لله الذي اكمل لي ديني والله اني كنت استحيي من رسول الله (ص) ان ارد عليه الحوض ولم آمر في امته بمعروف ولا انهي عن منكر وبلغ ذلك يوسف بن عمر فامر الحكم بن الصلت ان يجمع اهل الكوفة في المسجد الاعظم فيحصرهم فيه فبعث الحكم الى العرفاء (١)

__________________

(١) العرفاء كشرفاء جمع عريف كأمير وهو رئيس القوم أو النقيب وهو دون الرئيس.

٦٩

والشرط (١) والمناكب (٢) والمقاتلة (٣) فادخلوهم المسجد ثم نادى مناديه ايما رجل من العرب والموالي (٤) ادركناه في رحله فقد برأت منه الذمة ائتوا المسجد يوم الثلثاء قبل خروج زيد.

وقال ابن عساكر في حديث عن ضمرة بن ربيعة ان يوسف بن عمر لما علم بخروج زيد امر بالصلاة جامعة وبان من لم يحضر المسجد فقد حلت عليه العقوبة فاجتمع الناس وقالوا ننظر ما هذا الامر ثم نرجع فلما اجتمع الناس امر بالابواب فاخذ بها وبنى عليهم وامر الخبل فجالت في ازقة الكوفة فمكث الناس ثلاثة ايام وثلاث ليال في المسجد يؤتى الناس من منازلهم بالطعام يتناوبهم الشرط والحرس فخرج زيد على تلك الحال.

وقال ابو الفرج في حديثه وطلبوا زيداً في دار معاوية ابن اسحاق فخرج ليلا وذلك ليلة الاربعاء لسبع بقين من المحرم في ليلة شديدة البرد من دار معاوية بن اسحاق فرفعوا الهرادي (٥) فيها النيران ونادوا بشعارهم شعار رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يا منصور امت فما زالوا كذلك

__________________

(١) الشرط كصرد اول كتيبة تشهد الحرب وطائفة من اعوان الولاة.

(٢) المناكب جمع منكب في القاموس هو عريف القوم. وينبغي ان يكون دون العريف وكلهم معينون من قبل السلطان.

(٣) المقاتلة هم العسكر المعينون للقتال ولهم رواتب.

(٤) جمع مولى وهو الذي اصله ليس بعربي وجرى عليه الرق فاعتق.

(٥) الهرادي جمع هردي بالكسر ويمد نبت.

٧٠

حتى اصحوا فبعث زيد القاسم بن عمر التبعي ورجلا آخر اسمه صدام وسعيد بن خثيم ينادون بشعارهم ورفع ابو الجارود زياد بن المنذر الهمداني هردياً من مئذنتهم ونادى بشعار زيد فلما كانوا في صحاري عبد القيس لقيهم جعفر بن العباس الكندي فشد على القاسم وعلى اصحابه فقتل صدام وارتث (١) القاسم فأتي به الحكم بن الصلت فقتله على باب القصر. قال ابو مخنف وقال يوسف بن عمر وهو بالحيرة من يأتي الكوفة فيقرب من هؤلاء فيأتينا بخبرهم فقال عبد الله بن العباس المنتوف الهمداني انا آتيك بخبرهم فركب في خمسين فارساً ثم اقبل حتى اتى جبانة سالم فاستخبر ثم رجع الى يوسف فاخبره فلما اصبح يوسف خرج الى تل قريب من الحيرة فنزل معه قريش واشراف الناس وامير شرطته يومئذ العباس بن سعد المرادي وبعث الريان بن سلمة البلوي في نحو من الفي فارس وثلثمائة من القيقانية (٢) رجالة ناشبة (٣) واصبح زيد بن علي وجميع من وافاه تلك الليلة ٢١٨ رجالة ناشبة فقال زيد سبحان الله فاين الناس قيل هم محصورون في المسجد فقال لا والله ما هذا لمن بايعنا بعذر واقبل نصر بن خزيمة الى زيد فتلقى عمر بن عبد الرحمن صاحب شرطة الحكم بن الصلت

__________________

(١) ارتث بالبناء للمجهول حمل من المعركة رثيثاً اي جريحاً وبه رمق.

(٢) نسبة الى قيقان كجيران موضعان.

(٣) الناشبة اصحاب النشاب.

٧١

عند بعض دور الكوفة فقال يا منصور امت فلم يرد عليه عمر شيئاً فشد نصر عليه وعلى اصحابه فقتله وانهزم من كان معه واقبل زيد حتى انتهى الى جبانة الصائديين وبها خمسمائة من اهل الشام فحمل عليهم زيد في اصحابه فهزمهم ثم مضى حتى انتهى الى الكناسة فحمل على جماعة من اهل الشام فهرمهم ثم شلهم (١) حتى ظهر الى المقبرة ويوسف ابن عمر على التل ينظر الى زيد واصحابه وهم يكرون ولو شاء زيد ان يقتل يوسف لقتله. ثم ان زيداً اخذ ذات اليمين حتى دخل الكوفة فطلع اهل الشام عليهم فدخلوا زقاقا ضيقاً ومضوا فيه فقال زيد لنصر ابن خزيمة تخاف على اهل الكوفة ان يكونوا فعلوها حسينية فقال جعلني الله فداك اما انا فوالله لاضربن بسيفي هذا معك حتى اموت ثم خرج بهم زيد نحو المسجد فخرج اليه عبيد الله بن العباس الكندي في اهل الشام واقتتلوا فانهزم عبيد الله واصحابه وتبعهم زيد حتى انتهوا الى باب الفيل ( وهو احد ابواب المسجد ) وجعل اصحاب زيد يدخلون راياتهم من فوق الابواب ويقولون يا اهل المسجد اخرجوا وجعل نصر بن خزيمة يناديهم يا اهل الكوفة اخرجوا من الذل الى العز الى الدين والدنيا وجعل اهل الشام يرمونهم من فوق المسجد بالحجارة. وبعث يوسف بن عمر الربان بن سلمة في خيل الى دار الرزق فقاتلوا زيداً قتالا شديداً وجرح من اهل الشام جرحى كثيرة وشلهم اصحاب زيد من دار الرزق حتى انتهوا الى المسجد الاعظم فرجع اهل الشام

__________________

(١) شلهم أي طردهم.

٧٢

مساء يوم الاربعاء وهم أسوأ شيء ظنوا فلما كان غداة يوم الخميس دعا يوسف بن عمر الريان بن سلمة فافف به وقال له فلك من صاحب خيل ودعا العباس بن سعد المري ( المرادي ) صاحب شرطته فبعثه الى اهل الشام فسار بهم حتى انتهوا الى زيد في دار الرزق وخرج اليه زيد وعلى مجنبته (١) نصر بن خزيمة ومعاوية بن اسحاق فلما رآهم العباس نادى يا اهل الشام الأرض فنزل ناس كثير واقتتلوا فتالا شديداً وكان رجل من اهل الشام اسمه نائل بن مرة العبسي قال ليوسف والله لئن ملأت عيني من نصر بن خزيمة لاقتلنه او ليقتلني فاعطاه يوسف سيفاً لا يمر بشيء الا قطعه فلما التقى اصحاب العباس واصحاب زيد ضرب نائل نصراً فقطع فخذه وضربه نصر فقتله ومات نصر ثم ان زيداً هزمهم وانصرفوا باسوأ حال فلما كان العشاء عبأهم يوسف ثم سرحهم نحو زيد فكشفهم ثم اتبعهم حتى اخرجهم الى السبخة ثم شد عليهم حتى اخرجهم من بني سليم ثم ظهر لهم زيد فيما بين بارق وبني دوس فقاتلهم قتالا شديداً وصاحب لوائه رجل من بني سعد بن بكر يقال له عبد الصمد قال سعيد بن خثيم وكنا مع زيد في خمسمائة واهل الشام اثنا عشر الفاً وكان بايع زيداً اكثر من اثني عشر الفاً فغدروا به اذ فصل رجل من اهل الشام من كلب على فرس له رائع فلم يزل شتما لفاطمة بنت رسول الله صلّى الله عليه وعليها وعليها فجعل زيد يبكي حتى ابتلت لحيته وجعل يقول أما احد يغضب

__________________

(١) المجنبة تقال للميمنة وللميسرة.

٧٣

لفاطمة بنت رسول الله أما أحد يغضب لرسول الله (ص) أما احد يغضب لله ثم تحول الشامي عن فرسه فركب بغلة وكان الناس فرقتين نظارة ومقاتلة قال سعيد فجئت الى مولى لي فاخذت منه مشملا (١) كان معه ثم استترت من خلف النظارة حتى اذا صرت من ورائه ضربت عنقه وانا متمكن منه بالمشعل فوقع رأسه بين يدي بغلته ثم رميت جيفته عن السرج وشد اصحابه علي حتى كادوا يرهقوني وكبر اصحاب زيد وحملوا عليهم واستنقذوني فركبت واتيت زيداً فجعل يقبل بين عيني ويقول ادركت والله ثأرنا ادركت والله شرف الدنيا والآخرة وذخرهما ونغلني البغلة. وجعلت خيل اهل الشام (٢) لا تثبت لخيل زيد فبعث العباس بن سعد الى يوسف بن عمر يعلمه ما يلقى من الزيدية وسأله ان يبعث اليه الناشبة (٣) فبعث اليه سليمان ابن كيسان في القيقانية (٤) وهم بخارية وكانوا رماة فجعلوا يرمون اصحاب زيد وقاتل معاوية بن اسحق الانصاري يومئذ قتالا شديداً فقتل بين يدي زيد وثبت زيد في اصحابه حتى اذا كان عند جنح

__________________

(١) المشمل كمنبر سيف قصير يتغطى بالثوب.

(٢) جاء في هذه الاخبار في غير موضع ما يدل على ان العسكر الذي كان يحارب زيداً كان اكثره او جملة منه من اهل الشام والظاهر ان العسكر الشامي كان موجوداً دائماً لقلة ثقة الامويين باهل الكوفة.

(٣) اصحاب النشاب.

(٤) مر تفسيره.

٧٤

الليل رمي زيد بسهم فأصاب جانب جبهته اليسرى فنزل السهم في الدماغ فرجع ورجع اصحابه ولا يظن اهل الشام انهم رجعوا الا للمساء والليل فدخل داراً من دور ارحب وشاكر وجاؤا بطبيب يقال له سفيان مولى لبني دوس فقال له ان نزعته من رأسك مت قال الموت ايسر علي مما أنا فيه فاخذ الكلبتين فانتزعه فساعة انتزاعه مات وفي عمدة الطالب قال سعيد بن خثيم تفرق اصحاب زيد عنه حتى بقي في ثلثمائة رجل وقيل جاء يوسف بن عمر الثقفي في عشرة آلاف (١) فصف اصحابه صفاً بعد صف حتى لا يستطيع احدهم ان يلوي عنقه فجعلنا نضرب فلا نرى الا النار تخرج من الحديد فجاء سهم فاصاب جبين زيد بن علي يقال رماه مملوك ليوسف بن عمر الثقفي يقال له راشد فاصاب عينيه فانزلناه وكان رأسه في حجر محمد ابن مسلم الخياط فجاء يحيى بن زيد فاكب عليه فقال يا ابتاه ابشر ترد على رسول الله وعلي وفاطمة وعلى الحسن والحسين فقال اجل يا بني ولكن اي شيء تريد ان تصنع قال اقاتلهم والله ولو لم اجد الا نفسي فقال افعل يا بني فانك على الحق وانهم على الباطل وان قتلاك في الجنة وان قتلاهم في النار ثم نزع السهم فكانت نفسه معه.

وقال المسعودي حال المساء بين الفريقين فراح زيد مثخناً بالجراح وقد اصابه سهم في جبهته فطلبوا من ينزع النصل فاتي بحجام

__________________

(١) مر عن سعد بن خثيم ان زيداً بقي في خمسمائة واهل الشام اثنا عشر الفاً.

٧٥

من بعض القرى فاستكتموه امره فاستخرج النصل فمات من ساعته فدفنوه في ساقية ماء وجعلوا على قبره التراب والحشيش واجري الماء على ذلك وحضر الحجام مواراته فعرف الموضع فلما اصبح مضى الى يوسف متنصحا فدله على موضع قبره فاستخرجه يوسف وبعث برأسه الى هشام فكتب اليه هشام ان اصلبه عرياناً فصلبه يوسف كذلك وبنى تحت خشبته عموداً ثم كتب هشام الى يوسف باحراقه وذروه في الرياح.

وقال ابو الفرج قال القوم اين ندفنه واين نواريه ( خوفاً من بني امية وعمالهم ان يمثلوا به لما يعلمون من خبث سرائرهم وعادتهم في التمثيل التي ابتدأت من يوم احد ) فقال بعضهم نلبسه درعين ثم نلقيه في الماء وقال بعضهم لا بل نحتز رأسه ثم نلقيه بين القتلى فقال يحيى ابن زيد لا والله لا يأكل لحم ابي السباع وقال بعضهم نحمله الى العباسية فندفنه فيها ( وهي على ما في القاموس بلدة بنهر الملك ).

وقال سلمة بن ثابت فاشرت عليهم ان ينطلقوا الى الحفرة التي يؤخذ منها الطين فندفنه فيها فقبلوا رأيي فانطلقنا فحفرنا له حفرتين وفيها يومئذ ماء كثير حتى اذا نحن مكنا له دفناه ثم اجرينا عليه الماء ومعنا عبد سندي وقيل حبشي كان مولى لعبد الحميد الرواسي وكان معمر بن خشم قد اخذ صفقته لزيد وقيل هو مملوك سندي لزيد وكان حضرهم وقيل كان نبطي يسقي زرعا له حين وجبت الشمس فرآهم حيث دفنوه فلما اصبح اتى الحكم بن الصلت فدلهم على موضع قبره

٧٦

وقال ابن عساكر اخذه رجل فدفنه في بستان له وصرف الماء عن الساقية وحفر له تحتها ودفنه واجرى عليه الماء وكان غلام له سندي في بستان له ينظر فذهب الى يوسف فاخبره. وقال ابن الاثير رآهم قصار فدل عليه فبعث اليه يوسف بن عمر الثقفي فاستخرجوه وحملوه على بعير قال ابو الفرج قال نصر بن قابوس فنظرت والله اليه حين اقبل به على جمل قد شد بالحبال وعليه قميص اصفر هروي فالقي من البعير على باب القصر كأنه جبل وقطع الحكم بن الصلت رأسه وسيره الى يوسف بن عمر وهو بالحيرة فامر يوسف ان يصلب زيد بالكناسة هو ونصر بن خزيمة ومعاوية ابن اسحق وزياد النهدي وامر بحراستهم وبعث بالرأس الى الشام فصلب على باب مدينة دمشق ثم ارسل الى المدينة. ثم ان يوسف بن عمر تتبع الجرحى في الدور قال المسعودي ففي ذلك ( اي صلب زيد ) يقول بعض شعراء بني امية ( وهو الحكم « الحكيم » بن العباس الكلبي ) يخاطب آل ابي طالب وشيعتهم من ابيات :

صلبنا لكم زيداً على جذع نخلة

ولم ار مهدياً على الجذع يصلب

وبعد البيت

وقستم بعثمان عليا سفاهة

وعثمان خير من علي واطيب

وفي البحار ان الصادق عليه‌السلام لما بلغه قول الحكم رفع يديه الى السماء وهما يرعشان فقال اللهم ان كان عبدك كاذباً فصلط عليه كلبك فبعثه بنو أمية الى الكوفة فبينما هو يدور في سككها

٧٧

اذ افترسه الاسد واتصل خبره بجعفر فخر لله ساجداً ثم قال الحمد لله الذي انجزنا ما وعدنا. ورواه ابن حجر ايضاً في صواعقه. وقد نظم المؤلف قصيدة في الرد على الحكيم الكلبي وتوجد في القسم الاول من الرحيق المختوم ونورد هنا شيئاً منها اولها :

لقد لامني فيك الوشاة واطنبوا

وراموا الذي لم يدركوه فخيبوا

ارقت وقد نام الخلي ولم ازل

كأني على جمر الغضى اتقلب

عجبت وفي الايام كم من عجائب

ولكنما فيها عجيب واعجب

تفاخرنا قوم لنا الفخر دونها

على كل مخلوق يجيء ويذهب

وما ساءني الا مقالة قائل

الى آل مروان يضاف وينسب

( صلبنا لكم زيداً على جذع نخلة

ولم ار مهدياً على الجذع يصلب )

فان تصلبوا زيداً عناداً لجده

فقد قتلت رسل الاله وصلبوا

وانا نعد القتل أعظم فخرنا

بيوم به شمس النهار تحجب

فما لكم والفخر بالحرب انها

اذا ما انتمت تنمى الينا وتنسب

هداة الورى في ظلمة الجهل والعمى

اذا غاب منهم كوكب بان كوكب

كفاهم فخاراً ان احمد منهم

وغيرهم ان يدعوا الفخر كذبوا

وفي امالي الصدوق في الحديث الثاني من المجلس ٦٢ حدثنا احمد ابن زياد بن جعفر الهمداني ; حدثنا علي بن ابراهيم بن هاشم عن ابيه عن محمد بن ابي عمير عن حمزة بن حمران دخلت الى الصادق جعفر بن محمد عليه‌السلام فقال لي يا حمزة من اين اقبلت قلت من

٧٨

الكوفة فبكى حتى بلت دموعه لحيته فقلت له يا ابن رسول الله ما لك اكثرت البكاء قال ذكرت عمي زيدا وما صنع به فبكيت فقلت له وما الذي ذكرت منه فقال ذكرت مقتله وقد اصاب جبينه سهم فجاء ابنه يحيى فانكب عليه وقال له ابشر يا ابتاه فانك ترد على رسول الله وعلى فاطمة والحسن والحسين صلوات الله عليهم قال اجل يا بني ثم دعي بحداد فنزع السهم من جبينه فكانت نفسه معه فجيء به الى ساقية تجري عند بستان زائدة فحفر له فيها ودفن واجري عليه الماء وكان معهم غلام سندي لبعضهم فذهب الى يوسف بن عمر من الغد فاخبره بدفنهم اياه فاخرجه يوسف بن عمر فصلبه في الكناسة اربع سنين ثم امر به فاحرق بالنار وذري في الرياح فلعن الله قاتله وخاذله والى الله جل اسمه اشكو ما نزل بنا اهل بيت نبيه بعد موته وبه نستعين على عدونا وهو خير مستعان.

قال المفيد في الارشاد ولما قتل زيد بلغ ذلك من ابي عبد الله عليه‌السلام كل مبلغ وحزن له حزناً شديداً عظيما حتى بان عليه وفرق من ماله على عيال من اصيب مع زيد من اصحابه الف دينار. وفي امالي الصدوق في الحديث ١٣ من المجلس ٥٤ حدثنا ابي حدثنا عبد الله ابن جعفر الحميري عن ابراهيم بن هاشم عن محمد بن ابي عمير عن عبد الرحمن بن سيابة قال دفع الي ابو عبد الله الصادق جعفر بن محمد الف دينار وامرني ان اقسمها في عيال من اصيب مع زيد بن علي فقسمتها

٧٩

فاصاب عبد الله بن الزبير اخا فضيل الرسان اربعة دنانير وفي عمدة الطالب روى الشيخ ابو نصر البخاري عن محمد بن عمير عن عبد الرحمن بن سيابة قال اعطاني جعفر بن محمد الصادق الف دينار وامرني ان افرقها في عيال من اصيب مع زيد فاصاب كل رجل اربعة دنانير.

قال ابو الفرج ووجه يوسف برأسه الى هشام مع زهرة ابن سليم فلما كان بمضيعة ابن ام الحكم ضربه الفالج فانصرف واتته جائزته من عند هشام.

وفي معجم البلدان ج ٨ ص ٧٧ عند الكلام على مصر : وعلى باب الكورتين مشهد فيه مدفن رأس زيد بن علي بن الحسين بن علي ابن ابي طالب الذي قتل بالكوفة واحرق وحمل رأسه فطيف به الشام ثم حمل الى مصر فدفن هناك وفي عمدة الطالب قال الناصر الكبير الطبرستاني لما قتل زيد بعثوا برأسه الى المدينة ونصب عند قبر النبي صلّى الله عليه وسلّم يوماً وليلة. كأنهم يريدون ان يقولوا يا محمد هذا رأس ولدك الذي قتلناه بمن قتل منا يوم بدر نصبناه عند قبرك. وروى ابو الفرج باسناده عن الوليد بن محمد الموقري كنت مع الزهري بالرصافة فسمع اصوات لعابين فقال لي انظر ما هذا فاشرفت من كوة في بيته فقلت هذا رأس زيد بن علي فاستوى جالساً ثم قال اهلك اهل هذا البيت العجلة فقلت له او يملكون قال حدثني علي بن حسين عن ابيه عن فاطمة ان رسول الله (ص) قال لها المهدي من ولدك.

ورواه ابن عساكر في تاريخ دمشق بسنده عن الوليد ابن

٨٠