خطط الشام - ج ٢

محمّد كرد علي

خطط الشام - ج ٢

المؤلف:

محمّد كرد علي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: مكتبة النوري
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣١٠

وتعوض عنها بتل باشر مضافا إلى ما بيده من تدمر والرحبة. ولما بلغ ذلك الصالح أيوب شق عليه وسار من مصر إلى الشام لارتجاع حمص من الحلبيين ونصب عسكره عليها منجنيقا مغربيا يرمي بحجر زنته مائة وأربعون رطلا بالشامي مع عدة منجنيقات أخر ، ثم رحل عنها لمرض عرض له ، ولوصول الفرنج إلى دمياط ولمجيء رسول الخليفة والسعي في الصلح بين الصالح أيوب والحلبيين وأن تستقر حمص بيد الحلبيين. ثم استولى الصالح أيوب على الكرك أعطاه مفاتيحها الأمجد فوهبه خمسين ألف دينار.

وفاة الملك الصالح ومبدأ دولة المماليك :

توفي الملك الصالح أيوب في سنة (٦٤٧) وكان ملك مصر والقسم الأعظم من الشام. وصفه أبو الفداء بأنه كان مهيبا عالي الهمة عفيفا شديد الوقار والصمت جمع من المماليك الترك ما لم يجتمع لغيره من أهل بيته ، حتى كان أكثر أمراء عسكره مماليكه ، ورتب جماعة من المماليك الترك حول دهليزه دعوا بالبحرية لأنهم كانوا ينزلون في ثكنات لهم في جزيرة الروضة على البحر بحر النيل وكانوا أول كتلة اجتمعت من هذا الجيل من الناس وألفوا دولة المماليك البحرية. مات الملك الصالح ولم يوص بالملك إلى أحد فأحضرت شجرة الدر ، وهي جارية الملك الصالح ، فخر الدين بن الطواشي وجمال الدين محسنا وعرفتهما بموت السلطان ، فكتموا ذلك خوفا من الفرنج ، وجمعت شجرة الدر الأمراء وقالت لهم : السلطان يأمركم أن تحلفوا له ثم من بعده لولده المعظم تورانشاه المقيم بحصن كيفا ، فجاء وتسلم ملك مصر إلا أنه مدته لم تطل أكثر من شهرين وأياما ، فقتله المماليك البحرية الذين أنشأهم والده ، وكان أول من ضربه ركن الدين بيبرس الذي صار سلطانا فيما بعد ولقب بالملك الظاهر ، والسبب في قتله أنه اطرح جانب أمراء أبيه ومماليكه واعتمد على بطانته التي وصلت معه من حصن كيفا وكانوا أراذل. وأقام رجال الدولة شجرة الدر زوجة الملك في المملكة وخطب لها على المنابر وضربت السكة باسمها ، وأرسل المصريون رسولا إلى من بدمشق من الأمراء في موافقتهم على ذلك فلم يجيبوا إليه ، وكاتب الأمراء القيمرية الناصر يوسف صاحب حلب فسار إليهم وملك

١٠١

دمشق وعصت عليه بعلبك وعجلون وشميميس مدة ثم سلمت جميعها إليه ، ولما ورد الخبر بذلك إلى مصر قبضوا على من عندهم من القيمرية وعلى كل من اتهم بالميل إلى الحلبيين.

ثم اتفق كبراء الدولة على إقامة شخص من بني أيوب في السلطنة فسلطنوا الملك الأشرف موسى بن يوسف. وكان بغزة جماعة من عسكر مصر فسار إليهم عسكر دمشق فاندفعوا الى الصالحية واتفقوا على طاعة المغيث صاحب الكرك وخطبوا له بالصالحية ، ولما جرى ذلك اتفق كبراء الدولة بمصر ونادوا أن المملكة للخليفة المستعصم ، ثم جددت الأيمان للملك الأشرف موسى بالسلطنة ولأيبك التركماني بقيادة الجيش ، ورحل فارس الدين أقطاي الصالحي مقدم البحرية متوجها من مصر إلى غزة ومعه تقدير ألفي فارس فلما بلغها اندفع من كان بها من جهة الناصر بين يديه.

وبعد مقتل المعظم تورانشاه بيد المماليك البحرية غضب معظم رجال الدولة في مصر والشام ، وكاد الإجماع يقع على سلطنة أحد من آل أيوب حتى لا يخرج الأمر عنهم بالمرة ، وهذا ما حدا ببعض بقايا الأيوبيين في الشام إلى أن يجمعوا شملهم ويسيروا إلى مصر للمطالبة بسلطنتهم وسلطنة آبائهم. فسار الناصر صلاح الدين يوسف بن العزيز صاحب دمشق بعساكره من عاصمته وصحبته من ملوك أهل بيته الصالح إسماعيل والأشرف موسى تورانشاه وأخوه نصرة الدين والأمجد حسن والظاهر شاذي أبناء الناصر داود بن المعظم وتقي الدين عباس بن العادل قاصدين مصر لفتحها فاهتم المصريون لقتالهم ، والتقى العسكران المصري والشامي بالقرب من العباسية فكانت الكسرة أولا على عسكر مصر ، ولما انكسر المصريون تبعتهم العساكر الشامية ولم يشكوا في النصر ، بقي الناصر تحت السناجق السلطانية فحمل المعز التركماني بمن معه عليه ، فولى الناصر منهزما طالبا الشام وأسر معظم أهل بيته من الملوك واستقر الصلح (٦٥١) بين الناصر يوسف صاحب الشام وبين البحرية بمصر على أن يكون للمصريين إلى نهر الأردن وللناصر ما وراء ذلك ، وكان نجم الدين الباذرائي رسول الخلافة هو الذي حضر من جهة الخليفة وأصلح بينهم على ذلك ورجع كل منهم إلى مقره.

١٠٢

ثم اغتال المعز أيبك المستولي على مصر خوشداشه (١) أقطاي الجمدار ، فلما علمت البحرية بذلك هربوا من ديار مصر إلى الشام ، وكان الفارس أقطاي يمنع أيبك من الاستقلال بالسلطنة ، وكان الاسم للأشرف موسى فلما قتل أقطاي استقل المعز بالسلطنة وأبطل الأشرف موسى منها بالكلية ، وبعث به إلى عماته. والأشرف آخر من خطب له من بيت أيوب بالسلطنة في مصر.

ولما وصلت البحرية إلى الناصر يوسف صاحب الشام أطمعوه في ملك مصر فرحل من دمشق بعسكر ونزل الغور وأرسل إلى غزة عسكرا فنزلوا بها وبرز المعز أيبك صاحب مصر إلى العباسية ، ومشى نجم الدين الباذرائي في الصلح بين المصريين والشاميين واتفقت الحال أن يكون للناصر الشام جميعه الى العريش ويكون الحد بين الورادة والعريش ، وقتلت شجرة الدر المعز أيبك التركماني الصالحي ، وكانت امرأة أستاذه الملك الصالح أيوب ثم تزوج بها ، وكان سبب ذلك أنه بلغها أن المعز أيبك قد خطب بنت بدر الدين لولو صاحب الموصل فقتلته في الحمام ، ونصبوا نور الدين علي بن المعز أيبك ولقبوه الملك المنصور سلطانا على مصر والشام.

ونقل إلى الناصر يوسف صاحب دمشق أن البحرية يريدون أن يفتكوا به فاستوحش منهم وتقدم إليهم بالانتزاح عن دمشق فساروا إلى غزة ، فأرسل عسكرا في أثرهم فكبس البحرية ذلك العسكر ونالوا منه. ثم إن عسكر الناصر بعد الكبسة كسروا البحرية فانهزموا إلى البلقاء وإلى زعر ملتجئين إلى المغيث صاحب الكرك ، فأنفق فيهم المغيث أموالا جليلة وأطمعوه في ملك مصر فجهزهم بما احتاجوه. وسارت البحرية إلى جهة مصر وخرجت عساكر مصر لقتالهم ، والتقى المصريون مع البحرية وعسكر المغيث ، فانهزم عسكر المغيث والبحرية ، وفيهم بيبرس البندقداري إلى جهة الكرك. وكان المغيث خيم بغزة وجمع الجموع ومعه البحرية وخرجت عساكر مصر مع مماليك المعز أيبك فالتقى الفريقان فكانت الكسرة على المغيث ومن معه فولى منهزما إلى الكرك في أسوإ حال.

__________________

(١) الخوشداش : المصاحب وهي كلمة فارسية.

١٠٣

هولاكو التتري

وبينا كان آخر ملوك الشام ومصر من بني أيوب يتنازعون مع المماليك البحرية وقد خرجت مصر عن حكم الأيوبيين ، وكانت دخلت في حكمهم أولا فأسسوا هناك بنيانها ولما انهار البناء كانت البنية الأولى أول ما هدمت وبقيت بعدها الأطراف وهي الشام وما إليها مدة قليلة جاء هولاكو التتري (٦٥٦) واستولى على بغداد وقتل الخليفة المستعصم بالله وقرض الخلافة العباسية ، ثم أخذ التتر يتقدمون إلى الجزيرة فأرسل الناصر يوسف صاحب دمشق ولده العزيز محمد وصحبته زين الدين محمد المعروف بالحافظي بتحف وتقادم (هدايا) إلى هولاكو ملك التتر ، وصانعه لعلمه بعجزه عن ملتقى التتر ، وكان بين البحرية بعد هزيمتهم من المصريين وبين عسكر الناصر يوسف صاحب دمشق ومقدمهم مجير الدين بن أبي زكري مصاف بظاهر غزة انهزم فيه عسكر الناصر يوسف وأسر مجير الدين ، وقوي أمر البحرية بعد هذه الكسرة وأكثروا العيث والفساد ، وسار الناصر يوسف ، وقد عرف ما تم على جنده ، ومعه صاحب حماة بعسكره إلى جهة الكرك ، وأقام على بركة زيزاء محاصرا للمغيث صاحب الكرك بسبب حمايته البحرية ، فقبض المغيث على من عنده من البحرية ، وعلم ذلك في الحال ركن الدين بيبرس البندقداري فهرب في جماعة من البحرية ، ووصل بهم إلى الناصر يوسف فأحسن إليهم ، وقبض المغيث على من بقي عنده من البحرية وأرسلهم إلى الناصر فبعث بهم إلى حلب فاعتقلوا بها ، واستقر الصلح بين الناصر وبين المغيث صاحب الكرك.

وقدم هولاكو (٦٥٧) إلى شرقي الفرات ونازل حران وملكها واستولى على الديار الجزرية وأرسل ولده سموط إلى الشام فوصل إلى ظاهر حلب وكان الحاكم فيها المعظم توران شاه نائبا عن ابن أخيه الناصر يوسف ، فخرج عسكر حلب لقتالهم وخرج المعظم ولم يكن من رأيه الخروج إليهم ، وأكمن لهم التتر في باب الله فتقاتلوا عند بانقوسا فاندفع التتر قدامهم حتى خرجوا عن البلد. ثم عادوا عليهم وهرب المسلمون طالبين المدينة والتتر يقتلون فيهم ، اختنق في أبواب البلد جماعة من المنهزمين ، ثم رحل التتر إلى عزاز فتسلموها

١٠٤

بالأمان ، ولما بلغ الناصر يوسف قصد التتر حلب برز من دمشق (٦٥٨) إلى برزة وجفل الناس بين أيدي التتر ، وسار من حماة إلى دمشق المنصور صاحب حماة ونزل معه ببرزة وكان هناك مع الناصر يوسف بيبرس البندقداري فاجتمع عند الناصر ببرزة أمم عظيمة من العساكر والجفال ، وبلغ الناصر أن جماعة من مماليكه قد عزموا على اغتياله والفتك به فهرب من الدهليز إلى قلعة دمشق ، وبلغ مماليكه الذين قصدوا ذلك علمه بهم فهربوا إلى جهة غزة ، وكذلك سار بيبرس البندقداري إلى غزة وأشاع المماليك الناصرية أنهم لم يقصدوا قتل الناصر إنما كان قصدهم أن يقبضوا عليه ويسلطنوا أخاه الظاهر غازي ، ولما جرى ذلك هرب الظاهر هذا خوفا من أخيه الناصر فوصل إلى غزة واجتمع عليه من بها من العساكر وأقاموا سلطانا ، وكاتب بيبرس البندقداري المظفر قطز صاحب مصر فبذل له الأمان ووعده الوعود ففارق بيبرس الشاميين وسار إلى مصر في جماعة من أصحابه.

وسبب استيلاء التتر على حلب أن هولاكو عبر الفرات بجموعه ونازل حلب وأرسل إلى الملك المعظم تورانشاه نائب السلطنة يقول له : إنكم تضعفون عن لقاء المغل ونحن قصدنا الناصر والعساكر ، فاجعلوا لنا عندكم بحلب شحنة وبالقلعة شحنة ، ونتوجه نحن إلى العسكر ، فإن كانت الكسرة على الإسلام كانت البلاد لنا ، وتكونون قد حقنتم دماء المسلمين ، وإن كانت الكسرة علينا كنتم مخيرين في الشحنتين ، إن شئتم طردتموهما وإن شئتم قتلتموهما ، فلم يجب المعظم إلى ذلك وقال : ليس لكم عندنا إلا السيف. فتعجب هولاكو من هذا الجواب وتألم ، لما علم من هلاك أهل حلب بسبب ذلك.

وأحاط التتر بحلب وقتلوا مقتلة عظيمة حتى لم يسلم من أهلها إلا من التجأ إلى دار شهاب الدين بن عمرون ودار نجم الدين أخي مردكين ودار البازيار ودار علم الدين قيصر وخانقاه زين الدين الصوفي وكنيسة اليهود وذلك لفرمانات كانت بأيديهم. وقيل أنه سلم بهذه الأماكن ما يزيد على خمسين ألف نفس. ونازل التتر القلعة وحاصروها وبها المعظم ومن التجأ إليها من العسكر واستمر الحصار عليها ومضايقة التتر لها نحو شهر ثم سلمت بالأمان، وأمر هولاكو أن يمضي كل من سلم إلى داره وأن لا يعارض وجعل النائب

١٠٥

بحلب عماد الدين القزويني.

قال ابن العديم : واحترز نواب حلب وجمعوا أهل الأطراف والحواضر واجتمعوا كلهم داخل البلد ، وكانت حلب في غاية الحصانة والقوة لأسوارها المحكمة البناء وقلعتها العظيمة، ولم يكن في ظن أحد أنها تؤخذ بسرعة قال : وخرج العوام والسوقة واجتمعوا كلهم بجبل بانقوسا ووصل جمع التتر إلى أسفل الجبل ، وكمنوا على القرية المعروفة ببابلا ثم كر التتر منهزمين ثم رجعوا وقتلوا من المسلمين جمعا كثيرا من الجند والعوام. وقتل هولاكو في حلب أكثر ممن قتل في بغداد. وقال ابن تغري بردي : إن هولاكو حاصر حلب ستة أيام ثم أوقع بها خمسة أيام حتى لم يبق بها أحد ، ووصل إلى هولاكو على حلب الملك الأشرف صاحب حمص موسى بن إبراهيم فأكرمه وأعاد عليه حمص ، ثم رحل هولاكو إلى حارم وطلب تسليمها فامتنعوا أن يسلموها لغير فخر الدين والي قلعة حلب فأحضره هولاكو وسلموها إليه ، فغضب هولاكو من ذلك وأمر بهم فقتل أهل حارم عن آخرهم وسبى النساء ، ثم رحل هولاكو إلى الشرق وجعل مكان عماد الدين القزويني بحلب رجلا أعجميا وأمر هولاكو بخراب أسوار قلعة حلب وأسوار المدينة فخربت عن آخرها وأمر الأشرف موسى صاحب حمص بإخراب سور قلعة حماة فخربت وأحرقت زردخانتها ، ولم تخرب أسوار المدينة لأنه كان بحماة رجل يقال له إبراهيم بن الفرنجية بذل لخسرو شاه نائب هولاكو في حلب جملة كثيرة من المال وقال : الفرنج قريب منا في حصن الأكراد ومتى خربت أسوار المدينة لا يقدر أهلها على المقام فيها ، فأخذ منه المال ولم يتعرض لخراب الأسوار وكان قد أمر هولاكو الأشرف موسى صاحب حمص بخراب قلعة حمص أيضا فلم يخرب منها إلا شيئا قليلا لأنها بلده ، وأما دمشق فإن نائب هولاكو قدم إلى أهلها بالفرمان والأمان فتلقاه كبراء المدينة وأنفذت مفاتيح دمشق إلى هولاكو. قال سبط ابن الجوزي : وكثرت الأراجيف بدمشق بسبب التتر فهرب كثير من الدمشقيين وباعوا أصلهم وخرجوا على وجوههم متفرقين في البراري والجبال والحصون ، وصادف ذلك أيام الشتاء وقوة البرد فمات كثير منهم ونهب آخرون. وقال القلقشندي في كلامه على البيت الهولاكوهي :

١٠٦

ولو تمكنوا من دمشق لمحوا آثارها وأنسوا أخبارها ، وأن ملكها يومئذ صاهر صاحب قبرس ليتقوى به.

ولم يتعرض عسكر هولاكو الى قتل ولا نهب وعصت قلعة دمشق عليه فحاصرها التتر، وجرى على أهل دمشق بسبب عصيان القلعة شدة عظيمة ، ثم تسلموا القلعة بالأمان ونهبوا جميع ما فيها ، وجدوا في خراب أسوار القلعة وإعدام ما بها من الزردخانات والآلات ، ثم توجهوا إلى بعلبك ونازلوا قلعتها وأخذوا نابلس بالسيف وتسلموا قلعة عجلون واستولوا على قلاع الصلت وعجلون وصرخد وبصرى والصبيبة وهدموها ووقعوا على العرب عند زيزاء وحسبان فهزموهم ، وغنموا أولادهم ونساءهم وأنعامهم واستاقوا الجميع ، وهرب سلطان تلك الأرجاء الناصر يوسف بن محمد إلى البراري فساقوا خلفه وأخذوه ثم قتلوه. واستولى التتر من أرض الفرنج على صيدا ونهبوها وأسروا منها ثلاثمائة أسير. وعاثوا في حوران ونابلس وبلغت غاراتهم غزة وبيت جبريل والخليل والصلت وما إليها وجاءوا بالأسرى إلى دمشق فمنهم من افتدى نفسه ومنهم من هرب.

وظل التتر يتنقلون في الشام حتى فتحوه إلى غزة واستقرت شحائنهم فيه لأن الناصر صاحب دمشق لما بلغه أخذ حلب رحل من دمشق في عسكره إلى الديار المصرية وفي صحبته المنصور صاحب حماة ، فلما رأى كبراء حماة تخلي ملكهم عنهم توجهوا إلى حلب ومعهم مفاتيح بلدهم وحملوها إلى هولاكو وطلبوا منه الأمان لأهل حماة وشحنة تكون عندهم فأمنهم هولاكو وأرسل إلى حماة شحنة رجلا أعجميا اسمه خسروشاه فقدم حماة وأمن الرعية. واستولى التتر (٦٥٨) على ميافارقين بعد أن حاصروها سنتين حتى فنيت أزوادهم وفني أهلها بالوباء والقتل فقتلوا صاحبها الكامل محمد بن المظفر ابن العادل أبي بكر بن أيوب وحملوا رأسه على رمح وطافوا به في الأرجاء فمروا بحلب وحماة ودمشق بالمغاني والطبول وعلقوه في شبكة بسور باب الفراديس إلى أن عادت دمشق إلى المسلمين.

قال الذهبي : إن نصارى دمشق شمخت أثناء مجيء هولاكو إلى البلاد ورفعوا الصليب في البلد وألزموا الناس بالقيام له من الحوانيت ، ونقضوا العهد

١٠٧

وصاحوا : ظهر الدين الصحيح دين المسيح. فلما انتصر المسلمون على هولاكو على عين جالوت بين بيسان ونابلس وقتل مقدمهم كتبغا جاء الخبر إلى دمشق في الليل فوقع النهب والقتل في النصارى وأحرقت كنيستهم العظمى. وقال أبو الفداء : إن النصارى استطالوا بدمشق على المسلمين بدق النواقيس وإدخال الخمر إلى الجامع. قال في المذيل : إن النصارى بدمشق قد شمخوا بسبب دولة التتر وتردد ايل شبان وغيره من كبارهم إلى كنائسهم، وذهب بعضهم إلى هولاكو وجاء من عنده بفرمان لهم اعتناء منهم وتوجه في حقهم ، ودخلوا به البلد من باب توما وصلبانهم مرتفعة وهم ينادون حولها بارتقاء دينهم دون دينالإسلام ، ويرشون الخمر على الناس بأبواب المساجد ، فركب المسلمين من ذلك همّ عظيم ، فلما هرب التتر من دمشق أصبح الناس إلى دور النصارى ينهبونها ويخربون ما استطاعوا فيها وخربوا كنيسة اليعاقبة وأخربوا كنيسة مريم حتى بقيت كوما والحيطان حولها تعمل النار في أخشابها ، وقتل منهم جماعة واختفى الباقون وجرى عليهم أمر عظيم اشتفى به بعض الاشتفاء صدور المسلمين ، ثم هموا بنهب اليهود فنهب قليل منهم ثم كفوا عنهم لأنهم لم يصدر منهم ما صدر من النصارى اه.

اجتمعت العساكر الإسلامية بمصر هربا من التتر ، فلما انتظمت أحوالهم واستجمعوا قواهم عزم المظفر قطز مملوك المعز أيبك على الخروج إلى الشام لقتال التتر ، وسار معه صاحب حماة المنصور وأخوه الأفضل علي حتى التقى مع التتر في الغور ، وكان كتبغا نائب هولاكو على الشام ومعه صاحب الصبيبة الملك السعيد فانهزم التتر هزيمة قبيحة على عين الجالوت وقتل مقدمهم كتبغا واستؤسر ابنه وتفرقوا في الأرجاء ومنهم من قصد الشرق فأفناهم المسلمون ، وجرد قطز ركن الدين بيبرس في أثرهم فتبعهم إلى أطراف الأصقاع الشرقية ، وكان في صحبة التتر الملك الأشرف موسى صاحب حمص ففارقهم وطلب الأمان من المظفر قطز فأمنه ، وأقره على ما بيده وهو حمص ومضافاتها ، وأسرا صاحب الصبيبة وضربت عنقه ، وأقر المنصور على حماة وبارين والمعرة وأخذ منه سلمية وأعطاها أمير العرب ، ودخل دمشق فتضاعف شكر المسلمين على هذا النصر العظيم ، فإن القلوب كانت قد يئست من النصرة على التتر

١٠٨

لاستيلائهم على معظم ديار الإسلام ، ولأنهم ما قصدوا إقليما إلا فتحوه ، وما تواقعوا مع عسكر إلا هزموه. قال ابن أبي شامة : ومن العجائب أن التتر كسروا وأهلكوا بأبناء جنسهم من الترك وقيل في ذلك :

غلب التتار على البلاد فجاءهم

من مصر تركي يجود بنفسه

بالشام أهلكهم وبدد شملهم

ولكل شيء آفة من جنسه

وقد رتب المظفر قطز شمس الدين أقوش البرلي أميرا بالسواحل وغزة وجهز عسكرا إلى حلب لحفظها ، وفوض نيابة السلطنة بدمشق إلى الأمير علم الدين سنجر الحلبي ونيابة السلطنة بحلب إلى الملك السعيد بن بدر الدين لولو صاحب الموصل ولما استقر هذا في نيابة حلب سار سيرة رديئة وكان دأبه التحيل على أخذ مال الرعية.

مقتل المظفر قطز وسلطنة الظاهر بيبرس وأحداث :

سار الملك المظفر قطز إلى مصر بعد أن ظفر بالتتر ورد فلّهم إلى الشرق وكان اتفق بيبرس البندقداري وبعض أعيان الدولة على قتله ، فساروا معه وقتلوه في القصير وتسلطن بيبرس البندقداري وتلقب بالملك الظاهر ، ودخل مصر ففتحت له واستقرت قدمه في المملكة. ولما بلغ نائب السلطنة بدمشق علم الدين سنجر قتل قطز وسلطنة الظاهر جمع الناس وحلفهم لنفسه بالسلطنة ، فأجابوه إلى ما أرادهم عليه ، ولم يتأخر عنه أحد ولقب نفسه الملك المجاهد وخطب له بالسلطنة وضربت السكة باسمه وكاتب المنصور صاحب حماة في ذلك فلم يجبه وقال صاحب حماة : أنا مع من يملك الديار المصرية كائنا من كان. أما السعيد نائب السلطنة بحلب فحمله أمراؤها إلى الشغر وبكاس معتقلا لما اندفع العسكر الحلبي من بين أيدي التتر على البيرة ، وقدموا عليهم حسام الدين الجوكندار العزيزي. ثم سار التتر إلى حلب وملكوها وأخرجوا أهلها إلى قرنبيا شرقي حلب ، فأفنوا غالبهم بالسيف ، واستولوا على اعزاز وخربوا قلعتها ، واستولوا على حارم وقتلوا أهلها عن آخرهم وسبوا النساء ، وملكوا حلب وأعمالها نحو أربعة أشهر. وقارب التتر حماة فخرج منها صاحبها وباقي العسكر واجتمعوا بحمص مع سائر الأجناد فوقع بين التتر

١٠٩

وعساكر المسلمين مصاف في حمص ، وكان التتر أكثر من المسلمين فانهزم التتر وهاموا على وجوههم إلى أفامية ومنها إلى الشرق ، ومنهم من دخل في خدمة المسلمين. وجهز الملك الظاهر (٦٥٩) صاحب مصر عسكرا إلى الشام لقتال علم الدين سنجر المستولي على دمشق ، فخرج هذا لقتالهم فانهزم إلى جهة بعلبك فتبعه العسكر وقبضوا عليه وحمل إلى الديار المصرية فاعتقل ثم أطلق واستقرت دمشق في ملك الظاهر بيبرس ، وأقيمت له الخطبة بها وبحلب وحمص وغيرها ، ثم استقر أيدكين البندقداري الصالحي في دمشق لتدبير أمورها. وفي سنة (٦٦٠) وصل من مصر إلى دمشق عسكر مقدمه الأمير عز الدين الدمياطي وقبض على علاء الدين طيبرس الوزيري نائب السلطنة بدمشق وقبض حواصله ، وكان طيبرس قد أهلك أهل دمشق بإخراجهم من بلدهم والترسيم عليهم وإخراج عيالهم وإهانتهم ، وضيق على الناس وخوفهم من التتر.

ولما بلغ هولاكو وهو في بلاد العجم كسرة عسكره بعين جالوت وقتل نائبه كتبغا ثم كسرة عسكره على حمص ثانيا غضب من ذلك وأحضر الناصر ابن أيوب وأخاه الظاهر غازي وكانا في أسره وقال للناصر : أنت قلت إن عسكر الشام في طاعتك فغدرت بي وقتلت المغول فقال الناصر : لو كنت في الشام ما ضرب أحد في وجه عسكرك بالسيف ومن يكون ببلاد توريز كيف يحكم على بلاد الشام؟ فضربه هولاكو. فقال الناصر : يا خوند (١) الصنيعة ، فنهاه أخوه الظاهر وقال : قد حضرت ثم رماه فقتله. ثم أمر بضرب رقاب الباقين فقتلوا الظاهر أخا الناصر والصالح ابن صاحب حمص والجماعة الذين كانوا معهم واستبقوا العزيز بن الناصر لأنه كان صغيرا. وكان الملك الناصر يوسف هو آخر من ملك دمشق من بني أيوب. قبض عليه لما دخل دمشق جيش هولاكو فجهز وولده وأخوه ومعهم جماعة من أعيان أهل دمشق إلى مخيّم هولاكو فأمر بقتلهم.

والملك الناصر هو صاحب حلب تملك حرّان والرّها والرقة ورأس عين

__________________

(١) الخوند : السيد ، معرب خداوند.

١١٠

وحمص ودمشق وبعلبك والأغوار والسواحل إلى غزة ، وعظم شأنه وكسر عساكر مصر وخطب له بمصر وكان قد غلب على الديار المصرية لو لا هزيمته وقتل مدبره شمس الدين لولو الأرمني ومخامرة مماليك أبيه العزيزية. وكان الناصر حليما وتجاوز به الحلم إلى حد أضرّ بالمملكة فكان إذا حضر إليه القاتل عفا عنه وقال : الحيّ أفضل من الميت. فانتشرت اللصوصية وأصبح المسافر في أيامه من دمشق إلى حماة وغيرها لا يقدر على السفر إلا برفقة من العسكر ، وكثر طمع العرب والتركمان في أيامه.

وبقتل الناصر والظاهر قلّ الرجال الذين يصلحون للملك من آل أيوب وضعفت عصبيتهم وأنصارهم من الأكراد وغيرهم ، وكان انقراضهم بيد المماليك البحرية الذين غذوا بنعمتهم فلم يعرفوا لهم بيض أياديهم وبيد السفاك هولاكو وجماعة من التتر. وكان شأن بني أيوب في هذا المعنى شأن بني عباس مع الأتراك أدخلوهم في خدمتهم وأحسنوا إليهم ورفعوا منزلتهم وولوهم الأعمال ، فما كان منهم إلا أن نقضوا بنيان تلك الدولة وفتحوا السبيل لعدوها يستبيح حماها ويستصفي أرضها.

ولم يشبع المغول بما سفكوا من الدماء ، وعادوا سنة (٦٥٩) إلى حلب فانهزم جميع أهل القرى والمدن فتقدم قائدهم أن يخرج أهل القرى والمدن إلى ظاهر البلد ويبقى أهل كل مدينة وقرية بمعزل بحيث يعدّونهم ويسيّرون كل قوم إلى مكانهم وموطنهم ، ويسلمهم المغول كأنهم يسيرون إلى ضياعهم وعند ما يبعدون يقولون لهم : أنتم لو كانت قلوبكم معنا صافية لما انهزمتم من قدامنا فقتلوهم عن آخرهم ولم يفلت منهم غير أهل حلب لأنهم لم ينتقلوا عنها.

حروب الظاهر وفتوحه :

وكان الملك الظاهر صاحب مصر والشام بين عاملين في خلال هذه المدة. عامل دفع المغول وعامل دفع الصليبيين ، والغالب أنه ترجح عنده معاناة الثاني فأفلح فيه. وقد جهز سنة (٦٥٩) من مصر بدر الدين الأيدمري فتسلم الشوبك من المغيث صاحب الكرك ثم سير حملة إلى حلب (٦٦٠) وكان مقدمهم

١١١

شمس الدين سنقر الرومي فأمنت بلاد حلب وعادت إلى الصلاح بعد إفساد المغول فيها ، ثم أوعز إلى صاحب حماة وصاحب حمص وسنقر الرومي أن يسيروا إلى أنطاكية للإغارة عليها ، فساروا إليها ونهبوها ولم يتيسر لهم فتحها. وقبض الظاهر على نائبه بدمشق علاء الدين طيبرس الوزيري وكان رديء السيرة في أهل دمشق حتى نزح عنها جماعة كثيرة من ظلمه، وقتل الظاهر صاحب الكرك المغيث بتهمة أنه كتب إلى التتر يطمعهم في ملك مصر والشام وقيل : لأنه أكره امرأة الملك الظاهر لما قبض المغيث على البحرية وأرسلهم الى الناصر يوسف صاحب دمشق ، وهرب الظاهر وبقيت امرأته في الكرك ، فانتقم الظاهر منه بأن أسلمه إلى زوجته في قلعة الجبل بمصر وأمرت جواريها فقتلته بالقباقيب.

وفي سنة (٦٦١) أرسل الظاهر وهو نازل على الطور عسكرا هدموا كنيسة الناصرة وأغاروا على عكا فغنموا وعادوا ، ثم ركب الظاهر بنفسه وأغار ثانية على عكا وهدم برجا كان خارج البلد. وأغار صاحب سيس على العمق والمعرة وسرمين والفوعة. ومات هذه السنة الملك الأشرف صاحب حمص وكان آخر من ملكها من بيت شيركوه فانقرض بموته ملكهم ، وأولهم شيركوه بن شاذي. وكانت بقيت في أيدي الإسماعيلية إلى آخر سنة (٦٦٢) ثمان قلاع بالشام وهي الكهف والعليقة والقدموس والخوابي والمينقة ومصياف والرصافة والقليعة. وروى ابن ميسر أن التتر لما ملكوا الشام سلموا إليهم أربع قلاع ، فلما كسرهم قطز عادت الأربع قلاع إليهم فتسلمها رئيسهم وقتل أصحابه الذين سلموها للتتر قال : وكان الضرر على المسلمين وملوكهم منذ خرج ابن صباح وإلى سنة بضع وعشرين وستمائة عظيما. وقد استخدمهم الظاهر في قتل صاحب مرقبة والأمير ادوارد من أمراء انكلترا.

وفي سنة (٦٦٣) سار الملك الظاهر من مصر ونازل قيسارية وضايقها وفتحها من الفرنج وأمر بها فهدمت ، ثم سار إلى أرسوف ونازلها وفتحها وفتح القليعات (٦٦٤) وحلبا وعرقة ونزل على صفد وضايقها وفتحها ثم قتل أهلها عن آخرهم. وجهز عسكرا ضخما من دمشق وقدم عليهم المنصور صاحب حماة وأمرهم بالمسير إلى عمالة الأرمن فانهزموا وأسر ابنان لصاحبهم وامتلأت

١١٢

أيدي العسكر الإسلامي من الغنائم. وعند ما توجه الملك الظاهر من دمشق لملتقى عساكره العائدة من غزوة سيس أصدر أمره لما نزل على قارا بين دمشق وحمص بنهب أهلها وقتل كبارهم فنهبوا وقتل منهم جماعة ، وكانوا نصارى يسرقون المسلمين ويبيعونهم خفية من الفرنج. وأخذت صبيانهم مماليك فتربوا بين الترك في الديار المصرية فصار منهم أجناد وأمراء. وشنّ الظاهر الغارة على الفرنج (٦٦٥) من أطرافهم واستدعى بالمجانيق من دمشق. وفي سنة (٦٦٦) توجه الملك الظاهر بعساكره المتوافرة من مصر إلى الشام ففتح يافا من الفرنج وهدمها وقلعتها وملك الباشورة بالسيف وعوض أهل القلعة أربعين ألف درهم ، ثم قصد قلعة الشقيف شقيف تيرون فنزل تحتها في وادي العواميد وحاصرها فلم يقدر على أخذها ، ثم صعد إلى أعلاها وكشف ماءها وبعد هزيع من الليل ذبح في قناتها عدة من الغنم والبقر وقطع كروشها ورماها فيها ، فلما أصبحوا وجدوا ماءهم منتنا وهو دم عبيط فسلموها بعد حصار عشرة أيام ، ووجد بها أربعمائة وثمانين رجلا فأرسلهم إلى الفرنج في صور ، ورتب عليها قوما من جماعته وبنى برجا على باب القلعة.

ثم أغار الظاهر على طرابلس فقطع أشجارها وغور أنهارها وضرب أربعا وعشرين من قراها ، فانهالت عليه المردة من الجبال فذهب إلى حصن الأكراد ، ومن هناك زحف على أنطاكية فنازلها بغتة ، وبعد حصار أربعة أيام ملكها بالسيف فقتل أهلها وأحرق كنائسها وغنم منها أموالا كثيرة ، وأحصي من قتل بأنطاكية هذه المرة فكانوا نيفا وأربعين ألفا ، ثم أطلق من كان بها من الأسرى ، وفي رواية أنه قتل من حماتها بين ١٦ و ١٧ ألف صليبي وأخذ مئة ألف أسير وأحرقها وقلعتها ، ونال من غنائمها ما لا يدخل تحت حصر ، وخرج جماعة من أهلها يطلبون الأمان وشرطوا شروطا لم يجب الظاهر إليها وزحف عليها فملكها. وكانت أنطاكية للبرنس بيمند بن بيمند وله معها طرابلس ، ولما فتحت أنطاكية هرب أهل بغراس منها وتركوا الحصن خاليا فأرسل الظاهر واستولى عليه.

ووقع الصلح بين الظاهر وهيتوم صاحب سيس الأرمني على أنه إذا أحضر

١١٣

صاحب سيس سنقر الأشقر من التتر ، وكانوا أخذوه من قلعة حلب لما ملكها هولاكو ، وسلم مع ذلك بهسنى ودربساك ومرزبان ورعبان وشيح الحديد يطلق له ابنه ليفون الذي كان في أسر الملك الظاهر ، فسلمه صاحب سيس البلاد خلا بهسنى ودخل صاحب سيس على أبغا ملك التتر وطلب منه سنقر الأشقر فأعطاه إياه ، وتسلم الظاهر بلاطنوس من عز الدين عثمان صاحب صهيون ، وأغار (٦٦٨) على عكا وتسلم حصن مصياف من الإسماعيلية وفتح من حصونهم الكهف والقدموس والمنيقة والعليقة وأمّر عليهم حسن بن المشغراني ، وفرض عليه أن يرفع إليه في كل عام مئة ألف درهم. ونازل السلطان (٦٦٩) حصن الأكراد فملكه بالأمان وملك حصن عكار بعد حصاره له بالأمان ، فتذلل له صاحب طرابلس وبذل له ما أراد وهادنه عشر سنين وتسلم حصن القرين بالأمان وهدمه. وأغارت التتر على عينتاب وعلى الرّوج وقسطون إلى قرب أفامية ثم عادوا. فاستدعى الظاهر عسكرا من مصر وتوجه بهم إلى حلب ونازل التتر على البيرة وأراد عبور الفرات إلى بر البيرة ونصبوا عليها المجانيق وضايقوها فقاتله التتر على المخاضة فاقتحم الفرات وهزم التتر فرحلوا عن البيرة. وشنّ الغارة (٦٦٩) بفرقة من العسكر ومعه ولده الملك السعيد بفرقة أخرى على جبلة واللاذقية والمرقب وعرقة والقليعات وحلبا وصافيتا والمجدل وأنطرطوس. وفي سنة (٦٧٣) توجه السلطان إلى ديار الأرمن ودخلها بعساكره المتوافرة وغنموا ثم عادوا إلى دمشق. وعاد التتر (٦٧٤) ونازلوا البيرة فتوجه الظاهر إليهم وبلغه رحيلهم وهو بالقطيفة فأتم السير إلى حلب وعاد التتر (٦٧٥) فزحفوا على الشام وخرج إليهم الظاهر وقاتلهم فكسرهم وقتل منهم خلائق وتبعهم إلى نحو الابلستين فكانت بينهما هناك وقعة قيل إنه قتل فيها من الفريقين نحو مئة ألف إنسان. ثم سار إلى قيسارية واستولى عليها ووصل إلى عمق حارم فدمشق.

وفاة الملك الظاهر وسلطنة ابنه الملك السعيد ثم سلطنة المنصور قلاوون :

توفي الملك الظاهر (٦٧٦) بعد أن بطش البطشة الكبرى بالصليبيين في الشام ، ودفع عادية المغول عنه ما أمكن ، وغزا الأرمن الذين أصبحوا يبدون

١١٤

لدولته نواجذ الشر ، فخرب ديارهم وأباد خضراءهم وغضراءهم. وكان ملكا جليلا شجاعا عاقلا مهيبا وصل إلى الملك بقتل آخر ملوك بني أيوب ، وما زال يتدرج في مراتب القوة حتى ملك الديار المصرية والشامية وفتح الفتوح الجليلة. أصله مملوك قبجاقي الجنس وقيل برجعلي وكان ذا همة شماء يتنقل في ممالكه فلا يكاد يشعر به عسكره إلا وهو بينهم ، ولو لا أنه جد في قتال الصليبيين لما كفّر عما أتاه من قتل ابن أيوب ، وبنو أيوب أحبهم الناس على علاتهم لغناء أكثرهم في خدمة الملة والدولة.

ترجم سوبرنهايم في المعلمة الإسلامية للظاهر بيبرس بقوله : إنه كان السبب بتوسيد ملك الشام إلى قطز لما أبلى البلاء الحسن في وقعة عين جالوت فأقطع قطز الأمراء من بني أيوب الإقطاعات التي كانت لهم قبل غارات المغول ، ولكن بيبرس الذي كان يرجو أن توسد إليه حلب مكافأة على شجاعته لم ينل شيئا فعزم على الانتقام لنفسه من هذا الظلم ، فقتل السلطان في الصيد ونادى به زعماء الجند وغيرهم سلطانا ، وكانت المملكة المصرية والشامية محاطة من كل جانب بالأعداء : في الشمال ملك أرمينية المسيحي ، وفي الغرب الصليبيون ينزلون على جميع شاطئ الشام ، وفي الداخل الحشيشية «(الإسماعيلية) الأشداء ، ومن الشرق المغول الطامعون في الغنائم والانتقام ، وفي جنوبي مصر أهل النوبة المجاربون ، وفي الغرب البربر الصعب قيادهم ، وكان يخشى أن ينجم له ناجم في الداخل من بني أيوب ويسمو إلى السلطنة ، فيجد على دعوته أنصارا على أيسر وجه ، فرأى أن يبايع لأحد ذرية بني العباس بالخلافة بعد أن قرضها المغول من بغداد ، فتوفق إلى ذلك وبايع له في مصر ، لأن من مصلحته أن يظهر أمام العالم الإسلامي بأنه حامي الخلافة ، وبذلك أصبح له نفوذ على حكومات مكة والمدينة ، وعرف كيف يداري معظم أمراء الفرنج الشرقيين.

هادن الظاهر الاسبتار بحصن الأكراد والمرقب سنة خمس وستين وستمائة لمدة عشر سنين متوالية وعشرة أشهر وعشرة أيام وعشر ساعات على أن يكون النصف من غلات قرى جميع المملكة الحمصية والشيزرية والحموية وبلاد الدعوة للملك الظاهر ، والنصف لبيت الاسبتار. واستقرت الهدنة بين الملك الظاهر بيبرس أيضا وبين ملكة بيروت في سنة سبع وستين وستمائة

١١٥

حين كانت بيدها لمدة عشر سنين متوالية على أن يكون جميع المترددين من بلاد الملكة إلى بلاد الظاهر وبالعكس آمنين مطمئنين على نفوسهم وأموالهم وبضائعهم برا وبحرا ليلا ونهارا ، وعلى أن الملكة لا تمكن أحدا من الفرنج على اختلافهم من قصد مملكة السلطان من جهة بيروت وما إليها ، وتمنع من ذلك وتدفع كل متطرق بسوء وتكون الأقاليم من الجهتين محفوظة من المتجرمين المفسدين. وعقدت هدنة بين الظاهر وولده الملك السعيد وبين الفرنج الاسبتارية على قلعة لدّ في سنة تسع وستين وستمائة على أن تكون قلعة لدّ والجهات المذكورة إلى آخر الزائد للملك الظاهر ولا يكون لبيت الاسبتار ولا لأحد من الفرنجة فيها تعلق ولا طلب بوجه ولا سبب.

وعقد محالفات مع الملك ما نفريد دي هوهانستوفن ، ثم عقد محالفة مع شارل دانجو وجاك داراغون والفونس دي كاستيل ، وعقد معاهدة مع ميشل باليولوغ الرومي الذي طرد الصليبيين ، وكانت له صلات حسنة مع ملوك السلاجقة في آسيا الصغرى ومع صاحب اليمن. ثم إن الظاهر رأى في الصليبيين أشد الأعداء خطرا على المملكة واستفاد من تفرق كلمتهم وكان المدد الذي يأتيهم من أوروبا قد ضعف ، وكان في موت شارل التاسع إنقاذ بيبرس من أعظم خصومه من الفرنج ، وهكذا فإن الظاهر ظلّ ظافرا بجميع أعدائه ، ولم يتوقف عن شيء لبلوغ غايته ، وكثيرا ما كان يعد وعودا كاذبة ويكتب كتبا مزورة ليحمل فيها قواد الحصون على الاستسلام له ، وكان نجاحه مناط قريحته في التنظيم وسرعته وشجاعته المتناهية ، وكان البريد يدور ويروح في المملكة بسرعة حتى ليصل الخبر من مصر للشام في ثلاثة أيام وكان أسعد سلطانا من سلاطين المماليك وأقدرهم. وروى شمس الدين سامي أن السلطنة الإسلامية صارت ذات بهاء في أيامه وأنه مات مسموما بدمشق.

كان الظاهر قد حلف العسكر لولده بركة بن بيبرس ولقبه الملك السعيد وجعله ولي عهده إلا أنه خبط وخلط وأراد تقديم الأصاغر على الأمراء الأكابر ففسدت نيات الكبار عليه وقرروا خلعه من السلطنة ، بعد أن دخل سيس (٦٧٧) وشن الغارة عليها وغنم ، فحصره العسكر في قلعة الجبل بالقاهرة فخلع نفسه على أن يعطى الكرك فأجابوه إلى ذلك فلحق بها وهلك بعد قليل.

١١٦

واتفق الأمراء لما خلع الملك السعيد نفسه على إقامة بدر الدين سلامش ابن الظاهر بيبرس في المملكة ، ولقبوه العادل ، وعمره إذ ذاك سبع سنين وشهور ، ثم خلعوه وأجلسوا على تخت السلطنة الملك المنصور قلاوون الصالحي. ولما اضطرب أمر المملكة استأثر بالشام سنقر الأشقر الذي كان الظاهر اشترط على صاحب سيس أن يتوسط لدى ملك التتر لإطلاقه من الأسر ففعل ، ونسي سنقر هذه اليد للظاهر ، وجلس على سرير السلطنة بدمشق وحلف له الأمراء والعسكر وتلقب بالملك الكامل شمس الدين سنقر ، فجهز المنصور قلاوون عساكر الديار المصرية مع علم الدين سنجر ، فبرز سنقر بعساكر الشام إلى ظاهر دمشق ، والتقى الفريقان فولى الشاميون وسنقر منهزمين ، فجعل الأمير لاجين المنصوري نائب السلطنة بالشام ، وهرب سنقر الأشقر إلى الرحبة وكاتب أبغا بن هولاكو ملك التتر وأطمعه في هذه الديار ، وكان عيسى بن مهنا ملك العرب في الشام مع سنقر الأشقر وقاتل معه وكتب بذلك إلى أبغا أيضا ، موافقة له ، ثم سار سنقر الأشقر من الرحبة إلى صهيون واستولى عليها وعلى برزيه وبلاطنس والشغر وبكاس وعكار وشيرز وأفامية وصارت هذه القلاع له.

وأحرق (٦٧٧) عسكر الشام عمالة الغرب وجبيل وبيروت وذلك أن قطب الدين السعد بعد أن استقطع قرية كفر عمية من أمراء الغرب آل تنوخ وجد فيها ذات يوم مقتولا فاتهم بقتله نجم الدين بن جحى وكان أبوه وذو قرابته معتقلين في مصر فتوجهت اليه العساكر والعشران من ولاية بعلبك والبقاع وصيدا وبيروت وأحرقت قراه ، وتفرق التنوخيون أيدي سبا إلى أن أمنهم الملك فرجعوا إلى مساقط رؤوسهم.

وجاء التتر إلى حلب (٦٧٩) فعاثوا وقتلوا من كان بظاهرها وملكوا ضياعها ونهبوا وسبوا وأحرقوا الجامع والمدارس المعتبرة ودور السلطنة والأمراء وأقاموا بها يومين وعادوا من حيث أتوا ، فهب الملك المنصور قلاوون إلى غزة لدفعهم فرحلوا قبل أن يوافيهم ، قال ابن أبي الحديد : وكانت للتتر نهضات وسرايا كثيرة إلى الشام ، قتلوا ونهبوا وسبوا فيها حتى انتهت خيولهم إلى حلب ، فأوقعوا بها وصانعهم عنها أهلها وسلطانها ، ثم عمدوا إلى بلاد كي خسرو صاحب الروم فجمع لهم هذا قضه وقضيضه وجيشه ولفيفه ،

١١٧

واستكثر من الأكراد العتمرية من عساكر الشام وجند حلب فيقال إنه اجتمع مائة ألف فارس وراجل فلقيه التتر في عشرين ألفا ، فجرت بينه وبينهم حروب شديدة قتلوا فيها مقدمته ، وكانت المقدمة كلها أو أكثرها من رجال حلب وهم أنجاد أبطال فقتلوا عن آخرهم وانكسر العسكر الرومي ، وهرب صاحب الروم حتى انتهى إلى قلعة له على البحر تعرف بأنطاكية فاعتصم بها ، وتمزقت جموعه وقتل منهم عدد لا يحصى.

واستأذن نائب السلطنة بحصن الأكراد في الإغارة على المرقب لما اعتمد أهله من الفساد عند وصول التتر إلى حلب فأذن له السلطان في ذلك ، فجمع عساكر الحصون فاتفق هروب المسلمين ونزول الفرنج من المرقب فقتلوا من المسلمين جماعة. وترددت الرسل بين السلطان وسنقر الأشقر ، واحتاج السلطان لمصالحته لقوة التتر وتفاديا من الاشتغال بالعدو الداخلي والعدو الخارجي ، ووقع بينهما الصلح على أن يسلم سنقر قلعة شيزر إلى السلطان ويتسلم سنقر الشغر وبكاس ، وكانتا قد ارتجعتا منه وحلفا على ذلك واستقر الصلح بينهما ، كما استقر الصلح بين المنصور قلاوون وبين خضر بن الظاهر بيبرس صاحب الكرك.

وبعد أن استقر الصلح بين الأميرين المتوثبين على السلطنة كان المصاف العظيم (٦٨٠) بين المسلمين وبين التتر بظاهر حمص ، فجمع قلاوون العساكر من مصر والشام ومن جملتهم عسكر سنقر الأشقر ، وجاء الأمراء كلهم في جيوشهم ، وكان التتر في ثمانين ألف فارس وفي رواية مائة ألف منهم خمسون ألفا من المغول والباقي حشود وجموع من أجناس مختلفة مثل الكرج والأرمن والعجم وغيرهم ، والمسلمون في خمسين ألفا فانهزم التتر وتبعهم المسلمون يقتلون ويأسرون. وعقد قلاوون هدنة مع المقدم افرتر كليام ديباجون مقدم بيت الداوية بعكا والساحل وبين جميع الإخوة الداوية بأنطرطوس لمدة عشر سنين ، لا ينال بلاده ولا بلاد ولده ولا حصونهما ولا قلاعهما ولا ضياعهما ولا عساكرهما ولا عربهما ولا تركمانهما ولا أكرادهما ولا رعاياهما على اختلاف الأجناس ضرّ ولا سوء ولا غارة ولا تعرض ولا أذية.

وسارت العساكر الإسلامية إلى فتح جبهة بشري (٦٨١) وحاصروا إهدن

١١٨

حصارا شديدا وبعد أربعين يوما ملكوها فنهبوا وقتلوا وسبوا وهدموا القلعة التي في وسط القرية والحصن الذي على رأس الجبل ، وفتحوا بقوفا وقضوا على أكابرها وهدموها وضربوا حصرون وكفر حارون وخربوا حدث البشري وبنوا برجا قبالة المغارة ووضعوا فيه عسكرا يكمنون للعصاة وهدموا جميع الأماكن العاصية وملكوا قلعة حوفا بتسليط الماء عليها من فوقها فملكوها بقوة الماء لأنها داخلة الشير. وتوجهت العساكر أيضا إلى أرض الأرمن فخربت فيها وسبت عقوبة لهم عمّا أتوه من معاونة المغول على المسلمين.

وقصد المغول دمشق في سنة (٦٨٣) ثم ذهبوا إلى وادي التيم فأحرقوها وسبوا أهلها وقتلوا منهم سبعمائة نفس وملكوها وفتح السلطان حصن المرقب (٦٨٤) بعد أن نقب جنده حصنها بسرعة ، وكان هذا الحصن للاسبتار فنزل أهله بالأمان. في هذه السنة عقد الملك المنصور وولي عهده الملك الصالح وولده الأشرف صلاح الدين هدنة مع دام مرغريت بنت سير هنري ابن الابرنسي مالكة صور جاء في كتابها وليس للفرنج أن يجددوا في غير عكا ، وعثليث وصيدا مما هو خارج عن الأسوار في هذه الجهات الثلاث سورا لا قلعة ولا برجا ولا حصنا قديما ولا مستجدا ، وعلى أن شواني مولانا السلطان وشواني ولده إذا عمرت وخرجت لا تتعرض بأذية إلى البلاد الساحلية التي انعقدت الهدنة عليها ، وإذا قصدت الشواني المذكورة جهة غير هذه الجهات وكان صاحب تلك الجهة معاهدا للحكام بمملكة عكا فلا تدخل إلى البلاد التي انعقدت عليها الهدنة ولا تتزود منها ، وإن لم يكن صاحب تلك الجهة التي تقصدها الشواني معاهدا للحكام بمملكة عكا فلها أن تدخل إلى بلادها وتتزود منها ، وإن انكسر شيء من هذه الشواني والعياذ بالله في مينا من المواني التي انعقدت الهدنة عليها وسواحلها فإن كانت قاصدة إلى من له مع مملكة عكا أو مع من له عهد فيلزم كفيل المملكة بعكا ومقدمي البيوت بحفظها وتمكين رجالها من الزوادة وإصلاح ما انكسر منها والعود إلى بلاد إسلامية ويبطل حركة ما انكسر منها إو يرميه في البحر ، فإن لم يكن للذي تقصده الشواني معهم عهد وانكسرت فلها أن تتزود وتعمر رجالها من البلاد المنعقدة عليها الهدنة وتتوجه إلى الجهة المرسوم بقصدها ويعتمد هذا الفصل من الجهتين. وفتح

١١٩

حصن الكرك (٦٨٥) بالأمان وجهز عسكرا كثيفا من العساكر المصرية والشامية إلى قلعة صهيون فتسلمها من سنقر الأشقر بالأمان. ثم سار جيش السلطان إلى اللاذقية ، وكان بها برج للفرنج يحيط به البحر من جميع جهاته ، فركب طريقا إليها في البحر بالحجارة وحاصروا البرج وتسلموه بالأمان وهدموه وفتح طرابلس (٦٨٨) ، وكان البحر يحيط بغالب أطراف هذه المدينة ولا تقاتل إلا من جهة الشرق ، ولما نازلها نصب عدة منجنيقات كبيرة وصغيرة وألح عليها بالحصار ففتحها بالسيف ، ودخلها العسكر عنوة بعد حصار ٣٣ يوما ، فهرب أهلها إلى المينا وركبوا في المراكب وقتل غالب رجالها وسبيت ذراريهم ، وغنم منهم المسلمون غنيمة عظيمة ، وأمر السلطان فهدمت طرابلس ودكت إلى الأرض. وكان في البحر قريبا من طرابلس جزيرة وفيها كنيسة تسمى كنيسة سنطماس وبينها وبين طرابلس المينا ، فلما أخذت طرابلس هرب إلى الجزيرة المذكورة وإلى الكنيسة التي فيها عالم عظيم من الفرنج والنساء ، فاقتحم العسكر الإسلامي البحر وعبروا بخيولهم سباحة إلى الجزيرة ، فقتلوا جميع من فيها من الرجال وغنموا من بها من النساء والصغار ـ نقلت معظم هذا من تاريخ أبي الفداء ، ويقول ميشو : إن المسلمين لما استعادوا طرابلس أهلكوا ساكنيها من الصليبيين إلا قليلا وأمر السلطان بإحراق المدينة وهدمها وكان فيها مصادر الثروة والرخاء وكل ما يزهر به السلام ويستخدم في الدفاع زمن الحرب فخرب كل ذلك تحت الفأس والمطرقة قال : لما أنزل الصليبيون عسكرهم على سواحل الشام سنة (١٣٦٦ م) واستولوا على طرابلس أوقدوا النار فيها وكان حظ طرطوس واللاذقية وعدة مدن فينيقية مثل ذلك.

ولما فتحت طرابلس كتب محيي الدين بن عبد الظاهر كتابا يصف هذا الفتح قال فيه: إن الحصار استمر من مستهل ربيع الأول إلى يوم الثلاثاء رابع عشر ربيع الآخر فزحف عليها في بكرة ذلك النهار زحفا يقتحم كل هضبة ووهدة ، وكل صلبة وصلدة ، وطلعت سناجق الإسلام الصفر على أسوارها. وكان أخذها من مائة سنة وثمانين سنة في يوم الثلاثاء واستردت في يوم الثلاثاء (وفي رسالة أخرى أنها قامت بيد الإفرنج مئة سنة وستا وثمانين سنة)

١٢٠