تاريخ مدينة دمشق - ج ٢٦

أبي القاسم علي بن الحسن ابن هبة الله بن عبد الله الشافعي [ ابن عساكر ]

تاريخ مدينة دمشق - ج ٢٦

المؤلف:

أبي القاسم علي بن الحسن ابن هبة الله بن عبد الله الشافعي [ ابن عساكر ]


المحقق: علي شيري
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٠
ISBN: 9960-809-26-9
الصفحات: ٤٦٨
الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٢ الجزء ٣٣ الجزء ٣٤ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١ الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠

ح وأخبرنا أبو القاسم بن السّمرقندي ، أنا أبو الفضل بن البقّال ، أنا أبو الحسين بن بشران ، أنا عثمان بن أحمد بن حنبل بن إسحاق ، حدّثني أبو عبد الله قال : قال أبو نعيم.

ح وأنبأنا أبو سعد المطرّز ، وأبو علي الحداد ، وأبو القاسم غانم بن محمّد بن عبيد الله ثم.

أخبرنا أبو المعالي عبد الله بن أحمد بن محمّد ، أنا أبو علي ، قالوا : أنا أبو نعيم الحافظ ، نا أبو بكر أحمد بن جعفر بن مالك ، نا عبد الله بن أحمد بن حنبل ، حدثني أبي ، حدّثني أبو نعيم.

ح وأخبرنا أبو سعد إسماعيل بن أحمد بن عبد الملك ، وأبو الحسن مكي بن أبي طالب ، قالا : أنا أحمد بن علي بن خلف ، أنا أبو عبد الله الحافظ ، أنا أبو عبد الله (١) الصّفار ، أنا أبو إسماعيل السّلمي ، قال : سمعت أبا نعيم يقول : مات أبو بردة سنة أربع ومائة.

أخبرنا أبو المظفّر بن القشيري ، أنا أبو بكر البيهقي ، أنا علي بن محمّد بن عبد الله ، أنا عثمان بن أحمد ، نا حنبل بن إسحاق ، حدّثني أبو عبد الله فيما بلغه قال : مات أبو بردة سنة أربع ومائة.

أخبرنا أبو القاسم بن السّمرقندي ، أنا نصر بن أحمد بن نصر ، أنا محمّد بن أحمد الجواليقي.

ح وأخبرنا أبو البركات الأنماطي ، أنا أبو الحسين بن الطّيّوري ، وأبو طاهر بن سوار ، قالا : أنا الحسين بن علي ، أنا أبو عبد الله الأنصاري ، أنا أبو جعفر الشيباني ، نا هارون بن حاتم ، نا الفضل بن دكين ، قال : مات طلحة بن مصرّف سنة ست ومائة ، ومات أبو بردة قبل طلحة بأيام.

قال : ونا محمّد بن عبيد الطّنافسي ، قال : مات الشّعبي وأبو بردة في سنة واحدة ، سنة أربع ومائة ، وقال آخرون : سنة سبع ومائة.

__________________

(١) قوله : «الحافظ ، أنا أبو عبد الله» استدرك على هامش م.

٦١

٣٠٥٤ ـ عامر بن عبد الأسود العجلي الكوفي

وفد على معاوية في وجوه أهل الكوفة حين أراد أن يأخذ لابنه يزيد البيعة بالعهد [تقدم](١) ذكر وفوده في ترجمة سويد بن منجوف.

٣٠٥٥ ـ عامر بن عمارة بن خريم الناعم بن عمرو

ابن الحارث بن خارجة بن سنان بن أبي حارثة

ابن مرّة بن نشبة (٢) بن غيظ بن مرّة

ابن عوف بن سعد بن ذبيان بن بغيض

ابن ريث بن غطفان بن سعد بن قيس عيلان

أبو الهيذام المرّي والد أبي عامر (٣) موسى بن عامر (٤)

أحد فرسان العرب المذكورين وشجعانهم المشهورين ، وهو زعيم قيس في الفتنة التي وقعت بينهم وبين اليمن بدمشق في أيام الرشيد حتى تفاقم الأمر واستحكم الشرّ ، وله أشعار في تلك الوقائع مشهورة ، وأخبار في الحروب مذكورة.

أخبرنا أبو الحسين محمّد بن كامل قال : كتب إليّ أبو جعفر بن المسلمة يذكر أن أبا عبيد الله محمّد بن عمران المرزباني أجاز لهم قال.

أبو الهيذام : عامر بن عمارة بن خريم المرّي شامي نزل سجستان ، وأخوه عثمان (٥) بن عمارة صاحب أبي يعقوب الحرسي (٦) الشاعر ، وقتل عامل الرشيد سجستان أخا لأبي الهيذام ، فخرج أبو الهيذام بالشام وجمع جمعا عظيما وقال يرثي أخاه (٧) :

__________________

(١) الزيادة عن م.

(٢) غير مقروءة بالأصل ، والمثبت عن جمهرة ابن حزم ص ٢٥٢.

(٣) «عامر» سقطت من م.

(٤) أخباره في تاريخ اليعقوبي وتاريخ الطبري والكامل لابن الأثير والنجوم الزاهرة (انظر الفهارس العامة في هذه المصادر) وجمهرة ابن حزم.

(٥) بالأصل وم : عثمان.

(٦) كذا رسمها بالأصل ، وفي م : «الجرمي» وكلاهما تحريف ، وفي المطبوعة : «الخريمي» وهو الصواب انظر ما لاحظه محققها بالحاشية (١).

(٧) الأبيات في الكامل لابن الأثير بتحقيقنا ٤ / ٣٤ ـ ٣٥ وصحح ابن الأثير أنها له.

٦٢

سأبكيك بالبيض الرّقاق وبالقنا

فإنّ بها ما يدرك الطالب الوترا

ولسنا كمن يبكي (١) أخاه بعبرة

يعصرها من ماء مقلته عصرا

وإنا (٢) أناس ما تفيض دموعنا

على هالك منا وإن قصم الظّهرا

ولكنني أشفي الفؤاد بغارة

ألهّب في قطري كتائبها جمرا (٣)

وغلظ أمره واشتدت شوكته ، وأعيت الرشيد الحيل فيه ، فاحتال عليه بأخ له كتب إليه فأرغبه ، فشدّ على أبي الهيذام فقيّده وحمله إلى الرشيد بالرقّة ، فلما دخل عليه أنشده أبياتا منها :

فأحسن أمير المؤمنين فإنّه

أبى الله إلّا أن يكون لك الفضل

فمنّ عليه الرشيد فأطلقه.

وقد ذكرت الأبيات الرائية لغير أبي الهيذام لصادر بن كامل بن برز يرثي بها أخاه ثور (٤) بن كامل بن بدر العبسي (٥) ، وقيل في فتنة أبي الهيذام ، والصحيح أنها لأبي الهيذام.

أنبأنا أبو علي محمّد بن محمّد بن عبد العزيز.

وأخبرنا أبو الحجّاج يوسف بن مكي بن يوسف عنه ، أنا أبو الحسن أحمد بن محمّد العتيقي ، أنا أبو بكر أحمد بن إبراهيم بن شاذان ، نا أبو بكر محمّد بن مزيد بن أبي الأزهر ، أنشدنا الزّبير بن بكّار لأبي الهيذام المرّي في أخيه :

سأبكيك بالبيض الرّقاق وبالقنا

فإنّ بها ما يطلب الماجد الوترا

ولست كمن يبكي أخاه بعبرة

يعصّرها من جفن مقلته عصرا

وإنّا أناس ما تفيض دموعنا

على هالك منا وإن قرصم (٦) الظهرا

قرأت بخطّ أبي الحسين الرازي ، أخبرني أبو العبّاس محمود بن محمّد بن

__________________

(١) في المطبوعة وابن الأثير : ينعي.

(٢) فوق لفظتي «جمرا» و «إنا» علامتا تقديم وتأخير.

(٣) فوق لفظتي «جمرا» و «إنا» علامتا تقديم وتأخير.

(٤) كذا في م ، واللفظة مهملة بالأصل ، وفي المطبوعة : برز.

(٥) كذا بالأصل وم ، وفي المطبوعة : العنسي.

(٦) كذا ، وفي م «قصم».

٦٣

الفضل ، أنا (١) حبش بن موسى ، نا علي بن محمّد بن أبي سيف المدائني ، قال :

كان أول خبر أبي الهيذام عامر بن عمارة بن خريم المرّي ، وأول ما هاج الحرب بالشام في ذلك أن رجلا من بلقين خرج بحمارين عليهما حنطة له يريد به الرّحا بالبلقاء ، فمرّ بحائط رجل من جذام أو لخم وفيه بطيخ وقثّاء ، فتناول القينيّ منه ، فقال صاحب الحائط : إليك عن متاعنا ، فشتمه القيني واتّخذا ، فمضى القيني ، فطحن ما كان معه ، ثم انصرف وقد أعدّ اليماني قوما ليضربوا القيني ، فلما مرّ بهم بارزوه (٢) فقاتلهم ، وأعانه قوم فقتل رجل من اليمانية ، فطلبوا بدمه ، واجتمعوا وانضمّ بعضهم إلى بعض والأمير بدمشق عبد الصّمد بن علي ، فلما خاف الناس أن يتفاقم الأمر خرج رجال من أهل الحجى والفضل ليصلحوا بينهم ، فخرج من قريش ثلاثة نفر ومن قيس ثلاثة ، ومن قضاعة ثلاثة ، ومن أهل اليمن ثلاثة ، فأتوا القين فكلّموهم ، فقالوا : الأمر إليكم ، أعطوا عنا ما أحببتم ، فأتوا اليمانية ، فكلّموهم فقالوا : انصرفوا عنّا حتى ننظر فيما جئتم له ، فانصرفوا إلى رحالهم ، فلم يشعر القين إلّا بالخيل تدوسهم ، فناشدهم الله الوفد الذين سفروا بينهم فلم يقبلوا فقتلوا من القين ستمائة ، ويقال ثلاثمائة ، وأصيب معهم رجل من قيس يقال له البهلول ، مرّ بنسوة على فرسه فقلن له : يا فتى إنّك لحسن اللّمّة والعدّة ، كريم الغرس ، فإلى من تدعنا ، فنزل فقاتلهم (٣) عنهم فقتل ، فاستنجدت القين قضاعة وسليح فلم ينجدوهم ، فأتى قيسا فاستنصرهم ، فأجابه (٤) وأجابه خمسون رجلا من كلب من بني عامر بن عوف ، وأعانوه ، فخرجوا إلى العواليك من أرض البلقاء ، فقتلوا من اليمانية ستمائة وأتوا الربّة (٥) فقتلوا من اليمانية ثمان مائة ثم انصرفوا ، وكثر القتال بينهم ، فالتقوا مرات ، وعزل عبد الصمد بن علي عن دمشق ، وقدم إبراهيم بن صالح عاملا عليها ، وهم على ذلك الشرّ ، فكان ذلك نحو من سنتين ، والتقوا بالبثنية (٦) فقتل من اليمانية ثمان مائة ، ثم تداعى القوم بعد شرّ طويل إلى الصّلح ، فاصطلحوا.

__________________

(١) في المطبوعة : نا.

(٢) كذا بالأصل وم ، وفي المطبوعة : ثاوروه.

(٣) في المطبوعة : فقاتل.

(٤) كذا بالأصل وم ، وفي المطبوعة : فأجابوه.

(٥) في م : الرابة.

والربة : قرية في طرف الغور بين أرض الأردن والبلقاء ، وهي عين الربة (انظر معجم البلدان).

(٦) البثنة ، وهي البثنية : اسم ناحية من نواحي دمشق ، وقيل : هي قرية بين دمشق وأذرعات (ياقوت).

٦٤

ووفد إبراهيم بن صالح إلى أمير المؤمنين ، فقدم عليه وهو بالكوفة ومعه عشرون ومائة رجل من أهل الشام ، وكان كاتبه أيوب بن سليمان مولى لبني سليم ، ثم ادّعى إلى الأنصار فاستمال إبراهيم ومناة ، وقال : أنت قحطان اليمن ، وإنما القحطان (١) رجل من قريش ، وقال لهم : إنّما ظهر مروان بن الحكم على الضحاك بن قيس باليمن ، وأنا (٢) أجمعهم لك ، فلم يزل به حتى صار صغوه مع أهل اليمن ، فقدموا الكوفة وصغوه مع اليمن ، وقد جنف على قيس ، فدخلوا على أمير المؤمنين هارون بالحيرة ، وقد أعدّ خطيبا من أهل اليمن للكلام ، وكان يدعى به كل يوم فيتكلّم عنده ، فلما صاروا عند أمير المؤمنين أمره إبراهيم بالكلام فقام فتكلم ساعة ، نهض عبد الواحد بن بسر النصري فتكلّم وقطع على اليماني كلامه ، وقال : يا أمير المؤمنين إنّا لم نأتك وافدين ، ولكنا أتيناك مذنبين ، مقرين بالإساءة معترفين ، قد تحملنا الدّماء ، فإن يعاقبنا أمير المؤمنين يعاقب مستخفين للعقوبة ، وإن يعف (٣) فأهل ذلك أمير المؤمنين لقرابته من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ومكانه الذي جعله الله به وأخذ في هذا النحو ، فأعجب أمير المؤمنين به وأثبته في صحابته ، ووصل الوفد وانصرفوا ، وكان في الوفد من قريش ثلاثة : إبراهيم بن واثلة بن عمر بن المطّلب ، والوزير بن يعقوب من ولد الضحاك بن قيس الفهري ، ومن قيس أبو الهيذام عامر بن عمارة المرّي ، وأبو الورد ووزر ابنا جابر بن فراس المرّي ، وخالد بن مجاشع المرّي ، وابن (٤) الصّلت بن مسلم بن عقبة المرّي (٥) ، ومخلد بن علاط المرّي ، ومن بني كلاب : الرّيّان وابن العذافر النميريان ، وعبد الواحد بن بشر (٦) النصري ، ومن ثقيف : عبد الملك بن عبد العزيز بن عبد الرّحمن بن أم الحكم الثقفي ، ومن اليمن : محمّد ويزيد ابنا معترف (٧) الهمدانيان ، وعلي بن الحارث الحرشي (٨) ، وبشر بن كعب بن حامد العنسي (٩) ، وعبد العزيز بن هشام اللّخمي ، ومن كلب :

__________________

(١) كذا بالأصل وم ، وفي المطبوعة : القحطاني.

(٢) عن م وبالأصل : وإنما.

(٣) بالأصل وم : يعفوا.

(٤) ما بين الرقمين سقط من م.

(٥) ما بين الرقمين سقط من م.

(٦) كذا بالأصل وم ، ومرّ قريبا «بسر» وفي المطبوعة هنا أيضا : بسر.

(٧) كذا بالأصل ، وفي م : «معتوف» وفي المطبوعة : «معيوف».

(٨) كذا بالأصل وم ، وفي المطبوعة : الجرشي.

(٩) في م : العبسي.

٦٥

عاصم بن عمر بجدل ، وخالد بن يزيد ، وسليمان بن منظور ، والفيض بن عقفان (١) ، وابن عصمة بن عصام من بني عامر بن عوف من كلب ، وجمع كثير ، فوصلهم أمير المؤمنين ورجعوا.

واستخلف إبراهيم بن صالح ابنه إسحاق على دمشق ، وضم إليه رجلا من كندة كاتبا يقال له : الهيثم بن عوف ، فغضب الناس ، وحبس رؤساء من قيس وأخذ أربعين رجلا من محارب فضربهم بالسّياط ، وحلق رءوسهم ونحّاهم (٢) ، ضرب كل رجل ثلاثمائة وحبسهم وضرب مولى لثقيف يقال له قطن (٣) بالسياط حتى مات ، فنفر الناس ، وخرج غلام من ولد قيس بن العنبسي إلى زراعة له بالبثنية ومعه رجل من ولد المسور ، فلما كان في قرية لغسان عرفه ابن الخزرج الغسّاني فأخذوه وذبحوه ، وقتلوا صاحبه ، فهاج الناس ، وجاء أخو المقتول إلى ناس من الزواقيل بحوران فاستنجدهم فخرج دعامة بن عبد الله ، ودحمان بن محمّد في عصابة من موالي قريش بعد أيام إلى الغوطة ، فأتوا قرية تسمى كوكبا إلى جنب داريّا ، فخرج ابن عامر بن حيّان العنسي (٤) ـ وكان فارسا بطلا ـ يريد تلك القرية ، فلما دخل القصر أخذه دعامة ، فأسره ثم تلوّم فإذا رجل من طيّىء قد كان أصاب دما بحوران ، فهرب فدخل القصر ، فأخذه دعامة ، فقتله وقتل العنسي (٥) وخرج هو وأصحابه فطلبتهم خيل إسحاق بن إبراهيم ففاتهم وبلغ الخبر القيسيين عتمة ، فقال لهم وريزة بن سماك بن وريزة العنسي تركت كليب بن عمر بن الجنيد بن عبد الرّحمن في بستان له ، وعنده ضيفان له من قريش يشربون ، فخرجوا إليهم ، فقتلوهم وأصبح الناس نافرين ، وجاءت أم الغلام إلى أبي الهيذام بثيابه بدمائها وهو بحوران ، فألقتها بين يديه ، فقال لها : انصرفي حتى أنظر ، فلست أريد أمرا على ظلمة ، ولا أخبط خبط العشواء ، نأتي الأمير ونرفع إليه دماءنا ، فقد عرفناها ، فإن نظر فيها وإلّا فأمير المؤمنين ـ يعني ينظر في ذلك ـ وأرى رأيي ، وأرسل إسحاق بن إبراهيم إلى إبراهيم بن حميد المروروذي ، وهو عامله على حوران ، أن أحمل إليّ أبا الهيذام ، فقال له أبو الهيذام : إنما يريد القوم عنتي ، فكتب إبراهيم بن حميد إلى إسحاق يعذر أبا

__________________

(١) في م : عقبان.

(٢) كذا بالأصل وم ، وفي المطبوعة : ولحاهم.

(٣) غير مقروءة بالأصل ، والمثبت عن م.

(٤) بالأصل وم العبسي ، والمثبت عن المطبوعة.

(٥) بالأصل وم العبسي ، والمثبت عن المطبوعة.

٦٦

الهيذام ، فكتب إليه أن أحمله ومخلد بن علاط ، وخريم بن أبي الهيذام ، وناس من بني مرّة فحملهم ، فقدموا عليه ، فلم يأذن لهم ، فأقام أبو الهيذام في منزله ، فقيل له : لو أتيته ، قال : قد فعلت فلم يأذن لي وظننته مشغولا فقلت : يخلو وجهه ، وخرج ناس من الزواقيل فلقوا رجلا يقال له : غني وابنيه كان مولى لعبد الملك فادّعته جرش وزوّجوه وكان من فرسانهم ، فقتلوه وقتلوا ابنيه في النصف من المحرم ليلة السّبت ، فيخرج ناس من كلب من ليلتهم إلى الحرجلة (١) فقتلوا فيها رجلا من بني سليم أو من بني كلاب.

وأصبح أهل اليمن فغدا منهم أربعمائة من أهل داريا ، فدفنوا غنيّا وابنيه فقال ابن حمية (٢) وهو ورأس القوم : والله لا أبرح حتى أدرك بثأري ، وأغار على أهل تلفياثا (٣) وهم جيران محارب أو غنيّ فقتل ثلاثة رهط من محارب ، وأحرق فيها وأنهبها ، فأقبل أهل تلفياثا إلى أبي الهيذام يركضون ، فركب أبو الهيذام في أربعة فوارس ومنه عشرة من الرجالة ، فأتى باب إسحاق فنادى : أعزل عنا ابن عوف (٤) فسرح إليه إسحاق (٥) بن زياد بن جعفر العقيلي أبا الوجيه فقال له : ما لك يا أبا الهيذام أخلعت؟ قال : لا ولكن أعزل عنا ابن عوف (٦) ، قال : لا نعزله ، قال : يا كلب أما والله لو لا شماتتهم بك لضربت عنقك ، والله لا أضعها على أنفي حتى تعزله أو أموت ، ووضع يده على أنف البيضة ، فرجع زياد إلى إسحاق فأخبره ثم خرج فقال : قد عزله واستعمل عليكم زيادا مولاه ، فقال وصلته الرحم وجزاه الله عن رعيته خيرا ، وانصرف فأرسل إسحاق إلى أهل اليمن : زعمتم أنكم أهل العدد والعز ، وقد صنع بصاحبكم ما صنع ، فاجتمعوا وأتوا أبا الهيذام من باب الجابية ، فخرج أبو الهيذام في عشرة فوارس ، فقيل له : القوم جمع كثير ، ومعك فتيان عزل لا يدرون ما القتال ، قال : ما يدريكم أبلوتموهم؟ قالوا : لا ، قال : فعند هؤلاء موت ناقع ، قالوا : عدد القوم كثير ، قال : يعين الله ، وخرج إليهم ، فحمل رجل من قريش يقال له عبد الرّحمن يلقب طون ، وغلام لأبي الهيذام فصرعا

__________________

(١) الحرجلة : من قرى دمشق (معجم البلدان).

(٢) كذا بالأصل وفي م ، وفي المطبوعة : جفنة.

(٣) تلفياثا : قرية من قرى غوطة دمشق (ياقوت).

(٤) كذا بالأصل وفي م ، وفي المطبوعة : ابن غوث.

(٥) سقطت «بن» من المطبوعة. وهو الصواب وسيأتي بعد أسطر ما يثبت أنه الصواب باعتبار أن زيادا سيأتي إلى إسحاق.

(٦) في م : ابن غوث.

٦٧

رجلين وأخذا فرسين وانهزم اليمن ، فلم يتبعهم أبو الهيذام ، وحال بينهم الليل فأتى أبو الهيذام السجون فأخرج من فيها من قيس ومن اليمن ، فأتاه رجل من جرش وابن رمل السكسكي فرحب بهما أبو الهيذام وقال : أنتم الأصهار والأكفاء ، وإن ابن غوث ظلم عشيرتي وحبسهم ، فأخرجت الناس جميعا لم أخصّ أحدا ، وهذا شيء أقدمت (١) عليه فيما بيني وبين أمير المؤمنين ، فإن عفا عني فبفضله وإن عاقبني فذاك ، قالوا : نخاف أن تغير علينا ، قال : ما ذا في دهري أن يركب ، فانصرفا وقالا : ما على أبي الهيذام سبيل إلّا أن نظلمه ، فقالت اليمانية : نحن أهل الثروة والعدد والعزّ فتخرج مضر من الشام ، فلا يدعوا لهم داعية ، فاجتمعوا واستنجدوا ، وهم أجمع دارا من قيس ، قد ملت كلب البقاع والجولان (٢) ، وهما من دمشق على صدر يوم ، فأسرعوا إليهم وجاءوا بعدد كثير وأرسل أبو الهيذام إلى المضرية ، فكان أول من أتاه بنو نمير قد عقدوا لبشر بن أزهر الجدلي ، وكان قد قدم من العراق ، فبلغه الخبر وهو في محلة بني نمير ، فعقدا له وهو من الأبطال عليهم ، فأتى أبا الهيذام يوم الأحد عند العصر ، فلم يكن بينهم قتال ، وبعث أبو الهيذام وهم بناحية سعارة (٣) مما يلي القين ، فأتوه يوم الاثنين وأتاه (٤) من مسرعاتهم أربعة فوارس : دعامة مولى لقريش ، والمعتمر بن حرب ، فأتوه وأهل اليمن يقاتلون أبا الهيذام عند باب توما ، فحملوا على الناس ، فقتلوا أربعة ، قتل كل رجل رجلا ، فانهزموا واتّبعوهم حتى انتهوا إلى ساباط ، وقد قطع الطريق لكنيسة توما ، وقد كانت اليمانية خلفوا عندها رجالة ومرامية ، فرموا خيل أبي الهيذام ، فقال أبو الهيذام : أحرقوها ، فأحرقوا الكنيسة ، وحالت النار بين القوم ، فانصرفوا وعدت (٥) اليمانية إلى قرية لقيس يقال لها حلق بلتا (٦) بالقرب من دمشق ، فأرسل أبو الهيذام الزواقيل وقد توافوا عنده ، فقاتلهم (٧) فهزموه ، ثم ليمانية ثم انصرفوا ، فلقوا ابن معتوف عند حب الأحمر فقاتلهم

__________________

(١) في م : قدمت.

(٢) في م : والحرلان.

(٣) كذا بالأصل وم ، وفي معجم البلدان «شعارة» بالشين المعجمة ، وهي قرية من قرى قضاء ازرع بمحافظة حوران.

(٤) في المطبوعة : وافاه.

(٥) في المطبوعة : وغدت.

(٦) كذا بالأصل وم ، وفي معجم البلدان : «حلفبلتا» من قرى دمشق.

(٧) العبارة في المطبوعة : فقاتلوهم فهزموا اليمانية ، ثم انصرفوا فلقوا ابن معيوف عند جب الأحمر.

٦٨

فهزموه ، ثم أتاهم الصريخ : أدركوا باب توما ، فأتوهم فهزموهم يومئذ في أربعة مواطن ، ثم رجعوا إلى أبي الهيذام.

فلما كان يوم الأربعاء أرسل إسحاق إلى أبي الهيذام ابن أبي شيبان العنسي : أقسمت عليك ألّا كففت اليوم ، فقال أبو الهيذام : ما أكره القتال إليّ أن تركت ، وانصرف ، وأرسل إسحاق إلى اليمانية قد رددته عنكم فدونكم فأغيروا فإنه غارّ ، فأقبل القوم منسلين حتى أتوا باب الشرقي والمسلحة لبني نمير يومئذ ، عليهم غلام من بني عبس يقال له ابن كامل ، [فقتل ابن كامل](١) وانهزم النميريون وقتل أبو العوجاء وابنه من بني مازن بن صعصعة ، ودخلوا المدينة ، فأحرقوا دارا وعليهم يومئذ ابن بحدل ، وابن معتوف (٢) ، وأتى الصريخ أبا الهيذام نصف النهار ، وهو قابل فركب فزعا في فوارس من الزواقيل من قريش : المعتمر بن حرب ، ودعامة ودحمان ، ومن بني مرة : خريم بن أبي الهيذام ، ووزر بن جابر ، ومخلد بن علاط ، ومولى لحبيب بن مرّة ، وأحمد بن أيوب وإخوته وفرسان بشر بن أزهر ، وبطيط الفزاري ، ومرّة العكّي ، وكعب الأسدي ، ومصبح الأسدي ، وحمدون ومرحبا ومنقذ السّلميون ، فلما لقوهم حملوا عليهم ، واعتزوا وانتموا فقتل كل رجل رجلا ، فانهزم أهل اليمن واتبعهم أبو الهيذام في فوارس من فوارسه حتى انتهوا إلى بيت البلاط (٣) على فرسخ من دمشق ، وقتل من فرسانهم يومئذ الحارث الهمداني ، ورجع أبو الهيذام فقيل له : إنّ لهم جمعا على باب توما ، فأتاهم فهزمهم ، حتى انتهوا إلى بيت لهيا (٤) ، وقتل منهم أربعة وعشرون رجلا ثم رجع إلى باب الجابية يريد المدينة فأحرق اليمانية دورا على باب الجابية ، فلم يقدر أن يقدم عليهم لمكان النار ، وقد أخذت جنبتي الطريق فوقف أبو الهيذام حتى اختلط الظلام ، ثم دعا دعامة ، فقال : احمل عليهم ، فحمل عليهم ناسا (٥) عن يمينه وشماله ومعه فرسان (٦) حتى خالطوا القوم ، فصرعوا منهم ناسا ، وأخذوا ستة أفراس وقتلوا

__________________

(١) ما بين معكوفتين زيادة عن م.

(٢) كذا بالأصل وم ، وفي المطبوعة : ابن معيوف.

(٣) من قرى دمشق بالغوطة (معجم البلدان).

(٤) قرية مشهورة بغوطة دمشق (ياقوت).

(٥) بالأصل وم ، وفي المطبوعة : والنار.

(٦) في م : فارسان.

٦٩

رجلين ، فانهزموا ، وأفلت ابن الحارث بن عبد الرّحمن الحرشي (١) بطعنة. وأقام الناس من يوم الخميس إلى يوم الاثنين.

فلما كان يوم الاثنين جمعت اليمن وجاءهم أهل الأردن وأهل الجولان والبقاع وجاءت معهم كلب : بنو عليم وبنو عبد الله ، وبنو بلخ (٢) ، وهم متساندون ، وجاء وريزة بن مالك العنسي ، وأحمد ويزيد ابنا معتوف (٣) ، وابن الحارث الحرشي (٤) ، وابن عصمة بن عصام الكلبي ، وابن الغمر السّكسكي ، ورئيسهم وريزة ، وأتى الخبر أبا الهيذام ، فأرسل في الوجه الذي كان يرى أنهم يأتونه (٥) منه ، فلم يروا أحدا وأقبلوا من ناحية بستان إبراهيم بن صالح ، وفيه شجر جوز دوح عظام تظلّ الشجرة مائتي رجل ، فاسندوا رماحهم في أضعاف الشجرة ، فلم يرهم ربيئة أبي الهيذام ، وأبو الهيذام قد أمن ذلك الوجه لأنه سدّ وبناء فلما انتصف النهار ولم ير شيئا أمر أصحابه فدخلوا المدينة ، ودخل معهم وخلف دعامة في سبعة فوارس ، وإسحاق في قبة له ينظر ، فلما رآه قد دخل أمر بذلك السدّ فهدم ، وأرسل إلى اليمانية : دونكم ، فخرجوا من السدّ ، فحملوا على دعامة فدخل المدينة ، وأبو الهيذام واقف عند باب الصغير ، ودخل اليمانية المدينة ، فصاحوا بالنساء ، اخلفن وحمل (٦) على أبي الهيذام ، فلم يتحلحل ، وقال أبو الهيذام لبيهس ودعامة : اخرجا في رفق لعلكم تأتونهم من ورائهم ، فخرجا في فوارس فلم يشعروا بهم إلّا وأعلامهم من ورائهم ، فتنادوا : الكمين الكمين ، فانهزموا وتلقى أبو الهيذام رجلا من حجور ، صاحب علمهم فضربه فوقع سيفه في معذّرة فرسه ، فأسرع فيه وشبّ الفرس فضربه أبو الهيذام ففلق (٧) هامته ، وانهزموا حتى انتهوا إلى بستان عاتكة عند دار الحجّاج ، فدخلوا البستان وبقي خمسون من حماتهم ، فنادوا أين يا أبناء الحرائر؟ فحمل عليهم دعامة في خمسة فوارس فانهزموا فأقحموا ثغرة البستان ، واتبعهم فانتهوا إلى ثغرة أخرى ، فناداهم : ألقوا أنفسكم ، فألقوا أنفسهم (٨) ، فأخذ ثمانية عشر

__________________

(١) كذا بالأصل وفي م ، وفي المطبوعة : الجرشي.

(٢) كذا بالأصل وفي م ، وفي المطبوعة : بنو بلج.

(٣) كذا بالأصل وفي م ، وفي المطبوعة : معيوف.

(٤) كذا بالأصل وفي م ، وفي المطبوعة : الجرشي.

(٥) في م : يأتون.

(٦) لفظة «حمل» كتبت بين السطرين بالأصل :

(٧) رسمها وإعجامها مضطرب بالأصل وم ، والصواب عن المطبوعة.

(٨) قوله : «فألقوا أنفسهم» سقط من م.

٧٠

فرسا ، وقوي أبو الهيذام ، وأقام الناس إلى يوم السبت ، ولم يعرض لإسحاق.

فلما كان يوم السّبت لمستهل صفر قدم إبراهيم بن حميد المرورّوذي من حوران في جنوده ، وضم إليه إسحاق جندا ، فعسكر عند قصر الحجّاج من موقف الإبل إلى مضمار أهل دمشق ، فأقاموا إلى يوم الاثنين ، وأوقد أبو الهيذام على مانع خلاطه وهو جبل ، وأوقد أهل اليمن على جبل دير مران (١) ، فلما كان يوم الثلاثاء جاءت القين تنصر أبا الهيذام ، وجاء عطية السّعدي مددا لأبي الهيذام من حوران.

فلما كان يوم الخميس جاء ابن حمير في اليمن من الأردن ، فنزل داريّا وإلى جانبهم قرية لقيس يقال لها : بلاس (٢) ، فاغار عليهم ، وقد كان أهل داريا أعطوهم ذمة فأغار وأحرق ، وجاء أهل بلاس يركضون إلى أبي الهيذام معهم دروع النساء ونواصيهن ، فدعا ابنه خريما فعقد له ووجّهه إليهم ، وكانت القين نزلت راوية (٣) قرية لقيس عليهم ابن الرّميح ، فبلغهم خبر أهل بلاس ، فخرجت القين مبادرة لخيل خريم فتوافوا جميعا فحمل خريم من الشرقي وابن الرّميح من الغربي على ابن حمير ، فانهزم ابن حمير وقتل أصحابه وأحرقوا في داريا دورا ، ثم رجعوا إلى أبي الهيذام ، فلما أصبح أبو الهيذام يوم الجمعة وجه إلى داريا فانتهبوها وسقط يومئذ وزر بن جابر عن فرسه ، فمات ، وكان من فرسان قيس ، فرجعوا فأقامت القين إلى يوم الاثنين ثم انصرفوا ولم يشهدوا مع أبي الهيذام وقعة غيرها ، وقد أصابوا من داريا ، فلم يسألهم أبو الهيذام عن شيء منه ، فلما انصرف القين أغار ابن معتوف (٤) على قصر لعثمان بن عمارة أخي أبي الهيذام في قرية يقال لها القطيعة ، فأحرقه وهدمه.

فسار أبو الهيذام يوم الثلاثاء إلى بيت الآبار (٥) فيه أشرافهم ، فهزمهم وأحرق ما حوله.

ثم سرح يوم الأربعاء إلى عين ثرماء (٦) على فرسخ من دمشق ، وأخرب قرى ابن

__________________

(١) بالأصل وم : «دير مراي» والصواب ما أثبت ، وهو دير كبير بالقرب من دمشق على تل مشرف (معجم البلدان).

(٢) بلاس : بلد بينه وبين دمشق عشرة أميال (ياقوت).

(٣) راوية : قرية في غوطة دمشق. (ياقوت).

(٤) في المطبوعة : ابن معيوف.

(٥) قرية يضاف إليها كورة من غوطة دمشق فيها عدة قرى (ياقوت).

(٦) بالأصل وم : «عين يوما» والمثبت عن المطبوعة ، وهي قرية في غوطة دمشق (ياقوت).

٧١

معتوف (١) وقصوره وانصرفت خيله تريد بيت لهيا ، فلقيهم بنو معتوف (٢) ، وابن المعتصم الكلبي ، وبنو الحارث الحرشي (٣) على قنطرة يقال لها : الميطرون على خيل أبي الهيذام ابنه خريم ، غلام حين خرج وجّهه فقاتلهم فقتل من فرسان اليمن رجلا يقال له أسعد ، وأقام الناس خمسا ، ثم إن ابن معتوف (٤) ، وابن المعتصم أتوا ربضا من دمشق يقال له الفراديس ، وأتاهم أبو الهيذام (٥) فقاتلهم بمرج الدحداح ، فانهزموا وأحرق أبو الهيذام الأوزاع ومقرى (٦) وخمس قريات وأقام الناس ثلاثا ثم عادت اليمانية ، فأتاهم أيضا أبو الهيذام ، فهزمهم وأحرق ما بقي من بيت لهيا ، وأنهبها ، فأرسلت إليه ابنة الضحاك بن رمل السكسكي : إن رأيت أن تكتب لي ولأهل بيتي أمانا ، فقال لرسولها ـ وهو مولى لها ـ مل لها : نعم ونعمة عين وددت أن طلبتك كانت في قومك جميعا ، ودعا ابنه خريما فقال : يا بني لا تحقرن دمي (٧) ، فخرج خريم فذكر لواءه على بابها ، فلم يذهب لها ولا لأحد من أهل بيتها قليل ، ولا كثير ، فأصبح من الغد ، فأرسل دعامة إلى ابن بحدل فقاتله ، فانهزم ابن بحدل حتى أتى حمص وسرح بشر بن أزهر الجدلي ، إلى عقرباء (٨) فأحرقها وسرّح حمدون السّلمي إلى قرى حكم فأنهبها فلما رأت ذلك اليمن أتاه ابن خارجة الحرسي (٩) وأبو عزرة الخشني (١٠) ، فسألاه أمانا لقرى جرش فكتب أمانا بالبيت البلاط ، وبيت قوفا والحديثة (١١) وجسرين وأتاه الأوزاع ، والأوصاب ومقرى وساجد وكفرسوسيّة (١٢) والحرجية والحميريون (١٣) ، وصنعاء (١٤) ، فسألوه الأمان ، فأمن نيفا وثلاثين قرية ، وكتب لهم كتابا.

__________________

(١) في المطبوعة : ابن معيوف.

(٢) في المطبوعة : ابن معيوف.

(٣) في المطبوعة : الجرشي.

(٤) في المطبوعة : معيوف.

(٥) سقطت اللفظة من الأصل واستدركت عن م.

(٦) مقرى : قرية بالشام من نواحي دمشق (معجم البلدان).

(٧) في المطبوعة : لا تخفرن ذمتي.

(٨) عقرباء : كورة من كور دمشق (ياقوت).

(٩) كذا بالأصل ، وم ، وفي المطبوعة : الجرشي.

(١٠) رسمها وإعجامها مضطربان بالأصل وم ، والمثبت : «أبو عزرة الخشني» عن المطبوعة.

(١١) بيت قوفا ، والحديثة ، وجسرين جميعها قرى من غوطة دمشق.

(١٢) من قرى غوطة دمشق.

(١٣) كذا بالأصل وفي م ، وفي المطبوعة : والحميريين ، وهي محلة بظاهر دمشق على القنوات (ياقوت).

(١٤) قرية على باب دمشق دون المزة (ياقوت).

٧٢

من عامر بن عمارة لأهل قرية كذا وكذا : أن عليكم العتاق والطلاق ، إن غششتم معدّيا في سرّ ولا علانية ، وأن توالوا من والاهم ، ويعادوا من عاداهم ، ويقاتلوا معهم من ناوأهم ، فإن نكثتم أو غيّرتم أو نقضتم فقد وجبت عليكم الأيمان ، وسفك الله دماءكم ولا عهد لرجل منكم ولا ذمة عندي.

فمكثوا خمسة عشر ليلة أو قريب من ذلك قد أمنوا ، وسكن الناس وفرّق أبو الهيذام جنوده ، فانصرف بشر بن أزهر إلى حوران ، ومخلد بن علاط ، وابنه خريم بن أبي الهيذام فانصرف أهل حوران وأهل القرى وبقي في نفر يسير من أهل دمشق ، فطمع فيه إسحاق والجنود ، وجاء أهل الأردن وفلسطين إلى إسحاق بكتاب أمير المؤمنين ، وقيل لإسحاق : لم يبق مع أبي الهيذام أحد فأعطى القواد السلاح والأموال ليواقع أبا الهيذام ، فأتاه العذافر رجل من الأزد وخاله عليّ السكسكي ، فقال لإسحاق : أنا أكفيك الأمر ، فأجازه بثلاثمائة دينار ليلا ، وكان من فرسان أهل خراسان ، ثم أصبح الناس وهم لا يرون أنه يكون بينهم قتال ، فخرج تسعة فوارس لأبي الهيذام إلى الراهب ، فأتوا منزل رجل يقال له ابن عقيبة ، ادّعى إلى اليمن ، فنذر بهم ، فخرج إلى عسكر إبراهيم بن حميد ، فتلقاه العذافر فقال : ارجع أنا أكفيك ، فرجع فنادا العذافر في أهل خراسان فاتّبعه نحو من ثلاثمائة ، فخرج إلى فوارس أبي الهيذام الذين بالراهب ، فلما لقوهم شدّوا عليهم فانهزم العذافر وأصحابه ، ورجع فوارس أبي الهيذام إليه ، ونشبت الحرب بين أبي الهيذام والجند من صلاة الظهر حتى أمسوا ، وشدت فوارس لأبي الهيذام على الجند فجالوا طويلا ، ثم تراجع القوم ، وانصرف الجند عن أربعمائة جريح ، ولم يكن بينهم قتل وذلك يوم الجمعة النصف من صفر ، ثم أصبحوا يوم السبت ، لم يكن بينهم حرب حتى اصفرّت الشمس ، فلما اصفرّت خرج إسحاق فناهض المدينة ، وأبو الهيذام في سبعة وستين فارسا ، فقاتله عامة الليل ، وأوقد أبو الهيذام على مانع خلاطه وأرسل إلى محلة لقيس فأصبح أبو الهيذام يوم الأحد وقد أتاه ثلاثة فوارس ، وغاداه إسحاق في اثني عشر ألفا وخيل أبي الهيذام سبعون فارسا ، وجاءت اليمانية مع الجند بما لا يحصى عدده ، فأتاه إسحاق من باب الشرقي ، وجاء العذافر من باب الجابية ، فأحرق مسجدا (١) على باب الجابية ، فقيل ذلك لأبي الهيذام ، فقال : دعوهم حتى يستوجبوا الخزي

__________________

(١) عن م وبالأصل : «مسجد».

٧٣

والعذاب ، وحلف العذافر بالطلاق والعتاق ألّا يذوق طعاما ولا شرابا حتى يدخل دمشق ، وتقدم حتى لزق بالباب ، فخرج أبو الهيذام وقال لفرسانه : انزلوا ، فنزلوا ومشوا ، فضاربوهم على الباب حتى أزالوهم عنه ، ونزل العذافر فخرج إليه دعامة ، ورمى رجل من أصحاب أبي الهيذام بحجر فأصاب رجل العذافر فاضطرب وطعنه دعامة في حلقه فصرعه ، وحملت الخراسانية واليمانية ليحملوا العذافر فرمى دعامة بالرمح وشدّ عليهم بالسيف ودخل بين رماحهم ، فلم يزل يقاتلهم حتى انفرجوا ، وجرّ برجل عذافر حتى أدخله إلى أبي الهيذام ، فقال له أبو الهيذام : يا ابن اللخناء أحلفت أنك لا تطعم طعاما ولا تشرب شرابا حتى تدخل دمشق بالسّيف؟ قد لعمري بريت يمينك ، أجهزوا عليه ، فقتلوه ، فأرسل إليه إسحاق وصاحب السكة وهو خال عذافر : بعنا جثته بعشرة آلاف ، او واره ، فقال : أما والله حتى تعرقه الكلاب فلا ، فانصرفوا.

فلما كان يوم الاثنين قدم عبد العزيز العمري من ولد عمر بن الخطاب دمشق في أربعين رجلا من قريش وغيرهم يريدون الغزو ، فقالوا : لو أصلحنا بين هؤلاء كان أعظم أجرا ، فأتى العمري أبا الهيذام ، فكلّمه فقال له : الأمر إليك فاحكم بما شئت ، وإن لزمني الضيم ، فأتى اليمانية فكلّمهم (١) ، فقالوا : الأمر إلى إسحاق ، فأتى إسحاق يكلّمه ، فأبى ، ثم أجابه فمشى بينهم وبانت خيل أبي الهيذام ، فأقام العمري يختلف بينهم ، وأقبل ابن بجدل من حمص قد استنجدهم وعليهم ابن معمّر الطائي ، فنزل داريا ، والعمري في الصّلح حتى يكتبوا بينهم كتابا ، فيخرج ابن المعمّر بأهل حمص فيغير على قرية لتغلب يقال لها حمنا مع الفجر فقتل من أدرك ، وأحرقها ، فأعانه ناس من بني نمير فهزمهم ابن المعمّر واتبعهم فقتل كلّ من مرّ به حتى انتهى إلى حولان (٢) قرية لغسان ، وخرج شيوخ من بني تغلب إلى أبي الهيذام قد غمسوا دروع النساء في الدماء فحملها أبو الهيذام إلى العمري ، فألقاها بين يديه ، فقال : هذا فعلهم ، ونحن في الصلح ، فركب العمري ومضا ، ودعا أبو الهيذام ابنه خريما فعقد له وقال : لا ترجعن إليّ حتى تلقى جمعهم الأعظم فتموت أو تظفر ، ودعا ابنه الهيذام فعلا جبلا يقال (٣) له برزة ، ودعا

__________________

(١) من قوله : فكلّمه فقال له .. إلى هنا سقط من م.

(٢) كذا بالأصل وم ، وفي المطبوعة : «حرلان» وهي من قرى غوطة دمشق (ياقوت).

(٣) «يقال له» سقط من م.

٧٤

دعامة مولّى لقريش فقال : إنّما كنت أحسيك الحساء لمثل هذا اليوم ، وضمّ إليه مرّة العكبي (١) وقال لابنه خريم : أعاهد الله يا ابن اللّخناء لئن رجعت إليّ منهزما لأضربن الذي فيه عيناك ، فسار دعامة في ميدان دمشق ، وسار أبو الهيذام من ناحية برزة ، ومضى خريم فانتهوا إلى حولان (٢) عند العصر ، وسبقهم خريم والقوم بحولان (٣) على ميمنته نصر بن غالب الأشجعي وعلى ميسرته (٤) سوار الكلابي ، فخرج خمسة وعشرون من الزواقيل فيهم كعب الأسدي ومعتمر القرشي ، فحملوا عليهم فقتلوا منهم أربعين رجلا ، وانهزمت اليمانية فصاروا إلى حصون أربعة في حولان (٥) ففتح خريم حصنا في يومه ذلك ، ثم باتوا في صكّا ، وغاداهم خريم وقد هرب منهم ناس كثير ، وجاءهم الهيذام حين أصبحوا ، وقد تخيّر ناس كثير ممن كان هرب فقتلوا ، وأشرف على الهيذام أهل الحصون ، فقالوا : يا حسن الوجه ، الأمان ، قال : من خرج إلي فهو آمن ، فخرج إليه ناس كثير ، فمن كان في ناحية الهيذام أمن ، ومن كان في ناحية خريم قتل ، وولي القتل التغلبيون وهم موقورون فلم يبقوا على شيء ، وكان أكثر القتلى في أهل حمص ، وقتل ابن المعمّر الطائي ، وعبد الرّحمن بن عطية الغساني ، وحرقت الحصون ، وانصرفوا ، ووجه أبو الهيذام حمدون السّلمي فأحرق قرى اليمن في الغوطة داعية ، وبيت سوا ، وحمورية ، وحجراء ، وزملكا ، وجواره ، وعربيل ، أرزونا ، ودقانية وبيت قوفا ، وبيت أبيات ، وقرى كثيرة ، ثم عادوا إلى داريا ، فدمّر عليها ولم يدع فيها شيئا ، وأراد أن يحرق ما حولها فجاءت عامر بن عوف والقين وسليح فسألوه بالرحم ، فكف عنهم ثم مكثوا خمسة وسبعين يوما.

فلما كان مستهل ربيع الآخر قدم السّندي في الجنود فنزل على ليلتين من دمشق ، فأتاه أهل اليمن بالقريتين (٦) ، وقالوا : قد خلع أبو الهيذام فأقبل على بعثته حتى نزل مرج عذراء ، فأتاه بنو نمير ، فأخبروه أن أبا الهيذام على الطاعة ، وسرّح أبو الهيذام حمدون السّلمي ، ومحفوظا المحاربي إلى السّندي ، فأخبروه بطاعة أبي الهيذام ، فأقبل حتى دخل دمشق من ناحية الجبل ، وإسحاق في دار الحجّاج فأتاه السندي ، فدسّ إسحاق

__________________

(١) كذا بالأصل ، وفي م : «الكعبي» وفي المطبوعة : العكي.

(٢) كذا بالأصل وم ، وفي المطبوعة : «حرلان» وهي من قرى غوطة دمشق (ياقوت).

(٣) كذا بالأصل وم ، وفي المطبوعة : «حرلان» وهي من قرى غوطة دمشق (ياقوت).

(٤) في م : يسرته.

(٥) كذا بالأصل وم ، وفي المطبوعة : «حرلان» وهي من قرى غوطة دمشق (ياقوت).

(٦) القريتين : قرية كبيرة من أعمال حمص (ياقوت).

٧٥

قوما من الجند لينشبوا الحرب ويغري السّندي بأبي الهيذام ، وقال لهم : إذا خرج السندي فشدّوا على أبواب المدينة ، وأرسل أبو الهيذام خمسين رجلا من مشيخة قيس ليخبروا السّندي بعذره ، فأقام السندي مليا عند إسحاق وذلك بعد العصر ، وأصحاب السّندي على بعثته وكان في عشرين ألفا فلما خرج السندي من عند إسحاق شدّ القواد الذين أمرهم إسحاق على أبواب المدينة ، وعلوا الحيطان ، فرجع الخمسون الذين وجّههم إلى أبي الهيذام ، فقال حمدون ومحفوظ لأبي الهيذام : دعنا نشدّ عليهم ، فقال : لا تفعلوا فإن هذا ليس عن أمر السّندي ، هذا شيء فعله إسحاق واليمانية ، فلا تعجلوا ، فأمر بمصلّى ، فألقي له واضطجع عليه ، فإذا رسول السندي قد أتاه ، فقال : إنّي لا أريد قتالك ، ولم أؤمر بذلك ، فكف أصحابك ، فقال أبو الهيذام لرسوله : ونحن أيضا لا نريد قتالك ، فرجع رسول السّندي وقال أبو الهيذام لأصحابه : كيف ترون؟ ، وكفّ السندي الجند وقد قتل منهم خمسة وأقام ليلته.

قرأت بخطّ أبي الحسين الرازي ، أخبرني أبو العبّاس محمود بن محمّد ، أنا حبش (١) بن موسى ، نا علي بن محمّد المدائني ، في خبر أبي الهيذام قال :

فلما أصبح أرسل السّندي قائدا من قوّاده يقال له بسطام بن ربيعة في ثلاثة آلاف ، فأخرج أبو الهيذام ألف رجل كلهم معلم قد أقلبوا البيض ، فلما رآهم القائد رجع إلى السّندي ، فقال : أعط هؤلاء ما أرادوا ، فلا والله ما رأيت [مثل](٢) هيئة هؤلاء قط ، قد رأيت قوما الموت أحبّ إليهم من الحياة ، فأرسل السنديّ إلى أبي الهيذام إنّي معطيك ما أردت ، فبعث أبو الهيذام إلى أهل دمشق ، اختاروا لأنفسكم إن شئتم خرجت حتى أردّ عنكم السّندي أو أموت (٣) ، وكان أبو الهيذام في أيام الفتنة داخل مدينة دمشق ، متغلب عليها ، وإسحاق بن إبراهيم بن صالح خارج باب الجابية في قصر الحجّاج ، فقال أهل دمشق لأبي الهيذام : نحن على الطاعة ، وإنما بغى علينا قوم فقاتلناهم ، والعافية أحبّ إلينا ، قال أبو الهيذام : فخذوا لأنفسكم ، وأرسل ابنه الهيذام إلى السندي ليتوثق منه ، فقالوا له : لا ترسل ابنك فإنا لا نأمنه عليه ، قال : أمّا والله إنّه لأعزّ الخلق عليّ ولكن أغرّر

__________________

(١) اللفظة غير واضحة بالأصل ولا في م ، والذي أثبتناه عن المطبوعة. وانظر ما لاحظه محققها بالهامش.

(٢) الزيادة لازمة عن المطبوعة.

(٣) من قوله : فبعث أبو الهيذام إلى هنا سقط من م.

٧٦

به لأحتاط لكم ، فإن وفى له القوم فذاك ، وإن غدروا ناصبتهم الحرب ، فأرجوا أن يقتل الله السّندي وإسحاق وأبا إسحاق وأم إسحاق ، وقال لابنه : انطلق ، فأتى الهيذام السندي فرحب به وأدناه ، وردّه إلى أبيه فجاء أهل دمشق إلى السندي ، فأعطاهم ما أرادوا فتجهز أبو الهيذام يوم الأحد إلى الأحد الآخر ، ثم خرج يوم الاثنين ضحوة في عدة لم ير الناس مثلها ، معه خيوله ، معه تسعة آلاف فارس معلم ، فاجتمعت خيوله ثم أتى قرية لفزارة يقال لها راوية فنزلها وهي على فرسخ من دمشق.

وولي السنديّ دمشق بأحسن ولاية فأتته اليمانية فقالوا : خرج أبو الهيذام بدمائنا وأموالنا سالما ، قال : فما أصنع به؟ لا أقوى على محاربته ، فإن أردتم قتاله لم أمنعكم ، فدونكموه ، فلعمري إنه لمضجر لكم ، فلم تقاتلوه ، وأتى أبو الهيذام قرية لقيس يقال لها : براق (١) ثم سار إلى حوران ، وأقام السندي ثلاثة أيام ، وقدم موسى بن عيسى واليا على دمشق فولّى شرطه إبراهيم بن حميد المرورّوذي ، وأقام بدمشق عشرين يوما ، وأبو الهيذام بحوران يظهر أحيانا ، ويختفي أحيانا فبلغ عيسى (٢) بن موسى فخرج إلى حوران في أشراف أهل دمشق ومعه من قواد خراسان هرثمة بن أعين والسندي رجاء أن يأخذ أبا الهيذام وحذره أبو الهيذام فلم يظهر وطلبه موسى بن عيسى طلبا معذرا ، وقال للهيذام : لو كان أبوك تحت قدمي ما رفعتها عنه وألطف موسى الهيذام فكان أول داخل وآخر خارج ، فأقام خمسين يوما بحوران ، فطلب (٣) أبا الهيذام طلبا معذرا رجاء أن يصيب منه غرة فلم يقدر عليه ، فانصرف إلى دمشق واستعمل على حوران سعد الطلائع ، وخلّف معه ثلاثة آلاف من الجند وفرّق أبو الهيذام أصحابه ، ورجع الناس إلى عشائرهم ، وبقي أبو الهيذام في فوارس من حماة أصحابه ، فجاء أبو الورد بن رياح (٤) بن عثمان المرّي إلى موسى بن عيسى فقال : ولّني حوران وأجيئك بأبي الهيذام ، فولاه وأمر سعد الطلائع بطاعته ، فطلب أبو الورد أبا الهيذام طلبا سديدا فخرج أبو الهيذام إلى بلاد كلب حتى بلغ ماء يقال له الأحوى ، وسرّح موسى في طلب ابن منظور الزهيري ، وبلغ ذلك أبا الهيذام فرجع إلى حوران ثم دخل إلى منزله ليلا في بصرى ، وجاء قوم فأخبروا أبا الورد

__________________

(١) موضع بالشام (ياقوت : جبا براق).

(٢) كذا بالأصل وم : «عيسى بن موسى» وقد مرّ قبل سطر «موسى بن عيسى» وهو الصواب.

(٣) كذا بالأصل وفي م ، وفي المطبوعة : «يطلب» وهو أشبه.

(٤) في م : ابن رباح.

٧٧

وسعدا (١) ، فساروا في ثلاثة آلاف وأبو الهيذام في داره معه ابنه خريم وغلام له أسود ، فقال لجاريته : جيئيني ببدرة أقسمها بين أهلي ، فإنه قد حضرني رأيي السّاعة ، وقال لابنته : يا بنية طيبيني ، فجاءته بغالية ، فجعلها في رأسه ، وقال لها : يا بنية كم من متمن لرأس أبيك ، وجاءته الجارية ببدرة ، فقال : إنّي لأسمع صوت طبل ، قال : قائد ركب ، فلم يشعر إلّا بمحمّد الختّلي على الحائط قد تسوّر عليه والجنود قد أحاطت بداره ، وقام إلى سيفه ، وقال : عذرا يا بني اللخناء ، وجاءت ابنته بالدرع فألقتها في عنقه وحمل على الختّلي وكان من أشدّ فرسان أهل خراسان فاختلفا ضربتين فضرب أبو الهيذام وجهه فصرعه ، ووقعت ضربة الختّلي في علقه فلم يغن شيئا ، وقال لابنه خريم احتز رأسه ، فاحتز خريم رأسه ، ورمى [به](٢) إلى الجند ، فولّوا هاربين ، وقالوا : لم يصنع هذا أبو الهيذام إلّا ومعه فرسانه ، وقال أبو الهيذام لأهله : ارفعوا رايات ، فرفعوها وأظهروا السّلاح ، وخرج أبو الهيذام إلى دار له أخرى فيها دوابّه ، فركب وركب ابنه وغلامه ، وخرجوا على الناس وهم منهزمون فاتبعوهم حتى انتهوا إلى ملعب الروم ، حصن في مدينة بصرى ، وتسامعت خيل أبي الهيذام فجاءوا من كل وجه حتى تكامل عنده عدة فحاصرهم في ذلك الحصن يومه كله فلما أمسى مضى إلى حوران وكان أبو الورد ليلة سار إلى أبي الهيذام كتب إلى موسى بن عيسى بالخبر ، فأرسل ابنه في ألف فارس وقال له أقبل دوابّك حتى تصبّح بصرى ، فتأخذ أبا الهيذام فيكون لك ذكره ، وكتب موسى من ساعته إلى أمير المؤمنين هارون الرشيد إني قد قتلت أبا الهيذام وأنا باعث برأسه ، فلما أصبح موسى أتاه الخبر ، ثم لم يلبث إلّا عشرة أيام حتى عزل ، واستخلف عبد السّلام بن حميد المرورّوذي ، وسار أبو الهيذام إلى أبي الورد فأرسل أبو الورد إلى أهل بيته إلى عبد الواحد بن مجاشع ، وخالد بن مجاشع ، وأبي الورد بن الوليد بن عثمان وجماعة من أهل بيته ، قال : اخرجوا إلى أبي الهيذام فكلّموه ، فخرجوا إليه وطلبوا إليه ، وسألوه أن يعفو عنه ، فقال : إن جاءني فوضع يده في يدي رأيت رأيي ، قالوا : فإنا نأتيك به ، فسار أبو الهيذام إلى بصرى وجاء أبو الورد في خمس مائة من أهل خراسان فلما كان بينه وبين بصرى نصف فرسخ لقيته خيل أبي الهيذام ودنا هو وابنه خريم وغلامه وفارسان معه ، وجاء أبو الورد وجعدة ، وكثير بن الأشعث المرّي عليهم

__________________

(١) عن م ، وبالأصل : وسعد.

(٢) زيادة عن م ، سقطت من الأصل.

٧٨

السّلاح ، وكان في نفس أبي الهيذام عليهم شيء ، فوقفوا بين يديه فقال : يا جعدة ضع سيفك قال : نعم ، جعلت فداك ، فما تقلدنا السيوف إلّا بك وبأهل بيتك ، ثم قال لأبي الورد : يا مسروق بني رياح (١) أقلت إنّ رياحا محل (٢) بحبيب بن مرة أيام فعل ما فعل ، فأحببت أن تخلف أباك في لؤمه ، أحجم أهل اليمن عن طلبتي وتكرم أهل الفضل من غيرهم ، وتجرّدت أنت لي يا مسروق بني رياح؟ ضع سيفك ، قال : نبطي أنا فأضع سيفي ، قال : يا ابن اللخناء وترادّني أيضا ، اعقر فرسه فعقر به ، وضربه فقتله ، ثم قال : يا سكين ، خذ ثأرك من جعدة ، فقام سكين بن ربعي بن سلّام ، فقتل جعدة بن عبد السلام بن سلّام ، ثم قال لكثير : يا ضبع فزارة أما والله لو لا شأنك لألحقتك بصاحبيك ، ومضى أبو الهيذام إلى دمشق فنزل صكّا ، وأرسل إلى عبد السّلام بن حميد : إنّك آمن ، إنّما خفت على أهل دمشق أن يغير اليمن عليهم ، فإذا (٣) رأيت قوتك وضعفهم فأنا منصرف.

قال : وجاء ثلاثمائة من أهل خراسان إلى سعد الطلائع وإلى عبد السلام فقالوا : سرّحا معنا خيلا فنحن نقتل أبا الهيذام فسرّحا معهم جندا في عشر من شهور رمضان ، فلحقوا أبا الهيذام قبل أن يدخل حوران في قرية يقال لها : جمرين (٤) في طرف اللجاة ، فقاتلوه فقتل منهم ثمانية عشر نفسا ، وقتل يومئذ غلام أبي الهيذام ورجل من محارب ، فدعا دعامة القرشي ، وبيهس الفزاري ، فعهد إليهم وأوصاهم بما أراد ومضى. وذلك لعشر بقين من شهر رمضان سنة سبع وسبعين ومائة. وقال قوم : أتاه كتاب من أخيه مع أولئك الفرسان يناشده الله إلّا كفّ عن القتال ولم يحدث حدثا ، ففعل ، ومضى مع أولئك النفر إلى أخيه ، وأمر أصحابه بالتفرق فكان آخر العهد به.

قال : وكان غلام يقاتل مع القيسية ، فكانت أمه تنهاه ، فكان يأبى ، فأتاها يوما وقد شدخ رأسه فجعلت تولول وتصيح ، فقال لها ابنها : ليس عليّ بأس ، قد رقاني (٥) أبو الهيذام.

__________________

(١) في م : بني رباح.

(٢) سقطت اللفظة من م.

(٣) في المطبوعة : فإذ.

(٤) جمرين : قرية من قرى ناحية بصرى الشام.

(٥) عن م وبالأصل : رباني.

٧٩

قال : وكان أبو الهيذام يخرج إلى الجماعات الكثيرة يباشر القتال بنفسه ، فقيل له : لا تفعل ، فقال : اسكتوا إني رأيت في المنام إبليس وضع برنسه على رأسي فأنا لا أقتل.

قال : وقتل مع أبي الهيذام برز (١) بن كامل القيسي وكان من فرسانه.

قال أبو الحسين الرازي : هذه رواية المدائني في أمر أبي الهيذام.

وأمّا في رواية الدمشقيين ففيه زيادات كثيرة على ما حكى المدائني :

ذكروا أن في اليوم الذي قاتل فيه أبو الهيذام حتى بلغ قصر الحجّاج وفيه الأمير إسحاق بن إبراهيم ، قالوا (٢) : فشدّ عليهم الهيذام ، وخريم ابنا أبي الهيذام ومولى لبني أمية يقال له : عبد الرّحمن (٣) بن سعيد ، وعبد لأبي الهيذام أصغر يقال له : سابق. فهزموا اليمانية حتى بلغوا دار الحجاج وفيها إسحاق بن إبراهيم ، وقتلوا منهم فأثخنوا في القتل ، فقال في ذلك عمرو بن واقد مولى ابن (٤) أبي سفيان :

لم أر كالهيذام في الناس فارسا

صريحا ولا عبدا شبيها بسابق

كأنهما صقران حلّا حمائما

أتيحا لها في الجو من رأس حالق (٥)

فولت بنو قحطان عنّا كأنهم

هنالك ضأن جلن من صوت ناعق

ثم جمعت اليمانية جمعا كثيرا ثم ساروا إلى دمشق حتى أتوها من ثلاثة أبواب منها : باب الجابية ، وباب توماء ، وباب كيسان ، وخرجت المضرية ، فاقتتلوا قتالا شديدا [حتى كثر القتل والجراح في الفريقين ، ثم انهزمت اليمانية ، وتبعتهم مضر دخلت بعض قراهم ، فأنهبوها وحرقوها ، ثم إن اليمانية جمعوا جمعا عظيما ، ورأسوا عليهم عاصم بن (٦) بحدل الكلبي ، ثم أتوا مدينة دمشق من بابها الذي يدعى باب كيسان ، وخرجت إليهم المضرية ، فاقتتلوا قتالا شديدا](٧) وقتل ملأ من الفريقين

__________________

(١) عن م وبالأصل : بدر.

(٢) عن م والمطبوعة وبالأصل : قال.

(٣) «عبد الرحمن» مكررة في م.

(٤) في الأصل وم : «إلى» بدل «ابن» والمثبت عن المطبوعة.

(٥) عن المطبوعة ، وبالأصل وم : حابق.

(٦) كذا في م ، وورد في المطبوعة : عاصم بن محمد بن بحدل الكلبي.

(٧) ما بين معكوفتين سقط من الأصل واستدرك عن م.

٨٠