تفسير سورة الفاتحة

السيد جعفر مرتضى العاملي

تفسير سورة الفاتحة

المؤلف:

السيد جعفر مرتضى العاملي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: المركز الإسلامي للدّراسات
الطبعة: ٢
الصفحات: ٢٢١

١
٢

٣
٤

٥
٦

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

مقدمة الناشر

والحمد لله حمدا كثيرا وسبحان الله بكرة وأصيلا ، والصلاة والسّلام على رسوله الذي أرسله بالحق شاهدا ومبشرا ونذيرا ، وهاديا بإذنه وسراجا منيرا ، وعلى آله الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا.

أما بعد ..

فها نحن نقدم للقارئ العزيز ، الطبعة الثانية البيروتية من «تفسير سورة الفاتحة» بعد طبعته الأولى في مدينة قم المقدسة ، والتي بات من الواضح أنها عبارة عن دروس يقدمها سماحة العلامة المحقق السيد جعفر مرتضى العاملي (دام ظله) في درسه التفسيري الأسبوعي.

وتفسير هذه السورة هي أول إصدارات هذه السلسلة ، لكن لما كانت الطبعة الأولى قد صدرت في قم المقدسة ، وحيث أن المركز الإسلامي للدراسات قد ارتأى نشر جميع هذه السلسلة في بيروت ، فقد بات من الضروري إعادة طبع هذا الكتاب في بيروت أيضا ليتسنى للقارئ العزيز الحصول عليها ، لا سيما وأن

٧

العلامة المحقق يحيل في بعض الأحيان إلى ما ذكره في تفسير هذه السورة.

هذا ولا بد من الإشارة إلى أن المركز الإسلامي للدراسات ، قام وبالتنسيق مع سماحته (حفظه المولى) بإجراء بعض الإضافات الضرورية التي كان لا بد منها في بعض الموارد لزيادة البيان وإيضاح المقصود.

فضلا عن القيام بتصحيح ما كانت قد عانت منه الطبعة الأولى من أخطاء.

نسأل الله سبحانه وتعالى أن يتولانا بلطفه ويوفقنا لما يحب ويرضى ، إنه نعم المولى ونعم النصير.

المركز الإسلامي للدراسات

٨

تقديم

بسم الله الرحمن الرحيم

والحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسّلام على محمد وآله الطاهرين ، وبعد.

فهذه دروس حول آيات سورة الفاتحة خصصت لبعض الاخوة الأعزاء من شبابنا الأكارم في بلدة عدشيت. وقد استخرجها ـ مشكورا ـ الأخ وفيق سعد من أشرطة التسجيل ، وبذل في سبيل ذلك جهدا ووقتا ، على أمل أن يتم تكثيرها ، وتوزيعها على بعض الإخوة الراغبين.

ثم تأكدت الرغبة في نشرها ، فلحقها بعض الإصلاحات لعباراتها ، والتنظيم لفقراتها ، الذي يؤهلها لأن تكون مفهومة لمن يريد الإطلاع عليها.

ونريد أن نذكر القارئ الكريم هنا بأننا لم نستفد من كتب التفسير كثيرا. بل إن مراجعتنا لها تكاد لا تستحق التنويه بها ؛

٩

ولأجل ذلك فإن القارئ لن يستفيد كثيرا من هذه الدروس ، إذا كان يرغب في الإطلاع عل أقوال المفسرين ، وعلى الأمور التي اعتادوا التركيز عليها ، والإهتمام بها.

وبعد ، فإنني لا أستطيع أن أطلق على هذه الدروس اسم (تفسير). وإنما هي مجرد مشاعر وخواطر ، يمكن تلمس مناشئها وتداعياتها في دلالات سورة الفاتحة ، التي هي أم الكتاب العزيز ، والسبع المثاني.

وأرجو أن أكون قد وفقت في هذه المحاولة ، التي سوف يلمس فيها القارئ الكريم إصرارا على الإلتزام بالأجواء القرآنية ، وعدم الإنسياق ، في رحاب المعاني إلى درجة تجاوز حدود المداليل والإيحاءات للآيات الكريمة. كما قد يحدث أو حدث ذلك بللفعل لبعض من تصدى لتفسير القرآن الكريم ، أو لتفسير بعض سوره.

ومهما يكن من أمر ، فعلى الأقل لا يمكن أن يعتبر هذا الإنجاز هو النموذج الأفضل للتفسير. فقد يحتاج إلى الكثير من التقليم والتطعيم. وقد نستفيد كثيرا من ملاحظات الإخوة الأعزاء حفظهم الله تعالى ، ونحن لهم سلفا من الشاكرين.

وفقنا الله جميعا لصواب القول ، وصلاح الفعل ، وخلوص القصد.

١٠

والحمد لله ، وصلاته وسلامه على عباده الذين اصطفى محمد وآله الطاهرين.

جعفر مرتضى العاملي

٢٠ شهر رمضان المبارك ١٥١٦ ه‍. ق.

١١
١٢

تمهيد

أحببت هذه المرة أن أخالف المألوف ، وأتمرد على ما هو معروف ، حيث إنني لا أريد أن أكتب في هذا التمهيد شيئا من عند نفسي ، بل أريد فقط أن أورد بضع روايات عن أهل بيت العصمة توضح لنا التفسير ، وشرائطه ، ومناهجه.

والذي زاد من رغبتي في ذلك هو أنني لم أر أحدا من المفسرين حاول أن يركز اهتمامه على هذه الروايات ، رغم أنها من الأهمية بمكان.

وهذه الروايات التي اخترتها هي التالية :

١ ـ روي عن الإمام الصادق ، وكذا عن الإمام الحسين عليهما‌السلام : أنه قال :

(كتاب الله على أربعة أشياء : على العبارة ، والإشارة ، واللطائف ، والحقائق. فالعبارة للعوام ، والإشارة للخواص ، واللطائف للأولياء ، والحقائق للأنبياء) (١).

__________________

(١) راجع : بحار الانوار : ج ٨٩ ص ١٠٣ و ٢٠ وج ٧٥ ص ٢٧٨ عن كتاب الاربعين ، وعن الدرة الباهرة وأعلام الدين ص ٣٠٣ وجامع

١٣

٢ ـ لقد أوضح أهل بيت العصمة : أن على المفسر أن يبحث عن معنى الكلمات والتراكيب في الاستعمالات المتداولة بين الناس من مختلف الفئات والقبائل ، ليعثر على القاسم المشترك الذي يمكن للجميع من خلاله أن يتلمسوا المعنى المراد ، لأن الاقتصار على لغة فريق معين ، أو قبيلة بعينها ، ربما لا يكون مجديا أن لم يكن سببا في الإبتعاد عن المعنى الحقيقي والمراد أحيانا.

والمثال الذي نورده هنا : هو أنه قد روي أن بعضهم كان في مجلس الإمام السجاد عليه‌السلام ، فقال له : يا ابن رسول الله ، كيف يعاقب الله ويوبخ هؤلاء الأجلاف على قبائح أتى بها أسلافهم ، وهو يقول : (وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى *) (٢)؟!.

فقال عليه‌السلام : (إن القرآن نزل بلغة العرب ، فهو يخاطب فيه أهل اللسان بلغتهم ، يقول الرجل التميمي ـ قد أغار قومه على بلد ، وقتلوا من فيه : أغرتم على بلد كذا ، وفعلتم كذا ..

__________________

الاخبار والآثار للأبطحي ج ١ ص ٤٥١ عنه وعن نزهة الناظر ص ١١٠ وعن كتاب الأربعين في قضاء حقوق أمير المؤمنين وراجع : جامع الاخبار ص ٤٨ / ٤٩.

(٢) سورة الأنعام آية ١٦٤. الاسراء ، آية ١٥. فاطر آية ١٨. الزمر آية ٧.

١٤

ويقول العربي : نحن فعلنا ببني فلان ، ونحن سبينا آل فلان ، ونحن خربنا بلد كذا.

لا يريد أنهم باشروا ذلك. ولكن يريد هؤلاء بالعذل ، وأولئك بالامتحان (الافتخار) أن قومهم فعلوا كذا.

وقول الله عزوجل في هذه الآيات إنما هو توبيخ لأسلافهم ، وتوبيخ العذل على هؤلاء الموجودين ، لأن ذلك هو اللغة التي نزل بها القرآن ، ولأن هؤلاء الأخلاف أيضا راضون بما فعل أسلافهم ، مصوبون ذلك لهم ؛ فجاز أن يقال لهم : أنتم فعلتم ، إذ رضيتم قبيح فعلهم) (٣).

وعن الصادق عليه‌السلام : نزل القرآن بإياك أعني واسمعي يا جارة (٤).

٣ ـ قد أشاروا عليهم‌السلام إلى ضرورة معرفة خصوصيات كل لفظ ، وسر اختياره لموقعه دون سواه ، فقد روي : أنه لما نزل قوله تعالى : (إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ

__________________

(٣) الاحتجاج ج ٢ ص ١٣٨ ط سنة ١٤١٣ ه‍. وتفسير الامام العسكري ص ٢٧٠ والبحار ج ٤٥ ص ٢٩٦.

(٤) الكافي ج ٢ ص ٦٣١ وتفسير العياشي ج ١ ص ١٠ ونور الثقلين ج ٣ ص ١٩٨ وتفسير البرهان ج ٤ ص ٨٤ وج ١ ص ٢٢ وتفسير القمي ج ١ ص ١٦ والبحار ج ٨٩ ص ٣٨٢ وج ٩ ص ٢٢٢ وج ١٧ ص ٨٣.

١٥

حَصَبُ جَهَنَّمَ) (٥) قال ابن الزبعرى : فنحن نعبد الملائكة ، واليهود تعبد عزيرا ، والنصارى تعبد عيسى (عليه‌السلام).

فأخبر النبي (ص) فقال : يا ويل أمه! أما علم أن (ما) لما لا يعقل ، و (من) لمن يعقل الخ (٦).

وحينما سأل بعضهم الإمام الصادق ـ أو الباقر ـ عليهما‌السلام عن المسح في الوضوء ، فقال له : من أين علمت أن المسح ببعض الرأس؟! وبعض الرجلين؟! قال عليه‌السلام : لمكان الباء (٧). أي في قوله تعالى :

(وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ) (٨).

٤ ـ إن الطهارة من الذنوب أيضا تعين على فهم القرآن ؛ ففي دعاء ختم القرآن المروي عن السجاد عليه‌السلام :

__________________

(٥) سورة الأنبياء : الآية ٩٨.

(٦) راجع : الكنى والالقاب ج ١ ص ٢٩٤.

(٧) راجع : تفسير العياشي ج ١ ص ٢٩٩ وتفسير البرهان ج ١ ص ٤٥٣ و ٤٥١ ودعائم الاسلام ج ١ ص ١٠٩ ومستدرك الوسائل ج ١ ص ٣١٤ و ٣١٦ والوسائل ط مؤسسة آل البيت ج ١ ص ٤١٣ وج ٣ ص ٣٦٤ والاستبصار ج ١ ص ٦٣ وتهذيب الأحكام ج ١ ص ٦١ والكافي ج ٣ ص ٣٠ وعلل الشرائع ج ١ ص ٢٧٩.

(٨) سورة المائدة الآية ٦.

١٦

(واجعل القرآن لنا في ظلم الليالي مؤنسا. ومن نزعات الشيطان ، وخطرات الوسواس حارسا. ولأقدامنا عن نقلها إلى المعاصي حابسا. ولألسنتنا عن الخوض في الباطل من غير ما آفة مخرسا. ولجوارحنا عن اقتراف الآثام زاجرا).

ولما طوت الغفلة عنا من تصفح الاعتبار ناشرا. حتى توصل إلى قلوبنا فهم عجائبه ، وزواجر أمثاله الخ ..) (٩).

٥ ـ وثمة رواية عن الإمام الصادق عليه‌السلام يذم فيها الغاصبين ، ذكر فيها (ع) أصول التفسير ، وشروطه التي لا بد من الوقوف عندها ، والانتهاء إليها ، والانطلاق منها. وهي رواية مهمة جدا ، نذكر إحدى فقراتها ، وهي التالية :

روي عن الإمام الصادق عليه‌السلام : أنه قال في جملة حديث له :

(وذلك أنهم ضربوا بعض القرآن ببعض ، واحتجوا بالمنسوخ ، وهم يظنون أنه الناسخ ، واحتجوا بالمتشابه ، وهم يرونه أنه المحكم ، واحتجوا بالخاص وهم يقدرون أنه العام ، واحتجوا بأول الآية ، وتركوا السبب في تأويلها ، ولم ينظروا إلى ما يفتح الكلام والى ما يختمه ، ولم يعرفوا موارده ومصادره ، إذ لم يأخذوه عن أهله ، فضلوا وأضلوا.

__________________

(٩) الصحيفة السجادية ، الدعاء عند ختم القرآن ص ١٣٦.

١٧

واعلموا رحمكم الله أنه من لم يعرف من كتاب الله عزوجل الناسخ من المنسوخ ، والخاص من العام والمحكم من المتشابه ، والرخص من العزائم والمكي من المدني ، وأسباب التنزيل ، والمبهم من القرآن في ألفاظه المنقطعة والمؤلفة ، وما فيه من علم القضاء والقدر ، والتقديم والتأخير ، والمبين والعميق ، والظاهر والباطن والابتداء والانتهاء ، والسؤال والجواب ، والقطع والوصل ، والمستثنى منه والجاري فيه ، والصفة لما قبل مما يدل على ما بعد ، والمؤكد منه ، والمفصل ، وعزائمه ورخصه ، ومواضع فرائضه وأحكامه ومعنى حلاله وحرامه الذي هلك فيه الملحدون ، والموصول من الألفاظ ، والمحمول على ما قبله ، وعلى ما بعده ، فليس بعالم بالقرآن ، ولا هو من أهله ، ومتى ما ادعى معرفة هذه الأقسام مدع بغير دليل ، فهو كاذب مرتاب ، مفتر على الله الكذب ورسوله ، ومأواه جهنم وبئس المصير) (١٠).

هذه هي الروايات التي أحببت أن أقدمها أمام تفسير سورة الفاتحة ، (إن صح إطلاق اسم التفسير على هذه المطالب). ولا أريد أن أضيف عليها شيئا.

__________________

(١٠) بحار الأنوار ج ٩٠ ص ٣ و ٤ ووسائل الشيعة ج ٢٧ ص ٢٠٠ و ٢٠١ وجامع الاخبار والآثار للأبطحي ج ١ ص ٥٣١ / ٥٣٢.

١٨

إلفات نظر لا بد منه :

إننا نذكر القارئ الكريم بالأمور التالية :

الأول : إن مراجعتنا لكتب اللغة أحيانا ، إنما كانت من أجل الاطلاع على موارد استعمالات الألفاظ أو التراكيب ، وذلك للتعرف على آفاق المعنى وحدوده ، وإلماحته ، وإشاراته ، وإيحاءاته. لأن ذلك مهم جدا في نيل المعاني القرآنية ، وتحديد مدلولات مفرداتها ، وتراكيبها على حد سواء.

هذا .. إلى جانب لزوم ملاحظة الاستعمالات القرآنية ، والتوفر التام على مناحي وجهات الاستعمالات فيه للفظ ، أو للتركيب الذي هو محط النظر ، بهدف اكتشاف الحدود والقيود أو حتى المنحى القرآني الخاص ، بما له من مزايا وحالات ، قد تختلف في مراميها ومغازيها عن غيرها مما هو معروف ومألوف ، ومتداول.

الثاني : إننا قد حاولنا : أن نقوم ببعض المقارنات فيما بين البدائل اللفظية ، التي يمكن اقتراحها ، أو الإلتجاء إليها ، ثم تحديد الفوارق التي يمكن تلمسها بين اللفظ المختار ، وبين اللفظ الآخر ، الذي يفترض كونه بديلا.

وقد شعرنا من خلال ذلك : أن هذه المحاولة تسهم في وضوح وتحديد المعنى القرآني بصورة ظاهرة ، من حيث انها تساعد على اكتشاف الخصوصيات التي لها مساس بالمعنى المدلول ، وتؤثر

١٩

في معرفة حدوده وآفاقه. بل وقد تساعد على تحديد مناشئه وغاياته. هذا ان لم تكن قد ساعدت على انتاج معان جديدة من خلال إيحاءاتها المختلفة ، ودلالاتها ، التي تستند الى وسائل تعبيرية لم يسبق أن خضعت للتحديد في معاجم اللغة ، ولا في علومها المتداولة ..

الثالث : إننا نتمنى على القارئ الكريم أن يتابع فصول الحديث عن سورة الفاتحة الى نهايته ، لأن هذه السورة المباركة كل لا يتجزأ ، يسهم آخره في فهم أوله ، وأوله يساعد على فهم واستكناه حقيقة المراد من آخره.

فقد حددت هذه السورة المباركة كل الملامح لحياة هذا الإنسان بكل فصولها وأبعادها ، من البداية الى النهاية ، وأختصرت كل الخطة الإلهية في هدايته لهذا الإنسان ليقوم بدوره على النحو الأكمل والأمثل والأفضل في هذا العالم العتيد ..

علي (ع) وتفسير سورة الفاتحة ، والبسملة :

عن علي عليه‌السلام : لو شئت لأوقرت سبعين بعيرا في تفسير فاتحة الكتاب (١١).

__________________

(١١) التراتيب الادارية ج ٢ ص ١٨٣ وبحار الانوار ج ٨٩ ص ١٠٣ و ٩٣ عن اسرار الصلاة ، ومناقب آل أبي طالب ج ٢ ص ٥٣ وتفسير البرهان ج ١ ص ٣ وينابيع المودة ص ٦٥ وجامع الاخبار والآثار للأبطحي ج ٢ ص ٤٨ واحقاق الحق (الملحقات)

٢٠