المغرب في حلى المغرب - ج ١

علي بن موسى بن محمّد بن عبد الملك بن سعيد الغرناطي الأندلسي

المغرب في حلى المغرب - ج ١

المؤلف:

علي بن موسى بن محمّد بن عبد الملك بن سعيد الغرناطي الأندلسي


المحقق: خليل المنصور
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٨١
الجزء ١ الجزء ٢

بأي لسان أقتضي شكر نعمة

مننت بها عفوا ولم أتكلّم

وقد كان حالي في أخير ذمائه

فكنت له مثل المسيح ابن مريم

ولولاك ما كان القريض بنافع

ولا كان في جيد العلا بمنظّم

وله في بدأة قصيدة يرثي بها ولده :

بنيّ بكاك الجود والسيف والقلم

ولو تستطيع الشّهب لم تبد في الظّلم

٦٢ ـ أبو محمد عبد الله بن خليفة القرطبي يعرف بالمصري لطول إقامته بمصر (١)

من الذخيرة : شيخ الفتيان ؛ وآبدة الزمان ، وخاتمة أصحاب السلطان ، وكان رحل إلى مصر واسمه خامل ، وسماؤه عاطل ، فلم يلبث ، أن طرأ على الأندلس ، وقد نشأ خلقا جديدا ، وجرى إلى النباهة طلقا بعيدا ، فتهادته الدول ، وانتهت إليه التفاصيل والجمل ، وكلما طرأ على ملك فكأنه معه ولد ؛ وإليه قصد ، يجري مع كل أحد ويجول في كل بلد ، وتلوّن في العالم تلوّن الزمان ، وتلاعب بملوك الطوائف تلاعب الرياح بالأغصان ، حتى ظفر به المأمون بن ذي النون ، فشدّ عليه يد الضّنين. وذكر : أنه اشتهر بالطب ، وكان كثير النادرة حاضر الجواب. ووقفت له على شعر أكثره عاطل من حلية البديع. ولما انصرفت الدولة الذنوبية تحيّز إلى إشبلية ، فأنس المعتمد بمكانه ، وجعل له حظّا من سلطانه ، وذكر : أنه بقي بعد خلع المعتمد مشتملا على فضل جدة ، إلى أن توفّي سنة ست وتسعين وأربعمائة يوم الجمعة منتصف رجب.

وذكر ابن حيان : أنه كان ابن جاره له خفّاف ، وأخذ في ذمه. وأنشد له في المأمون بن ذي النون [الطويل].

وقد كان لي في مصر دار إقامة

ولكن إلى المأمون كان التشوّق

حللت عليه والمكارم جمّة

وسحب العطايا فوقها تتألّق

وقوله (٢) :

الحب داء دواؤه القبل

والرّسل بين الأحبّة المقل

يا حفظ الله ليلة سلفت

حيّت ببدر سماؤه الكلل

__________________

(١) هو أبو محمد المصري عبد الله بن خليفة القرطبي اشتهر بالطب ورواية الشعر ، مدح باديس بن حبوس ، صاحب غرناطة ، توفي سنة ٤٩٦ ه‍. الذخيرة (ق ٤ / ص ٣٤٢) وقلائد العقيان (ص ٧) ونفح الطيب (ج ٢ / ص ٦٩).

(٢) الأبيات في الذخيرة (ج ١ / ق ١ / ص ٣٤٦).

٨١

بتنا وراح العفاف تلحفنا

برد وفاء والشّمل مشتمل

اثنان من شدّة التعانق قد

صارا كفرد بالرّوح يتّصل

حتّى إذا غرّة الصّباح بدت

وجفنه بالعبير مكتحل

فارقني وهو خائف وجل

نشوان من خمرة الصّبا ثمل

عيناي منه قريرة أبدا

والنار بين الضلوع تشتعل

ومدح بلقّين بن حماد صاحب القلعة ، ومدح باديس بن حبوس ، صاحب غرناطة ، بقصيدة منها (١) :

رسخت أصول علاكم تحت الثّرى

ولكم على خطّ المجرّة دار

تبدو شموس الدّجن من أطواقكم

وتفيض من بين (٢) البنان بحار

إنّ المكارم صورة معلومة

أنتم لها الأسماع والأبصار

ذلّت لكم قمم الخلائق مثلما

ذلّت لشعري فيكم الأشعار

فمتى مدحت ولا مدحت سواكم

فمديحكم في مدحه إضمار

وقوله (٣) :

ألا يا هند قد قضّيت حجّي

فهات شرابك العطر العجيبا

فقد ذهبت ذنوبي في طوافي (٤)

فقومي الآن نقترف الذّنوبا!

خلطنا ماء زمزم في حشانا

بماء الكرم (٥) فامتزجا قريبا

وقوله (٦) :

أيّ هلال أطلّ فينا

مطلعه الطّوق في الجيوب (٧)

كحيل طرف ثقيل ردف

مبسمه اللؤلؤ الرطيب

يقودنا كيف شاء طوعا

لأن أعوانه القلوب

وذكر الحجاري ذمّ ابن حيان له ، وقال : ما كان عنده ذنب إلا جواره ، فبئس الذّمام. وذكر :

__________________

(١) الأبيات في الذخيرة (ج ١ / ص ٣٥٠).

(٢) في الذخيرة : من ثني.

(٣) الأبيات في الذخيرة (ج ١ / ص ٣٥٨) ومنها في الشريشي (ج ٥ / ص ٣٠٥).

(٤) في الذخيرة : الليالي.

(٥) في الشريشي : المزن.

(٦) الأبيات في الذخيرة (ج ١ / ص ٣٥٨).

(٧) في الذخيرة : والجيوب.

٨٢

أنه قصد بعد ابن ذي النون المعتمد بن عباد ، فلم يحمده ، وكتب له رسالة بعد انفصاله عنه ، فيها :

رحلت وفي القلب جمر الغضا

وهجري لكم دون شكّ صواب

كما تهجر النفس طيب الطعام

إذا ما تساقط فيه الذّباب

وذمه ابن اللبانة في كتاب سقيط (١) الدرر ، لأن المعتمد بن عباد كان يعظمه ، ويجزل إحسانه له ، فلما خلع ظهر منه في حقه قلة وفاء وادّعى أن جارية ولدت من ولد المعتمد في ملكه ، وأنها غصبت له ، فأخذها ، ومعها ولد صغير من ولد المعتمد استعبده ، وصار يصرّفه فيما يصرّف فيه العبيد.

ومن كتاب مصابيح الظلام في حلى الناظمين لدر الكلام

٦٣ ـ أبو الأجرب جعونة الكلابي (٢)

من المقتبس : أنه كان مداحا للصّميل (٣) وزير يوسف بن عبد الرحمن الفهري سلطان الأندلس ، أفنى فيه قوافيه ، وكان الصميل قد أغلظ القسم على نفسه ألا يراه إلا أعطاه ما حضره ، فكان أبو الأجرب يعتمد إغباب لقائه ، وكان لا يزوره إلا مرتين في العيدين ، وكان قد هجاه وهجا قومه ، فلما حصل في يده عفا عنه فنسخ هجوه بمدحه.

قال : وكان فارسا شجاعا ، يدعى عنترة الأندلس ، لم يلحق دولة بني أمية. قيل إنه مات قبل وقعة المصارة ، التي كانت لعبد الرحمن على يوسف.

ومن الجذوة : أنه جعونة بن الصّمّة ، وأنشد له :

ولقد أراني من هوى بمنزل

عال ورأسي ذو غدائر أفرع

والعيش أغيد ساقط أفنانه

والماء أطيبه لنا والمرتع

وجعله ابن حزم في طبقة جرير والفرزدق وعصرهما وذكر الحجاري أنه من العرب الطارئين على الأندلس ، كان يرحل ويحلّ بأكناف قرطبة.

__________________

(١) كتاب سقيط الدرر والقيط الزهر ، في شعر بني عباد لأبي بكر محمد بن عسى ابن اللبانة (اللبان) الشاعر المتوفى سنة ٥٠٧ ه‍. كشف الظنون / ح ٢ / ص ٩٩٣.

(٢) أبو الأجرب جعونة بن الصمّة الكلابي من قدماء شعراء الأندلس ، وترجمته في جذوة المقتبس (ص ١٨٩) ، وبغية الملتمس (ص ٢٦١) ونفح الطيب (ج ٤ / ص ١٥٦).

(٣) انظر ترجمته في الحلة السيراء (ص ٤٩).

٨٣

٦٤ ـ مؤمن بن سعيد بن إبراهيم بن قيس (١) مولى الأمير عبد الرحمن المرواني الداخل

من المقتبس : أنه فحل شعراء قرطبة ، كان يهاجى ثمانية عشر شاعرا ، فيعلوهم ، وكانت آفته التهكم بالناس ، وتتبّع زلّاتهم ، وتمزيق أعراضهم فرموه عن قوس واحدة. ورحل إلى الشرق ، فلقي أبا تمام الطائي (٢) ، وروى عنه شعره ، وكان يقرأ عليه بالأندلس ، وقرأ عليه يوما أحد المتعلمين قول حبيب :

أرض خلعت اللهو خلعي خاتمي

فيها وطلّقت السّرور ثلاثا

فقال له : من سرور هذه أصلحك الله؟ فقال : هي امرأة حبيب ، وقد رأيتها ببغداد!

وحمله طبعه الذّميم على أن أفسد حاله عند مستخلصه هاشم بن عبد العزيز وزير الأمير محمد. ولما أسر هاشم شمت به ، وقال مخاطبا أبا حفص ، ابن عم هاشم وعدوّه :

تصبّح أبا حفص على أسر هاشم

ثلاث زجاجات ، وخمس رواطم

وبح بالذي قد كنت تخفيه خفية

فقد قطع الرحمن دولة هاشم

وقال هذه القصيدة سرّا ، وصنع على وزنها قصيدته :

متى ترجع الأيام دولة هاشم

ويشملها نور العلا والمكارم

ولم يخف على هاشم وبنيه قصيدة الشماتة ، فلما عاد هاشم إلى وزارته ، وخلص من الأسر نصب له حبائل السّعاية عند الأمير محمد ، حتى أطال حبسه الذي أدى به إلى الهلكة ، ولم يفده ما أطاله في حبسه من النظم والنثر ، وأكثر التشفّع بجدّ هاشم : محمد بن جهور ، فلم يفده ، فأقذع في هجائه. وفي أبي حفص المتقدم الذكر يقول :

أخاطر في هوى عمر برأسي

أليس أعزّ من رأسي عليّا؟!

ولما كسر أهل سجن ، وفرّوا منه ، رغب مؤمن عن الفرار ، وظن أن ذاك يخلّصه ، فلما وقف هاشم بباب الحبس لمعاينة من فيه ، والنظر في أمره ، خرج إليه مؤمن ، واستعطفه ، فلم

__________________

(١) ذكره الثعالبي في يتيمة الدهر (ج ٢ / ص ٢٠) وأنشد له بعض شعره والحميدي في جذوة المقتبس (ص ٣٣٠) وفي بغية الملتمس (ص ٤٥٦).

(٢) هو حبيب بن أوس بن الحرث بن قيس أبو تمام الطائي الشيعي الشاعر المشهور ولد في قرية جاسم ونشأ بمصر وانتقل إلى العراق وسكن الموصل توفي بها سنة ٢٣١ ه‍ من تصانيفه «الحماسة الطائية» مشهورة «ديوان شعر» ، كشف الظنون (ج ٥ / ص ٢٦٢).

٨٤

يلتفت إليه ، وأوصى السجان بإيصاده. فقتله اليأس إلى ستة أيام ، ليلة الثلاثاء أربع خلون من رجب سنة سبع وستين ومائتين.

وجعله الحجاري دعبل الأندلس.

وأنشد له الحميدي (١) :

حرمتك ما عدا نظرا مضرّا

بقلب بين أضلاع (٢) مقيم

فعيني منك في جنات عدن

مخلّدة ، وقلبي في الجحيم

٦٥ ـ محمد بن عبد العزيز العتبي (٣)

من المسهب : أنه من نبهاء شعراء دولة الأمير محمد ، وكان مخصوصا بالقاسم بن الأمير محمد ، كما كان مؤمن بن سعيد مخصوصا بمسلمة بن الأمير محمد ، وكان بينهما مهاجاة.

وله حكايات مع القاسم ، منها : أنه ناوله قدحا كبيرا ليشربه من يده ، فقام واقفا ، وصبّ القدح في حلقه ، من غير أن يباشر شفة الكأس ، فأمر أن يملأ له دنانير. وأنشد :

إذا نفخ النسيم فقم وباكر

رياض النهر والأنداء تهمي

ولا تشرب بنات الكرم إلا

على روض ند وبنات كرم

٦٦ ـ أبو عبد الله محمد بن مسعود القرطبي (٤)

من الذخيرة : كان ظريفا في أمره ، كثير الهزل في نظمه ونثره ، وأراه فيما انتحاه تقبّل منهاج ابن حجّاج بالعراق ، فضاقت ساحته ، وقصرت راحته ، وأعياه الصّريح فمذق ، ولم يحسن الصّهيل فنهق ، ومما أنشد له (٥) :

وخرجنا كما دخلنا بلا فل

س (٦) ولكن ربحت صفع قفاء

مدّ في ذا المكان ذا الحرف لما

مدّه صفع ظالم ذي اعتداء

وجعله الحجاري من مشهوري شعراء المائة الخامسة.

__________________

(١) الأبيات في بغية الملتمس (ص ٤٥٦).

(٢) في البغية : أضلاعي.

(٣) ذكره الثعالبي في يتيمة الدهر (ج ٢ / ص ٢٨) ، وأنشد له بعض شعره لم يذكره ابن سعيد هنا.

(٤) انظر ترجمته في المسالك (ج ١١ / ص ٤٠٠) والذخيرة (ج ٢ / ق ١ / ص ٦٦ وما بعدها).

(٥) البيتان في الذخيرة (ج ٢ / ق ١ / ص ٦٧).

(٦) في الذخيرة : شيء.

٨٥

٦٧ ـ أبو بكر يحيى بن سعدون بن تمام الأزدي القرطبي (١)

كان عندي من الشعراء ، ثم وقفت على ذكره في خط الصاحب كمال الدين بن أبي جرادة ، ووصفه بأنه كان مقرئا نحويا ، وأنه سمع الحديث بقرطبة على أبي محمد عبد الرحمن بن محمد بن عتاب (٢) ، ودخل حلب ، وأقرأ بها ، ورحل إلى الموصل ، ودخل أصفهان ، وتوفي سنة إحدى وسبعين وخمسمائة بالموصل. وذكر ابن عساكر (٣) : أنه توفي يوم الجمعة سنة سبع وستين وخمسمائة وأنشد له الصاحب :

عرّج على منزل الأحباب يا حادي

بباب أبزر حيث الكوكب الهادي

لعلنا نلتقي ليلا بهم وعسى

نلقى إليهم حديثا ليس بالبادي

يا حادي العيس لا تعجل وها كبدي

ودمع عيني عن ماء وعن زاد

٦٨ ـ أحمد بن مسعود بن محمد الخزرجي القرطبي (٤)

ذكر لي أنه من شعراء قرطبة الذين رحلوا إلى المشرق ، وأنشدت له :

من لي به ذو صلف زائد

يمطلني ناظره ديني

وكلما وافيته طالبا

ألفيته منكسر العين

ثم وقفت على ذكره في خطّ الكمال بن الشّعّار (٥) المؤرخ ، موصوفا بالتفنن في العلوم الكثيرة ، وأنه صنّف كتبا في الطب والنحو وأصول الدين ، وكان شافعيّا ، وسكن دنيسر ، وانتفع به أهلها ، وبها مات سنة إحدى وستمائة.

قال : وأنشدني له أبو الحسن علي بن يوسف بن محمد بن الصفار المارديني الكاتب الشاعر بإربل ، قال : أنشدني أبو العباس الخزرجي لنفسه (٦) : [الوافر]

وفي الوجنات ما في الرّوض لكن

لرونق زهرها معنى عجيب

__________________

(١) ترجمته في وفيات الأعيان (ج ٦ / ص ١٧١) وبغية الوعاة (ص ٤١٢) ونفح الطيب (ج ٢ / ص ٣٣١).

(٢) ترجمته في الصلة (ص ٢٤٢). توفي سنة ٥٣١ ه‍.

(٣) هو علي بن أبي محمد الحسن الدمشقي الشافعي المتوفى سنة ٥٧١ ه‍. ترجمته في كشف الظنون (ج ٥ / ص ٧٠١) والمنجد في اللغة والأعلام (ج ٢ / ص ٢١).

(٤) ترجمته في التكملة (ص ١٢٤) والغصون اليانعة (ص ٥١) ونفح الطيب (ج ٣ / ص ٣٥٧ / ٣٥٨).

(٥) هو أبو بركات مبارك بن الشعار الموصلي المتوفى سنة ٦٥٤ ه‍ من مؤلفاته (عقود الجمان في شعراء الزمان). كشف الظنون (ج ٢ / ص ١١٥٤).

(٦) الأبيات في نفح الطيب (ج ٣ / ص ٢٥٨).

٨٦

وأعجب ما التّعجّب منه (١) أنّي

أرى البستان يحمله قضيب

وقوله :

ونمّت بنا في الليل أنوار وجهه

فمدّ علينا من ذوائبه سترا

٦٩ ـ أبو الحسن علي بن يوسف بن خروف القرطبي (٢)

شاعر مشهور في الغرب والشرق ، مدح بسبتة ملكها إدريس بن يوسف ابن عبد المؤمن بقصائد ، منها قوله من قصيدة في وصفها :

خذها إليك عروسا لا كفاء لها

تزيد جدّتها ما دامت الحقب

عذراء أخجلها ما فيك من عظم

حتى لكادت من العلياء تنتقب

إن لم تكن أحرزت من ربّها حسبا

فإنّ مدحك في أثنائها حسب

ومدح بمراكش وزيرها أبا سعيد بن جامع بقصيدة منها :

ضمنت لعيني يوم لحت لأفقها

بأن لا ترى وجها من الدهر يسودّ

ومن مشهور شعره قوله :

لا تظهرنّ صفاء

ولا لمن تصطفيه

لولا صفاء زجاج

لم ينظر البول فيه

وقوله :

وكان غريب الحسن قبل عذاره

فلما التحى صار «الغريب المصنّفا»

وقوله وهو من المرقصات في راقص (٣) : [الكامل]

ومنوّع (٤) الحركات يلعب بالنّهى

لبس المحاسن عند خلع لباسه

متأوّدا كالغصن وسط رياضه

متلاعبا (٥) كالظّبي عند كناسه

__________________

(١) في النفح : عنه.

(٢) ترجمته في الذيل والتكملة (ج ٥ / ص ٣٩٦) ووفيات الأعيان (ج ٧ / ص ٩٤) ونفح الطيب (ج ٣ / ص ٣٨٢). توفي سنة ٦٢٠ ه‍.

(٣) الأبيات في نفح الطيب (ج ٤ / ص ١٨٠) وفي الذيل والتكملة (ج ٥ / ص ١٢٢).

(٤) في النفح : ومنزع.

(٥) في الذيل والتكملة : «متأود كالغصن عند كثيبه متلاعب ...».

٨٧

بالعقل يلعب مقبلا أو مدبرا (١)

كالدهر يلعب كيف شاء بناسه

ويضمّ للقدمين منه رأسه

كالسّيف ضمّ ذبابه لرئاسه

وأنشد له صفوان في زاد المسافر في غلام ضربته قوس في فمه (٢) :

لا زرت يا زوراء كفّ حلاحل

يوم الهياج ولا رميت نبالا

نازعت عند الرّمي مقلة شادن

تصمي القلوب ولا تغبّ نزالا

فقرعت مبسم ثغره حسدا له

ولما غدا بدرا وكنت هلالا (٣)

فبدت جمانة سنّه مرجانة

وغدا قراح رضابه جريالا

وقوله (٤) :

بني المغيرة لي في حيّكم رشأ

ظلال سمركم تغنيه عن سمره

يزهي به فرس الكرسيّ من بطل

بإبرة هي مثل الهدب من شفره

كأنها فوق ثوب الخزّ جائلة

شهاب رجم جرى والنّجم (٥) في أثره

وقوله :

ما راق للطّرف غير طرف

قصّر في العدو بالظّليم

ذي نقط كالنجوم تبدو

في جنح ليل بهيم

وقوله :

تبلّج صبح الذّهن عندي نيّرا (٦)

فغارت من الأموال شهب عواتم

ولو كان الجهل عندي حالكا

للاحت به ـ مثل النجوم ـ الدراهم

وأنشدت له (٧) :

مثلي يسمّى أريبا

مثلي يسمى أديبا

متى (٨) وجدت كثيبا

غرست فيه قضيبا

__________________

(١) في النفح : مدبرا أو مقبلا.

(٢) الأبيات في زاد المسافر (ص ٢٠ ـ ٢٢).

(٣) في زاد المسافر : لما بدا بدرا ولحت هلالا.

(٤) الأبيات في زاد المسافر (ص ٢٢).

(٥) في زاد المسافر : والنور.

(٦) في الزاد : واضحا.

(٧) الأبيات في الغصون اليانعة (ص ١٣٨).

(٨) في الغصون : إذا.

٨٨

ولا أبالي خصيبا

لاقيته (١) أم جديبا

واستدعاه ابن لهيب لدعوة لم يرضها ، فقال :

دعاني ابن لهيب

دعاء غير نبيه

إن عدت يوما إليه

فوالدي في أبيه

وقال في حلب شعرا منه (٢) : [مجزوء الوافر]

حلبت الدهر أشطره

وفي حلب صفا حلبي

وقدّر أن منيته كانت في حلب بقلعتها ، وقد حضر في ليلة لسماع الواعظ تاج العلا الشريف فخرج للإراقة ، فسقط في جبّ طعام ؛ فمات فيه في سنة عشر وستمائة.

وكان قد مدح أبا عبد الله محمد بن عيّاش كاتب الحضرة بمرّاكش ، فأعطاه شيئا لم يرضه ، فاغتاظ ، وردّه ، وقال :

مدحت ابن عياش فجدّد لي الذي

حباني به ما قد تناسيت من كربي

رددت إليه عظمه لأسرّه

وأقبلت أمحو كلّ ما كان في قلبي

وأصبحت أسمو للمشارق طالعا

لأني رأيت الشّمس تنحطّ في الغرب

ورحل إلى المشرق.

٧٠ ـ أبو جعفر أحمد بن شطريّة القرطبي (٣)

سابق في حلبة شعراء المائة السابعة ، اعتبط شابّا ، وله في ناصر بني عبد المؤمن قصائد جليلة ، منها قصيدته التي مدحه بها حين جاز إلى الأندلس :

كذا يشرف الطالع الأسعد

ويسمو لأملاكه السيّد

ويرعى أقاصي أقطاره

قريب له عزمة تبعد

إذا جمعت فكرها للوغى

تفرّق من سربه الفرقد

ومما اخترته من شعره قوله :

رأوا ميلا في قدّه فتباشروا

وقالوا : اجنه مهما تمايل وارجحن

__________________

(١) في الغصون : لقيته.

(٢) البيت في نفح الطيب (ج ٣ / ص ٣٨٣) دون تغيير عمّا هنا.

(٣) انظر ترجمته في التحفة لابن الأبار رقم ٦١.

٨٩

وما علموا أنّ الهلال وقد غدا

ممالا بعيد لا ينال مدى الزمن

وقالوا أتخشى فترة في جفونه

فقلت أما تخشى من الفترة الفتن

وقوله :

ستر الصبح بطرّه

وجلا الليل بغرّه

وأرى من وجهه في

قدّه غصنا وزهره

كمّل الله لدينا

من محيّاه المسرّه

كعبة للحسن في ك

لّ فؤاد منه جمره

جاءني كالظّبي في أش

راكه إذ حلّ شعره

مبديا وجها كأن اللّ

يل يجلو منه بدره

ومضى عنّي ولكن

بعد ما خلّف نشره

فتراني في افتضاح

كلما أخفيت سرّه

وقوله :

انظر إلى النهر الذي

لا ينقضي خفقانه

أمواجه في دوحه

ماجت بها أشجانه

مرحت به في ملعب

مترادف فرسانه

أمسى جموحا إذا غدا

بيد النسيم عنانه

قد درّعته الريح إذ

طعنت به أغصانه

وقوله :

وافى بنرجسة وطر

ف الشمس يغمضه المغيب

فكأنما حتم علي

ه لزوم عين من رقيب

وقوله :

يا منكرا ذكر من أهواه حين جلا

كأس المدام على عيني ونظّمها

لولا الذي في كؤوس الراح من حبب

يحكي ثناياه ما قبّلت مبسمها

وقوله :

أيا مانعي في يقظة وهو باذل

إذا النوم أعماني لكلّ وصال

وددت بأنّ الدهر أجمع ليلة

لأني لا أحظى بغير خيال

٩٠

٧١ ـ أبو جعفر أحمد بن قادم القرطبي

بيت بني قادم ، مشهور بقرطبة ، وقد تقدم في الأطباء منهم أبو عبد الله بن قادم ، وجد أبي جعفر لأمه أبو جعفر الوزغي (١) الأديب المشهور. وكان أبو جعفر بن قادم آية في الشعر والتوشيح ، أولع الناس بغلام صقيل الخدّ ، أو بغلامة قائمة النّهد ، اجتمع به عمى يحيى بقرطبة ، واستنشده من شعره ، فأكثر من ذكر الغلمان والجواري فقال له : يا أبا جعفر ، كأنك وكّلت على التغزل في الغلمان والجواري؟! فقال على الفور : فترى أنت يا سيدي من الرأي أن أقصر نظمي على كل تيس مثل سيدي وأشباهه؟ قال : فكدت والله أموت من الضحك ، وعذرته ، فإني كنت كلما وصلت من السّفر ، ولي لحية كبيرة ضخمة ، وعليّ حلية الجنديّة ، وليس لي عبارة الأدباء.

ومما اخترته مما كتبه عنه من شعره قوله ، وقد جلس مع ندماء في جنّة يشقّها نهر ، فرمى أحدهم فيه بطبق ورد نثره عليه :

يا حبّذا الروض النضير يشقّه النّ

هر الذي من فوقه الورد افترق

شبّهته بالأفق شقّ ظلامه

نهر الصّباح وفوقه قطع الشّفق

وقوله :

بأبي وغير أبي غري

ب اللّون يخجل في الكلام

ماء الشباب بوجهه

يبدي لنا مزج المدام

خيلانه كحبابها

ولثامه بدل الفدام

ألقى به كسحابة

سفرت عن البدر التّمام

وفّى لنا ألفا وكل

م فانثنى أدبا كلام

فلثمت منه موطىء النّ

عل الذي فوق الرّغام

وطفقت أملأ جانبي

ه من اعتناق واستلام

فكأنني قد طفقت من

ه هناك بالبيت الحرام

ووردت زمزم كوثر

ولثمت أركان المقام

وأنا أميّله ويأ

بى قدّه إلا قوام

كالبان تعطفه فإن

خلّيته في الحين قام

يا خصره! يا جيده!

كم من وشاح أو نظام

متكفّل بهما اعتنا

قي عند ما يرخى الظلام

__________________

(١) سيترجم له ابن سعيد في هذا الجزء (ص ٢٢٠).

٩١

يا عاذلي كم ذا تلي

م بما تزخرف من ملام

وتقول لي : ماذا يفي

د المهر من دون اللجام؟

والغصن إن لم يبد في ال

أوراق خلّته الحمام

هو ما علمت قريب عه

د بالمهاد وبالفطام

لا يعرف الحيل التي

جمعت لمن خبر الأنام

غرّ شققت حجابه

عنه كما انشقّ الكمام

لم يدر قبلي ما الصدو

د ولا الوصال ولا الغرام

قدّ الحسام فإن يجز

ه صار يصلح للحسام

ورثاه والدي بقصيدة أولها :

عليك سلام الله قبر ابن قادم

على بعد داري مودعا في الغمائم

٧٢ ـ أبو جعفر أحمد بن رفاعة القرطبي

من مشهوري شعراء قرطبة في المائة السابعة ، وهو أيضا ممن اعتبط شابّا ، اجتمع به عمي يحيى ، وكتب عنه ما منه قوله ـ وهو كاف في الدلالة على جلالة قدره ـ :

ضربت عليك المكرمات رواقها

وثنت عليك المعلوات نطاقها

أوسعت أبناء الزمان مكان ما

قد كان قبلك عن سواهم عاقها

فلو الحمائم أفصحت لمسائل

زعمت بأنك ملبس أطواقها

ومن كتاب ذهبية المساء في حلى النساء

٧٣ ـ مهجة بنت التيّاني القرطبية (١)

من المسهب : أن أباها كان يبيع التين ، وكانت هي تدخل عند ولّادة بنت المستكفي الشاعرة ، وكانت من أجمل نساء زمانها ، وأخفّهن روحا ، فعلقت بها ولّادة ، ولزمت تأديبها ، إلى أن صارت شاعرة ، وهجت ولّادة ، وزعمت أنّها ولدت وليس لها بعل ، فقالت ما نقص عنه ابن الرومي (٢) : [السريع]

__________________

(١) ذكرها المقري في نفح الطيب (ج ٦ / ص ٦٧). وأنشد بعض شعرها.

(٢) البيتان في النفح (ج ٦ / ص ٦٧).

٩٢

ولادة قد صرت ولّادة

من دون (١) بعل ، فصح الكاتم!

حكت لنا مريم لكنّه

نخلة هذي ذكر قائم

قال : ومما تقدمت به فحول الذكران قولها (٢) : [الطويل]

لئن حلّأت (٣) عن ثغرها كلّ حائم

فما زال يحمي (٤) عن مطالبه الثّغر

فذلك تحميه القواضب والقنا

وهذا حماه من لواحظها السّحر

الحلة

من كتاب الإحكام في حلى الحكّام

أول من ذكره أبو عبد الملك أحمد بن عبد البر ، في كتاب القضاة ـ : معاوية بن صالح ، قاضي عبد الرحمن المرواني ، أول سلاطينهم بالأندلس ، وقد تقدمت ترجمته في السلك. ونذكر هنا بعده من ولي قضاء الجماعة بقرطبة ، إلى أن انتقل قطب الإمامة إلى مدينة الزهراء. ثم نذكر قضاة الفتنة حين عاد القطب إلى قرطبة ، وخرجت الزّهراء والزّاهرة.

٧٤ ـ نصر بن طريف مولى عبد الرحمن المرواني الداخل (٥)

من كتاب ابن عبد البر : أنه تربى معه ، وتأدب أدب الملوك ، واستحق عنده خطّة القضاء ، لما كان خير أهل زمنه ، فكان يستقضيه عاما ، ومعاوية بن صالح عاما ، وتوفي في مدة هشام أول ولايته.

٧٥ ـ مصعب بن عمران (٦)

من كتاب ابن عبد البر : أنه شامي الأصل ، دخل الأندلس في مدة عبد الرحمن الداخل ،

__________________

(١) في النفح : من غير.

(٢) البيتان في النفح (ج ٦ / ص ص ٦٧).

(٣) في النفح : لئن قد حمى.

(٤) في النفح : يحمى.

(٥) انظر ترجمته في التكملة (ص ٤١٥).

(٦) ذكره الخشني (ص ٤٥) وقال : إن هشاما استقضاه ، وروى كثيرا من أخباره الطريفة.

٩٣

وكان رواية عن الأوزاعي لا يتقلّد مذهبا ، ويقضي بما يراه صوابا ، وكان خيّرا ، وسجّل على أحد رجال الأمير هشام في دار أخرجه عنها ، فشكاه إلى الأمير ، وطمع أن يأمره بحلّه فقال الأمير : والله لو سجل عليّ في مقعدي هذا لخرجت عنه. أقرّه الحكم بعد أبيه هشام حتى مات مصعب.

٧٦ ـ أبو بكر محمد بن بشير المعافري (١)

من كتاب ابن عبد البر : أنه ولاه الحكم بعد وفاة مصعب ، وهو من أهل باجة ، رحل ، وحج ، وسمع علما كثيرا. كان يكتب لأحد الوزراء ، فأشار به على الحكم فاستدعاه ، فمرّ في طريقه بعابد كان له صديقا ، فأخذ معه في أمره ، فقال له العابد : اصدقني في ثلاثة أسألك عنها : كيف مدح الناس وذمّهم من قبلك؟ وكيف حبّك في أن يخدمك الفتيان ، وتكثر بين يديك الألوان؟ وكيف حبّك للباس الحسن وركوب الفاره؟ فقال ابن بشير : أما مدح الناس وذمّهم فما أبالي من مدحني أو ذمّني في الله عزوجل ، وأما أن تخدمني الفتيان وتكثر بين يدي الألوان فما أجد قلبي يتوق إلى ذلك ولا يشتهيه ، وأما الركوب واللباس فما أفضّل على ملبسي ومركوبي شيئا سواه أبدا ، قال : فأقبل القضاء ولا بأس عليك. فلما وصل قبل القضاء على ثلاثة شروط : نفاذ الحكم على كل أحد ، وإذا ظهر له العجز من نفسه أعفي ، وأن يكون رزقه من الفيء. وكان يدخل المسجد ، وعليه رداء معصفر ، وحذاء صرّار ، ولمّة مسرّحة مدهونة ، فيخطب على المنبر ، فإذا رام أحد من دينه شعرة فالثّريّا أقرب إليه. وكان لا يجالسه أحد إذا قعد للقضاء ، ولا يكالمه ، ولا يسايره ، ولا يخلو به في داره ، وله طوابع من وقف عليها بادر إلى مجلس الحكم.

واحتاج سعيد الخير بن عبد الرحمن الداخل إلى شهادة سلطان الأندلس الحكم وهو ابن أخيه ، فردّها القاضي ، فركب إلى ابن أخيه وقال : اليوم ذهب سلطاننا من الأندلس ، قاضيك الذي ولّيته يرد شهادتك ، فقال : القاضي رجل صالح فعل ما يجب عليه ولست أعارضه.

وأوّل سجلّ سجّل به على الوزير الذي سعى في ولايته ، فشكاه إلى الحكم ، فقال له : أنت اخترته ، ولكن امضي إليه في منزله. فإن أوصلك إلى نفسه ، وخرج إليك فقد جعلت عزله بيدك ، فلما استأذن عليه خرج إذن القاضي بأن يصل إلى مجلس الحكم ، ورجع الوزير خائبا. فأرسل له :

__________________

(١) انظر ترجمته في التكلمة لابن الأبار (ص ٩٠) وقال المقري : هو القاضي الشهير محمد بن بشير ، وهو محمد بن سعيد بن بشير بن شراحيل ، المعافري نفح الطيب (ج ٢ / ص ٣٥٨ / ٣٦٢). وترجمته في قضاة قرطبة (ص ٧٣) وتاريخ قضاة الأندلس (ص ٤٧) والذيل والتكملة (ص ٢٠٨) والتكملة (ص ٣٥٥). وتوفي القاضي محمد بن بشير سنة ١٩٨ ه‍ قبل الشافعي بست سنين.

٩٤

والله لأطلبنّ دمك ، فكان جواب القاضي : أما أنا فلست أقتله إلا بقلمي فزاد غبطة عند الحكم.

وكان بقيّ بن مخلد يثني عليه ، ويقول : له في قضائه حقائق لا يقارن فيها إلا بمن تقدّم من صدر هذه الأمة واستحقّت (١) أم ولد عند الحكم ، فألزمه ابن بشير أداء ثمنها إلى مستحقّها. وتوفي سنة ثمان وتسعين ومائة.

٧٧ ـ أبو القاسم الفرج بن كنانة (٢)

ذكر ابن عبد البر : أن الحكم استقضاه بعد وفاة ابن بشير. وكان خيّرا ، فاضلا ، ذا وقار وسمت يعظم بهما في العيون والقلوب ، واستعفى الحكم ، فعزله.

٧٨ ـ أبو مروان عبيد الله بن موسى (٣)

من كتاب ابن عبد البر : أن الحكم ولّاه أول سنة إحدى ومائتين إلى أن مات سنة أربع ومائتين ، وطلب الاستعفاء فلم يعفه ، وقال له : إذا كان الأمير يجور والقاضي يجور فأين يجد الناس الراحة؟. توفي سنة أربع ومائتين.

٧٩ ـ أبو محمد حامد بن يحيى (٤)

من الكتاب المذكور : أن الحكم ولّاه بعد عبيد الله إلى أن توفي الحكم. وتوفّي في أول مدة عبد الرحمن بن الحكم سنة سبع ومائتين. وكانت فتيا قضاة الحكم تدور على زياد بن عبد الرحمن وعيسى بن دينار ويحيى بن حصن.

٨٠ ـ أبو نجيح مسرور بن محمد (٥)

من الكتاب المذكور : استقضاه عبد الرحمن سنة سبع ومائتين ، وتوفّي سنة ثمان وثلاثين

__________________

(١) ذكر المقري أن ابن سعيد أخذ ترجمة القاضي محمد بن بشير من المدارك للقاضي عيّاض. نفح الطيب (ج ٢ / ص ٣٦٢).

(٢) انظر ترجمته في الجذوة للحميدي (ص ٣٠٩) وتاريخ علماء الأندلس لابن الفرضي (ج ١ / ص ٣٨٤). توفي سنة ٢١٣ ه‍.

(٣) انظر ترجمته في تاريخ علماء الأندلس (ج ١ / ص ٢٠٩). توفي سنة ٢٠٤ ه‍.

(٤) انظر ترجمته في تاريخ علماء الأندلس (ج ١ / ص ٩٢). توفي سنة ٢٠٧ ه‍.

(٥) من القضاة الصالحين المشهورين ، توفي سنة ٢٣٨. ترجمته في تاريخ علماء الأندلس لابن الفرضي (ج ٢ / ص ٩٢).

٩٥

ومائتين ، وكان من مواليه. أحسن السيرة ، وخطب في الاستسقاء فقال : يا أيوب البلوطي! عزمت عليك حيث كنت لتقومنّ ، فلم يقم إليه إلا بعد أن أقسم عليه في الثالثة ، وقال : يا هذا ، أشهرتني ، أما كنت أدعو حيث أنا؟! ثم رفع رأسه القاضي فقال : اللهمّ إنا نستشفع إليك بوليّك هذا ، وألحّ بالدعاء ، وكثر الضّجيج والبكاء ، فلم ينصرفوا إلا وأحذيتهم في أيديهم من كثرة المطر ، وطلب أيوب بعد ذلك فلم يوجد.

٨١ ـ أبو عثمان سعيد بن سليمان (١)

من الكتاب المذكور : أصله من فحص البلّوط ، وكان عمّ سليمان بن أسود القاضي ، وكان صليبا مهيبا ، خطب بخطبة واحدة طول أيامه لم يبدّلها ، وخرج إلى الاستسقاء ، فلما بدأ خنقته العبرة ، فلم يكمل الاستسقاء ، وصلّى وانصرف ، فسقي الناس في ذلك النهار ، وولي القضاء مرّتين لعبد الرحمن بن الحكم.

٨٢ ـ أبو بكر يحيى بن معمر (٢)

من الكتاب المذكور : أصله من إشبيلية ، استقدمه عبد الرحمن وولّاه القضاء ، وكان صالحا ، وقدم ليلة عيد ، وكانت توضع للإمام عنزة في المصلّى ، فباكر أهل الدهاء والحركة واصطفّوا إلى العنزة ، ليختبروا خطبته وينتقدوا عليه ، فلما نظر إليهم عرف بهيئاتهم أنهم بالصفة التي كانوا بها ، فقال للقومة : إني أرى الناس قد تزاحموا ، فقدموا هذه العنزة ليتّسعوا ، فقدّموها وطاش أوساط الناس وأحداثهم يتقدمون كبّا وجريا مع العنزة ، وتثاقل أولئك عن الخفوف ، فصار حول القاضي من لا مئونة عليه منهم. وخالف شيخي الفقهاء : يحيى وعبد الملك ، فانقبضا عنه ، فعزل في آخر سنة تسع ومائتين ، فركب بغلته وجعل خرجه تحته ، وانصرف ، وقال لمن صحبه : يا أهل قرطبة! كما جئناكم كذلك ننصرف عنكم.

٨٣ ـ أبو عقبة الأسوار بن عقبة (٣)

من الكتاب المذكور : أنه لما عزل ابن معمر أشار يحيى بن يحيى على الأمير عبد الرحمن به ، وكان صالحا ، فاضلا ، عاقلا ، مسمتا ، حسن الحكم ، وتوفّي وهو قاض ، سنة ثلاث عشرة ومائتين.

__________________

(١) انظر ترجمته في تاريخ علماء الأندلس (ج ١ / ص ١٣٩).

(٢) انظر ترجمته في تاريخ علماء الأندلس لابن الفرضي (ج ٢ / ص ٤٤) وفي بغية الملتمس للضبي (ص ٤٩٢).

(٣) انظر ترجمته في تاريخ علماء الأندلس لابن الفرضي (ج ١ / ص ٨٠).

٩٦

٨٤ ـ أبو إسحاق إبراهيم بن العباس الأموي (١)

من الكتاب المذكور : أنه جدّ بني أبي صفوان ، وكان عاقلا ، فاضلا مسمتا ، وكان عبد الرحمن قد عزم على أن يولى القضاء بعد الأسوار رأس الفقهاء يحيى بن يحيى ، فامتنع ، وقال له : أشر عليّ بمن أوليّه ، فأشار عليه إبراهيم ، فأحسن الحكم ، إلا أنه صار طوعا ليحيى ، فرفع رافع لعبد الرحمن : أنّ يحيى قد ملك الأندلس ، وقد مكّنه الأمير ، والناس له طوع ، وهو عامل على أخذ البيعة لهذا القرشي القاضي ، وأن يخلع الأمير ، أبقاه الله ، فلينظر لنفسه. فبعث في عبد الملك بن حبيب مناقض يحيى ، فأخرج له البطاقة ، واستنصحه ، فقال : أصلح الله الأمير قد علمت ما بيني وبين يحيى ، وليس ذلك بحاملي على أن أقول غير الحق ، لا يأتيك من يحيى في هذا إلا ما يأتيك مني ، ولكن أقول لا يشرك الأمير في حكمه من يشركه في نسبه ، فقطن الأمير ، وعزل إبراهيم آخر سنة ثلاث عشرة ومائتين. وكانت فيها القضاة في مدة عبد الرحمن تدور على عيسى بن دينار ويحيى وعبد الملك. وكلهم مات في مدته إلا عبد الملك ، فإنه أدرك في مدة محمد ستّة شهور.

٨٥ ـ أبو عبد الله محمد بن سعيد الإلبيري (٢)

من الكتاب المذكور : أشار به يحيى فولاه عبد الرحمن بعد إبراهيم ، وكان من إلبيرة ، وكان يحيى قد عرفه منها أيام اختلافه بالتجارة إليها ، وكان حسن السمت ، جميل المذهب في قضائه. وكان إذا اختلف عليه الفقهاء لم يؤثر على قول يحيى ، فلم يزل قاضيا إلى سنة عشرين ومائتين ، فتشاور في قضية ، فتوقّف فيها عن قول يحيى وغيره. ثم شاوره في قضية ثانية ، فقال لرسوله : ما أفكّ له كتابا لأني قد أشرت عليه في قضية فلان ، فلم ينفذ القضاء. فركب من حينه إلى يحيى واعتذر له ، ووعد أنه ينفذ القضاء من يومه ، فقال : يا هذا إنما ظننت إذ خالفني أصحابي أنك توقفت مستخيرا لله عزوجل متخيّرا في القضاء ، فأما إذ تقضي برضا مخلوق فارفع تستعفى ، وإلا رفعت في عزلك ، فرفع ، فعزل.

٨٦ ـ يخامر بن عثمان (٣)

من الكتاب المذكور : ولاه عبد الرحمن سنة عشرين ومائتين ، وأصله من جيّان ، وكان خيّرا

__________________

(١) من القضاة العادلين المتواضعين ، تولى القضاء سنة ٢١٥ ه‍. ترجم له الخشني (ص ٨٩).

(٢) ذكره النباهي (ص ١٥).

(٣) عرف بصلابته وخلقه الصعب ، تولى القضاء سنة ٢٢٠ ه‍. انظر ترجمته في تاريخ علماء الأندلس لابن الفرضي (ج ٢ / ص ٧٢).

٩٧

فاضلا ، غير أنه كان فيه جفاء ؛ لما قعد يحكم ونظر إلى عظم يحيى بن يحيى وغلبته على قلوب الناس كتب إلى عبد الرحمن. إني قدمت قرطبة فوجدت لها أميرين : أمير الأخيار وأمير الأشرار فأما أمير الأخيار فيحيى بن يحيى ، وأما أمير الأشرار فأنت! فاستجفاه ، وعزله ، وأعاد على القضاء سعيد بن سليمان ، فمات في سنة سبع وعشرين ومائتين.

٨٧ ـ أبو الحسن علي بن أبي بكر (١)

من الكتاب المذكور : استقضاه عبد الرحمن بعد وفاة سعيد بإشارة يحيى. وقلما كان يولّى عبد الرحمن قاضيا إلا بإشارته. فلذلك كثروا في أيامه ، إذ كان يشير عليه بالقاضي فإذا أنكر منه شيئا قال للقاضي : استعف وإلا رفعت في عزلك. وكان حسن السّمت مستقيم الحال ، إلى أن توفي سنة إحدى وثلاثين ومائتين.

٨٨ ـ أبو عبد الله بن عثمان أخو يخامر المتقدم (٢)

من الكتاب المذكور : كان عابدا ، ولّاه عبد الرحمن بعد وفاة علي بن أبي بكر ، وقيل : إنه كان من الأبدال مجاب الدّعوة ، ومات سنة أربع وثلاثين.

٨٩ ـ أبو عبد الله محمد بن زياد (٣)

من الكتاب المذكور (٤) : هو جدّ بني زياد ، وكان عاقلا راوية عن يحيى ، ولكنه لم يكن حافظا ، وأبقاه الأمير محمد على القضاء حتى توفّي ابن زياد ، وكان أديبا.

٩٠ ـ أبو القاسم أحمد بن زياد أخو محمد (٥)

من الكتاب المذكور : ولّاه محمد بعد وفاة أخيه ، وكان فاضلا خيّرا ، يقال : إنه مجاب الدّعوة ، وخرج يستسقي ، وأمر من حمل معه غطاء ، فعجب الناس ، فلم ينصرف وإلا والغيث نازل ، ولكنه كان فيه جفاء ، وحرج صدر. وكان سليمان ابن أسود يكتب عنه ، وبلغه أن الأمير محمدا ذكره للقضاء بعده ، فاستبطأ سليمان الخطّة ، فأتاه من باب النصيحة ، وقال له : لو كتبت إلى الأمير تستعفيه ، وتذكر شيخك وضعفك كان أشرف لك عنده ، وصرت أعظم في قلبه؟ فقال له :

__________________

(١) ذكره الخشني (ص ٩٧).

(٢) ولي القضاء بقرطبة سنة ٢٣٢ ه‍. انظر ترجمته عند النباهي (ص ٥٥).

(٣) انظر ترجمته في تاريخ علماء الأندلس لابن الفرضي (ج ٢ / ص ٣٠٧).

(٤) أي كتاب ابن عبد البر.

(٥) انظر ترجمته في تاريخ علماء الأندلس لابن الفرضي (ج ١ / ص ٢٤).

٩٨

اكتب عني بما رأيت ، فكتب بذلك ، فلما وصل الكتاب إلى الأمير اغتنم ذلك وأعفاه من يومه.

٩١ ـ أبو أيوب سليمان بن أسود (١)

من الكتاب المذكور : أن الأمير محمدا استقضاه بعد استعفاء أحمد بن زياد ، وكان صالحا صليبا متقشّفا ، وكان سبب عظمه في قلب محمد أن الأمير عبد الرحمن كان قد استقصاه بماردة ، ومحمد أميرها ، قبل سلطنته ، فقدم تاجر يهودي برقيق من جلّيقييّة ، وكان فيهن جارية رائعة الجمال تشطّط اليهودي في ثمنها على الأمير محمد. فأمسكها عنه ، فرفع ذلك إلى سليمان ، قال الأمر إلى أن أنكرها ، وركب القاضي إلى قرطبة لأبيه ، فحينئذ ردّها على اليهودي ، فقال القاضي لليهودي : قد بلّغتك ما طلبته ، وأرى أن تصير الجارية إلى الأمير بما أحبّه من الثمن ، ففعل ذلك ، ووجّهها إلى الأمير ، وقال : هذا أشبه بالأمير وأليق. فعظم في عينه من ذلك الحين. ولم يزل قاضيه إلى أن مات ، إلا سنتين عزله فيها لسبب ، ثم ردّه. وجاءه رجل بوثيقة فيها شهد الوزير هاشم بن عبد العزيز ، فقال له : لا بد من أن يأتيني هاشم يشهد عندي ، فمضى الرجل إليه ، فقال له : لست من أهل الشهادات ، فقال : يا سيدي اتق الله فيّ ، فبك تتمّ حاجتي ، والقاضي دعاني إليك. فلما سمع هاشم ذلك طمع أن يسجّل القاضي بشهادته ، فيكون ذلك فخرا باقيا له ، فركب هاشم إلى مجلسه وشهد عنده ومضى ، وكان مع شهادته شهادة عدل فقال القاضي للرجل : زدني شهادة عدل ثان ، فظهر أن القاضي كاد هاشما ، وبلغ ذلك محمدا فنقص به عقله لجواز كيد القاضي عليه.

وطالبت أيدون الحظيّ عند الأمير محمد امرأة في دار ، فأعطاها طابعه ، فلما وقف عليه اعتذر بأنه مشغول ببعض أشغال الأمير ، فبينما هو مقبل إلى القصر إذ ضرب على عنانه رسول القاضي ، وصرفه عن موكبه ، فأدخله عليه في الجامع ، فقال له : عصيت طابعي ، فقال : لم أعص ، فقال : وحق هذا البيت لو ثبت عندي عصيانك لأمرت بك إلى الحبس. ولما رأى صعوبة مقامه أعطاها ما ادعت. ودخل على الأمير باكيا شاكيا ، فقال : يا أيدون ، سلنا حوائجك كلها ما خلا معارضة قضاتنا ، والقاضي اعلم بما فعل.

٩٢ ـ أبو عبد الله عمرو بن عبد الله (٢)

من الكتاب المذكور : أن الأمير محمدا أراد شراء دار من أيتام لبعض كرائمه ، فشطّط

__________________

(١) انظر ترجمته في تاريخ علماء الأندلس لابن الفرضي (ج ١ / ص ١٥٧). وقد نقلها عن كتاب ابن عبد البر الذي نقل عنه ابن سعيد.

(٢) انظر ترجمته في تاريخ علماء الأندلس لابن الفرضي (ج ١ / ص ٢٦٣). توفي سنة ٢٧٣ ه‍.

٩٩

القاضي سليمان في ثمنها ، ولم يساعد الأمير ولا وزيره هاشم ابن عبد العزيز ، فأشار هاشم بأن يعزله ويستقضي عمرا حتى يمكنه من الدار المذكورة بما يحب ، فكان ذلك. ثم ردّ سليمان إلى القضاء بعد سنتين. وكان عمرو عاقلا وقورا ، وكان أبوه قد روى عن المدنيين ، فكان يقول وجدت في كتاب أبي كذا ، وكان يتورّك في فتياه على محمد بن وضّاح.

٩٣ ـ أبو معاوية عامر بن معاوية (١)

من الكتاب المذكور : أصله من ريّه أشار به على المنذر بقيّ بن مخلد فولّاه. وكان صالحا وروى علما كثيرا ، عن ابن بكير وأصبغ وغيرهما في المشرق ، وعن عبد الملك بن حبيب. وكان مدار فتياه على بقيّ بن مخلد ، ولما ولى عبد الله عزله.

٩٤ ـ أبو محمد النضر بن سلمة (٢)

من الكتاب المذكور : ولاه الأمير عبد الله بعد ابن معاوية ، وكان عاقلا ، مقتديا بمن قبله من القضاة ، ومدار فتياه على بقيّ وعبيد الله بن يحيى. وحال في ولايته الثانية ، وولي الوزارة بعد عزله عن القضاء في دولته الثانية ، فدخل في مطالبات آلت به إلى أن مات خاملا ، وقد أقعده النّقرس. أدركته على ذلك ، ولما احتاج عبد الله إلى المال المودع للورثة في الجامع لحال الفتنة منعه منه ، فعزله لما رفع إليه موسى بن زياد : إن ولّاني الأمير أتبرّأ به إليه ، فولّاه.

٩٥ ـ أبو القاسم موسى بن زياد (٣)

من كتاب ابن عبد البر : ولي القضاء كما تقدم ، فكان أول من أفسد هذه الخطة ، وكان باطنه غير ظاهره. وكان أسلم بن عبد العزيز صديقه ووصفه بأشياء قبيحة. وكان مدار فتواه على محمد بن عمر بن لبابة ولما صحّ عند الأمير أمره عزله ، ولكنه جعله في الوزراء.

٩٦ ـ أبو القاسم محمد بن سلمة (٤)

من الكتاب المذكور : استقضاه عبد الله بعد موسى ، وكان خيّرا زاهدا ، غير أنه كان من الجهل في غاية. قال يوما لصهيب بن منيع : أي شهر قبل : رجب أو شعبان؟ فقال : رجب ثم

__________________

(١) ذكره ابن الفرضي في تاريخ علماء الأندلس (ج ١ / ص ١٧٤).

(٢) ترجمته في تاريخ علماء الأندلس لابن الفرضي (ص ٨٦٧) وفي نفح الطيب (ج ١ / ص ٣٣٩). توفي سنة ٣٠٢.

(٣) ترجمته في تاريخ علماء الأندلس (ج ٢ / ص ٢٠).

(٤) انظر ترجمته في تاريخ علماء الأندلس (ج ١ / ص ٣٢٠).

١٠٠