المغرب في حلى المغرب - ج ١

علي بن موسى بن محمّد بن عبد الملك بن سعيد الغرناطي الأندلسي

المغرب في حلى المغرب - ج ١

المؤلف:

علي بن موسى بن محمّد بن عبد الملك بن سعيد الغرناطي الأندلسي


المحقق: خليل المنصور
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٨١
الجزء ١ الجزء ٢

وأنشد له أبو البحر في كتاب زاد المسافر (١) : (٢)

وأغنّ تثنيه الشبيبة خوطة

تيها وتسحب ثوبه أذيالا

سفرت محاسن وجهه عن شجّة

نونيّة حشت الحشا بلبالا

لاحت (٣) كإحدى حاجبيه تقوّسا

بيضاء راقت في العيون جمالا

فتأمّلوها آية بدعيّة

قمرا جلا في صفحتيه هلالا

ومات قبل أخيه ، وله موشحات.

ومن كتاب الياقوت في حلى ذوي البيوت

٢٠ ـ عبد الملك بن أحمد بن عيسى بن شهيد مولى بني أميّة (٤)

ذكر الشّقندي (٥) : أنه كان جليس الأمير محمد ، وأنشد له :

ويلي على أحور تيّاه

أجدّ فيه وهو بي لاه

أقبل في غيد حكين الظّبا

بيض تراق حمر أفواه

يأمر فيهنّ وينهى ولا

يعصينه من آمر ناه

حتّى إذا أمكنني أمره

تركته من خشية الله

وذكر الحجاري : أن الأمير محمدا استوزره ، وجالس الناصر ، واستوزر الناصر ابنه أحمد الشاعر ، وكان أحمد يقول : لا يخلص لي جاه ما دام أبي في الحياة ، فقال في ذلك شعرا منه :

سرّني فرعي وقد أث

مر واستعلت غصونه

غير أنّي بجلوسي

معه صرت أشينه

يا بني اصبر فإن ال

شّيخ قد حانت منونه

وسيبدو لك فرع

وترى كيف فنونه

__________________

(١) هو كتاب زاد المسافر وغرة محيا الأدب السافر ـ لأبي البحر صفوان بن إدريس المتوفى سنة ٥٩٨ ه‍ كشف الظنون (ج ٢ / ص ٩٤٦).

(٢) الأبيات في زاد المسافر (ص ٦٣).

(٣) في زاد المسافر : عنت.

(٤) انظر ترجمته في بغية الملتمس (ص ٣٦٨).

(٥) سيترجم له ابن سعيد في هذا الجزء (ص ٢١٨).

٤١

٢١ ـ أبو عامر أحمد بن عبد الملك ابن أحمد بن عبد الملك بن عمر بن محمد ابن عيسى بن شهيد (١)

هو أعظم هذا البيت شهرة في البلاغة. وقال ابن باسم في وصفه : شيخ الحضرة وفتاها ونادرة الفلك الدوّار ، وأعجوبة الليل والنهار. وأطنب في الثناء على نظمه ونثره وأدبه. وكذلك ابن حيّان وصاحبا المسهب والسّقط. وقال عنه ابن حيان : كان يبلغ المعنى ولا يطيل سفر الكلام.

ولم يوجد له بعد موته كتب يستعان بها على ما جرت به عادة البلغاء والأدباء ، وكان قديرا على فنون الهزل ، إلا أنه غلبت عليه البطالة ، فلم يحفل في إيثارها بضياع دين أو مروءة ، وكان منهمكا في الجود ، حتى شارف الإملاق عند موته.

وله رسالة إلى عبد العزيز بن ناصر بن المنصور بن أبي عامر (٢) يمتّ فيها بتربيته في قصور بني أبي عامر ، وأن عمه المظفر (٣) بن المنصور أعطاه ألف دينار وهو صغير ، وأن حظيّة المنصور أعطته ألفا عنها ، وثلاثة آلاف عن سيدها ، وانصرف عن قصرهم بالغنى ، وأن أباه احتوى على ذلك ، فبلغ المنصور ، فأمر له بخمسمائة دينار ، وأقسم على أبيه ألا يمنعه منها فيما شاءه. وله في جواب رسالة.

فتنفّضت تنفّض العقاب ، وهزّتني أريحيّة كأريحية الشّباب ، وجعل يوهمني أني ملأت الأرض بجسمي ، وأومأت إلى الجوزاء بكفّي أن تأمّلى ، وإلى العوّاء أن أقبلي. وقلّت المجرّة في عيني أن تكون لي منديلا ، وصغر الزّبرقان عندي أن أتخذه إكليلا ، فقلت : هكذا تكون الألوك ، وبمثل هذا تنفح الملوك.

ومن قصيدة يمدح بها ابن الناصر المذكور (٤) :

ورعيت من وجه السماء خميلة

خضراء لاح البدر من غدرانها

وكأنّ نثر النجم صان عندها (٥)

وكأنما الجوزاء راعي ضانها

__________________

(١) ترجمته في الذخيرة (ج ١ / ص ١٦١) والخريدة (ج ٢ / ص ٢٠١) والجذوة (ص ٢٤٣). وبغية الملتمس (ص ٤٣٧) ومعجم الأدباء (ج ٢ / ص ٢١٨) ونفح الطيب (ج ٢ / ص ١٥٤) وكشف الظنون (ج ٥ / ص ٧٤).

(٢) ترجمته في أعمال الأعلام (ص ٢٠٢) وقلائد العقيان (ص ١٦٧) والذخيرة (ج ١ / ق ٣ / ص ٤٠ / ٤١).

(٣) سيترجم له ابن سعيد في الجزء الثاني من المغرب (ص ٣٠).

(٤) البيتان في الذخيرة (ج ١ / ص ٢٠٦).

(٥) في الذخيرة : وسطها.

٤٢

وله رسالة يخاطب بها أبا بكر بن حزم ، سماها بالتوابع والزوابع ، وبناها على مخاطبات الجن ، قال في أوّلها : كان لي في أول صبوتي هوى اشتدّ به كلفي ، ثم لحقني في أثناء ذلك ملل وتولى به عنى الحمام ، فجزعت وأخذت في رثائه في الحائر ، وقد أبهمت على أبوابه ، وانفردت ، فقلت (١) :

تولّى الحمام بظبي الخدور

وفاز الرّدى بالغزال الغرير

إلى أن انتهيت إلى الاعتذار من الملل الذي كان ، فقلت (٢) :

وكنت مللتك لا عن قلى

ولا عن فساد ثوى (٣) في ضميري

وأفحمت ، فإذا بفارس على باب المجلس على فرس أدهم قد اتكأ على رمحه ، وصاح بي : أعجزا يا فتى الأندلس؟ قلت : لا وأبيك ، ولكن للكلام أحيان ، وهذا شأن الإنسان ، فقال : قل (٤) :

كمثل ملال الفتى للنّعيم

إذا دام فيه وحال السّرور

فأثبتّ إجازته ، وقلت [له](٥) : بأبي أنت ، من أنت؟ قال : أنا زهير بن نمير ، من أشجع الجن (٦) ، فقلت : وما الذي حداك إلى التصوّر لي؟ قال : هوى [فيك](٧) ورغبة في اصطفائك ، قلت : أهلا بك أيها الوجه الوضّاح ، صادفت قلبا إليك مقلوبا ، وهوى نحوك مجنوبا ، وتحادثنا حينا ، ثم قال : متى شئت استحضاري فأنشد هذه الأبيات (٨) :

وآلى زهير الحبّ يا عزّ أنه

متى (٩) ذكرتك الذاكرات أتاها

إذا جرت الأفواه يوما بذكرها

تخيّل (١٠) لي أنّي أقبّل فاها

فأغشى ديار الذاكرين وإن نأت

أجارع من داري هوى لهواها

__________________

(١) البيت في الذخيرة (ج ١ / ص ٢٤٧). دون تغيير عمّا هنا.

(٢) البيت في الذخيرة (ج ١ / ص ٢٤٧).

(٣) في الذخيرة : جرى.

(٤) البيت في الذخيرة (ج ١ / ص ٢٤٧).

(٥) هذه الزيادة من الذخيرة يقتضيها السياق.

(٦) يعني أنه من قبيلة أشجع التي تنتمي إلى الجن مثلما أن صاحبه ابن شهيد أشجع (الأنس).

(٧) هذه الزيادة من الذخيرة يقتضيها السياق.

(٨) الأبيات في الذخيرة (ج ١ / ص ٢٤٨).

(٩) في الذخيرة : إذا ذكرته.

(١٠) في الذخيرة : يخيّل لي.

٤٣

وأوثب الأدهم جدار الحائط وغاب عني. وكنت متى أرتج عليّ أنشد الأبيات ، فيتمثّل لي ، فأسير إلى ما أرغب.

ومما ضمّن هذه الرسالة من محاسن الشعر قوله (١) :

ومرقبة (٢) لا يدرك الطرف رأسها

تزلّ بها ريح الصّبا فتحدّر

تكلّفتها ، والليل قد ماج (٣) بحره

وقد جعلت أمواجه تتكسّر

ومن تحت حضني من ظبا الهند أبيض (٤)

وفي الكفّ من عسّالة الحظّ أسمر

هما صاحباي من لدن كنت يافعا

مقيلان من جدّ الفتى حين يعثر

فذا جدول في الغمد تسقى به المنى

وذا غصن في الكف يجنى فيثمر

وقوله (٥) :

أفي كلّ حين (٦) مصرع لعظيم؟!

أصاب المنايا حادثي وقديمي

وكيف اهتدائي في الخطوب إذا دجت

وقد فقدت عيناي ضوء نجوم؟

وقوله (٧) :

وكأنّ (٨) النجوم في الليل جيش

دخلوا للكمين (٩) في جوف غاب

وكأنّ الصباح قانص طير

قبضت كفّه برجل غراب

وقوله (١٠) :

ولربّ حان قد أدرت بديره

خمر الصّبا مزجت بصفو خموره

في فتية جعلوا الزّقاق تكاءهم

متصاغرين تخشّعا لكبيره

وترنّم الناقوس عند صلاتهم

ففتحت من عيني لرجع هديره

__________________

(١) الأبيات في الذخيرة (ج ١ / ص ٢٤٩ / ٢٥٠).

(٢) في الذخيرة : ومن قبّة.

(٣) في الذخيرة : جاش.

(٤) في الذخيرة : ومن تحت حضني أبيض وسفاسق.

(٥) البيتان في الذخيرة (ج ١ / ص ٢٥٥) ، وديوان ابن شهيد (ص ١٤٧) والجذوة (ص ١٨٣).

(٦) في الذخيرة : عام.

(٧) البيتان في الذخيرة (ج ١ / ص ٢٥٧).

(٨) في الذخيرة : فكأنّ.

(٩) في الذخيرة : للكمون.

(١٠) الأبيات في الذخيرة (ج ١ / ص ٢٦٠) وديوان ابن شهيد (ص ٢٢٥).

٤٤

وقوله (١) :

أصبيح (٢) شيم أم برق بدا

أم سنا المحبوب أورى زندا (٣)

هبّ من نعسته منفتلا (٤)

مسبلا للكمّ مرخ للرّدا

يمسح النّعسة من عيني رشا

صائد في كلّ يوم أسدا

قلت : هب لي يا حبيبي قبلة

تشف من عمّك تبريح الصّدا

فانثنى يهتزّ من منكبه

قائلا : لا ، ثم أعطاني اليدا

كلما كلّمني قبلته

فهو إما قال قولا ردّدا

كاد أن يرجع من لثمي له

وارتشافي الثغر منه أدردا

قال لي يلعب : خذلي طائرا

فتراني الدهر أمشي (٥) في الكدا (٦)

شربت أعطافه خمر الصّبا

وثناه (٧) الحسن حتى عربدا

وإذا بتّ به في روضة

أغيدا يقرو نباتا أغيدا

قام في الليل بجيد أتلع

ينفض اللّمّة من دمع النّدى

أحّحت من عصّتي في نهدها

ثم غصّت حرّ خدّي (٨) عمدا

فأنا المجروح من عضّتها

لا شفاني الله منها أبدا

ومن محاسنه قوله (٩) :

وقد فغرت فاها دجى (١٠) كلّ زهرة

إلى كل ضرع للغمامة حافل

ومرّت جيوش المزن رهوا كأنّها

عساكر زنج مذهبات المناصل

وخلّفت (١١) الخضراء في غرّ زهرها(١٢)

كلجّة بحر كلّلت باليعالل

__________________

(١) الأبيات في الذخيرة (ج ١ / ص ٢٦١ / ٢٦٢) والديوان (ص ١٠٢).

(٢) في الذخيرة : أصفيح.

(٣) في الذخيرة : أزندا.

(٤) في الذخيرة : هبّ من مرقده منكسرا.

(٥) في الذخيرة : أجري.

(٦) في الذخيرة : بالكدا.

(٧) في الذخيرة : وسقاه.

(٨) في الذخيرة : وجهي.

(٩) الأبيات في الذخيرة (ج ١ / ص ٢٦٥ / ٢٦٦) والديوان (ص ١٤٢).

(١٠) في الذخيرة : فاها بها.

(١١) في الذخيرة : وحلّقت.

(١٢) في الذخيرة : سهبها.

٤٥

تخال بها زهر الكواكب نرجسا

على شطّ نهر للمجرّة سائل

ومن بدائعه قوله في صفة برغوث : أسود زنجيّ ، وأهليّ وحشيّ ، ليس بوان ولا زمّيل ، كأنه جزء لا يتجزأ من ليل ، وشونيزة ، وثبتها غريزة ، أو نقطة مداد ، أو سويداء قلب فؤاد ، شربه عبّ ، ومشيه وثب ، يكمن نهاره ، ويسري ليله ، يدرك بطعن مؤلم ، ويستحلّ دم كل مسلم ، مساور للأساورة ، يجرّ ذيله على الجبابرة ، يتكفّر بأرفع الثياب ، ويهتك ستر كل حجاب ، ولا يحفل ببوّاب ، يرد مناهل العيش العذبة ، ويصل إلى الأحراج الرطبة ، لا يمنع منه أمير ، ولا ينفع فيه غيرة غيور ، شرّه مبثوث ، وعهده منكوث ، وهكذا كل برغوث.

وقوله : [الطويل](١)

وقفنا على جمر من الموت وقفة

صليّ لظاه دأب فومي ودابها

إذا الشمس رامت فيه أكل لحومنا

جرى جشعا فوق الجياد لعابها

وقوله (٢) :

وقالت النفس لما أن خلوت بها

أشكو إليها الهوى خلوا من النّعم

حتّام أنت على الضّرّاء مضطجع

معرّس في ديار الظّلم والظّلم

وقوله (٣) :

ومنتن الريح إن ناجيته (٤) أبدا

كأنما مات في خيشومه فار

وقوله في أبي عامر بن المظفّر (٥) :

جمعت بطاعة حبك الأضداد

وتألّف الأفصاح والأعياد

كتب القضاء بأن جدّك صاعد

والصّبح رقّ والظلام مداد

وقوله (٦)

كأنّ هامته والرّمح يحملها

غراب بين على بان النّقا نعقا

__________________

(١) البيتان في الذخيرة (ج ١ / ص ٢٨٩) والديوان (ص ٩٥).

(٢) البيتان في الذخيرة (ج ١ / ص ٢٩٣) والديوان (ص ١٥١).

(٣) البيتان في الذخيرة (ج ١ / ص ٢٩٧) والديوان (ص ١٠٦).

(٤) في الذخيرة : ناحيته.

(٥) البيتان في الذخيرة (ج ١ / ق ١ / ص ٣٠٣) وديوان ابن شهيد (ص ٣٠٣).

(٦) البيت في الذخيرة (ج ١ / ق ١ / ص ٣١٣) وديوان ابن شهيد (ص ١٣١).

٤٦

وقوله (١) :

أبى دمعنا يجري مخافة شامت

فنظّمه فوق (٢) المحاجر ناظم

وراق الهوى منّا عيونا (٣) كريمة

تبسّمن حتى ما تروق المباسم

وقاسى في مرضه شدة ، فقال عند موته (٤) :

خليليّ من ذاق المنيّة مرّة

فقد ذقتها خمسين قولة صادق

وكان موته من فالج أقام به مدة ، ورام أن يقتل نفسه لشدة الآلام ، وقال في تلك العلة (٥) :

تأملت ما أفنيت من طول مدّتي

فلم أره إلا كلمحة ناظر

وحصّلت ما أدركت من طول لذّتي

فلم ألفه إلا كصفقة خاسر

وما أنا إلا أهل (٦) ما قدّمت يدي

إذا خلّفوني (٧) بين أهل المقابر

سقى الله فتيانا كأنّ وجوههم

وجوه مصابيح النجوم الزواهر

يقولون : قد أودى أبو عامر العلا

أقلّوا فقدما مات آباء عامر

هو الموت لم يحرس بأسجاع خاطب (٨)

بليغ ولم يعطف بأنفاس شاعر

وتوفي يوم الجمعة آخر جمادى الأولى سنة ست وعشرين وأربعمائة ، ولم يشهد على قبر أحد ما شهد على قبره من البكاء والعويل ، وأنشد عليه من المرائي جملة موفورة ، وممن رثاه أبو حفص بن برد الأصغر (٩).

وقال الحجاري : كان ألزم للكأس من الأطيار بالأغصان ، وأولع بها من خيال الواصل بالهجران. واستوزره المستظهر ، ثم اصطفاه هشام المعتدّ ، ورثاه لما خلع بقصيدة منها :

أحللتني بمحلّة الجوزاء

ورويت عندك من دم الأعداء

وحملتني كالصّقر فوق معاشر

تحتي كأنهم بنات الماء

__________________

(١) البيتان في الذخيرة (ج ١ / ق ١ / ص ٣٢٢).

(٢) في الذخيرة : بين.

(٣) في الذخيرة : عيون.

(٤) البيت في الذخيرة (ج ١ / ق ١ / ص ٣٢٩) وديوان ابن شهيد (ص ١٣٣).

(٥) الأبيات في الذخيرة (ج ١ / ق ١ / ص ٣٣٢) وديوان ابن شهيد (ص ١١٣).

(٦) في الذخيرة : رهن.

(٧) في الذخيرة : غادروني.

(٨) في الذخيرة : هو الموت لم يصرف بإجراس خاطب.

(٩) الحديقة في البديع ـ للحجاري بالراء المهملة صاحب المسهب. كشف الظنون (ج ١ / ص ٢٤٦).

٤٧

وذكره الثعالبي في اليتيمة ، وأنشد له الشقندي ما تقدم في رسالته والحجاري في الحديقة (١).

٢٢ ـ عم أبي عامر بن شهيد

أنشد له في حانوت عطار (٢) :

صدودا وإن كان الحبيب مساعفا

وبعدا وإن كان المزار قريبا

وما فتئت تلك الديار حبيبة

لنا قبل أن نلقى بهنّ حبيبا

ولو أسعفتنا بالمودّة في الهوى

لأدنين إلفا أو شغلن رقيبا

وما كان يجفو ممرضي غير أنه

عدته العوادي أن يكون طبيبا

٢٣ ـ أخو أبي عامر بن شهيد

أنشد له في الكتاب المذكور :

شكوت إليك صروف الزمان

فلم تعد أن كنت عون الزمان

وتقصر عن نعمتي قدرتي

فيا ليتني لسوى من نماني

ولا غرو للحر عند المضي

ق أن يتمنّى وضيع الأماني

٢٤ ـ أبو حفص أحمد الأصغر بن محمد بن أبي حفص أحمد الأكبر بن برد

قال ابن بسام عنه (٣) : فلك البلاغة الدائر ، ومثلها السائر. ووصفه بالنظم والنثر ، وما أورد له يغني عن الإطناب في وصفه. ولحق جده أبا حفص وقرأ عليه ، وسيذكر في مدينة الزاهرة.

وصنّف كتابا رفعه للمعتصم بن صمادح صاحب المريّة (٤) ، في بعض فصوله في الحمد :

__________________

(١) حانوت العطار ـ لأبي عامر أحمد بن عبد الملك القرطبي الأندلسي المتوفى سنة ٤٢٦ ه‍.

(٢) انظر ترجمته في الذخيرة (ج ١ / ق ١ / ص ٤٨٦) والجذوة والمطمح (ص ٢٤) والمسالك (ج ٨ / ص ٣١١) ، كشف الظنون / ح ١ / ص ٦٢٤.

(٣) انظر ترجمته في جذوة المقتبس (ص ١٠٧) وبغية الملتمس (ص ١٥٣) والمسالك (ج ٨ / ص ٣١١) ومعجم الأدباء (ج ٢ / ص ١٠٦). والذخيرة (ج ٢ / ق ١ / ص ٤٩١ وما بعدها).

(٤) هو المعتصم أبو يحيى محمد بن معن. سيترجم له ابن سعيد في الجزء الثاني من المغرب ص ١٩٥. وانظر ترجمته في قلائد العقيان (ص ٤٧) والذخيرة (ص ٢٣٨) ولسان الدين في أعمال الأعلام (ص ٢٢٠) والمطرب لابن دحية (ص ٣٤).

٤٨

الحمد لله واصل الحبل بعد انقطاعه ، وملائم الشّعب بعد انصداعه ، المصبح بنا من ليل الخطوب ، والماحي عنا غياهب الكروب.

الحمد لله وإن عثرت الجدود ، وهوت نجوم السعود ، المرجوّ للإدالة ، والمدعوّ في الإقالة ، والقادر على تعجيل الانتصار ، والآخذ للإسلام بالثار ، أما بعد ، فما أتيت البصائر من تعليل ، ولا الأعداد من تقليل ، ولا القلوب من خور ، ولا السّواعد من قصر ، ولا الجياد من لوم أعراق ، ولا الصفوف من سوء اتّساق ، ولكنّ النّصر تأخّر ، والوقت المقدور حضر ، ولم تكن لتمضي سيوف لم يشاء الله إمضاءها ، ولا لتبقى نفوس لم يرد الله بقاءها ، وفي قوله تعالى أجمل التأسّي وأحسن التعزّي : (إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ ؛ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النَّاسِ) [آل عمران : ١٤٠].

الحمد لله مؤلّف الآراء ، وجامع الأهواء ، على ما أغمد من سيف الفتنة ، وأخمد من نار الإحنة.

الحمد لله الذي صيّر أعداءنا في أعدادنا ، وأضدادنا من أعضادنا ، والسيوف المسلولة غلينا مسلولة دوننا (١).

[وفي بعض فصوله في الشكر] : الشكر عوذة على العارفة ، وتميمة في جيد النعمة. الكفر غراب ينعب على منازل النّعم.

الشكر بيد النّعمة أمان ، وعلى وجه العارفة صوان.

وفي بعض فصوله في وصف القلم : المداد كالبحر ، والقلم كالغوّاص ، واللّفظ كالجوهر ، والطّرس كالسّلك ما أعجب شأن القلم! يشرب ظلمة ويلفظ. نورا ، قاتل الله القلم! كيف يفلّ السّنان ، وهو يكسر بالأسنان؟!.

فساد القلم خدر في أعضاء الخطّ. رداءة الخطّ قذى في عين القراءة.

[وفي بعض فصوله في الأمان](٢) : أما بعد ، فإنكم سألتم الأمان ، أوان تلمّظت السيوف إليكم ، وحامت الحتوف عليكم ، وهمّت حظائر الخذلان أن تنفرج لنا عنكم ، وأيدي العصيان أن تتحفنا بكم ، ولو كلنا لكم بصاعكم ، ولم نرع فيكم ذمّة اصطناعكم ، لضاق عليكم ملبس الغفران ، ولم ينسدل عليكم ستر الأمان ، ولكنّا علمنا أن كهولكم الخلوف عنكم ، وذوي الأسنان العاصين لكم ، ممن يهاب وسم

__________________

(١) هذه الفصول في الذخيرة (ج ٢ / ق ١ ص ٤٩٢ وما بعدها).

(٢) هذا الفصل عن الأمان في الذخيرة (ج ٢ / ق ١ / ص ٥١٢ وما بعدها) ببعض الاختلاف عمّا هنا.

٤٩

الخلعان ، ويخاف السلطان ، وأنهم لا يراسلونكم في ميدان معصية ، ولا يزاحمونكم في منهل حيرة ، ولا يماشونكم إلى موقف وداع ، ولولا تحرجنا أن نقطع أعضادهم بكم ، ورجاؤنا أن يكون العفو على المقدرة تأديبا لكم ، لشربت دماءكم سباع الكماة ، وأكلت لحومكم ضباع الفلاة ، وقد أعطينا بتأميننا إيّاكم عهد الله وذمّته ، ونحن لا نحفرهما أيام حياتنا ، إلا أن تكون لكم كرّة ، ولغدرتكم ضرّة ، فيومئذ لا إعذار إليكم ، ولا إقصار عنكم ، حتى تحصدكم ظباة السيوف ، وتقضي ديون أنفسكم غرّة الحتوف.

وفي بدأة عتاب : أظلم لي جوّ صفائك ، وتوعّر عليّ أرض إخائك.

[وفي بعض فصوله في الاستزارة (١)] : نحن من منزل فلان ـ أعزّه الله ـ بحيث نلتمح سناك ، ونتنسّم ريّاك ، وقد راعنا اليوم باكفهرار وجهه ، وما ذرّ من كافور ثلجه ، فادّرعنا له بالسّتور ، وانغمسنا بين جيوب السرور ، ورفعنا لبنات الزّناد ألوية حمراء ، وأجرينا لبنات الكروم خيلا شقراء ، وأحببنا أن نشهد جيش الشتاء كيف يهزم ، وأنفاس البرد كيف تكظم.

فصل في ذم مؤاخ ، وهو من أبدع ما قيل في ذلك : خلّيت عنه يدي ، وخلّدت قلاه خلدى ، بيض الأنوق من رفده أمكن ، وصفا المشقّر من خده ألين. منزور النّوال ، رثّ المقال ، أحاديث وعده لا تعود بنفع ، ولا هي من غرب ولا نبع ، مطحلب الوجه ، مراق ماء الحياء ، مظلم الخلق ، دبوريّ الرّيح ، مقشعرّ الوجه ، طاشت عنده الصنيعة وضاعت فيه اليد ، على وجهه من التعبيس قفل صاغ مفتاحه ، وليل مات صباحه. غنيّ من الجهل ، مفلس من العقل ، تتضاءل النّعم لديه وتقبح محاسن الإحسان إليه. لم ينظم عليه قطّ درّ ثناء ، ولا استحق أن يلبس بزّة مديح ، غربال حديث ، كلما أجال قدحا كان غير فائز ، أورمى سهما جاءه غير صائب ، كبد الزمان عليه قاسية ، ونعم الله له ناسية. شرّ بقعة لغرس المودّة وبذر الإخاء ، قصير عمر الوفاء للإخوان ، عون عليهم مع الزمان ، كدر الدنيا وسقم الحياة.

ومن محاسن ما أورده ابن بسام من نظمه قوله (٢) :

لما بدا في لا زور

ديّ الحرير وقد بهر

كبّرت من فرط الجمال

ل ، وقلت : ما هذا بشر!

فأجابني : لا تنكرن

ثوب السماء على القمر

__________________

(١) انظر هذا الفصل في الذخيرة لابن بسام (ج ٢ / ق ١ / ص ٥١٨ وما بعدها).

(٢) هذه الأبيات في الذخيرة (ج ٥٢٠ / ق ١ / ص ٥٢٠ وما بعدها.)

٥٠

وقوله :

أقبل في ثوبه لا زورد

قد أفرغ التبر من عليه

كأنّه البدر في سماء

قد طرّز البرق جانبيه

وقوله :

صحّ الهوى منّا ، ولكنني

أعجب من بعد لنا يقدر

كأننا في فلك واحد (١)

فأنت تخفى وأنا أظهر

وقوله :

لما رمته العيون ظالمة

وأثّرت في جماله الحدق

ألبس من نسج شعره زردا

صيغت له من زمرد حلق (٢)

وقوله :

رقم العذار غلالتيه بأحرف

معنى الهوى في طيها متناهي

نادى عليه الحسن حين لقيته

هذا المنمنم في طراز الله

وقوله :

وما زلت أحسب فيه السحاب

ونار بوارقها في لهب (٣)

بخاتيّ توضع في سيرها

وقد قرعت بسياط الذّهب

وقوله (٤) :

وقد فتح الأفق للناطري

ن عن شهلة الصّبح جفن (٥) الغبش

وقوله :

عارض أقبل في جنح الدّجى

يتهادى كتهادي ذ الوجى لؤلؤة

بدّدت ريح الصّبا لؤلؤه

فانبرى يوقد عنه سرجا (٦)

__________________

(١) في الذخيرة : دائر.

(٢) في الذخيرة : حدق.

(٣) في الذخيرة : بوارقها تلتهب.

(٤) الأبيات في الذخيرة (ج ٢ / ق ١ / ص ٥٢٢ وما بعدها).

(٥) في الذخيرة : هدب.

(٦) في الذخيرة : أتلفت ... فانحنى ...

٥١

وقوله :

وكأنّ اللّيل حين لوى

ذاهبا (١) ، والصّبح قد لاحا

كلّة سوداء أحرقها

عامد أسرج مصباحا

وقوله :

والبدر كالمرآة غيّر صقله

عبث العذارى فيه بالأنفاس

واللّيل ملتبس بضوء صباحه

مثل التباس النّقس بالقرطاس

وجعله الحجاري فوق جده في النثر ، قال : وأما النظم ، فلا أستجيز أن أجعل بينهما أفعل.

رحل من قرطبة إلى المريّة ، فاستوزره المعتصم بن صمادح ، ثم رحل إلى مجاهد (٢) صاحب دانية (٣).

بيت بني الطّبني

أصلهم من طبنة (٤) ، قاعدة الزّاب ، والوافد منهم على الأندلس في أيام ابن أبي عامر أبو مضر :

٢٥ ـ محمد بن يحيى بن أبي مضر الطبني (٥)

وصفه الحجاري بالأدب والشعر ، ومجالسة الملوك ، وكان ممن يجالس أبا الحزم بن جهور وابنه أبا الوليد ، وصحب ابن شهيد ، وأنشد له : [البسيط]

لا يبعد الله من قد غاب عن بصري

ولم يغب عن صميم القلب والفكر

أشتاقه كاشتياق العين نومتها

بعد الهجود ، وجدب الأرض للمطر

وعاتبوني على بذل الفؤاد له

وما دروا أنني أعطيته عمري!!

وذكره الحميدي وأنشد له شعرا يخاطب به أبا محمد بن حزم.

__________________

(١) في الذخيرة : هاربا.

(٢) سيترجم له ابن سعيد في هذا الجزء من المغرب في جزيرة ميورقة.

(٣) دانية : قصبة الناحية الشمالية من كورة القنت الإسبانية ازدهرت تحت الحكم العربي بعد فتح الأندلس على يد طارق بن زياد ٧١٣ ه‍. المنجد في اللغة والأعلام (م ٢ / ص ٢٨١).

(٤) بلدة في طرف إفريقية من ناحية المغرب.

(٥) انظر ترجمته في جذوة المقتبس (ص ٩٢) وبغية الملتمس (ص ٢٦٥).

٥٢

٢٦ ـ أبو مروان عبد الملك بن زيادة الله ابن أبي مضر الطبني (١)

من ذخيرة ابن بسام : أنه كان أحد حماة سرح الكلام ، وحملة ألوية الأقلام ، وذكر ابن حيان : أن جواريه قتلنه لتقتيره عليهن ، ورحل إلى المشرق ، وحج ، وقتل بقرطبة سنة سبع وعشرين وأربعمائة.

وذكر الحجاري أنه كان إماما في علم الحديث ، وصفه بالبخل المفرط : كان يترك أهل داره يأكلن الخبز بلا إدام ، فإذا طلبوا الإدام حرد عليهم ، وقال : هذه عادة سوء ، فخنقوه.

وأنشد له (٢) :

إني إذا حضرتني (٣) ألف محبرة

تقول : أخبرني (٤) هذا وحدّثني (٥)

صاحت بعقوتي الأقلام زاهية (٦) :

هذي المكارم لا قعبان من لبن

٢٧ ـ أبو الحسن علي بن عبد العزيز ابن زيادة الله بن أبي مضر الطّبني (٧)

جعله الحجاري أشعر بني الطّبنيّ ، وأنشد له قوله :

لا تسقني إلا بكأس إذا

شربتها تملك عقلي جميع

وزادك الله سرورا إذا

سقيتني بالجام أو بالقطيع

لا ترفع الخمر إلى مدّة

أولى وأحلى من زمان الربيع

وقوله (٨) :

يا سالبا عاشقيه

وعاشقا كلّ تيه!

ومن مدامي ونقلي

من وجنتيه (٩) وفيه

__________________

(١) انظر ترجمته في جذوة المقتبس (ص ٢٨٤) وبغية الملتمس (ص ٣٧٨) ونفح الطيب (ج ٣ / ص ٢٤٤) والصلة (ص ٥٢٨) والذخيرة (ج ٢ / ق ١ / ص ٥٣٥) وبغية الوعاة (ص ٣١٢).

(٢) البيتان في الذخيرة (ج ٢ / ق ١ / ص ٥٣٦) وجذوة المقتبس (ص ٢٨٥) والصلة (ص ٥٢٨).

(٣) في جذوة المقتبس : احتوشتني.

(٤) في الذخيرة : أنشدني.

(٥) في الذخيرة : أخبرني.

(٦) في الذخيرة : معلنة.

(٧) انظر ترجمته في الذخيرة (ج ٢ / ق ٨ / ص ٥٤٩ وما بعدها) وفي المسالك (ج ١١ / ص ٣٩٩).

(٨) الأبيات في الذخيرة (ج ٢ / ق ١ / ص ٥٥٠).

(٩) في الذخيرة : بوجنتيه.

٥٣

هلّا جزيت فؤادي

ببعض مالك فيه

بيت بني كليب بن ثعلبة بن عبيد الحذامي

٢٨ ـ أبو مروان عامر بن عامر بن كليب (١)

من تاريخ ابن حيان : أنه أحد وجوه الموالي في العسكر السلطاني ، ووصفه الفرضي بالأدب والذكاء والترسل والشعر ، والمعارضة والتحكك بالشعراء ، قال : وفيه يقول العتبي (٢) :

عفّت معالمه الليالي مثل ما

عفّى سواد الشّعر بهجة عامر

ومن شعره قوله :

عظم الخطاء فهل تقيل

يا سيّدي ، أم ما تقول؟

أنت العزيز بهفوتي

وأنا بها العبد الذليل

تالله لو أني استطع

ت لما بدا (٣) مني فضول

ولما رأى مني الصدي

ق سوى قوام لا يميل

فأبت عليّ الكأس إلا

أن يداخلني الذّهول

وكان مختصّا بالوزير هاشم ، فسلطه على الوزير محمد بن جهور ، فكان يتتبّع سقطاته ، فاتفق أن نادمه في متصيّد للأمير محمد ، فلما دارت الكأس قال ابن جهور لخادمه : هات ذاك التفاح المخروج ، فضحك عامر من لحنه ، وجعل يقول : يا ضيعة الوزارة! حين تولاها الأبله اللحانة! فغضب ، وضربه بالسياط ، فغضّ ذلك من قدره ، ونعاه عليه الشعراء في أشعارهم.

قال ابن حيان : ومات سنة خمس وسبعين ومائتين.

وذكر الحجاري : أنه كان لا يبالي أين يضع لسانه ، وجرى حديث ، فقال بعض رجال السلطان : من قال هذا؟ فقال عامر : قاله بنو إوزّة ، يعني أحد أولاد الأمير لقّب بذلك لتولّعه بإوزّة كان يشرب عليها ، ويعجبه مشيها وصياحها ، فبلغه ذلك ، فاحتال عليه ولد الأمير بعد أيام ، حتى حصله في منزله ، وجعله يخدم تلك الإوزّة على ما يقتضيه قوله :

يا سائلا عن قصّتي

اعجب لقبح قضيّتي

__________________

(١) ترجمته في الحلة السيراء (ص ٨٨).

(٢) الأبيات في الحلة السيراء (ص ٨٩).

(٣) في الحلة : بدت.

٥٤

حال الزمان عن الذي

تدري ، ذلّل عزّتي

وكفاك أنّي كانس

خرء الإوزّ بلحيتي

فلما قرأها ابن الأمير ضحك ، وأمر له بإحسان وسرّحه ، فقال فيه قصيدة أولها :

لبست ليوم البين درعا من الصّبر

فقدّته ألحاظ ، خلسن من الخدر

ومنها :

كذا فليكن جود الكرام مرادفا

كما أردفت موج تتابع في بحر

٢٩ ـ أبو خالد بن التراس القرطبي (١)

من ولد أيوب (٢) بن حبيب اللخمي الذي ولي سلطنة الأندلس.

ذكره الحجاري ، وأخبر أنه كان يصحب أبا المغيرة بن حزم ، وكان جهير الصوت ، كثير الكلام ، لا يكاد يسكت ، ولا يكفيه من الطعام قليل ، وهو القائل :

كيف اصطباري الذي حلّ بي

والرزء فيما ناب منه جليل

إذ من أنا ضيف له باخل

ولست ممن يكتفي بالقليل

وأخبر الحميدي أنه شاعر مذكور في أيام المستظهر.

٣٠ ـ أبو علي الحسن بن مضاء القرطبي

ذكر الحجاري أن بيت بني مضاء بقرطبة متوارث الحسب ، وأن أبا علي لشعره ديباجة عراقية ، ورقة حجازية ، وكان مختصّا بعبد الملك بن أبي الوليد ابن جهور ، وله فيه أمداح ، وأنشد له قوله :

قصر اليوم فحثّ الشّ

رب بالكأس الكبير

فإذا ما طال فاشرب

فيه بالكأس الصغير

وقوله :

بشرب الكبير ، وعشق الصغير

أدين ، ومن لام لا يقبل

__________________

(١) ترجمته في جذوة المقتبس (ص ٣٧٢) وبغية الملتمس (ص ٥٠٧).

(٢) ترجمته في أخبار مجموعة (ص ٢٨ وما بعدها) ونفح الطيب (ج ٤ / ص ١١).

٥٥

بيت بني مسلمة

ذكر ابن حيان : أن أصل هذا البيت مسلمة بن حسان مولى معاوية بن أبي سفيان. ومسلمة من المخلصين لعبد الرحمن الداخل ، وكان بباجة ، وتناسل ولده بقرطبة.

٣١ ـ أبو عامر محمد بن مسلمة القرطبي (١)

أثنى عليه الحجاري وعلى بيته ، وذكر : أنه هاجر من قرطبة إلى إشبيلية للمعتضد بن عباد (٢) ، وندم لما رآه من استحالته ، فداراه مدة حياته ، واسأله كيف نجا!

وأنشد له في المعتضد المذكور :

أيا ملك الأملاك والسّيد الذي

يسير على سبل الرشاد بمقباس

عهدتك سمح الكف بالجود ، كيف قد

بخلت بترك المجد أجمع للنّاس؟!

وقوله في غلام كان يهواه :

وإني لأهواه وأبغي اكتتامه

وتأبى أمارات اللقاء تكتّما

لساني في حكمي ولكنّ مقلتي

ولوني ما إن يقبلان تحكّما

وفي الذخيرة : أنه أحد جهابذة الكلام ، وجماهير النّثار والنّظام ، من قوم طالما ملكوا أزمّة الأيام ، وخصموا بألسنة السيوف والأقلام. وكان أبو عامر منهم بمنزلة الفصّ من الخاتم ، والسّرّ من صدر الكاتم. وذكر قدومه على المعتضد ، وأنه ألّف له كتابا سماه حديقة الارتياح في وصف حقيقة الراح. وأنشد قوله : (٣)

أهلا وسهلا بوفود الرّبيع

وثغره البسّام عند الطلوع

كأنما أزهاره (٤) حلّة

من وشي صنعاء السّريّ الرفيع

أحبب به من زائر زاهر

دعا إلى الأنس (٥) فكنت السّميع

__________________

(١) ترجمته في الذخيرة (ج ١ / ق ١ / ص ١٠٥ / ١٠٦) وكشف الظنون (ج ٣ / ص ٣٩٦) والجذوة (ص ٦١) والبغية (رقم : ١٠٧) والمطمح (ص ٢٣) والصلة (ص ٥١٣).

(٢) ترجمته في الذخيرة (ج ١ / ق ٢ / ص ٢٣ / ٢٤) والحلة السيراء (ج ٢ / ص ٣٩) والبيان المغرب (ج ٣ / ص ٢١٤).

(٣) الأبيات في الذخيرة (ج ١ / ق ٢ / ص ١١١).

(٤) في الذخيرة : أنواره.

(٥) في الذخيرة : دعا إلى اللهو.

٥٦

وبينه وبين إدريس (١) بن اليمان وابن الأبار مراسلات. وجدّهم أبان بن عبيد مولى معاوية بن أبي سفيان ، أهدي إليه من سبي البربر.

٣٢ ـ أبو الحسين بن مسلمة القرطبي (٢)

ذكر لي والدي : أنه من سراة هذا البيت ، صحبه في مواطن كثيرة أيام الصّبا ، ووصفه بالمشاركة في العلوم القديمة والحديثة.

قال : وكنا نقول واضيعة خزائن الكتب بحضوره ، وكانت له همّة فائقة ، وكان يوفّي إخوانه حقوقهم في المغيب والمشهد ، إلا أنه قليل الإخوان هربا من العجز عن القيام بحق كثيرهم. وذكر والدي : أنه صحبه في سفر ، فمرا على مالقة ، فوجدا صاحبها أبا علي بن حسّون في فرجة. فاتفقا على أن يخاطباه ، فقال ابن مسلمة :

مررنا بريّة قصدا كما

يمرّ النسيم بروض الزّهر

فقال ابن سعيد :

فجلنا بروض نأى زهره

وأقلع عنه انسكاب المطر

فقال ابن مسلمة :

فلم نر رحلتنا دون أن

نسير ببشر وسقيا درر

فقال ابن سعيد :

ولم نقض من كعبة الجود ما

يقضّي الذي حجّها واعتمر

فقال ابن مسلمة :

ولم نر إلا خطاب العلا

بطوع الإقامة أو بالسّفر

فقال ابن سعيد :

وترك التكلّف تأميلنا

متى كنت بالبدو أو بالحضر

فقال ابن مسلمة :

وليس لنا رغبة في السحاب

ولكن لنبصر وجه القمر

__________________

(١) سيترجم له ابن سعيد في هذا الجزء (ص ٤٠٠).

(٢) ترجمته في التحفة (رقم : ٤٥) توفي سنة ٥٨٥ ه‍.

٥٧

فبعث في وصولهما ، وكان منه ما اشتهر عنه من الأفعال البرمكيّة. ومما أنشدنيه والدي من شعر أبي الحسين ، فاستحسنته ، قوله :

رقد الغزال وكلّنا يقظان

ما تلتقي في حبّه الأجفان!

هبّت عليه الرّاح ريحا صرصرا

وبمثلها تتقصّف الأغصان

وقوله :

بروحي التي وافت ، وكالورد خدّها

حياء ، ومنها قد شكا الصّبّ ما شكا

وما ضحكت إلا غرورا بمهجتي

كما خجلت كأس المدام لتفتكا

وقوله :

سلوا ورق الآس لم حدّدت

وقد وضح الصّبح آذانها

ولم ذا أقيمت على ساقها

وبلّت من الطلّ أجفانها

أأطربها هاتف قد غدا

يهزّ من الطّيب أغصانها؟

وله رسائل ، وموشحات ، وأزجال.

بيت بني قزمان

أثنى على هذا البيت الحجاري في بيوت قرطبة ، وأنهم لم يزالوا ما بين وزير وعالم ورئيس.

٣٣ ـ أبو بكر محمد الأكبر بن عبد الملك ابن عيسى بن قزمان القرطبي (١)

ذكر ابن بسام : أن المتوكل صاحب بطليوس أول من اتخذه كاتبا ، وأثنى على بيته وذاته ، وأثبت له رسالة طويلة من غير طائل ، وشعرا تركه أولى من إيراده.

وأثنى عليه صاحب القلائد ، وذكر أنه تكدّر عيشه في آخر عمره ، وأساء في حقه القاضي أبو عبد الله بن حمدين ، وأن أخلاقه كانت صعبة ، ففلّت من غربه ، وكانت سببا لطول كربه ، ولم يورد له إلا قوله (٢) :

__________________

(١) ترجمته في الذخيرة (ج ٢ / ق ٢ / ص ٧٧٤) ونفح الطيب (ج ٤ / ص ٢٤) والقلائد (ص ١٨٧) والصلة (ص ٥١٢).

(٢) الأبيات في الذخيرة (ج ٢ / ق ٢ / ص ٧٨٥) والقلائد والخريدة (ج ٣ / ص ٤٦٦) ونفح الطيب (ج ٥ / ص ١٧٣).

٥٨

ركبوا السّيول من الخيول وركّبوا

فوق العوالي السّمر زرق نطاف

وتجلّلوا الغدران من ماذيّهم

مرتجّة إلا على الأكتاف

٣٤ ـ أبو بكر محمد بن عيسى بن عبد الملك ابن عيسى بن قزمان الأصغر (١)

إمام الزجالين بالأندلس ، وسيرد من عجائبه في الأهداب ، ما يشهد له بالتقدم في هذا الباب. وذكر الحجاريّ أنه كان في أول شأنه مشتغلا بالنظم المعرب ، فرأى نفسه تقصر عن أفراد عصره ، كابن خفاجة وغيره ، فعمد إلى طريقه لا يمازجه فيها أحد منهم ، فصار إمام أهل الزجل المنظوم بكلام عامة الأندلس.

ومن شعره على طريقة المعرب قوله ، وقد رقص في مجلس شرب ، فأطفأ السراج بأكمامه :

يا أهل ذا المجلس السّامي سرارته

ما ملت لكنني مالت بي الرّاح

فإن أكن مطفئا مصباح بيتكم

فكلّ من قد حواه البيت مصباح

وقوله في يحيى بن غانية الملثّم سلطان الأندلس :

ولله يحيى إذ تأبّط للوغى

من السّمر حزما أرقما ثم أرقما

وثارت به الهيجا كزند بناره

فصيّر كافور الصوارم عند ما

لدى موقف ردّ العجاج سماءه

ثرى والثّرى من أنجم البحر كالسّما

ومن كتاب بلوغ الآمال في حلى العمال

٣٥ ـ عبد الله بن حسين بن عاصم الثقفي القرطبي (٢)

ذكر ابن حيان : أن جده عاصم المعروف بالعريان صاحب عبد الرحمن الداخل ، لقّب بذلك لأنه عبر نهر قرطبة يوم القتال وهو عريان.

ورحل عبد الله إلى المشرق ، وأدرك عصر معلّى الطائي ، ولقي ببغداد مخارقا المغنّي ، واستظرفه رؤساء العراق ، وقال له أحدهم : يا غليظ ما أرقّك! وكان أكولا حتى لقّب بالزّير ، كثير السّعاية والنميمة ، شاعرا مفلقا.

__________________

(١) ترجمته في نفح الطيب (ج ٥ / ص ١٧٢ / ١٧٣) وقلائد العقيان (ص ١٨٦) والوافي (ج ٧ / ص ٥٤ / ٥٥) واليتيمة (ج ٢ / ص ٣٤) توفي سنة ٥٥٥ ه‍.

(٢) ترجمته في نفح الطيب (ج ٤ / ص ٢١٨) واليتيمة (ج ٢ / ص ٣٣ / ٣٤) وجذوة المقتبس (ص ٢٦٤) وبغية الملتمس (ص ٣٤٨ / ٣٤٩) وبدائع البدائه (ج ٢ / ص ٨٦).

٥٩

ولي الشرطة بقرطبة ، فمرّ به فتى حسن الشّارة ، يترنّح سكرا ، فأمر بحدّه ، فقال : أنشدك الله ، من الذي يقول :

إذا عاب شرب الخمر في الدّهر عائب

فلا ذاقها من كان يوما يعيبها؟

فقال ابن عاصم : أنا ، وأستغفر الله ، فقال الفتى : ما تستحي من الله حين تغري بالشراب ، ثم تعاقب فيه؟! فكان ذلك سببا لأن تركه.

وأخبر الحميدي أنه كان من جلساء الأمير محمد وأنه شرب معه يوما ، وغلام جميل الصورة يسقيهم ، فألحّ الأمير على الغلام في سقي عبد الله ، فقال : [المنسرح](١)

يا حسن الوجه لا تكن صلفا

ما لحسان الوجوه والصّلف؟!

يحسن (٢) أن تحسن القبيح ولا

ترثي لصبّ متيّم دنف

فخيّره بين بدرة والغلام ، فاختار البدرة خوفا من الظنّة.

٣٦ ـ أبو الأصبغ عبد العزيز بن فاتح القرطبي

ذكر محمد بن عبد الملك بن سعيد : أنه كان من عمّال قرطبة في مدة لمتونة ، واختصّ بأميرها الزّبير بن عمر الملثّم (٣) ، ونادمه ، وكان عارفا بالغناء ، وأنشدني لنفسه قوله :

عاد من بعد ما أطال الصّدودا

وأتى مرغما بذاك الحسودا

وتناسى ما كان منه قديما

وأعاد الزمان خلقا جديدا

إنّ يوما قضى لنا باجتماع

لحقيق بأن يسمّى سعيدا

وقوله :

قم هات كأسي فالروض ممطور

والأفق مسك والأرض كافور

ريّ وخمر فحثّها عجلا

فكلّنا عاطش ومقرور

لا حفظ الله من يضيّعها

في مثل ذا اليوم فهو مسحور

الماء فوق الغصون منتظم

والزّهر بين الرياض منثور

__________________

(١) الأبيات في نفح الطيب (ج ٤ / ص ٢١٨).

(٢) في النفح : تحسن.

(٣) ذكره المقري في نفح الطيب (ج ٢ / ص ١٦).

٦٠