المغرب في حلى المغرب - ج ١

علي بن موسى بن محمّد بن عبد الملك بن سعيد الغرناطي الأندلسي

المغرب في حلى المغرب - ج ١

المؤلف:

علي بن موسى بن محمّد بن عبد الملك بن سعيد الغرناطي الأندلسي


المحقق: خليل المنصور
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٨١
الجزء ١ الجزء ٢

وفي سنة أربع وثلاثين ومائتين

جهز عبد الرحمن أسطولا من ثلاثمائة مركب إلى جزيرتي ميورقة (١) ومنورقة (٢) لإضرار أهلهما بمن يمر بهما من مراكب الإسلام ففتحوهما.

وفي سنة ست وثلاثين ومائتين

كاد نصر (٣) الخصيّ مولاه عبد الرحمن بشربة فيها سم ، نبّه الأمير عليها ، فقال له : اشربها أنت ، فشربها ، وخرج ، فأشار عليه طبيبه بلبن المعز ، فلم يوجد حتى هلك.

وفي سنة سبع وثلاثين ومائتين

ادّعى بالثّغر الأعلى النّبوّة معلّم ، فقتل ، وهو يقول على جذعه : (أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله). وكان ينهي عن قص الأظفار والشّعر ، ويقول : (لا تغيير لخلق الله).

واحتجب عبد الرحمن قبل موته مدة ثلاث سنين لعلة أضعفت قواه.

حجب له عبد الكريم حاجب والده إلى أن توفي ، فولى بعده سفيان بن عبد ربّه عيسى بن شهيد ، وعزله بعبد الرحمن بن رستم ، ثم أعاده إلى وفاته ، وقال ابن القوطية (٤) : لم يختلف أحد من شيوخ الأندلس أنه ما خدم بني أمية في الحجّاب أكرم من عيسى بن شهيد. ومن كتّابه : محمد بن سعيد الزجالي التّاكرنّي. وسيأتي ذكر قضاته في تراجمهم على نسق. وفي مدته مات عيسى بن دينار الطّليطليّ الذي قيل إنه أفقه من يحيى بن يحيى ، وكان له رحلة إلى المشرق وصحب ابن القاسم ، ودارت عليه الفتوى ، ومات يحيى بن يحيى في رجب سنة أربع وثلاثين ومائتين.

وذكر الحجاري (٥) أن جواد بني أمية بالأندلس عبد الرحمن ، وبخيلهم عبد الله ، وأطنب في الثناء عليه ، وذكر أنه كتب يوما إلى نديمه ومنجمه عبد الله بن الشّمر :

__________________

(١) ميورقة : جزيرة في البحر المتوسط ، فتحها المسلمون سنة ١٩٠ ه‍ وتغلب عليها الإسبان سنة ٦٢٦ ه‍. الروض المعطار (ص ٥٦٧).

(٢) منورقة : جزيرة في شرقي الأندلس قرب ميورقة. معجم البلدان (ج ٥ / ص ٢١٦).

(٣) ترجمته في نفح الطيب (ج ١ / ص ٣٣٦) وفي المقتبس ، بتحقيق مكي (ص ١٠٦) وتاريخ افتتاح الأندلس (ص ٩١).

(٤) محمد بن عمر بن عبد العزيز المعروف بابن القوطية. توفي سنة ٣٦٧ ه‍. له (تاريخ الأندلس) ، (تصاريف الأفعال). كشف الظنون (ج ٦ / ص ٤٩).

(٥) هو أبو محمد عبد الله بن إبراهيم الكندي. المتوفى سنة ٥٨٤ ه‍. له (جديقة في علم البديع) ، (المسهب في أخبار أهل المغرب). كشف الظنون (ج ٥ / ص ٤٥٧).

٢١

ما تراه في اصطباح

وعقود القطر تنثر؟

ونسيم الروض يختا

ل على مسك وعنبر

كلما حاول سيفا

فهو في الرّيحان يعثر

لا تكن مهمالة واس

بق فما في البطء تعذر

فجاوبه بما تأخّر فيه عن طبقته. وله في الكرم حكايات ، منها : أن زرياب غناه يوما ، فأطربه ، فأعطاه ثلاثة آلاف دينار ، فاحتوشه جواريه وولده ، فنثرها عليهم. وكتب أحد السّعاة إليه بأن زرياب لم يعظم في عينه ذلك المال ، وأعطاه في ساعة واحدة ، فوقّع : نبهت على شيء كنا نحتاج التنبيه عليه ، وإنما رزقه نطق على لسانك ، وقد رأينا أنه لم يفعل ذلك إلا ليحبّبنا لأهل داره ، ويغمرهم بنعمنا ، وقد شكرناه ، وأمرنا له بمثل المال المتقدم ، ليمسكه لنفسه ، فإن كان عندك في حقه مضرّة أخرى ، فارفعها إلينا.

ورفع له أحد المستغلّين بتثمير الخراج أن القنطرة التي بناها جده على نهر قرطبة لو رسم على الدواب والأحمال التي تعبر عليها رسم لاجتمع من ذلك مال عظيم ، فوقّع : نحن أحوج إلى أن نحدث من أفعال البرّ أمثال هذه القنطرة ، لا أن نمحو ما خلده آباؤنا باختراع هذا المكس القبيح ، فتكون عائدته قليلة لنا ، وتبقى تبعته وذكرة السوء علينا ، وهلا كنت نبهتنا على إصلاح المسجد المجاور لك الذي قد تداعى جداره واختلّ سقفه ، وفصل المطر مستقبل ، لكن يأبى الله أن تكون هذه المكرمة في صحيفتك ، وقد جعلنا عقوبتك بأن تصلح المسجد المذكور من مالك على رغم أنفك ، فيكون ما تنفق فيه منك ، وأجره لنا ، إن شاء الله.

٣ ـ ابنه أبو عبد الله محمد (١)

كان أخوه عبد الله بن طروب قد رشحه أبوه للولاية بعده ، وكان نصر الخصيّ يعضده ، ويخدم أمه طروب الحظيّة عند عبد الرحمن الأوسط ، إلا أن عبد الله كان مستهترا ، منهمكا في اللذات ، فكان أولو العقل يميلون إلى أخيه محمد. فلما مات أبوهما ، وكان ذلك بالليل ، اتفق رؤوس الخدم أن يعدلوا بالولاية عند عبد الله إلى محمد فمر أحدهم إلى منزله ، وجاء به على بغلة في زي صبيّة كأنّه بنته تزور قصر جدّها ، فلما مرّ على دار أخيه عبد الله ، وسمع ضجّة المنادمين ، وليس عنده خبر من موت أبيه أنشد :

فهنيئا له الذي هو فيه

والّذي نحن فيه أيضا هنانا

__________________

(١) ترجمته في نفح الطيب (ج ١ / ص ٣٣٧) وتاريخ ابن خلدون (ج ٤ / ص ٢٨٣ / ٢٨٧).

٢٢

ولما دخل القصر بعد تمنّع من البوّاب ، وتمّ له الأمر ، تلقاه بحزم ، ولم يختلف عليه أحد من جلّة أقاربه.

قال صاحب الجذوة (١) : كان محمد محبّا مؤثرا لأهل البيت الحديث ، عارفا ، حسن السّيرة ، ولما دخل الأندلس أبو عبد الرحمن بقي (٢) بن مخلد بكتاب أبي بكر بن أبي شيبة (٣) ، وقرىء عليه ، أنكر جماعة من أهل الرأي ما فيه من الخلاف ، واستشنعوه ، وبسطوا العامة عليه ، ومنعوا من قراءته ، إلى أن اتصل ذلك بالأمير محمد ، فاستحضره وإياهم ، واستحضر الكتاب كله ، وجعل يتصفحه جزءا جزءا ، إلى أن أتى على آخره ، وقد ظنوا أنه موافقهم على الإنكار عليه ، ثم قال لخازن الكتب : هذا كتاب لا تستغني خزانتنا عنه فانظر في نسخه لنا ، ثم قال لبقي بن مخلد : انشر علمك ، وارو ما عندك من الحديث ، واجلس للناس حتى ينتفعوا بك. فنهاهم أن يتعرضوا له.

وكان محمد قد فوّض أمور دولته لهاشم بن عبد العزيز أعظم وزرائه ، واشتمل عليه اشتمالا كثيرا ، وكان هاشم تيّاها ، معجبا ، حقودا ، لجوجا ، فأفسد الدولة. وكان يقدّمه على العساكر ، فخرج مرة إلى غرب الأندلس ليقمع ما هنالك من الثوّار ، فأساء السيرة في الحركة والنزول والمعاملة مع الجند ، فأسلموه ، وأخذ أسيرا ، ثم افتدي بأموال عظيمة. وأنهضه مرّة مع ابنه المنذر إلى ثغر سرقسطة ، فأساء الأدب معه حتى أحقده وأتلف محبّته لما صارت السلطنة إليه ، وثارت الثوار في الأندلس بسببه. وما مات محمد حتى خرقت الهيبة ، وزال ستر الحرمة ، واستقبل ابنه المنذر ثم عبد الله نيران الفتنة ، فأصلتهما مدة حياتهما إلى أن خمدت بالناصر عبد الرحمن.

وكانت وفاة السلطان محمد في آخر صفر سنة ثلاث وسبعين ومائتين.

٤ ـ ابنه أبو الحكم المنذر بن محمد (٤)

ولي بعد أبيه ، فلم تكن له همة أعظم من خداع وزير أبيه هاشم بن عبد العزيز إلى أن وثب عليه ، وسجنه وأثقله بالحديد ، وذكره ما أسلفه من ذنوبه الموبقة ، ثم أخرجه ، وأتى به إلى دار

__________________

(١) أي كتاب جذوة المقتبس في تاريخ علماء الأندلس ـ للإمام الحافظ أبي عبد الله محمد بن أبي نصر فتوح الأزدي الحميدي المتوفى سنة ٤٨٨ ه‍. كشف الظنون (ج ١ / ص ٥٨١).

(٢) هو بقي بن مخلد بن يزيد القرطبي ، توفي سنة ٢٧٦ ه‍ له (تفسير القرآن). كشف الظنون (ج ٥ / ص ٢٣٣).

(٣) لعله : محمد بن عثمان بن أبي شيبة المتوفى سنة ٢٩٧ ه‍ له (كتاب السنن في الفقه) كشف الظنون (ج ٦ / ص ٢٣).

(٤) ترجمته في نفح الطيب (ج ١ / ص ٣٣٨) وتاريخ ابن خلدون (ج ٤ / ص ٢٨٧ / ٢٨٨) وتاريخ افتتاح الأندلس (ص ١١٣ ـ ١١٤) وأخبار مجموعة (ص ١٣٢) والحلة السيراء (ص ٦٥).

٢٣

عظيمة كان قد شيدها ، وقصر عليها جميع أمانيه ، وضرب عنقه فيها ، وفتك في أولاده ومخلّفيه أشد الفتك وشفى غيظه الكامن. ثم أخذ في التجهيز إلى قتال عمر بن حفصون الثائر الشديد في الثوّار ، وكان قيامه وامتناعه في قلعة ببشتر (١) بين رندة (٢) ومالقة (٣) ، وقد وقفت عليها ، وهي خراب ، وكانت من أمنع قلاع الأندلس لا ترام ، ولا يخشى من فيها إلا من الأجلّ ، فحصره فيها ، فيقال إن أخاه عبد الله ، الذي ولي بعده وكان حاضرا معه دسّ إلى الفاصد مالا على أن يسم المبضع ، ففعل ذلك ، فمات المنذر ، وبادر في الحين عبد الله بحمله إلى قرطبة ، وحصلت له السلطنة. وكان المنذر قد ترشّح في مدة أبيه لقود العساكر ، وعظم أمره ، واشتدت صولته ، وكان شكس الأخلاق مرّ العقاب ، ولم تطل مدته.

وذكر صاحب الجذوة أنه كان مولده في سنة تسع وعشرين ومائتين ، فاتصلت ولايته سنتين غير خمسة عشر يوما. ومات في سنة خمس وسبعين ومائتين. قال الحميدي : وقد انقرض عقب المنذر.

٥ ـ [المستكفي محمد بن عبد الرحمن بن عبيد الله ابن عبد الرحمن الناصر (٤)

قال ابن حيّان : بويع محمد بن عبد الرحمن النّاصريّ يوم قتل عبد الرحمن المستظهر يوم السّبت لثلاث خلون من ذي القعدة سنة أربع عشرة وأربعمائة ، فتسمّى بالمستكفي بالله ، اسما ذكر له ، فاختاره لنفسه ، وحكم به سوء الاتفاق عليه ، لمشاكلته لعبد الله المستكفي العباسي أول من تسمّى به في أفنه ووهنه ، وتخلّفه وضعفه ، بل كان هذا زائدا عليه في ذلك ، مقصّرا عن خلال ملوكيّة كانت في المستكفي سميّة ، لم يحسنها محمد هذا لفرط نخلفه ، على اشتباهما في سائر ذلك كله : من توثّبهما في الفتنة ، واستظهارهما بالفسقة ، واعتداء كل واحد منهما] على ابن عمه ، وتولّع كل واحد منهما. شأنه بامرأة خبيثة ، فلذلك حسناء الشيرازية ولهذا بنت سكرى الموروريّة ، وكل واحد منهما خلع ، وتركه أبوه صغيرا. قال : ولم يكن من الأمر في ورد ولا صدر ، وإنما أرسله الله على الأمة محنة. بلغت به الحال قبل تملكه إلى أن كان يستجدي الفلاحين ، ولم يجلس في الإمارة في تلك الفتنة أسقط منه. خنق ابن عمه ابن العراقي ، وسجن ابن حزم وابن عمه أبا المغيرة ، واستؤصلت في مدته بالهدم قصور الناصر ، وهرب بين النساء لتخنيثه ، ولم يتميّز منهن.

__________________

(١) حصن يبعد عن قرطبة ثمانين ميلا. صفة جزيرة الأندلس للحميري (ص ٣٧).

(٢) رندة : مدينة في إسبانيا الجنوبية. كانت من أمنع حصون الأندلس. المنجد في اللغة والأعلام (ج ٢ / ص ٣١٠).

(٣) مالقة : مرفأ في جنوب إسبانيا على البحر المتوسط. المنجد في اللغة والأعلام (ج ٢ / ص ٦٢٩).

(٤) ترجمته في نفح الطيب (ج ١ / ص ٤١٨ / ٤١٩) وتاريخ ابن خلدون (ج ٤ / ص ١٥٢).

٢٤

٦ ـ المعتد بالله أبو بكر هشام بن محمد بن عبد الملك ابن الناصر المرواني (١)

من الجذوة : أن أهل قرطبة اتفقوا بعد ذهاب الدولة الحمّوديّة بعد طول مدة عليه. وكان مقيما بالبونت عند صاحبها محمد بن عبد الله بن القاسم ، فبايعوه في ربيع الأول سنة ثمان عشرة وأربعمائة ، فبقي مترددا في الثغور ثلاثة أعوام غير شهرين ، إلى أن سار إلى قرطبة ، ولم يبق إلا يسيرا حتى خلع ، وانقطعت الدولة المروانية من يومئذ في سنة عشرين وأربعمائة.

ومن كتاب السلوك في حلى الملوك

٧ ـ أبو الحزم جهور بن محمد بن جهور بن عبيد الله بن محمد بن الغمر بن يحيى بن عبد الغافر ابن أبي عبدة الكلبي ، مولى بني أمية (٢)

كان من وزراء الدولة العامريّة ، قديم الرّئاسة ، موصوفا بالدّهاء والسياسة ، ولم يغيّر أمرا توجيه المملكة ، حتى إنه بقي يؤذّن على باب مسجده ، ولم يتحوّل عن داره. وأحسن ترتيب الجند ، فتمشّت دولته. وكان حرما يلجأ إليه كل خائف ومخلوع عن ملكه ، إلى أن مات في صفر سنة خمس وثلاثين وأربعمائة ، فولى بعده :

٨ ـ ابنه أبو الوليد محمد بن جهور (٣)

ونشأ له ولدان تنافسا في الرّئاسة ، واضطربت بهما الدولة ، وجاء المأمون (٤) ابن ذي النون محاصرا لقرطبة من طليطلة ، فاستغاثا بالمعتمد (٥) بن عبّاد ، فوجّه لهم ابنه الظافر بعسكر ، فأقلع المأمون عنهم ، فغدرهم الظافر ، وأخذ قرطبة منهم ، وحملهم إلى شلطيش (٦) ، فسجنوا هنالك ،

__________________

(١) عميد الجماعة وكبير قرطبة لهشام بن محمد ، ترجمته في نفح الطيب (ج ١ / ص ٤١٩) وتاريخ ابن خلدون (ج ٤ / ص ١٥٤).

(٢) ترجمته في الصلة (ص ٢١٥) والحلة السيراء (ج ٢ / ص ٣٠) ، (ج ١ / ص ٣٤٥) ونفح الطيب (ج ١ / ص ٢٩٠ / ٢٩٢).

(٣) ترجمته في الصلة (ص ٨٠٠) والحلة السيراء (ج ٢ / ص ٣٤) ونفح الطيب (ج ١ / ص ٢٩٢) والذخيرة (ج ٢ / ق ١ ص ١٧) ، وتاريخ ابن خلدون (ج ٤ / ص ١٥٩).

(٤) سيترجم له ابن سعيد في هذا الجزء من المغرب.

(٥) صاحب إشبيلية وظلّ عليها إلى أن ملكها يوسف بن تاشفين ، ذكره المقري في نفح الطيب (ج ١ / ص ٢٨٩).

(٦) ميناء في الجنوب الغربي للأندلس بقرب مدينة لبلة. الروض المعطار (ص ٣٤٣).

٢٥

وأقام الظافر ملكا ، إلى أن دخل عليه بالليل حريز (١) بن عكاشة ، فقتله ، وصارت قرطبة للمأمون بن ذي النون.

ثم وصل إليها المعتمد بن عباد ، وولى عليها ابنة المأمون بن المعتمد ، فأقام فيها إلى أن قتله بخارجها الملثّمون.

وتوالى عليها ولاة الملثمين إلى أن ثار فيها أحمد بن محمد بن حمدين قاضيها.

ثم صارت لعبد المؤمن فتوالت عليها ولاة دولته إلى أن صارت للمتوكل ابن هود. ثم تغلب عليها محمد بن الأحمر المرواني الثائر بأرجونة إلى أن توجه إلى إشبيلية ، فعادت إلى ابن هود ، فحصرها أذفنش النصراني ملك طليطلة فأخذها ، وخرج منها أهلها. والله يعيدها بمنّه وحوله.

__________________

(١) ترجمته في الحلة السيراء (ج ٢ / ص ١٧٦ / ١٧٩) ونفح الطيب (ج ٥ / ص ١٠١).

٢٦

السلك

القرشيون

من كتاب رغد العيش في حلى قريش

فمن بني العباس

٩ ـ الزاهد أبو وهب عبد الرحمن العباسي (١)

ذكر ابن بشكوال (٢) أنه يقال إنه من بني العباس ، وكان منقطع القرين في الزهد والورع ، مجاب الدعوة ، مقبولا في الناس ، لا يكلم أحدا ، ولا يجالسه. وما زالت البركة وإجابة الدعوة متعرفة عند قبره ، وكان بظاهر قرطبة.

وباع ما عونه قبل موته ، فقيل له : ما هذا؟ فقال : أريد سفرا فمات إلى أيام يسيرة.

وكان قد طرأ على قرطبة من المشرق ، وأخفى نسبه ، وكان متفننا في أطراف من العلوم ، ومن لم يتكشف على حاله يظهر له أنه مدخول العقل. وكان لا يأنس إلا بمن يعرفه ، وكان أكثر دهره مفكرا ، وجهه على ركبته ، ثم يرفع رأسه ، فيقول : أي وحله.

وأنشد له ابن بشكوال [الخفيف](٣) :

أنا في حالتي الّتي قد تراني

أحسن الناس إن تفكّرت حالا (٤)

منزلي حيث شئت من مستقرّ ال

أرض ، أسقى من المياه زلالا

ليس لي كسوة أخاف عليها

من مغير ، ولا ترى لي مالا

أجعل السّاعد اليمين وسادي

ثمّ أثنى إذا انقلبت الشّمالا

قد تلذذت حقبة بأمور

فتدبّرتها (٥) فكانت خيالا

__________________

(١) ترجمته في نفح الطيب (ج ٤ / ص ١٨٣) والتكملة (ص ٧١٨). توفي بقرطبة سنة ٣٤٤ ه‍.

(٢) هو خلف بن عبد الملك بن مسعود بن بشكوال المتوفى سنة ٥٧٨ ه‍. كشف الظنون (ج ٥ / ص ٣٤٩).

(٣) الأبيات في نفح الطيب (ج ٤ / ص ١٨٣) ببعض الاختلاف عمّا هنا.

(٤) في النفح : إن تأمّلت أحسن الناس حالا.

(٥) في النفح : فتأمّلتها.

٢٧

وتوفّي بقرطبة سنة أربع وأربعين وثلاثمائة ، عن تسعين سنة في أيام الناصر ، وكان حفل جنازته عظيما.

وقيل : إنه لم يبق أحد من أهل قرطبة إلا وسمع عند بابه من يقول : اشهد في غد ـ إن شاء الله ـ جنازة الرجل الصالح في مقبرة بني هائل ، فإذا خرج إلى الباب لم يجد أحدا.

وذكر الحجاري أن أبا وهب لقيه مرة غلام وغد بخارج قرطبة ، فآذاه بلسانه ، ثم أراد أن يرميه بطوبة ، فجعل يبحث عنها ، ويقول : يا علي! طوبة أضرب بها هذا الأحمق! فوقعت عين أبي وهب على طوبة ، فقال له : هذه طوبة خذها ، فابلغ بها غرضك ، فارتاع الغلام وأخذته كالرّعدة.

وكان إذا أصبح ، ونظر إلى استيلاء النور على الظّلمة ، رفع يديه إلى السماء ، وقال : اللهمّ إنك أمرتنا بالدعاء إذا أسفرنا ، فاستجب لنا ، كما وعدتنا اللهم لا تسلّط علينا في هذا اليوم من لا يراقب رضاك ولا سخطك. اللهمّ لا تشغلنا فيه بغيرك. اللهمّ لا تجعل رزقنا فيه على يد سواك. اللهمّ امح من قلوبنا الطمع في هذه الفانية ، كما محوت بهذا النور هذه الظلمة. اللهمّ إنا لا نعرف غيرك فنسأله. يا أرحم الراحمين يا غياث من لا غياث له.

وقال : الاعتزال ملك من لا مال له ولا أعوان ، لا يجد من ينازعه ، ولا من يستطيل عليه.

ومن بني أمية

١٠ ـ بشر بن عبد الملك بن بشر بن مروان

من المقتبس : أن أباه قتل مع يزيد بن عمر بن هبيرة (١) ، ودخل بشر إلى الأندلس في صدر أيام عبد الرحمن الداخل ، وكان من فتيان قريش وأدبائهم وشعرائهم ، ومحاسنه كثيرة.

وذكر الحجاري أن عبد الرحمن كان يحبّه ويشاوره ، وهو الذي أشار عليه باصطناع البربر واتخاذ العبيد ، ليستعين بهم على العرب. وأنشد له صاحب السقط (٢) :

حنانيك ما أقسى فؤادك تذهب اللّ

يالي ولا عطف لديك ولا وصل

وإنّي من قوم هم شرعوا النّدى

فكيف على أبنائهم يحسن البخل

__________________

(١) ترجمته في الحلة السيراء (ص ٤٤).

(٢) هو كتاب سمط الجمان وسفط المرجان ـ لأبي عمرو ابن ابن الإمام الأندلسي. كشف الظنون (ج ٤ / ص ٢٧).

٢٨

١١ ـ أيوب بن سليمان السّهيلي (١)

من السقط : أنه من ولد سهيل بن عبد العزيز بن مروان ، ممن خمل ذكره بالفتنة ، كان بقرطبة يخدم ابن الحاج ، فلما ثار ابن الحاج في مدة الملثّمين أنشده قصيدة منها :

إذا أنا لم أبلغ بك الأمل الذي

قطعت به الأيام فالصّبر ضائع

فاعتذر له بالفتنة ، فقال : إن لم يكن ما ارتقبته فليكن وعد والتفات ، أتعلل بهما ، وأعلم منهما أني في فكر الأمير ، فالسكوت يطمس أنوار الآمال ، ويغلق أبواب الرجاء.

وكان قد حرضه على بن حمدين (٢) ، فلما ظفر ابن حمدين حصل في يده أيوب ، فكلمه بكلام ألان به قلبه ، إلا أنه أمره أن يغيب عنه ، فرحل إلى سرقسطة وملكها ابن تيفلويت (٣) ، فكتب إلى وزيره بن باجّة (٤) :

يا من به لاذ العفاة ونحوه

رقت الأماني دلّني ما أصنع

إن صنت وجهي عن سؤال متّ من

جوع ومثلي للورى لا يخضع

فتسبّب له في إحسان من قبل الملك ، على أن يرحل عن بلدهم فرارا من هذا النسب ، فقال : الحمد لله الذي أسعدنا به أوّلا ، وأشقانا به آخرا.

واتفق له في طريقه أن أكرمه بدويّ نزل عنده ، وقد تخيّل أنه رسول من بعض ملوك الملثّمين ، أو ممن يلوذ بهم ، فلما أعلمه غلامه أنه من بني أمية هاج وأخذ رمحه ، وحلف أن لا يبقى له في منزل. فقال لغلامه : إذا سئلت عني فقل إنه من اليهود ، فإنه أمشى لحالنا. وله من شعر :

قرطبة الغراء هل أوبة

إليك من قبل الحمام المصيب

ذكرك قد صيّرته ديدنا

وكيف أنساك وفيك الحبيب

ومات بسرقسطة في المائة الخامسة.

__________________

(١) ذكره المقري في نفح الطيب (ج ٥ / ص ٧٥ / ٧٦).

(٢) هو قاضي قرطبة وممدوح ابن خفاجة ، ترجمته في الأدب الأندلسي والمغربي (ص ٢٠٣ ـ ٢٠٤) والتكملة (ص ٣٨).

(٣) هو أبو بكر بن إبراهيم ، المعروف بابن تيفلويت ، صاحب سرقسطة ، توفي سنة ٥١٠ ه‍. ترجمته في نفح الطيب (ج ٢ / ص ٢١٢) و (ج ٩ / ص ٢٤٥).

(٤) ترجمته في نفح الطيب (ج ٩ / ص ٢٤٣ / ٢٤٤ / ٢٥٤) والإحاطة (ج ٤ / ص ٢٥٠) وقلائد العقيان (ص ٢٩٨ / ٣٠٤) وسيترجم له ابن سعيد في غرناطة.

٢٩

١٢ ـ بشر بن حبيب بن الوليد بن حبيب المعروف بدحون

ذكر صاحب السّقط أن جده حبيب (١) بن عبد الملك بن عمر بن الوليد بن عبد الملك بن مروان ، صاحب طليطلة ، وبنو دحّون أعيان بلكونة (٢) ، رأسوا بها. ووصفه بالفروسيّة والأخلاق الملوكيّة والأدب ، وأنشد له قوله :

قل لبرق أضاء من نحو نجد

كيف بالله ساكن الجزع بعدي

أتراهم على العهود أقاموا

أم ترى البين قد أخلّ بعهدي

من يكن في الدنوّ غير وفيّ

كيف يرجى وفاؤه في البعد

قال : ولما قال :

لأضر منّ جميع الأرض قاطبة

نارا وأبلغ ما لا يبلغ الأجل

أنا الذي ليس في الدنيا له مثل

وبارتقائي في العلّيا جرى المثل

سجنه عبد الرحمن الأوسط ، ثم تشفّع فيه ، فسرّحه ، فرحل إلى المشرق وحجّ ، وروى الحديث ، وجاء إلى الأندلس في صورة أخرى.

وذكره ابن حيّان في المقتبس وأنه قدم الأندلس بعلم كثير ، وكان يتحلّق في الجامع ، إلى أن نهاه عبد الرحمن عن ذلك.

ومن بني مخزوم

١٣ ـ أبو الوليد أحمد بن زيدون المخزومي (٣)

من القلائد (٤) : زعيم الفئة القرطبية ، ونشأة الدولة الجهوريّة ، الذي بهر في نظامه ، وظهر كالبدر ليلة تمامه ، فجاء من القول بسحر ، وقلده أبهى نحر ، ولم يصرفه إلا بين ريحان وراح ، ولم يطلعه إلا في سماء مؤانسات وأفراح ، ولا تعدّى به الرؤساء والملوك ، ولا تردّى منه إلا حظوة كالشمس عند الدّلوك ، فشرّف بضائعه وأرهف بدائعه وروائعه ، وكلفت به تلك الدولة حتى صار

__________________

(١) ترجمته في التكملة (ص ٢٧٧) والمقتبس بتحقيق مكي (ص ٤٩) ونفح الطيب (ج ٣ / ص ٢٥٠).

(٢) سيذكرها ابن سعيد بكتاب في هذا الجزء.

(٣) ترجمته في الذخيرة (ج ١ / ص ٢٨٩) وجذوة المقتبس (ص ١٢١) والحلة السيراء (ص ٤٥) ووفيات الأعيان ٦٣١) وتاريخ الأدب الأندلسي والمغربي (ص ١٤٠ / ١٤١).

(٤) كتاب قلائد العقيان في محاسن الأعيان ـ لأبي النصر الفتح بن خاقان. جمع فيه من شعراء المغرب طائفة وذكر أشعارهم. كشف الظنون (ج ٢ / ص ١٣٠٤).

٣٠

ملهج لسانها ، وحلّ من عينها مكان إنسانها ، وكان له مع أبي الوليد ابن جهور تآلف أحرما بكعبته وطافا ، وسقياه من تصافيهما نطافا ، وكان يعتدّ ذلك حساما مسلولا ، ويظن أنه يردّ به صعب الخطوب ذلولا ، إلى أن وقع له طلب أصاره إلى الاعتقال ، وقصره عن الوخد والإرقال ، فاستشفع بأبي الوليد وتوسّل ، واستدفع به تلك الأسنّة المشرعة والأسل ، فما ثنى إليه عنان عطفه ، ولا كفّ عنه فنون صرفه ، فتحيّل لنفسه ، حتى تسلّل من حبسه ، ففرّ فرار الخائف ، وسرى إلى إشبيلية (١) سرى الخيال الطائف ، فوافاها غلسا قبل الإسراج والإلجام ، ونجا إليها برأس طمرّ ولجام ، فهشّت له الدولة ، وباهت به الجملة ، فأحمد قراره ، وأرهفت النكبة غراره. وحصل عند المعتضد بالله بن عباد ، كالسويداء من الفؤاد ، واستخلصه استخلاص المعتصم لابن أبي دؤاد ، وألقى بيديه مقاد ملكه وزمامه ، واستكفى به نقضه وإبرامه ، فأشرقت شمسه وأنارت ، وأنجدت محاسنه وغارت ، وما زال يلتحف بخطوته ، ويقف بربوته ، حتى أدركه حمامه ، ولقي السّرار تمامه ، فأخبى منه شهبا طالعة ، وزهرة يانعة ، وقد أثبت من مقاله ، في سراحه واعتقاله ، ومقامه وانتقاله ، ما هو أرقّ من النسيم ، وأشرق من المحيّا الوسيم ، من ذلك قوله متغزلا (٢) :

يا قمرا أطلعه (٣) المغرب

قد ضاق بي في حبّك المذهب

ألزمتني الذنب الذي جئته

صدقت! فاصفح أيّها المذنب

وإنّ من أغرب ما مرّ بي

أنّ عذابي فيك مستعذب

ورحل عنه من كان يهواه ، وفاجأه ببينه ونواه ، فسايره قليلا وما شاه ، وهو يتوهم ألم الفرقة حتى غشّاه ، واستعجل الوداع ، وفي كبده ما فيها من الانصداع ، وأقام يومه بحالة المفجوع ، وبات ليله منافر الهجوع ، يردّد الفكر ، ويجدّد الذكر ، فقال [الرمل](٤) :

ودّع الصّبر محبّ ودّعك

ذائع من سرّه ما استودعك

يقرع السّنّ على أن لم يكن

زاد في تلك الخطا إذ شيّعك

يا أخا البدر سناء وسنا

حفظ الله زمانا أطلعك

إن يطل بعدك (٥) ليلي فلكم

بتّ أشكو قصر الليل معك

__________________

(١) إشبيلية : مدينة في الأندلس ، فتحها العرب وانتزعها منهم فرديناند. المنجد في اللغة والأعلام (ج ٢ / ص ٤٨).

(٢) الأبيات في الديوان (ص ٢٦٩) طبع الحلبي.

(٣) في الديوان : مطلعه.

(٤) الأبيات في نفح الطيب (ج ٥ / ص ٣٤١) وفي الديوان (طبعة علي عبد العظيم). وفي الأدب الأندلسي والمغربي (ص ١٢٧).

(٥) في الديوان : إن يطل ليلك بعدي.

٣١

وقال يتغزل في ولّادة بنت المستكفي (١) التي كان يهواها ، وكانت شاعرة :

يا نازحا ، وضمير القلب مثواه

أنستك دنياك عبدا أنت دنياه

ألهتك عنه فكاهات تلذّ بها

فليس يجري ببال منك ذكراه

علّ الليالي تبقيني إلى أمد

الله يعلم والأيام معناه

وكتب إلى ابن عبد العزيز صاحب بلنسية (٢) [مجزوء الكامل](٣) :

راحت فصحّ بها السقيم

ريح معطّرة النسيم

مقبولة هبّت قبو

لا فهي تعبق في الشّميم

أفضيض مسك أم بلن

سية لريّاها نميم؟!

بلد حبيب أفقه

لفتى يحلّ به كريم

إيه (٤) أبا عبد الإل

ه نداء مغلوب العزيم

إن عيل صبري من فرا

قك ، فالعذاب به أليم

أو أتبعتك حنينها

نفس (٥) ، فأنت لها قسيم

ذكري لعهدك كالسّها

د سرى فبرّح بالسّليم

مهما ذممت فما زما

ني في زمامك بالذميم

زمن كمألوف الرّضا

ع يشوق ذكراه الفطيم

أيام أعقد ناظر

يّ بذلك المرأى الوسيم

فأرى الفتوّة غضّة

في ثوب أوّاه حليم

الله يعلم أن حبّ

ك من فؤادي في الصميم

ولئن تحمّل عنك بي

جسم ، فعن قلب مقيم

وله في ولّادة القصيدة التي ضربت في الإبداع بسهم ، وطلعت في كل خاطر ووهم ، ونزعت منزعا قصّر عنه حبيب وابن الجهم [البسيط](٦) :

__________________

(١) ترجمتها في الذخيرة (ج ١ / ص ٤٢٩) والمطرب (ص ٧) والصلة (ص ٦) وبغية الملتمس (ص ٥٤٧).

(٢) مدينة في شرق إسبانيا ، مرفأ على مصب الوادي الكبير. المنجد في اللغة والأعلام (ج ٢ / ص ١٤٢).

(٣) الأبيات في الديوان (ص ٣٥) ونفح الطيب (ج ٤ / ص ٢٣٩).

(٤) في الديوان : إيها بفتح الهاء.

(٥) في الديوان : نفسي.

(٦) الأبيات في الديوان (طبعة عبد العظيم ص ١٤١ ـ ١٤٨) ، وقد عارض ابن زيدون فيها قصيدة البحتري التي قالها في مدح أحمد بن طولون ومطلعها :

٣٢

بنتم وبنّا ، فما ابتلّت جوانحنا

شوقا إليكم ، ولا جفّت مآقينا (١)

تكاد حين تناجيكم ضمائرنا

يقضي علينا الأسى ، لولا تأسّينا (٢)

حالت لفقدكم أيامنا فغدت

سودا ، وكانت بكم بيضا ليالينا

إذ جانب العيش طلق من تألّفنا

ومورد اللهو صاف من تصافينا

وإذ هصرنا غصون الوصل (٣) دانية

قطوفها ، فجنينا منه ماشينا (٤)

ليسق عهدكم عهد السّرور ، فما

كنتم لأرواحنا إلا رياحينا

من مبلغ الملبسينا بانتزاحهم

حزنا مع الدهر لا يبلى ويبلينا

أنّ الزمان الذي كنّا نسرّ به (٥)

أنسا بقربهم ، قد عاد يبكينا

غيظ العدا من تساقينا الهوى فدعوا

بأن نغصّ ، فقال الدهر آمينا

فانحلّ ما كان معقودا بأنفسنا

وانبتّ (٦) ما كان موصولا بأيدينا

وقد نكون وما يخشى تفرّقنا

فالآن (٧) نحن وما يرجى تلاقينا

لم نعتقد بعدكم إلا الوفاء لكم

رأيا ، ولم نتقلّد غيره دينا

لا تحسبوا نأيكم عنا يغيرنا

أن طال ما غيّر النّأي المحبّينا

والله ما طلبت أهواؤنا بدلا

منكم ، ولا انصرفت عنكم أمانينا

ولا اتخذنا (٨) خليلا عنك يشغلنا

ولا اتّخذنا بديلا منك يسلينا

يا ساري البرق غاد القصر فاسق (٩) به

من كان صرف الهوى والودّ يسقينا

ويا نسيم الصّبا بلّغ تحيتنا

من لو على البعد حيّى كان يحيينا

__________________

يكاد عاذلنا في الحب يغوينا

فما لجاجك في لوم المحبينا

والأبيات في تاريخ الأندلس والمغربي لهناء وحيدر ويدري. ص ١٤١ ـ ١٤٢ ـ ١٤٣ ـ ١٤٤ مع بعض الاختلاف عما هنا في ترتيب الأبيات. والأبيات في نفح الطيب (ج ٤ / ص ٢٤٣ / ٢٤٤).

(١) بان القوم : ابتعدوا ، فارقوا. جوانحنا : ضلوعنا ويريد : حرارة الشوق في القلب. المآقي : ج مؤق : يريد كثرة البكاء.

(٢) الأسى : الحزن. التأسي : التبصر والتعزي.

(٣) في الديوان وتاريخ الأدب الأندلسي : الأنس.

(٤) هصرنا : أملنا. شينا : سهل سئنا

(٥) في الديوان وتاريخ الأدب الأندلسي : الذي ما زال يضحكنا.

(٦) انبتّ : انقطع.

(٧) في الديوان وتاريخ الأدب الأندلسي : فاليوم.

(٨) في الديوان وتاريخ الأدب الأندلسي : استفدنا.

(٩) في الديوان وتاريخ الأدب الأندلسي : واسق.

٣٣

يا روضة طالما أجنت لواحظنا

وردا جناه (١) الصّبا غضّا ونسرينا

ويا حياة تملّينا بزهرتها

منّى ضروبا ، ولذات أفانينا

ويا نعيما خطرنا من غضارته

في وشي نعمى سحبنا ذيلها (٢) حينا (٣)

لسنا نسميك إجلالا وتكرمة

وقدرك المعتلي عن ذاك يغنينا

إذا انفردت ، ما شوركت في صفة

فحسبنا الوصف إيضاحا وتبيينا

يا جنة الخلد ، بدلنا بسلسلها (٤)

والكوثر العذب زقّوما وغسلينا (٥)

كأننا لم نبت ، والوصل ثالثنا

والسعد قد غضّ من أجفان واشينا

سرّان في خاطر الظلماء يكتمنا

حتى يكاد لسان الصبح يفشينا

لا غرو في أن ذكرنا الحزن حين نهت

عنه النّهى وتركنا الصبر ناسينا

إنا قرأنا الأسى يوم النّوى سورا

مكتوبة وأخذنا الصبر تلقينا

أما هواك فلم نعدل بمنهله

شربا وإن كان يروينا فيظمينا

لم نجف أفق جمال أنت كوكبه

سالين عنه ولم نهجره قالينا (٦)

نأسى عليك إذا حثّت مشعشعة

فينا الشّمول وغنّانا مغنّينا (٧)

لا أكؤس الرّاح تبدي من شمائلنا

سيما ارتياح ولا الأوتار تلهينا (٨)

دومي على الوصل (٩) ـ ما دمنا ـ محافظة

فالحرّ من دان إنصافا كما دينا

أبدي (١٠) وفاء وإن لم تبذلي صلة

فالطّيف يقنعنا ، والذّكر يكفينا

وفي الجواب متاع ، إن شفعت به

بيض الأيادي التي ما زلت تولينا

عليك منّي سلام الله ما بقيت

صبابة بك (١١) نخفيها فتخفينا (١٢)

__________________

(١) في الديوان وتاريخ الأدب الأندلسي : جلاه.

(٢) في الديوان وتاريخ الأدب الأندلسي : ذيله.

(٣) خطرنا : تبخترنا. النضارة : النعمة والسعة.

(٤) في الديوان : أبدلنا بسدرتها.

(٥) الزقوم : شجرة في جهنم منها طعام أهل النار. الغسلين : ما يسيل من جلود أهل النار ولحومهم ودمائهم.

(٦) قلا ، يقلو : أبغض ، كره.

(٧) المشعشعة : الخمرة الممزوجة. الشّمول : الخمرة.

(٨) سيما : علامة.

(٩) في الديوان وتاريخ الأدب الأندلسي والمغربي : العهد.

(١٠) في الديوان وتاريخ الأدب الأندلسي والمغربي : أولي.

(١١) في الديوان وتاريخ الأدب الأندلسي والمغربي والديوان : منك.

(١٢) تخفينا : تظهرنا.

٣٤

وقال فيها [مخلع البسيط](١) :

يا مستخفّا بعاشقيه

ومستغشّا لناصحيه

ومن أطاع الوشاة فينا

حتى أطعنا السّلوّ فيه

الحمد لله! قد بدا لي (٢)

بطلان (٣) ما كنت تدّعيه

من قبل أن يهزم التّسلّي

ويغلب الشوق ما يليه

وقال :

أيوحشني الزمان وأنت أنسي

ويظلم لي النهار ، وأنت شمسي

وأغرس في محبّتك الأماني

فأجني الموت من ثمرات غرسي

لقد جازيت غدرا عن وفائي

وبعت مودّتي ظلما ببخس

ولو أن الزمان أطاع حكمي

فديتك من مكارهه بنفسي

وله :

كأنّ عشّى القطر في شاطىء النّهر

وقد زهرت فيه الأزاهر كالزّهر

ترشّ بماء الورد رشّا وتنثني

لتغليف أفواه بطيّيبة الخمر

وقوله (٤) :

يا ليل طل أو لا تطل (٥)

لا بد لي أن أسهرك

لو بات عندي قمري

ما بتّ أرعى قمرك

وقوله في بني جهور أصحاب قرطبة (٦) :

بني جهور أحرقتم بجفائكم

جناني ، فما بال المدائح تعبق

تظنونني كالعنبر الورد إنما (٧)

تطيب لكم أنفاسه وهو (٨) يحرق

__________________

(١) الأبيات في ديوان ابن زيدون ص ٥٣ وقلائد العقيان ص ٧٧ ونفح الطيب (ج ٢ / ص ١٦٤).

(٢) في الديوان ونفح الطيب : إذا أراني.

(٣) في الديوان ونفح الطيب : تكذيب.

(٤) الأبيات في الديوان (ص ٢٧٢).

(٥) في الديوان : لا أشتهي إلا بوصل قصرك.

(٦) الأبيات في الديوان ، والذخيرة (طبع جامعة القاهرة) المجلد الأول / القسم الأول ص ٢٨٩ وما بعدها.

(٧) في الذخيرة : تعدونني كالمندل الرطب إنما.

(٨) في الذخيرة : حين.

٣٥

وقال فيه صاحب الذخيرة : إنه كان ـ سامحه الله ـ ممن لا يرجى خيره ، ولا يؤمن شره ، والعجب أنه من سلم من المعتضد بن عباد ، مع كونه ـ كان ـ مدبر دولته ، ولم يسلم له أحد من أصحابه.

وولي ولده بعده ـ وهو أبو بكر ـ وزارة المعتد بن عباد.

[ومن كتاب تلقيح الآراء في حلى الحجاب والوزراء]

١٤ ـ أبو بكر بن ذكوان (١)

ورثاه أبو الوليد بن زيدون بشعر منه :

يا من شآ الأمثال منه بواحد

ضربت به في السّؤدد الأمثال

وذكره ابن حيّان في كتاب القضاة ، وقال : إنه أبو بكر محمد بن أبي العباس أحمد بن عبد الله بن ذكوان ، كان أبوه قاضي القضاة ، وإن أعيان قرطبة هتفوا باسم أبي بكر في القضاء عند ولاية أبي الحزم بن جهور ، وأجمعوا على أنه في الكهول حلما وعلما ونزاهة وعفّة وتصاونا ومروءة وثروة ، فأمضى له الولاية ابن جهور ، فامتنع إلى أن كثروا عليه ، فقبل ذلك ، فنصر الحق ، فأجمعوا على مقته ، فعزل نفسه غرّة شعبان سنة ثلاثين وأربعمائة. ومدته سنة غير ثلاثة أيام.

ومات إثر ولاية صديقه أبي الوليد ابن جهور يوم الثلاثاء لثلاث خلت من ربيع الأول سنة خمس وثلاثين وأربعمائة ؛ ولم يتخلّف عنه كبير أحد من أهل قرطبة ، وأتبعوه ثناء جميلا ، ومولده في رجب سنة خمس وتسعين وثلاثمائة.

١٥ ـ أبو إسحاق إبراهيم بن عبيد الله المعروف بالنوالة

وصفه الحجاري بأنه بحر أدب ليس له ساحل ، وأفق رئاسة قد زيّنه الله بنجوم المكارم والفضائل ، وأنه كان ممن يؤخذ من ماله وأدبه ، وأنه استعان بخزائن كتبه العظيمة على ما صنفه في كتاب المسهب ، وكتب له رسالة يعتبه فيها على كونه دخل قرطبة فلم يبادر إلى الاجتماع به ، أولها : أنا عاتب على سيدي عتبا لا تمحوه بحور البلاغة ، ولا تحمله يد الاعتذار على مرّ الزمان.

وختمها بقوله : وبعد هذا فإني أخبط خبط عشواء في تيه ظلام ، فأطلع عليّ صبح وجهك ، لنبصر به سبل الهداية ، على جري عادتك في تلك الأيام.

__________________

(١) ترجمته في الذخيرة (ج ١ / ق ٤ / ص ٤٢) وبدائع البدائه (ج ٤ / ص ٢١٤).

٣٦

ومما أنشد من شعره قوله :

بادر إلى شاد وكأس تدور

ومجلس قد زيّنته بدور

في جنة تضحك غدرانها

وترقص القضب وتشدو الطيور

لما غدا الرّعد بها مطربا

شقّ له الزّهر جيوب السّرور

وبلغ في دولة الملثّمين من الجاه والمال والذّكر بقرطبة ما لم يبلغه أحد.

ومن كتاب أردية الشباب في حلى الكتاب

١٦ ـ محمد بن أمية مولى معاوية بن يزيد بن عبد الملك

كتب عن هشام بن عبد الرحمن ، وكان والده كاتبا لعبد الرحمن.

ومن تاريخ ابن حيان : أنه كتب عن الحكم بن هشام ، فاتهمه بولائه لعمه سليمان الثائر عليه فعزله. وكان سليمان قد همّ بالركون ، حتى كتب إليه ابن أمية :

لا تقبلنّ عهودا لا وفاء لها

إنّ المدير عليك الرأي شيطان

إنّ الصدور التي استعذبت أوّلها

أعجازها لك إن حصّلت خطبان

كيف المقام بأرض ليس يملكها

ذاك المبرّأ من نقص سليمان

وذكر الفرضي أنه مات خاملا في مدة عبد الرحمن بن الحكم وبيته بيت كتابة ورئاسة.

١٧ ـ أبو القاسم إبراهيم بن الإفليلي (١)

ذكر ابن حيان أنه بذّ أهل زمانه بقرطبة في علم اللسان والضبط لغريب اللغة ، والمشاركة في بعض المعاني ، وكان غيورا على ما يحمل من ذلك ، كثير الحسد ، راكبا رأسه في الخطأ البيّن إذا تقلّده.

واستكتبه المستكفي فبرد ، ووقع كلامه خاليا من البلاغة ، لأنه كان على طريقة المعلمين ، فزهد فيه ، وما بلغني أنه ألف شيئا إلا كتابه في شعر المتنبي. ولحقته تهمة في دينه أيام هشام ، فسجن في المطبق.

__________________

(١) ترجمته في الذخيرة (ج ١ / ص ٢٤٠) وفي معجم الأدباء (ج ٢ / ص ٤) وفي الجذوة (ص ١٤٢). والصلة (ص ٩٣). توفي سنة ٤٤١ ه‍).

٣٧

وابن شهيد كثير الوقوع فيه والتندير به. قال في كلام ، وصفه فيه : وهو أشدهم ضنانة بألا يكون بالأندلس محسن سواه ، وكان الرأي عندي له أن يسكن أرض جلّيقيّة ، حتى لا يسمع لخطيب فيها ذكرا ، ولا يحسّ لشاعر شعرا ، فينعم هنالك فردا ، وليست شيبته شيبة أديب ، ولا جلسته جلسة عالم ، ولا أنفه أنف كاتب ، ولا نغمته نغمة شاعر.

وقال في رسالته التي سماها بالتوابع والزوابع على لسان الجن : وأما أبو القاسم بن الإفليلي فمكانه من نفسي مكين ، وحبه بفؤادي دخيل ، على أنه حامل علي ، منتسب إلي. فصاحا : يا أنف النافة بن معمر ، من سكّان خيبر ، فقام إليهما جنّيّ أشمط ربعة يتظالع في مشيه كاسرا لطرفه ، زاويا لأنفه ، وهو ينشد :

قوم هم الأنف والأذناب غيرهم

ومن يسوّي بأنف النّاقة الذّنبا؟

فقالا لي : هذا صاحب أبي القاسم. ما قولك فيه يا أنف الناقة؟ قال : لا أعرف على من قرأ؟ فقلت في نفسي : العصا من العصيّة! فقلت : وأنا أيضا لا أعرف على من قرأت؟ قال : لمثلي يقال هذا الكلام؟ فقلت : وكان ماذا؟ قال : فطارحني كتاب الجليل. قلت : هو عندي في زنبيل.

قال : فناظرني على كتاب سيبويه. قلت : خريت الهرّة عندي عليه.

وقال الححاري : كان بارد النظم والنثر ، لم يندر له من شعره إلا قوله :

صبحت القطيع ونادمته

وأصبحت في شربه ذا انقطاع

وأبصرت أنسي به وحده

كأنس الرّضيع بثدي الرضاع

قال : وهو القائل في يحيى بن حمود من قصيدة يكفي منها ما يكفي من التّرياق :

أنت خير الناس كلّهم

يابن من ما مثله بشر

فإذا ما لحت بينهم

قيل هذا البدو والحضر

قال : وأنشدتهما لأحد الأدباء ، فقال لي عند ما سمع عجز الأول ورأى ترادف الميمات : هذه عقد ذنب العقرب ، فلما سمع الثاني قال : سبحان من أخلى خاطر هذا الرجل من التوفيق ، وجعله يخرى على فمه!

١٨ ـ أبو يحيى أبو بكر بن هشام (١)

هو ممن قرأت عليه وأدركته يكتب عن الباجي (٢) ملك إشبيلية. والإشارة إليه بأنه شيخ

__________________

(١) ترجمته في الوافي بالوفيات (ج ٣ / ص ٧٩) واختصار القدح (ص ٨٩).

(٢) ترجمته في نفح الطيب (ج ٣ / ص ٣٩٧). توفي بجدة سنة ٤٩٣ ه‍.

٣٨

كتاب الأندلس. وكان سهل الطّريقة ، كتب عن المأمون أيام ولايته قرطبة ، ثم لحق بالبياسي الثائر (١) ، وكتب عنه ، ثم قتل البياسي ، فاستخفى ، ثم لحق بإشبيلية.

وتسبّب إلى المأمون ، وأنشده قصيدة منها :

مولاي إنّ بليتي مع خدمتي

خصمان فاحكم للتي هي أقدم

ثم أكثر عليه من الرّقاع في ذلك ، فوقّع له : يا هذا قد أكثرت علينا من الرقاع ، وقد أمضينا لك حكم ابن الرّقاع.

وبلغني في مصر أنه توفّي بالجزيرة الخضراء في سنة أربعين وستمائة. ومما أنشدنيه لنفسه قوله :

لاموا على حبّ الصّبا والكاس

لما بدا وضح المشيب براسي

والغصن أحوج ما يكون لسقيه

أيان يبدو بالأزاهر كاسي

وقوله :

أمسى الفراش يطوف حول كؤوسنا

إذ خالها تحت الدّجى قنديلا

ما زال يخفق حولها بجناحه

حتى رمته على الفراش قتيلا

ومن نثره : بما أسلف لهذا الحزب الغالب من انتباه والناس نيام ، وانتصار بالمال والنفس والكلام ، وخوض في لجج المهالك ، وقطع لمضيقات المسالك ، حتى شكر إثر عناه راحته ونجاحه ، وحمد بعد ما أطال سراه صباحه ، فجدير أن يجني ثمرة ما غرس ، وأن يمشي في ضوء ذلك القبس.

١٩ ـ أخوه أبو القاسم عامر بن هشام (٢)

هو صاحب القصيدة المتقدمة في متفرّجات قرطبة ، وحسبه فخرا وعلوّ طبقة. وكان مشهورا بالمنادمة والبطالة. ومن نثره قوله في مخاطبة رئيس :

وإني لكالأرض الكريمة إن نظر منها وسقيت أنبتت وأزهرت ، وأودعت لسان النّسيم ، ما يعبّر به في الآفاق من شكر الخير الجسيم ، وإن أهملت صوّحت وأودعت السّوافي ما يعمي العين ،

__________________

(١) ذكره المقري في نفح الطيب (ج ٤ / ص ٣٣٢).

(٢) ترجمته في نفح الطيب (ج ٢ / ص ١٨) والقصيدة في نفح الطيب (ج ٢ / ص ٨١).

٣٩

ويرغم الأنف ، وإنّ لسيدي كبير حقّ ، ولمعظّمه صغير حقّ ، ورعي أحدهما منوط بالآخر.

ومن رسالة : وأنّى يصحّ له ذلك مع ما اشتهر عنه من كونه نمّاما للأسرار ، نقّالا لما يسوء سماعه من الأخبار ، مولعا بالفضول ، كثير الخروج والدخول ، ولّاجا عند فلان وفلان ، كثير التّضريب والإفساد بين الإخوان ، مع لزوم الثّقالة ، والمظاهر بالتقلب والاستحالة ، لا يشكر كثير الإحسان ، ولا يغفر قليل الإساءة ، بساط المنادمة معه لا يطوى أبدا ، أسقط على المساوىء من كلب على جيفة ، وألحّ فيها من ذباب على قرحة. وله مع الحضرمي ممازجة كثيرة.

وهو المخاطب للحضرمي :

لا خير في الصاحب إن لم يكن

يقود أو ينكح أو ينكح

فإن خلت من صاحب هذه

فإنه للودّ لا يصلح

فقال له : حسبي القيادة! وقال له على محبوب له من أبناء الجند ، في حكاية طويلة ، وحلق أبو الصبيّ شعره وقيّده ، وحبسه ، لما سمع باجتماعه مع ابن هشام ؛ فقال ابن هشام في ذلك :

طال ليلي مذ قصّروا ليل شعره

ورموا بالسّرار كامل بدره

يا هلال السماء قبل هلالا

قيّدوه به مخافة فرّه

فلما سرّح قال :

صفح السّرار عن القمر

وبدا وقد كان استتر

كتب السّرور لناظري

لما رآه قد ظهر

هذا أمان للجفو

ن من المدامع والسّهر

وسكر ليلة ، فخرج والمطر يسحّ ، فرأى جريه ، فأعجبه ، وزيّن له السكر الرقاد في وسط الطريق ، فجاء أحد العسس ، فعرفه ، فحمله إلى داره ، وجرّد ثيابه البليلة ، وألقى عليه من ثيابه ، وحمله إلى منزله ، فلما أفاق أبو القاسم قال : [الطويل]

أقول وقد أوردت نفسي موردا

أبحت به ما شاءه السّكر من عرضي

وقد صرت سدّا بالطريق لسائل

من القطر إذ لا بسط تحتي سوى الأرض

وقد هزّني في آخر الليل مرسل

من الله أحياني وألحق بي غمضي

سأنثى عليك ـ الدهر ـ في كلّ محفل

وما كلّ من أوليته نعمة يقضي

ولم أدر من ألقى عليّ رداءه

خلا أنه قد سلّ عن ماجد محض (١)

__________________

(١) صدر البيت مع بعض التغيير في نفح الطيب (ج ٢ / ص ١٥٨ / ١٥٩) وقلائد العقيان (ص ١٠) وقيل : هو صدر بيت لخويلد بن مرّة الهذلي ، وعجزه هو : سوى أنه قد سلّ عن ماجد محض.

٤٠