المغرب في حلى المغرب - ج ١

علي بن موسى بن محمّد بن عبد الملك بن سعيد الغرناطي الأندلسي

المغرب في حلى المغرب - ج ١

المؤلف:

علي بن موسى بن محمّد بن عبد الملك بن سعيد الغرناطي الأندلسي


المحقق: خليل المنصور
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٨١
الجزء ١ الجزء ٢

بسم الله الرحمن الرحيم

صلى الله على سيدنا محمد

أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه ، فهذا :

الكتاب الرابع

من الكتب التي يشتمل عليها

كتاب غرب الأندلس

وهو

كتاب الخلب في حلى مملكة شلب

مملكة تجاور مملكة إشبيلية وهي في غربها وشمالها ويخرج في سواحلها العنبر من البحر المحيط. وينقسم كتابها على :

كتاب الشّرب في حلى مدينة شلب

كتاب حلّة الطاووس في قرية شنّبوس

كتاب الروضة المرتادة في حلى قرية رمادة

كتاب الليالي القمرية في حلى مدينة شنتمريّة (١)

كتاب حلى العليا في حلى مدينة العليا

كتاب الكواكب المطلّة في حلى مدينة قسطلّة.

__________________

(١) في القلائد العقيان : والحجا.

٣٠١

بسم الله الرحمن الرحيم

صلى الله على سيدنا محمد

أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه ، فهذا :

الكتاب الأول

من الكتب التي يشتمل عليها

كتاب المملكة الشلبية

وهو

كتاب الشّرب في حلى مدينة شلب (١)

هي عروس.

المنصة

من كتاب الرازي : مبناها على نهر يمدّ من البحر المحيط ، وبين شلب وقرطبة للراكب تسعة أيام. قال ابن سعيد : هي مدينة مستحسنة مشهورة بالأدباء ، وفيها نشأ المعتمد بن عباد ، وفيها قصر الشّراجيب الذي قال ابن عمار فيه :

وسلّم على قصر الشراجيب عن فتى

له أبدا شوق إلى ذلك القصر

__________________

(١) شنتمرية : مدينة عربية قديمة واقعة جنوب غربي الأندلس. المنجد في اللغة والأعلام (ج ٢ / ص ٣٩٢).

٣٠٢

التاج

قد تقدّم أن المعتمد بن عباد نشأ فيها ، وولاه أبوه المعتضد مملكتها ، ولما استقلّ المعتمد بإشبيلية ولّي على شلب ابنه المعتدّ. وولاتها الآن من إشبيلية.

السلك

من كتاب الياقوت في حلى ذوي البيوت

٢٧٠ ـ أبو بكر محمد بن وزير (١)

بنو وزير أعيان شلب ، وساد أبو بكر وصار بإشبيلية من قواد الأعنّة المذكورين. وله من شعر يخاطب به المنصور من بني عبد المؤمن (٢) : [الطويل]

ولما تلاقينا جرى الطعن بيننا

فمنّا ومنهم قائم وحصيد (٣)

فلا صدر إلا فيه صدر مثقّف

وحول الوريد للحسام ورود

صبرنا ولا كهف سوى البيض والقنا

كلانا على حرّ الجلاد (٤) جليد

ولكن شددنا شدّة فتبلّدوا

ومن يتبلّد لا يزال يحيد

٢٧١ ـ ابنه أبو محمد بن وزير (٥)

ساد في دولة بني عبد المؤمن. وهو القائل وقد ولى ابن غمر أشراف إشبيلية :

لا تيأسنّ من الخلافة بعد ما

ولي ابن غمر خطّة الأشراف

__________________

(١) شلب : بلدة في جنوبي البرتغال. كانت قاعدة الغرب الأندلسي على أيام الغرب الأندلسي. سكنها جماعة من أهل اليمن واشتهرت بلغتها العربية الفصحى. المنجد في اللغة والأعلام (ج ٢ / ص ٣٩١).

(٢) هو ذو الوزارتين أبو بكر محمد بن عمار الشّلبي الأندلسي ، شاعر مشهور ، قتله مليكه المعتمد بن عباد بيده سنة ٤٧٧ ه‍ بمدينة إشبيلية. الذخيرة (ق ٢ / ص ٣٦٨) وقلائد العقيان (ص ٨٣) وبغية الملتمس (ص ١١٣) ووفيات الأعيان (ج ٤ / ص ٤٢٥) والحلة السيراء (ج ٢ / ص ١٣١) والمطرب (ص ١٦٩) ونفح الطيب (ج ٦ / ص ١٤٩).

(٣) الأبيات في نفح الطيب (ج ٦ / ص ١٤٩) والحلة السيراء (ج ٢ / ص ٢٧١).

(٤) في نفح الطيب والحلة السيراء :

ولمّا تلاقينا جرى الطحن بيننا

فمنّا ومنهم طائحون عديد

وجال غرار الهند فينا وفيهم

فمنّا ومنهم قائم وحصيد

(٥) في الحلة السيراء : (ج ٢ / ص ٢٧٣) الطعان.

٣٠٣

تبّا لدهر هذه أفعاله

يضع النّوافج في يدي كنّاف

وقتله ابن هود.

٢٧٢ ـ أبو الوليد بن أبي حبيب

بنو أبي حبيب من أعيان شلب

من السمط : نكتة الزمان ، ونخبة الأعيان ، الذي ملك الحيا عنانه ، وأيّدت الحكمة لسانه :

وذكر : أنه عاشره بشلب ، وأنشد من شعره قوله في جوارب رسالة :

أهلا بزائرة أرانا حسنها

وجه المسرّة والوفاء صقيلا

لبست من الإبداع أحسن حلّة

وغدت تجرّ من الوفاء ذيولا

ما زلت ألحظها بعين مهابة

وأمدّ كفّي نحوها تبجيلا

وأقوم إجلالا لها لمّا دعت

مني القبول وزدتها تقبيلا

وأطنب في الثناء عليه.

٢٧٣ ـ أبو بكر محمد بن الملح (١)

من القلائد : حلّ كنف العلم والعليا ، وأخذ بطريقي الدين والدنيا ، وأنشد له قوله (٢) :

والرّوض يبعث بالنسيم كأنما

أهداه يضرب لاصطباحك موعدا

سكران من ماء النعيم فكلما (٣)

غنّاه طائره وأطرب ردّدا

يأوي إلى زهر كأنّ عيونه

رقباء تقعد للأحبّة مرصدا

زهر يبوح به اخضرار بناته (٤)

كالزّهر أسرجها الظلام وأوقدا

وقوله (٥) :

حسب القوم أنني عنك سالي

أنت تدري قضيّتي (٦) ما أبالي

__________________

(١) انظر ترجمته في الحلة السيراء (ص ٢٤١).

(٢) هو أبو بكر محمد بن إسحاق اللخمي من أهل شلب ، يعرف بابن الملح أو ابن الملاح انظر ترجمته في الذخيرة (ج ١ / ق ٢ / ص ٤٥٢) ، والذيل والتكملة (ج ٦ / ص ١١٨) وقلائد العقيان (ص ١٨٦) ونفح الطيب (ج ٥ / ص ٢١٨).

(٣) الأبيات في الذخيرة (ج ١ / ق ٢ / ص ٤٥٤).

(٤) في الذخيرة : وكلّما.

(٥) في الذخيرة : نباته.

(٦) البيتان في قلائد العقيان (ص ١٨٦) والذخيرة (ج ١ / ق ٢ / ص ٤٥٣).

٣٠٤

قمري أنت كلّ يوم (١) وبدري

فمتى كنت قبل هذا هلالي

وأنشد له صاحب الذخيرة وقد حضر مع المعتضد بن عباد على راحة (٢) :

كأنّ سراجي شربنا في التظائه (٣)

وأنبوب ماء الحوض في سيلانه

كريم تولّى كبره من كليهما

لئيمان في إنفاقه يعذلانه

٢٧٤ ـ ابنه أبو القاسم أحمد (٤)

نشأ على عفة وطهارة وزهد ، فكان أبوه يلومه على إفراطه في الزهد والاقتصار على كتب المتصوفين ، ويحضّه على الأدب ، إلى أن اشتهر في الانخلاع ، وفرّ إلى إشبيلية ، وتزوّج هنالك عاهرا ترقص في الأعراس ، فكتب له أبوه شعرا ، أوّله (٥) : [مخلع البسيط]

يا سخنة العين يا بنيّا

ليتك ما كنت لي بنيّا

فأجابه :

أوجفت خيل العتاب نحوي

وقبل زيّنتها (٦) إليّا

وقلت هذا قصير (٧) عمر

فاربح من الدهر (٨) ما تهيّا

قد كنت أرجو المتاب مما

فتنت جهلا به وغيّا

لولا ثلاث شيوخ سوء :

أنت وإبليس والحميّا

ومن كتاب أردية الشباب في حلى الكتّاب

٢٧٥ ـ أبو الوليد حسان بن المصّيصي (٩)

من الذخيرة : كان هو وابن عمّار وابن الملح في شلب أترابا متمازجين ، فلما سمت الحال

__________________

(١) في القلائد : صبابتي وفي الذخيرة : سريرتي.

(٢) في الذخيرة : حين.

(٣) البيتان في الذخيرة (ج ١ / ق ٢ / ص ٤٧٣).

(٤) في الذخيرة : شربهم في التظاهما.

(٥) هو أبو القاسم أحمد بن محمد بن إسحاق اللخمي. وهو من رجال المسهب اشتغل أول أمره بالزهد. ونفح الطيب (ج ٥ / ص ٢١٨ ـ ٢١٩).

(٦) الأبيات في نفح الطيب (ج ٥ / ص ٢١٩ ، ٢٨٨).

(٧) في النفح : أوثبتها.

(٨) في النفح : وقلت عمر الهنا مصير.

(٩) في النفح : العيش.

٣٠٥

بابن عمّار أنف ابن الملح من خدمته ، ورضيها ابن المصيصي ، فقرّبه من المعتمد بن عباد ، واستكتبه المأمون بن المعتمد لما ولاه أبوه مملكة قرطبة. وعنوان طبقته في النظم قوله من قصيدة في المعتمد بن عباد (١) : [البسيط]

من استطال بغير السيف لم يطل

ولم يخب من نجاح سائل الأسل

أعدتك صحبتك الأرماح شيمتها

فانفذ نفوذ القنا في الأمر واعتدل

وإن أتتك أمور لم تعدّ لها

فانهض برأيك بين الرّيث والعجل

أقدم على حذر (٢) وارغب على زهد

واغلظ على رقّة واسفر على خجل

جرّ الذيول ولكن من جحافله

على القتاد ولكن من شبا الأسل

ومن كتاب نجوم السماء في حلى العلماء

٢٧٦ ـ أبو محمد عبد الله بن السيّد (٣)

أحد من تفخر به جزيرة الأندلس من علماء العربية ، وهو من شلب ، ولازم مدينة بطليوس فعرف بالبطليوسي ، وله شرح كتاب الجمل ، وتصانيف في النحو ، ومن شعره قوله (٤) : [المتقارب]

إذا سألوني عن حالتي

وحاولت عذرا فلم يمكن

أقول : بخير ولكنّه كلام يدور على الألسن

وربّك يعلم ما في الصدور

ويعلم خائنة الأعين

وقوله :

خليليّ ما للريح أضحى نسيمها

يذكّرني ما قد مضى ونسيت

أبعد نذير الشيب إذ حلّ عارضي

صبوت بأحداق المها وسبيت

تلاحظني العينان منها برحمة

فأحيا ، ويقسو قلبها فأموت

__________________

(١) ترجمته في المسالك (ج ١١ / ص ٤٢٨) ورايات المبرزين (ص ٢٧) والخريدة (ج ٢ / ص ١٩١) (ج ٣ / ص ٥٨٨). والذخيرة (ج ١ / ق ٢ / ص ٤٣٣ / ٤٥١).

(٢) الأبيات في الذخيرة (ج ١ / ق ٢ / ص ٤٣٧ / ٤٣٨). والمسالك (ج ١١ / ص ٤٢٨).

(٣) في الذخيرة : على عجل.

(٤) هو ابن السيّد البطليوسي من شلب ، قلائد العقيان (ص ١٩٣) وبغية الوعاة (ص ٢٨٣) ونفح الطيب (ج ١ / ص ١٨١).

٣٠٦

فيا قمرا أغرى بي النّقص واكتسى

كمالا ووافى سعده وشقيت

ومن كتاب مصابيح الظلام في حلى الناظمين لدر الكلام

٢٧٧ ـ أبو بكر محمد بن الروح (١)

من شعراء الدولة اللّثام المذكورين ، وممن تضمنه كتاب السمط وعنوان طبقته في الشعر قوله من قصيدة :

ما للزمان على محاربتي يد

عرضي أشدّ من الخطوب وأنجد

من كان يحذر من غد فأنا الذي

من بعد هذا اليوم يحذرني غد

يا ليت قومي يعلمون بأنني

في حيث سوق الشعر ليست تكسد

ورأيت كيف هزرت أجنية المنى

لما رأيت غصونها تتأوّد

٢٧٨ ـ أبو بكر محمد بن إبراهيم بن منخّل الشلبي (٢)

ذكره صفوان في كتاب زاد المسافر ، وكان بينه وبين ابن الملاح من بلده مباعدة ، ونشأ ابناهما على ذلك ، فعتب ابن المنخّل ولده على شتمه ولد ابن الملّاح ، فأنشده هجاء فيه لولد ابن الملاح ، وكانا على واد تنقّ ضفادعه ، فقال أبو بكر أجز (٣) : [الهزج]

تنقّ ضفادع الوادي.

فقال ابنه : بصوت غير معتاد.

فقال أبو بكر : كأن ضجيج معولها (٤).

فقال ابنه : بنو الملاح في النادي.

الأهداب

موشحة لابن أبي حبيب

__________________

(١) الأبيات في نفح الطيب (ج ١ / ص ١٨١) دون تغيير عمّا هنا.

(٢) انظر ترجمته في نفح الطيب (ج ٥ / ص ٢٢٠).

(٣) ذكره المقري في نفح الطيب (ج ٥ / ص ٢٢٠) وترجمته في زاد المسافر (ص ٨٧) والتكملة (ص ٤٩٦) توفي في حدود سنة ٥٦٠ ه‍.

(٤) هذه القصة والشعر في نفح الطيب (ج ٥ / ص ٦٧).

٣٠٧

عسى لديك يا ربّة القلب

زاد لراحل

فودّعي فديتك هيمانا

لا يستطيع دونك سلوانا

إذا تذكّر البين أو بانا

بكى وحنّ إلى شلب

حنين ثاكل

ومنها :

ما هيج الغليل على الصبّ

غير الغلائل

ومنها :

فدلّنا على الصبح في الحجب

برد الخلاخل

٣٠٨

بسم الله الرحمن الرحيم

صلى الله على سيدنا محمد

أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه ، فهذا :

الكتاب الثاني

من الكتب التي يشتمل عليها

كتاب المملكة الشلبية

وهو

كتاب حلة الطاووس في حلة قرية شنّبوس

من أحسن القرى وأصغرها. منها :

٢٧٩ ـ ذو الوزارتين أبو بكر محمد بن عمار (١)

من القلائد : مقذف حصا القريض وجماره ، ومطلع شمسه وأقماره ، الذي بعث الإحسان عرفا عطرا ونفسا ، وأثبته في شفاه الأيام لعسا. وتلخيص أمره من القلائد والذخيرة والمسهب : أنه من هذه القرية الخاملة تأدّب بشلب ، وصحب المعتمد بن عباد من الصّبا ، ونهاه المعتضد أبوه

__________________

(١) انظر ترجمته في وفيات الأعيان (ج ٤ / ص ٤٢٥) وبغية الملتمس (ص ١١٣) والذخيرة (ج ١ / ق ٢ / ص ٣٦٨) وقلائد العقيان (ص ٨٣) والحلة السيراء (ج ٢ / ص ١٣١) والمطرب (ص ١٦٩) ونفح الطيب (ج ١ / ص ٢٤) ، والخريدة (ج ٢ / ص ٧١) والمعجب (ص ١٦٩) والشذرات (ج ٣ / ص ٣٥٦).

٣٠٩

عن صحبته ، ثم خوفه ففرّ ابن عمار إلى سرقسطة. ثم لما استقلّ المعتمد بعد أبيه جاءه ابن عمار مذكّرا بمودّته ، فتلقاه بأعظم قبول ، وصار عنده كجعفر عند الرشيد ، إلى أن داخل ابن عمار العجب ، وسمت به نفسه إلى مجاذبة رداء الملك ، فوثب على مرسية لما أخذها لابن عباد ، وانفرد فيها بنفسه ، وهجا ابن عباد وزوجه الرّميكيّة ، واشتهر من ذلك قوله من القصيدة الطائرة :

ألا حيّ بالغرب حيّا حلالا

أناخوا جمالا وحازوا جمالا

ومنها :

فيا عامر الخيل يا زيدها

منعت القرى وأبحت العيالا

وأفحش غاية الفحش ، ولم يفكر في العواقب. ثم إنه خرج من مرسية لإصلاح بعض الحصون فثار عليه في مرسية ابن رشيق وأغلق أبوابها في وجهه ، فعدل إلى المؤتمن بن هود ، ورغّبه في أن يوجه معه جيشا ليأخذ له شقّورة من يد عتاد الدولة. فخدعه عتاد الدولة حتى حصل في سجنه ، وبعث فيه ابن صمادح مالا لعداوته له ، وكذلك ابن عبّاد ، فقال ابن عمار :

أصبحت في السوق ينادى على

رأسي بأنواع من المال

تالله لا جار على ماله

من ضمّني بالثمن الغالي

وآل أمره إلى أن باعه من ابن عباد ، فجاء به ابنه الراضي إلى إشبيلية على أسوأ حال ، وسجنه ابن عبّاد في بيت في قصره ، ولم يزل يستعطفه وهو لا ينعطف له إلى أن كان ليلة يشرب فذكّرته الرّميكيّة به ، وأنشدته هجاءه فيه ، وقالت له : قد شاع أنك تعفو عنه ، وكيف يكون ذلك بعد ما نازعك ملكك ، ونال من عرض حرمك؟ وهذان لا تحتملهما الملوك. فثار عند ذلك ، وقصد البيت الذي هو فيه ، فهشّ إليه ابن عمّار ، فضربه بطبرزين شقّ به رأسه ، ورجع إلى الرّميكيّة ، وقال : قد تركته كالهدهد. قال ابن بسام : ولذلك يقول فيه صنيعته ابن وهبون :

لله من أبكيه ملء مدامعي

وأقول لا شلّت يمين القاتل

وأجلّ قصائده قصيدته التي يمدح بها المعتضد بن عباد ، ومن فرائدها قوله (١) : [الكامل]

أدر الزجاجة (٢) فالنسيم قد انبرى

والنّجم قد صرف العنان عن السّرى

والصّبح قد أهدى لنا كافوره

لما استردّ الليل منا العنبرا

__________________

(١) الأبيات في قلائد العقيان (ص ٩٦ / ٩٧) ووفيات الأعيان (ج ٤ / ص ٤٢٦) والذخيرة (ج ١ / ق ٢ / ص ٣٨٢ ـ ٣٨٣) ونفح الطيب (ج ٢ / ص ١٨٦ / ١٨٧).

(٢) في النفح : المدامة.

٣١٠

والرّوض كالحسنا كساه زهره

وشيا وقلّده نداه جوهرا

أو كالغلام زها بورد رياضه (١)

خجلا وتاه بآسهنّ معذّرا

روض كأنّ النهر فيه معصم

صاف أطلّ على رداء أخضرا

وتهزّه ريح الصّبا فتخاله

سيف ابن عبّاد يبدّد عسكرا

عباد المخضرّ نائل كفّه

والجوّ قد لبس الرّداء الأغبرا

أندى على الأكباد من قطر النّدى

وألذّ في الأجفان من سنة الكرى

قدّاح زند المجد لا ينفكّ من (٢)

نار الوغى إلا إلى نار القرى

أيقنت أني من ذراه بجنّة

لما سقاني من نداه الكوثرا

ومنها (٣) : [الكامل]

أثمرت رمحك من رؤوس ملوكهم (٤)

لما رأيت الغصن يعشق مثمرا

وصبغت درعك من دماء كماتهم

لما رأيت (٥) الحسن يلبس أحمرا

وقوله من قصيدة : [الكامل]

أذكيت دونك للعدى حدق القنا

وخصمت عنك بألسن الأغماد

ومنها (٦) : [الكامل]

يفدي الصحيفة ناظري فبياضها

بياضه وسوادها بسواد

__________________

(١) في النفح : بورد خدوده.

(٢) في القلائد : عنه.

(٣) البيتان في قلائد العقيان (ص ٩٧).

(٤) في القلائد : كما تهم.

(٥) في النفح : لما علمت.

(٦) هذا البيت في الذخيرة (ج ١ / ق ٢ / ص ٣٩٨) والرايات (ص ٥٦).

٣١١

بسم الله الرحمن الرحيم

صلى الله على سيدنا محمد

أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه ، فهذا :

الكتاب الثالث

من الكتب التي يشتمل عليها

كتاب المملكة الشلبية

وهو

كتاب الروضة المرتادة في حلى قرية رمادة

ذكره الحجاري : أنها من قرى شلب. منها :

٢٨٠ ـ أبو عمر يوسف بن هارون الرمادي الكندي (١)

من الجذوة : كثير الشعر ، سريع القول ، مشهور عند العامة والخاصة لسلوكه في فنون المنظوم ، ومن فرائد ما أنشده من شعره قوله (٢) : [الطويل]

خليليّ عيني في الدموع فعاينا

إلى أين يقتاد الفراق الظعائنا

__________________

(١) شاعر مشهور ، توفي سنة ٤٠٣ ه‍ ، وفيات الأعيان (ج ٧ / ص ٢٧) والمطرب (ص ٣) ونفح الطيب (ج ١ / ص ٢٨٥) والجذوة (ص ٣٤٦) والصلة (ص ٦١٣).

(٢) الأبيات في نفح الطيب (ج ٥ / ص ١٨٢) ومطمح الأنفس (ص ٧١) بترتيب آخر.

٣١٢

ولم أر أحلى من تبسم أعين

غداة النوى عن لؤلؤ كان كامنا

وقوله (١) : [الكامل]

لا تنكروا غزر (٢) الدموع فكلّ ما

ينحلّ من جسم (٣) يصير دموعا

والعبد قد يعصي ، وأحلف أنني

ما كنت إلا سامعا ومطيعا

قولوا لمن أخذ الفؤاد مسلّما

يمن عليّ بردّه مصدوعا

وقوله (٤) : [السريع]

بدر بدا يحمل شمسا بدت

فحدّها في الحسن من حدّه

تغرب في فيه ولكنها

من بعد ذا تطلع في خدّه

وقوله :

صدّ عني فليس يعلم أني

كنت في كربة ففرّج عني

وتجني عليّ من غير ذنب

فتجنّى على كثير التجني

حسن ظني قضى عليّ بهذا

حكم الله لي على حسن ظنّي

وقوله (٥) : [الطويل]

قفوا تشهدوا بثّي وإنكار لائمي

عليّ بكائي في الرسوم الطواسم

أيأمن أن يغدو حريق تنفسي

وإلا غريقا في الدموع السواجم

فهذا حمام الأيك يبكي هديله

بكائي فليفزع (٦) للوم اللّوائم )

وما هي إلا فرقة تبعث الأسى

إذا نزلت بالناس أو بالبهائم

خلا ناظري من نومة بعد خلوة

متى كان منّي النوم ضربة لازم

وقوله : [البسيط]

قالوا اصطبر وهو شيء أعرفه

من ليس يعرف صبرا كيف يصطبر

__________________

(١) في النفح : غيث.

(٢) في النفح : من جسمي يكون.

(٣) البيتان في نفح الطيب (ج ٥ / ص ٢٢٢).

(٤) في النفح : وحدّها.

(٥) الأبيات في جذوة المقتبس (ص ٣٤٦).

(٦) في جذوة المقتبس : فليفرغ.

(٧) في جذوة المقتبس : للوم الحمائم.

٣١٣

أوصه الخلّى بأن يغضي الملاحظ عن

غرّ الوجوه ففي إهمالها غرر

وفاتن الحسن قتّال الهوى نظرت

عيني إليه فكان الموت والنّظر

ثم انتصرت بعيني وهي قاتلتي

ماذا تريد بقتلي حين تنتصر

يا شقّة النفس واصلها بشقّتها

فإنما أنفس الأعداء تهتجر

ظلمتني ثم إني جئت معتذرا

يكفيك أني مظلوم ومعتذر

وهو من مداح المنصور بن أبي عامر.

٣١٤

بسم الله الرحمن الرحيم

صلى الله على سيدنا محمد

أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه ، فهذا :

الكتاب الرابع

من الكتب التي يشتمل عليها

كتاب المملكة الشلبية

وهو

كتاب الليالي القمرية في حلى مدينة شنتمريّة

مدينة مشهورة تعرف بشنتمريّة الغرب ، لأن هنالك شنتمريّة الشرق ، وهي الآن للمسلمين.

السلك

٢٨١ ـ أبو الحسن بن هارون (١)

كان بنو هارون قد ملكوا شنتمريّة ، وتوارثوها ، وأخذها منهم المعتضد بن عباد. وأبو الحسن ممن ذكره صاحب الذخيرة وأنشد له قوله (٢) :

__________________

(١) ترجمته في الحلة السيراء (ج ٢ / ص ١٧) والمسالك (ج ١١ / ص ٤٣٨) والذخيرة (ج ٢ / ق ٢ / ص ٦٣٧).

(٢) الأبيات في الذخيرة (ج ٢ / ق ٢ / ص ٦٣٨) والحلة السيراء (ج ٢ / ص ٢٠).

٣١٥

وحديقة شرقت بغمر (١) نميرها

يحكي صفاء الجوّ صفو غديرها

تجري المياه بها أسود أحكمت

من خالص العقيان في تصويرها

فكأنها (٢) أسد الشّرى في شكلها

وكأن وقع الماء صوت زئيرها

وذكره الحجاري ، وأنشد له هذه الأبيات.

ومن كتاب الإحكام في حلى الحكام

٢٨٢ ـ أبو الفضل جعفر بن محمد بن الأعلم (٣)

من السمط : ذو اللّسان الذّلق ، والجبين الطّلق ، والدال على كرم الخلق بكمال الخلق ، الذي سابق فبذّ وأشرف ، وناضل قادة الكلام فأنصف ، وساجل بحور النّثار والنظام فما تلعثم ولا توقّف. وأثنى على أصله وذاته ، وأنشد له قوله :

قالت وقد أقبلت ألثمها

والخرص لا يلوي على الدّهش

أفضحت نفسك؟ قلت : واحربا

أأموت في غرق من العطش؟

وقوله :

كتبت ولاعج البرحاء يملي

ونار الشوق تستمري الدموعا

ولو نفسي أطاوعها لقضّت

إليكم يا أحبتي الضلوعا

وقوله :

هذا الخليج وهذه أدواحه

جسم نسيم رياضه أرواحه

سيف إذا ركد الهواء بصفحه

درع إذا هبّت عليه رياحه

وقوله :

انظر إلى الأزهار كيف تطلّعت

بسماوة الرّوض المجود نجوما

وتساقطت فكأن مسترقا دنا

للسّمع فانقضّت عليه رجوما

وإلى مسيل الماء قد رقمت صنا

ع الريح فيه من الحباب رقوما

__________________

(١) في الحلة السيراء : بعد.

(٢) في الذخيرة : وكأنها.

(٣) ترجمته في بغية الملتمس (ص ٥٦) ونفح الطيب (ج ٥ / ص ٢٢١) والخريدة (ج ١٢ / ص ١٥٥).

٣١٦

ترمي الرياض له نثير أزاهر

فتعيده في ضفّتيه نظيما

ومدح أبا إسحاق بن أمير الملثمين يوسف.

ومن كتاب مصابيح الظلام في حلى الناظمين لدر الكلام

٢٨٣ ـ أبو الحسن صالح بن صالح الشتنمري (١)

من شعراء المائة الخامسة المشهورين المذكورين في كتاب الذخيرة. وأحسن ما وقفت عليه من شعره قوله ، على أنه قد روي لأبي محمد بن سارة ، وهو أولى به (٢) :

أسنى ليالي الدّهر عندي ليلة

لم يخل (٣) فيها الكأس من إعمال

فرّقت فيها بين عيني (٤) والكرى

وجمعت بين القرط والخلخال

وقوله (٥) :

أملي من الدّنيا تستّر (٦) خلوة

أبكي بها وأبثّ سرّ هواك

حولي وحولك أعين ومسامع

أخفي الهوى عنهنّ إذ ألقاك

حذرا عليك فديت بي ومخافة

أن يقصروك ويحجبوا مرآك

لولا الحياء وأن تشيع سريرتي

بدّدت (٧) شمل الدّمع حين أراك

وقوله :

إذا هبّ النسيم فلا تسلني

عن الوجد المبرّح والغرام

وإن ناح الحمام فدع فؤادي

وما أبداه من طرق الحمام

__________________

(١) ترجمته في الذخيرة (ج ٢ / ق ٢ ص ٢٥٤ / ٥٨٧) ورايات المبرزين (ص ٣٥) والمسالك (ج ٨ / ص ٣٣٤).

(٢) البيتان في الذخيرة (ج ٢ / ق ٢ / ص ٥٨٣) والذخيرة (ج ٣ / ص ٤٩٠).

(٣) في الذخيرة : لم أخل.

(٤) في الذخيرة : جفني.

(٥) الأبيات في الذخيرة (ج ٢ / ق ٢ / ص ٥٨٢).

(٦) في الذخيرة : تيسّر.

(٧) في الذخيرة : عند لقاك.

٣١٧

بسم الله الرحمن الرحيم

صلى الله على سيدنا محمد

أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه ، فهذا :

الكتاب الخامس

من الكتب التي يشتمل عليها

كتاب المملكة الشلبية

وهو

كتاب حلى العليا في حلى مدينة العليا

من المدن الغربية الشمالية

٢٨٤ ـ كثير العلياوي (١)

أديب مشهور في عصرنا ، كان بإشبيلية ورحل إلى بجاية ، فأكثر كلامه فيما لا يعنيه ، فضرب وجرّس ، ونفي في البحر ، فاستقرّ بجزيرة منورقة عند صاحبها سعيد بن حكم. ومن شعره قوله (٢) :

__________________

(١) في الذخيرة : لنثرت.

(٢) ترجمته في جذوة المقتبس (ص ٢٢٥) وبغية الملتمس (ص ٣٠٠) والذخيرة (ق ٣ / ص ٣١٧) ونفح الطيب (ج ٥ / ص ١٠٩).

٣١٨

ليس المدامة مما أستريح له (١)

ولا مجاوبة الأوتار والنّغم

وإنما لذّتي كتب أطالها

وصارمي أبدا في نصرتي قلمي

وقوله

طار الغراب لبينهم فحسبته

إذ طار مشتملا صميم فؤادي

__________________

(١) الأبيات في اختصار القدح (ص ١٨٩).

٣١٩

بسم الله الرحمن الرحيم

صلى الله على سيدنا محمد

أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه ، فهذا :

الكتاب السادس

من الكتب التي يشتمل عليها

كتاب المملكة الشلبية

وهو

كتاب الكواكب المطلّة في حلى مدينة قسطلّة

تعرف بقسطلة الغرب. منها :

٢٨٥ ـ أبو علي إدريس بن اليمان (١) العبدري

أطال الإقامة في جزيرة يابسة (٢) حتى عرف منها ، وله أمداح كثيرة في ملوك الطوائف. وقد ذكر صاحب الذخيرة : أن صلته على القصيدة كانت مائة دينار ، ولا يمدح أحدا إلا بهذا الشرط.

وأبدع شعره قوله (٣) : [الكامل]

__________________

(١) في اختصار القدح : به.

(٢) هو شاعر جليل وشعره كثير مجموع وترجمته في جذوة المقتبس (ص ١٧٠) وبغية الملتمس (ص ٢٣٦) والذخيرة (ق ٣ / ص ٣٣٦) وسبقت ترجمته في هذا الجزء من المغرب (ص ١٩٧ الحاشية رقم ٥).

(٣) يابسة : من الجزائر الشرقية على سمت مدينة دانية من الأندلس.

٣٢٠