المغرب في حلى المغرب - ج ١

علي بن موسى بن محمّد بن عبد الملك بن سعيد الغرناطي الأندلسي

المغرب في حلى المغرب - ج ١

المؤلف:

علي بن موسى بن محمّد بن عبد الملك بن سعيد الغرناطي الأندلسي


المحقق: خليل المنصور
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٨١
الجزء ١ الجزء ٢

صيّر فؤادك للمحبوب منزلة

سمّ الخياط مجال للمحبّين

ولا تسامح بغيضا في معاشرة

فقلّما تسع الدنيا بغيضين

وقوله (١) :

وإذا الديار تتكّرت حالاتها (٢)

فدع (٣) الديار وأسرع التحويلا

ليس المقام عليك حتما واجبا

في بلدة تدع العزيز ذليلا

لا يترضى حرّ بمنزل ذلة

لو لم (٤) يجد في الخافقين مقيلا

__________________

(١) الأبيات في الذخيرة (ق ١ / ص ٨٥٣).

(٢) في الذخيرة : عن حالها.

(٣) في الذخيرة : فذر.

(٤) في الذخيرة : إن.

٢٤١

بسم الله الرحمن الرحيم

صلى الله على سيدنا محمد

أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه ، فهذا :

الكتاب الثامن

من الكتب التي يحتوي عليها

كتاب المملكة الإشبيلية

وهو

[٨ ـ] كتاب بغية الظريف في حلى جزيرة طريف (١)

ليست بجزيرة ، وإنما هي مدينة صغيرة أمامها جزيرة في البحر ، نزل بها طريف مولى بني أمية أوّل فتح الأندلس ، فنسبت له. وأهلها من كرام الناس وأحسنهم إقبالا على الغريب.

٢٢٨ ـ كثير الطريفي (٢)

شاعر أدركه والدي ، وأنشدني له : [الطويل]

سلام على أطلالهم بعد بينهم

فكيف بها لو أنهم في جنابها

مررت بها أرتاد منها مرورهم

عليها وأستشفي بلثم ترابها

وخاطبتها حين استقلّوا فلم تبن

ولا سمحت لحظا بردّ جوابها

__________________

(١) طريف : مدينة في إسبانيا على مضيق جبل طارق سميت باسم أول قائد عربي غزا إسبانيا. المنجد في اللغة والأعلام (ج ٢ / ص ٤٣٦).

(٢) انظر ترجمته في نفح الطيب (ج ٥ / ص ٢١٧).

٢٤٢

بسم الله الرحمن الرحيم

صلى الله على سيدنا محمد

أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه ، فهذا :

الكتاب التاسع

من الكتب التي يشتمل عليها

كتاب المملكة الإشبيلية

وهو

كتاب الحلة الحمراء في حلى الجزيرة الخضراء (١)

من كتاب الرازي : مدينة الجزيرة الخضراء ، من أرشق المدن وأطيبها ، وأرفقها بأهلها ، وأجمعها لخير البر والبحر ، وقرب المنافع من كل جهة ، توسّطت مدن السواحل وأشرفت بسورها على البحر ، ومرساها أحسن المراسي للجواز ، وأرضها أرض زرع وضرع ونتاج.

قال ابن سعيد : لما رجعت إشبيلية إلى ابن هود ولّى على الجزيرة الخضراء والدي فأقمنا بها مدّة في عيش يجب ذكره والحنين إليه ، وفيها أقول : [الطويل]

رعى الله أياما إذا سرّ غيرها

فإنّ سروري بعدها متكلّف

وعندما يخرج الإنسان من بابها ، يجد المياه الجارية والبساتين النّضرة ، ونهرها يعرف بوادي

__________________

(١) الجزيرة الخضراء أو الخسيراس : مدينة في إسبانيا. على مضيق جبل طارق أول مدينة أندلسية استولى عليها العرب ٧١٠. وعقدت فيها الدول الأوروبية مؤتمرا بشأن المغرب. المنجد في اللغة والأعلام (ج ٢ / ص ٢١٤).

٢٤٣

العسل ، سمّي بذلك لحلاوته ، وعليه موضع سهل ، عليه حاجب مشرف على النهر والبحر في نهاية من الحسن ، يعرف بالحاجبية.

ومن متنزّهاتها النّقا. ومقابرها حسنة ، في نهاية من الأخذ بالقلوب والفرجة. وولاتها تتردّد عليها من إشبيلية.

السلك

من كتاب أردية الشباب

٢٢٩ ـ أبو مروان عبد الملك بن إدريس الجزيري (١)

كاتب المنصور بن أبي عامر ثم ولده المظفر ، ذكره صاحب الذخيرة والمسهب ، وكلاهما عظّم محلّه ، وذكرا : أنه كان يشبّه بمحمد بن عبد الملك الزيات في البلاغة والعبقرية. وسجنه المنصور ، ثم عفا عنه ، وكتب له ، وقد أتبع العفو بإحسان (٢) : [السريع]

عجبت من عفو أبي عامر

لا بد أن تتبعه منّه

كذلك الله إذا ما عفا

من عبده أدخله الجنّة

فاستحسن ذلك ، وصرفه إلى حاله ، ثم كتب بعده للمظفر ، فلما قتل صهره ابن سعيد اتهمه ، فسجنه في برج من طرطوشة. ثم قتله هنالك. ودخل صاعد البغدادي (٣) على المنصور في يوم عيد ، فازدحم على حافة الصهريج ، فسقط في الماء ، فضحك المنصور ، وأمر بإخراجه ، وخلع عليه ، وقال له : هل حضرك شيء؟ فقال : شيئان كانا في الزمان. فاستبردوا ما أتى به فقال الجزيري : هلا قلت (٤) : [المتقارب]

سروري بغرّتك المشرقه

وديمة راحتك المغدقه

ثناني نشوان حتى غرق

ت في لجّة البركة المطبقه

__________________

(١) انظر ترجمته في يتيمة الدهر (ج ٢ / ص ١٠١) ونفح الطيب (ج ٥ / ص ٢١٤) وجذوة المقتبس (ص ٢٦١) والبغية (رقم : ١٠٥٨) والمطمح (ص ١٣) والصلة (ص ٣٥٠) والذخيرة (ج ١ / ق ٤ / ص ٤٦ ، ٤٧).

(٢) البيتان في نفح الطيب (ج ٥ / ص ٢١٤) والذخيرة (ج ١ / ق ٤ / ص ٤٧).

(٣) هو أبو العلاء صاعد بن الحسن ، البغدادي تربة ، والطبري أصلا ، والربعي نسبا. ترجمته في الذخيرة (ج ١ / ق ٤ / ص ٨ / ٣٦) وجذوة المقتبس (ص ٢٣٣) والصلة (ص ٢٣٢) ومعجم الأدباء (ج ١١ / ص ٢٨١) والمعجب (ص ٧٥) والوفيات (ج ٢ / ص ٤٨٨) وبغية الوعاة (ص ٢٦٧) ونفح الطيب (ج ٤ / ص ٦٥ ، ٨٢).

(٤) الأبيات في نفح الطيب (ج ٤ / ص ٨٢) والذخيرة (ج ١ / ق ٤ / ص ٣٦).

٢٤٤

لئن ظلّ عبدك فيها الغريق

فجودك من قبلها أغرقه (١)

فقال المنصور : لله درّك يا أبا مروان! قسناك بأهل بغداد ففضلتهم ، فبمن تقاس بعد؟

وأنهضه يومئذ للشّرطة.

وشرب ليلة مع المنصور فكان ما أوجب أن ارتجل (٢) : [الوافر]

أرى بدر السماء يلوح حينا

فيبدو (٣) ثم يلتحف السّحابا

وذلك أنّه لمّا تبدّى

وأبصر وجهك استحيا وغابا (٤)

وله في اعتقاله القصيدة المشهورة الطويلة التي يوصي بها ولده؟ منها :

وبضمّر الأقلام يبلغ أهلها

ما ليس يبلغ بالجياد الضّمّر

ومن كتاب الياقوت

٢٣٠ ـ أبو عمر أحمد بن النسرة

من بيوتات الجزيرة ، كان له أموال طائلة من الورث ، فأفناها في الغبوق والصّبوح وما يتبع ذلك. لقيته وهو بسبلة بيضاء ، وقد اشتهر بما ينطق به قوله :

يعيبون حمى عصيّ الخصا

وما زلت مذ كنت حمّالها

ولا بأس للمرء في لذة

على أيّ جارحة نالها

وتركته في قيد الحياة.

ومن كتاب نجوم السماء في حلى العلماء

٢٣١ ـ أبو عبد الله محمد بن عبد الله الجزيري (٥)

برع في العلم وجال ، وثار في رأسه أن يحيي سنّة مهديّ الغرب ، وزعم أن أصحابه غيروا أمره ، وقال (٦) : [المجتث]

__________________

(١) في الذخيرة : من قبل ذا أغرقه.

(٢) البيتان في جذوة المقتبس (ص ٢٨١) وبغية الملتمس (ص ٣٧٥) ونفح الطيب (ج ٥ / ص ٢١٥).

(٣) في النفح : فيظهر.

(٤) في الجذوة : «وذاك أنه ... فعابا». وفي البغية : «وذاك بأنه ... فغابا».

(٥) ترجمته في نفح الطيب (ج ٥ / ص ٢١٣).

(٦) الأبيات في النفح (ج ٥ / ص ٢١٣).

٢٤٥

في أمّ رأسي سرّ

يبدو لكم بعد حين!

لأطلبنّ (١) مرادي

إن كان سعدي معيني

أولا فأكتب ممّن

سعى لإظهار ديني (٢)

واشتهر أمره ، وعظم في النفوس خبره ، ووضعت عليه العيون في جميع بلاد بني عبد المؤمن ، وشاع عند الناس أنه يتصوّر في صورة قط وكلب ، وكانت العامة ترجم الكلاب والسّنانير بسبب ذلك ، إلى أن قبض عليه في عمل بسطة وحمل رأسه إلى مرّاكش.

٢٣٢ ـ عباس بن ناصح الثقفي الجزيري (٣)

ذكره أبو بكر الزبيدي في كتاب طبقات العلماء ، وقال : إنه كان منجبا في الولادة ، وقد ولى قضاء بلده مع شذونة ، ووليه من بيته علماء شعراء.

ومن كتاب المفضل المذحجي نسّابه أهل الجزيرة : أن ناصحا والد عباس كان عبدا لمزاحمة بنت مزاحم الثقفي الجزيري.

قال ابن حيان : كان عالما شاعرا أثيرا عند الخلفاء المروانيين ، ووفد مرة على قرطبة في مدة الحكم الرّبضي ، فجاءه أدباؤها للأخذ عنه ، فمرت عليهم قصيدة : [الطويل]

لعمرك ما البلوى بعار ولا العدم

إذا المرء لم يعدم تقى الله والكرم

حتى انتهى القارىء إلى قوله :

تجاف عن الدنيا ، فما لمعجّز

ولا حازم ـ إلا الذي خطّ بالقلم

فقال له يحيى الغزال ـ وهو حدث ـ أيها الشيخ ، وما الذي يصنع مفعّل مع فاعل؟! فقال : فكيف تقول أنت؟ قال : تجاف عن الدنيا فليس لعاجز. فقال عباس : والله لقد طلبها عمّك ليالي فما وجدها!

وجعله الرازي فحل شعراء الأندلس. وله مشاركة في التعاليم.

__________________

(١) في النفح : لأبلغنّ.

(٢) في النفح : دين.

(٣) شاعر الحكم الربضي ، ولي قضاء بلدة الجزيرة الخضراء مع شذونة ، توفي بعد سنة ٢٣٠ ه‍. وذكر له المقري شعرا لم يذكره ابن سعيد هنا. نفح الطيب (ج ١ / ص ٣٢٩) وبغية الوعاة (ص ٢٧٦) وتاريخ علماء الأندلس (ص ٥٠٤).

٢٤٦

٢٣٣ ـ أبو الحسن علي بن حفص الجزيري (١)

ذكر الحجاري : أنه لم يلق بالجزيرة الخضراء مثله مروءة وكرم نفس ، وتعشّقا لأهل الأدب ، مع نظم تميل إليه النفوس ، وتسرّ به سرورها بالكؤوس. وأنشد من شعره (٢) : [الكامل]

بأبي الذي صافحته فتورّدت

وجناته وانآد (٣) نحوي قدّه

قمر بدا كلف السّرى في خدّه

لما توالى في الترحّل جهده

لكن معالم حسنه نمّت كما (٤)

قد نمّ (٥) عن صدإ الحسام فرنده

وقوله (٦) : [الكامل]

كم قد بكرت إلى الرياض وقضبها

قد ذكّرتني موقف العشّاق

يا حسنها والريح تلحف (٧) بعضها

بعضا كأعناق إلى أعناق

والورد خدّ والأقاحي مبسم

وغدا البهار ينوب عن أحداق

لم أنفصل عنها بكأس مدامة

حتى حملت محاسن الأخلاق

__________________

(١) انظر ترجمته في نفح الطيب (ج ٥ / ص ٢١٥).

(٢) الأبيات في نفح الطيب (ج ٥ / ص ٢١٥).

(٣) في النفح : وأناء.

(٤) في النفح : تمت.

(٥) في النفح : تمّ في.

(٦) الأبيات في نفح الطيب (ج ٥ / ص ٢١٦).

(٧) في النفح : يلحف.

٢٤٧

بسم الله الرحمن الرحيم

صلى الله على سيدنا محمد

أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه ، فهذا :

الكتاب الثاني

من الكتب التي يشتمل عليها

كتاب كورة الجزيرة الخضراء

وهو

كتاب الإبلال في حلى قرية بني بلال

من القرى المشهورة في عمل الجزيرة الخضراء. منها :

٢٣٤ ـ أبو العباس أحمد بن بلال (١)

لقيته بالجزيرة ، فلقيت خير من يلقى تأنيسا وبرّا وكرما ، مع تصرّف في الأدب ، ومعرفة بالشعر ، وقول له ، وتركته هنالك. ثم بلغني أنه سعي به إلى السلطان ، فنفي من البلد ، وفرّق بينه وبين الأهل والولد. ومات طريدا غريبا ، رحمة الله عليه ، فقد كان مألفا ومقصدا لغرباء الأدب.

ولقد مرّ لي معه أيام لا يزال يتمثّلها الضّمير ، فتميد عليها أغصانه ، ويتذكرها فتشوقه أكثر مما تشوقه أوطانه. كتبت إليه في يوم أنس سمح به الزمان فكلّمه ، وبلغ من ساعده ما تمناه وأمّله (٢) : [الوافر]

__________________

(١) انظر ترجمته في نفح الطيب (ج ٥ / ص ٢١٦) واختصار القدح (ص ٨٦).

(٢) الأبيات في نفح الطيب (ج ٥ / ص ٢١٦) واختصار القدح (ص ٨٦).

٢٤٨

أبا العباس ، لو أبصرت حولي

ندامى بادروا العيش الهنيّا

يبيحون المدام ولا انتقاد

وقارهم ويزدادون غيا

وهم مع ما بدا لك من عفاف

يحبّون الصبيّة والصبيّا

ويهوون المثالث والمثاني

وشرب الراح صبحا أو عشيّا

على الرّوض الذي يهدي لطرف

وأنف منظرا بهجا وريّا

وقد صدح الحمام ومال غصن

وأمسى النهر صبّا أريحيّا

فلا تلم السّريّ على ارتياح

حكى طربا بجانبه سريّا

ويرتاح ارتياحا بالمثاني

ولا ينفكّ بالنّعمى يحيّا

فبادر (١) نحو ناد ما خلا من

نداك فقد عهدتك لو ذعيّا

فكان جوابه (٢) : [الوافر]

أبيت سوى المعالي يا عليّا

فما تنفكّ دهرك أريحيّا

تميل إذا النسيم سرى كغصن

وتسري للمكارم مشرفيّا

وترتاح ارتياحا بالمثاني

وتقتنص (٣) الصبيّة والصبيّا

وتهوى الروض قلّده نداه

وألبسه مع الحلل الحليّا

وإن غنّى الحمام فلا اصطبار

وإن خفق الخليج فنيت حيّا

تذكّرني الشباب فلست أدري

أصبحا حين تذكر أم عشيّا

فلو أدركتني والغصن غضّ

لأدركت الذي تهوى لديّا

ولم أترك وحقّك قدر لحظ

وقد ناديتني ذاك النّديّا

__________________

(١) في النفح واختصار القدح : وبادر.

(٢) الأبيات في نفح الطيب (ج ٥ / ص ٢١٦ ، ٢١٧).

(٣) في النفح : وتفتض.

٢٤٩

بسم الله الرحمن الرحيم

صلى الله على سيدنا محمد

أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه ، فهذا :

الكتاب الثالث

من الكتب التي يشتمل عليها

كتاب كورة الجزيرة الخضراء

وهو

كتاب الأهلّة في حلى قرية قسطّله

من قرى الجزيرة الخضراء. منها :

٢٣٥ ـ أبو الوليد يونس بن محمد القسطلّي (١)

شاعر مشهور رحل إلى المشرق ، وكان بالقاهرة في المائة السادسة. ومن أحسن ما سمعته له قوله (٢) : [الوافر]

وفوق الدوحة الغنّا غدير

تلألا صفحة وصفا (٣) قرارا

__________________

(١) ذكره المقري في نفح الطيب (ج ٥ / ص ٢١٧) وابن الأبار في التكملة (ص ٧٤١).

(٢) الأبيات في النفح (ج ٥ / ص ٢١٧).

(٣) في النفح : وسجا.

٢٥٠

إذا ما انصبّ أزرق مستطيلا (١)

تدوّر في البحيرة واستدارا (٢)

يجرّده فم الأنبوب صلتا

حساما ثم يفتله (٣) سوارا

__________________

(١) في النفح : مستقيما.

(٢) في النفح : فاستدارا.

(٣) في النفح : يفلته.

٢٥١

بسم الله الرحمن الرحيم

صلى الله على سيدنا محمد

أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه ، فهذا :

الكتاب العاشر

من الكتب التي يحتوي عليها

كتاب المملكة الإشبيلية

وهو

[١٠ ـ] كتاب الرنده ، في حلى كورة رندة (١)

كورة خصيبة كانت أولا من كور قرطبة ، ثم صارت في الأخير من كور إشبيلية ، وفيها مزارع القطن كثيرة.

وينقسم كتابها على ثلاثة كتب :

كتاب المعنّى في حلى مدينة تاكرنّا

كتاب الزّبدة في حلى معقل رندة

كتاب رونق الجدّة في حلى حصن أندة

__________________

(١) رندة : مدينة في إسبانيا الجنوبية. كانت من أمنع حصون الأندلس. المنجد في اللغة والأعلام (ج ٢ / ص ٣١٠). وقد سبق التعريف بها.

٢٥٢

بسم الله الرحمن الرحيم

صلى الله على سيدنا محمد

أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه ، فهذا :

الكتاب الأول

من الكتب التي يشتمل عليها

كتاب الرّنده في كورة رندة

وهو

كتاب المعنّى في حلى مدينة تاكرنّا

هي كانت قصبة هذه الكورة ، ثم خربت. ومنها :

من كتاب أردية الشباب في حلى الكتّاب

٢٣٦ ـ محمد بن سعيد الزجالي (١) من بني يطفت برابر تاكرنّا

ذكره الحجاري وأخبر : أنه كان يلقب بالأصمعي لذكائه وحفظه ، وساد بقرطبة وفشا فيها نسله ، وعظم عقبه ، وكان أول من استكتبه عبد الرحمن (٢) الأوسط. وذكر ابن حيان : أن سبب سعادته أن عبد الرحمن عثرت به دابته وهو سائر في بعض الأسفار ، فكاد يكبو لوجهه ، فتمثل (٣) : [الطويل]

__________________

(١) انظر ترجمته في نفح الطيب (ج ٥ / ص ٨٥).

(٢) هو عبد الرحمن الثاني أمير الأندلس.

(٣) البيت في نفح الطيب (ج ٥ / ص ٨٥) دون تغيير عمّا هنا.

٢٥٣

وما لا ترى مما يقي الله أكثر

وطلب صدر البيت فلم يوجد إلا في حفظ الزجالي ، فأنشد :

ترى الشيء ممّا يتّقى فتهابه

وكان يكتب عن الأمير ، وتشاركه فيه وزراؤه على العادة ، فأنف من ذلك ، وكتب إليه كتابا ، منه : إن من وسم بمسيم كتابته ـ أعزه الله ـ وشرّف باسمها لجدير أن يعتلي عن كتابة وزرائه ، ويزدهي بحصانة أسراره. فأفرده لكتابته ، فجرت عادة. وحفظ قصيدة من سمعه. ثم استوزره محمد بن عبد الرحمن. وله في رسالة يشكو بها نصرا الخصيّ إلى عبد الرحمن : قد علم ما خصّني به دون نظرائي من المنزلة الرفيعة التي أصبحت علما من أجلها محسودا ، مرميّا بالحدق ، تسلقني الألسن وتجول فيّ الأفكار ، وعندما استوى بناؤها ، وقام عمودها ، واسترخت أطنابها ، سعى في هدمها من لا أزال أؤثّل شرف ذكره ، وأجلّ رفيع قدره.

٢٣٧ ـ ابنه حامد (١)

سلك مسلكه وارتقى إلى الكتابة عن سلطان الأندلس محمد بن عبد الرحمن ووزارته ، وكان أهلا لذلك لبلاغته ، وحسن معرفته. وأثنى عليه ابن حيان ، خلا أنه كان يوصف بالبخل ، قال : وقيل لمؤمن بن سعيد الشاعر : ما بالك لا تسامر الوزير حامدا حسبما نراك تفعله مع الوزراء من أصحابه مع قديم اتّصالك به؟ فقال : ذاك جنازة غريب لا يصحبها من صحبها إلا لله. ونمت كلمته إلى حامد ، فحقدها ، وشيّعه مؤمن بعد أيام في خروجه من قصر السلطان إلى الدار ، وهو لا ينكر منه شيئا مما كان يعرفه ، فلما أراد مؤمن الانصراف ، قال له حامد : أعظم الله أجرك أبا مروان ، وكتب خطاك! كما يدعى لمشيّع الموتى. وغلط أمامه ليلة في بعض قراءته في التراويح ، فقال مكان (والزاني والزانية فاجلدوا كلّ واحد منهما) ـ فانكحوهما ـ فقال حامد (٢) : [مجزوء الرمل]

أبدع القارىء معنى

لم يكن في الثّقلين

أمر الناس جميعا

بنكاح الزّانيين

__________________

(١) انظر ترجمته في نفح الطيب (ج ٥ / ص ٨٦).

(٢) البيتان في نفح الطيب (ج ٥ / ص ٨٦) دون تغيير عمّا هنا.

٢٥٤

٢٣٨ ـ أبو عامر التاكرنّي (١) كاتب المنصور بن أبي عامر الأصغر ملك بلنسية

ذكر ابن بسام : أنه كاتب مجيد ، وأن أباه ساد في الدولة العامرية. ومن عنوان ما أورده من نثره قوله من رسالة عن المنصور يخاطب مجاهدا العامري. وقد أظلم بينهما الأفق : إنّ أولى الناس بالاصطلاح نفوس جبلت على صفو ودادها ، وأحقّ الذنوب بالاطّراح ذنوب بنيت على غير اعتقادها ، وإن رسولك الكريم ورد فلم يتردد عندي إلا ريثما يقدح زند [الوداد] ولم يبد من إشارتك الرفيعة ، سوى برق أسري به في ظلماء القطيعة.

وكتب مجاهد إلى المنصور رقعة لم يضمّنها غير قول الحطيئة (٢) : [البسيط]

دع المكارم لا ترحل لبغيتها

واقعد بإنك أنت الطاعم الكاسي

فأحرجت المنصور ، وأقامته وأقعدته ، وأحضر أبا عامر فكتب عنه (٣) : [الكامل]

شتمت مواليها عبيد نزار

شيم العبيد شتيمة الأحرار

فسلا المنصور عما كان فيه.

ومن كتاب نجوم السماء في حلى العلماء

٢٣٩ ـ عباس بن فرناس التاكرني (٤)

ذكر ابن حيان : أنه نجم في عصر الحكم الرّبضي ، ووصفه بأنه حكيم الأندلس الزائد على جماعتهم بكثرة الأدوات والفنون. وهو مولى بني أمية ، وبيته في برابر تاكرنّا. وكان فيلسوفا حاذقا ، وشاعرا مفلقا ، مع علم التنجيم. وهو أول من استنبط بالأندلس صناعة الزجاج من الحجارة ، وأول من فكّ بها كتاب العروض للخليل ، وكان صاحب نيرنجات ، كثير الاختراع والتوليد ، واسع الحيل ، حتى نسب إليه السّحر وعمل الكيمياء. وكثر عليه الطعن في دينه ، واحتال في تطيير جثمانه ، فكسا نفسه الريش على سرق الحرير ، فتهيأ له أن استطار في الجو من ناحية الرّصافة ، واستقلّ في الهواء ، فحلّق فيه حتى وقع على مسافة بعيدة ، وقال فيه مؤمن :

__________________

(١) أبو عامر محمد بن سعيد التاكرني نسبة إلى تاكرنا ، انظر ترجمته في جذوة المقتبس (ص ٥٦) وبغية الملتمس (رقم : ١٣٧) وأعمال الأعلام : (ص ٢٤٤ ـ ٢٢٥) والذخيرة (ج ١ / ق ٣ / ص ٢٢٦ ـ ٢٤٨).

(٢) البيت في الذخيرة (ق ١ / ص ٥٤٥) ونفح الطيب (ج ٥ / ص ٢٧٣).

(٣) البيت في المصدرين السابقين.

(٤) عباس بن فرناس حكيم الأندلس وفيلسوفها ، أديب شاعر ، كثير الاختراع والتوليد. كان في أيام الأمير محمد ، توفي سنة ٢٧٤ ه‍. جذوة المقتبس (ص ٣٨١) وبغية الملتمس (ص ٤٣١) ونفح الطيب (ج ١ / ص ١٦٠).

٢٥٥

يطمّ على العنقاء في طيرانها

إذا ما كسا جثمانه ريش قشعم

وتوفّي في أعقاب أيام محمد بن عبد الرحمن سنة أربع وسبعين ومائتين. فتداول صحبة السلاطين الثلاثة ، ومدحهم أجمعين. وعمل المنقانة لمعرفة الأوقات ، ورفعها للأمير محمد.

ونشأ بينه وبين مؤمن بن سعيد مهاجاة ، فأفحش الاثنان ، ومن قول ابن فرناس فيه :

ترى أثر الأعراد في حجر مؤمن

كآثار قضب في رماد مغربل

٢٥٦

بسم الله الرحمن الرحيم

صلى الله على سيدنا محمد

أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه ، فهذا :

الكتاب الثاني

من الكتب التي يشتمل عليها

كتاب الكورة الرّندية

وهو

كتاب الزّبده في حلى معقل رنده

من كتاب القلائد : أحد معاقل الأندلس الممتنعة ، وقواعدها السامية المرتفعة ، تطّرد منها على بعد مرتقاها ، ودنوّ النّجم من ذراها ، عيون لانصبابها دويّ كالرعد القاصف ، والرياح العواصف ، ثم يتكوّن واد يتلوى بجانبها التواء الشجاع ، ويزيدها في التوعّر والامتناع ، ولا يتعذّر فيها مطلب ، ولا يتسوّر بها عدوّ إلا علقه ناب أو مخلب.

ومن المسهب : معقل رنده الذي تعمّم بالسحاب ، وتوشّح بالأنهار العذاب. ووصف أهلها بالجفاء.

وأخبرني والدي موسى بن سعيد : أن أبا الفتح بن فاخر التونسي حدث له بها وحشة ، فقال (١) : [مجزوء الكامل]

__________________

(١) الأبيات في نفح الطيب (ج ٥ / ص ٢٧٤) دون تغيير عمّا هنا.

٢٥٧

قبحا لرندة مثلما

قبحت مطالعة الذنوب

بلد عليه وحشة

ما إن يفارقه القطوب

ما حلّها أحد فين

وي بعد بين أن يؤوب

لم آتها عند الضحى

إلا وخيّل لي الغروب

أفق أغمّ وساحة

تملا القلوب من الكروب

لم يجر لي طرف بها

إلا وعاجله النّكوب!

السلك

من كتاب الإحكام في حلى الحكّام

٢٤٠ ـ القاضي الكاتب أبو القاسم أخيل بن إدريس الرّندي (١)

من المسهب : لقيته فألفيته قد برع في الآداب ، وتغلغل في محاسن الشعراء والكتاب ، قال :

فما أعجبني من نثره قوله من رسالة :

قد تخيّلت أن الهوى لا يبلغ إلى هذا الحدّ ، كما تخيلت أنك لا تنتهي في الجفاء إلى هذا الإعراض والصّدّ ، فبتّ أرقب الكواكب ، كأني منجّم حاسب ، منشدا لأفق السماء ، وقد تخيّل أني علقت بقمره وقاسيت منه أشدّ العناء :

لو بات عندي قمري

ما بتّ أرعى قمرك

وأنشد له قوله :

وددت أن المدام حلّ

فأصرف الهمّ بالمدام

لكنني خائف عقابا

مجانب لذة الملام

يا ليتني قد خلقت من قب

ل حرّموها بألف عام

وقوله :

إلى الله أشكو ما أقاسيه من رشا

يبين على عمد ويدنو بلا عمّد

إذا غاب لم يذكر ، وإن كان حاضرا

تلوّن ما بين الملامة والصّدّ

__________________

(١) انظر ترجمته في الحلة السيراء (ص ٢٢٢) وفي التكملة (ص ٢٥٢). توفي سنة ٥٦٠ ه‍ وقيل سنة ٥٦١ ه‍.

٢٥٨

وأخبرني والدي : أنه جالس تاشفين أمير الملثمين ، وجالس عبد المؤمن ، ونفاه عبد المؤمن إلى مكناسة ، ثم عفا عنه. وهو ممن مدحه بجبل الفتح بقصيدة أولها :

ما الفخر إلا فخر عبد المؤمن

ومن كتاب نجوم السماء في حلى العلماء

٢٤١ ـ إلياس بن صدّود اليهودي الطبيب (١)

في المسهب : أنه كان في صدر المائة السادسة ، وأنشد له قوله (٢) : [الكامل]

لا تخدعنّ فما تكون مودّة

ما بين مشتركين أمرا واحدا

انظر إلى القمرين حين تشاركا

بسناهما كان التلاقي فاسدا

ومن كتاب مصابيح الظلام في حلى الناظمين لدرّ الكلام

٢٤٢ ـ حبلاص الشاعر الرندي (٣)

كان شاعرا برندة ، لا يؤبه به لاختلال عقله ، وكان ساقط الهمّة ، لا يتعدّى صلة الدرهم والدرهمين ، إلى أن حل برندة أحد رؤساء الملثمين ، فمدحه بقصيدة ، وقع له فيها (٤) : [الطويل]

ولو لم تكن كالبدر نورا (٥) ورفعة

لما كنت عزّا (٦) بالسّحاب ملثّما

وما ذاك إلا للنّوال علامة

كذا القطر مهما لثّم الأفق أتهما (٧)

فأعجبه هذا ، وأمر له بكسوة وعشرة دنانير ، فهرب حبلاص حين حصل ذلك في يده من يومه ، فقيل له بعد ذلك : لم فررت بالكسوة والذهب وما ذاك إلا دليل الخير ومبشر بما بعده؟

فقال : والله ما رأيت قط في يدي دينارا واحدا ، وما حسبت أن في الدنيا من يعطي هذا العدد ، فلما حصل في يدي ظننت أنه سكران أو مجنون ، فبادرت الهرب خوفا من أن يبدو له فيها!

__________________

(١) ترجمته في نفح الطيب (ج ٥ / ص ٧٥) باسم : «إلياس بن اليهودي الطبيب الرندي».

(٢) الأبيات في نفح الطيب (ج ٥ / ص ٧٥).

(٣) انظر ترجمته في نفح الطيب (ج ٥ / ص ٢٧٤).

(٤) الأبيات في نفح الطيب (ج ٥ / ص ٢٧٤).

(٥) في النفح : فورا ورفعة.

(٦) في النفح : غرّا.

(٧) في النفح : انهمى.

٢٥٩

بسم الله الرحمن الرحيم

صلى الله على سيدنا محمد

أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه ، فهذا :

الكتاب الثالث

من الكتب التي يشتمل عليها

كتاب الكورة الرنديّة

وهو

كتاب رونق الجدّة في حلى حصن أندة

من حصون رندة.

٢٤٣ ـ أبو بكر محمد بن عمر الأندي (١)

قرأ معي على أبي علي الشّلوبيني إمام نحاة المغرب ، وشاهدت منه ذكاء مفرطا ، وإن طال به الأمد ، فسيستولي على المدى ، وتركته قد رجع من إشبيلية إلى بلده ، ومما يستدلّ به على طبقته قوله (٢) : [الكامل]

لا تذكرن ما غاب عني من ثنا

أطنبت فيه فليس ذلك يجهل

فمتى حضرت بمجلس وجرى به

خبري فإنّ الذكر فيه يجمل

__________________

(١) انظر ترجمته في نفح الطيب (ج ٥ / ص ٢٧٤) واختصار القدح (ص ١٦٨).

(٢) البيتان في نفح الطيب (ج ٥ / ص ٢٧٥) دون تغيير عمّا هنا.

٢٦٠