المغرب في حلى المغرب - ج ١

علي بن موسى بن محمّد بن عبد الملك بن سعيد الغرناطي الأندلسي

المغرب في حلى المغرب - ج ١

المؤلف:

علي بن موسى بن محمّد بن عبد الملك بن سعيد الغرناطي الأندلسي


المحقق: خليل المنصور
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٨١
الجزء ١ الجزء ٢

من قهوة صفراء ذات أسرّة

في الكأس تأتلق ائتلاق الكوكب

خضبت بنان مديرها بشعاعها

فعل العرارة في شفاه الرّبرب

ومن مجونياته قوله (١) :

قمت نشوان وقامت

بتهاد (٢) وتثنّ

ونضت عنها قميصا

ثم لمّا ضاجعتني

قلبت بطنا لظهر (٣)

قلت : لا! ظهرا لبطن

فانثنت في خجل قا

ئلة عند التّثنّي :

أنا حانوت بوجهي

ن فلط إن شئت وازن

وله (٤) :

كأنما في الكأس من صبّها (٥)

خيط من الفضّة مفتول

وقوله (٦) :

اشرب على طيب نسيم السّحر

وانظر إلى غرّة ذاك القمر

كأنه ماء غدير صفا

والمحق فيه مثل ظل الزّهر

وذكر الحجاري : أنه نشأ مع المعتضد ، فاستوزره ، إلا أنه كان فيه طيش أدّاه إلى حتفه.

١٧٤ ـ الوزير الكاتب أبو الوليد محمد بن عبد العزيز بن المعلم (٧)

من الذخيرة : بديع ذلك الأوان ، وأحد وزراء المعتمد الكتّاب الأعيان ، فممّا أورده من نثره.

سقى عهدك أيتها الدّمنة الزهراء كلّ عهد ، وجاد على قطرك أيتها الرّوضة الغنّاء كل قطر ، وتناوحت عليك إلا من ضلوعي جنوب وشمال ، ولا زالت تجرّ عليك للنعيم أذيال.

__________________

(١) الأبيات في الذخيرة (ج ٢ / ق ٢ / ص ١٦٢ / ١٦٣) وتحفة العروس (ص ١٦٨).

(٢) في الذخيرة : في تهاد.

(٣) في الذخيرة : لبطن.

(٤) البيت في المسالك (ج ١١ / ص ٢١٨) والذخيرة (ج ٢ / ق ٢ / ص ١٦٥).

(٥) في الذخيرة : كأنها في الكأس مبيضة.

(٦) البيتان في المسالك (ج ١١ / ص ٢٤٦) والذخيرة (ج ٢ / ق ٢ / ص ١٦٦).

(٧) ترجمته في النفح (ج ٤ / ص ٣٨٦) واختصار القدح (ص ١٩٨) والذخيرة لابن بسام (ج ٢ / ق ٢ / ص ٢) وما بعدها). وذكره صاحب الجذوة مرتين : (ص ٦٥ / ٢٨٣) والبغية (رقم : ٣٨٣ / ١٥٧) فقال في الموضع الأول : إنه أديب شاعر يروي عنه ابنه عبد العزيز ، وأن ابن حزم وذكره. وفي الموضع الثاني أنشد له أبياتا من شعره.

١٨١

ومن النظم قوله من قصيدة في المعتمد ، وقد رجعت له قرطبة ، وقتل ابن عكاشة قاتل ابنه الظافر (١) :

صفا لك الشّرب كانت فيه أقذاء

وعاد برءا (٢) على ما أفسد الداء

ولم يعجّل بمقدور (٣) له أجل

وللأمور مواقيت وآناء

فقد (٤) تباطأ وحي الله آونة

عن النبيّ وغابت عنه أنباء

فليهنك الصّنع قد راقت عواقبه

وشفّعت منه (٥) بالآلاء آلاء

ومن كتاب الكتّاب

١٧٥ ـ الكاتب أبو محمد عبد الله بن عمر الإشبيلي الملقب بالمهيرس (٦)

كان بمرّاكش كاتبا عن ابن الشّهيد مدبر دولة يحيى بن الناصر. أخبرني أبو يحيى بن جامع الوزير أنه قتل في إحدى المعارك المراكشية ، وأنه كتب يوما يستهدي منه فاختة كان قد سمعها عنده ، وكان في ذلك الحين يكنى بأبي العلاء (٧) : [الوافر]

ألا خذها إليك أبا العلاء

حلى الأمداح ترفل في الثناء

وهبها قينة تهدى (٨) عروسا

خضيب الكف قانية الرداء

لأجعلها محلّ جليس أنسي

وأغنى بالهديل عن الغناء

١٧٦ ـ أبو بكر محمد بن أحمد بن البناء الإشبيلي (٩)

ساد ببلده ، وصار يكتب عن ملوكه وهو ، أهل لذلك ، لما أحرزه من الصّيانة والأدب

__________________

(١) الأبيات في الذخيرة (ج ٢ / ق ٢ / ص ١٢٣).

(٢) في الذخيرة : برء.

(٣) في الذخيرة : مقدور.

(٤) في الذخيرة : وقد.

(٥) في الذخيرة : عنه.

(٦) ترجمته في اختصار القدح (ص ١٩٨) وذكره المقري في النفح (ج ٤ / ص ٣٨٦).

(٧) الأبيات في اختصار القدح (ص ١٩٨) ونفح الطيب (ج ٤ / ص ٣٨٦).

(٨) في النفح : تجلى.

(٩) كان والده بنّاء إشبيلية ، وهو من شعراء فترة الموحدين. انظر ترجمته وشعره في اختصار القدح (ص ١١٨ / ١١٩) ونفح الطيب (ج ٤ / ص ٢٧٧).

١٨٢

والبلاغة ، وهو ذو غرام في اقتناء نفائس الكتب ونسخها. ومن أحسن شعره قوله من قصيدة في رثاء أبي عبد الله بن أبي حفص بن عبد المؤمن ، وقد عزل عن بلنسية ، وهي في شرق الأندلس ، وولي إشبيلية ، وهي في غربها ، فمات (١) : [الطويل]

كأنك من جنس الكواكب كنت ، لم

تفارق (٢) طلوعا حالها وتواريا

تحلّيت من شرق يروق (٣) تلألؤا

فلما انتحيت الغرب أصبحت هاويا

ومن كتاب الإحكام في حلى الحكّام

١٧٧ ـ القاضي أبو بكر محمد بن عبد الله بن العربي الإشبيلي (٤)

قال الحجاري : لو لم ينسب لإشبيلية إلا هذا الإمام الجليل ، لكان لها به من الفخر ما يرجع عند الطرف وهو كليل.

وقال ابن الإمام : بحر العلوم ، وإمام كل محفوظ ومعلوم. وله أشعار تشوّق فيها إلى بغداد وإلى الحجاز. وهو مذكور في كتاب السمط ، واجتمع مع عبد المؤمن.

ومن أظرف شعره وألطفه قوله ، وقد داعبه ابن أمير من أمراء الملثمين بأن ركض فرسه ، وهزّ عليه رمحه (٥) : [الطويل]

يهزّ عليّ الرمح ظبي مهفهف

لعوب بألباب البريّة عابث

فلو أنه رمح إذا لا تقيته (٦)

ولكنّه رمح ، وثان ، وثالث

وقوله ـ وقد دخل عليه غلام جميل الصورة في ثياب خشنة (٧) : [الرمل]

__________________

(١) الأبيات في نفح الطيب (ج ٤ / ص ٢٧٧ / ٣٨٧).

(٢) في النفح : يفتك.

(٣) في النفح : تروق.

(٤) هو محمد بن عبد الله بن محمد المعافري ، المعروف بابن العربي ، أندلسي من إشبيلية حافظ مشهور ، توفي بالعدوة سنة ٥٤٣ ه‍. وفيات الأعيان (ج ٤ / ص ٢٩٦) والصلة (ص ٨٥٥) وتاريخ قضاة الأندلس (ص ١٠٥) ومطمح الأنفس (ص ٦٢). وأزهار الرياض (ج ٣ / ص ٦٢ / ٨٦) وبغية الملتمس (ص ٩٢) ونفح الطيب (ج ٢ / ص ٢٤٥).

(٥) البيتان في نفح الطيب (ج ٢ / ص ٢٤٥).

(٦) في النفح : ولو كان رمحا واحدا لاتّقيته.

(٧) الأبيات في النفح (ج ٢ / ص ٢٤٥).

١٨٣

لبس الصوف لكي أنكره

وأتانا شاحبا (١) قد عبسا

قلت : إيه قد عرفناك وذا

جلّ سوء لا يعيب الفرسا

كلّ شيء أنت فيه حسن

لا نبالي (٢) حسن ما قد لبسا

وقال ـ وقد كتب كتابا ، فأشار أحد من حضر أن يترّبه (٣) : [الخفيف]

لا تشنه بما تذرّ عليه

فكفاه هبوب هذا الهواء

فكأنّ الذي تذرّ عليه

جدريّ بوجنة حسناء

ومن كتاب نجوم السماء في حلى العلماء

١٧٨ ـ النحوي اللغوي أبو بكر محمد بن الحسين الزبيدي الإشبيلي (٤)

من الجذوة : أنه إمام في النحو واللغة ، وله في النحو كتاب الإيضاح (٥) واختصر كتاب العين للخليل. وأنشد له قوله يخاطب جارية كان يحبّها ، وقد استأذن المستنصر في العود إلى إشبيلية ، فلم يأذن له (٦) :

ويحك يا سلم لا تراعي

لا بدّ للبين من زماع (٧)

لا تحسبيني صبرت إلا

كصبر ميت على النّزاع

ما خلق الله من عذاب

أشدّ من وقفة الوداع

إن يفترق شملنا سريعا (٨)

من بعد ما كان ذا (٩) اجتماع

فكلّ شمل إلى افتراق

وكلّ شعب إلى انصداع

__________________

(١) في النفح : شاحبا شاحبا.

(٢) في النفح : لا يبالي حسن ما لبسا.

(٣) الأبيات في نفح الطيب (ج ٢ / ص ٢٤٦).

(٤) انظر ترجمته في جذوة المقتبس (ص ٤٦) وتاريخ علماء الأندلس (ص ٧٦٨) وبغية الملتمس (ص ٦٦) ونفح الطيب (ج ٤ / ص ٦٤) والوافي بالوفيات (ج ٢ / ص ٣٥١) وبغية الوعاة (ص ٣٤) وانظر الحركة اللغوية في الأندلس (ص ١٢٣ / ١٦٥). ويتيمة الدهر للثعالبي (ج ٢ / ص ٧٠).

(٥) في يتيمة الدهر : كتاب الأبنية في النحو.

(٦) الأبيات في المطمح (ص ٥٢).

(٧) في المطمح : مساعي.

(٨) في المطمح : وشيكا.

(٩) في المطمح : في.

١٨٤

توفّي قريبا من الثمانين والثلاثمائة.

١٧٩ ـ أبو عمر أحمد بن محمد بن حجاج

من الذخيرة : أنه كان بحر علوم ، وسابق ميدان منثور ومنظوم ، ونبّه على سلفه.

من نثره : ولو قرنت ـ أيده الله ـ بذوي التأميل له لفضلت ، أو وزنت بذوي المحبّة فيه لرجحت ، وقد بعثت أعزّه الله بما يجمّل فقري قدرته ، وضراعتي إلى علاه في الأمر بقبوله تشريفا وتنويها من منازعه الكريمة لإعلاء شأني ، وترفيع مكاني. وقوله : ولما ترادفت عليّ تلك الأمواج ، وأغرقني ذلك البحر العجّاج ، أظفرني بسفينة الدعاء ، فوصلت إليها ونجوت عليها.

١٨٠ ـ النحوي أبو العباس أحمد بن سيد اللص (١)

أثنى عليه ابن الإمام وذكر : أنه كان في [من أنشد عبد المؤمن بجبل الفتح عند جوازه البحر إلى الأندلس].

وأنشد له (٢) : [البسيط]

الليل (٣) إن هجرت كاللّيل إن وصلت (٤)

أشكو من الطّول ما أشكو من القصر

وقوله :

كلني إلى أدمع تسحّ

تكتب شرح الهوى وتمحو

أفدي التي لو بغت فسادا

ما كان بين الأنام صلح

صاحية والجفون سكرى

من أسكرته فليس يصحو

جار عليك الأنام ظلما

سمّوك ليلى وأنت صبح

وقوله من قصيدة في مدح أبي بكر بن مزدلي (٥) : [الوافر]

__________________

(١) هو أبو العباس أحمد بن علي بن محمد الكناني ، ويعرف بابن سيد ، ويلقّب باللص ، من أهل إشبيلية وتوفي بها سنة ٥٧٦ ه‍ ، المطرب (ص ٢٠٠) وبغية الوعاة (ص ١٤٩) والتكملة (ص ٨٠) ونفح الطيب (ج ٥ / ص ٢٣).

(٢) البيت في نفح الطيب (ج ٥ / ص ٣٣٩).

(٣) في النفح : فالليل.

(٤) في النفح : إن واصلت كالليل إن هجرت.

(٥) الأبيات في نفح الطيب (ج ٥ / ص ٣٣٩).

١٨٥

نداك الغيث إن محل توالى

وأنت الليث إن شهدوا (١) القتالا

غضبت (٢) اللّيث شدّة ساعديه

نعم ، وسلبت عينيه الغزالا

ومنها : [الوافر]

وما أفنى السؤال لكم نوالا

ولكن جودكم أفنى السّؤالا

نوال طبّق الآفاق حتى

جرى مثلا بها وغدا مثالا

١٨١ ـ النحوي أبو بكر محمد بن طلحة الإشبيلي (٣)

وكان مصدرا للإقراء بإشبيلية ، اجتمع به والدي وأخبرني : أنه كان لطيفا كثير الحب للغلمان والتغزّل فيهم. ومن شعره قوله : (٤) [المجتث]

بدا الهلال فلمّا

بدا نقصت وتمّا

كأنّ جسمي فعل

وسحر عينيه لمّا

١٨٢ ـ الأديب أبو جعفر أحمد بن الأبار الخولاني (٥)

ذكر ابن بسام : أنه ممن صنّف وأبدع ، وكان في زمن المعتضد بن عباد. وأنشد له فيه (٦) :

ملك إذا الهبوات أظلم جنحها

جعل الحسام إلى الحمام دليلا (٧)

إن كانت الأسد الضّواري لم تخف

من بأسه (٨) فلم اتّخذن الغيلا؟

أو (٩) كانت البيض الصوارم لم تهم

في حبّه فلم اكتسين نحولا؟

__________________

(١) في النفح : شاءوا.

(٢) في النفح : سلبت.

(٣) انظر ترجمته في بغية الوعاة (ص ٤٩) ونفح الطيب (ج ٥ / ص ٢٦) والتكملة (ص ٣١٩ / ٣٢٠).

(٤) البيتان في نفح الطيب (ج ٥ / ص ٢٦) والبغية (ص ٤٩).

(٥) هو أحمد بن محمد الخولاني الإشبيلي ، المعروف بابن الأبار ، من شعراء إشبيلية ، كثير الشعر توفي سنة ٤٣٣ ه‍. الذخيرة (ق ٢ ص ١٣٥) ووفيات الأعيان (ج ١ / ص ١٤١). وجذوة المقتبس (ص ١١٥) وبغية الملتمس (ص ١٦٤) ونفح الطيب (ج ٥ / ص ٢٦) وفوات الوفيات (ج ٣ / ص ٤٠٤).

(٦) الأبيات في المسالك (ص ٤١٩) وفي الذخيرة (ج ١ / ق ٢ / ص ١٥٧).

(٧) في الذخيرة : في معرك جعل الحسام دليلا.

(٨) في الذخيرة : لا تخاف صياله.

(٩) في الذخيرة : إن.

١٨٦

١٨٣ ـ الأديب أبو القاسم بن العطار (١)

ذكر صاحب القلائد : أنه أحد أدباء إشبيلية ، ووصفه بكثرة الارتياح والفرح ، والانهتاك في حبّ الغلمان ، وبذلك وصفه الحجاري ، وأنشد له قوله (٢) :

ركبنا على اسم الله نهرا كأنّه

جمّان (٣) على عطفيه وشي حباب

وإلا حسام جال فيه فرنده

له من مديد الظّلّ أيّ قراب

وقوله (٤) : [الكامل]

لله بهجة منزه (٥) ضربت به

فوق الغدير رواقها الأنسام (٦)

فمع الأصيل النهر درع سابغ

ومع الضحى يلتاح فيه حسام

وقوله (٧) : [المنسرح]

لحاظه أسهم ، وحاجبه

قوس ، وإنسان عينه رامي

وقوله في أبي حفص الهوزني ، وقد مات في نهر طلبيرة : [الطويل]

فيا عجبا للبحر غالته نطفة

وللأسد الضّرغام أرداه (٨) أرقم

١٨٤ ـ الأديب أبو نصر الفتح بن محمد بن عبيد الله القيسي (٩)

من المسهب : الدّهر من رواة قلائده ، وحملة وسائطه وفرائده. وجعل ابن بسام أكثر تقييدا ، وعلما مفيدا ، والفتح أقدر على البلاغة ، وكلامه أكثر تعلقا بالأنفس ، وذكر : أنه عرف بابن خاقان لا تهامه في الخلوة ، وأن ذلك وما اشتهر به من الوقوع في الأعراض صدّه عن أن يكون علما من أعلام كتّاب الدولة المرابطيّة. قال : وقد رماه الله بما رمي به به إمام علماء الأندلس ابن

__________________

(١) ترجمته في قلائد العقيان (ص ٢٨٣ / ٢٨٤) والنفح (ج ٥ / ص ٢٧).

(٢) الأبيات في قلائد العقيان (ص ٢٨٣).

(٣) في قلائد العقيان : حباب.

(٤) البيتان في قلائد العقيان (ص ٢٨٣) والنفح (ج ٦ / ص ٧٦).

(٥) في النفح : نزهة.

(٦) في النفح : الأنشام.

(٧) البيت في قلائد العقيان (ص ٢٨٦) والنفح (ج ٦ / ص ٧٦).

(٨) البيت في قلائد العقيان (ص ٢٨٥) ونفح الطيب (ج ٥ / ص ٢٥٦).

(٩) انظر ترجمته في المسالك (ج ١١ / ص ٣٩٤) وفي الوفيات (ج ١ / ص ٥٦٨) وفي معجم الأدباء (ج ١٦ / ص ١٨٦) توفي سنة ٥٣٥ ه‍ وقيل ٥٢٩ ه‍.

١٨٧

باجة ، فوجد في فندق بمراكش ، قد ذبحه عبد أسود خلا معه ... وتركه.

ومن سمط الجمان أن التكلّم في شأنه ، وإعمال القلم في وصف تجلّفه وخذلانه ، إخلال بالبيان ، وإضاعة للزمان ، فآثرنا في أمره الاختصار ، وتمثلنا قول القائل : كل الثمار ، وخلّ العود للنار. وأما سهمه في الكتابة ، وعلمه المرفوع في ميادين الخطابة ، فسهم إصابة ، وعلم عرابة.

وأحسن ما أنشده من شعره قوله : [الطويل]

سقى أرض حمص بالأصيل وبالضّحى

سحاب كدمعي يستهلّ ويسجم

ومدّت بها للروض أبراد سندس

تطرّزها كف الغمام ، وترقم

وحيّا الحيا أرض الغروس وروضها

بحيث التوى فيه من النهر أرقم

وما ورد ويرد كتاب المغرب من نثره في القلائد عنوان بلاغته.

١٨٥ ـ الأديب الأستاذ أبو الحسن علي بن جابر الدباج (١)

شيخ جليل القدر ، قدّمه أهل إشبيلية للصلاة بهم في جامع العدبّس ، مشهور بالفضل ، وهو مع هذا في نهاية من اللطافة ، والمداعبة للغلمان والتندير في شأنهم ، قرأت عليه بإشبيلية ، ومن شعره قوله :

لما تبدّت وشمس الأفق بادية

أبصرت شمسين : من قرب ومن بعد

من عادة الشمس تغشي عين ناظرها

وهذه نورها يشفي من الرّمد!

وقوله في المجبّنات (٢) : [الكامل]

أحلى مواقعها إذا قرّبتها

وبخارها فوق الموائد سامي

إن أحرقت لمسا فإنّ أوارها

في داخل الأحشاء برد سلام

وتركته في قيد الحياة.

١٨٦ ـ الطبيب الفيلسوف أبو الصلت أمية بن أبي الصلت الإشبيلي (٣)

يقال إن عمره كان ستين سنة : عشرون في إشبيلية ، وعشرون في المهديّة ، وعشرون

__________________

(١) ترجمته في نفح الطيب (ج ٥ / ص ١٢) واختصار القدح (ص ١٥٥) والتكملة (ص ٦٨٣) والبغية (ص ٣٣١) وقد توفي سنة ٦٤٦ ه‍.

(٢) البيتان في اختصار القدح (ص ١٥٦) ونفح الطيب (ج ٥ / ص ١٢).

(٣) ترجمته في وفيات الأعيان (ج ١ / ص ٢٤٣) وفيه أن وفاته سنة ٥٢٩ ه‍ وقيل ٥٢٨ ه‍. وعيون الأنباء في طبقات الأطباء (ص ٥٠١) والمقتضب (ص ٥٦) وخريدة القصر (ج ١ / ص ١٨٩) ونفح الطيب (ج ٢ / ص ٤٠).

١٨٨

في مصر محبوسا في خزانة الكتب.

ومن الخريدة : كان واحد زمانه ، وأفضل أوانه ، متبحّرا في العلم ، منشئا للمنثور والمنظوم ، وله الباع الطويل في الأصول ، والتصانيف الحسنة ، منها كتاب الحديقة ، على أسلوب كتاب اليتيمة ، وتوفّي سنة ستّ وأربعين وخمسمائة في المحرّم. وأحسن ما وقفت عليه في ديوانه قوله (١) : [الكامل]

لا غرو أن سبقت يداك (٢) مدائحي

وتدفّقت جدواك ملء إنائها

يكسى القضيب ولم يحن إثماره

وتطوّق (٣) الورقاء قبل غنائها

وقوله (٤) : [الكامل]

تخذوا القنا أشطانهم واستنبطوا

في كلّ قلب للطعان (٥) قليبا

ومنها (٦) :

تعطى الذي أعطتكه سمر القنا

أبدا فتغدو سالبا مسلوبا (٧)

وكان قد خرج من إشبيلية ، فصحب بالمهديّة ملوكها الصّنهاجيين ، وتوجّه في رسالة إلى مصر ، فسجن في القاهرة في خزانة البنود ، وكان فيها خزائن من أصناف الكتب ، فأقام بها نحو عشرين سنة ، فخرج منها وقد برع في علوم كثيرة ، من حديثة وقديمة. وصنّف كتاب الحديقة ، على منزع كتاب اليتيمة ، في فضلاء عصره ، وصنّف الرسالة المصرية ، وصنّف في الطب والتنجيم والألحان ، وعنه أخذ أهل إفريقية الألحان التي هي الآن بأيديهم. وعاد إلى المهديّة ، فجلّ قدره ، وعظم عند ملوكها ذكره ، وأعقب هنالك عقبا نابها. وقد تقدّمت أبياته في بركة الجيش والأهرام.

ووجدت في ديوانه منسوبا له :

أشهر الصّوم ما مثل

ك عند الله من شهر

على أنّك قد حرّم

ت فينا لذّة الخمر

__________________

(١) الأبيات في الخريدة (ص ١٩١) ووفيات الأعيان (ج ١ / ص ٢٤٤) ونفح الطيب (ج ٢ / ص ٣٢٠).

(٢) في النفح : لهاك.

(٣) في النفح : وتطوّف.

(٤) البيت في الخريدة (ص ١٩١) ونفح الطيب (ج ٢ / ص ٣٢٠).

(٥) في النفح : بالطّعان.

(٦) البيت في الخريدة (ص ١٩٣) والنفح (ج ١ / ص ٣٢١).

(٧) في الخريدة : فتغدو السالب المسلوبا.

١٨٩

وقرع الكاس بالكاس

ورشف الثغر للثغر

وإني والذي شرّ

ف أوقاتك بالذّكر

لمسرور بأن تفنى

على أنّك من عمري!

١٨٧ ـ الأديب الهيثم بن أحمد بن أبي غالب بن الهيثم (١)

حافظ إشبيلية ، لم ألق بها أحفظ منه ، وكان والدي يتعجب منه. ومن أعجب عجائبه أنه كان يملي على شخص شعرا ، وعلى ثان موشّحة ، وعلى ثالث زجلا ، وكلّ ذلك ارتجال دون توقف. وتنبّه ذكره في مدة مأمون بني عبد المؤمن ، وكتب له مدة ، وقد نشأ بينه وبين فلّاح من أهل الشّرف ما ذكره :

تعرّض لي بالبدو أهوج طائش

أتى مسرعا نحوي تأبّط لي شرّا

وذكري عجوزي وهي تبكي تأسّفا

عليّ بكا الخنسا ذكّرني صخرا

فبادرت في حيني صفاة كقلبه

فإن يفتتح باعا فتحت بها شبرا

فأقسم لولا أن نحوت له بها

لقد كان لي زيدا وكنت له عمرا

وقوله وقد نظر إلى باب غنى معمورا وبابه إلى جانبه خاليا (٢) : [البسيط]

يجفى الفقير ويغثى الناس قاطبة

باب الغنيّ كذا حكم المقادير!

وإنما الناس أمثال الفراش فهم

بحيث تبدو مصابيح الدّنانير (٣)!

١٨٨ ـ الطبيب الوشّاح أبو الحجاج يوسف بن عتبة (٤)

اجتمعت به في إشبيلية ، وكان طبيبا أديبا وشّاحا مطبوعا ، ثم سافر إلى إفريقية ، ثم إلى مصر ، فمات في مارستان القاهرة قبل سنة ثمان وثلاثين وستمائة.

ومن شعره قوله ، وقد شرب مع ندمائه تحت قصب فارسيّ (٥) :

انظر إلى القصب الذي تهفو به

ريح الصّبا وتميله نحو الكئوس

__________________

(١) ترجمته في نفح الطيب (ج ٤ / ص ٣٣٧) واختصار القدح (ص ١٥٨).

(٢) البيتان في اختصار القح (ص ١٥٩) ونفح الطيب (ج ٤ / ص ٣٣٨).

(٣) في اختصار القدح : يرون حيث مصابيح الدنانير.

(٤) ترجمته في اختصار القدح (ص ١٦١) ونفح الطيب (ج ٢ / ص ٣٢٦).

(٥) الأبيات في اختصار القدح (ص ١٦١).

١٩٠

أو ما كفاه شربه من طلّه

أولا فلم جعلت ذوائبه تنوس

أسهمه من أكوابنا (١) ولو أنه

سكران يطفح حقّ (٢) ما لئم الرّءوس

ومن كتاب مصابيح الظلام في حلى الناظمين لدر الكلام

١٨٩ ـ محمد بن ديسم الإشبيلي (٣)

ذكر الحجاري : أنه من شعراء الدولة المعتضدية ، وأنشد له ما أنشده أبو عامر في حديقة الارتياح (٤) :

تجافيت عن شربي لها لا لعفّة!

ولم يك إقصائي لها عن تحرّج

وإن أك قد عرّجت عن حقّ حبّها

فما أنا عن تفضيلها بمعرّج

١٩٠ ـ أحمد بن محمد الإشبيلي (٥)

ذكر الحجاري : أنه من شعراء الدولة المعتضدية ، وأنشد له صاحب كتاب فصل الربيع (٦) : [البسيط]

أما ترى النرجس الغضّ الزكيّ بدا

كأنه عاشق شابت (٧) ذوائبه

أو المحبّ بكى (٨) لما أضرّ به

طول (٩) السّقام فعادته حبائبه

وقوله (١٠) : [الخفيف]

ربّ نيلوفر غدا مخجل الرّا

ني (١١) إليه نفاسة وغرابه

__________________

(١) في اختصار القدح : أكواسنا.

(٢) في اختصار القدح : حتى.

(٣) ترجمته في الذخيرة (ج ١ / ق ٢ / ص ٢١٢).

(٤) البيتان في الذخيرة (ج ١ / ق ٢ / ص ٢١٣) دون تغيير عمّا هنا.

(٥) انظر ترجمته في الذخيرة (ج ١ / ق ٢ / ص ٢١٣) ونفح الطيب (ج ٥ / ص ٣٤).

(٦) البيتان في نفح الطيب (ج ٥ / ص ٣٤) والذخيرة (ج ١ / ق ٢ / ص ٢١٤) والبديع (ص ١٤٦).

(٧) في الذخيرة : ذابت ذوائبه.

(٨) في الذخيرة : اشتكى. وفي النفح : شكا.

(٩) في الذخيرة والنفح : فرط.

(١٠) البيتان في نفح الطيب (ج ٥ / ص ٣٤) والذخيرة (ج ١ / ق ٢ / ص ٢١٤) وفي البديع في فصل الربيع (ص ١٤٦).

(١١) في الذخيرة والنفح : الرائي.

١٩١

كمليك للزّنج (١) في قبة بي

ضاء يبدو (٢) الدّجى فيغلق بابه

١٩١ ـ أبو إسحاق إبراهيم بن خيرة بن الصباغ (٣)

ذكر الحجاري : أنه من الشعراء المعتضديين ، وأنشد له ابن بسام ما أنشده أبو عامر في حديقة الارتياح (٤) : [مجزوء الكامل]

يوم كأن سحابه

لبست غماميّ (٥) المصامت

حجبت به شمس الضحى

بمثال أجنحة الفواخت

فالغيث يبكي فقدها

والبرق يضحك مثل (٦) شامت

والرّعد يخطب مفصحا

والجوّ كالمحزون ساكت

والرّوض يسقيه الحيا

والنّور ينظر مثل باهت

١٩٢ ـ أبو بكر عبد الله بن حجاج الإشبيلي (٧)

ذكر الحجاري : أنه شاعر بعيد الصوت ، معدود في شعراء المعتضد ، وكان قد هجر وطنه ، وانتبذ إلى صاحب الجزيرة الخضراء محمد بن القاسم بن حمود ، ومدحه عندما وفد عليه بقصيدة منها (٨) : [الطويل]

ألا أيّها الوادي الذي رفّ ظلّه

وفاحت خزاماه وغرّد طائره

أتذكر أيامي بدوحك والحمى

يباكرنا منه بجزعك زائره

وقد رقّ نسج بيني وبينه

وما زاد منا الحب عفّت سرائره

فقال له وزيره : اسأل ابن الخليفة : هل أنت من بني حجّاج أصحاب السيرة بإشبيلية؟ فقال :

__________________

(١) في البديع : الأحبوش.

(٢) في الذخيرة والنفح : يدنو.

(٣) من شعراء إشبيلية. الذخيرة (ج ١ / ق ٢ / ص ٢١٠) وفي الجذوة (ص ١٤٥) والبغية (ص ٢١٦).

(٤) الأبيات في الذخيرة (ج ١ / ق ٢ / ص ٢١٠) وفي نفح الطيب (ج ٥ / ص ٣٤) وجذوة المقتبس (ص ١٤٥) وبغية الملتمس (ص ٢١٦) ومطمح الأنفس (ص ٢٣).

(٥) في النفح : عمامي.

(٦) في الجذوة والبغية : ضحك شامت.

(٧) انظر ترجمته في جذوة المقتبس (ص ٢١٦) وبغية الملتمس (ص ٣٤٣) ونفح الطيب (ج ٥ / ص ٣٥).

(٨) أنشد المقري : بعض أبيات هذه القصيدة في نفح الطيب (ج ٥ / ص ٣٥).

١٩٢

لو كنت منهم طلبت بالسيف ، ولم أطلب بالشّعر ، فقال ابن حمود : لا فضّ فوه! يا شدّ ما امتعض الأعيان بلده.

١٩٣ ـ أبو القاسم بن مرزقان مولى المعتمد بن عباد (١)

ذكر صاحب الذخيرة : أنه قتل يوم دخول الملثمين إشبيلية على المعتمد ، وأنشد له قوله في شمعة على صفة مدينة أهديت للمعتمد (٢) : [السريع]

مدينة في شمعة صوّرت

قامت حماها (٣) فوق أسوارها

وما رأينا قبلها روضة (٤)

تتّقد النار بنوّارها

تصيّر الليل نهارا إذا

ما أقبلت تضحك (٥) في نارها

كأنها بعض الأيادي التي

تحت الدّجى تسري بأنوارها

من ملك معتمد أصبحت (٦)

بلاده أوطان زوّارها

١٩٤ ـ أبو بكر محمد بن أحمد بن حجاج الغافقي الإشبيلي (٧)

من نبهاء الشعراء في صدر الدولة المصمودية ، أنشد له صفوان في زاد المسافر (٨) : [الكامل]

من مبلغ موسى المليح رسالة

بعثت له من كافري عشّاقه؟

ما كان خلق راغبا عن دينه

لو لم تكن توراته من ساقه

وقوله :

ومحرم من شعره وحده

يا ليته من ثوبه أحرما!

__________________

(١) ترجم له ابن بسام في الذخيرة (ج ١ / ق ٢ / ص ٥٢٠) وذكره المقري في نفح الطيب. (ج ٥ / ص ٢٦٦).

(٢) الأبيات في نفح الطيب (ج ٥ / ص ٢٦٦ / ٢٦٧).

(٣) في النفح : حماة.

(٤) هذه الكلمة ساقطة من النفح.

(٥) في النفح : ترفل.

(٦) في النفح : ماجد.

(٧) هو أبو بكر بن حجاج ، من أهل إشبيلية ، شاعر مورود في شعراء المعتضد بن عباد ، مات بعد الثلاثين وأربعمائة للهجرة ٤٣٠ ه‍. وجذوة المقتبس (ص ٢١٦) وبغية الملتمس (ص ٣٤٣) ونفح الطيب (ج ٥ / ص ٢٦٨).

(٨) البيتان في نفح الطيب (ج ٥ / ص ٢٦٨). دون تغيير عمّا هنا.

١٩٣

حتى أراه مثل ما ينبغي

ومن لمثلي أن يرى مثل ما؟

١٩٥ ـ عبيد الله بن جعفر الإشبيلي (١)

كان وشّاحا مطبوعا ، ظريفا لطيفا ، وكان يكثر من زيارة صديق له ، وذلك الصديق لا يزوره فكتب مرة على بابه (٢) : [البسيط]

يا من يزار على بعد المحلّ ولا

يزورنا مرّة ما (٣) بين مرّات

زر من يزورك واحذر قول عاتبة (٤)

تقول عنك : فتى يؤتى ولا ياتي

١٩٦ ـ أبو الحسن علي بن جحدر (٥)

كان زجّالا مطبوعا صحب والدي مدة ، ولقيته أنا بإشبيلية ، وله من الشعراء ما عنوانه قوله (٦) : [الخفيف]

كيف أصبحت أيّهذا الحبيب؟

نحن مرضى الهوى وأنت الطّبيب

لا تزيد الزمان إلا نفارا (٧)

ويحها ـ يا عليّ ـ منك القلوب؟!

١٩٧ ـ أبو بكر محمد بن أحمد بن الصابوني الإشبيلي (٨)

اجتمعت به في إشبيلية ، والناس يجعلونه شاعرها المشار إليه ، وكان قد تقدّم عند مأمون بني عبد المؤمن ثم رأى أن يقصد سلطان إفريقية فلقيه في مليانة (٩) ومدحه بقصيدته التي أولها :

الله جارك في حلّ ومرتحل

يا معليا ملّة الإسلام في الملل

__________________

(١) انظر ترجمته في نفح الطيب (ج ٥ / ص ٢٠٧).

(٢) البيتان في النفح (ج ٥ / ص ٢٠٨).

(٣) في النفح : من.

(٤) في النفح : عاذلة.

(٥) انظر ترجمته في اختصار القدح (ص ١٧٢) ونفح الطيب (ج ٥ / ص ٢٠٨) كانت وفاته سنة ٦٣٨ ه‍ وترجمته في النفح (ج ٩ / ص ٢٤١).

(٦) البيتان في اختصار القدح (ص ١٧٢) ونفح الطيب (ج ٥ / ص ٢٠٨).

(٧) في النفح : كل قلب يهفو إليك غراما.

(٨) انظر ترجمته في اختصار القدح (ص ٦٩) والمقتضب من كتاب تحفة القادم (ص ٢١٣) والوافي بالوفيات (ج ٢ / ص ٩) وفوات الوفيات (ج ٣ / ص ٢٨٤) والبدر السافر (ص ٧٦) ونفح الطيب (ج ٥ / ص ٦٤).

(٩) مدينة رومية قديمة في آخر إفريقية.

١٩٤

ثم رحل إلى مصر ، فلم يجد فيها من قدّره ، وعاجلته بها منيّته ، فمات بالإسكندرية ، قبل سنة ثمان وثلاثين وستمائة.

ومما أنشدنيه من شعره قوله ـ وقد بعث إلى محبوب بمرآة (١) ـ : [الطويل]

بعثت بمرآة إليك بديعة

فاطلع بسامي أفقها قمر السّعد

لتنظر فيها حسن وجهك منصفا

وتعذرني فيما أقاسي (٢) من الوجد

مثالك فيها منك أقرب ملمسا

وأكثر إحسانا وأبقى (٣) على العهد

وقوله (٤) : [المنسرح]

أقبل في حلّة مورّدة

كالبدر في حلّة من الشّفق

تحسبه كلما أراق دما (٥)

يمسح في ثوبه ظبا الحدق

ومن نصاراها ويهودها

١٩٨ ـ ابن المرعزّي النصراني الإشبيلي (٦)

من المسهب : أنه من نصارى إشبيلية ، ظهر في دولة المعتمد بن عباد ، وكان من مدّاحه ، وله الأبيات المشهورة في كلبة الصيد ، وهي قوله (٧) : [مخلع البسيط]

لم أر ملهى لذي اقتناص

ومقنع الكاسب الحريص (٨)

كمثل خطلاء ذات جيد

أغيد تبريّة القميص (٩)

كالقوس في شكلها ، ولكن

تنفذ كالسّهم للقنيص

إن تخذت أنفها دليلا

دلّ على الكامن من العويص

__________________

(١) الأبيات في اختصار القدح (ص ٧٢) ونفح الطيب (ج ٥ / ص ٦٥).

(٢) في النفح : أكن.

(٣) في اختصار القدح : وأقرب للعهد.

(٤) البيتان في اختصار القدح (ص ٧٢) ونفح الطيب (ج ٥ / ص ٦٥).

(٥) في النفح : دمي.

(٦) انظر ترجمته في نفح الطيب (ج ٥ / ص ٦٧).

(٧) الأبيات في نفح الطيب (ج ٥ / ص ٦٧).

(٨) في النفح : ومكسبا مقنع الحريص.

(٩) في النفح : أتلع في صفرة القميص.

١٩٥

أو أرسلوها وراء برق (١)

لم يجد البرق من محيص

١٩٩ ـ أبو إسحاق إبراهيم بن سهل الإسرائيلي (٢)

قرأت معه في إشبيلية على أبي الحسن الدّبّاج وغيره ، وكان من عجائب الزمان في ذكائه على صغر سنه ، يحفظ الأبيات الكثيرة من سمعة ، وبلغني أنه الآن شاعر خليفتهم بمراكش ، وعنوان طبقته قوله في ابن هود ، يصف راياته السود :

أعلامه السّود إعلام بسؤدده

كأنها فوق خدّ الملك خيلان

وقوله في غلام أصفر اللون ، التحى فذهبت بهجته ، وقصد هجاءه (٣) : [السريع]

كان محيّاك له بهجة

حتى إذا جاءك ماحي الجمال

أصبحت كالشّمعة لما خبا

فيها (٤) الضياء اسودّ (٥) منها الذّبال

الحلة

٢٠٠ ـ عبد الملك بن زهر (٦)

هو صاحب التّيسير في الطب والأغذية المشهورة ، أبوه أبو العلاء المتقدم الترجمة ، وابنه أبو بكر الوشاح ، وقد تقدمت ترجمته.

٢٠١ ـ الأستاذ النحوي هذيل (٧)

كان لطيفا كثير النوادر ، أخبرني عنه تلميذ الشيخ أبو العباس النيّار ، بإشبيلية ، قال : جاءه يوما للقراءة صبيّ متخلّف ، فكان أول ما قرأ عليه بيت كثيّر : (حيّتك عزّة بعد الهجر

__________________

(١) في النفح : لو أنها تستثير برقا.

(٢) انظر ترجمته في اختصار القدح (ص ٧٣) وفوات الوفيات (ج ١ / ص ٢٠) ونفح الطيب (ج ٥ / ص ٦٩).

(٣) البيتان في نفح الطيب (ج ٥ / ص ٦٩).

(٤) في النفح : منها.

(٥) في النفح : فيها الذبال.

(٦) انظر ترجمته في الذيل والتكملة (ج ٥ / ص ١٨) والمطرب (ص ٢٠٣) وعيون الأبناء في طبقات الأطباء (ص ٥١٧) ونفح الطيب (ج ٣ / ص ١٣).

(٧) انظر ترجمته في نفح الطيب (ج ٥ / ص ٢٦٩ / ٢٧٠). والبغية (ص ٤٠٨) والتكملة (ص ٧١٦).

١٩٦

وانصرفت). فقال مصحّفا له : جئتك عرّة ، فقال الشيخ : وأكثر! بالله يا ولدي تروح ، ولو قريت سنة. فأضحك الحاضرين.

وكان يقرأ عليه بربري جعد الشّعر قبيح الوجه. فوقف يما على : قل إن كان للرحمن ولد فأنا ... فقال : لأي شيء بالله؟ لحسن وجهك ، وطيب شعرك؟

الأهداب

أحسن موشحات ابن زهر (١) موشّحته التي أولها :

مدّ الخليج ورفّ الشجر

لقد تعانقا منظر ومختبر

وقد تقدمت في المتنزّهات.

وموشحته التي أولها :

ما للمولّه من سكره لا يفيق يا له سكران

وقد تقدمت في المتنزّهات.

وموشحته (٢) :

أيها السّاقي إليك المشتكى

كم (٣) دعوناك وإن لم تسمع

ونديم همت في غرّته

وسقاني (٤) الرّاح من راحته

كلما استيقظ (٥) من سكرته

جذب الزّقّ إليه واتّكى

وسقاني أربعا في أربع

غصن بان مال من حيث استوى

بات من يهواه من خوف (٦) النّوى

__________________

(١) هو الوزير الحكيم محمد بن عبد الملك بن زهر الإيادي ، المعروف بالحفيد ابن زهر ؛ من نوابغ الطب والأدب في الأندلس. توفي سنة ٥٩٥ ه‍. وفيات الأعيان (ج ٤ / ص ٤٣٤) وعيون الأبناء في طبقات الأطباء (ص ٥٢١) والذيل والتكملة (ج ٦ / ص ٣٩٨) والمطرب (ص ٢٠٦) ونفح الطيب (ج ١ / ص ١٥٤).

(٢) الموشحة في معجم الأدباء (ج ٨ / ص ٢١٩) والمطرب (ص ٢٠٥).

(٣) في معجم الأدباء : قد.

(٤) في معجم الأدباء : وشربت.

(٥) في معجم الأدباء : استيقظت.

(٦) في معجم الأدباء : من فرط الجوى.

١٩٧

خافق الأحشاء مضعوف (١) القوى

كلما فكّر في البين بكى

يا له (٢) يبكي لما لم يقع

أيها المعرض عما أصف

تعرف الذنب ولا تعترف

كبد حرّى ودمع يكف

مثل حالي حقّه أن يشتكي (٣)

كمد اليأس وذلّ الطّمع

ما لعيني شقيت (٤) بالنّظر

أنكرت بعدك ضوء القمر

فإذا ما شئت فاسمع خبري

عشيت (٥) عيناي من طول البكا

وبكى بعضي على بعضي معي

قد براني في هواك الكمد

يا لقومي عذلوا واجتهدوا

أنكروا شكواي مما أجد

قد نما حبّك عندي وزكا

لا يظنّ الحبّ أني مدّعي

وموشحته :

يا صاحبيّ نداء مغتبط بصاحب

لله ما ألقاه من فقد الحبائب

قلب أحاط به الهوى من كل جانب

أيّ قلب هائم

لا يستفيق من اللّواح

أنحى على رشدي وأعدمني صلاحي

ثغر ثنى الأبصار عن نور الأقاح

يسقى بمختلطين من مسك وراح

كالحباب العائم

في صفحة الماء القراح

__________________

(١) في معجم الأدباء : موهون.

(٢) في معجم الأدباء : ماله.

(٣) في معجم الأدباء : إن مثلي حقه أن يشتكي.

(٤) في معجم الأدباء : عشيت.

(٥) في معجم الأدباء : قرهت.

١٩٨

من لي به بدر تجلى في الظلام

علّقت من وجناته بدر التّمام

وعلقت من أعطافه لدن القوام

كالقضيب الناعم

لم يستطع حمل الوشاح

يا من أعانقه بأحناء الضلوع

وأقيمه بدلا من القلب الصديع

أنا للغرام وأنت للحسن البديع

وكلام اللائم

شيء يمرّ مع الرياح

حمّلتني في الحبّ ما لا يستطاع

وجدا يراع بذكره من لا يراع

ولأنت أجور من له أمر مطاع

ومع أنّك ظالم

أتّ ه مناي واقتراحي

وموشحته :

جنت مقل الغزلان

جنايا الشّمول

على عالم الإنسان

جيلا بعد جيل

أهيم بمن يطغيه

عليّ الجمال

أداريه أسترضيه

فيأبى الدلال

لقد عذلوني فيه

وقالوا وقالوا

على حين قد ألهاني

عن قال وقيل

ليل الصدّ والهجران

ويوم الرحيل

إلى كم أداري اللّوّام

مثنى وفرادى

وتالله أخرى الأيام

لا أعطى قيادا

لهفي صرت بين الأقوام

حديثا معادا

وقد قعدت أشجاني

بكل سبيل

ولا عهد بالسّلوان

ولا ينبغي لي

هو الحسن لا أختار

مطلوبا عليه

وجه تشرق الأنوار

على صفحتيه

وتستبق الأبصار

إليه إليه

وقدّ كغصن البان

في حقف مهيل

١٩٩

فذاك الذي يلحاني

عليه عذولي

يابن الناصر المنصور

يابن المجد أجمع

أنت الأمن للمذعور

مما يتوقع

فكم جذل مسرور

يقول ويسمع

أبو حفص ه سلطاني

الله يحرزولي

ه آمنّي ه أغناني ه

ه بلغن سولي

وموشحته :

لأتبعنّ الهوى

إلى أقاصيه

حتى يقول فريق

رقّت حواشيه

ما عيل مصطبري

لولاك يا يحيى

أموت بالنّظر

وتارة أحيا

ما شئت من خبر

يا بدع [في] الأشيا

صبّ يقاسي النّوى

فيما يقاسيه

يفيض وادي العقيق

على مآقيه

من لي بوجه جمع

محاسن الصّور

يغني إذا ما طلع

عن مطلع القمر

ومبسم لم يدع

صبرا لمصطبر

مثل الأقاح استوى

فبات يسقيه

ريق كأن الرحيق

مشعشع فيه

دمعي جرى فنطق

عن بعض ما أجد

ومسعدي في الأرق

والناس قد رقدوا

نجم ضعيف الرّمق

حيران منفرد

يلوح ضعف القوى

على توانيه

مثل التماس الغريق

ما ليس ينجيه

وجه كمثل الهلال

يبدو على غصن

رصّعته بالجمال

وتحفة الحسن

فعند ذلك قال

قولوا له عنّي

لس نرتضي لو سوى

وصفي وتشبيهي

يريد نكون ل صديق

يصبر على تيهي

٢٠٠