المغرب في حلى المغرب - ج ١

علي بن موسى بن محمّد بن عبد الملك بن سعيد الغرناطي الأندلسي

المغرب في حلى المغرب - ج ١

المؤلف:

علي بن موسى بن محمّد بن عبد الملك بن سعيد الغرناطي الأندلسي


المحقق: خليل المنصور
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٨١
الجزء ١ الجزء ٢

الجزيري ، ثم كتب لملوك الفتنة ، ورقّاه للوزارة المستظهر. وكان واسطة السّلك ، وقطب رحى الملك. وبنو برد موالي بني شهيد. وتوفي بسرقسطة سنة ثمان عشرة وأربعمائة ، وقد نيّف على الثمانين.

وعنوان بلاغته في النثر ، قوله من رسالة عن المظفّر حين قتل صهره [عيسى بن] سعيد بن القطاع : أيها الناس ، وفّقكم الله بعصمته ، واستنقذكم برحمته ، إنّ من علم منكم حال الخائن عيسى بن سعيد بالمشاهدة ، ورأى مبلغ النعمة عليه بالمحاضرة ، فقد اكتفى بما شهد ، واجتزأ بما حضر ، ومن غاب عنه كنه ذلك ، فليعلم أنا أخذناه من الحضيض الأوهد ، وانتشلناه من شظف العيش الأنكد ، ورفعنا خسيسته ، وأتمنا نقيصته ، وخوّلناه صنوف الأموال ، وصيرنا حاله فوق الأحوال ، بدأ بذلك المنصور مولاي رحمه‌الله ، فاعتمدته ، وأسبغت من نعمي عليه ، ما أحوج العامّة والخاصة إليه ، فلا أقرّ لنا بحق ، ولا قابل إحساسنا بصدق ، ولا عامل رعيّتنا برفق ، ولا تناول خدمتنا بحذق ، بل أعلن بالمعاصي ، واستذل الأعزّة ، وذوي الهيئات والمروّة ، وناجزهم وأنس بأضدادهم ، ونبذ عهودنا ، وخالف سبلنا ، وكدّر على الناس صفوفنا ، حتى إذا ملكه الأشر ، وتناهى به البطر ، وعلت به الأمور ، وغره بالله الغرور ، وحاول شقّ عصا الأمة ، وهدّ ركن الخلافة ، بما احتجن من حرام الأموال ، واستمال من طعام الرجال ، فحجّته نعمنا عليه ، وخصمته عوارفنا لديه ، وكشف لنا سريرته ، حتى صرعه بغيه ، وأسلمه غدره ، وأخذه الله بما اجترح ، وأوبقه بما اكتسب ، فأعجلناه عن تدبيره ، وصار إلى نار الله وسعيره.

وكان ابن القطاع قد أراد أن يقلب الدولة ، ويولّي الخلافة هشام بن عبد الجبار بن الناصر المرواني ، فقتله ، المظفر في مجلس شراب.

ومن كتاب الياقوت في حلى ذوي البيوت

١٣٢ ـ عبد الرحمن بن محمد بن النظام (١)

من المسهب : أنه كان من نبهاء الدولة العامرية ، وأنشد له ملغزا في مبخرة :

وجاثمة لها ابن مستطار

يفارق جسمه عند احتراق

ولم أر قبله من ذي نعيم

يحرّق جسمه والرّوح باق

__________________

(١) ترجمته في جذوة المقتبس (ص ٢٥١) وبغية الملتمس (ص ٣٤٤).

١٤١

إذا صاحبته لم يبد شخصا

ولا يخفى عليك لدى التلاق

١٣٣ ـ أبو مضر محمد بن الحسين التميمي الطّبني (١)

هو أصل بني الطّنبي : أهل البيت الشهير بقرطبة. من الجذوة : أنه من بني حمّان ، شاعر مكثر ، وأديب مفتن ، ومن بيت أدب وشعر وجلالة ، كان في أيام المستنصر ، وله أولاد نجباء مبرّزون في الأدب والفضل.

وذكر ابن حيان : أنه كان شاعرا عالما بأخبار العرب وأنسابهم ، شرب يوما مع المنصور بن أبي عامر فغنت قينة ببيتين من شعره :

صدفت ظبية الرّصافة عنّا

وهي أشهى من كلّ ما يتمنّى

هجرتنا فما إليها سبيل

غير أنا نقول : كانت وكنّا

فاستعادها أبو مضر ، فأنكر ذلك المنصور ، وعلم هيبته لم تملأ قلبه ، فأومأ إلى بعض خصيانه ، فأخرج رأس الجارية في طست ، ووضعه بين يدي الظّبي ، وقال له المنصور : مرها فلتعد ، فسقط في يده.

ومن المسهب : أنه وفد على المنصور من طبنة قاعدة الزّاب فاستوطن حضرته ، وكان مع شعره وعلمه وارتفاع مكانه له خفة روح ، وانطباع نادر جذب بهما هواه ، وأحسن ما اختاره من شعره قوله :

اجتمعنا بعد التفرّق دهرا

فظللنا نقطّع العمر سكرا

لا يراني الإله إلا طريحا

حيث تلقي الغصون حولي زهرا

قائلا كلما فتحت جفوني

من نعاس الخمار : زدني خمرا

١٣٤ ـ أبو بكر عبد الله بن أبي الحسن (٢)

من المسهب : من أعيان قرطبة ، وممن يحضر مجلس ابن أبي عامر ، وبلغ ابن أبي عامر عنه ما أوجب طلبه ، فاستخفى مدة. وأحسن ما أنشد له قوله في رثاء صديق له اعتبط :

رجعت على رغم الوفاء إلى الصّبر

كما صبر الظمآن في البلد القفر

__________________

(١) ترجمته في تاريخ علماء الأندلس (ج ١ / ص ٤٠٨) وجذوة المقتبس (ص ٤٧) وبغية الملتمس (ص ٥٨) والصلة (ص ٥٣٥). وتوفي سنة ٣٩٤ ه‍.

(٢) ترجمته في بغية الملتمس (ص ٣٢٩).

١٤٢

وقلت لعيني : ما وفيت وإن جرت

عليك كما ينهلّ منسكب القطر

وكيف أوفّي قدر ثكلي بعد من

دفنت به الآمال أجمع في قبر

على حين لم أبصر به ما رجوته

ولم أر من ذاك الهلاك سنا البدر

فواها لعمر منك لذّ قصيره

فكان خفيفا مثل إغفاءة الفجر

١٣٥ ـ أبو عبد الله محمد بن شخيص (١)

من المسهب : أحد من له البيت الرّفيع ، والنّظم البديع ، وممن يحضر مجلس المظفر بن أبي عامر. وماشاه يوما في بستان ، فنظر إلى ورد مقابل آس [ورغب] أن يقول في ذلك ، فقال :

أراد الورد بالآس انتقاصا

فقال له : نقيصتك الملال

فقال الورد : لست أزور إلا

على شوق كما زار الخيال

وأنت تديم تثقيلا طويلا

تدوم به كما رست الجبال

فتسأمك العيون لذلك بغضا

وترقبني كما رقب الهلال

وذكر الحميدي أنه مات قبل الأربعمائة.

١٣٦ ـ جعفر بن أبي علي القاليّ (٢)

من المسهب : بنى له أبوه بقرطبة مرتبة بقيت محفوظة ، ورفع له ذكرا ووطّد له كرامة لم تزل ملحوظة ، وحمى ما غرسه له أبوه ، وثمّره بناصع أدبه.

قال : ومن فطانته أنه دخل يوما على المنصور بن أبي عامر ، فقال له من أراد ينكّت عليه : يا مولانا هذا هو القالي. فقال جعفر : لأعداء الحاجب أذلّهم الله بعزته. فاستحسن ذلك المنصور.

ومن أحسن ما أنشد له قوله من شعر :

بين العذيب وبين وادي المنحنى

خلّفت قلبي للصّبابة والعنا

الموت أحسن من فراقك ساعة

أتراك تحسب من تفارق في هنا

ودّعت منك الغصن يبسم زهره

والورد عانق آسه والسّوسنا

ورحلت منك بعبرة ما تنقضي

فحسبت جفني للسّحائب معدنا

__________________

(١) ترجمته في جذوة المقتبس (ص ٩١) وبغية الملتمس (ص ١٢٩) ويتيمة الدهر (ج ٢ / ص ٢٢) ونفح الطيب (ج ٤ / ص ١٥٧).

(٢) ترجمته في بغية الملتمس (ص ٢٣٩) وفي الصلة (ص ١٢٩) وفي جذوة المقتبس (ص ١٧٥).

١٤٣

قال : وثار في خاطره أن يرحل إلى موطن أصله ، ويجتمع هنالك مفترق شمله ، ويحلّ بين من له به من الأقارب ، ولا يثني العنان بعد إلى المغارب ، فلما حل بغداد ، أكذبت عينه ظنّه ، وأجدب المراد ، وأخفق المراد ، فرجع لا يلوي على متعذّر ، ولا يمرّ بغير مستكره عنده متكدّر ، فقال :

حننت إلى بغداد حيث تمكنت

أصولي فلما أن حللت ببغداد

رأيت ديارا يبعث الهمّ لحظها

وقوما يسومون الغريب بأحقاد

فولّيت عنهم عائدا غير عاطف

وإن كان فيما بينهم نشء أجدادي

وجزت على مصر فغمّضت مقلتي

وقلت بعنف مغرب الشّمس يا حادي

وكان أشدّ ما لقيه ببغداد ، أنه حرد يوما بحضرة جماعة منهم ، وأفرط في سوء الخلق ، فقال له أحدهم : يا هذا ، بئس ما عوّضتنا عما نقله أبوك من بلدنا إلى المغرب : حمل عنّا علما وأدبا ، وجئتنا بجهل وسوء أدب ، فقال : المشي يلزمني إلى مكة حافيا راجلا إن قعدت لكم في بلد من يومي هذا. وخرج من حينه ، فقال له البواب : من أين أتيت يا إنسان؟ فقال بشدة الغيظ : من لعنة الله! فقال : اصبر حتى أستأذن عنك! وكتب بذلك للوزير ، فقال الوزير : لا ينكر هذا الخلق على مغربي ، فأطلقوه بنصرف إلى موضعه الذي ذكر.

ومن كتاب نجوم السماء في حلى العلماء

١٣٧ ـ أبو الأصبغ عيسى بن عبد الملك بن قزمان (١)

معدود في علماء الحديث والأدب ، وكان المنصور بن أبي عامر قد جعله يؤدّب هشاما المؤيد.

وأنشد له حبيب الأندلسي في كتاب فصل الربيع (٢) :

لا شيء أحسن منظرا إن زرته

أو مخبرا من حسن روض ناضر

إن جئته أعطاك أجمل منظر

أو غبت زارك في النّسيم الخاطر

وأنشد أبو الحجاج البياسي مؤرخ الأندلس :

__________________

(١) ترجمته في يتيمة الدهر (ج ٢ / ص ٣٤) وجذوة المقتبس (ص ٢٨) وبغية الملتمس (ص ٣٩١).

(٢) هو كتاب البديع في وصف الربيع ـ لأبي الوليد إسماعيل يوسف المتوفى سنة ٧٧١ ه‍. كشف الظنون (ج ٣ / ص ١٧٢).

١٤٤

ومما شجاني هاتف يبعث الأسى

فهيّج من قلبي ومن خفقانه

يكاد القضيب اللّدن يعشق قدّه

فيذهله بالميس عن طيرانه

وبيت بني قزمان في قرطبة بيت جليل منه أعلام ونبهاء ، ومنهم أبو بكر بن قزمان الزجال.

١٣٨ ـ الحكيم الأديب أبو عبد الله محمد بن الحسن المذحجي المعروف بابن الكتّاني (١)

من الجذوة : له مشاركة قوية في علم الأدب والشعر وله تقدّم في علوم الطب والمنطق ، وكلام في الحكم ، ورسائل في ذلك كله وكتب معروفة ، وعاش بعد الأربعمائة مدة. ومن شعره قوله (٢) :

نأيت عنكم بلا صبر ولا جلد

وصحت واكبدي حتى مضت كبدي

أضحى الفراق رفيقا لي يواصلني

بالبعد والشّجو والأحزان والكمد

وبالوجوه التي تبدو فأنشدها

وقد وضعت على قلبي يدي بيدي :

إذ رأيت وجوه الطّير قلت لها :

لا بارك الله في الغربان والصّرد

١٣٩ ـ أبو الأصبغ عيسى بن الحسن

من المسهب من شعراء الدولة العامرية ، من شعره قوله في عيسى بن سعيد ابن القطاع :

أنت عيسى بن سعيد

لست روح الله عيسى

كلّم الناس فقد كلّ

م ربّ الناس موسى

وكان ممن باطن عبد الله بن المنصور بن أبي عامر ، فلما ضرب أبوه عنقه سجن أبا الأصبغ.

وفي طول سجنه يقول :

ليت شعري كيف البلاد وكيف ال

إنس والوحش والسّماء والماء

طال عهدي عن كل ذاك ، وليلي

ونهاري في مقلتيّ سواء

ليس حظي من البسيطة إلا

قدر قبر صبيحة أو مساء

وإذا ما جنحت فيه لأنس

أوحشتني بأنسها الأغبياء

__________________

(١) ترجمته في التكملة (ص ١١٨) وبغية الملتمس (ص ٥٧) وجذوة المقتبس (ص ٤٥).

(٢) الأبيات في معجم الأدباء (ج ٨ / ص ١٨٤) دون تغيير عمّا هنا.

١٤٥

الحلة

من كتاب تلقيح الآراء في حلى الحجّاب والوزراء

١٤٠ ـ المظفر عبد الملك بن المنصور بن أبي عامر (١)

ذكر ابن حيان ضبطه للدولة بعد موت أبيه ، ونفيه من خاف فتنته من الغلمان إلى سبتة ، وأحبه الناس ، وانصبّ التأييد والإقبال عليه انصبابا لم يسمع بمثله ، وسكن الناس منه إلى عفاف ونزاهة ، فأخذوا في المكاسب والزينة ، وبلغت الأندلس في أيامه إلى نهاية الجمال والكمال.

وكان أحمد بن فارس المنجم قد قال : لم يولد بالأندلس قط أسعد من المظفر على نفسه وعلى أبيه وحاشيته ، نعم! وعلى أهل الأندلس طرّا وأنها لا تزال بخير حياته ، فإذا هلك لم تفلح ، فكان كذلك. وكانت نفائس الأعلاق والآلات الملوكية قد ارتفعت في وقته ارتفاعا عظيما ، وبلغت الأندلس في مدته إلى نهاية الهدو والرفاهية ، وجرى على سنن أبيه من غزو النصارى ، وضبط الدولة ، ورام صهره عيسى بن سعيد المعروف بابن القطاع أن يأخذ الدولة ، ففطن به ، وعاجله وقتله في مجلس المنادمة.

إلا أنه لم يكن فيه للأدب ما كان له من أبيه ، فقد وصفه ابن حيان بأنه كان مائلا لمجالسة العجم الجفاة من البرابر والإفرنج. منهمكا في الفروسية وآلاتها ، إلا أن أصحاب أبيه لم يخلّ بهم ولا جفاهم ، بل أبقاهم على رسمهم.

١٤١ ـ أخوه الناصر عبد الرحمن بن المنصور (٢)

كان هذا الرجل بضدّ أخيه ، إذ قام نحسا على نفسه وعلى أهل الأندلس ، فمنه انفتح باب الفتنة العظمى وفسد الناموس.

لما مات أخوه استولى على حجابة هشام المؤيد ، فأخذ في الانهماك شربا وزندقة وحكي

__________________

(١) ترجمته في نفح الطيب (ج ١ / ص ٤٠٥ / ٤٠٦) وتاريخ ابن خلدون (ج ١ / ص ٣٢١ / ٣٢٤).

(٢) ترجمته في نفح الطيب (ج ١ / ص ٤٠٥) وبغية الملتمس (ص ٣٦١) وتاريخ ابن خلدون (ج ٤ / ص ٣٢١ / ٣٢٤).

١٤٦

عنه من الطعن في الدين قولا وفعلا حكايات شنيعة ، ومع هذا فإنه طلب من هشام أن يولّيه العهد بعده ، ففعل ، ولقبه بالمأمون ، ورأى بنو مروان أن الخلافة خارجة عنهم ، فثار عليه المهدي بن عبد الجبار. وكان الناصر غائبا في طليطلة ، فرجع إلى قرطبة ليصلح ما فسد ، فتلقاه عسكر حزوا رأسه. وقد أفرده أصحابه لسوء تدبيره ، وانقرضت الدولة العامرية.

ومن كتاب الأحكام في حلى الحكام

١٤٢ ـ أبو بكر محمد بن إسحاق بن السليم (١)

أطنب ابن بشكوال في تعظيمه علما وعبادة ، وذكر أنه رحل وحجّ وكان يتصيّد الحيتان بنهر قرطبة ، ويقتات من ثمنها. ولّاه قضاء الجماعة المستنصر ، بعد وفاة منذر ، ولم يطرق له بعيب إلّا من جهة التطويل في أحكامه. ثم ولاه الصلاة والخطبة. وتوفي يوم الثلاثاء عقيب جمادى الأولى سنة سبع وستين وثلاثمائة.

١٤٣ ـ أبو بكر محمد بن يبقى بن زرب (٢)

من الجذوة : قاضي الجماعة بقرطبة. سمع من أبي محمد قاسم بن أصبغ البياني وغيره ، وكان فقيها فاضلا نبيلا جليلا. وله كتاب في الفقه سماه «الخصال» كان في أوائل الدولة العامرية.

وفي كتاب القضاة ذكره. وروى عنه القاضي أبو الوليد يونس بن عبد الله بن مغيث بن الصفار وأبو بكر عبد الرحمن بن أحمد بن حوبال وغيرهما.

١٤٤ ـ أبو عبد الله محمد بن يحيى بن زكريا المعروف بابن برطال (٣)

قال ابن حيان في كتاب القضاة : إنه خال المنصور بن أبي عامر ، وكان من بيت غنى وثروة ، وشهر صلاحه ، إلا أنه لم يكن من العلماء.

ودام إلى أن ظهر اختلاله بكبر السن ، وغلبه ولده أحمد على أمره ، ولم يك بالمرضيّ عند الناس فتخوّف ابن أبي عامر عند ذلك ، فعزله عن القضاء ، ناقلا إلى خطة الوزارة سنة ثنتين وستين وثلاثمائة.

__________________

(١) ترجمته في بغية الملتمس (ص ٤٩) وتاريخ علماء الأندلس (ج ١ / ص ٣٧٢).

(٢) ترجمته في تاريخ علماء الأندلس (ج ١ / ص ٣٨٧) وبغية الملتمس (ص ١٣٦) توفي سنة ٣٨١ ه‍.

(٣) انظر ترجمته في تاريخ علماء الأندلس (ج ١ / ص ٣٩٧). توفي سنة ٣٩٤ ه‍.

١٤٧

١٤٥ ـ أبو العباس أحمد بن محمد بن ذكوان (١)

من كتاب ابن حيان أن ابن أبي عامر قلّده القضاء بعد خاله ، قال : والناس ينسبون بني ذكوان إلى برابر فحص البلّوط. وهم يزعمون أنهم من بني سليم من موالي بني أمية. واتصلت ولايته إلى قيام الفتنة ، وسعى عليه ابن القطاع فعزل ، ثم ردّ إليها ، واعتلت منزلته في مدة المظفر بن أبي عامر وأخيه الناصر ، وقلّده الناصر الوزارة ، وكان يكتب عنه من الوزير قاضي القضاة ، وهو أول من كتب عنه بذلك من قضاة الأندلس. فلا كان قضاء القضاة من خطط الدولة المروانية ، لأنهم لم يفوضوا أمر القضاة إلى قاض في وقت من الأوقات. ومال إلى البرابر في الفتنة ، فقبض عليه واضح مولى أبي عامر مدبّر دولة هشام أسوأ قبض ، ونفي إلى برّ العدوة في وقت تنكّر البحر ، فسلمه الله إلى وهران إلى أن قتل واضح. فاسترجع إلى قرطبة ، ولم يقبل خطّة القضاء بوجه.

وكان السلطان لا يقطع أمرا دونه ، وصحبته الرياسة بقية مدته إلى أن مات على تلك الحال ، فدفن صلاة العصر من يوم الأحد لتسع بقين من رجب سنة ثلاث عشرة وأربعمائة ، بمقبرة العباس مع سلفه ، ولم يتخلف عنه كبير أحد من الخاصة والعامة ، وشهد الخليفة يحيى بن علي ابن حمود جنازته.

١٤٦ ـ أبو المطرف عبد الرحمن بن محمد بن فطيس (٢)

من كتاب ابن حيان أنه ولي القضاء بين مدّتي أبي العباس بن ذكوان. وهو أحد الأعاظم من وزراء السلطان في أحد البيوت المولوية التي انتهى إليها الشرف. وممن جمع إلى ذلك الارتسام بالعلم والرواية الواسعة ، والتقدم بالعمل في الحكومة بالمظالم والشرطة. وكان مشهورا بالصلابة في الحق ، وإعزاز الحكومة ، إلا أنه كان يخلط صرامته ببطش وعجلة وحدّة لا تليق بالأحكام.

وكان الغالب عليه الرواية والبصر بطريق الحديث. وصاهره ابن القطاع صاحب الدولة العامرية ، وكانت وفاته صدر الفتنة ، فدفن يوم الثلاثاء للنصف من ذي القعدة سنة اثنتين وأربعمائة.

ومن كتاب نجوم السماء في حلى العلماء

١٤٧ ـ أبو عمر أحمد بن سعيد بن إبراهيم الهمداني المعروف بابن الهندي (٣)

ذكره ابن بشكوال في كتاب الأعلام ، وأخبر أنه روي عن أبي علي صاحب الأمالي ، وعن

__________________

(١) انظر ترجمته في بغية الملتمس (ص ١٧٤).

(٢) ترجمته في الصلة (ص ٣٠٣) والوافي (ج ٣ / ص ٤٤٦) وبغية الملتمس (ص ٣٤٣). توفي سنة ٤٠٢ ه‍.

(٣) انظر ترجمته في الصلة (ص ١١٤) والديباج (ص ٣٨).

١٤٨

قاسم بن أصبغ ، وكان حافظا لأخبار أهل الأندلس ، بصيرا بعقد الوثائق ، وله فيها ديوان كبير كثير المنفعة.

ولا عن زوجه بالجامع في قرطبة في سنة ثمان وثمانين وثلاثمائة ، فعوتب في ذلك ، وقيل له : مثلك يفعل هذا؟! فقال : أردت إحياء سنة.

قال ابن بشكوال : وكانت وفاته في شهر رمضان سنة تسع وتسعين وثلاثمائة. وصلى عليه القاضي أحمد بن ذكوان. ومولده لعشر بقين من محرم سنة عشرين وثلثمائة.

١٤٩

بسم الله الرحمن الرحيم

صلى الله على سيدنا محمد

أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه ، فهذا :

الكتاب الرابع

من الكتب التي يشتمل عليها

الكورة القرطبية

وهو

كتاب الوردة في حلى مدينة شقندة

كانت في قديم الزمان مدينة ، ثم خربت وصارت قرية ، وهي مطلّة عليها مجاورة لها : منها :

١٤٨ ـ أبو الوليد الشّقندي (١)

وحسبه من التّنبيه على محلّه في الأدب رسالته (٢) التي تقدمت في صدر كتاب الأندلس ، وكان شاهدا عدلا يتولى القضاء في مثل بياسة وأبّدة (٣) ، وتفنّن في العلوم القديمة والحديثة وارتقى إلى أن كان ممن يحضر مجلس منصور بني عبد المؤمن. وكان والدي يقدمه. وأبصرته في إشبيلية

__________________

(١) هو أبو الوليد إسماعيل بن محمد الشقندي ، نسبة إلى شقندة وهي بلدة مجاورة لمدينة قرطبة. له رسالة مشهورة يفضل فيها الأندلس على المغرب. توفي بإشبيلية سنة ٦٢٩ ه‍. اختصار القدح (ص ١٣٨) ونفح الطيب (ج ١ / ص ١٤٧).

(٢) ذكرها المقري في نفح الطيب (ج ٤ / ص ١٦٤ / ٢٠٠) وقال : فكانت رسالة الشقندي ، الحمد لله الذي جعل لمن يفخر بالأندلس أن يتكلم ملء فيه.

(٣) أبّدة : مدينة في منطقة جيّان ، دخلت في حوزة العرب بعد فتح الأندلس استرجعها الإسبان منهم سنة ١٢٣٤ م. المنجد في اللغة والأعلام (ج ٢ / ص ٦).

١٥٠

في مدة ابن هود ، وبها توفي بعد سنة سبع وعشرين وستمائة.

له في مطلع قصيدة في منصور بني عبد المؤمن وقد نهض للنصارى عام الأرك (١) : [البسيط](٢)

إذا نهضت فإنّ السعد (٣) منتهض

ترمي السّعود سهاما والعدا غرض

لك البسيطة تطويها وتنشرها

فليس في كلّ ما (٤) قد رمت معترض

وأنشد الوزير ابن جامع قصيدة فيها (٥) : [البسيط]

استوقف الرّكب قد لاحت لك الدار

واسأل بربع تناءت عنه أقمار

لا خفّف الله عني بعد بينهم

فإنني سرت والأحباب ما ساروا

ألا رعى الله ظبيا في قبابهم

منه لهم في ظلام الليل أنوار

غدا أنيسا بهم لا شيء يذعره

لكنه عن جناني (٦) الدهر نفّار

فقال له الوزير : يا أبا الوليد! هذا الظبي نفّارك ، فمن توّاقك؟ فخجل ، وله (٧) : [الخفيف]

عللاني بذكر من همت فيه

وعداني عنه بما أرتجيه

وإذا ما طربتما لارتياحي

فاجعلا خمرتي مدامة فيه

ليت شعري وكم أطيل الأماني

أيّ يوم خلوة ألتقيه (٨)

وإذا ما ظفرت (٩) يوما بشكوى

قال لي : أين كل ما تدّعيه

لا دموع ولا سقام فماذا

شاهد عنك بالذي تخفيه (١٠)

قلت : دعني أمت بدائي فإني

لو براني الغرام لا أبديه (١١)

__________________

(١) أرك : مدينة سومرية في جنوب العراق ، هي اليوم الوركاء. موطن البطل كلكامش. المنجد في اللغة والأعلام (ج ٢ / ص ٣٦).

(٢) الأبيات في نفح الطيب (ج ٤ / ص ١٩٦) واختصار القدح المعلى (ص ١٣٨).

(٣) في نفح الطيب : السيف.

(٤) في النفح : ما تنويه.

(٥) الأبيات في اختصار القدح (ص ١٣٨ وما بعدها) وفي نفح الطيب (ج ٤ / ص ١٩٦ / ١٩٧).

(٦) في اختصار القدح : (جناني).

(٧) الأبيات في نفح الطيب (ج ٤ / ص ١٩٧). واختصار القدح.

(٨) في اختصار القدح : أتقيه.

(٩) في اختصار القدح : وإذا ما ظهرت.

(١٠) في النفح : لدّعيه.

(١١) في اختصار القدح : لا أبريه.

١٥١

بسم الله الرحمن الرحيم

صلى الله على سيدنا محمد

أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه ، فهذا :

الكتاب الخامس

من الكتب التي يشتمل عليها

كتاب الكورة القرطبية

وهو

كتاب الجرعة السّيّغة في حلى قرية وزغة

من قرى قرطبة : ينسب إليها :

١٤٩ ـ أبو جعفر أحمد بن يحيى الحميري الوزغي (١)

خطيب جامع قرطبة ، المصدّر به في المائة السابعة لإقراء النحو وفنون الأدب ، المشهور بالظرف واللطافة. كان يعشق غلاما اسمه عيسى فقرأ عليه غلام اسمه محمد ، فمال إليه وقال :

تبدلت من عيسى بحبّ محمد

هديت ولولا الله ما كنت أهتدي

وما عن ملال كان ذاك وإنما

شريعة عيسى عطّلت بمحمد

__________________

(١) انظر ترجمته في المعجب (ص ٢١٩).

١٥٢

١٥٠ ـ ابن أخيه الحافظ أبو زكريا

كان له نوادر مضحكات مع كونه كان حافظا لأكثر السّيرة وكثير من كتب اللغة ، وتقرّب إلى سلطان إفريقية ابن عبد الواحد بما حكى له عنه من الغفلة والبله إلى أن صار يحضره ، وكان على رأسه طاقية وسخة فأعطاه عمامة كبيرة ، فكان يعمّم قدر ثلثها ، ويجعل الثلثين في كمّه ، ويقال له : إذا كبرت عليك اقطعها ، فيقول : إنعام السلطان لا أجسر على قطعه.

ورأيته يوما في عسكر السّلطان وهو راكب بغلة ، وقد انحدرت به ، وجاء جمل من فوقه ، فقال مخاطبا للجمل : بفضلك ألا اصبر حتى أمضي عنك. وكان يخاطب السلطان من الألفاظ العامية المحشوة بسوء الأدب بما يضحك ، وقد مات بالفسطاط.

١٥٣

بسم الله الرحمن الرحيم

صلى الله على سيدنا محمد

أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه ، فهذا :

الكتاب الثاني

من الكتب التي يشتمل عليها

كتاب المملكة القرطبية

وهو

كتاب الدرة المصونة في حلى بلكونة

الحالي منها قاعدتها مدينة بلكونة ، وهي آهلة مشهورة الاسم في عصرنا ، معروفة بالفرسان. فيها ثلاث تراجم.

١٥١ ـ سعيد بن هشام بن دحّون (١)

أخبر الحجاري : أنه من ولد دحون المرواني المتقدم الذكر في تراجم بني أمية. وبنو دحون أعيان بلكونة إلى الآن ، وقال : إنه لما دخل إلى بلكونة سأل فيها عمن يتّسم بالأدب وقول الشعر ،

__________________

(١) ترجمة جده حبيب بن الوليد بن حبيب ابن عبد الملك بن عمر بن الوليد بن عبد الملك بن مروان ، من أهل قرطبة ، ويعرف بدحّون ، وكان فقيها عالما ، أديبا شاعرا ومن ولده سعيد بن هشام ، وكان أديبا عالما فقيها. في نفح الطيب (ج ٣ / ص ٢٥٠ / ٢٥١) وفي التكملة (ص ٢٧٧) والمقتبس بتحقيق مكي (ص ٤٩).

١٥٤

فدلّ على سعيد بن هشام ، فوجده في قرية من قراها في زيّ الفلاحين ، فتأنّس به ، واستنشده من شعره. فأنشده قوله :

استعار الروض ممن

هممت فيه ورد خده

ورآه ذا احتياج

فحباه غصن قدّه

ثم أوفى نرجس الأل

حاظ مع رمّان نهده

فمن الإنصاف مهما

سمّي الروض بعبده

فلهذا يزدهى الرّو

ض علينا فوق حدّه

وقوله في أبي عبد الله بن حمدين قاضي قرطبة :

إلى أي وقت أرتجيك وإنما

يرجّي الفتى أيّان يسعده السعد

وهذا أوان لحت فيه محكّما

يطيعك أهل العلم والمال والجند

فمن لي بوعد إن تأخّر حاضر

فقد ينعش النفس المؤمّلة الوعد

١٥٢ ـ القائد أبو الحسن علي بن وداعة السلمي البلكوني (١)

ذكر الحجاري : أنه كان من أعيانها ووليها لبني عامر ، وكان في المائة الخامسة ، وكان فارسا شجاعا أديبا شاعرا وخاض في فتنة ابن عبد الجبار ، فقتل فيها ، ومن شعره قوله :

قفوا ساعة حتى أوفّي بالعهد

وأبدي إليكم من جوى بعض ما عندي

أمرّ على الأطلال لم تجز أدمعي

ولا مهجتي ذابت عليها من الوجد

وأين وفاء كنت أعنى بأمره

لقد غيّرت مني الحوادث بالبعد

وما حلت ، لكنّي جليد على النّوى

أموت وما أخفيه ليس له مبدي

على أنّ لي في جانب الشوق رقّة

كما أرهفت بعد الصّد ظبة الهند

أيا دعدكم أبكي عليك تشوّقا

كأني قد أخرجت من جنّة الخلد

ذكرتك والأعداء من كل جانب

وقد جلت ما بين المطهّمة الجرد

على ساعة لا يذكر المرء قلبه

يقدّ بها الهنديّ قدّا إلى قدّ

لئن عادت الأيام بيني وبينكم

لأشكو لكم ما أثّر الدمع في خدّي

وما أحرقت من مهجتي جمرة النوى

ويا ليت شعري هل أرى ذلكم يجدي

__________________

(١) انظر ترجمته في جذوة المقتبس (ص ٢٩٧) وفي الحلة السيراء (ص ١٥٧) وبغية الملتمس (ص ٤١٥).

١٥٥

وبينه وبين صاعد مخاطبة (١) وهو مذكور في الجذوة.

١٥٣ ـ سعيد بن جهير البلكوني الشاعر

ذكر الحجاري : أنه كان في المائة الخامسة ، خبيث الهجو سيّىء الخلق ، وله هجو في عبيد الله بن المهدي ، ولما كثر من هجو أعيان قرطبة نفوه منها فانتهى إلى مصر ، فاضطر إلى جواز النيل ، وهو في معظم تيّاره ، فطلب منه صاحب مركب الجواز أجرة التّعدية ، فلم يحتملها لسوء خلقه وبخله فأخذ ثيابه وجعلها على رأسه ، وسبح قاطعا للنيل ، فكان آخر العهد به ، ولم يحفظ الدّحوني من شعره إلا قوله :

تثقّل بالزيارة كلّ يوم

وتزعم أنّ شخصك لا يملّ

وبيتين في عبيد الله بن المهدي وقد تقدما في ترجمته.

__________________

(١) ذكرها ابن بسام في الذخيرة (ج ١ / ق ٤ / ص ٣٤ ـ ٣٥).

١٥٦

بسم الله الرحمن الرحيم

صلى الله على سيدنا محمد

أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه ، فهذا :

الكتاب الثالث

من الكتب التي يشتمل عليها

كتاب المملكة القرطبية

وهو

كتاب محادثة السّير في حلى كورة القصير

الحالي منها حصن القصير في شرقيّ قرطبة على النهر.

ذكر والدي : أنه حضر مع أبي الحسن الوقشي (١) في روضة مدبّجة على النهر ، فصنع أبو الحسين :

شربنا على وادي القصير عشيّة

وقد ركضت فيه الجياد النواسم

على نرجس مثل الدنانير بدّدت

على بسط خزّ والبهار دراهم

وقد ضحكت للأقحوان مباسم

تقبّلها من حسنهنّ المباسم

ورقّ رداء للأصيل مدبّج

فأنّق فيه من يد الشمس راقم

ومالت عليه للغمام ذوائب

فخيّل لي أن العمام عمائم

هنالك لو أبصرتني لوجدتني

وقد حسدتني في الهديل الحمائم

__________________

(١) ترجمته في نفح الطيب (ج ٥ / ص ٢٧٩) قال المقري : وكان الفاضل أبو الحسين ابن الوزير أبي جعفر الوقشي آية الله في الظرف ، وكيف لا ووالده الوزير أبو جعفر ، وصهره أبو الحسين بن جبير.

١٥٧

وقد ملأت عيناي قلبي مسرّة

وغاب نصيح عن جنابي ولائم

ولما انقضى ذاك النعيم شككت في

تمكّنه حتى كأني حالم

١٥٤ ـ عبد الغافر بن رجلون المرواني

أخبرني والدي : أن مولده بحصن القصير ، وأنه من ولد سليمان بن عبد الملك. اجتمع به في غزوة المنصور بطليطلة ، وأخبر : أنه كان أسوأ الناس خلقا ، ينفرون من عشرته لذلك ، وشعره ضعيف ، أحسنه قوله :

هذا هو الغصن النضير

هذا هو الظبي الغرير

هذا هو الليل البهي

م بدا على القمر المنير

قوموا انظروه فإنه

ما إن له أبدا نظير

ووقع له في زجل ما هو مستحسن :

أوقد في قلبي النار

ولس يريد يطفيه

وسد باب الدار

أي خذل فيه وأي تيه

يا أحسن الغزلان

يا كوكب دريّ

لك تسجد الأغصان

ويمدح القمري

ويخجل النعمان

وأنت لا تدري

والعقل فك قد حار

والوصف والتشبيه

١٥٨

بسم الله الرحمن الرحيم

صلى الله على سيدنا محمد

أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه ، فهذا :

الكتاب الرابع

من الكتب التي يشتمل عليها

كتاب المملكة القرطبية

وهو

كتاب الوشي المصوّر في حلى كورة المدوّر

الحالي منها حصن المدوّر ، المعقل العظيم المشهور في الأندلس ، وقد ذكر ابن غالب : أنه كان للروم به اعتناء في القديم وعليه اعتماد ، وأخبر أن ملك القسطنطينية توجه إليه أحد أرسال بني أمية ولم يسأله عن شيء سؤاله عن طليطلة والمدوّر. وفي أهله شجاعة وجفاء للغريب على كل حالة. وما التجأ إليهم مقهور مسلوب من دولة إلا خذلوه وصاروا عليه. وذكر الحضرمي : أنه اجتاز بها مرة فبينا هو قاعد أمام الدار التي نزل بها ينظر إلى منازع بداتها المطبوعين على الجفاء والبداوة إذ مرّ به بدوي غريب فسأله عن طريق الجامع ، قال : فقلت له : ما أعرف فإني غريب ، فابتدر لي بدوي من جهّالها برمحه في يده ، وسدّده إلى نحري وقال لي : ولد ملعونة زنديق! لك في البلد أكثر من خمسة أيام ، ولم تسأل عن جامعنا ، ولم تصلّ فيه ، واجتمع عليّ كثير من أجناسه ، وقلت : هذا آخر يومي من الدنيا فما خلّصني منهم إلا شيخ من شيوخهم ، فيه بعض تهذيب بدخول البلاد.

١٥٩

ومن المدوّر

١٥٥ ـ أبو بكر محمد الأعمى المخزومي (١)

من المسهب : بشار الأندلس انطباعا ولسنا وأذاة ، وهو الذي أحيا سيرة الحطيئة بالأندلس فمقت ، وكان لا يسلم من هجوه أحد ، ولا يزال يخبط الآفاق بعضاه ، ويقع فيمن أطاعه أو عصاه. وأصله من المدوّر ، وقرأ بقرطبة ثم جال على البلدان ، وأكثر الإقامة في غرناطة ، وتعرض لشاعرتها نزهون ، وهجاها بقوله (٢) : [المتقارب]

ألا قل لنزهونة ما لها

تجرّ من التّيه أذيالها

ولو أبصرت فيشة (٣) شمّرت

 ـ كما عوّدتني ـ سربالها

فقالت فيه (٤) : [المجتث]

قل للوضيع مقالا

يتلى إلى حين يحشر

من المدوّر أنشئ

ت والخرا (٥) منه أعطر

حيث البداوة أمست

في جهلها (٦) تتبختر

لذاك أمسيت تهوى (٧)

حلول كلّ مدوّر (٨)

خلقت أعمى ولكن

تهيم في كلّ أعور

جاوبت هجوا بهجو (٩)

فقل لعنت (١٠) من أشعر

إن كنت في الخلق أنثى

فإنّ شعري مذكّر

قال : وأنت إذا سمعت قوله من شعر يهجو به أحد من صبّه الله عليه وعلى قومه :

__________________

(١) هجاء مشهور ، ولشدّة سلامة لسانه لقّب بشار الأندلس ، أكثر إقامته بغرناطة ، وتقرّض لشاعرتها نزهون بنت الوزير القلاعي وهجاها نفح الطيب (ج ١ / ص ١٥٤ / ١٨٦).

(٢) البيتان في نفح الطيب (ج ١ / ص ١٨٧).

(٣) الغيشة : رأس الذّكر. محيط المحيط (فيش).

(٤) الأبيات في نفح الطيب (ج ١ / ص ١٨٧) ببعض الاختلاف عمّا هنا.

(٥) الخرا : كلمة عامية ، وبالفحصى «الخرء». وهو العذرة. القاموس المحيط خرىء»

(٦) في النفح : مشيها.

(٧) في النفح : صبّا.

(٨) في النفح : بكلّ شيء مدوّر.

(٩) في النفح : جازيت شعرا بشعر.

(١٠) في النفح : لعمري.

١٦٠