المغرب في حلى المغرب - ج ١

علي بن موسى بن محمّد بن عبد الملك بن سعيد الغرناطي الأندلسي

المغرب في حلى المغرب - ج ١

المؤلف:

علي بن موسى بن محمّد بن عبد الملك بن سعيد الغرناطي الأندلسي


المحقق: خليل المنصور
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٨١
الجزء ١ الجزء ٢

أو ما ترى الهرمين قد بقيا وكم

ملك محاه حادث (١) الأزمان

إنّ البناء إذا تعاظم شأنه (٢)

أضحى يدلّ على عظيم الشان

ودخل عليه مرة وهو في قبّة قد جعل قرمدها من ذهب وفضة ، والمجلس قد غصّ ، فقام ووعظه ، وتلا : (وَلَوْ لا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً لَجَعَلْنا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ) [الزخرف : ٣٣] ، فاحتمله لمكانه منه.

وقال وزيره عبيد الله بن إدريس (٣) : [الطويل](٤)

سيشهد ما شيّدت (٥) أنك لم تكن

مضيعا وقد مكّنت للدّين والدنيا

فبالجامع المعمور للعلم والتّقى

وبالزّهرة الزهراء للملك والعليا

وقد ذكرها المعتمد بن عباد في قوله الذي استدعى به وزراءه وكتّابه ، وقد تنادموا بالزّهراء ، إلى قصر قرطبة ، أنشده الفتح (٦) :

حسد القصر فيكم الزهراء

ولعمري وعمركم ما أساء

قد طلعتم به شموسا صباحا

فاطلعوا عندنا بدورا مساء

وقد ذكرها الوزير أبو الوليد بن زيدون في شعره الذي خاطب به محبوبته ولّادة (٧) : [البسيط]

إني ذكرتك بالزهراء مشتاقا

والأفق طلق ووجه (٨) الأرض قد راقا

وللنسيم اعتلال في أصائله

كأنّما (٩) رقّ لي فاعتلّ إشفاقا

__________________

(١) في أصول النفح : حوادث وهكذا ينكسر الوزن.

(٢) في النفح : قدره.

(٣) هو عبيد الله بن إدريس بن عبيد الله بن أسلم ، من أهل قرطبة ، كان معتنيا بالآثار ، عالما بها ، وزر لعبد الرحمن الناصر ، توفي سنة ٣٤٠ ه‍. تاريخ علماء الأندلس (ص ٤٣٠) ونفح الطيب (ج ٢ / ص ١١١).

(٤) البيتان في نفح الطيب (ج ٢ / ص ١١١).

(٥) في النفح : أبقيت.

(٦) البيتان في قلائد العقيان (ص ١٠).

(٧) الأبيات في نفح الطيب (ج ٥ / ص ٣٤٥ / ٣٤٦) وديوان ابن زيدون (ص ٤٦ / ٤٧) وقلائد العقيان (ص ٧٣ (٧٤).

(٨) في الديوان : ومرأى الأرض.

(٩) في الديوان : كأنه.

١٢١

والروض عن مائه الفضيّ مبتسم

كما شققت عن اللّبّات أطواقا

يوم كأيام لذّات لنا انصرمت

بتنا لها حين نام الدّهر سرّاقا

نلهو بما يستميل العين من زهر

جال النّدى فيه حتى مال أعناقا

كأنّ أعينه ، إذ عاينت أرقي

بكت لما بي فجال الدمع رقراقا

ورد تألّق في ضاحي منابته

فازداد منه الضّحى في العين إشراقا

كلّ يهيج لنا ذكرى تشوّقنا

إليك ، لم يعد عنه (١) الصبر أن ضاقا

لو كان وفّى المنى في جمعنا بكم

لكان من أكرم الأيام أخلاقا

آس ينافحه نيلوفر عبق

وسنان نبّه منه الصبح أحداقا

لا سكّن الله قلبا عنّ (٢) ذكركم

فلم يطر بجناح الشوق خفّاقا

لو شاء حملي نسيم الريح نحوكم (٣)

وافاكم بفتى أضناه ما لاقى

كان التّجاري بمحض الودّ مذ زمن

ميدان أنس جرينا فيه أطلاقا

فالآن أحمد ما كنا لعهدكم

سلوتم وبقينا نحن عشّاقا

بنى الزّهراء الناصر ، وسكنها ، ثم سكنها ابنه المستنصر. وسكن المؤيّد بن المستنصر مدينة الزاهرة ، فنذكر ترجمتي الناصر والمستنصر وأعلام دولتيهما.

التاج

١١٨ ـ الناصر لدين الله أبو المطرف عبد الرحمن بن محمد ابن عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن الحكم ابن هشام بن عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك بن مروان (٤)

ذكر الحميدي : أنه ولى بعد جده عبد الله ، وكان والده قد قتله أخوه المطرّف بن عبد الله في صدر دولة أبيهما ، وترك ابنه عبد الرحمن ابن عشرين يوما ، فولى وله اثنتان وعشرون سنة ، وكانت ولايته من المستطرف ، إذ كان بالحضرة جماعة أكابر من أعمامه وأعمام أبيه ، فلم يعترض

__________________

(١) في النفح : عنها.

(٢) في الديوان : عقّ.

(٣) في الديوان : (حين سرى) وفي النفح : (حين هفا).

(٤) ترجمته في نفح الطيب (ج ١ / ص ٣٣٩ / ٣٤٠) وقد نقلها المقري عن تاريخ ابن خلدون (ج ٤ / ص ٢٩٨) وفي الجذوة (ص ١٣) والحلة السيراء (ص ٩٨).

١٢٢

معترض. وكان شهما ، صارما ، وكلّ من ذكرنا من أجداده فليس منهم من تسمى بإمرة المؤمنين ، ولم يتعدّوا في الخطبة الإمارة. وجرى على ذلك عبد الرحمن إلى آخر السنة السابعة عشرة من ولايته ، فلما بلغه ضعف الخلافة في العراق أيام المقتدر وظهور الشيعة بالقيروان (١) تسمّى بأمير المؤمنين وتلقّب بالناصر (٢) ولم يزل منذ ولي يستنزل المتغلّبين حتى استكمل إنزال جميعهم في خمس وعشرين سنة من ولايته ، وصار جميع أقطار الأندلس في طاعته.

ومن المسهب : إنما تسمى بأمير المؤمنين حين بلغه أن المقتدر خطب له بالخلافة وهو دون البلوغ. ولما قتل المطرف بن عبد الله أخاه محمد بن عبد الله ، قتله به أبوه ، وقد قيل إن أباهما قتل الاثنين. وخلا الجو لعبد الرحمن ، وملك قلب جدّه بحسن خدمته ، وكل ما يعلم أنه يوافق غرضه ، فتقدّم بعد حده في مستهل ربيع الأول سنة ثلاثمائة ، فقال ابن عبد ربّه صاحب العقد :

بدا الهلال جديدا

والملك غضّ جديد

يا نعمة الله زيدي

إن كان فيك مزيد

وصرّف من الآراء والحيل في الثوار الذين اضطرمت بهم الأندلس ما يطول ذكره ، حتى صفت له الجزيرة.

قال : وأعانه على ذلك المعرفة باصطفاء الرجال واستمالة أهوائهم بالمواعيد وبذل الأموال مع طول المدة وهبوب ريح السعادة ، وقد شبهوه بالمعتضد العباسي في تلافي الدولة ، وكان يده في استنزال العضاة القائد أبا العباس ابن أبي عبده ، وبقي في السّلطنة خمسين سنة وستة أشهر وثلاثة أيام.

قال ابن غالب (٣) : وجد بخطّه : أيام السرور التي صفت له في هذه المدة الطويلة يوم كذا ويوم كذا ، فكانت أربعة عشر يوما. وكانت وفاته ليلة الأربعاء لليلتين خلتا من رمضان سنة خمسين وثلاثمائة. وكان مشغوفا بتضخيم البنيان والسّلطنة والجند. وقسّم أموال جبايته على ثلاثة : قسم للجند والحروب ، وقسم للبنيان ، وقسم ينفق منه في غير هذين من المصالح ، ويخزن

__________________

(١) القيروان : مدينة في تونس. أنشأها عقبة بن نافع سنة ٦٧٠ ه‍ ، عاصمة الأغالبة والفاطميين إلى جانب المهدية ، شهيرة بمسجدها. المنجد في اللغة والأعلام (ج ٢ / ص ٥٥٩).

(٢) هو عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله بن محمد ، المعروف بالناصر لدين الله ، وقد حكم الأندلس خمسين سنة «٣٠٠ ـ ٣٥٠ ه‍» الحلة السيراء (ج ١ / ص ١٩٧) والبيان المغرب (ج ٢ / ص ١٥٦) ونفح الطيب (ج ١ / ص ٣٣٩).

(٣) هو أبو عبد الله محمد بن غالب البلنسي الكاتب الوزير المتوفى سنة ٧٦٧ ه‍. وله كتاب : «فرحة الأنفس في فضلاء العمى من أهل الأندلس كشف الظنون (ج ٤ / ص ١٨٦).

١٢٣

باقيه ذخيرة. وقد تقدمت أبياته في البنيان مما أنشده الشقندي والحجاري ، وله حكايات دينية ودنياوية ، فأملح ما وقفت عليه من حكاياته الدينية ما حكاه الحجاري ؛ من أنه حضر يوم جمعة في جامع الزهراء فلما خطب منذر بن سعيد قال في خطبته : (أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ) [الشعراء : ١٢٨] ، فتحرّك الناس لذلك ، وعلم الناصر أنه عرّض به ، فلما فرغ قال لابنه المستنصر فيما جرى عليه منه ، ثم قال : لكن عليّ الله يمين ألّا أصلّي خلفه ما عشت فلما جاءت الجمعة الثانية قال لابنه : كيف نصنع في اليمين؟ قال يؤمر بالتأخّر ، ويستخلف غيره ، فاغتاظ الناصر وقال : أبمثل هذا الرأي الفائل تشير عليّ؟! والله لقد ندمت على ما فرط مني في اليمين ، وإني لأستحي أن أجعل بيني وبين الله غير منذر ، ثم رأى أن يصلّي في جامع قرطبة فواصل ذلك بقية مدته. وكان له جلساء ووزراء عظماء يأتي منهم تراجم بعد هذا. وأعظم من استعان به في الحروب ابن عمه سعيد بن المنذر بن معاوية بن أبان بن يحيى بن عبيد الله بن معاوية بن هشام بن عبد الملك ، وهو الذي تولّى حرب ابن حفصون كبير المنافقين ، وافتتح قلعته. وكان ممدّحا ، جوادا سعيد الحياة ، فقيد الممات ، وحضر ليلة عنده وزيره ومولاه أبو عثمان بن إدريس ، فغنّت جارية :

أحبّكم ما عشت في القرب والنّوى

وأذكركم في حالة الوصل والصّدّ

على أنكم لا تشتهون زيارتي

قريبا ولا ذكراي في فترة البعد

واستجاز وزيره ، فقال : الابتداء لأمير المؤمنين ، فقال :

وأنتم جعلتم مهجتي مسكن الجوى

وأنتم جعلتم مقلتي مسكن السّهد

ثم قال الوزير :

ومالي عنكم أو عدلتم

على كل حال فاعلموا ذاك من بدّ

وكانت علامة سكره وأمر ندماته القيام أن يميل برأسه إلى حجره ، وربما أنشد :

ما زلت أشربها واللّيل معتكر

حتى أكبّ الكرى رأسي على قدحي

وكان على حسن خلقه وحلمه ربما حدثت له على المنادمة وسوسة كدّرت ما يعتاد منه.

ولما كثرت قطع المنادمة ، ثم تزهّد. ومن قبيح ما يؤثر عنه حكايته مع الجارية التي كانت عنده بمنزلة حبابة (١) من يزيد : سكر ليلة ، فأكثر من تقبيلها ، فأكثرت الضجر والترم ، وقبضت وجهها ، فأمر ألّا يزال وجهها يلثم بألسنة الشّمع ، وهي تستغيث ، فلا يرحمها ، حتى هلكت.

__________________

(١) انظر ترجمتها في الأغاني (ج ١٣).

١٢٤

قال الحجاري : وربما كان أجود من جميع من ملك من بني مروان ، ومما نسب له وقد نسب لابنه المستنصر.

ما كلّ شيء فقدت إلا

عوّضني الله عنه شيّا

إني إذا ما منعت خيري

تباعد الخير من يديّا

من كان لي نعمة عليه

فإنها نعمة عليّا

وذكر : أن توقيعاته بليغة ؛ كتب له محمد بن عبد الرحمن المعروف بالشيخ ، الممتنع بحصن لقنت في جواب استنزاله له ما أوجب أن كان في جواب الناصر له : ولما رأيناك قد تذرّعت بإظهار اتقاء الله رأينا أن نعرض عليك أوّلا ما بدّ لك منه آخرا وليس من أطاع بالمقال ، كمن أطاع بعد الفعال. فبادر مستسلما إلى قرطبة.

وكتب له ابن عمه سعيد بن المنذر وهو محاصر ابن حفصون يذكر له تلوّن بني حفصون ، فأجابه بكتاب فيه : مهما تحققت من غدر بني حفصون ومكرهم فزد فيه بصرة واثبت على تحقيقك ، ومهما ظننت فصيّر ظنك تحقيقا ، فإنهم شجرة نفاق ، أصلها وفروعها تستقى بماء واحد ، فاهجر فيهم المنام والدّعة ، فالعيون إليه تنظر والآذان نحوهم تسمع ، فمتى استنزلتهم من معقلهم أغناك ذلك عن مكابدة غيرهم. فلم يزل بهم حتى غلب عليهم.

وأقدم عليه رجل وقاح بالشكوى والصياح ، وخرج من أمره أنه اشترى حمارا فخرج فيه عيب ، فرفع ذلك إلى القاضي فردّ حكمه إلى أهل السّوق فأفتوا أنه عيب حديث قال : فألزموني به وأنا لا أريده ، فقال : تجاوزت القاضي وأهل السّوق إلى الخليفة في هذه المسألة الوضيعة ، ثم أمر به فضرب ، ونودي عليه بذلك مجرّسا ، وردّ رأسه إلى وزرائه ، وقال : أعلمتم أن الأمير عبد الله جدّي بنزوله للعامة في الحكم للمرأة في عزلها ، والجمّال في ثمن ما يحمله ، والدلّال في ثمن ما ينادي عليه ، أضاع كبار الأمور ومهماتها ، والنظر في حروبه ، ومدارأة المتوثبين عليه ، حتى اضطرمت جزيرة الأندلس ، وكانت الدولة ألا يبقى لها رسم. وأيّ مصلحة في نظر غزل امرأة ينظر فيه أمين سوق الغزل ، وإضاعة النظر في قطع الطرق وسفك الدماء وتخريب العمران؟!. وكان حاجبه موسى بن حدير (١) على ذكائه يقول : ما رأيت أذكى منه ، كنت والله آخذ معه في الشيء تحليقا على سواه ، حتى أخرج إليه فيسبقني لمرادي ، ويعلم ما بنيت عليه تدبيري. وكان له عيون على ما قرب ، وبعد ، وصغر ، وكبر. وكان معروفا بحسن العهد ، وبذلك انتفع في استنزال المتغلبين.

__________________

(١) انظر ترجمته في بغية الملتمس (ص ٤٣٩).

١٢٥

قال الحجاري : ورفع للناصر أن تاجرا زعم أنه ضاعت له صرّة فيها مائة دينار ، ونادى عليها ، واشترط أن يهب للآتي عشرة دنانير ، فجاء بها رجل عليه سمة خير ، ذكر أنه وجدها ، فلما حصلت في يده قال : إنها كانت مائة وعشرة ، وإن العشرة التي نقصت منها أخذها الذي أتى بها ، وأبى أن يدفع له ما شرط ، فوقّع الناصر : صدق التاجر الذي وجد المال ، ولولا صدق الرجل ما أتى بشيء مجهول ، فاردد عليه المائة ، وناد على مال التاجر فإنه مائة وعشرة. فكان ذلك من ملحة.

وقال لقائد عساكره ابن أبي عبدة : إن استرسلت في الكلام معك بمحفل ، فتعقّبه في الخلوة ، ومع ذلك فإنك ترى بالمشاهدة ما لا نراه ، فلا ترجع عن مصلحة.

وقتل الناصر ابنه عبد الله ذبحا بيده ، وقد بلغه أنه يريد قتله وأخذ الخلافة.

١١٩ ـ ابنه الحكم المستنصر بالله (١)

من الجذوة : كان له إذ ولي بعد أبيه سبع وأربعون سنة ، وكان حسن السّيرة ، جامعا للعلوم ، محبّا لها ، مكرما لأهلها ، وجمع من الكتب في أنواعها ما لم يجمعه أحد من ملوك الأندلس قبله ، وذلك بإرساله فيها إلى الأقطار واشترائه لها بأغلى الأثمان ، ونفق عليه فحمل إليه. وكان قد رام قطع الخمر من الأندلس ، وأمر بإراقتها ، وتشدّد في ذلك ، وشاور في استئصال شجرة العنب ، فقيل إنهم يعملونها من التين وغير ذلك. فوقف عما همّ به.

ومن المسهب : توفي يوم الأحد لليلتين خلتا من صفر سنة ست وستين وثلاثمائة ، فكانت مدته خمس عشرة سنة وخمسة أشهر وثلاثة أيام.

وحكى ابن حيان : أن عدد الكتب التي كانت فهارس بأسماء الكتب التي اجتمعت في خزانته أربعة وأربعون ، في كل فهرست منها عشرون ورقة. ووجّه لأبي الفرج الأصبهاني ألف دينار على أن يوجّه له نسخة من كتاب الأغاني ؛ وباسمه طرّز أبو علي البغدادي كتاب الأمالي ، وعليه وفد ، فأحمد وفادته. وأنشد من شعره (٢) قوله : [الطويل]

إلى الله أشكو من شمائل مترف

عليّ ظلوم لا يدين بما دنت

نأت عنه داري ، فاستزاد صدوده

وإني على وجدي القديم كما كنت

__________________

(١) ترجمته في نفح الطيب (ج ١ / ص ٣٦٥) والبيان المغرب (ج ٢ / ص ٢٤٨) والحلة السيراء (ص ١٠١) وجذوة الملتمس (ص ١٣).

(٢) الأبيات في نفح الطيب (ج ١ / ص ٣٧٨).

١٢٦

ولو كنت أدري أن شوقي بالغ

من الوجد ما بلّغته لم أكن بنت

وأنشد له ابن حيان (١) : [الطويل]

عجبت وقد ودّعتها كيف لم أمت

وكيف انثنت بعد الوداع يدي معي

فيا مقلتي العبرى عليها اسكبي دما

ويا كبدي الحرّى ، عليها تقطّعي!

وله غزوات وفتوح مدن. ومات بالفاج.

وكان حاجبه مولاه قبل جعفر المصحفي. قال بن غالب وفي مدته ضرب الدينار الجعفريّ المشهور بالأندلس.

السلك

من كتاب مشارع الصفا في حلى الشرفا

بنو أمية بالأندلس يعرفون بالشرفاء ، ونذكر منهم هنا أولى الفضل من السلالة الناصرية على نسق ، وغيرهم ممّن كان في مدتي الناصر والمستنصر.

١٢٠ ـ عبد الله بن الناصر (٢)

من الجذوة : أنه كان فقيها شافعيّا ، متنسكا ، شاعرا ، أخباريّا وأنشد له :

أمّا فؤاد فكاتم ألمه

لو لم يبح ناظري بما كتمه

إليك عن عاشق بكى أسفا

حبيبه في الهوى وما (٣) ظلمه

ظلّت جيوش الهوى (٤) تقاتله

مذ نذرت أعين الملاح دمه

ومن المسهب : مثل ذلك ، وأنه كان محسنا للشعراء ، وأن سعيد ابن فرج أخا أبي عمر أهدى له ياسمينا أبيض وأصفر ، وكتب معه (٥) [الكامل] :

__________________

(١) الأبيات في نفح الطيب (ج ١ / ص ٣٧٨) والحلة السيراء (ج ١ / ص ٢٠٣).

(٢) ترجمة عبد الله بن عبد الرحمن الناصر في جذوة المقتبس (ص ٢٦٢) وبغية الملتمس (ص ٣٤٦) والحلة السيراء (ج ١ / ص ٢٠٦) ونفح الطيب (ج ٥ / ص ١٢٢).

(٣) في الحلة السيراء : وإن.

(٤) في الحلة السيراء : الأسى.

(٥) البيتان في نفح الطيب (ج ١ / ص ١٢٢).

١٢٧

مولاي! قد أرسلت نحوك تحفة

بمراد ما أبغيه منك تذكّر

من ياسمين كالنجوم (١) تبرّحت

بيضا وصفرا والسّماح يعبّر

فعوضه عنها ملء طبقها دنانير ودراهم ، وكتب له (٢) [السريع] :

أتاك تعبيري (٣) ولمّا يحل

مني على أضغاث أحلام

فاجعله رسما دائما قائما (٤)

منك ومنّي أوّل (٥) العام

وأنشد له ، وقد مرّ مع أحد الفقهاء فأبصر غلاما فتّان الصورة (٦) [المنسرح] :

أفدي الذي مرّ بي فمال له

لحظي ولكن ثنيته غصبا

ما ذاك إلّا مخاف منتقد

فالله يعفو ويغفر الذّنبا

قال الرقيق في تاريخه : كان عبد الله يسمى الزاهد ، فبايع قوما على قتل والده وأخيه الحكم ولي العهد ، فسجنه أبوه ، ثم ذبحه بيده يوم الأضحى سنة تسع وثلاثين وثلاثمائة. وقتل أصحابه قال صاحب سفط اللآلىء : ومن العجائب أن عبد الله كان شافعيا ، وأخاه عبد العزيز حنفيّا والمستنصر مالكيّا.

١٢١ ـ عبد العزيز بن الناصر (٧)

ذكره الحميدي وأنشد له ما تركه أولى ، وأنشد له صاحب سفط اللآلىء وقال : كان له شعر عراقيّ المشرع ، نجديّ المنزع ، كقوله (٨) : [الرمل]

زارني من همت فيه سحرا

يتهادى كنسيم السّحر

أقبس الصّبح ضياء نوره (٩)

فأضا ، والفجر لم ينفجر

__________________

(١) في النفح : كاللّجين.

(٢) الأبيات في النفح (ج ٥ / ص ١٢٢).

(٣) في النفح : تفسيري.

(٤) في النفح : زائرا.

(٥) في النفح : مني ومنك غرّة.

(٦) الأبيات في النفح (ج ٥ / ص ١٢٣).

(٧) ترجمة عبد العزيز بن عبد الرحمن الناصر في جذوة المقتبس (ص ٢٨٩) وبغية الملتمس (ص ٣٨٥) ونفح الطيب (ج ٥ / ص ١٢٣) والحلة السيراء (ج ١ / ص ٢٠٨).

(٨) الأبيات في النفح (ج ٥ / ص ١٢٤).

(٩) في النفح : ساطعا فأضاء.

١٢٨

واستعار الرّوض منه نفحة

بثّها بين الصّبا والزّهر

أيها الطالع بدرا نيّرا

لا حللت الدهر إلّا بصري

وكان مغرما بالخمر والغناء ، فترك الخمر لبغض أخيه فيها ، فقال : لو ترك الغناء لكمل سروره ، فقال : والله لا تركته حتى تترك الطيور تغريدها ، ثم قال (١) : [الخفيف]

أنا في صحّة وجاه ونعمى

هي تدعو للذّة (٢) الألحان

وكذا الطير في الحدائق تشدو

للّذي سرّ نفسه بالعيان (٣)

أخوهما

١٢٢ ـ أبو عبد الله محمد بن الناصر (٤)

من السقط أنه كان شاعرا ، أديبا ، حسن الأخلاق كريم السجايا ، له من قصيدة ، وقد قدم أخوه المستنصر من بعض غزواته (٥) : [الكامل]

قدمت بحمد الله أسعد مقدم

وضدّك أضحى لليدين وللفم

لقد حزت فينا السّبق إذ كنت أهله

كما حاز «بسم الله» فضل التقدّم

١٢٣ ـ ابن أخيهم أبو عبد الله بن عبد الملك بن الناصر (٦)

ذكره الثعالبي في اليتيمة ، وأنشد له من قصيدة خاطب بها العزيز صاحب مصر (٧) : [الطويل]

ألسنا بني مروان ، كيف تبدّلت

بنا الحال أو دارت علينا الدوائر

إذا ولد المولود منا تهلّلت

له الأرض ، واهتزت إليه المنابر (٨)

__________________

(١) البيتان في النفح (ج ٥ / ص ١٢٤).

(٢) في النفح : لهذه.

(٣) في النفح : بالقيان.

(٤) ذكره المقري في نفح الطيب (ج ٥ / ص ١٢٤).

(٥) البيتان في النفح (ج ٥ / ص ١٢٤).

(٦) هو حفيد الناصر. انظر ترجمته في الحلة السيراء (ج ١ / ص ٢٠٨).

(٧) البيتان في نفح الطيب (ج ٤ / ص ١٦٥) واليتيمة ٢٩٤١) وقد نسبها الثعالبي إلى الحاكم المستنصر. والحلة السيراء (ج ١ / ص ٢٠٩ / ٢١٠).

(٨) في الحلة : المنائر.

١٢٩

فأجابه العزيز : عرفتنا فهجوتنا ، ولو عرفناك لأجبناك. وفضّله الحجاري في الشعر. ومن أحسن ما أنشد له صاحب السقط قوله (١) : [الطويل]

أتاني وقد خطّ العذار بخدّه

كما خطّ في ظهر الصّحيفة عنوان

تزاحمت الألحاظ في وجناته

فشقّت عليه للشّقائق أردان

وزدت غراما حين لاح كأنما

تفتّح بن الورد آس (٢) وسوسان

وقوله من قصيدة (٣) : [الطويل]

وإنّي إذا لم يرض قلبي بمنزل (٤)

وجاش بصدري الفكر جمّ المذاهب

جليد يودّ الصّخر لو أنّ صبره

كصبري ـ على ما نابني ـ للنوائب

وأسري إلى أن يحسب الليل أنني

لطول مسيري فيه بعض الكواكب

١٢٤ ـ الشريف الطليق أبو عبد الملك مروان ابن عبد الرحمن بن مروان بن الناصر (٥)

من الجذوة : أن أكثر شعره في السجن. وقال ابن حزم : إنه في بني أمية كابن المعتز في بني العباس ملاحة شعر وحسن تشبيه. سجن وهو ابن ستّ عشرة سنة.

ومكث في السجن ست عشرة سنة ، وعاش بعد إطلاقه من السجن ست عشرة سنة ، ومات قريبا من الأربعمائة. وكان فيما قيل يتعشّق جارية ، كان أبوه قد ربّاها معه ، وذكر له ، ثم بدا له فاستأثر بها ، وأنه اشتدت غيرته لذلك ، فانتضى سيفا ، وانتهز فرصة في بعض خلوات أبيه معها ، فقتله ، وعثر على ذلك ، فسجن. وذلك في أيام المنصور أبي عامر محمد ابن أبي عامر. ثم أطلق بعد ذلك فلقّب الطليق لذلك. ومن مستحسن شعره قصيدة أولها (٦) : [الرمل]

غصن يهتّز في دعص نقا

يجتني منه فؤادي حرقا

أطلع الحسن لنا من وجهه

قمرا ليس يرى ممّحقا

__________________

(١) الأبيات في النفح (ج ٥ / ص ١٢٥).

(٢) في النفح : والآس سوسان.

(٣) الأبيات في النفح (ج ٥ / ص ١٢٦).

(٤) في النفح : وإني إذا لم ترض نفسي بمنزل.

(٥) انظر ترجمته في جذوة المقتبس (ص ٣٤٢) وبغية الملتمس (ص ٤٦١) ويتيمة الدهر (ج ٢ / ص ٦١) والذخيرة (ج ١ / ص ٥٦٣) والحلة السيراء (ج ١ / ص ٢٢٠) ونفح الطيب (ج ٥ / ص ١٢٦).

(٦) الأبيات في المصادر السابقة التي ترجمت له. مع بعض الاختلاف عمّا هنا.

١٣٠

ورنا عن طرف ريم أحور

لحظه سهم لقلبي فوّقا

وفيها (١) : [الرمل]

أصبحت شمسا وفوه مغربا

ويد الساقي المحيّي مشرقا

فإذا ما غربت في فمه

تركت في الخدّ منه شفقا

__________________

(١) البيتان في يتيمة الدهر (ج ٢ / ص ٦١) والحلة السيراء (ج ١ / ص ٢٢٣) ونفح الطيب (ج ٤ / ص ١٧٣) والمرقصات والمطربات (ص ٧٦) والذخيرة (ج ١ / ص ٥٦٥).

١٣١

بسم الله الرحمن الرحيم

صلى الله على سيدنا محمد

أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه ، فهذا :

الكتاب الثالث

من الكتب التي يشتمل عليها

كتاب [الحلّة] الذهبية في حلى الكورة القرطبية

وهو

كتاب البدائع الباهرة في حلى حضرة الزاهرة

هي عروس لها منصة وتاج وسلك وحلة : المنصة ... التاج

١٢٥ ـ المؤيد هشام (١)

قال ابن حيان : وانهمك هشام طول أيامه ... ونال في مدة هذا الانهماك والدّعة أهل الاحتيال من الناس ... الرغائب النفسية بما ازدلفوا به من أثر كريم أو زخرفوه من كتاب صريح ، حتى لقد اجتمع عند نساء القصر ثمانية حوافر ، غزي جميعها إلى حمار عزير المستحيى بالآية الباهرة ، واجتمع عندهن من خشب سفينة نوح عليه‌السلام وألواحها قطعة ، وظفرن من نسل غنم شعيب عليه‌السلام بثلاث. وكثير من هذا توجهت على أمواله منه أعظم حيلة ، ولهجن مع ذلك بطلب ذوي الأسماء الغريبة من الناس مثل : عبد النور ، وعبد السميع ، وحزب الله ، ونصر الله ،

__________________

(١) ترجمته في نفح الطيب (ج ١ / ص ٤٠٧) والبيان المغرب (ج ٢ / ص ٢٦٩).

١٣٢

يصيّر الرجل من هؤلاء في الحاشية ، ويستعمل على وكالة جهة ، ولا يبعد أن يتموّل في أقرب مدة. وإن اتفق أن يكون مع ذلك ذا لحية عظيمة ، وهامة ضخمة ، تقدمت به السعادة ، ولا سيما إن كانت لحيته حمراء قانية ، فإنها أجدى عليه من دار البطيخ غلّة. ثم لا يسأل عما وراء ذلك من أصل وقضيلة ، ولو كان مردّدا في بني اللّخناء ترديدا. وذكر في شأن الدّعيّ الذي تشبّه بهشام أنه ظهر في المرية في أيام زهير سنة ست وعشرين وأربعمائة. ثم ظهر عند القاضي (١) ابن عباد بإشبيلية ، وخطب له مغالطا باسمه ، ومستميلا قلوب الناس. ووجه ابن جهور أمير قرطبة من وقف على غيّه ، وصحّت عنده الشهادة به ، وخطب له ، ثم رجع عن ذلك.

قال : وأظهر المعتضد بن عباد موت هذا الدّعيّ.

وهوّل الحجاري حديثه في التخلّف وقال : نشأ جامد الحركة. أخرس الشمائل ، لا يشك المتفرّس فيه أنه نفس حمار في صورة آدمي. وعشق في صباه نباح كلب فجعل الغلمان يهيجونه ، حتى ينبح ، ليلتذّ بذلك. وكلما زاد سنّا نقص عقلا. ولما خلعه المهدي وحصل في قبضته قال لأحد غلمانه ، وقد ذهبت دولته ، وهتك حرمه : بالله انظر هدهدي إن كان سلم ، وافقتده لئلا يهلك بالجوع العطش ، فإنه من ذرّية الهدهد الذي دلّ سليمان على عرش بلقيس. قال المأمور بهذا : فكدت والله أخنقه ، فيستريح ، ويستراح منه.

وكانت أمّه صبح هي التي أظهرت المنصور بن أبي عامر ، ويقال إنّها أرضعته. ولهذا كان يقول له ظئر هشام ، فلما تغلّب ولم يرع صبحا قالت لابنها : أما ترى ما يصنع هذا الكلب؟ فقال : دعيه ينبح لها ، ولا ينبح علينا.

ومن تخلّفه أنه رام الصعود إلى برج يتفرج فيه ، فنزل في دهليز تحت الأرض ، فلما طال عليه النزول ، وأظلم المكان ، قال للذي معه : يا إنسان! أين أعلى البرج؟! قال : فقلت : يا مولاي ، ليس هذا بابه ، وإنما هذا باب الدّهليز الذي تحت الأرض. قال : صدقت. وإلا لو كان باب البرج كان يكون فيه خابية الماء! وإنما جعل الخابية شرطا ، لأنه كان له برج يعتاد صعوده ، وفي بابه خابية.

ونظر يوما إلى بغلة كانت من تحف الملوك ، وقد جعل على فرجها ما جرت به العادة ، خوف تعدّي السّوّاس عليها. فقال : لم صنعت هذه الأخراس على حر هذه البغلة فعرّفه بالعلة ، فقال : فاجعل على حجرها أخراسا أخر ، فقد يكون في السّواس لاطة! قال : فو الله ما قدرت على

__________________

(١) القاضي محمد بن إسماعيل ابن عباد ، أبو القاسم ، تولّى القضاء بإشبيلية من سنة ٤١٤ هءلى سنة ٤٣٤ ه‍.

١٣٣

أن أملك الضحك ، فخالسته ، وتحمّلت على تقطيعه وستره ، ثم قلت : يا سيدي ، البغلة إذا خيط فرجها قدرت على أن تبول منه ، وكيف تصنع إذا خيط حجرها بما يخرج منه ، قال : صدقت ، فاجعل على حراستها شاهدين عدلين يرقبان ذلك الموضع ، فقلت له : سأكلم الحاجب ، قال : وانفصلت إلى ابن أبي عامر ، لأطرفه بما جرى ، فلما أخبرته سجد ، وجعل يكرّر حمد الله. قال : ثم قال لي : أتعلم أن في هذا الذي أنكرته صلاح المسلمين!؟ وذلك أن السلطان الذي تصلح معه الرعية اثنان : إما سلطان قاهر ذو رأي ، عارف بما يأتي ويذر ، مستبدّ بنفسه ؛ وإما سلطان مثل هذا تدبّر الدنيا باسمه ، ولا يخشى المتفرّغ لحراسة سلطانه غائلة ؛ والمتوسط يهلك ويهلك.

ودخل عليه يوما أحد الفقهاء ليستفتيه في مسألة تختصّ بحرمه ، فلما فرغ من سواله ، قال له : يا فقيه ، إنا في هذا البستان نعرض لمشاهدة هذه الطيور في مسافدتها ، أتراها تحسب علينا قيادة؟ قال : فقلت له : لا ، يا أمير المؤمنين ، فقال : الحمد لله وتهلل وجهه ، وقال : لقد أزلت عني غمّا تراكم في صدري! ثم أمر خادما واقفا على رأسه أن يأتيه بسفط ، فلما كشفه إذا فيه حصى كثير ، فقال : كل حصاة منها مقابلة لمجامعة بين طوير ، ونحن نسبّح الله كل يوم بهذا العدد ، ليكفّر عنا تلك الهنات ، فقلت : الأمر أهون فقد رخّص الله لأمير المؤمنين في ذلك.

وكانت له جارية من أحسن ما تقع عليه العين ، فلما أراد أن يستفضّها وجدها ثيّبا ، فسألها ، فقالت : بينما أنا ذات يوم راقدة تحت الشجرة الفلانية في البستان ، وإذا بمن نزّه الله ذكره عن هذا المكان قد جامعني واستفضّني ، فاستيقظت ، فوجدت الدم على رجلي ، وخفت الفضيحة ، وكتمت ذلك. فبكى هشام المتخلّف ، وقال : أبلغت أنا من العنانة عند الله أن يأتي من أتاك إلى بستاني ويستفضّ جاريتي؟ أنت حرّة لوجه الله! وأمر في الحين أن تبنى بذلك الموضع رابطة يتعبّد فيها. ووجد بخطه على هذا البيت :

ترى بعر الآرام في عرصاتها

وقيعانها كأنه حبّ فلفل (١)

هذا وقت كان بعر العزلان فيه ييبس للشمس بدل الزبيب ، ويوكل ، فسبحان الذي عوّضنا منه بالزبيب الطيب ببركة نبينا محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

__________________

(١) البيت لامرىء القيس وقد جاء في معلقته المشهورة.

١٣٤

ومن السلك

من كتاب رغد العيش في حلى قريش

١٢٦ ـ المطرّف بن عمر الهشيمي من ولد هشيم بن عبد الملك ابن المغيرة بن الوليد بن معاوية بن هشام بن عبد الملك بن مروان (١).

من السقط : أنه من متميزي المروانيين وشعرائهم ، وكان المظفر بن أبي عامر يحسن له ، وله فيه أمداح منها قوله (٢) : [الكامل]

إن المظفّر لا يزال مظفّرا

حكما من الرحمن غير مبدّل

تلقاه صدرا كما قابلته (٣)

مثل السّنان بمحفل وبجحفل

وطلبه المهدي ، ففرّ إلى شرق الأندلس ، وصحب المرتضى.

وله في شعر (٤) : [الطويل]

وكدّر عيشي بعد صفو ، وإنما

على قدر ما يصفو الخيال يكدّر

١٢٧ ـ أبو عثمان سعيد بن عثمان بن مروان المعروف بالبلّينه (٥)

قال الحميدي : هو من شعراء الدولة العامرية وأنشد له من قصيدة في المنصور بن أبي عامر :

من لي بمن تأبى الجفون لفقده

في الدّهر ألّا تلتقي أو نلتقي

ريم يروم وما اختبرت جريمة

قتلي ليتلف من بقائي ما بقي

وإذا رماني عن قسّي جفونه

لم أدر من أيّ الجوانب أتّقي

__________________

(١) ذكره المقري في نفح الطيب (ج ٤ / ص ٣٠٥).

(٢) البيتان في نفح الطيب (ج ٤ / ص ٣٠٥).

(٣) في النفح : قلّبته.

(٤) البيت في نفح الطيب (ج ٤ / ص ٣٠٦).

(٥) ترجم له الثعالبي في يتيمة الدهر (ج ٢ / ص ٥٤) باسم (سعيد بن محمد العاص المرواني) وترجم له المقري في نفح الطيب (ج ٥ / ص ١٣٠) والحميدي في الجذوة (ص ٢٣١) وبغية الملتمس (ص ٣١٠).

١٣٥

ومن السقط : أنه من نبهاء بني مروان ، ومتقدمي شعرائهم. والبلينه : حوت كبير يعرف بدابة البحر.

ولما هجره المنصور بن أبي عامر ، دخل عليه ومجلس غاصّ فأنشده (١) : [السريع]

مولاي مولاي ، أما آن أن

تريحني الأيام (٢) من هجركا

وكيف بالهجر وأنّى به

ولم أزل أسبح في بحركا

فضحك وأقبل عليه.

وأنشد له صاحب اليتيمة (٣) : [الكامل]

والبدر في جوّ السماء قد انطوى

طرفاه حتى عاد مثل الزّروق

فتراه من تحت المحاق كأنما (٤)

غرق الكثير وبعضه لم يغرق

ومن كتاب تلقيح الآراء في حلى الحجّاب والوزراء

١٢٨ ـ المنصور أبو عامر محمد بن أبي عامر المعافري (٥)

الذي حجب المؤيد ، وكان في منزلة سلطان. هو مذكور في كتب كثيرة ، ولابن حيان فيه كتاب مفرد. قال الحميدي : أصله من الجزيرة الخضراء وله بها قدر وأبوة ، وورد شابا إلى قرطبة ، فطلب العلم والأدب ، وتمهّر ، وكان له همّة لم تزل ترتقي من شيء إلى شيء ، إلى أن اعتنت به صبح أم هشام المؤيد ، فصارت له الحجابة. وكان له مجلس معروف في الأسبوع ، يجتمع فيه أهل العلم. وغزواته نيّف وخمسون غزوة ، وله فتوح كثير ، وكان في أكثر زمانه لا يخلّ بغزوتين في السنة.

ومن خط ابن حيان : هو أبو عامر محمد بن عبد الله بن عامر بن أبي عامر محمد بن

__________________

(١) البيتان في نفح الطيب (ج ٥ / ص ١٣١).

(٢) في النفح : بالله.

(٣) البيتان في النفح (ج ٥ / ص ١٣١) ويتيمة الدهر (ج ٢ / ص ٤٤).

(٤) في اليتيمة : كأنه.

(٥) انظر ترجمته في الحلة السيراء (ج ١ / ص ٢٦٨) والبيان المغرب (ج ٢ / ص ٢٥٦) واليتيمة (ج ١ / ص ٤٠٣) ونفح الطيب (ج ١ / ص ٢١١).

١٣٦

الوليد بن سويد بن عبد الملك. وعبد الملك جده هو الداخل للأندلس مع طارق في أول الداخلين من العرب ، وهو وسط في قومه.

وذكر أن المستنصر ولي ابنه هشاما العهد وهو غلام ، ولما مات قام بأمره جعفر المصحفيّ الحاجب ، وعدل عن المغيرة الذي أراد الصقالبة مبايعته وهو أخو المستنصر. وقال : إن أبقينا بن مولانا كانت الدولة لنا ، وإن استبدلنا به استبدل بنا. وبعث ابن أبي عامر إلى المغيرة فقتله في داره. وكان عبد العزيز أخو المستنصر تقدمه بمديدة. واشتغل الأصبغ ببطالة أزالت عنه التهمة.

وذكر أن المصحفي استأثر بالأموال ، وبنى المنازل ، وهدم الرجال ، وعارضه من ابن أبي عامر فتى ماجد ، أخذ معه بطرفي نقيض : بالبخل جودا ، وبالاستبداد أثره ، وباقتناء الضياع اصطناع الرجال ، فظهر عليه عما قليل. وكانت حال ابن أبي عامر متمكنة عند الحرم لقديم الاتصال ، وحسن الخدمة ، والتصدي لمواقع الإرادة ، وطلاقة اليد في باب الألطاف ، وأخرجن له أمر الخليفة هشام إلى حاجبه المصحفي في الاستعانة به والمؤازرة. واستراح المصحفي إلى كفايته ، واغترّ بخدمته ومكره ، وأخذ المصحفي يدفع الرجال ، وابن أبي عامر يضمّهم ، إلى أن غلب عليه. وذكر أنه في مدة المستنصر وولي قضاء كورة ريّة وقضاء إشبيلية ، وارتقى إلى خطّة الشرطة بالحضرة والسّكّة ، فعلت حاله ، وهمته ترتمي أبعد مرمى ، وهو في ذلك كله يغدو إلى باب المصحفي ويروح. فلما ثبتت قدمه امتثل رسم أمراء الدّيلم المتغلبين في عصره على بني العباس ونسخ رجال الدولة برجاله. وأول عروة نقضها فتكه في جماعة الصّقلب المترّدين ، واستخراج الأموال العظيمة منهم ، وكانت النصرانية قد جاشت بموت المستنصر ، وجاء صرّاخهم إلى باب قرطبة ، وظهر من المصحفي جبن ، وأمر أهل قلعة رباح (١) بقطع سدّ نهرهم ، يلتمس بذلك دفاع العدو عن حوزته.

فأنف ابن أبي عامر من ذلك ، وقام بأمر الجهاد ، ووعد من نفسه الاستقلال به ، على أن يختار الجهاز ، ويعان بمائة ألف مثقال ، فلما قفل ظافرا ـ وقد ملك الجند بما رأوه من حسن كرمه ـ سمت همته ، وأخذ نفسه بالتغلب على مكان المصحفي ، فاستعان بغالب الناصري صاحب مدينة سالم (٢) ، شيخ الموالي ، وفارس الأندلس ، وصاهره ، وكان عدوّا للمصحفي ، فتمكّن ، وصار عنده المصحفي كلا شيء ، إلا أنه غالطه مديدة ، ولم يشكّ المصحفي في الأدبار ، إلى أن عزل ، وسخط السلطان عليه وعلى أولاده وأسبابه ، وطولبوا بالأموال ، وتمكن منهم ابن أبي عامر كيف

__________________

(١) قلعة رباح : قلعة في إسبانيا تقع في وسط البلاد. تأسست فيها رهبانية فرسان كالاترابا عام ١١٥٨ م ومنها آثار ديرهم. المنجد في اللغة والأعلام (ج ٢ / ص ٥٥٦).

(٢) مدينة سالم : بلدة في شمال شرقي إسبانيا. كانت مركزا للحركات الحربية بين العرب والإسبان في القرن الثاني عشر. المنجد في اللغة والأعلام (ج ٢ / ص ٦٤٨).

١٣٧

شاء ، وكان لا يريح المصحفي من المطالبة ، وإذا سمّ من أذاه أسلمه إلى عدوه غالب ، إلى أن هلك في سجنه كما تقدم في ترجمته.

ثم حصلت وحشة بين صبح أم هشام الخليفة وبين المنصور آل الأمر فيها إلى أن كانت الغلبة له ، وأخذ الأموال التي كانت في القصر مختزنة ، ونقلها إلى داره ، ووكّل بالقصر من أراد ، وصارت الدولة باطنا وظاهرا على حكمه.

وكان في أثناء ذلك مريضا ، وأرجف أعداؤه به ، ولما أفاق وصل إلى الخليفة هشام ، واجتمع به ، واعترف له بالاضطلاع بالدولة ، فخرست ألسنة الحسدة ، وعلم ما في نفوس الناس ، لظهور هشام ورؤيته ، إذ كان منهم من لم يره قط ، فأبرزه ، وركب ركبته المشهورة ، وقد برزوا له في خلق عظيم لا يحصيهم إلا رازقهم ، معمما على الطويلة ، سادلا للذؤابة ، والقضيب في يده ، على زي الخلافة ، وإلى جانبه المنصور راكبا يسايره ، وعبد الملك بن المنصور راجلا يمشي بين يديه ، ويسير الجيش أمامه. وخرج المنصور إلى الغزاة ، وقد وقع في مرضه الذي مات في صفر سنة اثنتين وتسعين وثلاثمائة ، واقتحم أرض جلّيقيّة من تلقاء طليطلة إلى أرض قشتله ، بلد شانجه بن غرسية ، وهو كان مطلوبه ؛ فأحال الغارة على بلاده ، وقويت هنالك علته ، فاتخذ سرير خشب يحمله السودان على أعناقهم ، واشتدت عليه الخلقة ، فوصل إلى مدينة سالم ، وأيقن بالموت ، فقال : إن زمامي يشتمل على عشرين ألف مرتزق ، ما أصبح منهم أسوأ حالا مني فأمر ابنه عبد الملك بالنفوذ إلى قرطبة بعد ما أكثر وصيته ، وأمره أن يستخلف أخاه عبد الرحمن على العسكر.

وذكر ابن حيان : أن أباه خلف بن حسين دخل على المنصور حينئذ ، وهو كالخيال ، وأكثر كلامه بالإشارة. ومات ليلة الإثنين ، لثلاث بقين من رمضان سنة اثنتين وتسعين وثلاثمائة ، وأوصى أن يدفن حيث يقبض ، فذفن في قصره بمدينة سالم.

واضطرب الموالي على ابنه عبد الرحمن ، وقالوا : إنما نحن في حجر آل أبي عامر الدهر كله!

وكان عليه في قرطبة من الحزن يوم وصول العسكر ما لا شيء فوقه ، وكان مما أوصى ولده عبد الملك ألا يلقي بيده إلقاء الأمة فينشب في حبس بني أمية.

قال : فإن انقادت لك الأمور بالحضرة ، وإلا فانتبذ بأصحابك وغلمانك إلى بعض الأطراف التي حصّنتها لك ، وانتظر غدك إن أنكرت يومك ، وإياك أن تضع يديك في يد بني مروان فإني أعرف ذنبي لهم.

ومن فرحة الأنفس (١) : دامت دولته ستّا وعشرين سنة ، فيها اثنتان وعشرون غزوة. ومن

__________________

(١) فرحة الأنفس في فضلاء العمى من أهل الأندلس لأبي عبد الله ممد بن غالب البلنسي الكاتب الوزير المتوفى سنة ٧٦٧ ه‍.

١٣٨

المسهب : أنه استعان أولا بالمصحفي على الصقالبة ، ثم يغالب على المصحفي ، ثم بجعفر ممدوح ابن هانئ على غالب ، ثم بعبد الرحمن بن هاشم التجبي على جعفر ، وعدا بنفسه على عبد الرحمن وقال للدهر هل من مبارز!

وعلى قبره مكتوب (١) : [الكامل]

آثاره تنبيك عن أوصافه (٢)

حتى كأنّك بالعيان تراه

تالله لا يأتي الزمان بمثله

أبدا ولا يحمي الثغور سواه

وقيل إنه وصل من قرية كرتش من عمل الجزيرة الخضراء ، برسم طلب العلم ، وترقّى من الكتابة أمام باب القصر إلى أن صار القصر بحكمه.

وأنشد له ابن حيان : [الطويل](٣)

رميت بنفسي هول كل عظيمة

وخاطرت والحرّ الكريم يخاطر

وما شدت بيتا لي (٤) ولكن زيادة

على ما بنى عبد المليك وعامر

رفعنا المعالي بالعوالي بسالة (٥)

وأورثناها في القديم معافر (٦)

وله حكايات في الجهاد والغيرة والهيبة كثيرة ، رحمة الله عليه.

١٢٩ ـ أبو مروان عبد الملك بن أحمد بن شهيد (٧)

أبوه أحمد الوزير المذكور في الزهراء. وابنه أحمد المذكور في قرطبة ، استوزره المنصور بن أبي عامر ، واكتسب معه أموالا عظيمة.

وذكر صاحب المطمح : أنه حضر يوما عند المنصور على راحه ، فتناهى الطرب بالمنصور وندمائه ، إلى أن تصايحوا ، وتراقصوا ، وبلغ الدّور بالكأس إلى ابن شهيد ، وكان لا يطيق القيام

__________________

(١) الأبيات في نفح الطيب (ج ١ / ص ٣٨١) وفي الحلة السيراء (ج ١ / ص ٢٧٣) وفي البيان المغرب (ج ٢ / ص ٣٠١) ببعض الاختلاف عمّا هنا.

(٢) في النفح : أخباره.

(٣) الأبيات في نفح الطيب (ج ١ / ص ٣٨٣) والحلة السيراء (ج ١ / ص ٢٧٤) والبيان المغرب (ج ٢ / ص ٢٧٤).

(٤) في النفح : بنيانا.

(٥) في النفح : رفعنا العوالي بالعوالي حديثة.

(٦) رفعنا المعالي : رفعنا المجد بالعوالي : بالرماح ، معافر : قبيلة المنصور محمد بن أبي عامر.

(٧) من أهل قرطبة استوزره المنصور محمد ابن أبي عامر وتوفي سنة ٣٩٣ ه‍. الصلة (٥٢١) ونفح الطيب (ج ١ / ص ٣٨٣).

١٣٩

من نقرس ، فأقامه الوزير ابن عباس ، فارتجل هذه الأبيات ، وجعل يغرّد بها (١) : [الرمل]

هاك شيخ (٢) قاده ودّ لكا(٣)

قام في رقصته منهتكا (٤)

لم يطق يرقصها مستثبتا

فانثنى يرقصها مستمسكا

أنا لو كنت كما تعرفني

قمت إجلالا على رأسي لكا

قهقه الإبريق منّي ضحكا (٥)

ورأى رعشة رجلي فبكى

ومن كتاب بغية الرواد في حلى الرّؤساء والقواد

١٣٠ ـ القائد يعلى بن أحمد بن يعلى (٦)

ذكر الحميدي في الجذوة أن يعلى كان شاعرا ، وأنشد له ، وقد بعث بورد مبكر إلى المنصور بن أبي عامر (٧) :

بعثت من جنّتي بورد

غضّ له منظر بديع

فقال ناس (٨) رأوه عندي

أعجله عامه (٩) المريع

قلت : أبو عامر المعلّى

أيّامه كلها ربيع

ومن كتاب أردية الشباب في حلى الرؤساء والكتاب

١٣١ ـ أبو حفص أحمد بن برد (١٠)

من الذخيرة : أن المظفر بن أبي عامر ولّاه ديوان الإنشاء بعد القبض على أبي مروان

__________________

(١) الأبيات في الذخيرة (ق ٤ ص ٢٧ / ٢٨) وفي نفح الطيب (ج ٤ / ص ٢٢٩ / ٢٣٠).

(٢) في نفح الطيب : شيخا وفي الذخيرة : شيخ.

(٣) في النفح : عذر لكما.

(٤) في النفح : مستهلكا.

(٥) في النفح : ضاحكا.

(٦) انظر ترجمته في بغية الملتمس (ص ٥٠٠) وفي الحلة السيراء (ص ١٥٨) وفي جذوة المقتبس (ص ٣٦٣).

(٧) الأبيات في بغية الملتمس (ص ٥٠٠).

(٨) في بغية الملتمس : قال أناس.

(٩) في البغية : عامنا.

(١٠) ترجمته في الذخيرة (ج ١ / ق ١ / ٤٨٦) والمسالك (ج ٨ / ص ٣١١) والمطمح (ص ٢٤) ومعجم الأدباء (ج ٢ / ص ١٠٦) والجذوة (ص ١٠٧).

١٤٠