المغرب في حلى المغرب - ج ١

علي بن موسى بن محمّد بن عبد الملك بن سعيد الغرناطي الأندلسي

المغرب في حلى المغرب - ج ١

المؤلف:

علي بن موسى بن محمّد بن عبد الملك بن سعيد الغرناطي الأندلسي


المحقق: خليل المنصور
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٨١
الجزء ١ الجزء ٢

شعبان فقال : انظر ماذا تقول ، فإني على أن أكتب بطاقة إلى الأمير فلا تنشبني إلا في صحيح.

وحكي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قول في شيء ، فقال : من أين قال هذا النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم؟! فأشار إليه محمد بن غالب أن احذر السّيف. وكان ولده أبو الجودي يشير إلى الفقه بلا علم ، فاعتلّ محمد في بعض الجمع فصلّى ابنه عوضه بأمر الأمير ، فشقّ على آل السلطان ذلك لصلابة أبيه ، فدسّوا مع رقع البطائق على أبي الجودي بكل قبيحة ، فقال : لا ألتفت إلى ذلك حتى أمتحن حقيقته بمحمد بن وليد الفقيه ، وكان عنده في أعلى المنازل ، بخديعة وذلك : أنه كان يأخذ حزمة حطب فيجعلها على عنقه ، ويتلقاه في محجّته من ناحية الجبل إذا خرج للصيد كأنه مقبل بخطب على ظهره يعيش منه ، فإذا مرّ به وضع الحزمة ، وأقبل يسلم عليه! فيقول الأمير : هذا فقيه فاضل حقّا ما له قرين! فقامت له بهذا عنده سوق فبعث له الحاجب ابن حدير السّليم وكان يكره القاضي في شأن ولده ، فقال له : كفيتك ، فلما أحضره الأمير وأخذ معه في ذلك قال : إني ـ أكرم الله الأمير ـ ليست بيني وبين ولد القاضي خلطة ، ولا أعرفه ، غير أني رأيت الناس بعد صلاة الجمعة يعيدون الصلاة ، فسألت عن ذلك فقالوا : لما اعتلّ القاضي تقدّم بالناس ابنه ، فلم يرضوه فأعاد أكثر الناس الصلاة ، فلما سمع الأمير هذا قال : لا يعيد الناس الصلاة إلا من أمر عرفوه منه ، لا يصلى بعد هذا.

٩٧ ـ القاسم أحمد بن محمد بن زياد اللخمي (١)

من كتاب ابن عبد البر : كان عربيّا شريفا وشيخا وسيما جميلا ذا هيئة حسنة ، غير أنه أهان خطّة القضاء وتبذّل فيها بالركوب إلى السلطان والدخول فيما لا يسعه من أمورهم ، وكان مموّلا ، كثير الصدقات سخيّا بإطعام الطعام ، وكان يصنع الصنائع العظيمة ويحضرها شيوخ زمانه من الفقهاء والعدول ، ولم يزل قاضيا وصاحب صلاة حتى توفّي الأمير عبد الله ، وأقرّه الناصر شهورا.

ثم عزله وولي أسلم بن عبد العزيز ، ثم أعاده إلى أن مات ، فعاد أسلم. وكان اعتماده في الشورى على محمد بن عمر بن لبابة وابن وليد وعبيد الله بن يحيى.

قضاة الفتنة

٩٨ ـ أبو بكر يحيى بن عبد الرحمن بن وافد (٢)

من كتاب ابن حيان في القضاة : استقصاه وولاه الصلاة هشام المؤيّد آخر أئمة الجماعة إثر سخطه على أحمد بن ذكوان ونفيه له وقت اشتعال الفتنة البربرية ، وكان يقول إنه من عرب

__________________

(١) ترجمته في تاريخ علماء الأندلس (ج ١ / ص ٤٠) وذكره الخشني (ص ١٧٤ ، ١٨٨).

(٢) ترجمته في الصلة (ص ٦٠٢) وذكر أنه كان فقيها حافظا بصيرا بالأحكام مع الورع والفضل.

١٠١

العريش ، من الشام ، من لخم. وجرت له خطوب طويلة مع محمد بن أبي عامر ، كانت سبب نزوع نفس هشام إليه وتوليته بعد ابن ذكوان ، فنعم العوض أصاب فيه ، فقد كان فقيها ، عالما ، حافظا ، عادلا ، حاذقا ، خيّرا ، فاضلا ، نزها ، من أعلام الشّورى بقرطبة ، المبرّزين في العلم والرئاسة ، لم يزل يؤذّن له في مسجده المجاور لداره قبل ولايته ، وفيها.

وله رحلة إلى المشرق حجّ فيها ولقي العلماء ، وتحكّك ، وممن لقي أبو محمد بن أبي زيد فقيه المغرب القيروان ولم يزل يصل سببه إلى أن مات ابن أبي زيد ، إلا أنه أخلّ به في ولايته حبّ السلطان ولجاجه في دفع صلح البرابرة ، وقد أهلكوا الناس ، وخالف عبد الرحمن بن منيوه مولى ابن أبي عامر مدبر أمر هشام في ذلك. فكان سبب صرفه يوم الأربعاء لتسع خلون من ذي الحجّة سنة اثنتين وأربعمائة ، فالتزم منزله إلى أن خرج ابن منيوه عن قرطبة ، ودبر الأمر الموالى العامريون ، فأعاد هشام ابن وافد يوم الخميس لثمان بقين من رجب سنة ثلاث وأربعمائة إلى القضاء والصلاة بعد تكرّه منه واشتداد من هشام. ولما غلب المستعين بالبرابرة على هشام وأهلك المصر وقلب الدولة استخفى ابن وافد فوقع الطلب الحثيث عليه لما أسلفه من عدواة البرابرة فظفروا به صبيحة يوم الخميس لخمس بقين من جمادى الآخرة سنة أربع وأربعمائة ، فعنفوا به وجرّروه ، وتلّوه على وجهه إلى باب القصر راجلا حافيا ، مكشوف الرأس بادي الصّلعة ، ما عليه إلا قميصه ، وفي رقبته عمامته يقتادونه بها مخترقين به الشوارع إلى باب القصر ، والناس تتقطّع قلوبهم ولا يغنون عنه ، والبربر ينادون عليه : هذا جزاء قاضي النصارى مسبّب الفتنة ، ومعطي المشركين حصون المسلمين على ذلك رشوة ، وهو لا يترك الرّدّ عليهم والتكذيب لهم. فما رئي أجلد منه على محنته ، وأدخل على المستعين ، فأفحش في سبّه. وتقدّم في صلبه. فنظر في ذلك وزيره وصاحب مدينته موسى بن هارون بن حدير ، وكان أشدّ الناس عليه ، فأحضر آلة الصّلب ، والبربر ينتظرون مشاهدته ، وترادفت الشفاعات فيه ، فاستحيا ، وأمر بسجنه في داخل قصره ، وامتنع من أكل طعامه إلى أن تحيلت مولاة له في إيصال قوت ترمّق به ، واشتدت به العلّة ، إلى أن انكشف للناس موته غداة يوم الأحد الأربع عشرة خلت من ذي القعدة سنة أربع وأربعمائة بإخراجه إلى أسطوان الميضأة على باب الجامع ، ملقى موتى المحاويج والغرباء موعظة لمن يبصره فتكفّل به بعض العامة وأحد الزهاد ، ولم يصلّ عليه أحد من المشاهير خوفا من السلطان والعيون.

٩٩ ـ أبو المطرف عبد الرحمن بن أحمد بن أبي المطرف (١)

من كتاب ابن حيان : أنه استقضي دون الصلاة ما بين دولتي ابن وافد المذكور. وأصله من

__________________

(١) ترجمته في الصلة (ص ٣٠٨) وبغية الملتمس (ص ٣٤٧).

١٠٢

باغة ، من بيت ذي جاه ومال ، وكان الأغلب عليه الأدب والرواية ، وكان قليل الفقه ، أكره على القضاء ، فلم يزل يحسن السّيرة ، ويواصل الاستعفاء إلى أن خرج عبد الرحمن بن منيّوه عن قرطبة ، فعزله هشام وأعاد ابن وافد كما تقدم.

قال : ولم تعلق به لأئمة ، وعاش فيما بعد مقبلا على النسك ، إلى أن توفّي يوم الإثنين للنصف من صفر سنة سبع وأربعمائة بقرطبة ، ومولده صدر سنة ست وثلاثين وثلاثمائة. وذكر ابن مفرج في تاريخه : أنه كان له رحلة حجّ فيها وروى. وجهد المستعين بأبي العباس بن ذكوان في ولاية القضاء فامتنع ، فقسّمه بين يونس بن الصفار ومحمد بن خرز من أعيان زناته إلى أن جاءت دولة ابن حمود.

١٠٠ ـ أبو المطرف عبد الرحمن بن بشر المعروف بابن الحصار (١)

من كتاب ابن حيان : أن أباه كان حصّارا وبنو فطيس يدعون ولاءه. وكان يبدو عليه مذهب الشعوبية في دفع الفخر بالأنساب ، ويتلو : (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ) [الحجرات : ١٣] ولم يقبل القضاء حتى ناوله عهده بيده عليّ بن حمود ، وأقسم عليه وإن عينه لتدمع ، وكان ماهرا بالحكومة لا يعدله أحد من أهل زمانه في التّوثيق واستنباط النوازل ، مع حلاوة اللفظ وحسن الخطّ ، يشف على الفقهاء بذلك ، مع مساواته إياهم فيما يحذقونه من الفتوى ويحفظونه من المسائل والكتب ، له في ذلك القدم الثابتة ، إلى ما رزقه من الذكاء ، وجمال الهيئة ، وتمام الآلة ، والنزوع في أبواب من المعارف كثيرة ، يجمّل بها محاضرته.

من رجل لئيم الخئولة ، شعوبيّ الرأي ، هادما الشرف بالكلية ، ذي عجرفة يزري به التعريض ، ويحبّ المماتنة الجالبة للعداوة ، أضاع قضاء الفريضة وزهد في الرحلة على الصحة والثروة ، وبه اختتم كملة القضاة بالأندلس على علّاته. ولم يزل بنو (٢) حمود يقدّمونه للقضاء واحدا بعد واحد ، واشتهر بالهوى فيهم ، وتناولته السّعايات ، فعزله هشام المعتدّ المرواني ، وهو بالثغر ، قبل أن يصل إلى قرطبة ، فتأخّر يوم الأربعاء لإحدى عشرة بقيت من ذي الحجة سنة تسع عشرة وأربعمائة ، فكانت مدته اثنتي عشرة سنة وعشرة أشهر وأربعة أيام ، ولم يزل خاملا خائفا إلى أن دفن بمقبرة العباس بعد صلاة العصر من يوم السبت للنصف من شعبان سنة اثنتين وعشرين

__________________

(١) انظر ترجمته في الصلة (ص ٣١٩ ـ ٣٢١) والشذرات (ج ٣ / ص ٢٢٣) ، والديباج (ص ١٤٩). توفي سنة ٤٢٢ ه‍.

(٢) ترجم لهم المقري في نفح الطيب (ج ١ / ص ٤١١) قال : ملكوا قرطبة سنة سبع وأربعمائة وقتلوا المستعين ، ومحوا ملك بني أمية.

١٠٣

وأربعمائة فشهده الخليفة هشام كالشامت به ، وكان الجمع في جنازته كثيرا.

١٠١ ـ أبو الوليد يونس بن عبد الله بن الصفار من بني مغيث (١)

من كتاب ابن حيان : أن هشاما المعتدّ ولاه بعد ابن الحصّار فلم يقبل إلا بعد الجهد من الكبراء ، ولم يزل قاضيا إلى أن هلك ليلة الجمعة لثلاث بقين من رجب سنة تسع وعشرين وأربعمائة. وصار خاتمة القضاة بقرطبة ، وآخر الخطباء المعدودين فيها. وتأريخ المحدّثين ، لا ينازع في هذه المراتب ، على ما أخلّ به من تمام الخصال التي اجتمعت لمن قبله ، وهلك وهو أسند من بقي بالأندلس وأوسعهم جمعا وأعلاهم سنّا ؛ زاد على التسعين ستة أشهر ، وهو مع ذلك ممتّع بحواسّه ، يستبين الخطّ الدقيق ، ويرتجل الخطب الطوال ، ولا يدع التأليف. وله كتب حسان في الزهد والرقائق وغيرها. وكان على تفرّده بالحديث متقدّما في علم اللسان والآداب ، رواية للشعر والخبر ، حسن البلاغة خطيبا ذربا ، سريع الدّمعة ، له ضلع صالح في الشعر ، أسعده في الصبا على الرقيق وفي المشيب على الوعظ.

من رجل لم يحذق في المسألة والجواب ولا برع في الفقه ، وفرّط في إضاعة الحجّ لغير عذر ، وكان مع ارتسامه بالزهد ملجّجا في حبّ الدنيا ، منافسا في مراتبها العليّة ، مزدلفا إلى ملوكها على اختلاف دولهم. استغنى بعد بادىء الإملاق ، فضادّ قول القضاة الفضلاء : من ولي القضاء ولم يفتقر فهو سارق. وأشهد على نفسه عند موته أنه استخلف على القضاء ابنه مغيث بن محمد ، فلم يمض ذلك. مدّته تسع سنين وستة أشهر وأربعة عشر يوما ، وولي بعده في مدة أبي الحزم بن جهور أبو بكر بن ذكوان ، وهو شاعر تقدمت ترجمته في السلك.

١٠٢ ـ أبو محمد عبد الله بن أحمد المعروف بابن المكوي (٢)

من كتاب ابن حيان : أن الأحكام تعطّلت بعد استعفاء ابن ذكوان وطالت المدّة ، فضجّ الناس إلى أبي الحزم ، فولّي ابن المكوّي ، ولم يكن في نصاب القضاء ، وهو ممن آثر الخمول

__________________

(١) ترجمته في الصلة لابن بشكوال (ص ٦٢٢) وفي الديباج لابن فرحون (ص ٣٦٠) وفي الشذرات لابن عماد (ج ٣ / ص ٢٤٤) ولي القضاء في عهد هشام بن محمد المرواني عام ٤١٩ ه‍ وفي كشف الظنون (ج ٦ / ص ٥٧٢). ابن الصفار ـ أبو الوليد يونس بن عبد الله بن محمد بن مغيث بن محمد بن عبد الله القرطبي الأندلسي الفقيه المالكي المعروف بابن الصفار قاضي الجماعة ولد سنة ٣٣٨ ه‍ ، وتوفي سنة ٤٢٩ ه‍. من تصانيفه (الابتهاج بمحبة الله عزوجل) ، (التسبيب والتيسير) ، (فضائل المنقطعين إلى الله) وكتاب (المستصرخين بالله تعالى عند نزول البلاء).

(٢) ترجمته في الصلة (ص ٢٧١ ـ ٢٧٢).

١٠٤

للدّعة والفلاحة على الدراسة ، وانطوى مع ذلك على العفة والصيانة ، ولم يقبله إلا بعد جهد ، ولم يطلق عليه اسم القضاء على سبيل ابن ذكوان قبله ، وذلك يوم الخميس لسبع خلون من محرم اثنتين وثلاثين وأربعمائة. واكتسب في ولايته صرامة وإعجابا ، حتى استخفّ بكثير من وجوه الناس ، فجرت له بذلك خطوب. واعترض ملك قرطبة أبا الوليد بن أبي الحزم ، وعزل وزيره إبراهيم بن محمد بن يحيى عن مخازن الجامع ، وأكثر الناس السؤال في صرفه ، فصرف غداة يوم الإثنين لثلاث عشرة بقيت من ربيع الأول سنة خمس وثلاثين وأربعمائة ، وبقي خاملا إلى أن دفن عشيّ يوم الإثنين لثلاث عشرة خلت من جمادى الأولى سنة ثمان وأربعين ، فشهده جميع الناس وأثنوا عليه بالعفّة والانقباض. من رجل قليل العلم نكد الخلق ، به طرّق لأول النّقص على هذه الولاية الرفيعة.

١٠٣ ـ أبو علي حسن بن محمد بن ذكوان (١)

من كتاب ابن حيان : أن أبا الوليد بعد ابن المكوي وهو شيخ أهل بيته الحاظين بهذه الدولة ومتقلد الحسبة قديما ، فاستقل بالعمل ، لطول دربته بالحكم ، على نقصان العلم ، وقد كان عفيفا ذا صرامة وثروة ومرانة بالحكومة.

من رجل عار عن العلم عاطل عن الأدب ضارب بأوفر الحظ في شكاسة الخلق وخشونة الطبع ، ألجأ إليه الاضطرار ، إلى أن جرى من تخليطه في مهاودة ابن عمه أحمد بن محمد بن ذكوان والرّهيط الذين سعوا في الوثوب على السلطان بقرطبة ، فعزله أبو لوليد في صدر ربيع الأول سنة أربعين وأربعمائة ، وألزمه منزله إلى أن توفّي على ذلك ، فدفن بمقبرة العباس عشيّ يوم الثلاثاء لإحدى عشرة خلت من ذي القعدة سنة إحدى وخمسين وأربعمائة وشهد جنازته ملك قرطبة أبو الوليد.

١٠٤ ـ أبو بكر يحيى بن محمد بن يبقى بن زرب (٢)

من كتاب ابن حيان : أن أبا الوليد ولاه بعد ابن ذكوان ، وهو عميد الفقهاء في زمانه ، اختار منه كهلا عفيفا ، ليّن العريكة ، حليما مبلوّ السّداد وقوام الطريقة ، وجمع له ذلك إلى خطّة الصلاة والخطابة ، على رسم والده القاضي أبي بكر بن يبقى ، وما أجاب إلا بعد جهد ، فلم يفارق العفة والسلامة إلى أن مات يوم الجمعة لخمس بقين من رجب سبع وأربعين وأربعمائة ، وصلّى عليه

__________________

(١) ترجمته في الصلة (ص ١٣٨) ، توفي سنة ٤٥١ ه‍.

(٢) ترجمته في الصلة (ص ٦٠٧) توفي سنة ٤٤٢ ه‍.

١٠٥

ملك قرطبة أبو الوليد. ولم يكن فيه إلى العفة التي جمّلت حاله خلّة تدل على فضيلة ، فما وجد فقده ، ولا بكت عليه سماؤه ولا أرضه. وتوقف أبو الوليد بعده عن تعيين قاض مدة طويلة ، وصرف النظر في الأحكام إلى وزيره أبي الحسن بن يحيى ، فانثال الناس وكثر تعبه ، وتفرّقت الأمور عليه ، وهو يصدرها كلها في واد رحب من سعة خلقه وحسن سياسته.

١٠٥ ـ أبو القاسم سرج بن عبد الله بن سراج (١)

من كتاب ابن حيان : أن أبا الوليد أراح وزيره من أحكام القضاء ، وفرّغه لما كان بسبيله من تدبير الدولة ، واختار للقضاء ابن سراج المذكور ، من البيت المشهور ، جده سراج مولى الأمير الداخل. وذلك يوم الإثنين لاثنتي عشرة بقيت من صفر ، ثمان وأربعين وأربعمائة بعد جهد به ، وقسمه عليه ، قال : وهو مقيم على حاله إلى وقت إملاء هذا الكتاب وقد نيّف على الثمانين ؛ حسن البقيّة.

المشهورون من قضاة قرطبة بعد هذا التاريخ

١٠٦ ـ أبو الوليد أحمد بن رشد الأكبر (٢)

صاحب التصانيف الجليلة في الأصول والفروع والخلافيات ، أطنب ابن اليسع (٣) في ذكره بما هو من أهله ، وذكر أن له كتابا سماه بالمتحصل ، جمع فيه اختلاف أهل العلم من الصحابة والتابعين وتابعي التابعين وتسمية مذاهبهم ، وكتاب المقدمات في الفقه. وكناه ابن بشكوال في الصلة بأبي القاسم ووصفه بالخير والعقل والفضل وأنه كان محببا للناس. وتوفي يوم الجمعة الثالث عشر من رمضان سنة ثلاث وستين وخمسمائة ، ومولده في سنة سبع وثمانين وأربعمائة.

١٠٧ ـ أبو القاسم أحمد بن محمد بن علي بن محمد بن عبد العزيز بن حمدين (٤)

من صلة ابن بشكوال : قاضي الجماعة بقرطبة ، أخذ عن أبيه ، وتفقّه عليه وتقلّد القضاء مرتين ، وكان نافذا في أحكامه ، جزلا في أفعاله ، وهو من بيت علم ودين وجلالة وفضل ، وتوفّي

__________________

(١) ترجمته في الصلة (ص ٢٢٥) وبغية الملتمس (ص ٢٩٠) توفي سنة ٤٥٦ ه‍.

(٢) ترجمته في الصلة (ص ٨٣) وبغية الملتمس (ص ١٥٦).

(٣) سيترجم له ابن سعيد.

(٤) ترجمته في الصلة (ص ٨١) توفي سنة ٥٢١ ه‍.

١٠٦

قاضيا يوم الأربعاء لثمان بقين من ربيع الآخر سنة إحدى وعشرين وخمسمائة ، وصلّى عليه ابنه أبو عبد الله.

١٠٨ ـ أبو عبد الله محمد بن أصبغ بن المناصف (١)

أطنب ابن اليسع في الثناء عليه ، وذكر أنه ولي قضاء قرطبة في مدة على ابن يوسف بن تاشفين قال : وقد كنت أسمع بمن وهب الآلاف وألزم ماله الإتلاف ، فيداخلني ما يداخل المخبر من تصديق وتكذيب وتبعيد وتقريب ، حتى باشرته ينفق في كل يوم على أكثر من ثلاثمائة بيت يعيل ديارهم ويقيل عثارهم ، وكان يحرث له في ضياعه الموروثة بثمانمائة زوج في كل عام ، فلم يبق عند نفسه منها إلا ما يأكل.

ومن كتاب نجوم السماء في حلى العلماء الفقيه الأعظم

١٠٩ ـ أبو محمد يحيى بن يحيى الليثي (٢)

من الجذوة : أصله من البربر من مصمودة ، تولى بني ليث ، فنسب إليهم ، رحل إلى المشرق فسمع مالك بن أنس وسفيان بن عيينة واللّيث بن سعد وعبد الرحمن بن القاسم وعبد الله بن وهب. وتفقّه بالمدنيّين والمصريين من أكابر أصحاب مالك ، بعد انتفاعه بمالك وملازمته له ، وكان مالك يسميه عاقل الأندلس. وكان سبب ذلك فيما روي : أنه كان في مجلس مالك مع جماعة من أصحابه ، فقال قائل : قد خطر الفيل فخرجوا ، ولم يخرج ، فقال له مالك : ما لك لم تخرج لتنظر الفيل وهو لا يكون في بلادكم فقال له : لم أرحل لأنظر الفيل وإنما رحلت لأشاهدك ، وأتعلّم من علمك وهديك ، فأعجبه ذلك منه وسمّاه : عاقل الأندلس.

وإليه انتهت الرياسة في الفقه بالأندلس وبه انتشر مذهب مالك هنالك وتفقّه به جماعة لا يحصون. وكان مع إمامته ودينه مكينا عند أمراء الأندلس معظّما ، وعفيفا من الولايات منزّها ، جلّت درجته عن القضاء ، فكان أعلى قدرا من القضاء عند ولاة الأمر هنالك ، لزهده في القضاء وامتناعه منه ؛ سمعت الفقيه الحافظ أبا محمد علي بن أحمد (٣) يقول : مذهبان انتشرا في بدء

__________________

(١) ترجمته في الصلة (ص ٥٢٨) وبغية الملتمس (ص ٥١) توفي سنة ٥٣٦ ه‍.

(٢) ترجمته في نفح الطيب (ج ٢ / ص ٢٢٩) وتاريخ علماء الأندلس (ص ٥١٠) ووفيات الأعيان (ج ٦ / ص ١٤٣) والجذوة (ص ٣٥٩).

(٣) هو علي بن أحمد بن سعيد أبو محمد الظاهري توفي سنة ٤٥٦ ه‍ ، كشف الظنون (ج ٥ / ص ٦٩٠ ـ ٦٩١).

١٠٧

أمرهما بالرياسة والسلطان : مذهب أبي حنيفة ، فإنه لما ولي قضاء القضاة أبو يوسف كانت القضاة من قبله ، فكان لا يولّي قضاء البلاد من أقصى المشرق إلى أقصى أعمال إفريقية إلا أصحابه والمنتمين إلى مذهبه. ومذهب مالك بن أنس عندنا ، فإن يحيى بن يحيى كان مكينا عند السلطان ، مقبول القول في القضاة ، فكان لا يلي قاضي في أقطارنا إلا بمشورته واختياره ، ولا يشير إلا بأصحابه ومن كان على مذهبه ، والناس سراع إلى الدنيا والرياسة ، فأقبلوا على ما يرجون بلوغ أغراضهم به. على أن يحيى بن يحيى لم يل قضاء قطّ ، ولا أجاب إليه ، وكان ذلك زائدا في جلالته عندهم ، وداعيا إلى قبول رأيه لديهم. وكذلك جرى الأمر في إفريقية ولما ولي القضاء بها سحنون بن سعيد ثم نشأ الناس على ما انتشر. وكانت وفاة يحيى بن يحيى في رجب لثمان بقين منه من سنة أربع وثلاثين ومائتين وخلّف بعده ابنه عبيد الله الفقيه المشهور. وممن أخذ عنه من الأعلام : أبو عبد الله محمد بن وضّاح ، وزياد بن محمد بن زياد المعروف بشبطون ، وإبراهيم بن قاسم بن هلال ، ومحمد بن أحمد العتبي ، وإبراهيم بن محمد بن بان ، ويحيى بن حجاج ، ومطرّف بن عبد الرحمن ، وعجنّس بن أسباط الزيادي ، وعمر بن موسى الكناني ، وعبد المجيد بن عفّان البلويّ ، وعبد الأعلى بن وهب ، وعبد الرحمن بن أبي مريم السعدي ، وسليمان بن نصر المريّي ، وأصبغ ابن الخليل ، وإبراهيم بن شعيب.

١١٠ ـ الفقيه المحدث أبو عبد الله محمد بن الفرج المعروف بابن الطلّاع (١)

من كتاب ابن اليسع : أنه كان من العلماء بالحديث ومذهب مالك ، وله تواليف ، منها كتابه في نوازل الأحكام النبوية ، وكتابه في الوثائق ، وسنده في موطأ يحيى من أعلى ما يوجد في زمانه. وهو من قرطبة ولقيه المعتمد ابن عباد فنزل له عن دابّته ، ووعظه ابن الطلاع ووبّخه.

١١١ ـ الفقيه الإمام أبو عبد الله محمد بن عتاب (٢)

من كتاب ابن اليسع : ذو الوقار والسكينة. والمكانة المكينة. وذكر أنه رحل وساد أترابه ، وألّف كتابا في الحديث ، وكان في المائة الخامسة في زمن المعتمد بن عباد.

١١٢ ـ أبو الحسن علي بن الصفّار

من البيت المشهور. ذكر ابن اليسع أن له تاريخا في جزيرة الأندلس ، ووصفه بالدّعابة والمرح. وله رواية عن يونس بن مغيث وهو جده.

__________________

(١) ترجمته في كشف الظنون (ج ٦ / ص ٧٨) والصلة (ص ٥٠٦) والديباج (ص ٢٧٥).

(٢) ترجمته في الصلة (ص ٤٨٦) والديباج (ص ٢٧٤) وبغية الملتمس (ص ١٠٥).

١٠٨

١١٣ ـ اللغوي أبو غالب تمام بن غالب المعروف بابن التياني (١)

من الأعلام في علم اللغة المشهورين ، انتقل من قرطبة إلى مرسية ، وبثّ علمه هنالك ، وصنّف كتابا في اللّغة وقف عليه مجاهد العامري ملك الجزر ودانية ، فأعجبه ، فبعث إليه بألف دينار وكسوة على أن يزيد فيه أنه صنفه مطرّزا باسم مجاهد ، فقال أبو غالب : كتاب صنّفته لله ولطلبة العلم أصرفه إلى اسم ملك ، هذا والله ما لا يكون أبدا ، وصرف على مجاهد الألف الدينار والكسوة ، فزاد في عين مجاهد وعظم في صدور الناس.

وقد أطنب الحجاري بسبب هذه القضيّة في شكر الملك والعالم ، وقال : هكذا ينبغي أن تكون الملوك وكذا يجب أن تكون العلماء.

ومن كتاب الريحانة في حلى ذوي الديانة

١١٤ ـ الزاهد عبد الرحمن بن مروان ابن عبد الرحمن الأنصاري القنازعي القرطبي (٢)

من تصنيف ابن بشكوال في زهاد الأندلس وأئمتها : أنه نسب إلى صنعته ، وأطنب في الثناء عليه ، وأخبر أنه جمع في أخباره كتابا مفردا وله رحلة ورواية بالمشرق ، وندبه الخليفة عليّ بن حمود إلى الشّورى ، فلم يعرّج عليه. وكان صوّام النهار ، قوّام الليل ، راضيا بالقليل من الحلال ، وربما اقتات بما يرميه الناس من أطراف البقول وما أشبه ذلك ، ولا ينحطّ إلى مسألة أحد.

وقال : كنت بمصر وشهدت العيد مع الناس ، فانصرفوا إلى ما أعدوه وانصرفت إلى النيل ، وليس معي ما أفطر عليه إلا شيء من بقيّة ترمس بقي عندي في خرقة ، فنزلت على الشّطّ ، وجعلت آكله وأرمي بقشره إلى مكان منخفض تحتي ، وأقول في نفسي : ترى إن كان اليوم بمصر في هذا العيد أسوأ حالا مني؟ فلم يكن إلا ما رفعت رأسي وأبصرت أمامي ، فإذا برجل يلقط قشر التّرمس الذي أطرحه ويأكله ، فعلمت أنه تنبيه من الله عزوجل ، وشكرته ، وتخوفّي بقرطبة يوم الجمعة لاثنتي عشرة خلت من رجب سنة ثلاث عشرة وأربعمائة ، وكان من أهل العلم بالحديث والفقه ، مجوّدا للقرآن.

__________________

(١) من تصانيفه (أخبار تهامة) و (تلقيح العين في اللغة) ترجمته في كشف الظنون (ج ٥ / ص ٢٤٥ ـ ٢٤٦) والجذوة (ص ١٧٢) وبغية الملتمس (ص ٢٣٦).

(٢) ترجمته في بغية الملتمس (ص ٣٥٨) وجذوة المقتبس (ص ٢٦٠) وكشف الظنون (ج ٥ / ص ٥١٦) من مصنفاته (تفسير الموطأ لمالك) و (كتاب الشروط) توفي سنة ٤١٣ ه‍.

١٠٩

الأهداب

أبو بكر محمد بن عيسى بن عبد الملك بن عيسى بن قزمان (١)

إمام الزجالين بالأندلس ، وشهرته تعني عن الإطناب في ذكره. وقد جمع أزجاله. وديوانها مشهور بالمشرق والمغرب ، وذكر في خطبته أن الإعراب في الزّجل لحن ، كقول أحدهم وهو أخطل بن نمارة (٢) :

كسر الله رجل (٣) كل ثقيل

على كونه إماما ، وصدر عنه مثل قوله :

طاق في خدّ وبفّ فالقنديل

عم مقابل وجدت إليك سبيل

وقوله :

قدّر الله وساق الخنّاس (٤)

إلى داري على عيون الناس

ولعبنا طول النهار بالكاس

وجا الليل وامتد مثل القتيل

ونوّه في ترجمته بذكر أبي القاسم محمد بن أحمد بن حمدين وأبي العلاء بن زهر في الرياسة ومدحه لهما. فمن ملح أزجال ابن قزمان في هزيمة :

والكتف يتعلّق والقحف يقسم

وشينوران راقد في برك من دم

قد خطّ فيه السيف خطا لا يفهم

__________________

(١) تمت ترجمته في هذا الجزء ، ص ١٠٠ ولذلك لم نضع له رقما هنا ، حتى لا يكون له رقمان مختلفان.

(٢) الأبيات في الديوان (ص ٣) وما بعدها.

(٣) في الديوان : ساق.

(٤) في الديوان : الوسواس.

١١٠

وجا الغبار من فوق بحل نشاره

وقوله :

اصحى تعيب الناس كل احد عيب ماع

إنما هو المطهّر من سلم يد وقاع

وقال في بداءة زجل في مدح ابن أضحى قاضي غرناطة :

الله ساقك ولم يسوقك أحد

واجتمعنا أصداف أخير من وعد

وفرّ الله مشي ذك الأميال

والرقاد الرّدي وشغل البال

وكفى الله المؤمنين القتال

وفي آخره :

طار حديثك على المدن والقرى

قاضي يعطي عطيّة الأمرا

ردّ غرناط مكّة الشّعرا

فترى فيها أهل كلّ بلد

وله :

لو زارني صاحب التفريق

قد كان نفيق

حتى (١) نرى مثل ما قدريت من الأمل

فما حلو لا تقول سكّر ولا عسل

يقبّل الروح (٢) ولا يدري طيب القبل

لس يربح القبل والتعنيق

غير (٣) العشيق

شربت سرّك وه عندي جلّ المنى

وقمت للرقص بأكمامي على الغنا

وأصبح الناس يذكر الله وأصبحت انا

ما بين الأشكال والابريق

سكران غريق

__________________

(١) في الديوان الزجل السابع والثلاثين : متى.

(٢) في الديوان : يقبل الراح وصدري.

(٣) في الديوان : إلا.

١١١

وله :

ليس عندي (١) قوام ولاه فلاح

إلا (٢) شرب الشراب وعشق الملاح

نرضي إبليس إلى متى ذا العقوق

فه شيخي وله عليّ حقوق

والشّريبة (٣) مفتاح لكلّ سوق

في لساني نربط ذك المفتاح

أيها الناس وصيتي [هي](٤) للجميع

من (٥) خلاع فإنّ اليوم خليع

ولا نمشوا إلا بكاس أو قطيع

وسكارى إيّك

لا تمشو صحاح

اسكت اسكت هذا الحديث (٦) يمضغ

فقلاده في عنق من بلغ

إن داره (٧) محمد بن أصبغ

خمس مت سوط يحسّ (٨) للبراح

إنما (٩) بعل المري بالنهار

فإذا كنت وقت رقاد (١٠) في دار

ارخ شفّ وارضع في هذا العقار (١١)

لا تقع لك قطاع في اصطباح

__________________

(١) في الديوان الزجل الرابع والتسعين : عندك.

(٢) في الديوان : غير.

(٣) في الديوان : والشريب.

(٤) هذه الكلمة زيادة من الديوان.

(٥) في الديوان : صيروا.

(٦) في الديوان : الخبر.

(٧) في الديوان : دارها.

(٨) في الديوان : يحسر البراح.

(٩) إنما ينبغي المر. في الديوان.

(١٠) في الديوان : رقده.

(١١) في الديوان : ارخ شفه واشرب على مقدار.

١١٢

فإن أصبحت (١) وفي دماغك ثقل

حج فالدّار إن كان لراسك عقل

ويكون الغذا لحم ببقل

والله الله لا تستجيب إذ تصاح

وإذا كنت صاح إذ تصبح

اغسل أجّك (٢) وهلّل أو سبّح

شرط إن قال أحد اعمل لي آح

اعمل ات (٣) أح وزيد فالساق حاح

وإذا كنت مع فقي (٤) أو إمام

ويقل لك شربت قطّ مدام

قل له اشنه يا فقي ذا الكلام

والله ما ذقت قطّ شرب تفّاح

فإن أجمعك بيه زمانا نبيل (٥)

وعسى لس ذا (٦) الصبر غير قليل

قل له السّا (٧) وجدت إليك سبيل

جي نقل لك بالرّسل أو بالصياح

تدري إذ قلت لي شربت عقار

آه حقا كن نبتلعها كبار

واناذاب نحسوها ليل ونهار

بشرابك (٨) وربما أقداح (٩)

__________________

(١) في الديوان : أصبح.

(٢) في الديوان : أوشك.

(٣) في الديوان : أنت.

(٤) في الديوان : فقيه.

(٥) في الديوان : نبيل.

(٦) في الديوان : لذا.

(٧) في الديوان : اسمع.

(٨) في الديوان : بقليلات.

(٩) في الديوان : بأقداح.

١١٣

تحفظ اسماه (١) سايقل لك لا

قل له خذ نملا منه أذنيك ملا

هيّ هيّ القهوه والمدام والطّلا

والحميّا والخندريس والراح

وله :

كنّ صبيان ودارت الأحوال

والتحينا وصرنا ذاب رجال

وكن إكريت دويره من إنسان

برباعي سكنت فيه زمان

ثم قال لي تزن (٢) ثلاث أثمان

ونزن لو ولو طلب مثقال (٣)

إنّ فيه حنّى أمام السرير

وعقابا مليح بجنب البير

وقصيبا (٤) عليها بابا كبير

تكشف الفحص من ثلاث اميال

والرّبض لا شيوخ ولا حجّاج

وأرامل ملاح بلا أزواج

ويجوني طول النهار عن حواج (٥)

واشيات لس ينبغي أن تقال

ومنه :

إش نقل لك بقيت كذا مبهوت

واخذني فزع بحال من يموت

__________________

(١) في الديوان : اسماها.

(٢) في الديوان الزجل السابع والثمانين : نريد.

(٣) في الديوان : ونريد ولو طلب مثقال.

(٤) في الديوان : وقصيبه.

(٥) في الديوان : عن حاج.

١١٤

وقفز قلب مثل (١) قفز الحوت

وضرب بالجناح بحل برطال

وله :

تدر (٢) إش قال لي الفقي تب (٣)

إنّ ذا فضول (٤) وأحمق

كف نتوب والروض زاهر

والنسيم كالمسك يعبق

والربيع ينشر (٥) علام

مثل سلطانّا مؤيّد

والثمار تنثر حليه (٦)

بثياب بحل زبرجد

والرياض تلبس غلالا (٧)

من نبات فحل زمرد (٨)

والبهار مع البنفسج

يا جمال ابيض في أزرق (٩)

والندى والخير والآس

والراح والظلّ والما

والمليح خلطى (١٠) مهاود

والرقيب أصمّ أعمى

وزمير من فمّ ساحر (١١)

وغنا من كف (١٢) سلمى

والزجاج ملح مجزّع (١٣)

والشراب أصفر مروّق

يا شرابا مرّ (١٤) ما احلاك

علقم اتّ ممزوج بسكر (١٥)

بالذي رزقن حبّك

من نثر عليك جوهر

__________________

(١) في الديوان : قفز مثال.

(٢) في الديوان الزجل الثامن والأربعين بعد المائة : اسمع.

(٣) في الديوان : توب.

(٤) فضولي أحمق.

(٥) في الديوان : نشر.

(٦) في الديوان : والثمر كست حليها.

(٧) في الديوان : البس غلاله.

(٨) في الديوان : من ثياب لون الزمرد.

(٩) في الديوان : إلى جمال أبيض وأزرق.

(١٠) في الديوان : رشيق.

(١١) في الديوان : صنع زامر.

(١٢) في الديوان : صوت.

(١٣) في الديوان : والسما صاح مزجج.

(١٤) في الديوان : يا شراب يا بين.

(١٥) في الديوان : والله إنك حلو سكر.

١١٥

وترى (١) لش تشتكي ضر)٢)

لش (٣) نراك رقّيق أصفر

ما أظن إلّا ألم بيك

أو مليح لا شك تعشق

ذا الطريق يعجبن يا قوم

ما أملح وما أجلّ

أي نبل اقل ل خليّه

وسمع مما أقل ل

يا صديقي لس نراع

يا صديقي لس نملّ

قل لي كف نترك ذا الأشيا

قصة حقيق بالحقّ

ونجوم السعد تطلع (٤)

ونوار اليمن تفتح (٥)

وغناودنّ دن دن

ولعب وكحّ كح كح (٦)

وارتفع عني يا راجل (٧)

انسلخ (٨) عكان أح أح

القطع فزّ عنّ يامّ

تر كف يعمل لي بق بق (٩)

وله :

نفنى عمري فالخنكرا والمجون

يا بياضي خلع بنيّت أن يكون (١٠)

إنما أن نتوب انا فمحال

وبقاي بلا شريب ضلال

نفن عمري (١١) ودعن مما يقال

إنّ ترك الخلاع (١٢) عندي جنون

خذوا مالي وبددوه فالشراب (١٣)

__________________

(١) في الديوان : يا ترى.

(٢) في الديوان : باس.

(٣) في الديوان : اش.

(٤) في الديوان : سعد يطلع.

(٥) في الديوان : ونوار الخير يلكح.

(٦) في الديوان : وقح قح قح.

(٧) في الديوان : ثم زل عني يا قادم.

(٨) في الديوان : انجرع عكاني.

(٩) في الديوان : تدري اش عمل بقبق.

(١٠) في الديوان وفي الزجل تسعين : يا بياض خليع بديت أن تكون.

(١١) في الديوان : بين بين.

(١٢) في الديوان : الخلاعه.

(١٣) في الديوان : في شراب.

١١٦

وثيابي ولبّسوه (١) القحاب

وقلوا لي بأن رايك (٢) صواب

لم تكن قط في ذا الحديث (٣) مغبون

وإذا مت مذهبي فالدّفن

أن نرقد في كرم بين الجفن

ويضم (٤) الورق عليّ كفن

ولراسي عمامه من زرجون

ومنه :

إنّماه ما ريت ذك التّحت ساق

وذك العينين الملاح (٥) الرّشاق

وعمل إير فاسّراول رواق (٦)

ورفع بالثياب بحل قيطون

أنا والله قد ابتديت في العمل

أوذيك زلق لساعة دخل (٧)

وأنا نرعج (٨) حلو حلو كالعسل

وهبط روحي بن سقّي سخون (٩)

١١٥ ـ الهيدورة

قال الحضرمي : كان بقرطبة مخنّث يعرف بالهيدورة ، قد برع في التخنيث والكيد ، حتى صار يضرب به المثل ، وهو الذي لما حصل في الأسر كتب له إخوانه يتفجّعون من شأنه ،

__________________

(١) في الديوان : ففصلوا.

(٢) في الديوان : واحلفوا لي بأن رأيي صواب.

(٣) في الديوان : في ذا العمل.

(٤) في الديوان : ونظموا.

(٥) في الديوان : الرشاق الرشاق.

(٦) في الديوان : ورفع فالسراويل.

(٧) في الديوان : أو ذاه قد خرج أو ذاه قد دخل.

(٨) في الديوان : ندفع.

(٩) في الديوان : وخرج روح بن سقيه سخون.

١١٧

فجاوبهم : يا سخفاء العقول ولأي شيء تتفجعون من شأني وهناك ... وهنا ... وزيادة ختانة لم تقطع خير كثير.

قال : وليس بالأندلس بلد قد شهر بكثرة القطماء مثل قرطبة ، وخاصة منه درب ابن زيدون ، فيقولون في التعريض : هو من درب ابن زيدون كما يقولون : رطب الذراع.

قال : وكان في درب ابن زيدون رجل مشهور بهذا الشأن ينام في أسطوان داره ، ويترك القفل على الباب يتمكّن فتحه ، فإذا رآه سارق على تلك الحال عالج الباب ودخل ، فيمسكه القطيم ، وكان له عبدان يريحهما بهذا الشأن ، فيقول السارق : أيها الملعون! جسرت على بابي وفتحه وأردت الدخول على حرمي ، ما بقي لك إلا أن ... والله وتالله لا زلت حتى تفعل ، فتتم لك النادرة فيّ. ثم ينبطح فيرى السارق أنه يفعل ذلك لئلا يفتضح ، ثم يطلقه.

١١٦ ـ البحبضة الحكيم

كان خفيف الروح. قصدته يوما عجوز وهو في دكّانه ، فقالت له وهو بين جلسائه : يا سيدي ، أنت هو الحكيم البحبوضي؟ فقال لها في الحين : يا ستي وأنت هي العجوز سوّ القواده.

وكان في قرطبة طبيب يقال له رأس قدح ، فجاءته عجوز يوما ، وقالت له : يا سيدي! أنت ه الرأس خيبة! فقال : من عاش كبر.

١١٧ ـ يحيى بن عبد الله بن البحبضة

كان في المائة السابعة يشتغل بأعمال السلطان وله أزجال على طريقة البداة التي يغنون بها على البوق. من ذلك زجله الطيار :

دعن نشرب قطيع صاح

من ذنّا ست الملاح

دعن نشرب ونرخي شفّا

ونصاحب من ليس فيه عفّا

يا زغلا شدّوا الأكفا

من باب الجوز يسمع صياحي

والله إنك صرف ملحلّا

وسمينا بحال بخلّا

وخفيفا بحال بوللّا

١١٨

حن تطرلي مع الرياح

والله ذنا اني مشاكل

وحزامي مليح وكامل

حن تراني نرخى السراول

على وجه القرق الصيّاح

يا زغلّة درب الزجالي

منه فيكم زغل بحال

أو دلال بحال دلالي

أو رماح بحال رماحي

غدا قالت تجيني ذنّا

بتخفيف مليح وحنّا

نشرب الكاس معها مهنا

حن تجيني بياض صباحي

١١٩

بسم الله الرحمن الرحيم

صلى الله على سيدنا محمد

أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه ، فهذا :

الكتاب الثاني

من الكتب التي يشتمل عليها

كتاب [الحلّة] الذهبية في حلى الكورة القرطبية

وهو

كتاب الصبيحة الغراء في حلى حضرة الزهراء

هن عروس : لها منصة وتاج وسلك وحلة.

المنصة

ذكر ابن حوقل : أن الناصر بناها في غربي قرطبة في سفح جبل ، وأمر مناديه ينادي : ألّا من أراد أن يبني بجوار السلطان فله أربعمائة درهم ، فسارع الناس إليها ، وجعلها الناصر قطبة ، قال الحجاري : وكان منذر ابن سعيد قاضي الناصر (١) وخطيبه كثيرا ما يقرّعه فيما أسرف فيه من مبانيه ، ويعظه ، ودخل عليه يوما وهو مكبّ على البنيان ، فوعظه ، فأنشده الناصر قوله ـ وهو عالي الطبقة (٢) : [الكامل]

همم الملوك إذا أرادوا ذكرها

من بعدهم فبألسن البنيان

__________________

(١) ذكره المقري في نفح الطيب (ج ١ / ص ٣٥٦ / ٣٥٧) نقلا عن المغرب لابن سعيد.

(٢) الأبيات في نفح الطيب (ج ٢ / ص ٦١ / ٦٢) و (ص ١١٠ / ١١١).

١٢٠