تاريخ مدينة دمشق - ج ٢٥

أبي القاسم علي بن الحسن ابن هبة الله بن عبد الله الشافعي [ ابن عساكر ]

تاريخ مدينة دمشق - ج ٢٥

المؤلف:

أبي القاسم علي بن الحسن ابن هبة الله بن عبد الله الشافعي [ ابن عساكر ]


المحقق: علي شيري
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٩٦
الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٢ الجزء ٣٣ الجزء ٣٤ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١ الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠

من كان فيهم من المسلمين ، فقتلوهم كل قتلة ، وفعل من وراءهم فعلهم ، وغز (١) المسلمون بوقعة أبي بكر ، وحلف أبو بكر ليقتلن في المشركين كل قبيلة ، [بمن](٢) قتلوا من المسلمين وزيادة. وفي ذلك يقول زياد بن حنظلة التميمي :

غداة سعى أبو بكر إليهم

كمايسعى لموتته جلال (٣) أراح علىنواهقها عليّا

ومجّ لهنّ مهجته حبال

وقال أيضا :

أقمنا لهم عرض الشمال فكبكبوا

ككبكبة الغزى أناخوا على الوفر (٤)

فما صبروا للحرب عند قيامها

صبيحة يسمو (٥) بالرجال أبو بكر

طرقنا بني عبس بأدنى نباجها

وذبيان نهنهنا بقاصمة الظهر

ثم لم يصنع إلا ذلك ، حتى ازداد المسلمون لها ثباتا على دينهم في كلّ قبيلة وازداد لها المشركون انعكاسا (٦) على أمرهم في كل قبيلة ، وطرقت المدينة صدقات نفر : صفوان ، والزبرقان ، وعدي ابن [حاتم](٧) صفوان ثم الزبرقان ثم عدي بن [حاتم](٨) صفوان في أول الليل والثاني في وسطه والثالث في آخره ، فكان الذي بشر بصفوان سعد بن أبي وقّاص ، والذي بشر بالزبرقان عبد الرحمن بن عوف ، والذي بشر بعديّ عبد الله بن مسعود ، وقال غيره : أبو قتادة. قال : فقال الناس لكلّهم حيث طلع : نذير ، فقال أبو بكر : هذا بشير ، هذا حامي وليس بواني ، فإذا نادى بالخير قالوا : طال ما بشرت بالخير ، فسرّك الله ، وذلك لتمام ستين يوما من مخرج أسامة ، وقدم أسامة بعد ذلك لأيام ، لشهرين وأيام ، فاستخلفه أبو بكر على المدينة ، وقال له ولجنده : أريحوا وارعوا ظهركم.

ثم خرج في الذين خرجوا إلى ذي القصّة ، والذي كانوا على الأنقاب على ذلك

__________________

(١) عن الطبري ، وبالأصل : «برّ».

(٢) زيادة عن الطبري.

(٣) بالأصل «خلال» والمثبت عن الطبري ، والجلال : البعير العظيم.

(٤) بالأصل : «ككبكية الانحا نوكا على الوقر» والمثبت عن الطبري.

(٥) بالأصل : يسمى بالرجال أبي بكر.

(٦) عن الطبري وبالأصل : «انقساعا».

(٧) ما بين معكوفتين زيادة منا للإيضاح انظر البداية والنهاية ٦ / ٣١٤.

(٨) ما بين معكوفتين زيادة منا للإيضاح انظر البداية والنهاية ٦ / ٣١٤.

١٦١

الظهر ، فقال له المسلمون : ننشدك الله يا خليفة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن تعرّض نفسك ، فإنك إن تعرّض نفسك لم يكن للناس نظام ، ومقامك أشدّ على العدو ، فابعث رجلا ، فإن أصيب أمّرت آخر ، فقال : والله لا أفعله ولأواسينّكم بنفسي فخرج في تعيية إلى ذي حسا وذي القصّة والنعمان وعبد الله وسويد على ما كانوا عليه ، حتى ينزل على أهل الربذة بالأبرق ، فاقتتلوا فهزم الله الحارث وعوفا (١) وأخذ الخطبة أسيرا فطارت عبس وبنو بكر ، وأقام أبو بكر على الأبرق أياما ، وقد غلب بني ذيبان على البلاد ، وقال : حرام على بني ذيبان أن يتملكوا على هذه البلاد إذ غنّمناها الله وأجلاها ، فلما غلب على أهل الردّة دخلوا في الباب الذي خرجوا منه ، وسامح الناس خاف بنو ثعلبة ومن كان ينازلهم لينزلوها ، فمنعوا منها ، فأتوه في المدينة ، فقالوا (٢) : على ما نمنع من لزوم بلادنا ، فقال : كذبتم ليست لكم ببلاد ولكنها موهبى ونقدتي ، ولم يعتبهم وحما الأبرق لخيول المسلمين وأرعى سائر بلاد الربذة الناس على بني ثعلبة ، ثم حماها كلها لصدقات المسلمين لقتال كان قد وقع بين الناس وبين أصحاب الصدقة ، فمنع بذلك بعضهم من بعض.

ولما فضّت عبس وذبيان أرزوا إلى طليحة وقد ترك طليحة على البزاخة وارتحل عن سميراء إليها ، فأقام عليها ، وقال زياد بن حنظلة في يوم الأبرق :

ويوما بالأبارق قد شهدنا

على ذبيان يلتهب التهابا

أتيناهم بداهية بسيف (٣)

مع الصّدّيق إذ نزل العتابا

أخبرنا أبو القاسم زاهر بن طاهر ، أنا أبو بكر أحمد بن الحسين.

ح وأخبرنا أبو القاسم إسماعيل بن أحمد ، أنا أبو بكر محمّد بن هبة الله ، أنا أبو الحسين محمّد بن الحسن ، أنا عبد الله بن جعفر ، نا يعقوب بن سفيان ، نا الحجّاج بن أبي منيع ، نا جدي ، عن الزهري ، قال : لما استخلف الله أبا بكر فارتدّ من ارتدّ من العرب عن الإسلام خرج أبو بكر غازيا حتى إذا بلغ نقعا (٤) من نحو البقيع خاف على

__________________

(١) بالأصل : وعوف.

(٢) بالأصل : فقال.

(٣) الطبري : «نسوف» أي الشاقة.

(٤) النقع : الماء المجتمع (اللسان).

١٦٢

المدينة فرجع وأمّر خالد بن الوليد بن المغيرة سيف الله ، وندب معه الناس أمره أن يسير في ضاحية مضر فيقاتل من ارتدّ عن الإسلام منهم ، ثم يسير إلى اليمامة فيقاتل مسيلمة الكذاب ، فسار خالد بن الوليد فقاتل طليحة الكذاب الأسدي ، فهزمه الله ، وكان قد اتّبعه عيينة بن حصن بن حذيفة ، فلما رأى طليحة كثرة انهزامهم أصحابه قال : ويلكم ما يهزمكم؟ قال رجل منهم : أنا أحدثك ، ما يهزمنا أنه ليس رجل منّا إلّا وهو يحب أن يموت صاحبه قبله ، وإنّا لنلقى قوما كلهم يحب أن يموت قبل صاحبه ، وكان طليحة شديد البأس في القتال ، فقتل طليحة يومئذ عكّاشة بن محصن ، وابن أقرم ، فلمّا غلب الحق طليحة برجل ثم أسلم وأهلّ بعمرة ، فركب يسير في الناس آمنا حتى مرّ بأبي بكر بالمدينة ، ثم نفذ إلى مكة ، فقضى عمرته.

أخبرنا أبو علي الحسين بن علي بن أشليها ، وابنه أبو الحسن علي ، قالا : أنا أبو الفضل بن الفرات ، أنا أبو محمّد بن أبي نصر ، أنا أبو القاسم بن أبي العقب ، أنا أبو عبد الملك أحمد بن إبراهيم القرشي ، نا محمّد بن عائذ قال : فأخبرنا الوليد بن مسلم ، عن محمّد بن مسلم الزهري قال : فسار خالد بن الوليد فقاتل طليحة بن الكذاب الأسدي فهزمه الله ، وكان قد تابعه عيينة بن حصن ، فلما رأى طليحة كثرة انهزام أصحابه الذين صدقوه قال : ويلكم ما يهزمكم؟ قال رجل منهم : أنا أحدثك ما يهزمنا ، أنه ليس منّا رجل إلّا وهو يحب أن يموت صاحبه قبله ، وإنّا نلقى قوما كلهم يحب أن يموت قبل صاحبه ، وكان طليحة رجلا شديد البأس في القتال ، فقتل طليحة يومئذ عكّاشة بن محصن ، وثابت بن أقرم.

أخبرنا أبو القاسم بن السّمرقندي ، أنا أبو الحسين بن النّقّور ، أنا أبو طاهر المخلّص ، نا أبو بكر بن سيف ، نا السّري بن يحيى ، نا سعد بن إبراهيم ، نا سيف بن عمر ، عن سهل بن يوسف ، عن القاسم بن محمّد بن الخليل ، وهشام بن عروة قالوا : اجتمعت عوامّ أسد وطيّىء وغطفان ونبذ من جديلة ونبذ من بني عبد مناة بن كنانة على طليحة بن خويلد بعد موت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ومات رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وعماله على أسد : سنان بن أبي سنان الغنمي غنم بن دودان ، وقضاعيّ بن عمرو الدّيلي ، وبعث ضرار بن الأزور منحم (١) طليحة وأرسل إلى عوف الورقاني فاستنجده واستنهضه وكانوا أربعة ،

__________________

(١) كذا رسمها.

١٦٣

وكان عماله على طي عدي على النصف من ثعل وعلى النصف الآخر زيد الخيل بن مهلهل بمكان مكانه مهلهل ، وعلى النصف من جديلة طي ثمامة ، وعلى النصف الآخر الحارث بن فلان الفرادحي ، وعلى غطفان على فزارة عيينة بن حصن ، وعلى سعد بن ذيبان سعد بن العمارة ، وعلى عبس عبد الله ، وكانت أشجع على الإسلام لم يمالئوا غطفان ، فلما أجمع ملأهم على طليحة هرب عمال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلّا من فتن عن دينه ، فعسكر طليحة على البزاحة وانضم إليه عيينة في فزارة ولفها ، وأقام بنو سعد وعبس بالأبرق ومن تأشّب إليهم من جديلة ، وعسكرت الغوث على الأكناف ، وجديلة بالأنسر أرض القرادح ، فولّى أبو بكر بني سعد بن ذيبان وعبس ومن تأشّب إليهم بذي حسى وأنزل ذا القصة جيشا ، ثم سار إلى الأبرق فقتلهم واستولى على البلد ، فأرزت (١) سعد وعبس ولفها إلى البزاحة ، وأرسل طليحة إلى جديلة والغوث أن ينضموا إليهم وتعجّل إليه ناس من الحيين وأمروا قومهم باللحاق بهم ، فقدموا على طليحة ، فأخبروه ، وبعث أبو بكر عديا قبل توجيه خالد من ذي القصّة إلى قومه ، وقال : أدركهم لا يؤكلوا ، فخرج إليهم ، فقتلهم في الذروة والغارب (٢) ، وخرج خالد في أثره وأمره أبو بكر أن يبدأ بطيّئ على الأكناف ، ثم يكون وجهه إلى البزاحة ، ثم يثلث بالبطاح ، ولا يريم إذا فرغ من قوم حتى يحدّث إليه ، وأظهر أبو بكر أنه خارج إلى خيبر ومنصب عليه منها حتى يلاقيه بالأكناف ـ أكناف سلمى ـ فخرج خالد فازوارّ (٣) عن البزاحة وجنح إلى أجأ جبل ، وأظهر أبو بكر أنه خارج فقعد طيئا ذلك وطلبهم (٤) عن طليحة وقدم عليهم عدي فدعاهم فقالوا : لا نتابع أبا الفصيل أبدا ، فقال : لقد أتاكم قوم ليبيحن حريمكم ولتكنّنه بالفحل الأكبر ، فشأنكم فقالوا له : فاستقبل الجيش فنهنه عنا حتى نستخرج من لحق بالبزاخة منا ، فإنا إن خالفنا طليحة وهم في يده قتلهم أو ارتهنهم فاستقبل عدي خالدا وهو بالسنج فقال : يا خالد أمسك عني ثلاثا يجمع يجتمع لك خمس مائة مقاتل تضرب بهم عدوّك خير من أن تعجلهم إلى النار ، وتشاغل بهم ، ففعل ، وعاد عدي إليهم وقد راسلوا إخوانهم ، فأتوهم من بزاحة كالمدد ولو لا ذلك لم يتركوا ، فعاد عدي إلى خالد

__________________

(١) انظر الخبر في الطبري ٣ / ٢٥٣ (ط. مصر) حوادث سنة ١١.

(٢) بالأصل : والغالب ، والمثبت عن الطبري.

(٣) عن الطبري وبالأصل : فارواه.

(٤) الطبري : وبطأهم.

١٦٤

بإسلامهم ، وارتحل خالد نحو الأنسر يريد جديلة ، فقال له عدي : إن طيئا كالطائر وإن جديلة أحد جناحي طيئ فأجّلني أياما ، فلعل الله أن ينتقد لك جديلة كما تنقد العرب (١) ، ففعل ، فأتاهم عدي فلم يزل عنهم وبهم حتى تابعوه ، فجاء بإسلامهم ولحق بالمسلمين منهم ألف راكب ، فكان خير مولود ولد في طيئ وأعظمه عليهم بركة.

قال : ونا سيف عن سهل بن يوسف ، عن القاسم بن محمّد قال : فخرج خالد من الأكناف إلى الغمر (٢) حتى نزل به وعليه جمع من المشركين عليهم نضلة بن خالد فهزمهم وألجأهم إلى طليحة ، وطليحة والمشركون على البزاحة يشجع لهم ويعملون بقوله ، وأقام المسلمون على العمر وانتظر أول المسلمون آخرهم فقال رجل في ذلك (٣) :

جزى الله عنا طيّئا في بلادها

ومعتزل الأبطال خير جزاء

هم أهل رايات السّماحة والنّدى

إذا ما الصّبا ألوت بكل خباء

هم ضربوا زهوا على الدين بعد ما

أحابوا منادي فتنة وعماء

رجال (٤) أتوا بالغمر لا يسلمونه

وثجّت عليهم بالرماح دماء (٥)

مرارا فمنها يوم أغلى بزاحة

ومنها القصيم دورها ورعاء (٦)

واجتمعا ، قال : وكان مما شجع لهم طليحة أن الله لا يصنع بتعفير وجوهكم ولا فتح أدياركم شيئا ، فاذكروا الله أعفة قياما ، قال سهل : ويأخذ المسلمون رجلا من بني أسد ، فأتي به خالد بالغمر وكان عالما بأمر طليحة ، فقال له خالد : حدّثنا عنه وعما يقول لكم ، فزعم أن مما أتى به : والحمام واليمام والصرد والصوام ، قد ضمن قبلكم أعوام ، ليبلغنّ ملكنا العراق والشام ، قال : وهي قال : والقرد والنيرب ، ليقتلن النيرب ، إذا صراخوكم الجندب ، والله لا نسحب ولا نزال نضرب ، حتى ينتج أهل يثرب.

قال : ونا سيف عن أبي يعقوب سعد (٧) بن عبيد قال : لما أرز أهل الغمر إلى

__________________

(١) الطبري : الغوث.

(٢) بالأصل : العمر ، بالعين المهملة والصواب عن ياقوت ، وهو ماء من مياه بني أسد.

(٣) الأبيات في معجم البلدان «غمر».

(٤) في معجم البلدان : وخال أبونا الغمر.

(٥) في البيت إقواء.

(٦) في ياقوت : ومنها القصيم ذو زهى ودعاء.

(٧) الطبري ٣ / ٢٦٠ سعيد بن عبيد.

١٦٥

البزاحة قام فيهم طليحة ، قال : أمرت أن تصنعوا رحا ذات عرى ، يرمي الله بها [من](١) رمى ، يهوى عليه [من](٢) هوى ، ثم عبأ جنوده وقال : ابعثوا فارسين على فرسين أدهمين من بني نصر بن قعين يأتيانكم بعين ، فبعثوا فارسين من بني نصر بن قعين ، فأتياه بعين فخرج هو وسلمة طليعتين.

أنبأنا أبو محمّد بن الآبنوسي ، ثم أخبرنا أبو الفضل بن ناصر عنه ، أنا أبو محمّد الجوهري ، أنا أبو الحسين بن المظفّر ، أنا أبو علي المدائني ، أنا محمّد بن عبد الله بن البري ، نا ابن هشام ـ يعني عبد الملك ـ عن زياد ـ يعني ابن عبد الله البكّائي ـ عن ابن إسحاق : أن طليحة قتل عكّاشة بن محصن في الردّة في خلافة أبي بكر الصّديق حين ارتدّ طليحة الأسدي فقال طليحة :

ما ظنكم بالقوم إذ تقتلونهم

أليسوا وإن يسلموا برجال

فإن تكن أذواد أصبن ونسوة

فلن يذهبوا فرعا ثقيل حبال

نصبت لهم مكر الحمالة إنها

معاودة قيل الكماة نزال

فيوما تراها في الجلال مصونة

ويوما تراها غير ذات جلال

عشية غادرت ابن أقرم ثاويا

وعكّاشة الغنمي عند مجال

أخبرنا أبو علي بن أشليها وابنه أبو الحسن علي قالا : أنا أبو الفضل بن الفرات ، أنا أبو محمّد بن أبي نصر ، أنا علي بن يعقوب ، أنا أحمد بن إبراهيم ، نا محمّد بن عائذ ، نا أبو بكر بن محمّد ، ومروان بن أبي وهب المصري ، عن يونس ، عن ابن شهاب قال : وقتل طليحة يومئذ عكّاشة بن محصن الأسدي وثابت بن أقرم فقال طليحة :

عشية غادرت ابن أقرم ثاويا

وعكّاشة الغنمي تحت مجال

أقمت لهم صدر الحمالة إنها

معاودة قيل الكماة نزال

فيوما تراها في الجلال مصونة

ويوما تراها في ظلال عوال

فما ظنّكم بالقوم إذ تقتلونهم

أليسوا وإن لم يسلموا برجال

فإن تلك أذواد أصبن ونسوة

فلم يذهبوا فزعا ثقيل حبال

أخبرنا أبو القاسم بن السّمرقندي ، أنا أبو الحسين بن النّقّور ، أنا أبو طاهر المخلّص ، أنا أبو بكر بن سيف ، أنا السّري بن يحيى ، أنبأ شعيب بن إبراهيم ، نا

__________________

(١) الزيادة عن الطبري.

(٢) الزيادة عن الطبري.

١٦٦

سيف بن عمر ، عن أبي يعقوب وسهل قالا : وبعث خالد طليعة عكّاشة بن محصن أحد بني غنم بن ذودان ، وثابت بن أقرم أحد بني العجلان من بلي ، وخرج طليحة وسلمة ابنا خويلد طليعة القوم فالتقوا فيما بين العسكرين الغمر والبزاحة فالتقوا وتشاولوا فنمص المسلمان بالمشركين فلما خشي عكّاشة أن يقرباه وقد علم عكّاشة أن على طليحة يمينا أن لا يدعوه أحد إلى النزال إلّا أجابه ، فقال : يا طليحة نزال ، وقال ذلك لرجل عليه توكيد فعاج عليه وهو يقول : إن أنا إن لم أفعل قمت ازلا وتنازلوا فبرز طليحة لعكّاشة وسلمة لثابت وأنكر طليحة ، قد علمت من النسب رداها ، ونازعته طيها وماءها ، فأما ثابت فلم يلبث سلمة أن قتله ، وأغار طليحة على عكّاشة ، فقال أعنّي عليه يا سلمة ، فإنه آكلي ، فاكتنفاه فقتلاه ، ثم رجعا ، وقد كان أبو بكر أصاب حبالا يوم ذي حسى وعلى أهل ذي القصّة والأبرق ، ويقول من لا يعلم : أصيب يوم الغمر ، وفي ذلك يقول طليحة عند مقتلهما :

يا ليتني وإياكما في است حباري

نوار بكم وانواري (١)

وقال في الشعر :

نصبت لهم صدر الحمالة إنها

معاودة قيل الكماة نزال

فيوما تراها في الجلال مصونة

ويوما تراها غير ذات جلال

ويوما تضيء المشرقية نحرها

ويوما تراها في ظلال عوال

فما ظنّكم بالقوم إذ تقتلونهم

أليسوا وإن لم يسلموا برجال

عشية غادرت ابن أقرم ثاويا

وعكّاشة الغنمي عنه مجال

فإن تك أذواد أصيبت وقطبة

فلم تذهبوا فزعا بقتل حبال

قال : ونا سيف ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه وأبي يعقوب ، عن (٢) الحضرمي عن عامر قال : ونادى خالد : يا معشر المسلمين اصبروا لله فإنكم في إعزاز دينه فاصبروا ساعة بعد الجزع تظفروا ، واشتدت على أسد وغطفان حتى ارتابوا ، ولغب (٣) عيينة وهزّته الحرب ، وكان طليحة يمنيه الظفر ويعده الغنم وجعل يومئذ يرتجز ويقول :

__________________

(١) كذا رسم الرجز الثاني بالأصل.

(٢) بالأصل : «عن ابن الحضرمي عن عامر» والمثبت قياسا إلى سند مماثل.

(٣) لغب : أعيا أشد الإعياء (اللسان).

١٦٧

اصبر لغاب فحما

فجاء حتى وقف عليه ، وهو متلفف في كساء فقال : لا أبا لك هل جاءك الملك ـ وقال أبو يعقوب : ذو النون ـ بشيء مما كنت تمنّينا؟ فقال : لا ، فارجع فقاتل ، ففعل حتى إذا ضرس الحرب ، فرجع إليه ، فقال : لا أبا لك جاءك؟ فقال : لا ، فارجع ، قال : لا أبا لك ، قال : فما تنتظر فقد والله بلغنا ، ثم كر فقاتل حتى إذا أيقن بالسر أتاه ، فقال : هل جاءك؟ قال : نعم ، قال : فما ذا قال لك؟ قال : قال : «إن لك رحا كرحاه ، وحديثا لا تنساه ، أو بعير وأوينهاه. فقال عيينة : أظنه ، والله سيكون لنا ولك حديث لا تنساه ، ثم نادى : يا آل فزارة ، يا آل ذبيان ، يا آل بغيض ، يا آل غطفان ، فتركوا مما مصافهم وأقبلوا إليه ، وأحلوا بني أسد بالمسلمين ، فقالوا : ما ذا قال الرجل والله كذاب خذوا مهلكم وانصرفوا ، فانصرفوا منهزمين ، وتركبهم المسلمين ، ولم يثبت للمسلمين أحد إلّا بنو نصر بن قعبن ، فصاروا ردأ للمشركين ، ولو لا ذلك أفنوهم ، وما زالت بنو نصر تقاتل تحوّزهم المسلمون حتى انتهوا إلى طليحة ، فأحاطوا به ، وقالوا : إنما أمرت ، قال : أمرت أن أصنع رحا كرحاهم ، أو يفر حتى لا يراهم. فقال أبو سماك : بل نفر حتى لا نراهم. فقالوا : فما ترى وما ذا تصنع؟ فقال : من استطاع منكم أن يفعل لما أفعل فليفعل ، ثم جال في متن فرسه وحمل امرأته النوار على بعير ثم وجهه نحو الحوشية حتى قدم الشام ، وقد كان طليحة جعل بين العيان والعسكر مسيرة أيام ، وقال : احزروا عيالاتكم ولا تغزروا بهم ، ولا تجعلوا عدوكم بالخيار عليكم ، فإن كانت لكم فما أقربكم ، وإن كانت عليكم كانت أعراضكم وافرة ، فلم يصب لأسدي ولا بغطفاني ولا لأحد من لفهم حرمة في البزاحة إلّا الدماء ، وقال طليحة في مهربه ومرّ على امرأة من بني أسد فنظرت إليه تسقي على عجل ، فضحكت وهربت من روعته فقال :

اما تريني سافيا عجالا

أسفي مخاطبا وردت نهالا

فقد أكرّ الذكر الطوالا

على الرجال يطرد الرجالا

وقد أصبحت الغارة الريالا

حتى رجعنا ناعمين بالا

وقد تولّوا كاسفين حالا

أخبرنا أبو القاسم الواسطي ، أنا أبو بكر الخطيّب ، أنا أبو منصور محمّد بن محمّد بن عثمان السّواق ، أنا إبراهيم بن أحمد بن جعفر الخرقي ، أنا أحمد بن

١٦٨

الحسين بن سفيان النحوي ، نا أحمد بن عبيد بن ناصح ، أخبرنا الواقدي ، نا محمّد بن عبد الرّحمن بن الريان ، عن زيد بن أسلم ، عن مسلم بن جندب ، عن ابن عمر قال : نظرت إلى راية طليحة يومئذ ـ يعني طليحة بن خويلد الأسدي ـ يوم الردّة حمراء يحملها رجل منهم لا يزول بها (١) فترا ، فنظرت إلى خالد بن الوليد حمل عليه فقتله ، وكانت هزيمتهم ، فنظرت إلى الراية تطأها الإبل والخيل والرجال حتى تقطعت.

أخبرنا أبو القاسم إسماعيل بن أحمد ، أنا أحمد بن محمّد بن النّقّور ، أنا محمّد بن عبد الرّحمن بن العباس ، أنا أحمد بن عبد الله بن سعد ، حدّثنا السّري بن يحيى ، نا شعيب بن إبراهيم ، نا سيف بن عمر ، عن الكلبي : أن طليحة يومئذ أخذ أربعين ، فوافق سعدا وعمرا في العدة ، ولم ينسبهم إلى قوله ، فضربوا عنق أخي حبال ـ.

وقال الكلبي : عنق حبال ـ وخرج طليحة هاربا نحو الشام ، واتبعه عكّاشة ، وثابت ، وكان طليحة قد أعطى الله عهدا لا يسأله أحد النزال إلّا فعله ، فلمّا أدبر ناداه عكّاشة : يا طليحة ، قال : فعطف ، وقال : من أبى فات أزلا ، وقتل طليحة عكّاشة وثابتا بعده وحده لم يكن معه أحد ، ثم لحق بالشام ، فلم يقدم إلّا في إمارة عمر ، وقال : أنت قاتل عكّاشة وثابت؟ والله لا أحبك أبدا ، فقال : يا أمير المؤمنين ما تنعم من رجلين أكرمهما الله بيدي ، ولم يهنّي بأيديهما ، فبايعه عمر ثم قال له خري بن فاتك : ما بقي من كهانتك؟ قال : نفخة ونفختان بالكير ، وقال طليحة حين هرب ومرّ على امرأة من بني أسد ، مثل الحديث الأوّل.

قرأت بخط أبي عمر بن حيّوية ، عن أبي عمر محمّد بن عبد الواحد الزاهد ، أنا ثعلب ، عن سلمة ، عن الفراء ، قال : هو عكّاشة لا غير لأنه رد الكاف في عكاش.

أخبرنا أبو غالب الماوردي ، أنا أبو الحسن السّيرافي ، أنا أحمد بن إسحاق ، نا أحمد بن عمران ، نا موسى ، نا خليفة (٢) ، نا بكر بن سليمان ، عن ابن إسحاق ، حدّثني طلحة (٣) بن يزيد بن ركانة ، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة (٤) ، قال : قاتل عيينة بن

__________________

(١) كتبت فوق الكلام بين السطرين.

(٢) تاريخ خليفة ص ١٠٣ (ردة طليحة الأسدي).

(٣) كذا «حدثني طلحة» وابن إسحاق لا يحدث عن طلحة بل إنه يحدث عن ابنه محمد ، انظر مروياته في سيرة ابن هشام ١ / ٢٦٠ والطبري ٣ / ٢٦٠ و ٢٥٦.

(٤) عن خليفة وبالأصل : شيبة.

١٦٩

حصن مع طليحة في سبع مائة من بني فزارة ، فانهزم الناس وهرب طليحة إلى الشام ، وانفضّ جمعه.

أخبرنا أبو القاسم بن السّمرقندي ، أنا أبو الحسين بن النّقّور ، أنا أبو طاهر المخلّص ، نا أبو بكر بن سيف ، أنا السّري بن يحيى (١) ، أنا شعيب بن إبراهيم ، نا سيف بن عمر ، عن عبد الله بن سعد (٢) بن ثابت بن الجذع ، عن عبد الرّحمن ـ يعني ابن كعب بن مالك ـ عن من شهدها من الأنصار قال : لم يصب خالد على البزاحة عيّلا واحدا ، كانت عيالات بني أسد محرزة ، وقال أبو يعقوب : بين مبعث (٣) وفلج ، وكانت عيالات قيس بين فلج وواسط فلم يعد أن انهزموا ، فأقروا جميعا بالإسلام خشية على الذراري واتقوا خالدا بطلبته (٤) واستحقوا الأمان ، ومضى طليحة حتى نزل في كلب على النقع ، فأسلم ، ولم يزل مقيما في كلب حتى مات أبو بكر ، وكان إسلامه هنالك حتى بلغه أن أسدا (٥) وغطفان وعامرا (٦) قد أسلموا ، ثم خرج نحو مكة معتمرا في إمارة (٧) أبي بكر ، فمر بجنبات المدينة ، فقيل لأبي بكر : هذا طليحة ، فقال : ما أصنع به ، خلّوا عنه ، فقد هداه الله للإسلام ، ومضى طليحة نحو مكة ، فقضى عمرته ، ثم أتى عمر للبيعة حين استخلف فقال له ما قال ، ثم رجع إلى دار قومه ، فأقام بها حتى خرج إلى العراق.

وقال ضرار بن الأزور في ذلك يعيّر قومه بني أسد :

بني أسد قد ساءني ما صنعتم

وليس لقوم حاربوا الله محرم

وأعلم علم الحقّ أن قد غويتم

بني أسد فاستأخروا أو تقدّموا

بهبتكم أن تنهبوا صدقاتكم

وقلت لكم يا آل ثعلبة اعلموا

عصيتم ذوي ألبائكم وأطعتم

ضمينا وأمر ابن اللقيطة أشأم.

وقد بعثوا وفدا إلى أهل دومة

فقبح من وفد ومن يتيم

__________________

(١) الخبر في تاريخ الطبري ٣ / ٢٦١ (حوادث سنة ١١).

(٢) الطبري : سعيد.

(٣) الطبري : مثقب.

(٤) بالأصل : «وابقوا خالدا بطامن» وصواب العبارة عن الطبري.

(٥) بالأصل : أسد.

(٦) بالأصل : عامر.

(٧) بالأصل : «إمارة عمر أبي بكر» والصواب عن الطبري.

١٧٠

أخبرنا أبو علي بن أشليها ، وابنه أبو الحسن علي ، قالا : أنبأ أبو الفضل بن الفرات ، أنا عبد الرّحمن بن عثمان ، أنا علي بن يعقوب ، أنا أحمد بن إبراهيم ، نا محمّد بن عائذ ، أنا الوليد بن محمّد بن محمّد بن مسلم الزهري ، قال : فلما غلبت (١) الحق طليحة ترحّل ثم أسلم وأهلّ بعمرة ، فركب يسير في الناس آمنا حتى مرّ بأبي بكر بالمدينة ثم نفذ إلى مكة فقضى عمرته.

أنبأنا أبو الفرج غيث بن علي ـ ونقلته من خطه ـ ثنا أبو بكر أحمد بن علي ـ لفظا ـ أنا أبو منصور محمّد بن محمّد بن عثمان بن السّواق ، أنا أبو القاسم إبراهيم بن أحمد بن جعفر الخرقي ، أنبأ أبو بكر أحمد بن الحسن بن سفيان النحوي ، نا أبو جعفر أحمد بن عبيد بن ناصح النحوي ، أنا محمّد بن عمر الواقدي ، قال : قالوا : ثم هرب ـ يعني طليحة ـ حتى قدم الشام فأقام عند بني جفنة الغسانيين حتى فتح الله أجنادين ، وتوفي أبو بكر ، ثم خرج محرما بالحجّ فقدم في خلافة عمر مكة ، فلما رآه عمر قال : يا طليحة لا أحبك بعد قتلك الرجلين الصالحين عكّاشة وثابت بن أقرم ، فقال : يا أمير المؤمنين رجلين أكرمهما الله بيدي ، ولم يهني بأيديهما ، وما كل النبوت تنبت على الحب ، ولكن صفحة جميلة ، فإن الناس يتصافحون على السّنان ، وأسلم طليحة إسلاما صحيحا ولم يغمص عليه في إسلامه.

أخبرنا أبو البركات الأنماطي ، أنا أحمد بن الحسن بن خيرون ، أنا عبد الملك بن محمّد ، نا أبو علي بن الصّوّاف ، نا محمّد بن عثمان ، نا محمّد بن إسحاق السّمري ، حدّثني أبي عن الحكم بن هشام ، عن عبد الملك بن عمير ، قال : قال عمر بن الخطاب لطليحة (٢) بن خويلد الأسدي : قتلت عكّاشة بن محصن الأسدي لا يحبك قلبي أبدا ، قال : يا أمير المؤمنين فمعاشرة جميلة ، فإن الناس يتعاشرون على البغضاء (٣) ، رواه أبو نعيم عن ابن الصّواف ، فقال السّمري من ولد سمرة.

أخبرنا أبو القاسم الشّحّامي ، أنا أبو بكر البيهقي.

ح وأخبرنا أبو القاسم بن السّمرقندي ، أنا أبو الفضل بن البقّال ، أنا أبو

__________________

(١) كذا بالأصل.

(٢) بالأصل : لطلحة.

(٣) انظر الإصابة ٢ / ٢٣٤ وأسد الغابة ٢ / ٤٧٧ والوافي بالوفيات ١٦ / ٤٩٦.

١٧١

الحسين بن بشران ، أنا عثمان بن أحمد ، نا حنبل بن إسحاق ، نا الجنيد ، أنا سفيان ، نا عبد الملك بن عمير : أن عمر بن الخطاب كتب إلى سعد بن أبي وقاص أن شاور طليحة الأسدي وعمرو بن معدي كرب في أمر حربك ولا تولّهما من الأمر شيئا فإن كل صانع هو أعلم بصناعته (١).

أخبرنا أبو القاسم أيضا ، أنا أبو الحسين بن النّقّور ، أنا أبو طاهر المخلّص ، نا أحمد بن عبد الله بن سعيد ، نا السّري بن يحيى (٢) ، نا شعيب ، عن إبراهيم ، نا سيف بن عمر ، عن مبشّر (٣) بن الفضيل ، عن جابر بن عبد الله قال : بالله الذي لا إله إلّا هو ما اطّلعنا على أحد من أهل القادسية يريد الدنيا مع الآخرة ، ولقد اتّهمنا ثلاثة نفر ، فما رأينا كما هجمنا عليه من أمانتهم وزهدهم : طليحة بن خويلد ، وعمرو بن معدي كرب ، وقيس بن المكشوح.

ذكر أبو الحسن محمّد بن أحمد بن القوّاس الورّاق : أن طليحة استشهد بنهاوند سنة إحدى وعشرين مع النعمان بن مقرّن ، وعمرو بن معدي كرب.

__________________

(١) الخبر في الاستيعاب وأسد الغابة ، «وإن عمرا كتب إلى النعمان بن مقرن» والوافي بالوفيات : وفيه أن عمر كتب إلى عامله ، ولم يسمه. وسير الأعلام ولم يذكر غير طليحة.

(٢) الخبر في تاريخ الطبري ط بيروت ٢ / ٤٦٦ (حوادث سنة ١٦).

(٣) عن الطبري وبالأصل : ميسر.

١٧٢

ذكر من اسمه طويع

٢٩٩٣ ـ طويع

أظنه ابن حشيب والد معاوية بن طويع.

روى عن عائشة ، روى عنه الوليد بن مالك.

أنبأنا أبو الغنائم الكوفي ، ثم حدّثنا أبو الفضل السّلامي ، أنا أبو الفضل ، وأبو الحسين ، أنا أبو الغنائم ـ واللفظ له ـ قالوا : أنا أبو أحمد ـ زاد أبو الفضل وأبو الحسين الأصبهاني قالا : ـ أنا أحمد بن عبدان ، أنا محمّد بن سهل ، أنا محمّد بن إسماعيل (١) ، قال : طويع عن عائشة ، روى عنه الوليد بن أبي مالك.

ـ في نسخة ما شافهني به أبو عبد الله الخلّال ـ أنا أبو القاسم بن منده ، أنا أبو علي ـ إجازة ـ.

ح قال : وأنا أبو طاهر ، أنا علي ، قالا : أنا أبو محمّد (٢) ، قال : طويع ، ويقال معاوية بن طويع وهو عندنا أصح ، روى عن عائشة ، روى عنه الوليد بن أبي مالك ، سمعت أبي يقول ذلك ، معاوية بن طويع قد روى عن عائشة (٣) إلّا أن الرّاوي عنه أبو بكر بن أبي مريم الغسّاني ، فالله أعلم.

__________________

(١) التاريخ الكبير للبخاري ٤ / ٣٦٧.

(٢) الجرح والتعديل ٤ / ٥٠١.

(٣) هذا ما ورد في ترجمة معاوية في الجرح والتعديل ٤ / ١ / ٣٨٠ والذي في تاريخ الكبير ٤ / ١ / ٣٣١ «سمع أبا هريرة».

١٧٣

ذكر من اسمه طهمان

٢٩٩٤ ـ طهمان بن عمرو

أحد شعراء العرب.

وفد على عبد الملك بن مروان.

ذكر أبو الطيّب محمّد بن إسحاق بن يحيى الوشّاء ، أخبرني الحسن بن الحسين الأزدي ، أخبرني محمّد بن حبيب ، عن يحيى بن بيهس ، ويعقوب بن إسحاق ، عن الكلاس ، قالوا : أخذ نجدة الحروري طهمان بن عمرو ، وكان لصّا فقطعه ، فلما استقام الأمر لعبد الملك أتاه طهمان فأنشده :

يدي يا أمير المؤمنين أعيذها

بحقويك أن تلقى بملقى يهينها

فقد كانت الحسناء لو تمّ شبرها

ولا تعدم الحسناء بابا يشينها

تشدّ حبال الرحل في كلّ منزل

إلى شمال لا يمين يعينها

دعت لبني مروان بالنصر والهدى

شمال كريم رابلتها يمينها

وإنّ شمالا زايلتها يمينها

لباق عليها في الحياة حنينها

وإنّك مسئول بحكمك في يدي

على حالة من ربّنا ستكونها

ولو قد أتى الأنباء قومي لقلّصت

إليك والمطايا وهي خوص عيونها

فجعل له عبد الملك أيمان مائة من بني حنيفة ، فمات قبل أن يصل إليها.

وقال أبو الطيّب : أخبرني أحمد بن عبيد ، أخبرني الأصمعي عن ابن أبي طرفة قال : قدّم إلي عبد الملك لص فأمر بقطعه ، فصاح الرجل ، قال : وأخبرنيه محمّد بن يزيد قال : كان يقال له حمزة وقدّم إلى مروان فقال.

١٧٤

ح قال : وأخبرنيه أبو سعيد الأزدي ، عن أبي محكم الشاعر ، قال : هو طهمان بن عمرو ، وقدّم إلى الوليد بن عبد الملك فقال :

يدي يا أمير المؤمنين أعيذها

بحقويك من غار عليها يشينها

ولا خير في الدنيا ولا في نعيمها

إذا ما شمالي فارقتها يمينها

فقال : هذا [حدّ] من حدود الله ، ولا بد من إقامته ، اقطع ، فقامت إليه امرأة عجوز كبيرة ، فقالت : يا أمير المؤمنين ولدي ، كادّي وكاسبي ، قال : بئس الولد ولدك ، وبئس الكادّ كادّك ، وبئس الكاسب كاسبك ، هذا حدّ من حدود الله لا بدّ من إقامته ، قالت : يا أمير المؤمنين اجعله بعض ذنوبك التي تستغفر الله منها ، فعفا عنه ، وأمر بتخليته.

ذكر من اسمه طيّب

٢٩٩٥ ـ طيّب

حكى عن الحسن بن يحيى الخشني (١) الدّمشقي.

حكى عنه أحمد بن أبي الحواري.

أنبأنا أبو علي الحداد ، أنا أبو نعيم الحافظ ، ثنا إسحاق بن أحمد ، نا إبراهيم بن يوسف ، نا أحمد بن أبي الحواري ، حدّثني طيّب بحديث عن الخشني قال : ما في جهنم دار ولا مغار ولا قيد ولا غلّ ولا سلسلة إلّا اسم صاحبها عليه مكتوب ، فحدّثت به أبو سليمان ، فقال : كيف به إذا جمع هذا كلّه عليه ، فجعل طيّب القيد في رجليه ، والغلّ في يديه ، والسّلسلة في عنقه ثم أدخل المغار ، والله تعالى أعلم.

__________________

(١) بالأصل : «الحسني» خطأ والصواب ما أثبت ، انظر الأنساب للسمعاني (الخشني) ، ذكره وترجم له.

١٧٥

حرف الظّاء

ذكر من اسمه ظالم

٢٩٩٦ ـ ظالم بن عمرو بن ظالم ، ويقال : ظالم بن عمرو بن سفيان

ابن جندل بن يعمر بن حلبس (١) بن نفاثة بن عدي بن الدّيل ، ويقال : عثمان

ابن عمرو ، ويقال : عمرو بن سفيان ، ويقال : عمرو بن ظالم

أبو الأسود الدّيلي البصري (٢)

روى عن : عمر ، وعلي ، والزّبير ، وأبي ذرّ ، وأبي موسى ، وابن عباس.

روى عنه : يحيى بن يعمر ، وعبد الله بن بريدة ، وأبو حرب بن أبي الأسود.

وقدم على معاوية ، وهو أوّل من وضع للناس النحو ، وولي قضاء البصرة.

أخبرنا أبو بكر محمّد بن عبد الباقي ، أخبرنا الحسن بن علي ، أنا محمّد بن المظفّر ، نا محمّد بن محمّد بن سليمان ، نا شيبان ، نا داود بن أبي الفرات ، نا عبد الله بن بريدة ، عن أبي الأسود الدّيلي ، قال : أتيت المدينة وقد وقع بها مرض ، وهم يموتون موتا ذريعا ، فجلست إلى عمر بن الخطاب ، فمرّت به جنازة فأثنوا على صاحبها خيرا ، فقال عمر : وجبت ، ثم مر بأخرى فأثني على صاحبها شرا ، فقال عمر : وجبت ، قال أبو الأسود : قلت : ما وجبت يا أمير المؤمنين؟ قال : قلت كما قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم :

__________________

(١) في تهذيب الكمال : حلس.

(٢) ترجمته في تهذيب الكمال ٩ / ٢٨٦ وأعاده في الكنى ٢١ / ٢٧ وتهذيب التهذيب ٣ / ٢٨ وأعاده في الكنى. وفيات الأعيان ٢ / ٥٣٥ معجم الأدباء ١٢ / ٣٤ أسد الغابة ٢ / ٤٨٥ الإصابة ترجمة ٤٣٢٩ تاريخ الإسلام (حوادث سنة ٦١ ـ ٨٠) ص ٢٧٦ والوافي بالوفيات ١٦ / ٥٣٣ وسير الأعلام ٤ / ٨١ وانظر بالحاشية في المصادر الثلاثة الأخيرة أسماء مصادر أخرى ترجمت له.

١٧٦

«أيما مسلم شهد له أربعة بخير أدخله الجنة» ، قال : قلنا : وثلاثة؟ قال : «وثلاثة» ، قال «واثنان» (١) ، ثم لم أسأله عن الواحد [٥٣٩٦].

أخبرنا أبو جعفر أحمد بن أبي طالب علي بن محمّد ، حدّثني أبي ، حدّثني أبو عمرو محمّد بن مروان بن عمر القرشي ، أخبرني جعفر بن أحمد بن معدان ، نا الحسن بن جهور ، نا القاسم بن عروة ، عن ابن دأب ، قال :

قدم أبو الأسود الدّيلي على معاوية بن أبي سفيان بعد مقتل علي بن أبي طالب ، وقد استقامت له البلاد ، فأدنى معاوية مجلسه ، وأعظم جائزته ، فحسده عمرو بن العاص ، فقدم على معاوية ، فاستأذن عليه في غير مجلس الإذن ، فأذن له ، فقال له معاوية : يا أبا عبد الله ما أعجلك قبل وقت الإذن؟ قال : يا أمير المؤمنين أتيتك لأمر (٢) قد أوجعني وأرّقني وغاظني وهو من بعد ذلك نصيحة لأمير المؤمنين ، قال : وما ذاك يا عمرو؟ قال : يا أمير المؤمنين إنّ أبا الأسود رجل مفوّه له عقل وأدب من مثله الكلام يذكر ، وقد أذاع بمصرك من الذكر لعليّ ، والبغض لعدوّه ، وقد خشيت عليك أن يثرى في ذلك حتى تؤخذ بعنقك ، وقد رأيت أن ترسل إليه فترهبه وترعبه وتسبره وتخبره ، فإنك من مسألته على إحدى خبرتين : إما أن تبدي لك صفحته فتعرف مقالته ، وإمّا أن يستقبلك فيقول ما ليس من ورائه فيحتمل ذلك عنه فيكون لك في ذلك عاقبة صلاح إن شاء الله تعالى ، فقال معاوية : أم والله لقلّ ما تركت رأي لرأي امرئ قط إلّا كنت فيه ، وبين أن أرى ما أكره ، ولكن إن أرسلت إليه فساءلته فخرج من مساءلتي بأمر لا أجد عليه مقدما ، ويملأني غيظا لمعرفتي بما يريد ، وإنّ الأمر فيه أن نقبل فيه ما أبدى من لفظه ، فليس لنا أن نشرح عن صدره وندع ما وراء ذلك يذهب جانبا ، قال عمرو : أنا صاحبك يوم رفع المصاحف نصفين ، وقد عرفت رأي وليست أرى خلافي وما آلوك خيرا ، فأرسل إليه ولا تفرش مهاد العجز ، فتتخذه وطيئا ، فأرسل معاوية إلى أبي الأسود فجاء حتى دخل عليه ، فكان ثالثا ، فرحب به معاوية وقال : يا أبا الأسود خلوت أنا وعمرو فتشاجرنا في أصحاب محمّد صلى‌الله‌عليه‌وسلم وقد أحببت أن أكون من رأيك على يقين ، قال : سل يا أمير المؤمنين عما بدا لك ، قال : يا أبا الأسود أيهم كان أحب إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم؟ قال :

__________________

(١) كذا بالأصل ، وقد سقط السؤال.

(٢) بالأصل : «الأمر».

١٧٧

يا أمير المؤمنين أشدّهم كان حبا لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأوقاهم له بنفسه ، فنظر معاوية إلى عمرو ، وحرّك رأسه ثم تمادى في مسألته ، فقال : يا أبا الأسود فأيّهم كان أفضلهم عندك؟ قال : أتقاهم لربّه وأشدّهم خوفا لدينه ، فاغتاظ معاوية على عمرو ، ثم قال : يا أبا الأسود فأيهم كان أعلم؟ قال : أقولهم للصّواب وأفصلهم للخطاب ، قال : يا أبا الأسود فأيهم كان أشجع؟ قال : أعظمهم بلاء ، وأحسنهم عناء ، وأصبرهم على اللقاء ، قال : فأيهم كان أوثق عنده؟ قال : من أوصى إليه فيما بعده ، قال : فأيهم كان للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم صديقا؟ قال : أولهم به تصديقا ، فأقبل معاوية على عمرو فقال : لا جزاك الله خيرا ، هل تستطيع أن تردّ مما قال شيئا؟ فقال أبو الأسود : يا أمير المؤمنين إنّي قد عرفت من [أين](١) أتيت فهل تأذن لي فيه؟ قال : نعم ، فقل ما بدا لك ، فقال : يا أمير المؤمنين إنّ هذا الذي ترى هجا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بأبيات من الشعر ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «اللهمّ إنّي لا أحسن أن أقول الشعر فالعن عمرا (٢) بكل بيت لعنة» أفتراه بعد هذا نائلا فلاحا أو مدركا رباحا ، وأيّم الله إن امرأ لم يعرف إلّا بسهم أجيل عليه فجال لحقيق أن يكون كليل اللسان ، ضعيف الجنان ، مستشعرا للاستكانة ، مقارنا للذلّ والمهانة ، غير ولوج فيما بين الرجال ، ولا ناظر في تسطير المقال ، ان قالت الرجال أصغى ، وإن قامت الكرام أقعى ، متعيض لدينه لعظيم دينه (٣) ، غير ناظر في أبهة الكرام ، ولا منازع لهم ، ثم لم يزل في دجنة ظلماء مع قلة حياء ، يعامل الناس بالمكر والخداع ، والمكر والخداع في النار.

وقال عمرو : يا أخا بني الدّيل ، والله إنّك لأنت الذليل القليل ، ولو لا ما تمت به من نسب كنانة لاختطفتك من حولك اختطاف الأجدل الجديّة ، غير أنك بهم تطول ، وبهم تصول ، فلقد أعطيت (٤) مع هذا لسانا قوالا ، سيصير عليك وبالا ، وأيّم الله إنّك لأعدى الناس لأمير المؤمنين قديما وحديثا ، وما كنت قط بأشدّ عداوة له منك السّاعة ، وإنّك لتوالي عدوه وتعادي وليه ، وتبغيه الغوائل ، ولئن أطاعني ليقطعنّ عنه لسانك ، وليخرجنّ من رأسك شيطانك ، فأنت العدو المطرق له إطراق الأفعوان في أصل الشجرة.

__________________

(١) زيادة للإيضاح.

(٢) بالأصل : عمروا.

(٣) في مختصر ابن منظور ١١ / ٢٢٣ مبصبص بذنبه لعظيم ذنبه.

(٤) غير واضحة بالأصل ورسمها : ا؟؟؟ طت.

١٧٨

قال : فتكلم معاوية فقال : يا أبا الأسود أغرقت في النزع ، ولم تدع رجعة لصلحك ، وقال عمرو (١) فلم يغرق كما أغرقت ، ولم يبلغ ما بلغت ، غير أنه كان منه الابتداء والاعتداء ، والبادي أظلم ، والثالث أحلم ، فانصرفا عن هذا القول إلى غيره ، وقوما غير مطرودين ، فقام عمرو وهو يقول :

لعمري لقد أعيا القرون التي مضت

[تحوّل] (٢) غش في الفؤاد كمين

وقال أبو الأسود وهو يقول :

ألا إن عمرا رام ليث خفية

وكيف ينال الذنب ليث عرين؟

فانصرفا إلى منازلهما ، وذاع حديثهما في البلاد ، فبينا أبو الأسود في بعض الطريق لقيه شاب من كلب ، يقال له : كليب بن مالك ، شديد البغض لعلي وأصحابه ، شديد الحبّ لمعاوية وأصحابه ، فقال له : يا أبا الأسود أنت المنازع عمرا (٣) ، أمس بين يدي أمير المؤمنين ، أم والله لو شهدتك لأغرقت جبينك ، فقال أبو الأسود : من أنت يا ابن أخي الذي بلغ بك خطرك كل هذا ، وممن أنت؟ قال : أنا ممن لا ينكر ، أنا امرؤ من قضاعة ثم من كلب ، ثم أنا كليب بن مالك ، فقال أبو الأسود : أراك كلبا من كلب ، ولا أرى للكلب شيئا إذا هو نبح أفضل من أن يقطع بأخسأ ، فاخسأ ثم اخسأ كلبا ، فانصرف وخلاه ، فبلغ ذلك القول معاوية ، فأكثر التعجب والضحك ، ثم إنهما اجتمعا بعد ذلك عنده فقال معاوية للكلبي : يا أخا كلب ، ما كان أغناك عن منازعة أبي الأسود؟ فقال الكلبي : ولم لا أنازعه ، والله لأنا أكبر نفيرا ، وأعز عشيرا ، وأطلق لسانا وإن شاء لأنافرنه بين يديك ، فقال معاوية : والله يا أخا كلب ما صدقت في واحدة من الثلاث ، فقال أبو الأسود : والله لو لا هذا الجالس ـ يعني يزيد بن معاوية ـ فإنكم أخواله ، لقطعت عني لسانك ، فقال يزيد : يا أبا الأسود قل فأعمامي أحبّ إليّ من أخوالي ، فقال أبو الأسود : مثل هذا يا أمير المؤمنين بمن ينافرني بحمير أو بمعدّ؟

أخبرنا أبو عبد الله البلخي ، أنا أبو الحسن علي بن الحسين بن أيوب ، أنا أبو علي بن شاذان ، أنا أبو الحسن أحمد بن إسحاق بن نيخاب الضّبّي ، نا إبراهيم بن

__________________

(١) كذا ، ولعله : وقال لعمرو.

(٢) زيادة لاستقامة الوزن عن مختصر ابن منظور ١١ / ٢٢٤.

(٣) بالأصل : عمروا.

١٧٩

الحسين بن علي الكسائي ، نا يحيى بن سليمان الجعفي ، قال : ثم رجع إلى حديث أبي يوسف ، عن أبي حمزة الثّمالي ، قال :

لما بويع معاوية وفد عليه الأحنف بن قيس ، وأبو الأسود الدّيلي في أهل البصرة ، فقال معاوية للأحنف حين دخل عليه : أنت القاتل أمير المؤمنين يريد عثمان ، والخاذل أم المؤمنين ومقاتلنا بصفين؟ فقال له الأحنف : يا أمير المؤمنين لا تردّ الأمور على أدبارها ، فإنّ القلوب التي أبغضناك بها في صدورنا ، وإنّ السيوف التي قاتلناك بها في عواتقنا ، فلا تمدّ لنا شبرا من الغدر إلّا مددنا لك باعا من الختر (١) ، وإن كنت يا أمير المؤمنين لجدير أن تستصفي كدر قلوبنا بفضل حلمك قال : إنّي فاعل إن شاء الله ، ثم أقبل على أبي الأسود الدّيلي ، فقال له : [أنت](٢) القاتل لعلي : ابعثني حكما ، فو الله ما أنت هناك ، إنك لفهيه (٣) المحاورة ، عييّ بالجواب ، فكيف كنت صانعا؟ قال : كنت جامعا أصحاب محمّد صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأقول لهم : أبدري ، أحدي ، شجري ، عقبي ، أحب إليكم ، أم رجل من الطلقاء؟ فقال معاوية : قاتله الله ، والله لقد خلعني خلع الوصيف (٤).

قال : ونا إبراهيم بن الحسين ، نا موسى بن إسماعيل ، نا غسان بن مضر ، نا سعيد عن بعض أصحابه قال : قال أبو الأسود الدّيلي لمعاوية بن أبي (٥) سفيان : لو كنت بمكان أبي موسى ما صنعت ما صنع؟ قال : وما كنت تصنع؟ قال : كنت أنظر رهطا من المهاجرين ورهطا من الأنصار فأناشدهم الله المهاجرين أحقّ بالخلافة أو الطلقاء ، فقال معاوية : أقسمت عليك لا تذكرنّ هذا الحديث ما عشت.

أخبرنا أبو البركات عبد الوهاب بن المبارك ، وأبو العزّ ثابت بن منصور ، قالا : أنا أحمد بن الحسن ـ زاد عبد الوهاب : وأحمد بن الحسن بن خيرون قالا : ـ أنا محمّد بن الحسن الأصبهاني ، أنا أبو الحسين الأصبهاني ، أنا أبو حفص الأهوازي ، نا خليفة بن خياط (٦) ، قال : أبو الأسود الدّيلي اسمه ظالم بن عمرو بن سفيان بن

__________________

(١) مهملة بالأصل ، والصواب ما أثبت ، والختر : الغدر والخديعة ، أو أقبح العذر (القاموس).

(٢) زيادة منا للإيضاح.

(٣) بالأصل : لفهه ، والصواب عن اللسان ، ورجل فهيه : عييّ.

(٤) الوصيف : العبد.

(٥) كتبت فوق الكلام بين السطرين.

(٦) طبقات خليفة بن خياط ص ٣٢٨ رقم ١٥١٥.

١٨٠