تاريخ دمشق

حمزة بن أسد بن علي بن محمّد التيّمي [ ابن القلانسي ]

تاريخ دمشق

المؤلف:

حمزة بن أسد بن علي بن محمّد التيّمي [ ابن القلانسي ]


المحقق: الدكتور سهيل زكار
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار حسّان للطباعة والنشر
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٧٦

سنة إحدى وستين وأربعمائة

وفيها كانت ولاية معلى بن حيدرة بن منزو لدمشق

الأمير حصن الدولة معلى بن حيدرة بن منزو الكتامي ، ولي دمشق قهرا وغلبة وقسرا ، من غير تقليد في يوم الخميس الثامن من شوال سنة إحدى وستين وأربعمائة ، بحيل نمّقها ومحالات اختلقها ولفّقها ، وذكر أن التقليد بعد ذلك وافاه ، فبالغ في المصادرات حينئذ وارتكب من الظلم ومصادرة المستورين الأخيار ما هو مشهور ومن العيث والجور ما هو شائع بين الأنام مذكور ، ولم يلق أهل البلد من التعجرف والظلم والعسف بعد جيش بن الصمصامة في ولايته ، ما لقوه من ظلمه ، وسوء فعله وقاسوه من اعتدائه ولؤم أصله ، ولم تزل هذه أفعاله إلى أن خربت أعمالها ، وجلا عنها أهلها ، وهان عليهم مفارقة أملاكهم ، وسلوّهم عن أوطانهم بما عانوه من ظلمه ، ولا بسوه من تعديه وغشمه ، وخلت الأماكن من قاطنيها ، والغوطة من فلاحيها ، وما برح لقاه الله على هذه القضية المنكرة ، والطريقة المكروهة الى أن أجاب الله ـ وله الحمد والشكر ـ دعاء المظلومين ، ولقّاه عاقبة الظالمين ، وحقق الأمل فيه بالراحة منه ، وأوقع بينه وبين العسكرية بدمشق الشحناء والبغضاء ، فخاف على نفسه الهلاك والبوار ، فاستشعر الوبال والدمار ، فلم يكن له إلا الهرب منهم ، والنجاة من فتكهم ، لأنهم عزموا على الايقاع به ، والنكاية فيه ، وقصد ناحية بانياس (١) (٥٩ ظ) فحصل فيها في يوم الجمعة الثاني والعشرين من ذي الحجة سنة سبع وستين وأربعمائة

__________________

(١) بانياس الداخل ، في هضبة الجولان المحتلة ، من أهم المواقع ، كانت تعتبر مفتاحا لدمشق ، ونقطة دفاع أولى عنها ، بجوارها قلعة حصينة تعرف الآن بقلعة «النمرود».

١٦١

فأقام بها وعمّر ما عمره من الحمام وغيره فيها ، ثم خرج منها في أوائل سنة اثنتين وسبعين وأربعمائة خوفا من العسكر المصري أن يدركه فيها ، فيأخذه منها ، وحصل بثغر صور عند ابن أبي عقيل القاضي المستولي عليها ، ثم صار من صور إلى طرابلس ، وأقام بها عند زوج أخته جلال الملك ابن عمار (١) مدة ، وأطلع إلى مصر فهلك في الاعتقال قتلا بالنعال في سنة إحدى وثمانين وأربعمائة وذلك جزاء الظالمين ، (وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ) (٢).

وفي هذه السنة وقع الخلف بدمشق بين العسكرية ، وبين أهلها ، وطرحت النار في جانب منها فاحترقت ، واتصلت النار منه بالمسجد الجامع من غربيّه فاحترق في ليلة يوم الاثنين انتصاف شعبان من السنة ، فقلق الناس لهذا الحادث والملمّ المؤلم الكارث ، وأسف القاصي والداني لاحتراق مثل هذا الجامع الجامع للمحاسن والغرائب ، المعدود من إحدى العجائب حسنا وبهاء ورونقا وسناء ، وكيف أصابت مثله العيون الصوائب وعدت عليه عادية النوائب (٣).

__________________

(١) صاحب طرابلس [٤٦٤ ـ ٤٩٢ ه‍ / ١٠٧٢ ـ ١٠٩٩ م] وهو الذي سلم معلى بن حيدرة إلى الفاطميين. انظر كتاب طرابلس الشام في التاريخ الاسلامي للدكتور سيد عبد العزيز سالم. ط. الاسكندرية : ١٩٦٧ ص : ٦٨ ـ ٧٠.

(٢) القرآن الكريم ـ البقرة : ١٤٤.

(٣) الذي قدمه غرس النعمة محمد بن هلال الصابىء عن حوادث دمشق أكثر تفصيلا ، ولأهميته قام أمدروز المحقق الأول لكتاب ابن القلانسي بتثبيت رواية غرس النعمة هذه في الحاشية ، لكن كما ألم بنص ابن القلانسي التصحيف ، كذلك حدث بالنسبة لنص ابن الصابىء ، ولقد أبقيت نص ابن الصابىء بعد ضبطه واعتمدت في عملي على نسختين مخطوطتين من مرآة الزمان ، واحدة في باريس والثانية في استانبول ـ انظر حوادث سنة ٤٦٢ ه‍ حيث جاء :

وأما أخبار الشام ، فإن بدر الجمالي كان قد ورد دمشق واليا على الشام سنة ثمان وخمسين ، ووصل عسقلان ، وغزا بني سنبس (*) ، ونكا فيهم ، وعاد إلى

__________________

(*) من فروع قبائل طىء. انظر جمهرة أنساب العرب لابن حزم. ط. القاهرة : ١٩٦ ، ص : ٤٠٢.

١٦٢

وفيها وردت الأخبار من مصر بغلاء الأسعار فيها ، وقلة الأقوات في

__________________

الأقحوانة ، وجاء أميران أخوان من سنبس ، فقتلهما لأجل غارات كانت لهما بالشام قبل وصوله إليه ، ثم صار يشق حلل العرب : كلب وطيء وغيرها شقا ، وفعل فعلا لم يسبقه أحد إليه حتى وصل دمشق ، فنزل قصر السلطان بظاهرها ، وأقام سنة وكسر ، فأمن الناس لهيبته ، ثم قبض على ابن أبي الرضا ، خليفة الشريف القاضي ، المكنى بأبي الفضل اسماعيل بن أبي الجن العلوي ، وعلى جماعته ، وأخذ منهم عشرة آلاف ، ووهبها لحازم بن جراح ، المفرج عنه من مصر ، وكان قد هرب إليه ، فأعطاه المال استكفافا له عن معاونة الشريف أبي طاهر بن أبي الجن ، المنفذ معه حازم لافساد أمر بدر بالشام ، وإثارة أهل دمشق عليه ، ولما فعل بدر بالمذكورين ما فعل ، ثار أهل دمشق عليه ، وأغلقوا أبوابها وحاربوه ، وساعدهم حصن الدولة ابن منزو ، وراسلهم مسمار بن سنان الكلبي ، وراسلوه وحالفوه ، وجاءت عرب مسمار ، فأغارت على قصر السلطنة بدمشق بظاهرها ، وعادوا لبدر الجمالي وراوحوه ، فأنفذ ثقله وأهله إلى صيدا ، ومضى خلفهم إليها ، وجمع ابن منزو عسكره وعسكر دمشق لقصد بدر ، فلما عرف ذلك رجل إلى صور وحاصرها ، ومتوليها القاضي الناصح ، ثقة الثقات ، عين الدولة أبو الحسن محمد بن عبد الله بن أبي عقيل ، فحاصرها أياما وقرب منه ابن منزو ، وسار إلى عكا ، وأقام أياما دخل فيها بزوجته بنت رقطاش التركي ، ومضى إلى عسقلان [ثم عاد إلى دمشق] وجاء الشريف ابن أبي الجن من مصر إلى دمشق ، وكان أهلها هدموا قصر السلطنة ودرسوه ، وكان عظيما يسع ألوفا من الناس ، وأقام على دمشق سبعة وعشرين يوما ، ومعه حازم وحميد ابنا جراح اللذان اتفقا مع الشريف على الفتك ببدر ، وكان حميد قد طمع من بدر في مثل ما فعله مع حازم ، ولما عجز بدر عن دمشق عاد إلى عكا لأن الشريف والعساكر دفعوا عنها ، ولما رحل عن دمشق ، اختلف العسكر وأحداث البلد ، فنهب العسكر بعض البلد ، ونادوا بشعار بدر الجمالي ، واستدعوا منه صاحبا يكون عندهم فأنقذ إليهم رجلا يعرف بالقطيان في جماعة من أصحابه ، فدخل دمشق وهرب الشريف ابن أبي الجن وولدا ابن منزو ، وكان أبوهما قد مات على صور في هذه السنة ، فنزل ابنا منزو على الكلبيين ، وسار الشريف طالبا مصر ، فاجتاز بعمّان البلقاء ، وبها بدر بن حازم صاحبها ، فقبض على الشريف وباعه من بدر الجمالي باثني ألف دينار ، فقتله أمير الجيوش بعكا خنقا.

وبعث بدر الجمالي إلى دمشق علويا يعرف بابن أبي شوية من أهل قيسارية وأمره بمصادرة الشريف أبي الفضل بن أبي الجن أخي المقتول ، وجماعة من

١٦٣

أعمالها واشتداد الحال في ذلك ، واضطرارهم إلى أكل الميتة ، وأكل الناس

__________________

مقدمي دمشق ، وعلم أهل دمشق ، فثاروا على ابن أبي شوية وأخرجوه ، ولعنوا أمير الجيوش ووافقهم العسكر ، وبعثوا إلى مسمار بن سنان ، وحازم بن نبهان ابن القرمطي (*) أميرا بني كلب ، وبذلوا اليهما تسليم البلد فبعث إليهم مسمار يقول : لا يمكنني الدخول الى البلد وتملكه والعسكر جميعه فيه والمغاربة والمشارقة ويجب أن تخالفوا بينهم وتخرجوا المشارقة ، ففعلوا وصاروا أحزابا ، وكان القتال في غربي الجامع ورمى المشارقة وأهل البلد بالنشاب من دار قريبة من الجامع ، فضربت الدار بالنار فاحترقت ، وثارت النار منها إلى الجامع فاحرقته ليلة نصف شعبان هذه السنة ، ولما رأى العوام ذلك تركوا القتال وقصدوا الجامع طمعا في تلافيه ليتداركوا ما حدث فيه ، ففات الأمر فرموا سلاحهم ، ولطموا واستغاثوا إلى الله تعالى وتضرعوا ، وقالوا : كم نحلف ونكذب ونعد ونحنث ، ونعاهد وننكث ، والنار تعمل إلى الصباح ، فأصبح الجامع ، ولم يبق منه إلّا حيطانه الأربعة ، وصاروا أيام الجماعات يصلون فيه على التلال ، وهم يبكون ، وانهزموا بعد ذلك ، ونهبت دورهم وأموالهم ، وأنفذ مسمار واليا على دمشق من قبله يعرف بفيتان ، وراسل مسمار أهل البلد ثانيا بأن يهبوا ويثبوا على المغاربة فيخرجوهم ، واتفق هو وأهل البلد ، فثاروا عليهم ، وتأخر مسمار عنهم ، واقتتلوا فظهر عليهم المغاربة وأحرقوا قطعة من البلد ، ونهبوا أكثره ، ونادوا بشعار بدر الجمالي ، ووصل مسمار بعد ذلك إلى باب البلد ، وقد فات الأمر الذي ورد له ، فراسله المغاربة على أن يمكنهم من المقام في البلد ويعطونه مائة ألف دينار ، فرضي وأقام أياما في المكان ، وطالبهم بالمال ، فلم يعطوه شيئا ، ولم يكن له قدرة عليهم ، فسار إلى السواد وكان ما نهب المغاربة من دمشق يساوي خمسمائة ألف دينار ، وتتبّعوا أحداث دمشق ، فقتلوا منهم سبعين حدثا.

ومضى سنان الدولة ولد ابن منزو إلى أمير الجيوش وصالحه وصاهره على أخته ، وعاد إلى دمشق واليا عليها من قبل أمير الجيوش وأطاعته المغاربة ، وسلموها اليه فدخلها ....

وفيها استولى القاضي مختص الدولة ابن أبي الجن أخو حيدرة المقتول على دمشق وطرد نواب أمير الجيوش ، واستولى على صور ابن أبي عقيل ، وعلى طرابلس قاضيها ابن عمار ، وعلى الرملة والساحل ابن حمدان ، ولم يبق لأمير الجيوش غير عكا وصيدا.

__________________

(*) كان بنو القرمطي من أسر الزعامة الكلبية ، وليس هناك علاقة واضحة بين هذه التسمية وجماعات القرامطة.

١٦٤

بعضهم بعضا من شدة الجوع ، وقتل من يظفر به ، وأخذ ماله واستغراق حاله ، ومن سلم هلك ، واحتاج الأمير والوزير والكبير الى المسألة.

وفيها نزل الروم على حصن أسفونا (١) ، وملكوه.

سنة اثنتين وستين وأربعمائة

فيها نزل أمير الجيوش سيف الاسلام بدر المستنصري في العسكر المصري على ثغر صور ، محاصرا لعين الدولة ابن أبي عقيل القاضي ، الغالب عليه ، فلما أقام على المضايقة له والاضرار به ، كاتب القاضي ابن أبي عقيل الأمير قرلو مقدم الأتراك (٢) المقيمين بالشام مستصرخا له ومستنجدا به ، فأجابه إلى طلبه وأسعفه بأربه ، وسار بعسكره منجدا له ومساعدا ، ووصل إلى ثغر صيدا ، ونزل عليه في ستة آلاف ، فحصره وضيّق عليه وعلى من فيه ، وكان في جملة ولاية أمير الجيوش المذكور ، فحين عرف أمير الجيوش صورة الحال ، ووصول الأتراك لانجاد من بصور واسعاده ، قادته (٦٠ و) الضرورة إلى الرحيل عن صور بعد أن استفسد كثيرا من أهلها والعسكرية بها ، بحيث قويت بهم شوكته ، وزادت بهم عدته ، وتلوم عنها قليلا ، ثم عاود النزول عليها والمضايقة لها ، وأقام عليها في البر والبحر مدة سنة احتاج أهلها مع ذلك إلى أكل الخبز الرطل بنصف دينار ، ولم يتم له أمر فيها ، لاختلاف الأتراك في الشام فرحل عنها.

وفي هذه السنة مرض الأمير محمود بن صالح في حلب مرضا شديدا ،

__________________

(١) حصن كان قرب معرة النعمان بالشام ، معجم البلدان. زبدة الحلب : ٢ / ١٠.

(٢) مقدم جماعة الأتراك الناوكية ، وكانوا من الخوارج على سلطة السلاجقة. انظر كتابي مدخل إلى تاريخ الحروب الصليبية : ١٣٢ ـ ١٣٣ ، ١٥٢ ـ ١٥٦.

١٦٥

وخطب للامام القائم لأمر الله على منبر حلب ، وقطع الدعوة المستنصرية في تاسع عشر شوال (١).

وفيها فتح ملك الروم ثغر منبج وأحرقه ، وعاد تقدم بعمارته (٢) ورحل عنه إلى ناحية منازجرد (٣) فعاث في أطرافها إلى أطراف خراسان وبقيت منبج في ملكة هذا الملك ، واسمه على ما ذكر ابن دوجانس (٤) ، سبع سنين ، ودام في الملك على ما حكي ثلاثين سنة.

سنة ثلاث وستين وأربعمائة

فيها جمع أتسز بن أوق مقدم الأتراك الغزّ بالشام (٥) واحتشد وقصد أرض فلسطين ، فافتتح الرملة ، وبيت المقدس ، وضايق دمشق ، وواصل

__________________

(١) كان جل أهالي حلب من الشيعة الامامية لذلك لاقى محمود صعوبات كبيرة حين ألغى الدعوة للخليفة الفاطمي واستبدلها بالخطبة للخليفة العباسي وذلك بسبب تهديد السلاجقة لامارته ، ويروى ابن العديم في زبدة الحلب : ٢ / ١٧ ـ ١٨ أنه وضع العساكر على باب الجامع لمنع الناس من مغادرته لدى سماعهم الخطبة للخليفة العباسي ، فعندما انتهت الصلاة ، «أخذت العامة الحصر التي في الجامع ، وقالوا : هذه حصر علي بن أبي طالب ، فليجىء أبو بكر بحصر حتى يصلي عليها الناس».

(٢) قام الامبراطور رومانوس بعدة حملات عسكرية استهدف منها احتلال مواقع متقدمة داخل الأراضي الاسلامية ليضع فيها حاميات بيزنطية تتولى رصد جماعات التركمان ومنعها من دخول آسية الصغرى ، وكان من جملة ما احتله منبج حيث رمم حصنها ووضع فيه حامية بقيت فيه سبع سنين. انظر زبدة الحلب : ١ / ١٢ ـ ١٤. مدخل إلى تاريخ الحروب الصليبية : ١٣٨ ـ ١٣٩.

(٣) قرب بحيرة وان في تركية حاليا ، عندها وقعت المعركة الفاصلة بين البيزنطيين والسلطان ألب أرسلان ، كما سنرى.

(٤) في الأصل : «أليز دوجانس» وأليز زيادة لعلها تصحيف «ابن» فالامبراطور هو رومانوس بن دايجينس وقد حكم فيما بين [١٠٦٨ ـ ١٠٧١ م] وليس ثلاثين سنة كما ورد في الأصل ، انظر كتاب «أربعة عشر حاكما بيزنطيا» لميخائيل بزللوس (ترجمة انكليزية) سلسلة بنكوين ١٩٦٦ ص : ٣٥٠ ـ ٣٦٦.

(٥) له ترجمة جيدة في كتاب المقفى للمقريزي ، نشرتها في ملاحق كتابي مدخل إلى تاريخ الحروب الصليبية : ٢٦٥ ـ ٢٦٨.

١٦٦

الغارات عليها وعلى أعمالها ، وقطع الميرة عنها ، ورعى زرعها عدّة سنين في كل ربيع لمضايقتها والطمع في ملكتها ، ولم يزل مترددا إلى أن اضطرب أمرها ، وخربت المنازل بها ، وزاد غلاء الأسعار فيها ، وعدم تواصل الأقوات إليها وجلا أكثر أهلها عنها ، واستحكم الخلف بين العسكرية المصامدة (١) والأحداث من أهلها ، وكون معلى بن منزو لعنه الله قد هرب عنها ، ولم يبق فيها من المقدمين على الأجناد غير الأمير زين الدولة زمام المصامدة بها.

وفي هذه السنة نزل السلطان العادل ألب أرسلان بن داود ـ أخي السلطان طغرلبك ـ بن سلجوق رحمه‌الله على حلب محاصرا وبها محمود بن صالح في يوم الثلاثاء سابع عشر جمادى الآخرة ، وضايقها إلى أن ملكها بالأمان ، فخرج محمود إليه فأمّنه وأنعم عليه وولاه البلد ، ورحل عنه ثالث وعشرين رجب قاصدا إلى بلاد الروم طالبا ملكهم ، وقد توجه إلى منازجرد فلحقه وأوقع به وهزمه ، وكان عسكره على ما حكي تقدير ستمائة ألف من الروم وما انضاف اليهم من سائر الطوائف وعسكر (٩٠ ظ) الاسلام على ما ذكر تقدير أربع مائة ألف من الأتراك وجميع الطوائف ، وقتل من عسكر الروم الخلق الكثير بحيث امتلأ واد هناك عند التقاء الصفّين ، وحصل الملك في أيدي المسلمين أسيرا ، وامتلأت الأيدي من سوادهم وأموالهم وآلاتهم وكراعهم ولم تزل المراسلات مترددة بين السلطان ألب أرسلان وبين ملك الروم المأسور إلى أن تقرر اطلاقه والمنّ عليه بنفسه بعد أخذ العهود عليه والمواثيق بترك التعرّض لشيء من أعمال الاسلام ، وإطلاق الاسارى ، وأطلق وسيّر الى بلده ، وأهل مملكته ، فيقال أنهم اغتالوه وسملوه (٢) وأقاموا غيره في

__________________

(١) من قبيلة مصمودة البربرية سكان السوس الأقصى.

(٢) في الأصل «سلموه» وهي تصحيف صوابه ما أثبتنا.

١٦٧

مكانه لأشياء أنكروها عليه ، ونسبوها إليه (١).

سنة أربع وستين وأربعمائة

في المحرم منها قتل الأمير جعبر صاحب قلعة دوسر ، فيها بمكيدة نصبت (٢) له وحيلة تمت عليه وغفلة استمرت به.

وفيها ملكت الرقة واستولي عليها ، وفيها نهض محمود بن صالح من حلب فيمن حشد من العرب وقصد ناحية عزاز في يوم السبت الثاني والعشرين من رجب للقاء الروم ، فاندفعت الروم بين أيدي العرب ، والعرب في عدّة قليلة تناهز ألف فارس وقصدوا أنطاكية ، واجتمعوا بها ، وعادت العرب إلى حلب (٣).

وفيها ورد الخبر من بغداد في شهر ربيع الأول منها بأن الامام الحافظ أبا بكر أحمد بن علي بن ثابت البغدادي الخطيب رحمه‌الله توفي يوم الاثنين

__________________

(١) تعد معركة مناز كرد من معارك التاريخ الكبرى ، وسبق لي الاهتمام بهذه المعركة حيث جمعت حولها جميع ما جاء في المصادر العربية وغير العربية من مطبوع ومخطوط ، ونشرت هذه النصوص في كتابي مختارات من كتابات المؤرخين العرب. دمشق : ١٩٧١ ، ص : ٩٦ ـ ١٥١ ، كما قمت بدراسة هذه المعركة في كتابي مدخل إلى تاريخ الحروب الصليبية : ١٤٣ ـ ١٥٢ ، ومفيد هنا أن أشير إلى أن المصادر العربية بالغت في تقدير تعداد العساكر ، فالرقم الذي ذكره ابن القلانسي يقبل منه العشر فقط.

(٢) قلعة دوسر هي نفس قلعة جعبر ، وهي قائمة الآن وسط بحيرة سد الفرات في سورية ، وقد تملك هذه القلعة أحد زعماء قبيلة قشير واسمه جعبر بن سابق ، وكان يقوم منها بقطع الطريق على السابلة وبغارات سلب ونهب ، فنسبت القلعة إليه ، وقد انتزعت هذه القلعة من صاحبها سنة ٤٧٩ ه‍ / ١٠٨٦ م من قبل السلطان السلجوقي ملكشاه أثناء قدومه إلى الشام ، حيث حاصرها وأنزل منها صاحبها ـ جعبر ـ وقتله ، وعلى هذا لا يمكن اعتماد رواية ابن القلانسي.

(٣) انظر زبدة الحلب : ٢ / ٣٠ ـ ٣١.

١٦٨

السابق من ذي الحجة منها ، وحمل الى الجانب الغربي من بغداد وصلي عليه ، ودفن بالقرب من قبة أحمد بن حنبل رحمه‌الله (١).

سنة خمس وستين وأربعمائة

فيها هرب الأمير أبو الجيوش علي بن المقلد بن منقذ من حلب خوفا من صاحبها الأمير محمود بن صالح ، حين عرف عزمه على القبض عليه ، وقصد المعرّة ، ثم قصد كفر طاب (٢).

وفيها ورد نعي الأمير عطية (٣) عم الأمير محمود بن صالح من القسطنطينية في ذي الحجة.

وفيها ورد سار الأمير محمود بن صالح من حلب فيمن جمعه وحشده من عسكره الى الرحبة.

وفي هذه السنة وردت الأخبار باستشهاد السلطان العادل ألب أرسلان ابن داود (٤) أخي السلطان طغرلبك ، ملك الترك ، على نهر جيحون ، عند

__________________

(١) انظر حوله كتابي مائة أوائل من تراثنا ـ ط. دمشق ١٩٨٢ ، ص ٣٨٨ ـ ٣٩٢.

(٢) كانت كفر طاب بلدة ذات شهرة ومكانة كبيرة ، بقاياها اليوم قائمة على قرابة / ٢ كم / إلى الغرب من بلدة خان شيخون على الطريق العام الواصل بين حماه ومعرة النعمان فحلب ، وكان الأمير علي أخا لمحمود بالرضاعة ، صاحب مكانة كبيرة في بلاد الشام ، وهو الذي استولى على قلعة شيزر الحصينة ، وسبب قيام الأسرة المنقذية ذات الدور الكبير أيام الحروب الصليبية. انظر زبدة الحلب : ٢ / ٣٤ ـ ٣٥. مدخل إلى تاريخ الحروب الصليبية : ١٨٦ ـ ١٨٨.

(٣) هرب عطية بعد انتزاع حلب منه إلى الأراضي البيزنطية ، وجاء بعد معركة منازكرد على رأس قوة بيزنطية يريد مدينة حلب ، فأخفق ، ومن ثم عاد وذهب إلى القسطنطينية ، حيث قيل بأنه «سقط من سطح كان نائما عليه وهو سكران ، فمات سنة أربع وستين» زبدة الحلب : ٢ / ٣١.

(٤) في الأصل : عبدد ، وهو تصحيف صوابه ما أثبتناه ، فألب أرسلان هو «ابن جغري بك .... وله ولكل واحد من آبائه اسم آخر بالعربية ، واسمه بالعربية محمد بن داود ...» مدخل إلى تاريخ الحروب الصليبية : ٢٧٨.

١٦٩

حصن هناك بيد من اغتاله من الباطنية ، المتزيين بطريقة الزهّاد المتصوفة على القضية المشهورة (٦١ و) والسجية المذكورة (١).

سنة ست وستين وأربعمائة

فيها فتح الأمير محمود بن صالح قلعة السن (٢) في يوم الخميس تاسع شهر ربيع الآخر.

وفيها وردت الأخبار من بغداد بزيادة مدّ دجلة ، حتى غرق بها عدة أماكن ، وهدم عدة مساكن.

وفيها وردت الأخبار من ناحية العراق بانتصاب السلطان العادل ملك شاه ، أبي الفتح محمد بن السلطان الب أرسلان في المملكة بعد أبيه ، وجلوسه على سرير الملك ، بعد أخذ البيعة له على أمراء الأجناد ، وكافة ولاة الأعمال والبلاد ، فاستقامت له الأمور ، وانتظمت به الأحوال على المراد والمأثور ، واستمر التدبير على نهج الصلاح وسنن النجاح ، وسلك في العدل والانصاف ، مسلك أبيه ، العادل عن طريقة الجور والاعتساف ، ورتب النواب في الأعمال والثقات في حفظ الأموال.

__________________

(١) لا علاقة للباطنية باغتيال ألب أرسلان ، ذلك أنه عبر سنة خمس وستين وأربعمائة نهر جيحون على رأس جيش كبير «فأتاه أصحابه بمستحفط قلعة يعرف بيوسف الخوارزمي ، وحمل إلى قرب سريره ، وهو مع غلامين ، فتقدم بأن يضرب له أربعة أوتاد وتشد أطرافه إليها ، فقال : يا مخنث مثلي يقتل هذه القتلة؟ فاحتد السلطان ألب أرسلان ، وأخذ القوس والنشابة ، وحرص على قتله ، وقال للغلامين : خلياه ، ورماه فأخطأه .... فعدا يوسف إليه ، وكان السلطان جالسا على سدة ، فنهض ونزل فعثر ، ووقع على وجهه ، وقد وصله يوسف ، فبرك عليه وضربه بسكين كانت معه في خاصرته ، ودخل السلطان إلى خيمته وهو مثقل ، ولحق بعض الفراشين يوسف فقتله بمروة كانت في يده ، وقضى ألب أرسلان نحبه». مدخل الى تاريخ الحروب الصليبية : ٢٩١.

(٢) قلعة بالجزيرة قرب سميساط. انظر زبدة الحلب : ٢ / ٤٢.

١٧٠

وفيها توفي أبو علي الحسين بن سعيد بن محمد بن سعيد العطار بدمشق ، في يوم الجمعة من صفر ، وكان من أعيان شهودها ، وحدث عن جماعة.

سنة سبع وستين وأربعمائة

فيها وردت الأخبار من ناحية العراق بوفاة القائم بأمر الله أبي جعفر عبد الله بن الإمام القادر بالله في يوم الخميس الثالث عشر من شعبان ، وأمه أم ولد تسمى قطر الندى رومية ، وأدركت خلافته وماتت في رجب سنة اثنتين وخمسين وأربعمائة ، وكان مولده في الساعة الثالثة من نهار يوم الخميس ، وقيل الجمعة الثامن عشر من ذي القعدة سنة إحدى وتسعين وثلاثمائة وتولى الأمر بعد أبيه وعمره إحدى وثلاثون سنة في يوم الاثنين الحادي عشر من ذي الحجة سنة اثنتين وعشرين وأربعمائة ، (ومات) (١) وعمره ست وسبعون سنة ، وكانت أيامه أربعا وأربعين سنة وتسعة أشهر وأياما ، وكان جميلا مليح الوجه أبيض اللون مشربا حمرة ، حسن الجسم أبيض الرأس واللحية ، ورعا متدينا زاهدا عالما (٢) ، وكان رحمه‌الله قد بلي من أرسلان الفساسيري بما بلي إلى أن أهلكه الله وأراحه ، بالعزائم السلطانية ، حسب ما تقدم به شرح الحال.

وروي عنه أنه لما اعتقل في الحديثة كتب رقعة ، وأنفذها إلى مكة حرسها الله تعالى مستعديا (٦١ ظ) إلى الله تعالى على الفساسيري ، وعلقت على الكعبة ، ولم تحط عنها إلى أن ورد الخبر بخروجه من الاعتقال من الحديثة ، وعوده إلى داره ، وهلاك عدوه الفساسيري ، وعنوانها :

__________________

(١) أضيف ما بين الحاصرتين كيما يستقيم السياق.

(٢) ترجم له سبط ابن الجوزي في وفيات سنة / ٤٦٧ / وتحدث عن أسباب وفاته ، فبين أن الامراض أخذت تنتابه نتيجة للمصائب التي حلت به ، وأنه فصد في أحد الايام ، فانفجر فصاده في الليل وخرج منه دما كثيرا سبب موته.

١٧١

«إلى الله العظيم ، من المسكين عبده». ونسخة الاستغاثة (١) :

«بسم الله الرحمن الرحيم»

اللهم إنك العالم بالسرائر ، والمطلع على مكنون الضمائر ، اللهم إنك غني بعلمك واطلاعك على خلقك عن إعلامي (٢) ، هذا عبد من عبيدك قد كفر نعمتك وما شكرها ، وألغى العواقب وما ذكرها ، أطغاه حلمك وتجبّر بأناتك حتى تعدى علينا بغيا وأساء إلينا عتوا وعدوانا.

اللهم قل الناصر ، واعتز الظالم ، وأنت المطلع العالم والمنصف الحاكم ، بك نعتزّ عليه ، وإليك نهرب من [بين](٣) يديه ، فقد تعزز علينا بالمخلوقين ، ونحن نعتزّ بك يا رب العالمين.

اللهم إنّا حاكمناه إليك ، وتوكلنا في انصافنا منه عليك ، ورفعنا ظلامتنا هذه الى حرمك ، ووثقنا في (٤) كشفها بكرمك ، فاحكم بيننا بالحق وأنت خير الحاكمين ، وأظهر اللهم قدرتك فيه ، وأرنا ما نرتجيه فقد أخذته العزة بالإثم.

اللهم فاسلبه عزه ، وملكنا بقدرتك ناصيته يا أرحم الراحمين ، وصل يا رب على محمد وسلم وكرم».

__________________

(١) أثبت ابن العديم في كتابه (بغية الطلب) نص هذه الاستغاثة في ترجمته للبساسيري ، انظر مدخل الى تاريخ الحروب الصليبية : ٢٦٣. وعلى رواية ابن العديم ضبط نص ابن القلانسي.

(٢) في رواية ابن العديم زيادة «عن اعلامي بما أنا فيه».

(٣) زيادة من رواية ابن العديم.

(٤) في رواية ابن العديم : وقد رفعت ظلامتي الى حرمك ، ووثقت في كشفها بكرمك ......

١٧٢

وتولى بعده الأمر ولد ولده الإمام أبو القاسم عبد الله (١) بن ذخيرة الدين [بن](٢) القائم بأمر الله أمير المؤمنين ، وكان ذخيرة الدين ، ولي العهد ، فتوفي في حياة أبيه القائم بأمر الله ، فعقد الأمر لابنه أبي القاسم عبد الله ، ولقبه المقتدي بالله ، وأخذت له البيعة في شعبان سنة سبع وسبعين وأربعمائة ، وعمره تسع عشرة سنة وثلاثة أشهر وأيام.

وفي هذه السنة وردت الأخبار من ناحية حلب بوفاة صاحبها الأمير محمود بن شبل الدولة بن صالح ، بحلب في جمادى الأولى ، وقام في منصبه ولده الأمير نصر بن محمود (٣) ، وهنّأه بعد التعزية الأمير أبو الفتيان بن حيوس بالقصيدة الألفية المشهورة التي يقول فيها :

وقد جاد محمود بألف تصرّمت

وإني سأرجو أن سيخلفها نصر (٤)

فأطلق له ألف دينار ، وقال له : لو كنت قلت «سيضعفها نصر» لفعلت.

* * *

__________________

(١) في الأصل «عبد الرحمن» وهو تصحيف صوابه ما أثبتنا.

(٢) أضيف ما بين الحاصرتين كيما يستقيم السياق.

(٣) أوصى محمود قبل وفاته بحلب لابنه شبيب ، وكان أصغر أولاده ، فلم تنفذ وصيته. انظر زبدة الحلب : ٢ / ٤٢ ـ ٤٥.

(٤) القصيدة رائية ، لعلها عرفت بالألفية لما جاء فيها ، واختلفت روايات هذا البيت ، انظر ديوان ابن حيوس : ١ / ٢٤٨. زبدة الحلب : ٢ / ٤٦.

١٧٣

سنة ثمان وستين وأربعمائة وفيها :

ولاية الأمير رزين الدولة لدمشق

(٦٢ و) لما هرب معلى بن حيدرة بن منزو (١) لعنه الله من ولاية دمشق على القضية [التي سبق](٢) ذكرها اجتمعت المصامدة إلى الأمير رزين الدولة انتصار بن يحيى ، زمامهم والمقدم عليهم واتفق رأيهم على تقديمه في ولاية دمشق ، وتقوية نفسه على الاستيلاء عليها ، ودفع من ينازعه فيها ، ووقع ذلك من أكثر الناس أجمل موقع ، وأحسن موضع ، وارتضوا به ، ومالوا إليه لسداد طريقته ، وحميد سيرته ، وكونه أحسن فعلا ممن تقدمه ، وأجمل قصدا ممن كان قبله ، فاستقر الأمر على هذه القضية ، والسجية المرضية في يوم الأحد مستهل المحرم من السنة.

وفي هذه السنة اشتد غلاء الأسعار في دمشق ، وعدمت الأقوات ، ونفذت الغلات منها ، واضطر الناس إلى أكل الميتات ، وأكل بعضهم بعضا ، ووقع الخلف بين المصامدة وأحداث البلد ، وعرف الملك أتسز بن أوق مقدم الأتراك [ذلك](٣) وما آلت إليه الحال ، وكان متوقعا لمثل ذلك ، فنزل عليها ، وبالغ في المضايقة لها ، إلى أن اقتضت الصورة ، وقادت الضرورة إلى تسليمها إليه بالأمان ، وتوثق منه بوكيد الأيمان.

فلما دخلها في ذي القعدة سنة ثمان وستين وأربعمائة وحصل بها ، نزل بأهلها منه قوارع البلاء ، بعدما عانوه من ابن منزو لعنه الله ، واشتداد البلاء من

__________________

(١) انظر ما تقدم ص : ١٦١.

(٢) أضيف ما بين الحاصرتين كيما يستقيم سياق الخبر.

(٣) أضيف ما بين الحاصرتين كيما يستقيم السياق ، وقد آثرت ذلك على حذف «واو» ما آلت.

١٧٤

إنزال دورهم وإخراجهم منها ، واغتصاب أملاكهم والقبض لها ، واستعمال سوء السيرة وخبث النية والسريرة ، وتواصلت الدعوات عليه من سائر الناس ، وعلى أصحابه وأتباعه في جميع الأوقات ، وأعقاب الصلوات والرغبة إلى الله تعالى ذكره باهلاكه وتعفية آثاره (١).

وفي هذه السنة وردت الأخبار من حلب بأن الأمير نصر بن محمود بن صالح صاحبها ، قتل بها في يوم الأحد عيد الفطر ، قتله قوم من أتراك الحاضر (٢) ، وذاك أنه قبض على مقدمتهم المعروف بالأمير أحمد شاه ، وخرج إليهم لينهبهم ، فرماه أحدهم بسهم فقتله ، وقام في منصبه من بعده أخوه سابق بن محمود بن صالح (٣).

وفي هذه السنة خطب للامام المقتدي بالله أبي القاسم عبد الله بن الذخيرة بن القائم بأمر الله على منبر دمشق ، وقطعت الخطبة المستنصرية (٦٢ و) ، ونظر الملك أتسز بن أوق في أمور دمشق وأحوالها بما يعود بصلاح أعمالها ووفور استغلالها ، وأطلق لفلاحي المرج والغوطة الغلات للزراعات ، وألزمهم الاشتغال بالعمارات والفلاحات ، فصلحت الأحوال وتواصلت من سائر الجهات الغلات ، ورخصت الأسعار ، وتضاعف

__________________

(١) سوغ أتسز مثل بقية التركمان ما أوقعوه بسكان دمشق وسواها من بلاد الشام بمسوغ عقائدي ، على أساس أن التركمان كانوا سنّة ، وكان أهل الشام شيعة ، وعلى العموم كره أهل الشام أتسز كثيرا ، ولعنوه وسموه «أقسيس» ومع ذلك نلاحظ أنه بعد زوال التشيع من دمشق ، تبدلت النظرة إلى أتسز ، فهذا ابن كثير ، وهو من متأخري مؤرخي دمشق قد اعتبره بأنه «كان من خيار الملوك وأجودهم سيرة ، وأصحهم سريرة ، أزال الرفض عن أهل الشام ، وأبطل الأذان بحي على خير العمل ، وأمر بالترضي عن الصحابة أجمعين ، وعمر بدمشق القلعة التي هي معقل الاسلام بالشام المحروس ، فرحمه‌الله ، وبل بالرحمة ثراه ، وجعل جنة الفردوس مأواه». البداية والنهاية : ١١ / ١١٢ ـ ١١٣. مدخل إلى تاريخ الحروب الصليبية : ٢٦٦ ـ ٢٦٧.

(٢) الحاضر السليماني حيث محلة السليمانية الآن في مدينة حلب.

(٣) انظر حول تفاصيل ذلك كتابي مدخل إلى تاريخ الحروب الصليبية : ١٦٧ ـ ١٦٩

١٧٥

الجذل بذلك والاستيثار ، وطابت نفوس الرعية وأيقنوا بزوال البؤس والبلية ، وبرز أتسز في عسكره الى نواحي الساحل عازما على قصد مصر وطامعا في تملكها.

سنة تسع وستين وأربعمائة

فيها جمع الملك أتسز واحتشد ، وبرز من دمشق ، ونهض في جمع عظيم إلى ناحية الساحل ، ثم منها إلى ناحية مصر طامعا في ملكتها ، ومجتهدا في الاستيلاء عليها ، والدعاء عليه من أهل دمشق متواصل ، واللعن له متتابع متصل (١).

فلما قرب من مصر وأطلت خيله عليها ، برز إليه أمير الجيوش بدر في من حشده من العساكر ، ومن انضاف إليها من الطوائف والعرب ، وكان قد وصل إليها واستولى على الوزارة (٢) وعرف ما عزم عليه

__________________

(١) هذا الكلام يناقض ما سبقه ، وفيه دليل على أن ابن القلانسي اعتمد على روايات متباينة ولم يقم بالتنسيق بينها ، بل اكتفى بالنقل بعد حذف الأسانيد وأسماء المصادر ، وفي مرآة الزمان ، حوادث سنة ٤٦٩ وصف لأحوال دمشق فيه تفاصيل مدهشة منها : «ولم يبق بها من أهلها سوى ثلاثة آلاف إنسان بعد خمسمائة ألف أفناهم الفقر والغلاء والجلاء ، وكان بها مائتان وأربعون خبّازا ، فصار بها خبّازان ، والأسواق خالية ، والدار التي كانت تساوي ثلاثة آلاف دينار ينادى عليها عشرة دنانير فلا يشتريها أحد ، والدكان الذي كان يساوي ألف دينار ما يشترى بدينار ، وكان الضعفاء يأتون للدار الجليلة ذات الأثمان الثقيلة ، فيضربون فيها النار فتحرق ، ويجعلون أخشابها فحما يصطلون به ، وأكلت الكلاب والسنانير ، وكان الناس يقفون في الأزقّة الضيقة فيأخذون المجتازين فيذبحونهم ويشوونهم ويأكلونهم ، وكان لامرأة داران قد أعطيت قديما في كل دار ثلاثمائة دينار أو أربعمائة ، ولما ارتفعت الشدّة عن الناس ظهر الفأر ، فاحتاجت إلى سنور فباعت إحدى الدارين بأربعة عشر قيراطا ، واشترت بها سنورا.

(٢) أورد المقريزي في كتابه المقفى ترجمة لبدر الجمالي تحدث بها عن استيلائه على السلطة في القاهرة ، فقال بعدما وصف أخذ أتسز لدمشق وفلسطين : «فلم يزل أمير الجيوش بعكا إلى أن انتهكت حرمة المستنصر بتغلب ناصر الدولة الحسن ابن حمدان إلى أن قتل ، فاستطال عليه الأمير يلدكوز والأتراك والوزير ابن

١٧٦

..........................

__________________

أبي كدينة ، فكتب إلى أمير الجيوش كتابا من املاء الوزير أبي الفرج محمد بن جعفر بن المغربي ، وهو يومئذ يتولى الانشاء ، يستدعيه للقدوم عليه ، وانجاده ، من جملته : فإن كنت مأكولا ، فكن خير آكل ، وإلّا فأدركني ولما أمزق.

فلما بلغه الكتاب قال : لبيك ، وكررها ثلاثا ، وكتب إلى المستنصر يشترط عليه أنه لا يقدم إلّا بعسكر معه ، وأنه لا يبقي على أحد من عساكر مصر ، فأنعم له بذلك ، فسار من عكا بمائة مركب مشحونة بالأرمن وغيرهم من العسكر ، فنهاه الناس عن ركوب البحر من أجل أن الوقت شتاء في كانون الأول ، فأبى ونزل على دمياط بعد يومين من اقلاعه ، فزعم البحرية أنهم لم يعرفوا صحوة تمادت أربعين يوما في الكوانين إلّا هذه ، فكان هذا الأمر بدء سعادته ، واستدعى تجار تنيس واقترض منهم مالا ، وأقام له سليمان اللواتي بالعليق وغيره من الضيافة ، وسار إلى ظاهر قيلوب ، وبعث إلى المستنصر يقول له : لا أدخل إلى القاهرة ما لم تقبض على يلدكوز ، فأمسكه ، وعبر أمير الجيوش عشية يوم الأربعاء لليلتين بقيتا من جمادى الأولى سنة ست وستين وأربعمائة ، ودخل على المستنصر ، فاستدعاه وقربه ، ودعا له وشكر سعيه ، وبالغ في كرامته ، وقرر أن يكون السفير بينه وبين أمير الجيوش الوزير ابن المغربي كاتب الانشاء ، فصار ابن المغربي إليه ، وعرفه ما فيه الغرض ، وصار من خواصه ، ولم يكن عند أهل الدولة علم من أن المستنصر استدعاه ، وظنوا أنه قدم زائرا ، فلم يتأخر أحد منهم عن ضيافته ، والقيام بما يتعين من كرامته ، وقدموا إليه أشياء كثيرة ، وحين كملت خدمة الجميع ، استدعى الأمراء إلى دعوة صنعها لهم ، وقرر مع خواصه أنه إذا بات الأمراء ، وجهم الليل ، فإنه لا بد لكل واحد منهم أن يصير إلى الخلاء لقضاء حاجته ، فمن صار منهم إلى الخلاء يقتل فيه ، ووكل بكل أمير واحدا من أصحابه ، وجعل له سائر ما هو بيد ذلك الأمير من اقطاع وجار ودار ومال وجواري وغير ذلك ، فلما حضر الأمراء عنده ، وقام لهم بما يليق بهم ظلوا نهارهم عنده ، وهم في أرغد عيش ، وباتوا مطمئنين إليه ، فلم يطلع الفجر حتى استولى أصحاب أمير الجيوش على بيوت الأمراء ، وصارت رؤوس الأمراء بين يديه ، فقويت شوكته ، وانبسطت يده ، وخلت الديار له من كل منازع ، فاستدعاه حينئذ المستنصر ، وقرره في الوزارة ورد إليه الأمور كلها ، وعاهده على ذلك ، وكتب له سجل نعت فيه «بالسيد الأجل أمير الجيوش ، كافل قضاة المسلمين وهادي دعاة المؤمنين ، وصار القاضي والداعي نائبين عنه يقلدهما هو».

١٧٧

أتسز (١) ، فاستعد للقائه وتأهب لدفع قصده واعتدائه ، وجد في الايقاع به (٢) ، وحصلت العرب وأكثر العساكر من ورائه ، وصدقوا الحملة عليه

__________________

(١) في ترجمة أتسز للمقريزي في كتابه المقفى معلومات مفيدة عن حملة أتسز على مصر ومحرضاته ، ومما جاء فيها : «وكثر عسكره ـ أتسز ـ بمن فر إليه من مصر خوفا من أمير الجيوش بدر الجمالي ، وحدثته نفسه بأخذ مصر ، فسار إليها في سنة تسع وستين وأربعمائة ، وقد صار إليه ناصر الجيوش ، أبو الملوك تركان شاه بن سلطان الجيوش يلدكوز ، وأهدى إليه ستين حبة لؤلؤ تزيد زنة الحبة منها على مثقال ، وحجر من ياقوت زنته سبعة عشر مثقالا ، في تحف كثيرة ، مما كان قد أخذه أبوه من خزائن القصر ، وأغراه بأخذ مصر ، وأطمعه في أهلها ، فحشد ، وهم على حين غفلة ، وكان أمير الجيوش قد خرج لقتال العرب بالصعيد ، فنزل أتسز في أرياف مصر ، وأقام بها شهر جمادى وبعض شهر رجب ، ومعه نحو الخمسة آلاف ، فلما بلغ ذلك أمير الجيوش قدم إلى القاهرة ، واستعد إلى لقائه ، وخرج في يوم الخميس سابع عشر رجب ، وسير المراكب في النيل بالعلوفات والميرة ، وسار في نحو الثلاثين ألفا ما بين فارس وراجل فخافه أتسز وعزم على العودة عن مصر إلى الشام».

(٢) نقل لنا صاحب مرآة الزمان في أخبار سنة / ٤٦٩ ه‍ / تفاصيل هامة جدا عن حملة أتسز ، سبق لأمدروز ناشر ابن القلانسي الأول أن أثبتها في الحاشية ، ولقد أبقيتها بعدما ضبطتها على مخطوطتي باريس وأحمد الثالث في استانبول : «وفي رجب ـ ٤٦٩ ه‍ ـ عاد أتسز الخوارزمي إلى دمشق منهزما من القاهرة ، في خمسة عشر فارسا ، وقد نهبت أمواله ، وقتلت رجاله ، وكان لما تسلم دمشق تصور في عزمه قصد مصر ، فجمع من التركمان ، والأكراد والعرب ، عشرين ألفا ، ووصل إلى الريف ، وأقام نيفا وخمسين يوما ، يجمع الأموال ، ويسبي الحريم ، ويذبح الأطفال ، وهو يراسل بدر الجمالي ، ويطلب المال ، وقد انزعج الناس ، وكان عسكر مصر بالصعيد ، يحارب العبيد ، فضمن له بدر مائة وخمسين ألف دينار ، واستدعى من كان بالصعيد من العساكر والسودان ، وكان مع اتسز بدر بن حازم الكلبي في ألفي فارس ، فاستماله بدر ، فانتقل إلى القاهرة ، وورد القاهرة ثلاثة آلاف رجل في المراكب لنية الحج ، فقال لهم بدر : دفع هذا العدو أفضل من الحج ، وأعطاهم المال والسلاح ، وقال لوالد شكلي التركماني الهارب من أتسز : كاتب التركمان ، فكاتبهم وأفسد منهم نحو من سبعمائة غلام وكانوا كارهين لأتسز من شحه وعسفه ، واتفقوا أن الحرب متى قامت استأمنوا إلى بدر ، وصار أتسز إلى القاهرة في

١٧٨

فكسروه وهزموه ، ووضعوا السيوف في عسكره قتلا وأسرا ونهبا ، وأفلت

__________________

أواخر جمادى الآخرة ، فأرسل بدر ألفي فارس يصدمونه ، حتى يستأمن من أفسدهم أبو شكلي ، فلم يستأمن أحد فكسرهم أتسز ، فرجعوا مفلولين إلى القاهرة ، وكان التجأ اليها أهل الضياع والأصقاع ومصر والتجار ، فوقفوا على باب القصر باكين صارخين ، فخرج من المستنصر خادم فقال : يقول لكم أمير المؤمنين إنما أنا واحد منكم ، وعوض ما تتضرعون على بابي وتبكون ، فارجعوا إلى الله تعالى وتضرّعوا له ، ولازموا المساجد والجوامع ، وصوموا وصلوا ، وأزيلوا الخمور والمنكرات ، فلعل الله يرحمني وإياكم ، ويكشف عنا ما قد نزل بنا ، فعاد الناس إلى المساجد والجوامع ، وخرجت النساء كاشفات الوجوه منتشرات الشعور يبكين ويستغثن ، والرجال يقرأون القرآن ، وكان بدر الجمالي قد هيأ المراكب والسفن ، إن رأى غلبة نزل فيها إلى الاسكندرية وكذا صاحب مصر ، فضج الناس ، وقصدوا باب القصر وقالوا : تمضي أنت وبدر في السفن ونهلك نحن؟ فخرج الجواب : إني معكم مقيم ، فإن مضى أمير الجيوش إلى حيث يطلب السلامة ، فهاهنا من السفن ما يعمكم ، مع أنني واثق من الله بالنصر ، وعندنا في الكتب السالفة أن هذه الأرض لا تؤتى من الشرق ، ومن قصدها هلك ، فلمّا كان وقت السحر خرج بدر إلى ظاهر القاهرة والعسكر معه ، وأقبل أتسز في جحافله والدبادب والبوقات بين يديه ، فرأى بدر ما لم يظن له به طاقة ، وكان بدر قد أقام بدر بن حازم من وراء أتسز كمينا في ألفي فارس ، فخرج من ورائهم ، فأخذ البغال المحملة ، وضرب النار في الخيم والخركاوات ، واستأمن إلى والد شكلي السبعمائة غلام وكانوا في الميسرة ، وحمل بدر على الميمنة فهزمها ، وحمل السودان على القلب وفيه أتسز ، فانهزم وقتل من كان حوله ، وتبعهم السودان والعرب أسرا وقتلا إلى الرمل ، وغنموا منهم غنائم لم يغنمها أحد قبل ذلك ، وكان فيما أخذ ثلاثة آلاف حصان ، وعشرة آلاف صبي وجارية ، وأما من الأموال والثياب فمالا يحصى ، وأقاموا مدة شهر رجب يحوزون الأموال والخيل والأمتعة والأسارى ، وجاء العسكر وأهل البلاد إلى باب القصر ، فضجوا بالأدعية ، فخرج إليهم جواب المستنصر : قد علمتم ما أشرف من الأمر العظيم ، والخطب الجسيم ، الذي لم يخطر في نفوسنا القدرة على دفعه وردّه حتى كشفه الله تعالى ، وما يجب ان يكون في مقابلته إلّا الشكر لله تعالى على نعمته ، ومتى وجد انسان على فاحشة ، كان دمه وماله في مقابلة ذلك ، ثم وجد بعد ذلك ستة سكارى فأخذوا وخنقوا ، وزال ما كان بمصر من الفساد ، ولازموا الصلوات وقراءة القرآن

١٧٩

هزيما بنفسه في نفر يسير من أصحابه ، ووصل الى الرملة وقد قتل أخوه ،

__________________

ومضى أتسز في نفر يسير ، فلما وصل غزة ، ثار أهلها به ، وقتلوا جماعة ممّن كان معه ، فهرب إلى الرملة فخرج إليه أهلها فقاتلوه وقتلوا بعض من كان معه ، فهرب إلى دمشق في بضع عشرة نفسا ، فخرج إليه ولده ومسمار أحد أمراء الكلبيين وكان قد استخلفهما بدمشق في مائتي فارس من العرب ، وكان وصوله في عاشر رجب ، فنزل بظاهرها في مضارب ضربها له مسمار ، وخرج إليه أهل البلد فخدموه وهنأوه بالسلامة وشكوه ، وشكرهم وأطلق لهم خراج تلك السنة ، وأحسن إليهم ووعدهم بالجميل ، فقام واحد منهم من الأعيان ، فقال : أيها الملك العادل ـ وبه كان يخاطب ويخطب له ـ قد حلفت لنا وحلفنا لك ، وتوثقت منّا ، وأنا والله أصدقك وأنصحك ، قال : قل ، قال : قد عرفت أنه لم يبق في البلد عشر العشر من الجوع والفاقة والفقر والضعف ، ولم يبق لنا قوة ومتى غلقت أبواب هذا البلد من عدو قصده ، ورمت منا منعه أو حفظه فإن كنت مقيما بيننا فنحن بين يديك مجتهدون ولك ناصحون ، وإن بعدت عنا فلا طاقة لنا بالقتال مع الفقر والضعف ، فلا تجعل للعدو سببا لهلاكنا ومؤاخذتنا ، فقال : صدقت ونصحت ، وما أبعد عنكم ولا اخليكم من عسكر يكون عندكم ، ثم أقام بدمشق ، وجاءه التركمان من الروم ، ولم يستخدم غيرهم ، وعصى عليه أهل الشام وأعادوا خطبة صاحب مصر في جميع الشام ، وقام بذلك المصامدة والسودان ، وكان أتسز وأصحابه قد تركوا أموالهم وأولادهم بالقدس فوثب القاضي والشهود ، ومن بالقدس على أموالهم ونسائهم ، فنهبوها ، وقسموا التركيات بينهم واستعبدوا الأحرار من الأولاد واسترقّوهم ، فخرج من دمشق فيمن ضوى إليه من التركمان ، ووصل إلى قريب القدس ، وراسلهم وبذل لهم الأمان ، فأجابوه بالقبيح وتوعدوه بالقتال ، فجاء بنفسه إلى تحت السور ، وخاطبهم فسبوه ، وقاتلهم يوما وليلة ، وكان ماله وحرمه في برج داود ، ورام السودان والمصامدة الوصول إليهم فلم يقدروا ، وكان في البرج رتق إلى ظاهر البلد ، فخرج أهله منه إليه ، ودلوه عليه ، فدخل منه ومعه جماعة من العسكر ، وخرجوا من المحراب ، وفتحوا الباب ودخل العسكر ، فقتلوا ثلاثة آلاف إنسان ، واحتمى قوم بالصخرة والجامع ، فقرر عليهم الأموال حيث لم يقتلهم لأجل المكان ، وأخذ من الأموال شيئا لا يبلغه الحصر ، بحيث بيعت الفضة بدمشق كل خمسين درهما بدينار ، مما كان يساوي ثلاثة عشر درهما بدينار ، وقتل القاضي والشهود صبرا بين يديه ، وقرر أمور البلد ، وسار إلى الرملة فلم ير فيها من أهلها أحدا ، فجاء إلى

١٨٠